رواية جبران العشق الجزء الثاني الفصل الحادي عشر
لو فاكر أنك فهمت اللعبة
تبقى اللعبة
لعبتك !
____________
- أنت فاكر أنك هتعرف تضحك عليا ولا إيه يا أبو كايلا !!
في تلك اللحظة توسعت حدقتي جبران ذهولا ، نظر سريعًا صوب حسن الذي أستعد وضع يده على السلاح في جيبه ، سيطلق الرصاص على رزق أن حاول إيذاء جبران ، دنى رزق من جبران يهمس غاضبًا :
- عشان أكدة مش عايز تلمس أمنية خايف على زعل السنيورة التانية ، وياريتها جيبالك واد زي أمنية ، دي جيبالك بت
هنا تنفس جبران الصعداء يشير لحسن خفية أن يثبت مكانه ، قطب حسن جبينه ينظر لما يحدث أمامه مستنكرا ، قام جبران ينفض الغبار عن ثيابه يضحك قبل أن يعانق والده ، ضحك رزق هو الآخر يعانقه ، فقبل جبران يده ورأسه يهمس له :
- كانت جنبي في شدتي يا حج ، سهرتي لخدمتي أيام وشهور حبتها واتجوزتها ، وأنا ما عملتش حاجة حرام الشرع محللي أربعة ولا أيه يا حج رزق
أمسك رزق بساعده يجذبه بعيدًا عن الضوضاء وقف أمامه يعقد ذراعيه يتحدث غاضبا :
- وهو الشرع اللي بتتكلم بيه يا معلم جبران ، قالك تعدل بيناتهم ، أنت مش عايز تلمس مرتك عشان الهانم اللي ممشياك على هواها ، منبه عليك ما تلمسهاش مش أكدة ؟!
هنا تأكد جبران أن رزق لم يعلم الحقيقة هو فقط علم أن لديه زوجة ثانية ، أراد أن يقول شيئا ولكن رزق تحدث غاضبًا :
- أنا مش هقولك طلج مرتك التانية ، ومش هقولك هاتها اهنه تعيش معانا عشان ما أشندلش بالك بغيرة الضراير ، بس اللي أنا عاوزة منك ، أنك تعدل ما بينهم ، أمنية ليها حق عليك ، أنت هاجرها من سنين ، مش دي أمنية اللي حفيت عشان تتجوزها
لم يتمكن جبران من مغالبة فضوله أراد بشدة أن يعرف كيف تزوج جبران الحقيقي من تلك المسكينة ، ولما تكرهه لتلك الدرجة ، تنهد يسأل أبيه :
- هو أنا كنت بحبها ، أنا مش فاكر
تنهد رزق متضايقا من الحال الذي صاب ولده ، حرك رأسه لأعلى وأسفل قبل أن يردف :
- ايوة يا ولدي ، كنت بتحبها أوي وغرضك تتجوزها بأي شكل ، لما خلصت ثانوية عامة كانت جايبة مجموع كبير وكان نفسها تدخل الطب ، بس أبوها كان على قد حاله ، وأنا دفعتله فلوس كتير عشان يرفض تكمل علامها وتتجوزك ، مش فاكر ليلة دخلتك كمان ، دي البت نزفت لما كانت هتموت وجرينا بيها على المستشفى ، والدكتورة قالت أنك اغتصبتها
تجعدت ملامحه اشمئزازا مما يسمع عن تلك الشخصية التي من المفترض أن يكون مكانه ، والآن عذر المسكينة أمنية ، جبران الوغد دمر حلمها ، وتزوجها غصبًا ، واعتدى عليها كما الحيوانات ، لها كامل الحق في كرهه ، يكاد يقسم أن ما حدث لجبران الحقيقي هو عقاب له على ما أجرم في حق الفتاة ، جبران ذلك كان وغدًا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى
انتبه على صوت أبيه يتحدث وهو يدفعه في كتفه :
- يلا استهدى بالله يا ولدي واخزي الشيطان واطلع لمرتك
كاد أن يضحك ساخرًا ويخبره أنه هو الشيطان هنا ، ولكن بدل من ابتسم يردف سريعا :
- ماشي يا حج بس آخر الليل خليني قاعد معاكوا دلوقتي الليلة لسه في أولها
ولكن رزق رفض ودفعه في كتفه بقوة يتحدث منفعلا :
- لاء ، الست صيناك وحافظة اسمك بقالها 8 سنين ، واحدة تانية كانت خلعتك ، يلا يا واد اخزي الشيطان وخش لمرتك ، وما تسمعش كلام السنيورة المصراوية بدل ما أخليك تلطقها
تجاهل جبران كلام رزق عن وتر يحاول قدر الإمكان ألا تظهر سيرتها في الحديث ، ضحك يعانق رزق :
- ما هو يا حج أنا لسه ما شبعتش منك ، وبعدين أنا هنا أهو ، هروح فين
رزق لم يتقبل رفض جبران بأي شكل بل جذبه بكل عنف صوب الداخل ، يصعد به السلم وقف أمام غرفته هو وأمنية ، يدفعه في كتفه يحادثه غاضبا :
- هم يا واد قوام ، وما تخرجش من الأوضة دي إلا ومرتك حامل فاهم ولا لاء ، وبكرة أنا هسأل أمنية، إن كنت نفذت كلامي ولا سمعت كلام السنيورة بتاعت مصر ، أم شعر قصير ، وبنطلون ، بلا قلة حيا ، جبت لنفسك قلة القيمة يا ابن رزق
وفتح باب الغرفة ودفعه للداخل وسمع جبران صوت المفتاح وهو يُغلق الباب عليه من الخارج أمامه مباشرة رأى أمنية ، تجلس على مقعد جوار النافذة تشاهد ما يحدث بالخارج عينيها معلقة بسعد طفلها الصغير وهو يضحك سعيدًا ، حركت عينيها إلى جبران نظرت إليه عدة لحظات قبل أن تبتسم ساخرة تردف :
- تعرف يا جبران أنا كان نفسي ما ترجعش كنت بدعي ليل نهار أنك تموت وأبقى أرملة أحسن من القرف اللي أنا عايشة فيه دا
أراد أن يخبرها أن دعوتها استجابت وأن جبران مات ولكن لن يستطيع الآن على أقل تقدير ، وقفت أمنية عن مكانها تتحدث منفعلة غاضبة :
- أنا مش هسمحلك تلمسني تاني ، أنا ما صدقت نضفت من لمساتك المقرفة ، ومش هسمع كلام أبوك تاني ، أنا كنت بسمع كلامه عشان كان بيقولي انه هيخليك تطلقني ، بس كان بيضحك عليا وعايزني أحمل منك تاني ، ودا على جثتي يا جبران
ابتسم يتنهد بارتياح ، رفع يديه أمامه قليلا أقترب منها يهمس بصوت خفيض للغاية :
- اهدي ووطي صوتك ليكون رزق واقف برة ، أنا كدة كدة مش ناوي ألمسك ، أنا اتجوزت دلوقتي وبحب مراتي ومش ناوي ألمس غيرها ، بس لما رزق يسألك أنا لمستك ولا لاء ، هتقوليله ايه ؟
عقدت أمنية جبينها قلقة تنظر إليه خائفة منذ متي وجبران يتحدث بكل ذلك الهدوء تتذكر في إحدى المرات حين رفضت اقترابه منها ، ظل يضربها حتى خبت مقاومتها واعتدى عليها بكل دناءة ، ابتلعت لعابها خائفة تعود خطوتين للخلف تحسبا لأي حركة غدر منه تهمس :
- هقوله اللي أنت عاوزه ، هقوله أنك لمستني ، شوف إنت عايزني أقوله ايه ، وأنا هقوله بس ما تقربليش
هنا تنهد يبتسم قبل أن يومأ برأسه يردف بصوت خفيض هامس :
- كويس أوي ، أرمي عينك كدة من الشباك المفتوح شوفي أبويا تحت ولا إيه
توترت أمنية اختلست نظرة سريعة ناحية الخارج فرأت رزق يقف بالأسفل ينظر إليهم يتابع ما يفعلان توترت تهمس خائفة :
- واقف تحت ، شايفنا ، بيبص علينا
تنهد جبران قبل أن يقرر الآتي سيباغت أمنية يبعدها عن النافذة ، أغمض عينيه لحد لحظات حين فتحها مد يده في لحظة ينزع عنه قميصه يتحرك ناحيتها فجاءة يمسك بيديها يدفعها للخلف ، صرخت مذعورة انسكبت دموع عينيها تحاول دفعه بعيدًا عنها ، دفعها إلى الفراش وقبل أن يخبرها أنه لن يمسها ، جز على أسنانه يحاول ألا يصرخ من الألم حين جرحته أمينة فجاءة بنصل سكين كانت تخبئه تحت الوسادة ، انتفض تقف على الجانب الآخر من الفراش ترفع السكين تنهمر دموعها خوفا تهدده :
- لو قربت مني هموتك ، ما كنش لازم اصدقك وأنا عارفة أنك غدار ومالكش أمان ، وضع يده على جرح خصره من الجيد أنه جرح سطحي ، نظر لها يهمس حانقا :
- ما كنتش هلمسك اصلا ، أنا كنت عايز رزق يشوفني وأنا بقرب منك بس ، شوية وروحي اقفلي الشباك وأنا هدخل الحمام
توجه إلى المرحاض يمسح الدماء عن جرحه يبحث عن شيء ليضمه به ، حين دق الهاتف في جيب سرواله ، أخرجه فرأى رقم وتر ، فتح الخط يجيب قلقًا :
- ايوة يا وتر ، خير يا حبيبتي أنتِ كويسة ؟
حمحمت قبل أن تهمس متوترة :
- بقولك أيه يا جبران معلش لو قلقتك ، فاكر دكتور داغر طبعا ، هو دلوقتي عازمنا أنا وكايلا عنده على الغدا بكرة ، وأنا كمان هاخد أمل معايا قولت إيه ؟
استنكر بشدة ما تتصل تسأل عنه ، نظر لجرحه الذي عاد تخرج الدماء منه يردد ساخرًا :
- وأنتِ مستنياني أوافق يعني أن مراتي تروح بيت راجل غريب ، لاء يا وتر مش موافق ، الراجل دا أنا أصلا ما برتحلوش ، هتقوليلي قد أبويا قد عمي ما فيش الكلام دا ، ما فيش مراوح يا وتر
ظنها ستعانده وتثور كما تفعل دومًا ولكنها ردت بكل هدوء :
- حاضر مش هروح
ابتسم وقبل أن يقول شيئا سمع صوت أمنية من الخارج تتحدث بكل دلال :
- جبران كل دا جوا يا حبيبي اطلع بقى يا روحي
قطب جبينه مستنكرًا ما قالت ، ألم تكن تلك من كانت على وشك قتله قبل دقائق وبالطبع وتر أيضا استمعت لما قالت ، وقبل أن يقول يحاول أن يبرر ما حدث أغلقت وتر الخط ، عض على شفتيه غاضبا فتح الباب ينظر إلى أمنية متجهما ولكنها أسرعت تقول سريعًا :
- أبوك كان بيخبط الباب عاوزك عشان كدة قولت كدة
زفر أنفاسه يعض على شفتيه غاضبا ، نظر صوب النافذة فرآها مغلقة ، تحرك صوب الأريكة في الغرفة يلقي بجسدها عليها يتمتم حانقا :
- تصبحي على خير ، اقفلي النور لو سمحتي
______________
في شقة سيدة والدة أمل
خرجت أمل من غرفتها تصرخ غاضبة :
- ابعدي عني بقى يا ماما حرام عليكِ قولتلك مش هروح عند الدجال دا ، أنا مش فاهمة أنتِ إزاي بتحاولي تقنعيني بجد أروح عند دجال عشان أحمل ، دا واحد كافر ، وإحنا لو روحنا هنبقى زيه
تحركت سيدة سريعا تقف أمام ابنتها تحاول إقناعها من منظور أن ( الزن على الودان أمر من السحر ) :
- يا بنتي مش كلهم ، الشيخ جابر دا ولي من أولياء الله الصالحين ، بيصلي الفرض بفرضه دول عاملين ليه مقام في البلد ، الناس اللي زي دول ربنا بيبقى مسخرهم لمساعدة الناس ، بيقولك ما بياخدش لا أبيض ولا أسود ، نروح يمكن يرقيكِ تكوني محسودة ولا مسحورة ولا معمولك عمل يا حبيبتي ، هو أنا هضرك بردوا دا أنا أمك ، وأكتر واحدة تخاف على مصلحتك
عقدت أمل جبينها غاضبة من والدتها ومن نفسها حين شعرت بدأت تميل لما قالت ، تحركت تضع جلباب أسود عليها وغطاء رأسها توجهت صوب الخارج لتصيح سيدة فيها غاضبة :
- أنتِ رايحة فين يا أمل وسيباني بكلم نفسي
مالت أمل ترتدي حذائها تحادثها محتدة :
- الله يكرمك يا ماما اقفلي الموضوع دا ، أنا رايحة عند وتر وهبات عندها ، تصبحي على خير
خرجت تجذب الباب خلفها تأخذ طريقها لمنزل فتحية والدة وتر ، دقت الباب ففتحت لها فتحية ابتسمت ما أن رأتها ترحب بها :
- اهلا يا أمل ادخلي يا بنتي
شكرتها أمل ، خلعت حذائها خارجا ودخلت ما أن باتت في صالة البيت توقفت وابتسمت حين رأت كايلا الصغيرة تجلس على الأرض في منتصف الصالة يحاوطها ألعابهم ، تلعب بكل براءة ، اهتزت حدقتيها ألما ، وارتعشت ابتسامتها ترغب هي الأخرى في طفل أو طفلة ، بدأت كلمات والدتهاب تتسلل بإيقاع خبيث إلى نفسها ، انتبهت حين ركضت كايلا ناحيتها تعانقها تصيح سعيدة :
- طنط أمل وحشتيني يا حبيبي
ضحكت أمل سعيدة قبل أن تميل تحمل كايلا على أحد ذراعيها تقبل وجنتيها أخرجت من حقيبة يدها عدة قطع حلوى تعطيها لها :
- أنتِ اللي حبيبي يا كوكي ، خدي حلوياتك أهي يا ستي ، اومال فين مامي
صفقت كايلا سعيدة تأخذ منها الحلوى قيل أن تشير بيدها إلى باب غرفة والدتها المغلقة ، انزلت أمل كايلا قبل أن تتحرك إلى الغرفة دقت الباب ودخلت ، رأت وتر مضجعة إلى الفراش تُمسك بهاتفها عينيها شاردة ، تحركت ناحيتها تمازحها :
- ايه يا بنتي ، بخبط عليكي ما ردتيش ، قولت نامت ، اللي واخد عقلك ، وحشك المعلم جبران
جلست أمل أمام وتر التي أعتدلت في جلستها تخبر أمل بما سمعت في مكالمتها الأخيرة معه قبل أن تردد حانقة :
- قال وأنا اللي صدقته لما قالي يا حرام دي مغصوبة على جوازتها من جبران ، وأنا سمعاها بودني ، بتقوله يا حبيبي يا روحي يا قلبي ، وأنت اتأخرت جوا في الحمام ،تفتكري جبران بيخوني يا أمل
ربعت أمل ساقيها تحرك رأسها للجانبين تقول تهدئها :
- لا يا وتر ما افتكرش ، يا بنتي جبران كان عايش في الحارة سنين قبل ما أنتي تيجي ، عمره ما عمل علاقة مع واحدة في الحرام، الحارة كلها أوضة وصالة يعني لو كان بيعمل كدة كانت الناس كلها عرفت ، وبعدين هو بيحبك ، وأكيد الست دي قالت كدة عشان سبب ، يمكن عرفت أن هو بيكلمك فكانت عاوزة تغيظك مثلا
تنهدت وتر حانقة تحاول أن تُقنع نفسها بكلمات أمل حتى لا تُجن :
- أتمنى يكون فعلا كدة ، بدل ما أقتله وأدخل فيه السجن
ضحكت أمل بخفة ، قبل أن تنزع حجاب رأسها وتزيل جلبابها الأسود من فوق ملابسها البيتية تردف ضاحكة :
- أنا هبات عندكوا النهاردة ، هنام جنل كوكي وانتي نامي جنب أمك ، أحسن أمي هتخلي آخر برج فاضل في دماغي يطير من كتر الزن
تضايقت وتر مما تفعل سيدة والدة أمل ، السيدة تمتلك قوة جبارة في الإلحاح الذي لا يتوقف أبدًا ، وتحاول دائما إخافة أمل أن حسن سيتزوج عليها ، تنهدت وتر تربت على يدها برفق :
- سيبك منها أنا وأنتي وبابا وماما وناهد وكلنا عارفين إن حسن مستحيل يتجوز عليكِ ، بقولك إيه صحيح في حاجة عايزة أقولك عليها
وسريعا أخبرتها بأمر داغر وعزيمته ورفض جبران ، قطبت أمل جبينها تقول مستنكرة :
- مش بتقولي أنه راجل كبير في السن وبيعتبرك زي بنته ، وبيحب كايلا ، جبران قلقان منه ورافض ليه ؟
رفعت وتر كتفيها تخبرها أنها حقًا لا تعلم قبل أن تردف فجاءة :
- تعالي معايا ونروح تغيير جو ، صدقيني الراجل طيب جداا ومريح جداا في الكلام معاه ، حساه عوض ليا عن بابا ، بس من غير جبران ولا حسن يعرفوا قولتي إيه ؟
____________
في ظلام الليل الحالك في حفرة كبيرة أسفل منزل محمود ، وقف سفيان ومعه محمود وأحد أبنائه الذكور ، وأمامهم أرضا فتاة صغيرة من ذوي الاحتياجات الخاصة اختطفها محمود من بيت أحد الجيران ، مخدرة لا تعي بما يحدث حولها ، تحرك سفيان ناحيتها ورسم دائرة حولها قبل وحاوطها بعدة مثلثات ودوائر أخرى
قبل أن ينظر لمحمود دون أن ينطق ، فهم محمود ما يريد ارتجفت يده الممسكة بالسكين
تحرك صوب الطفلة الصغيرة جثى جوارها أرضا اتنقلت عينيه سريعا بين نصل السكين في يده والطفلة أمامه ارتعش جسده رافضا فعل ذلك ، ملأت الدموع عينيه يحرك رأسه للجانبين رافضا ألقى السكين من يده يردف باكيًا :
- مش هقدر أعمل كدة مش هقدر ، مش عايز دهب ، مش عايز حاجة
ولكن سفيان لم يكن ليستسلم بتلك البساطة ، لم تتغير تعابير وجهه الجامدة حين لف رأسه ينظر صوب ابن محمود الكبير لعدة لحظات قبل أن يضع الفتى يديه على رقبته يحاول خنق نفسه يصيح يستغيث بوالده :
- الحقني يا أبااا ، هيتخنقني ، هموووت
هرع محمود صوب ولده البكر يحاول إنقاذه يصرخ خائفا :
- سيبه أبوس إيدك ، ابني لاء ، الحقني يا شيخ جابر
لم يتحرك سفيان خطوة واحدة ، رفع كتفيه قليلا لأعلى يردد بهدوء :
- الراصد غضبان منك يا محمود ، وبيخيرك يا روحها ، يا روح ابنك ، بسرعة عشان باقي في عمره دقايق
ارتجف محمود يبكي وهو يرى ولده يختنق ، هرع يركض واغمض عينيه وبكى بحرقة ، حين تجردت نفسه من كل ذرة رحمة وقتل ما يسمونه عبثا الإنسانية في نفسه وأقدم على أقذر قد يفعله شخص عاقل ، قتل الصغيرة !! رأى دمائها الذكية تلطخ يديه وثيابه وتلك الدائرة الملعونة ، انتفض يبتعد للخلف يجر جسده ، نظر ناحية ولده ليراه يجلس على ركبتيه أرضا يلتقط أنفاسه ، انتحب ينظر لكفيه الملطخين بالدماء ، حين نظر لجابر رأى على شفتيه ابتسامة كبيرة واسعة ، إبتسامة لشيطان خرج من الجحيم ليجره إليه جرا ، تحدث جابر بكل هدوء :
- الراصد قبل الترضية يا محمود ، بس عقابًا ليك على اللي عملته ، هو مش هيفتح المقبرة لا ليك ولا ليا
حماد ، طلع أبوك يرتاح عشان شكله تعبان
تحرك الرجل ناحيته أبيه يسنده إلى أعلى في حين ظل سفيان مكانه ينظر للمكان حوله على شفتيه ابتسامة سعيدة منتشية ، دقائق قليلة وسمع خطوات تأتي من خلفه ضحك يردد ساخرا :
- عجبتني يا حماد ، بفكر أشغلك معايا ، أنا كنت فعلا صدقت أنك بتتخنق وبتموت ، تخيل أبوك لو عرف أنك أنت اللي عامل الفيلم دا كله عشان تجننه وتخليه يبصملك على كل ثروته وأخواتك ما ياخدوش حاجة ، فين فلوسي يا حماد
التفت سفيان إلى الرجل أمامه يبتسم ، يشعر حقًا بالسعادة حين يرى أحدًا قد يضاهي شره ، ضحك حماد ساخرًا قبل أن يتحدث بنبرة قاتمة تملأها الجشع :
- كان عايز يقسم فلوسه وهو حي ، يقولي أنا خايف تظلم اخواتك البنات بعد موتي ، من أمتى والبنات بتورث أصلا ، أنا هجننه لحد يبصملي كل ما يملك وأبقى صاحب كل حاجة ، وأنت يا شيخ جابر حلاوتك محفوظة بردوا
اتفضل
واخرج من جيب جلبابه ظرف كبير به النقود ، أخذه سفيان منه فتحه ينظر للنقود داخله قبل أن يضعها في جيب جلبابه ، أشار إلى الجثة يتمتم :
- ابقى أدفنها بقى يا حماد ، بدل ما يتقبض عليكوا
وخرج من بيت محمود سعيدًا لم تكن سعادته بالنقود أبدا ، بقدر ما كانت سعادته بأنه أفسد في الأرض وجعل غيره يفعل ذلك ، حماد ومحمود كلاهما تلطخا في مستنقعه الأسود، تحرك صوب قسم الشرطة مقررا الإبلاغ عن محمود وحماد
__________
أوقف درجاته النارية جانبًا ينزل منها عند ذلك التقاطع الصحراوي المهجور ، وقف جوار درجاته ينظر حوله هنا وهناك ، إلى أن رأى سيارة تأتي ناحيته ضوء كشافها الأمامي عالي وقفت السيارة جانبا ونزل منها صاحب قناع الجوكر ، تحرك خطاه صوب الواقف جوار درجاته النارية وضحك سعيدًا قبل أن يمد يده يصافحه بحرارة :
- دكتور طه ، أخيرًا اتقابلنا ، سعيد أني شوفتك ، التوصية عليك جامدة أوي ، قالولي أنك من العيلة المالكة ، غريبة نكون قرايب وما نعرفش بعض طول السنين دي
ابتسم طه ساخرًا قبل أن يبعد يده يدسها في جيب سرواله يردد ساخرًا :
- مش لما أكون عارف أنا بكلم مين الأول ، ساعتها أقدر أقولك ، أنا أعرفك قبل كدة ولا لاء
ضحك الجوكر قبل أن يردد ببساطة :
- كونك تعرفني دا أمر نسبي ، يعني أنت ممكن تكون مش فاكر أنك عارفني بس أنت تعرفني ، بدون مقدمات عشان اللي جاي أقوى ،( مار ) دخلت شحنة كبيرة البلد الفترة اللي فاتت ، بعد كام يوم المستشفى اللي أنت فيها هتتباع ، واللي هيشتريها وحيد التهامي وأنت هتبقى مدير المستشفى ، تخيل معايا كدة يا طه ، مستشفى صغيرة في حي صغير بيروحها كل يوم أكتر من 1000 بني آدم ، مش بذمتك مكان هايل نورد منه البضاعة ، ونعمل فيه صفقات براحتنا ، ولا حد هيحس ولا هياخد باله ناس من ضمن الناس اللي داخلة ، جهز نفسك يا طه الشغل اللي جاي تقيل أوي ، صحيح أخبار جبران قصدي مراد ايه
تأفف طه حانقا قبل أن يردد ساخرا :
- ما افتكرش أنك هتقدر ترجع مراد تاني ، دا خلاص كارت واتحرق ، سيبه في حاله هو بعيد عنا وإحنا بعيد عنه ، وعشان تتطمن هو ما بيحاولش يدور ورانا تاني ، أنا حاطة تحت عيني كويس
ضحك الجوكر عاليا قبل أن يردد ساخرًا :
- زيك زي وحيد ، عاطفي أوي يا طه ، أنا مش محتاج مراد دلوقتي بس مين عارف ممكن أحتاجه قريب أوي ، ما تبقاش متسرع ، طب انت عارف إن هو مسافر في مأمورية تبع الحكومة ، شوفت بقى أنك أنت اللي عبيط ، وساذج يا طه
ومن ثم أقترب برأسه من أُذن طه أكثر يردد ساخرًا :
- ما تنساش أنه اختبار يا طه لو ما اثبتش ولائك ، الدور الجاي هيبقى على الصغننة الجميلة زهرة اللوتس
احتدت حدقتي طه غضبا قبض على ثياب الواقف أمامه يصرخ فيه :
- إياك تقربلها ، ما تنساش إنت بتكلم مين !!
ايوه انت مين يا طه قولي انا !!