رواية جبران العشق الجزء الثاني الفصل العاشر 10 بقلم دينا جمال


 رواية جبران العشق الجزء الثاني الفصل العاشر 

لو فاكر أنك فهمت اللعبة
تبقى اللعبة
لعبتك !
____________
توجه إلى الغرفة التي أخبره عنها أبيه فتح الباب ودخل يُغلق الباب ما أن التفت توسعت حدقتيه ذهولا مما رأى أمام عينيه تلك السيدة المدعوة أمنية زوجة جبران ترتدي حُلة رقص خليعة لأقصى درجة ، أشاح بوجهه بعيدًا رافضا النظر ابتلع لعابه يحاول أن يقول شيئا ، لا يلومها أبدا السيدة ترى زوجها بعد غياب سنوات ، ولكن المشكلة الأكبر أنه ليس زوجها ولكن المسكينة لا تعلم ، انتبه على صوتها تهمس باسمه تعاتبه :
- معقول يا جبران بعد غياب سنين ، راجع مش عايز حتى تبصلي ، أنا عارفة أنك ما بتحبنيش من ساعة ما اتجوزتني ، وأن أبوك اللي غصبك على الجوازة دي ، بس على الأقل ما تجرحش كرامتي وأنوثتي بالشكل البشع دا ، فكرك أنا مبسوطة باللي أنا لابساه دا ، أبوك هو اللي قالي إني لازم اخليك تخلف تاني عشان تقعد هنا ، كأن الخلفة هي اللي هتمنعك ، دا أنت سيبت طفل صغير عمره سنتين وهربت ، ولما شافك وجري يحضنك زعقت فيه وبعدته عنك 
ابتلع غصته يشعر بالحزن على حال السيدة أمامه ولكن الأمر بشكل غريب لا يعنيه فهو ليس زوجها ، لم يحاول النظر إليها ظل ينظر بعيدًا لا يجد ما يقوله ، أما هي فاقتربت منه توتر أكثر يعود خطواته بالخلف إلى أن ارتطم بالباب ، فارتسمت على شفتيها ابتسامة حزينة ساخرة مدت كف يدها لتضعه على صدره فأسرع يُمسك بكف يدها يمنعها ، هنا ضحكت ساخرة قربت رأسها منه تهمس بنبرة يغشاها الكره:
- أنا عمري ما حبيتك يا جبران ، أنا لو عليا أتطلق منك من زمان ، بس أبوك بيهددني بسعد أنه ياخدني منه لو اتطلقت ، أنت وأبوك دمرتوا حياتي ، وخسرتوني حلمي !!
نزعت كف يدها من يده ، جذبت مئزر تضعه على جسدها تتحرك صوب المرحاض ، تصفع الباب غاضبة ، هنا حرك رأسه ينظر للباب المغلق ، ذلك الجبران كان وغدًا على ما يبدو ترى ما الذي فعله بتلك المسكينة ؟
تنهد قبل أن يستدير ويخرج من الغرفة يشق طريقه لأسفل مرة أخرى ، هب رزق واقفا ما أن رآه أقترب منه يهمس له غاضبا :
- إيه اللي نزلك دلوقتي يا واد ، هو دا اللي قولتلك عليه 
ابتسم جبران قبل أن يردف يدافع عن نفسه :
- يا حج إحنا لسه في أول النهار ، وأنا جاي من السفر تعبان ، وجعان يا حج رزق ، ما فيش فطير فلاحي كدة وجبنة وعسل 
ابتعد رزق خطوة عن جبران يعقد جبينه يسأله :
- من امتى يا واد وأنت بتحب الفطير ، دا أنت كنت تطيق العمى ولا تطيقهى
توتر جبران أثر ما قال لرزق لعدة لحظات فقط قبل أن يبتسم يتحدث بهدوء :
- يا حج رزق ، صدقني وما ليك عليا حلفان ، أنا ما فاكر كنت بحب إيه ولا بكره إيه ، أنا حياتي ابتدت من جديد من بعد الحادثة 
نظر رزق لجبران عدة لحظات دون أن يظهر على وجهه تعبير واضح ، فشعر جبران بالقلق يساوره ، ولكن رزق ابتسم بعد ذلك يلف ذراعه حول كتفيه يقول ضاحكًا :
- ايوة اكدة هو فيه أحلى من الفطير والجبنة القديمة ، الوكل يا بت منك ليها 
تنفس جبران الصعداء يتحرك بصحبة رزق هناك حيث رأى حسن يتحدث مع سعد يضحكان ، هرع سعد ناحيته ما أن رآه يتمسك به وكأنه خائف من أن يختفي مرة أخرى ، ابتسم جبران يمسح على رأسه برفق حين تحدث حسن :
- سعد ذكي ونبيه يا جبران طالعلك 
ضحك جبران قبل أن يبسط كف يده أمام وجه حسن يردف:
- الله أكبر في عينيك الزرقا دي ، هتحسدلي الواد ، يلا عشان ناكل ، سعد هيقعد هنا جنبي 
جلسوا أرضا التصق سعد بوالده ، غص قلب جبران ألما وهو ينظر للصغير الذي يتشبث به يكاد يبكي حزنا على حاله ، ذلك الجبران كان وغدًا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ، وضعوا صينية كبيرة أمامهم ، مد جبران يده واقتطع قطعة صغيرة من الفطير وغمسها في العسل قبل أن يقربها من فم سعد ، الذي توسعت عينيه وفتح فمه سريعًا ، ابتسم جبران له يحاول ألا يبكي حين ضمه لأحضانه ، الصغير يستجدي أي عاطفة منه وذلك يفتت قلبه ، قبل جبينه يبعثر خصلات شعره بخفة :
- كُل يا حبيبي
التقت عينيه مصادفة بعيني رزق فرآه ينظر إليه يبتسم راضيا عما يحدث ، لف رأسه سريعا صوب حسن فرآه يختلس النظر ناحية مجموعة من الرجال يقفون خارج البيت يحملون عدة أجولة مغلقة ، يشير له خفية ، ابتسم جبران يلف رأسه بشكل واضح يتحدث مع رزق :
- بس البيت كبير يا حج ما شاء الله ، ايه دا مين الناس اللي واقفين برة دول ؟
زغره رزق بنظرة حادة يشير للصغير الجالس جواره بعينيه قبل أن يردف :
- دول العُمال بيدخلوا علف البهايم المخزن 
بعد عدة دقائق أخرى قام جبران ينفض يديه يقول باسمًا :
- الحمد لله ، شبعت يا سعد ؟
حرك الفتى رأسه فربت جبران على رأسه برفق :
- طب روح يا حبيبي ذاكر شوية ، وأنا هقعد مع جدك في الجنينة برا ، وبليل هنسهر أنا وأنت 
التفت جبران وقبل أن يخطو خطوة واحدة أمسك سعد بيده فلف رأسه إليه ، حين سمعه يسأله خائفا :
- مش هتمشي تاني صح ؟
الوغد المخنث القذر معدوم المشاعر جبران الحقيقي ، ظل يسبه في نفسه كثيرًا ، كيف له أن يترك طفلًا رائعًا مثل الصبي أمامه ، يكاد قلبه يحترق شوقًا لكايلا ابنته وهو تركها قبل عدة ساعات ، استدار ونزل على ركبتيه أمام سعد يحتضن وجهه بين كفيه يحادثه مترفقا :
- أوعى تخاف يا سعد ، أنا عمري ما هسيبك تاني أبدا
كان يعلم أنه غير صادق في وعده ، وأنه سيضطر لترك الصغير عاجلا كان أم آجلا ، هو هنا لمهمة محددة ، عانق الصغير وتحرك للخارج أبصر أحد جمع الرجال يغادرون ، عدا أحدهم تحرك يتسلل من الباب الخلفي ، هنا همس جبران لحسن سريعا :
- أنا هروح وراه ، وأنت قوله جبران خرج يتمشى ، نبهني لو حصل أي حاجة 
وتحرك سريعا خلف الرجل يحاول الابتعاد عنه بقدر الإمكان ، تحرك بخطى هادئة قدر الإمكان حتى لا يشك فيه أحد ، أما الرجل أمامه فكان يحمل جوال ثقيل للغاية على ظهره جعله منحي للأمام في سيره ، ما جعل جبران يتحرك خلفه هو فوهة البندقية الظاهرة من جزء صغير ممزق من الجوال ، من شارع لآخر تحرك وكأنه فقط يتمشى إلى أن رأى أمام عينيه باب مزرعة كبير للمواشي ، دخل الرجل لداخل المزرعة فلم يستطع جبران أن يقترب أكثر ، لا يعرف أتلك المزرعة ملك لرزق أم لشخص آخر ، انتبه على صوت أحد الرجال يحادث زميله ينهره خفية :
- واد يا معاطي هم يا واد تمم على البهايم ، دا شكله الحج رزق باعت إبنه 
هنا علم أنها مزرعة رزق نفسه ، لم يقترب أكثر بل عاد طريقه يفكر شاردًا في طريقة تجعل رزق يغمسه معه في عمله المحظور 
-جبران ، يا جبران ، بس بس
عقد جبينه ينظر حوله ليرى إمرأة تقف بالقرب منه عند باب منزل صغير ، تلوح له أن يقترب تغطي معظم وجهها بحجاب أسود ، ظنها سيدة عجوز تحتاج للمساعدة ففعل ، أقترب منها وقبل أن يسألها عن ما تريد توسعت عينيه حين جذبته المرأة بعنف لداخل المنزل تغلق الباب ، كاد أن يتعثر تمالك نفسه بصعوبة لف رأسه لها يعقد جبينه يتحدث منفعلا :
- أنتِ مجنونة يا ست أنتِ ، إزاي تشديني كدة ، أنتِ تعرفيني 
نزعت الغطاء عن وجهها فتوسعت حدقتيه حين أبصر إمرأة في غاية الجمال ، أبتلع لعابه يتمتم مدهوشًا :
- أنتِ النداهة ولا أيه ؟
ضحكت قبل أن تتغنج خطاها إليه وقفت أمامه بسطت كفها إلى صدره تتمتم بصوت ناعم مغوي :
- أنت نسيتني ولا ايه يا قلب حوريت ، دا إحنا كان بينا عيش وملح وورقتين عرفي !!
شخصت عينيه فزعا قبل أن ينتفض بعيدًا عنها يصيح مدهوشًا :
- هو جبران دا كان قذر أوي كدة ، دا أنا كاتب على نص ستات البلد عرفي يخربيته 
ولكن السيدة أمامه لم تهتم بما قال ظنته مغيب كما يفعل دومًا ، واقتربت منه أكثر تضحك :
- دا أنت شارب سيجارتين مكيفينك أوي ، وحشتني يا قلب حورية ، أنا لسه مراتك لسه معايا الورقتين يعني حلالك يا حبيبي ، أنا عارفة أنك ما بتحبش تعمل حاجة حرام !!

- وحياة أمك !!
خرجت من بين شفتيه فجاءة دون مقدمات ، شعر بأنه على وشك اغتصابه نظر لباب المنزل سريعا بطرف عينيه قبل أن يركض يفتحه يهرع للخارج ، وقفت حورية جوار الباب تخصرت تتوعده :
- ماشي يا جبران ، ما أنا هطولك يعني هطولك ، هيبقى لا الظابط ولا أنت ، دا ايه القرف دا !!
____________
تحرك إلى سيارة الشرطة وصله تنويه أن عليه التحرك سريعا ، لأن هناك أعمال حفر وبناء وتجمهر تتم الآن في إحدى القرى القريبة وفعل ، بعد ربع ساعة تقريبا وصل ، والمشهد أمامه كما أخبروه عنه جمع ضخم من الناس يلتفون جميعا يقومون ببناء شيء ما ، في مدخل القرية على الطريق الرئيسي  ، نزل من سيارته وتحرك إليهم يعلو بصوته :
- إيه اللي انتوا بتعملوه ، مين هنا مسؤول عن البنا ، وايه البتاع دا اصلا ؟
ولكن ما حدث أن أهالي القرية جميعا ، أخبروه أنهم من قاموا ببناء هذا البناء ، وأخبروه أيضا أنه" مقام "لشيخهم الجليل صاحب الكرامات ، الشيخ جابر ، شرد زياد لعدة لحظات ، سفيان قبلا انتحل اسم الشيخ جابر ، ولكن سفيان مات منذ سنوات ، بالطبع ليس هو ، ضحك متهكما مما يسمع منهم:
- بتعملوا مقام!! ، وصاحب الكرامات بتاعكوا هو اللي قالكوا تبنوله المقام دا وماله نجيب صاحب الكرامات هنا ونشوف كراماته
وأرسل اثنين من العساكر يخبرهم أن يأتوا له بجابر ولكن ما حدث أن أهالي القرية ثاروا غاضبين ، ومنهم من بدأ ينصحه :
- ما حدش هيقرب من الشيخ جابر
- يا إبني دا صاحب كرامات ، دا السكينة دخلت في صدره وخرجت من غير ما يتخدش 
- لو هتاخدوا هتاخدونا كلنا معاه
- يا باشا انجي بنفسك ، دا أنا سمعت أن خلى ست عجوز مشلولة تمشي
- هو أي افترى وخلاص
- يا إبني عشان ما يغضبكش عليك 
ولكن كل ذلك لم يخفيه بقدر ما أضحكه وعلق يسخر منهم :
- صدقوني انتوا محتاجين حد يبدأ معاكوا من أول أركان الإسلام ، لأن انتوا في ماية اللفت 
بعد عدة دقائق ظهر العساكر ومعهم جابر ، لم ينكر سفيان أنه توتر لعدة لحظات حين رأى زياد أمامه ولكن القناع فوق وجهه سيجعله من المستحيل أن يعرف أنه سفيان ، أقترب زياد منه يشير إلى المقام أمامه قبل أن يقبض على ثيابه يقربه منه يردد ساخرًا :
- أنت بقى اللي قولتلهم يبنولك المقام دا يا ولي يا صاحب الكرامات ، حلو فيلم البيضة والحجر اللي أنت عامله دا 
نظر سفيان للمقام ولأهل البلد قبل أن يعاود النظر لزياد ابتسم يتحدث بكل هدوء :
- لا يا زياد باشا ، أنا ما قولتلهمش يبنولي حاجة ، بس أنا ولي وصاحب كرامات ومش نصاب وأقدر أثبتلك ، قرب مني بس شوية عشان الكلام اللي هقوله حساس شوية
عقد زياد جبينه غاضبًا قبل أن يبتسم يردد ساخرًا :
- أما نشوف يا ولي ، هتفتي تقول إيه ، عشان أقولك حي 
اقترب زياد من سفيان فابتسم الأخير ساخرًا أخفض رأسه يهمس له :
- هي علاقتك مع المدام كويسة ؟ ، أصل يا حرام البنت لما بتكون مغتصبة ، بتخاف من أي علاقة زوجية !!!
هنا شخصت حدقتي زياد بعنف فجاءة ، نظر لجابر ودون سابق إنذار رفع يده وصفعه بكل عنف أمام أهل البلد الذين ثاروا غاضبين واقتربوا ومنهم من بدأ يدفع زياد بعنف ، أخرج زياد سلاحه وأطلق طلقة في الهواء يتوعده محتدًا :
- لو طوبة واحدة اتبنت في المقام دا ، هتتحبسوا كلوا ، وأنت يا شيخهم أنا هجبلك أمر ضبط يا دجال يا نصاب 
وتحرك إلى سيارة الشرطة ما أن عاد للقسم ترك السيارة وتحرك إلى سيارته ، يقودها مسرعًا عائدًا لبيته ، يكاد يُجن ، كيف عرف ذلك الوغد عن علاقته بزوجته وعن حادثة حياة ، نزل من السيارة حين وصل يسرع خطاه للداخل ، فتح الباب المنزل ودخل ينادي عليها بعلو صوته غاضبا :
- حياة ، حياة 
رآها تخرج من المطبخ ابتسمت ما أن رأته ، أما هو فاقترب منها سريعا أمسك بعضدها يحادثها محتدًا غاضبا :
- اتكلمتي مع مين يا حياة ، حكيتي لمين أسرار حياتنا عشان يعرف بيها الكلب اللي اسمه جابر 
تألمت من كف يدها ، عقدت جبينها لا تفهم عن ما يتحدث :
- أنت بتقول إيه ، أنا مش فاهمة حاجة ، إيه اللي حصل يا زياد مالك 
أمسك ذراعيها بكلتا يديه ينفجر في وجهها صارخًا :
- الكلب اللي اسمه جابر ، الدجال اللي بيقول على نفسه صاحب كرامات بيقولي هي علاقتك مع المدام كويسة ؟ ، أصل يا حرام البنت لما بتكون مغتصبة ، بتخاف من أي علاقة زوجية ، عرف حاجة زي كدة منين يا حياة ، اتكلمتي مع مين يا حياة 
انزلقت الدموع من عينيها تحرك وجهها للجانبين ، تعالت شهقاتها تتحدث بحرقة :
- والله ما اتكلمت مع حد يا زياد ، أنا عمري ما هتكلم في حاجة زي دي مع اي حد مهما كان 
ابتعد عنها يمسح وجهه بكف يده يتنفس بعنف رفع يده يشد على خصلات شعره ، يكاد يُجن كيف عرف الوغد بما حدث مع حياة ، لف رأسه لها فرآها تهاوت على الأريكة المجاورة لها تخفي وجهها بين كفيها تبكي بحرقة ، زفر أنفاسه غاضبا من نفسه ، ما كان يجب أن يفعل ما فعله أبدا ، أقترب منها جلس على الأريكة جوارها ، ابتلع غصته همس يعتذر منها :
- أنا بجد آسف يا حياة ، أنا لما الكلب قالي الكلام القذر دا ، الدم ضرب في دماغي ، أنا قولت وأنتي بتتكلمي مثلا مع الست اللي هي جارتنا دي قولتلها ، والست دي نقلت الكلام لحد ما وصل للقذر دا ، أنا آسف سامحيني 
حركت رأسها للجانبين ترفض ما تسمع منه ، هبت واقفة الدموع تغطي وجهها ، الذي اصطبغ بحمرة قانية أثر بكائها الشديد ، صرخت فيه بحرقة :
- ما تقولش آسف عشان أنا مش مسمحاك ، أنا أول واحدة حطيت عليها الذنب ، واتهمتني وزعقت من غير حتى ما تسمع دفاعي عن نفسي ، أنا مش مسمحاك يا زياد 
وهرعت إلى غرفتها تبكي ، ولكنه لم يكن ليتركها ، صعد خلفها سريعا رآها تتسطح إلى الفراش تضم ركبتيها لصدرها تبكي توليه ظهرها ، جلس خلفها مد يده يمسح على خصلات شعرها برفق يعتذر منها :
- حياة أنا آسف ، حقك عليا ، صدقيني مش هتتكرر تاني 
لم ترد عليه لم تقبل إعتذاره مدت يدها تدفع يده بعيدًا تتمتم محتدة :
- امشي يا زياد ، امشي من هنا
شعرت به يبتعد عنه ولكنه لم يغادر بل تحرك يُغلق باب الغرفة نزع سترته وحذائه وتسطح خلفها يجذب جسدها إليه يحاول أن يراضيها ولكنها صرخت فجاءة بحرقة :
- أنا ما عملتش حاجة ، أنا كنت بحاول أعملك الغدا اللي أنت بتحبه ، كنت بحاول أعوضك عن تقصيري في حقك الفترة اللي فاتت ، بس أنت ...
ولم تكمل بل انخرطت في البكاء بحرقة وهو يشعر بأنه حقا وغد قذر ، ولكنه أقسم أنه سيلقن ذلك الدجال درسًا لن ينساه أبدا 
____________
في المستشفى حيث وتر قرابة الخامسة مساءً ، حاولت مرارًا وتكرارًا الإتصال به ولكنه لم يكن يجيب ، أرسل إليها صباحا حين وصل ، أنه بخير ووصل لوجهته ، ترغب فقط في أن تطمأن أنه بخير ولم يصبه مكروه ، الأمر برمته يجعلها مشتتة قلقة ، حاولت الإتصال به مرة أخرى توسعت حدقتيها حين أجاب وضعت الهاتف على أذنها سريعا تتحدث بلهفة :
- ألو أيوة يا جبران ، طمني عليك أنت كويس 
سمعت صوته أخيرا وكأنها لم تسمعه منذ سنوات :
- أنا كويس ما تخافيش عليا يا بنت الذوات 
خرجت شهقة بكاء عالية من بين شفتيها ، وقفت تتمسك بالهاتف تنزل دموع عينيها بغزارة تحادثه :
- كنت خايفة عليك أوي ، طمني أنت كويس ، الراجل اللي اسمه رزق دا صدقك 
تحدث يطمأنها يخبرها بشكل سريع ما حدث ، ولأنه أعتاد أن يشاركها في تفاصيل حياته طوال الفترة الماضية ، أخبرها بأمر أولائك السيدات ، وندم في اللحظة التالية حين خرج من بين شفتيها شهقة عالية تصيح فيه غاضبة :
- نعممم يا عمررر ، أنت رايح تعمل حريم السلطان ، ولا حريم جبران بقى 
ضحك بملأ فاه أثر ما سمع منها قبل أن يردف ساخرًا :
- بتردحيلي يا وتر ، دا أنا أول كلمة قولتلها وحشتيني يا بنت الذوات ، وبعدين يا حبيبة قلبي أنا وعدتك ، وأنتِ عارفة الراجل الحر كلمته سيف على رقبته 
تنهدت تقضم أظافرها متوترة قبل أن تزفر أنفاسها تتحدث بنبرة حزينة :
- بس أنا صعبان عليا الولد الصغير اللي اسمه سعد ، هيتعلق بيك أوي يا جبران ، ولما تمشي الواد دا هيجيله تروما عمره كله ، مش هيثق في حد أبدا ، والست اللي اسمها أمنية واضح أنها كانت مغصوبة على الجوازة دي ، بجد الناس دي ما عندهاش قلب ولا ضمير ، المهم أنت يا جبران خلي بالك من نفسك ارجوك عشان خاطرنا أنا وكايلا أرجعلنا بخير
سمعت صوته يتنهد قبل أن يهمس يحادثها :
- وحشتيني أنتِ وكايلا أوي يا وتر ، حاسس إني غايب من سنين مش من كام ساعة ، اكتشفت أن أنا اللي تايه من غيركوا ، أنا اللي بتحامي فيكوا ، مش أنا اللي بحميكوا ، أن أنتوا قوتي يا وتر !
سالت دموع عينيها حاولت ألا تبكي ، ابتلعت غصتها تتحدث بصوت جاهدت في جعله يضحك :
- جرى إيه يا معلم جبران يا سواح ، اومال إيه العبد لله مسك الحديد تناه ، وخلاص حسيت أني متجوزة ابراهيم الأبيض ، وإبراهيم ما بيخافش غير من الغشيم اللي هيعورك يا هيتعوره ، قلبك بقى قلب خصاية خالص
سمعته يضحك عاليا قبل أن يردد يائسا :
- والله أنتِ مصيبة ، أحلى مصيبة حصلت في حياتي ، خلي بالك من نفسك أنا لازم أقفل سلام يا حبيبتي
ودعته توصيه على نفسه قبل أن تغلق الخط ، تنفست بعمق وقبل أن ترفع يدها لتسمح الدموع عن وجهها فُتح الباب وظهر داغر من خلفه يتحدث متضايقا :
- دكتورة وتر ، أنتِ عارفة استقبال المستشفى نادى عليكي كام.... إيه دا في أيه مالك يا بنتي بتعيطي ليه ؟
تبدلت نبرته في لحظة من حادة غاضبة ، لأخرى حانية قلقة ، أقترب منها فرفعت يدها سريعا تمسح الدموع عن وجهها ، حمحمت تحاول أن تبدو أهدأ :
- أنا آسفة يا دكتور داغر ، أنا ما سمعتش ، أنا 
قاطعها قبل أن تكمل حرفا آخر ، أمسك بكف يدها يجذبها بخفة ناحية الأريكة لتجلس وجلس أمامها يردف :
- خلاص حصل خير ، بس قوليلي بتعيطي ليه ، اتخانقتي مع جبران تاني ، مش اتفقنا أنا زي والدك ، لو حصل أي حاجة ضايقتك تقوليلي

لسبب مجهول لا تعرفه ، تشعر براحة غير مبررة حين تتحدث مع داغر وكأنها تحادث أبيها قبل أن تعرف حقيقته البشعة ، نزلت دموعها دون مقدمات تتمتم بحرقة :
- جبران مسافر ، وأنا قلقانة عليه ، أول مرة يبعد عني أنا وكايلا 
وببراعة شديدة مثل داغر دور الأب ، رفع يده يربت على رأسها برفق يتحدث يمازحها :
- يا شيخة خضتيني دا أنا افتكرت في مصيبة حصلت ، كلها كام يوم ويرجع يا وتر ، وبعدين صحيح كويس إني افتكرت أنا حابب اعزمك أنتِ والاميرة كايلا على الغدا بكرة بما أنه إجازة ، وأنا جايب مرجيحة جديدة لسه هتتركب النهاردة عشان خاطر كايلا 
توترت وتر من عرض داغر المفاجئ ولم تعرف بما تجيب ، أرادت أن ترفض ولكنه أسرع يقول :
- بليز يا وتر ما ترفضيش ، أنا ماليش حد في الدنيا ، وما صدقت أحس أن ليا بنت وحفيدة زي القمر ، بصي الصور دي أنا جايب كل اللعب دي لكايلا 
وأخرج هاتفه من جيب سترته يفتحه أمام عينيها يريها الكثير من صور الألعاب والهدايا ، على شفتيه ابتسامة واسعة بها قدر رهيب من الحماس ، تنهدت متوترة قبل أن تردف :
- وأنا كمان يا دكتور داغر بعتبر حضرتك زي والدي ، بس أنا آسفة أنا لازم اسأل جبران الأول 
لم تتغير إبتسامة داغر بل حرك رأسه يقول سريعا :
- آه طبعا ما فيش مشكلة ، وأن شاء الله هيوافق ، أسيبك تكملي شغلك 
وتركها وغادر لترتمي للخلف تشرد عينيها حائرة 
_________
فتح باب منزل والده الضخم ، أخيرا أنتهى الأمر بعد الكثير من الإجراءات القانونية السخيفة ، أستلم تركة العائلة وأصبح هو المسؤول عن كل شيء وغدا سيزور والده في السجن ، ما أن دخل سمع صوت التلفاز ، عقد جبينه مستنكرًا الصوت ، خطى للداخل توجه إلى غرفة المعيشة ، هنا توسعت حدقتيه حين أبصر الجوكر مما يلقبونه جالسا على المقعد أمام التلفاز يشاهد فيلم اكشن يتناول المقرمشات ، ابتسم يتحدث دون أن ينظر إليه :
- حمد لله على السلامة يا وحيد ، ايه يا ابني اتأخرت ليه ، أنت عارف بقى الإجراءات في مصر روتينية قد إيه ، على العموم بكرة الجمعة إجازة يوم السبت عندك إجتماع مهم مع كل شركاء والدك الفترة اللي فاتت ، اللي هيوافق منهم يرجع الشغل ما بينكوا ، هيبقى في
ال safe zone لكن اللي هيرفض مالوش عندنا غير بندقية بيجاد ومن ثم تحرك عدة خطوات يتحدث في طريقه للخارج :
- عد الجمايل ، البيت بعت ناس مخصوص نضفته ، والتلاجة مليانة أكل ، و....
قاطعه وليد قبل أن يُكمل يتحدث بنبرة حادة :
- وحياة ! ، هاخدها امتى ؟
ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتي الجوكر قبل أن يلتفت إليه يدس يديه في جيبي سرواله يردد ساخرًا :
- الحب وحش أوي يا وليد ، بس أنا وعدتك قريب أوي هترجعلك حياتك 
وضحك عاليا قبل أن يلتفت يكمل طريقه يغادر وهو يدندن بصوت عالي :
- غريب الحب مين فاهمه ما بين اتنين بيتقابلوا ، وبين اتنين بيتفارقوا ، غريب الحب مين فاهمه !
______________
حل الليل ، أمام منزل رزق السواح أُضي المكان بحبال إنارة كثيرة وتراصت المقاعد جوار بعضها البعض ، وبدأت فرقة شعبية تعزف المزمار وتدق الدفوف ، وصعد رجل على صهوة حصان يرقص بالعصا ، ورجلان بالأسفل يصدم كل منهما عصاه بعصا الآخر يقومان
 « بالتحطيب »
وعلى قمة ذلك كله يقف جبران جوار رزق أمامهم الجزار يقوم بتقطيع لحم الجاموس الكبير الذي قام بذبحه يضعه أمام رزق الذي يقبض يده على قطع اللحم يضعه في كيس من البلاستيك يعطيه لأول فرد أمامه يتحدث سعيدًا :
- بالهنا والشفا ، دي فرحة رجوع المعلم جبران ولدي البكر 
في حين يقف جبران جوار أبيه يبتسم يحاول ألا يضحك ساخرًا ، يدس سيجارة بين شفتيه ، 
يقف حسن مجاورًا له ، اقترب منه يهمس ساخرًا :
- أبوك دابح ومكلف 
ضحك جبران ساخرا يحرك رأسه انتبه على صوت رزق يعلو باسمه ينادي عليه :
- جبران 
ألقى السيجارة من يده أرضا وتحرك إليه لف رزق يده الملطخة بالدماء حول كتفيه يقول سعيدًا :
- أنا عايز أحطب معاك يا واد ، هاتوا العصيان يا واد منك ليه 
تقدم منهم أحد الرجال يُمسك بعصتين غلظتين ، أخذ جبران إحداهما ورزق الأخرى ، وبدأ كل منهما يصدم عصا الآخر ، توتر جبران حين شعر بأن رزق يضرب بعنف ، والنظرة في عينيه كانت حادة للغاية ، ضحك جبران يحاول أن يمزح :
- ايه يا حج براحة ، دا أنا اللي عضمة كبيرة مش أنت 
ولكن الأمر لم يكن مزحة على ما يبدو ، عاد رزق يصدم عصاه بالعصا بعنف ، إلى أن تعثر جبران وسقط أرضا وقبل أن يقف أسند رزق العصا على صدره وقرب رأسه منه يهمس له غاضبا :
- أنت فاكر أنك هتعرف تضحك عليا ولا إيه يا أبو كايلا !!
تعليقات



×