رواية تعافيت بك الجزء الثاني الفصل العاشر
أكتفيتُ بعيناكِ فقط من بين كل العيون...أنتِ وحدك من صانت عهد القلب حتى أصبح مصون.
_______________
توقف العقل عن التفكير...و القلب عن الحنين.....حتى الأعين أبت البكاء فما عليها سوى النظر للسماء..... أنا من بات ليالٍ يبكِ من العناء كُتبَ على قلبي السير في دروب الشقاء...حتى وجدت من كتبَ لي معها الرخاء....و بين ذراعيها وجدت الهناء.
"أهيه كوباية القهوة اللي هتدلق على اللوحة وصلت"
قالها «وليد» بسخرية متهكمًا عند رؤيته لعمته حينما خرجت من الممر الداخلي للشقة مما جعل الضحكات ترتفع رويدًا رويدًا بعد محاولات توقفها لكن دون جدوى فـ ضحكوا عليها جميعًا و على ما تفوه هو أما «مشيرة» اقتربت منه ثم أمسكت فروة رأسه بمزاح وهي تقول ممازحة له ببعض الضيق:
"اسكت بقى...نفسي تبطل قلة أدب فـ حياتك"
تدخل «محمد» يقول بضجرٍ:
"ازاي بس ؟ دا طمع في قلة أدب أحفاد الرشيد كلها لنفسه..لا بيمسك لسانه و لا يطول باله و عمره ما سمع كلام حد"
بعد حديث «محمد» تركته «مشيرة» تحت النظرات الضاحكة عليهما أما هو فاقترب من حماهُ وهو يقول بهدوء:
"خليك أنتَ كدا استفز فيا لحد ما تصحى فـ يوم تلاقيني هربان بيها و جايبلك العار و جايبه للعيلة كلها"
زادت ضحكات الجميع أكثر بينما «محمد» ضرب كفيه ببعضهما وهو يقول بذهول:
"أنتَ بتقول إيه يالا...عار مين يا ابن الاهبل دي مراتك"
ابتسم هو بخبثٍ وهو يقول بنبرة متريثة:
"و لما هي مراتي أنتَ عامل قلق ليه؟ ما تهدى شوية على نفسك كدا علشان شكلنا مطولين في الوضع دا"
تحدث هو يقول للجميع:
"مش قولتلكم مبيسمعش الكلام ؟"
أومأ له موافقًا ثم أضاف مؤكدًا:
"آه مبسمعش الكلام....و أنتَ بالذات مش هسمع كلامك عارف ليه؟ علشان هما في السبوع قالولي متسمعش كلام عمك محمد و لا كلام أي حد خالص و ابعد عني علشان أنا مصدع من يوم دق الهون تقريبًا"
تدخل «طارق» يقول بهدوء:
"كفاية بقى انتو الاتنين و خلونا في هدير...انتو مش ضراير"
نظر «وئام» في ساعة يده ثم قال بعدما زفر بقوة:
"حسن كلمني إنه جاي بعد الصلاة علطول، احنا ننزل نصلي الجمعة لحد ما هو يجي و البنات هنا مع هدير"
تحدثت «سلمى» لـ «هدير» بهدوء حتى تودعها:
"أنا عندي درس دلوقتي يدوبك ألحقه أنا بس كنت عاوزة أسلم عليكي قبل ما تمشي من البيت، بس وعد مني أول أجازة من الدروس هاخدها هكون معاكي أنا و البنات كلهم..اتفقنا ؟!"
أومأت لها بقوة و نظرت لها نظرة حنان و كأنها ترسل امتنانها لها، فاحتضنتها «سلمى» و ودعتها و ودعت الجميع ثم نزلت من البيت، بعدها تحدث «وليد» يقول بتريثٍ حتى يشاكس عمه:
"طب هطلع أنا أجهز علشان الصلاة و البس الجلابية البيضا حد عاوز مني حاجة...عاوزة حاجة يا عبلة"
ابتسمت هي بخجلٍ طفيف من حديثه حينما غمز لها فتدخل والدها يقول بسخطٍ:
"هتعوز منك إيه يعني؟ أنتَ طالع تلبس..أنتَ بقى عاوز حاجة ؟"
أومأ له ثم أضاف قائلًا بثقة تتمتزج بنبرة الاستفزاز:
"آه عاوز....عاوزها تبخرني أصلي محسود بعيد عنك"
نظر لـ «مرتضى» وهو يقول بـ لوم من أفعال ابنه:
"شوف ابنك يا مرتضى و ابعده عني و عن بنتي كدا مينفعش"
نظر «مرتضى» لابنه وهو يقول بضيق:
"عيب كدا يا وليد أنتَ مش صغير و بعدين دي مراتك و ابوها قاعد.... يعني تاخدها و تتكلموا فوق براحتكم مش هنا قدامنا"
ضحك الجميع على حديثه الغير متوقع حتى «هدير» نفسها ابتسمت ابتسامه طفيفة، رُسمت بسمة خبيثة على شفتي «وليد» عند تحول ملامح «محمد» إلى الاندهاش و هو ينظر لأخيه فوجده يضيف بنبرة جادة:
"ريح نفسك يا محمد شوية علشان أنا حايشه عنك بالعافية أصلًا...لو عاوز عبلة هاخدها من النهاردة بس أنا مراعي إنك مرتبط بيها...بس لو ابني هيتعب يبقى ناخدها و أضمن راحته أحسن"
نظر له «محمد» بقلة حيلة ثم أخرج زفيرًا قويًا فتحدث «طه» يقول بهدوء:
"يلا نجهز علشان الصلاة قربت و علشان مرتضى يفتح الجامع للناس"
أومأ له الجميع ثم انسحب الرجال خلف بعضهم تباعًا حتى يلحقوا الصلاة بالمسجد، بينما «مروة» اقتربت من «هدير» التي جلست بجانب شقيقتها بهدوء كما هي في سكونها ثم جلست بجانبها وهي تبتسم لها ثم قالت بحنان:
"أنا عارفة أنتِ حاسة بإيه علشان أنا كنت زيك كدا، أمي ماتت و أنا لسه في تالتة ثانوي و بقيت لوحدي و ساعتها كان نفسي بس أحضنها أو أحس في حضن أي حد باللي كنت بحس بيه معاها...رغم إن دا عمره ما هيحصل علشان حضن الأم مفيش زيه...بس أنا أمك يا هدير ينفع أحضنك أنا"
قالتها «مروة» بنبرةٍ شبه باكية مختنقة من مشاعرها الودودة تجاه تلك الفتاة التي عصفت الأيام بها و بقوتها حتى كُسرت تمامًا، نظرت لها «هدير» نظرةٍ مشوشة لا تدري ماذا تفعل و قبل أن تحرك ساكنًا وجدت نفسها بين ذراعي «مروة» وهي تربت عليها بحنانٍ بالغ جعل الأخرى تتشبث بها بقوة و كأنها طوق النجاة لها و الفتيات تنظر لهن بتأثر حقيقي، أما «مشيرة» فتنهدت بعمقٍ وهي تنظر لـ «جميلة» تود احتضانها بقوة لكنها لن تستطع، أما «جميلة» فنظرت بطرف عينيها لوالدتها و لم يغفى عليها ذلك الوميض اللامع حينما وجهت رأسها نحوها.
_________________
في شقة «حسن» وقف هو يطالع الشقة بأعين راضية بعدما تم تجهيزها لـ مجيء «هدير»، خرجت امرأة من الداخل تخطو ببطء بسبب جسدها الممتلئ وهي تقول بحماس:
"كدا كل حاجة خلصت يا أستاذ حسن...جهزت كل حاجة زي ما طلبت مني، تؤمر بحاجة تانية"
ابتسم هو لها بودٍ ثم أجابها:
"ألف شكر يا أم أمل، تعبتك معايا من امبارح، بس الله ينور الشقة بقت حاجة تانية"
ردت عليه هي نفس الحماس:
"أنا تحت أمرك و ألف مبروك الجواز كان نفسي أفرح بيك و أزغرط بس أنتَ قولتلي إن فيه ظروف خاصة بس تتعوض إن شاء الله و ربنا يسعدك"
تنهد هو بقوة ثم قال بنبرة هادئة ممتزجة بلمحة حزن:
"الحمد لله على كل حال المهم هي تكون مبسوطة هنا....بس إن شاء الله الظروف دي تتحل و الدنيا تحلو شوية و ساعتها أنا هعوضها و أخليكي تزغرطي براحتك"
ابتسمت هي له ثم قالت بنبرةٍ مهتزة نتيجة ترددها فيما ستتفوه به:
"هو.... هو يعني يا أستاذ حسن....خلاص مش مشكلة"
قطب جبينه يسألها حائرًا:
"مالك بس فيه إيه؟ قولي عاوزة إيه"
ردت عليه بسرعة:
"خلاص مش مشكلة حصل خير"
سألها هو بنبرةٍ جامدة أقوى مما كان يتحدث بها:
"قولي يا ام أمل عاوزة تقولي إيه، عاوزة فلوس أو عاوزة حاجة مني"
خرجت منه جملته الأخيرة بنبرةٍ أهدأ من بداية حديثه مما جعلها تبتسم بارتياح ثم أردفت تقول بهدوء:
"ربنا يكرمك يا بني و يرزقك أنتَ عمرك ما بخلت عليا و لا على عيالي بحاجة من ساعة ما دخلت البيت دا...أنا بس كنت عاوزة أسألك هي المدام زي مدام ريم الله يرحمها ؟"
نظر لها مستفسرًا بتعجب بعدما ضيق ما بين حاجبيه مما يدل على اندهاشه من سؤالها، فأردفت هي تزيل استفهامه بنبرةٍ خجلة بقولها المتردد:
"أصل يعني....الست ريم كانت بتقرف مننا و علطول كانت مش طيقاني بس والله أنا كنت بحبها الله يرحمها بقى....أنا بس عاوزة أسألك علشان لو المدام هتضايق مني زيها أقلل ظهوري قصادها"
أدرك هو غرض حديثها لذلك تبدلت ملامحه إلى أخرى مُحبة و هو ينفي ظنها بقوله:
"متخافيش...هدير مش كدا، هدير حاجة تانية غير ريم الله يرحمها و ياريت متجبيش سيرة ريم قصادها أحسن...و أنتِ بنفسك هتعرفي الفرق بينهم"
ردت عليه هي بسرعة نتيجة خجلها من حديثه:
"والله مش قصدي حاجة أنا بس علشان هي متضايقش مني....المدام الله يرحمها كانت بتضايق مني علشان كدا بسأل و أنا مش قصدي حاجة والله"
أومأ هو لها متفهمًا ثم قال مغيرًا مجرى الحديث الذي ذكره بزوجته السابقة و بمعاملتها الغليظة مع من حولها خاصةً البسطاء حيث كانت تتعالى عليهم و تتعامل معهم و كأنها أعلاهم شأننًا و مقامًا لذلك قال بهدوء:
"هي الله يرحمها بقى...و هدير دي حاجة تانية هي قلبها أبيض أوي و أنتِ هتحبيها.... زي ما كله حبها..."
___________________
في شقة «خالد» استيقظ على صفعة قوية تضرب وجنته لا تتناسب مع حجم الكف الذي صفعه مما جعله ينتفض من نومه متأوهًا بشدة قائلًا:
"آااه يا ابن ***** على الصبح هو أنتَ ضرتي يالا ؟؟"
ضحك «يونس» باتساع ثم ركض خارج الغرفة حينما رآى ملامح والده الحادة التي يحدق بها صوبه، بينما هو ارتمى على الفراش من جديد ثم رفع كفيه يمسح وجهه فوجد زوجته تدخل الغرفة وهي تقول بنبرةٍ ضاحكة:
"أنا لما لقيته طلع يجري كدا قولت أكيد صحاك من النوم بس قولي صحيت ازاي"
ابتسم هو بسخرية ثم أضاف متهكمًا:
"بقلم....الواد ايده زي الابرة نزل بكفه على وشي خلاني أقوم زي الملسوع"
ضحكت هي على طريقته ثم قالت ملطفة الأجواء بعدما اقتربت منه :
"حقك عليا متزعلش منه، علشان و أنا بأكله قولتله هنصحي خالد هو بقى مسك في الكلمة و دخل يصحيك"
تحدث هو بسخرية من حديثها حينما رآها تحاول تلقي اللوم بدلا منه:
"أنتِ فيه حاجة فـ مخك يا ريهام؟ هزعل من عيل سافل زي دا عنده سنتين؟ و بعدين أنتِ مالك هو كل يوم يصحيني بقلم زي دا"
ابتسمت له هي ثم قالت بحماس:
"طب قوم يلا علشان تلحق الصلاة أنا كَويت جلبية خالد و ابنه كمان"
قالت جملتها وهي تبتعد عنه فوجدته يمسك كفها ثم قربها منه من جديد وهو يقول بنبرة مشاكسة:
"يعني فطرتي يونس و كويتي جلبية خالد و جلبية ابن خالد طب و خالد نفسه مش هياخد حبة اهتمام خالص"
نظرت هي له بخجلٍ وهي تقول بهدوء:
"أنا عيوني لخالد....بس يلا علشان متتأخرش... علشان نفطر سوا طالما مش هتنزل النهاردة"
اقترب هو منها يقول بخبثٍ:
"طب مفيش بوسة من اللي طايرين ليونس دول و الله أنا برضه محتاج اهتمام....أصلهم أهملوني و أنا صغير"
نظرت له بذهول وهي تقول بغير تصديق من حديثه الغير معتاد:
"خالد أنتَ كويس ؟! حساك متغير فيه إيه مالك"
ابتسم هو لها ثم قال بنفس المشاكسة وهو يغمز لها بطرف عينه:
"حنيت يا نور البيت....كل الحكاية إنك وحشتيني و بقالي كتير معبرتش عن مشاعري"
وضعت يدها على جبينه تتحسسه وهي تقول بغير تصديق:
"لأ كدا كتير...أنتَ تكتر من القعدة مع صحابك....دا إيه التطور دا"
ابتسم هو بسخرية ثم أضاف:
"يا بت دا أنا اللي معلمهم...بس أنا بحب أبقى تقيل شوية دا غير إن فيه ضرة معايا في البيت"
كانت تبتسم هي على حديثه لكنها شهقت بقوة بعد جملته الأخيرة تزامنًا مع ابتعادها عنه وهي تقول بقلقٍ:
"يــونــس.....زمانه بيرمي المشابك من البلكونة"
ركضت هي بعد جملتها الأخيرة بينما هو حدث نفسه متهكمًا:
"مش أنا قولت ضرتي ؟! "
بعد قليل قامت هي بتبديل ملابس ابنها إلى جلباب للصلاة تطابق مع جلباب والده البيضاء، بعدها ابتسمت بحب و هي تضع القبعة البيضاء فوق رأسه وهي تنظر في وجهه الوسيم الذي يشبه ملامح وجهه إلى حدٍ كبير، خرج «خالد» من الداخل يرتدي الجلباب فوجد صغيره يجلس إمام والدته يضحك بسعادة وهي تداعبه، فاقترب هو منهما يقول بمرحٍ:
"أهو دا المنظر اللي الواحد يحب يشوفه و يصحى عليه مش الكف اللي باخده كل يوم"
ضحكت هي بقوة ثم تحدثت تقول بمرحٍ هي الأخرى:
"بصراحة الواد قمر و أبوه قمرين عاملين زي النجوم"
رد عليها هو بسخرية:
"احترمي نفسك يا ريهام أنا نازل أصلي الجمعة....خليك شاهد ياض على أمك"
حملت صغيرها على ذراعها قم اقتربت منه تقول بحبٍ:
"هو شاهد إن أمه بتحب أبوه و عارف إن أبوه بيحبه و بيحب أمه بس هو اللي كان غبي"
التقط هو معاتبتها له لذلك اقترب منها ثم قبل وجنتها بحبٍ ثم ابتعد عنها ينظر في عينيها بحبٍ وهو يقول بهدوء:
"الغبي دا ملوش غيرك و أنتِ عارفة كدا....أنتِ عارفة أني مبصالحش و مبتحيلش بس أنتِ مش أي حد يا ريهام....أنتِ اللي كنت بدور عليها علشان ألاقي معاها خالد اللي تاه مني يوم موت أبوه"
رفعت عيناها تطالعه بنظرة غير مصدقة يشع الحب منها فوجدته يضيف من جديد:
"عارف أني بتعصب و بقفل بس أنتِ بقى حاجة تانية و عارف أني بخاف عليكو زيادة بس أنا ما صدقت لقيتك والله"
اغرورقت مقلتيها بالدموع من حديثه المفاجيء لها فوجدته يأخذ «يونس» من يدها ثم أمسك كف صغيرهُ وهو يقول بطريقة مضحكة:
"تعالى أوريك ايدك دي تعمل بيها ايه غير إنك تضربني"
قال جملته ثم اقترب أكثر منها و هو يمسح دموعها بواسطة أنامل صغيرهُ فوجدها تبتسم له بحبٍ لذلك قال هو لابنه:
"ايدك دي علشان تمسح دموع أمك بيها مش علشان تطرقعها على وش أبوك يا واطي...بس هقول إيه منه لله عامر علمك الضرب و قلة الأدب"
ضحك «يونس» بقوة عند ذِكر إسم «عامر» ثم كرره بطريقة الاطفال فضحكت والدته عليه أما «خالد» فتحدث ساخرًا:
"أول ما أقول إسم الزفت يضحك أوي كأني بقوله نكتة...كان ناقصني منه نسخة تانية أنا علشان يقهرني"
ارتفع صوت ضحكتها أكثر وهو يطالعها بهيام فوجدها تحمحم بقوة ثم قالت:
"يلا بقى علشان الصلاة عيب كدا"
أومأ هو لها مبتسمًا ثم أخذ ابنه و غادر الشقة و هي تنظر في أثرهما و تدعو الله أن يحفظهما.
_________________
في شقة «خديجة» أنهت هي صلاة الصبح ثم جلست أمامه تستمع له وهو يتلو سورة الكهف بصوته العذب كما طلبت هي منه، كان يقرأها هو بصوتٍ عذب و كانت قراءته صحيحة بالتجويد و الأحكام، أنهو هو التلاوة ثم أغلق المصحف و رفع كفيه للسماء يدعو الله أن يحفظهما سويًا.
كانت هي جالسة أمامه تنظر له بحب و رغمًا عنها بكت و فرت دموعها على وجنتيها وهي تراه يتضرع لله سبحانه و تعالى لأجلها، فوجدته يقترب منه ثم قبل قمة رأسها وهو يسألها بهدوء ممازحًا لها:
"أنتِ بتعيطي ليه يا ست الكل؟ هو أنا بقطع بصل جنبك يا خديجة؟ أنا بقرأ قرآن"
مسحت دموعها وهي تبتسم له ثم تحدثت توضح له موقفها بمرحٍ طفيف:
"أنا بعيط علشان بفرح لما أسمع صوتك و أنتَ بتقرأ قُرآن....يدخل القلب و يريحه و نفسي افضل أسمع صوتك و أنتَ بتقرأ القرآن علطول....بحس بانتصار غريب أوي على الدنيا... العياط دا عياط حلو يا ياسين"
ابتسم هو لها بهدوء ثم وضع كفه على رأسه وهو يقول بمرحٍ بعدما ابتسم في وجهها:
"طب الحمد لله إنه عياط حلو، رغم أني أول مرة اسمع كلمة عياط حلو دي بس أهي أحسن من العياط الوحش يا خديجة"
قبل أن تتحدث وجدت شاشة هاتفه تضيء برقم «عامر» حتى ينزل للصلاة، أخذ هو الهاتف ثم أغلق المكالمة في وجه صديقه وهو يقول بـ تعجلٍ:
"طب هنزل أنا علشان ألحق الصلاة....العيال مستنين تحت"
أومأت له وهي تراقب خروجه من الشقة ثم تنهدت بعمقٍ و أمسكت المصحف حتى تقرأ منه.
في الأسفل أجتمع الأربع شباب و كلًا منهم يرتدي جلباب أبيض مطابق لـ جلباب الأخر حتى «يونس» معهم نظر «عامر» حوله يتفحص هيئة الشباب بعينيه فتحدث ساخرًا:
"ماشاء الله طقم جلاليب أبيض عاملين زي علبة الطباشير...دا نفس الزرار حتى"
رد عليه «ياسر» بحنقٍ منه:
"ماهي نفس القماشة اللي ابوك جابها و رياض فصلهالنا سوا حتى يونس... جاي تندهش دلوقتي"
كان «عامر» حاملًا «يونس» على ذراعه فنظر له بعدما ضيق جفنيه وهو يقول بتشككٍ:
"جلبية الواد يونس قد كُم جلبية من بتاعتنا"
ضحكوا عليه هما أما الصغير مال بجسده على «ياسين» يريده، فأعطاه «عامر» له وهو يقول متهكمًا بسخرية:
"بعتني علشان خاطر ياسين يا حقير... ماشي يا رب يبقى حماك علشان تتربى على إيده"
أخذه «ياسين» منه وهو يقول بمرحٍ:
"هاته حبيب ياسين دا...و بعدين مش يمكن تطلع أنتَ حماه يا عامر"
_"إيـــــه !! دا لا يمكن يحصل أخرتها أناسب عامر ليه ؟ دا مستحيل يحصل"
خرج ذلك الحديث من «خالد» بنبرةٍ شبه صارخة مما جعل صديقيه يضحكان عليه بقوة عدا «عامر» الذي رفع أنفه بتشنج وهو ينظر له بوجهٍ ممتعض ثم قال باستفزاز:
"ريح نفسك يا حبيبي...أنا كدا كدا مش هناسبك....أنا حاجز أول وِلدة عند ياسر"
رد عليه «ياسر» بحنقٍ:
"احترم نفسك يالا أنتَ إيه وِلدة دي هو أنا كلب قصادك دا أنتَ عديم الرباية صحيح"
تدخل «ياسين» يقول بنبرة ضاحكة:
"مفيش فايدة لازم كل جمعة نفضح بعض و نعرف الناس تربيتنا الناقصة دي"
رد عليه «خالد» بضيق:
"اتلهي على عينك أنتَ كمان...دا أنتَ متربي ٣ مرات".
ضحكوا جميعًا عليه وهو يحرك رأسه بيأس منهم جميعًا.
__________________
أسفل بيت آلـ «الرشيد» أنهى الرجال الصلاة ثم وقفوا أسفل البيت كعادتهم يتمازحون سويًا و معهم «محمود» أيضًا الذي تبدل حاله كثيرًا من بعد وفاة زوجته، و فجأة اقتربت سيارة «حسن» من البيت، تنهد «وئام» براحة كبرى حينما لمح السيارة التي توقفت أمام البيت بمسافة قليلة نزل هو باحراجٍ طفيف ثم ألقى التحية على الجميع بعدها تحدث «طارق» يقول بهدوء:
"أنا بقول يلا نطلع علشان هدير متفتكرش إنه اتأخر"
سأله هو بلهفة:
"هي سألت عليا !! أقصد....أقصد يعني هي كويسة عن الأول"
رد عليه والدها بأسى و بنبرةٍ حزينة:
"لسه يابني زي ماهي للأسف بس ربنا كريم و رحمته واسعة...أنا عاوزك تحطها فـ عينك علشان خاطري والله أنا لو أعرف أساعدها ازاي هعمل كدا و مش هتأخر....دي مسئولية عليك و موقفك لوحده كفاية عندي"
اقترب هو منه بعدما ابتسم بسمة طفيفة زينت ثُغره لكنها لم تصل لقسمات وجهه وهو يقول:
"أنا عاوزك تعرف إن هدير فـ عينيا و ربنا يقدرني و أرجعها تاني أحسن من الأول و بعدين أنا اللي طلبت من وليد و عم مرتضى كتب الكتاب علشان تكون معايا....صدقني حتى لو رجعت أحسن من الأول و طلبت انها ترجعلك و تسبني أنا مستحيل أتأخر و هجبها بنفسي"
رفع «وليد» حاجبه مُتعجبًا و هو ينظر بخبثٍ لصديقه ثم حرك رأسه موافقًا بهدوء في إيماءة بسيطة دون أن يراه أيًا من الواقفين، بينما «محمود» ربت على كتفه وهو يقول بامتنان:
"دا العشم والله ربنا يجبر بخاطرك و يكرمك براحة البال يا رب"
تدخل «وليد» يقول بخبثٍ:
"طب يلا علشان راحة البال مستنية فوق...قصدي علشان بالنا كلنا يرتاح إن شاء الله يعني"
قالها و كأنه يوضح مقصده و في تلك اللحظة مال «طه» على أذن «مرتضى» يقول متهكمًا بهمس:
"تصدق بالله أنتَ لو هتدخل النار يبقى بسبب تربيتك الناقصة للواد دا"
ابتسم «مرتضى» بفخرٍ وهو يقول:
"إيه دا أنتَ كمان فهمت هو قصده على مين"
نظر له «طه» بغير تصديق ثم نفخ وجنته بقوة حانقًا عليه و على ابنه المُدلل.
في الأعلى قامت الفتيات بتجهيز أشياء «هدير» و قامت أختها بوضع مستلزماتها التي دائمًا تكون في حاجةٍ إليها و بعد مرور دقائق صعد الرجال جميعهم إلى الشقة و «حسن» معهم حينما رآته هي شعرت بارتفاع في نبضات قلبها و كأن تلك المضخة تنبض للمرة الأولى في تلك الحياة، مع زيادة قلقها من فكرة ذهابها معه بمفردها إلى بيته، أما هو فتعلق نظره بها يحاول استبيان مشاعرها المضطربة المرسومة على ملامح وجهها و هي تفرك كفيها معًا و تضغط أناملها في بعضهم، أما «وليد» اقترب منها يقول مُشجعًا:
"يلا يا هدير علشان تروحي مع جوزك"
نظرت له تطالعه بريبة و قلقٍ حقيقي ظهر جليًا فـ مقلتيها، فوجدته يومأ لها مُشجعًا حتى يحثها على الحركة معه، فأخذت هي نفسًا عميقًا زفرته على مهلٍ ثم حركت رأسها موافقة بإيماءةٍ بسيطة تَنُم عن موافقتها فتنهد «حسن» بارتياح تزامنًا مع انفراج شفتيه ببسمة هادئة حينما حركت رأسها موافقة، بعدها اقترب منها الجميع يودعونها وهي تحتضن الجميع غير مرحبة بفكرة تركهم، هي فقط لا تريد احراجه بعد موقفه الشجاع معها وبعد التوديع و النصائح لكل منهما نزل هو و هي خلفه و «وليد» خلفهما وقف هو عند السيارة ثم فتح الباب لها حتى تجلس بجانبه نظرت له نظرة حائرة فوجدته يقول بهدوء:
"اركبي يلا يا هدير"
أومأت له و قبل أن تدخل السيارة وجدت «وليد» يضع يده على الباب وهو يقول بنبرة هادئة مُردفًا لها:
"احنا كنا المفروض نروح معاكي نوصلك بيت جوزك بس أنا طلبت إن دا ميحصلش و قبل ما تفهمي غلط يا هدير، أنتِ مش زي حد علشان نفرح إنك تخرجي من البيت دا....والله خروجك من هنا مزعلنا كلنا و علشان كدا مروحناش معاكي هناك شقة حسن، أنتِ شايفة شكل البيت كله عامل ازاي يعني طبيعي الناس تتكلم بس وعد مني أول ما الدنيا تتصلح أنا هجيب العيلة كلها و نيجي نزورك في بيتك يا هدير و ناكل من إيدك...اتفقنا ؟"
أومأت له بامتنان حقيقي و للحق في تلك اللحظة كانت تود احتضانه بعدما أردف لها مقصده من رفضه اتباعها لبيت «حسن» فابتسم هو لها بودٍ فتدخل «حسن» يقول بنبرة قوية:
"ما خلاص يا جدعان أنا تعبت...بصيلي أنا يا هدير و أنا هقولك كلام حلو زي دا"
رد عليه «وليد» بضيقٍ زائف:
"ولا متقرفناش بدل ما ورب الكعبة ألغي الموضوع و أطلعها تاني معايا"
رد عليه «حسن» بتوسلٍ حينما سمع تهديده:
"لأ خلاص....أنتَ سوسة و تعملها بصحيح، يلا يا هدير اركبي بدل ما ياخدك تاني"
أومأت له ثم ركبت السيارة بجانبه، أما هو فنظر لـ «وليد» بامتنان فأومأ له الأخر ثم ابتسم له وهو يبتعد عن السيارة حتى يترك لهما المجال للتحرك...و بعد مرور ثوانٍ تحركت السيارة من أمام البيت نظر «وليد» في أثر السيارة بارتياح تزامنًا مع اخراجه زفيرًا قويًا ثم رفع رأسه للأعلى فوجد «خلود» تلوح له بإشارات التقطها هو و فهم مقصدها أنها تريده فوق السطح، أومأ لها ثم لحقها للأعلى و بعد مرور دقيقتين دخل هو سطح البيت لها فوجدها تقترب منه وهي تقول بنبرة هادئة:
"عاوزاك ضروري فـ حاجة مهمة و هسألك عنها"
أومأ لها هو بتعجب فوجدها تقول مستفسرة بنبرةٍ متسرعة:
"فيه حد كلمك امبارح من سنتر أو حاجة؟ أو فيه رقم غريب كلمك على الواتساب ؟"
قطب جبينه بـ حيرة وهو يُجيبها نافيًا حديثها:
"لأ محدش كلمني خالص...استني أشوفلك كدا"
أخرج هاتفه يتفحصه فلم يجد رقمًا غريبًا لذلك أجابها هو ببساطة:
"لأ يا خلود محدش كلمني خالص امبارح غير حسن، بس في إيه قلقتيني و شغلتي دماغي"
أخذت نفسًا عميقًا زفرته على مهلٍ وهي تنظر له بترددٍ ثم قصت عليه ما حدث بين شقيقها و «عمار» فـ كان هو يستمع لها بانصات و كامل تركيزه وبعد سردها للموقف وجدها تضيف من جديد:
"أنا اتدخلت علشان أحمد كان هيركز أوي معاه و حسيت إن الواد هيموت من الخوف و قولت إنه صورني فعلًا بس دا محصلش يا وليد و في نفس الوقت هو متصلش يعني شخص غريب بصراحة"
سألها هو بهدوء عجيب:
"إزاي طيب فهميني....عملتي إيه علشان تتأكدي من نيته"
ابتسمت هي بخبثٍ ثم أجابته بنبرةٍ ماكرة:
"لما لقيته بيسألني بعشم و عرفني كدا أنا شكيت فيه و خوفت أحط رقمي علشان كدا حطيت رقمي القديم و رقمك أنتَ بحيث إن واحد يطلع مقفول و التاني ترد عليه أنتَ فيخاف، بس طالما هو متصلش يبقى نيته مش وحشة و ممكن فعلًا يكون عرفني صدفة"
نظر هو لها بتفكير يحاول استبيان حقيقة الموقف بعدها أخرج زفيرًا قويًا ثم قال:
"بصي يا خلود بلاش نسوء الظن في حد و أنا عارف إنك نسخة مني في التفكير بدليل حركة الأرقام دي...و هو ممكن يكون فعلًا عرفك صدفة يا خلود و على العموم أنتِ خلي بالك من نفسك و زي ما أنتِ ملكيش دعوة بحد و هو لو زود و كتر سبيلي الطلعة دي، ماشي ؟"
ابتسمت هي له ثم أضافت تقول بنبرةٍ واثقةٍ منه:
"أنا قولت ملناش غير ليدو و برضه لو كلمك عرفني أو لو جالك مكالمة من السنتر ابقى عرفني علشان أعرف الحصص"
أومأ لها موافقًا ثم أضاف بهدوء:
"ماشي يا خوخة انزلي أنتِ بقى علشان عبلة طالعة"
تنهدت هي بعمقٍ ثم أضافت بنبرةٍ هائمة:
"يا بختك يا عبلة..."
ضربها هو على رأسها وهو يقول بحنقٍ زائف و بنبرةٍ حازمة:
"انزلي يا بت ذاكري و لمي نفسك، يلا يا حلوة"
ضحكت هي بقوة ثم راقصت له حاجبيها ثم تركته و نزلت على الدرجات تزامنًا مع خروج «عبلة» من المصعد وهو موليها ظهره و قبل أن تتحدث هي قال هو بمشاكسة:
"وحشتيني يا سوبيا"
ضربت الأرض بقدميها وهي تصرخ بنبرةٍ مكتومة من حنقها عليه.
_________________
في مطعم قريب من الشارع المخصص لشقق الشباب وقفوا جميعهم يجلبون الفطار عدا «عامر» الذي وقف بعيدًا عنهم و في يده «يونس» و البقية داخل المطعم المزدحم يحاولون شراء ما يريدون، و بعد مرور دقائق خرجوا تباعًا و «ياسين» يقول بحنقٍ:
"اتفضل يا أستاذ عامر فطار حضرتك أهوه مش عارف واقف تهبب إيه و سايبنا احنا نجيب الفطار"
ابتسم له «عامر» باستفزاز وهو يقول بمزاح حتى يشاكسه:
"عندي حساسية من الزحمة و بعدين يلا نروح علشان الطعمية سخنة و بصراحة بحبها مع الشاي أوي"
تدخل «ياسر» يقول بمرحٍ:
"كان نفسي اتجوز علشان أقف يوم الجمعة كدا أجيب طعمية وفول و بتنجان ياه أحساس جامد والله"
ضحكوا عليه جميعًا فتحدث «عامر» بنبرةٍ ضاحكة:
"طب يلا ارفعوا شنط الفطار خلونا نتصور احنا الأربعة بالطعمية بما إننا رجالة متجوزين"
ابتسموا له ثم فعلوا ما طلب هو منهم و بعدها انسحب كلًا منهم إلى شقته و أول من دخل كان «خالد» حينما وجد «ريهام» تضحك بقوة وهي تنظر في هاتفها و لم تستطع تمالك نفسها، اقترب منها و ابنه في يده وهو يقول بتعجبٍ:
"بتضحكي كدا ليه و أنتِ لوحدك اتجننتي ولا إيه يا ريهام"
حاولت هي كتم ضحكتها وهي تقف مقابلةً له تقول بنبرةٍ ضاحكة:
"عامر مغفلكم و أنتو في المطعم بتجيبوا الفطار و واقفين قدام طاسة الطعمية و نزلها في جروب العيلة اللي عمو رياض عملوا و اتفضحتوا قدامنا كلنا"
قالت حديثها ثم أعادت الكرة في الضحك من جديد وهي تضع الهاتف في وجهه حتى يرى الصور و فجأة نطق هو بنبرةٍ قوية منفعلة:
"آه يا عامر الكلب.... ماشي هات أخرك يا ابن فهمي"
في شقة «ياسر» كانت «إيمان» تضحك بقوة و هي ترى الصور و خاصةً حينما رآت فيديو قصير لزوجها و هو يحاول وضع الطعمية داخل الورقة المخصصة و كان الفيديو يمر بطريقة سريعة مضحكة، دخل «ياسر» الشقة فوجد ضحكاتها مرتفعة بقوة وهي تضرب قدميها بكفيها بعدما تركت الهاتف على الطاولة، اقترب منها ينظر لها مُتعجبًا من وضعها فوجدها تحاول كتم ضحكتها وهي تتحدث بسخرية:
"إيه يا ياسوري هي الطعمية كانت سخنة ولا إيه"
قطب جبينه يسألها مستفسرًا بتعجبٍ:
"ليه بتقولي كدا حصل إيه"
بعد سؤاله لها وضعت الهاتف في وجهه بعدما قامت بتشغيل الفيديوهات الخاصة به أما هو فاتسعت حدقتيه بقوة وهو يقول بانفعال:
"يا نهار أبوك مش فايت يا ابن **** إيه يا جدعان هو عملي الأسود في الحياة عامر و إيه دا كاتب إيه؟"
خطفت الهاتف من يده وهي تقول بنبرةٍ ضاحكة:
"كاتب أنا رايح فين أنا راجع تاني و منزله على جروب العيلة بتاعنا"
ضرب هو كفيه ببعضهما وهو يقول بنبرة شبه باكية:
"يا رب أنا تعبت والله في حياتي و راضي و صابر بس عامر صعب عليا والله.....أنا مش قد الابتلاء دا"
ضحكت هي بقوة أكثر وهي تنظر للهاتف من جديد.
في شقة «عامر» دخل وهو يضحك كانت زوجته جالسة على سجادة الصلاة و حينما سمعت صوت باب الشقة وقفت ثم خلعت ازدالها فوجدته يقترب منها يقول بحماس:
"إيه رأيك في الصور شوفتي الجروب مولع إزاي ؟"
سألته هي بتعجب:
"جروب إيه و صور إيه؟ أنا كنت بصلي الضهر و مرضتش أفتح التليفون علشان ميعطلنيش"
أومأ هو لها ثم أخرج هاتفه حتى تشاهد ماقام هو بفعله أما هي فشهقت بقوة وهي تقول بنبرةٍ مندهشة:
"يا نهارك مش فايت يا عامر حرام عليك دا فيديو خالد لسه مسمع عندك، بتعمل فيهم كدا ليه"
حرك كتفيه ببساطة وهو يقول بنبرة غير مبالية و كأن الأمر في غاية البساطة:
"عادي مفيهاش حاجة هما عيال غاوية نكد و أنا بحب التصوير أوي قولت أستغل الموهبة دي بدل ما تدفن"
سألته هي بتعجبٍ من افعاله الصبيانية:
"ليه يا بني بتعمل إيه بكل الصور و الفيديوهات دي"
اقترب هو منها يقول هامسًا و كأنه سيفصح عن سرًا حربيًا:
"أقولك على حاجة بفضل طول السنة أصور فيهم و أصور كل لحظاتنا سوا علشان فيديو السنة"
قطبت جبينها متعجبةً من حديثه فوجدته يضيف مردفًا لها:
"أنا هفهمك... طول السنة بجمع كل لحظاتنا سوا زعلنا و تعبنا و فرحنا و كل حاجة و أخر يوم في السنة بعمل فيديو زي فيلم قصير بيكون فيه ملخص السنة كلها و احنا الأربعة مع بعض، بس السنة دي هيبقى أحلى علشان كل واحد فينا بقى مع نصه التاني يعني الفرح أكتر"
تبدلت نظرتها إلى الحنان و هي تسأله بنبرةٍ هادئة:
"طب لازمته إيه الفيديو دا طالما كل دا عشتوه مع بعض يا عامر"
حرك كتفيه ببساطة تزامنًا مع لمحة حنين تأثرًا من الموقف وهو يقول بنبرة حنونة:
"مش عارف بس بحب وجودهم معايا في كل حاجة، بحس إنهم حاجة مفيش منها و حياتنا مع بعض دي كنز كبير محتاج يتوثق، همت أخواتي و عزوتي، بحب أخر السنة بقى أفضل افتكر كل لحظاتنا سوا علشان أطمن علي اللي جاي"
احتضنته هي فجأة وهي تقول بنبرةٍ شبه باكية متأثرة من حديثه:
"يا بختهم بيك والله، دلوقتي عرفت هما صابرين عليك ليه، علشان أنتَ بتحبهم و بتحب وجودهم و هما متأكدين من دا و أنا متأكدة إنك بتحبني زيهم"
ربت هو عليها كتفها ثم قال بحب:
"بحبهم و بحبك و بحب كل اللي فـ حياتي، دا أنتِ الجرثومة يا جرثومة"
قال كلمته الأخيرة بمزاح حتى يشاكسها أما هي فأخذت نفسًا عميقًا ثم شددت عناقها له وهي تبتسم باتساع ثم أضافت بمزاح هي الأخرى:
"شوف مش أنتَ سوفسطائي بس بحبك أوي"
ضحك هو عليها وهو يحرك رأسه بيأس فوجدها تسأله بمرحٍ:
"عامر هو أنتَ مخلي شعار الجروب إيه علشان نسيت"
ابتسم هو باتساع ثم أجابها بفخرٍ:
"خليك معانا و متعملش ميوت...دي لمة عيلة أطعم من البسكوت"
بعد نطقه بتلك الجملة انفجرا سويًا في الضحك.
_______________
في شقة «حسن» وصل وهي معه تشعر بالعديد من المشاعر المتداخلة مع بعضها و لكن ما طغى على تلك المشاعر كان الخوف من وجودها معه بمفردها لذلك غاصت في تفكيرها، دلف هو الشقة أولًا و هي خلفه تقف على اعتاب الشقة لا تدري ماذا تفعل بل فكرت في تلك اللحظة هل ستسعفها قدميها حتى تفر منه و قبل أن تغوص في تلك الفكرة أكثر من ذلك وجدته يعود لها يمسك كفها وهو يقول بهدوء:
"تعالي بس خايفة ليه؟ دي شقتك يا هدير"
عانق هو كفها بشدة وهو يسحبها معه داخل ثم أغلق الباب بقدمه و هي خلفه تنظر له بأعين خاوية لا تدري ماذا تفعل حتى النطق لن تقدر عليه، أما هو أجلسها على الأريكة بهدوء ثم حثى على ركبتيه أمامها وهو يقول بحنان:
"بصي....جايز وضعنا غريب و جايز ظروف جوازنا كانت عاملة زي الأحلام و الحواديت بس أنا عاوزك تثقي فيا، أنا هنا معاكي علشان أحميكي و أحافظ عليكي يا هدير، و أنا معاكي لحد ما ترجعي تاني أحسن من الأول و أطمني أنا وعدت والدك إنك لما تتحسني لو عاوزة ترجعي تاني عنده و.....و تسيبيني أنا معنديش مانع و هرجعك تاني بس و أنتِ هدير اللي أنا عارفها، ها اتفقنا ؟"
أومأت له بحركة بسيطة من رأسها فوجدته يمسك كفها وهو يقول بمرحٍ:
"تعالي بقى أفرجك على الشقة بتاعتك بعد ما رجعت شقة تاني"
نظرت له باستفسار فوجدته يحمحم باحراج وهو يقول بنبرة خجلة:
"بصراحة كانت زي الخرابة.... ربنا نجدك والله من المنظر اللي كانت فيه"
أومأت له في تفهم ثم نظرت حولها تتفحص المكان المظلم فوجدته يقول متفهمًا:
"آه....بتبصي على الضلمة....متخافيش أنا هنورها علشانك و دي هتبقى أول مرة تنور من سنين، أنا بحب الضلمة أوي بس علشانك هنور الشقة"
ابتعد عنها ثم وقف يمسك ريموت تحكم صغير و ضغط على زر التحكم به و فجأة اشتعلت الأضواء في المكان بأكمله، فظهرت ملامح المكان الحديثة حيث كانت الشقة مصممة على غرار الأنمطة الحديثة أما هو عاد إليها يمسك كفها من جديد ثم قال بعدما ابتسم لها وهو يقول:
"تعالي بقى كدا أعرفك على باقي الشقة...يلا تعالي معايا"
أومأت له في خجلٍ و هو يسير بها في الشقة بأكملها و يقف بها عند كل مدخل و يعرفها عليه بطريقةٍ مرحة تكاد تجعلها تبتسم لكنها في الآخر توأدها، و عند مدخل غرفة النوم وقف هو يقول بطريقة هادئة:
"دي أوضة النوم يا هدير..."
نظرت هي له بخوفٍ وهي تزدرد لُعابها بقلقٍ واضح فوجدته يقول متفهمًا:
"أنا عارف إنك خايفة و دا حقك، الأوضة دي فيها سرير كبير و واحد تاني قريب منه صغير، أنتِ هتنامي على الكبير دا و أنا قصادك على الصغير.....متخافيش مني يا هدير.....أنا بس هنام قصادك علشان لو احتاجتي حاجة أقدر أعرف، الشقة لسه جديدة عليكي و....و أنتِ صعب تناديلي، لكن و أنا قصادك هقدر أعرف إنك محتاجة حاجة....متخافيش مني علشان أنا مش ناوي أزعلك و جوازنا دا هيكون على الورق لحد ما ترجعي تاني زي الأول تمام ؟!"
تنهدت هي براحة كبرى بعد حديثه فوجدته يومأ هو لها ثم أخذ الهاتف الخاص بها من يدها وهو يقول بمرحٍ:
"أنا هسجلك رقمي عندك علشان تكلميني شات أي حاجة تعوزيها و دلوقتي ريحي شوية لحد ما الغدا يجهز"
كانت تراقب حركاته بتعجبٍ فوجدته يضع الهاتف أمام وجهها حتى يُفتح بواسطة بصمة العين و حينها قام هو بتسجيل رقمه ثم وضع الهاتف في يدها وهو يقول بمرحٍ:
"سجلته أبو علي أهو علشان ابقى مميز....أسجلك إيه بقى ؟"
نظرت له نظرة حائرة غير قادرة على إجابة سؤاله فوجدته يقول بتفكير مرح:
"أنا بقول اسجلك هدير مراتي، أو هدير جارتي في الشقة إيه رأيك، شوفتي الكريتيف ؟"
فتحت الهاتف ثم أرسلت له بأنامل مهتزة إثر تعبها فهي حتى الآن لم يغمض لها جفن بسبب تفكيرها طوال الليل في الذهاب معه:
"أنا عاوزة أنام.... ينفع ؟"
وصلته رسالتها ففتحها بسرعة كبيرة و حينما قرآها أومأ لها ثم قال بهدوء:
"طبعًا ينفع....تصبحي على خير يا هدير أنا هقعد برة لو احتاجتي حاجة ابعتيلي"
أومأت له ثم انسحبت من أمامه تدلف الغرفة في هدوء تام منها.
أما هو تابع حركتها بأعين حزينة ثم تنهد بعمقٍ حتى يخرج من الضيق المخيم على صدره حزنًا لأجلها.
_________________
في شقة «ياسين» بعد تناول فطوره مع زوجته بعد ضحكهما سويًا على الصور الملتقطة بواسطة «عامر»، ارتدى هو ثيابه ثم جلس ينتظرها حتى تخرج له من الغرفة، و بعد دقائق خرجت هي بعدما ارتدت بنطال جينز واسع و أعلاه كنزة باللون البنفسجي و حجاب متناسب معها و حذاء رياضي باللون الابيض ثم خرجت تقف أمامه وهي تسأله بهدوء:
"أنا لبست أهو زي ما طلبت مني ها هنروح فين بقى علشان أنا بقلق"
ابتسم هو لها ثم أجابها بفخرٍ:
"بما أننا متجوزين جديد قررت إننا ننزل نجيب طلبات للشقة مع بعض، يعني الشقة تقريبًا فاضية من ساعة ما جينا و أنا مستني إنك تطلبي مني فلوس أو أي حاجة بس محصلش"
ردت عليه باحراج:
"بصراحة مكسوفة منك أوي، مش عارفة ليه محرجة أطلب منك فلوس و برضه محرجة أخد من اللي أنتَ سايبهم معايا"
نظر هو نظرة لوم وهو يتحدث بنبرةٍ معاتبة:
"ليه يا خديجة كدا هو اخنا غرب عن بعض؟ أنا مسلمك حياتي و عمري و نفسي مش هسلمك على شوية فلوس، و بعدين اللي معاكي دول بتوعك أنتِ مفيش جنيه منهم بتصرف فـ الشقة"
تحولت نبرته إلى الحزم في نهاية حديثه مما جعلها تشعر بالخجل منه لذلك أردفت بنبرةٍ مهتزة:
"أنا...أنا مش قصدي حاجة والله، بس أنا عمري ما خدت مبلغ زي دا ليا، يعني معرفش ممكن أعمل إيه بيهم يا ياسين، علشان خاطري خليهم معاك و هات أنتَ كل حاجة، أنا ممكن أعك الدنيا لو اعتمدت عليا"
تنهد هو بقوة ثم اقترب منها يقول بهدوء موضحًا لها:
"أنا عارف بس احنا لسه حياتنا جاية سوا، احنا يدوب على البر و عاوزك تعرفي إن دا بيتك أنتِ، يعني كل حاجة هنا تحت أمرك الشقة و صاحب الشقة و فلوس صاحب الشقة، اللي تعوزيه كله يكون عندك... النهاردة هاخدك نجيب الحاجات سوا و بعد كدا ابقي اتعاملي أنتِ هاه إيه رأيك ؟"
أومأت هي له موافقة بحماس ثم قالت بنبرةٍ فرحة:
"اقولك على حاجة ؟ يارب كل مرة ننزل سوا نجيب الحاجة مع بعض، علشان دا احساس أحلى أني أكون لوحدي"
ابتسم هو في وجهها باتساع أكثر ثم أضاف:
"و أنا عيوني ليكي يا خديجة، وعد مني لو فاضي ساعتها هكون معاكي و نجيب حاجتنا سوا، بس دا ميمنعش إنه بيتك أنتِ و حقك أنتِ"
حركت رأسها للجهة الأخرى وهي تسأله بنبرةٍ مرحة:
"يعني البيت بس اللي حقي...و أنتَ إيه يا أستاذ ياسين؟"
اقترب هو منها يمسك كفها ثم تنهد بعمقٍ وهو يقول بحبٍ:
"أنـا مَــن سَــارَ تَــائــهٌ فــي دِروب الـحَـيـاة....وَ حِـيـنـمـا الــتـقَيْـطُ بِــكِ عِــشـقّتُـكِ عِــشـقٌ لَا أدّري مُــنـتـهَاهُ"
طالعته هي بأعين عاشقة فوجدته يغمز لها وهو يضيف قائلًا بمرحٍ كعادته:
"خلاص يا ست الكل طالما سكتِ يبقى كدا أتثبتِ"
ابتسمت باتساع ثم وقفت على أطراف أصابع قدميها حتى تستطع الوصول لـ وجنته حتى تطبع قبلة عليها ثم بعدها نظرت في عينيه وهي تقول بهمس هادئ:
"و أنتَ حقي في الدنيا دي يا ياسين، مش الشقة و مش الفلوس...كفاية أنتَ والله مش عاوزة غيرك"
التفت هو ينظر حوله ثم اقترب منها يقول بخبثٍ:
"هي الشقة فاضية أوي يعني؟"
ابتعدت هي عنه وهي تقول بنبرةٍ قوية:
"يلا علشان النهاردة الجمعة و الدنيا بتبقى زحمة"
نظر هو في أثرها بتوعد وهو يقول بنبرة حازمة:
"صبرك عليا يا كتكوتة".
___________________
فوق سطح البيت جلست «عبلة» بجانبه على الأريكة بتذمر مثل الأطفال وهو يضحك عليها و على ملامحها، و فجأة وكزها بكتفه في كتفها وهو يقول بمشاكسة:
"جرى إيه يا سوبيا مالك زعلانة ليه"
ردت عليه هي بحنقٍ من سخريته عليها:
"مبحبش كلمة سوبيا دي متعصبنيش، مش كل ما تشوف وشي تقولي يا سوبيا لو حد عرف هنا فـ العيلة هيمسكوها عليا"
وضع ذراعه على كتفها وهو يقول باستمتاع:
"و إيه يعني، هي السوبيا وحشة يا عبلة، و بعدين كلهم هنا عارفين إنك تبعي يعني محدش يقدر يجي جنبك أصلًا"
ابتسمت هي بقلة حيلة ثم أردفت بهدوء:
"بحس نفسي هطلة لما تقولي يا سوبيا، و بعدين أنتَ إزاي بتعرفها و إزاي بتقولي إنك بتطمن لما تشم الريحة دي، دا أنتَ هاريني تريقة يا جدع"
تنفس هو بعمقٍ ثم أضاف:
"أنا مش بتريق عليكي، كل الحكاية و ما فيها إن وجودك لوحده بيكون حلو و بيطمني لما عيني بتلمح طيفك بتفرح و لما بحس بس إن ريحتك في المكان بأرتاح ساعتها بعرف عنترة ابن شداد إزاي قدر يوصف عبلة في ابيات زي دي"
نظرت له بتعجب و البسمة البلهاء تزين وجهها بعد حديثه فوجدته يقترب منها مُبتسمٌ وهو يهمس بهدوء:
"بَرْدُ نَسيم الحجاز في السَّحَرِ إذا أتاني بريحهِ العطِرِ ألذُ عندي مما حوتهُ يدي من اللآلي والمال
والبدَر ومِلْكُ كِسْرَى لا أَشتَهيه إذا ما غابَ وجهُ الحبيبِ عن النّظر سقى الخيامَ التي نُصبنَ على شربة الأُنسِ وابلُ المطر منازلٌ تطلعُ البدورُ بها"
شوفتي عنترة قارن ريحة عبلة بإيه و عنده استعداد يضحي علشانها بإيه ؟"
وكزته في كتفه وهي تقول بمرحٍ حتى تشاكسه:
"ما أنتَ حلو أهو و بتعرف تقول كلام عنترة ابن شداد"
نظر هو لها ثم قال بنبرةٍ مهتزة نتيجة تردده:
"عبلة....عبلة أنا احتمال أسافر دبي أشتغل هناك".
__________________
في شقة «مشيرة» في الأسفل كانت هي في المرحاض تتقيأ بقوة و «حسان» في الخارج ينتظر خروجها و حينما خرجت له بملامحها الشاحبة و لون بشرتها الصفراء و تلك الهالات السوداء التي أحاطت وجهها فنظر لها بذعر وهو يقول بقلقٍ واضح:
"مشيرة الترجيع كدا ميطمنش و ضغطك واطي أوي.... إزاي و أنتِ بتاخدي الدوا"
تنهدت هي بعمقٍ ثم قالت بنبرةٍ منهكة إثر تعبها و مجهودها:
"هو الضغط بيجي عليه أيام و يبهدلني كدا...بس...بس أنا كويسة"
سألها هو بهدوء بعدما حاول استبيان سبب آلامها:
"طب يمكن يكون دا تعب طبيعي يعني....أنتِ ست و فاهمة"
ابتسمت هي بسخرية ثم تحدثت تقول بوجعٍ:
"مستحيل يا حسان..."
نظر لها بتمعن يحاول استنتاج مقصدها، فضغطت هي على جفنيها بشدة ثم قالت بنبرةٍ حزينة حينما تذكرت تلك المأساة:
"ريح نفسك يا حسان....أنا شايلة الرحم من ١٣ سنة"