رواية جمرية الصقر الفصل العاشر
زبيدة : أمين، عاوزاك بكرة تكلم الجاضي عشان نكتب كتاب عمار على جمريه. وكلم بتوع الكهربا يعلجوا الزينة. وادعي الناس، وطلعنا عجل زيك من الزريبة عشان ندبحه. سيب المخروبة اللي في يدك، واعمل اللي جُلتلك عليه. اخلص، جاتك الهم. وانت مالكش عازة كده.
أمين رفع نظره لها دون اكتراث، ثم نفث سحابة كثيفة من دخان الشيشة.
أمين : عافية عليكي عجربه يا زبيدتي. كده كل حاجة بجية ملكنا.
زبيدة : بزيداك كركرة عميتني
امين :تعالي خديلك نفسين يا أم مخ ألماظ.
أمسكت خرطوم الشيشة منه وأخذت نفسًا بشراهة أكثر منه، وهي تنظر إليه بنظرة مليئة بالانتصار.
زبيدة : عحبك يا محروج. وانت عتسمع كلامي.
عاد كل منهما إلى ما كان عليه، ولكن في ذهن زبيدة كانت هناك خطط لا تخلو من المكر، تسعى لتنفيذها بأي ثمن.
______________________________
مع طلوع الصباح على نجع الصائغ، كان طارق يتهيأ للسفر. وقف أمام باب البيت يودع أولاده، بينما كان صقر بجواره.
طارق (بحزن وهو ينظر لأولاده): خلي بالك من الأولاد زي ما اتفقنا، يا صقر.
صقر (بثقة): اتكل انت على الله، ربنا معاك. والولاد في عنيا.
وفي هذه اللحظة، ظهرت نجاه من داخل البيت، تسير بخطوات سريعة وغاضبة.
نجاه (بحدة): على فين العزم يا طارج؟ ومهمل عيالك حدانا؟
صقر (محاولًا تهدئتها): بعدين يا أمي، بعدين.
نجاه (بإصرار): طارج، بجولك رايح فين؟ أنا كلمت هيام العشية، وجالتلي على المصيبة اللي انت عاملها. حرامي يا طارج! سرجت الشغل اللي بتاكل عيش منيه؟
الأولاد كانوا يسمعون الحوار من بعيد، وياسين لم يستطع تمالك نفسه.
ياسين (بصوت مرتفع): لا، بابا مش حرامي!
نجاه (بغضب): اخرس انت! أبوك حرامي، والحكومة بتدور عليه. وانت يا صجر، بليتنا بيه. اسمع يا طارج، طلّج بتي. بتي مش هتبجى على ذمة حرامي وسراج زيك. طلّجها أحسن ما تخلعك، واتنازل عن ولادنا، ولا عايزهم يطلعوا زيك؟
صقر (بتحذير): أمي، كلمة تانية وههملك البلد بحالها وأمشي.
نجاه (ترد بحدة): عتزعجلي يا صجر؟ عشان الحرامي ديتي؟
وهنا، اقتربت حور الصغيرة، تمسك بطرف ثوب جدتها، وقالت بنبرة بريئة:
حور: حلام عليكي يا تيته، بابا طيب واحنا بنحبه.
يزن (بغضب طفولي): احنا مش بنحبك عشان بتزعلي بابا!
طارق انحنى قليلًا ليمسح على رأس ولديه، محاولًا تهدئتهما.
طارق (بهدوء): عيب يا حبايبي. تيته بتضحك معايا، مش كده يا خالتي؟
نظرت له نجاه بغضب مكتوم، فيما حاول صقر تغيير الأجواء.
صقر (مبتسمًا): احنا بنهزر، صح يا ياسين؟
ياسين: طيب، بابا رايح فين؟
صقر: بابا رايح يشوف الشغل وجاي بسرعة.
ثم أمسك صقر بذراع طارق، وقال بصوت منخفض:
صقر: ياله يا طارج، كده هتتأخر.
غادر طارق النجع، قلبه مثقل بالهموم، لكن عيناه تلمعان بالثقة. فهو يعلم أن صقر راجل يُعتمد عليه، وأن أولاده في أيدٍ أمينة.
________________________________
في نجع الصياد
عمار: "مرت أبوي، هاتي الفلوسات عشان أخد بتك وأجيبلها شويه حاجات."
زبيدة: "ماشي، بس عاودو بدري عشان الجاضي جاي وهنكتب الكتاب بعد صلاة العشا."
عمار: "احنا في الصيف واليوم طويل. فين أبوي؟"
زبيدة: "راح يجيب الناس عشان يعلجوا الكهارب والطباخين جايين بعد الضهر عشان الطبيخ. النجع كله لازم ياكل و بعد الفرح، عربيهم كلهم وأطِفحهم اللي كلوه!"
عمار : جباره انتي يازبده!
زبيدة: "أمال فاكر إيه؟"
عمار: "طب شيعي حد لبتك، خليها تنزل."
جمريه: "أنا نزلت، أهه! يلا بينا."
زبيدة: "طب، جولي صباح الخير ."
جمريه: "لا مؤاخذه يا أمي، الفرحه."
زبيدة: "روحو ومتعوجوش!"
خرج عمار مع جمريه، واتصل بـ محاسن.
محاسن: "ايوه يا جلبي."
عمار: "هاتي البت نجمه وجابليني عند مطعم الفطير جنب المحطة."
محاسن: "عيني."
عمار: "بسرعة، مافيش وجت."
محاسن: "حاضر."
عمار: "جمريه، عملتي زي ما قلتلك؟"
جمريه: "اه، كل الدهب والفلوس صريتهم وحدفتهم ورا البيت."
عمار: "تمام. عناخدهم ونحطهم في العربية."
_______________________________
بعد نصف ساعه وصلو إلى المطعم ليجدوا محاسن و نجمه في انتظارهما.
محاسن (تأخذ جمريه بالحضن): "أزيك يا جمريه؟ ده انتي جميلة جوي!"
جمريه: "الله يسلمك، انتي الأجمل يا محاسن."
عمار: "مش وجته يابنته؟ جولي الخطه يا محاسن."
محاسن: "اسمعي زين يا جمريه. البت نجمه هتاجيكي، هاتعملك مكياج، ومعاها واحدة تبعي. وأنا هرجص في الفرح."
عمار: "جولنا رجص تاني لاه ؟"
محاسن: "آخر مره عرجص فيها، عشان نهربو جمريه والبنات. وهم عاملين حالهم يجهزوكي، هتلبسي لبس من بتاعنا، عبتعهولك مع نجمه وتغطي وشك، وبكده محدش هيعرفك."
جمريه: "طب والبنات؟"
محاسن: "متجلجيش! انتي هتهربي وأنا هشغلهم بالرجص، والبنات هيكونوا واقفين برا. ياخدوكي ويودوكي عندنا في المولد لغاية عمار ما ياخدنا بيت بعيد."
جمريه: "كده هيشكو في عمار."
محاسن: "لاه. عمار هيدور عليكي معاهم، وبكده محدش هيشك فيك."
عمار: "وأنا هعمل حالي زعلان عليكي، وأقول: عروستي هربت مني ليلة كتب كتابنا. يا فضيحتك يا عمار!"
محاسن: "جدع يا عمار!"
نجمه: "أجعدوا انتو، حبوا في بعض، وأنا ملجياش حتى غراب يحبني!"
جمريه: "ده انتي جمر، وتستاهلي زينه الشباب."
نجمه: "تسلمي والله، خشمك عينجط عسل يا مسكره انتي!"
_____________________________
في نجع الصياد
ابتدت التعاليق تتعلق والدبايح تتدبح، وزبيدة وأمين فرحانين أوي. زبيدة كانت مشغولة بتنظيم الحفل وهي تزغرط وتقول للخدم:
زبيده: "بلو الشربات النهاردة كتب الكتاب، والسهره صباحي،
أمين :والغوازي جايين يرجصوا. همي همي! ولعوا الفحم وجهزوا الجوزه، جبل الخبط والرجع، خليني أعمر راسي."
زبيدة: "صح، لسه في أول اليوم، وراسي وجعتني من الزغاريد، بس أجولك كله فدا العز ده كله. عرفت ولدك هيعمل إيه؟"
أمين: "في إيه يا زبيدة؟"
زبيدة: "يخلي البت تتنازل عن كل حاجة، يا أبو مخ تخين!"
أمين: "آه، آه، جولتله وأنا أجدر. انسي كلامك يا زبدتي."
زبيدة: "شوفيلنا الأول حتتين لحم، جبل الجوزه، جوزك جلبه غطس من الجوع."
أمين: "ولا شبعان لحم، ولا شبعان فلوس. انت إيه؟"
زبيدة: "أمين، جوزك وحبيبك يا زبده."
وتخرج زبيدة، ليقول أمين: "جاكي ظرف، ياجيكي في راسك، يخلصني منك يا عجربه."
"النهاردة الغوازي جايين، وهمتع نظري." ليه حج عمار "يدور وراهم، عينوروا في الضلمة." يا أبوي كيف لهطة الجشطه مش ام جويج دي ؟"
______________________________
(جمريه تدخل المنزل مع عمار حاملة العديد من الحقائب، وفي استقبالها تقف أم سامية التي قامت بتربيتها وتحبها كابنتها.)
أم سامية : عاوزة أتحددت معاكي يا جمريه.
جمريه: تعالي نطلع أوضتي.
(يصعدان معًا إلى غرفة جمريه، وما إن يغلق الباب حتى تبدأ أم سامية الحديث.)
أم سامية (بانفعال): إزاي ترضي تتجوزي عمار الفاشل ده؟!
جمريه (بهدوء): ما تخافيش يا أم سامية، مش هتجوزه. خدي الورجة دي.
(تمد جمريه يدها بورقة صغيرة نحو أم سامية.)
أم سامية : إيه الورجة دي؟
جمريه : دي نمرة تليفوني الجديدة. انتي هتساعديني عشان أهرب من هنا، بس خلي بالك، أوعي حد ياخد باله أو يعرف.
أم سامية : الحمد لله طمنتيني إنك مش هتتجوزي الواد ده. بس هتروحي فين؟
جمريه: بعدين يا أم سامية. النهار قرب يروح، والبنات بتوع المكياج جايين.
أم سامية (بحب): ربنا يطمن قلبي عليكي.
________________________________
(في مكان آخر، يتصل زيدان بصقر ليخبره بالأمر.)
زيدان : الحجني يا كبير!
صقر : خير يا زيدان، فيه إيه؟
زيدان : الجماعة هنا بيعلّجوا التعاليج. ولما سألت من بعيد حد من البلد، جالي إن النهارده كتب كتاب جمريه على عمار بعد صلاة العشا!
صقر : أجفل دلوقتي، أنا جاي.
(يغلق صقر الهاتف، ويتحدث لنفسه بقلق وهو يهم بالنزول.)
صقر: حجك عليا يا يوسف. كان لازم آخد بالي من خيتك أكتر من كده. لكن أعمل إيه؟ كله اتكركب فوج نافوخي.
(يتذكر صقر الحجاب الذي أعطاه له يوسف، فيعود ليأخذه من غرفته، وهناك يجد حور تبكي بحرقة.)
صقر : مالك يا حور؟ بتبكي ليه؟
حور : تيته قالتلي إن بابا رمانا، وإن ماما مش عايزانّا. وإحنا بقينا من غير بابا ولا ماما... بجد يا خالو؟
صقر : ليه بس كده يا أما؟
(ينادي على أمه، فتدخل نَجاه الغرفة.)
صقر : أما، إيه اللي جلتيه لحور ده؟
نَجاه : جلت إيه يعني؟ قلت الحجيجة محدش عايزهم. لا أبوهم ولا أمهم. كلمت بتي، جالتلي مفضياش ليهم. خليهم عندكم دلوقتي. وأبوهم غطس، محدش عارف طريجه.
صقر : كفاية الكلام ده يا أما.
(يتوجه إلى حور، يربط على كتفها.)
صقر (بحنان): حور، اطلعي اجعدي مع إخواتك، وأنا جاي وراكي.
حور : تعالى معايا يا خالو.
(يصعد معها صقر، ويجلس بجوارها يشغل لها الكرتون، محاولًا تهدئتها. فجأة، يرن هاتفه مرة أخرى، ويرد عليه.)
زيدان : الجاضي جاه. فينك يا كبير؟
صقر (يصفع جبهته): ياربي! نسيت. أنا جاي حالًا. حاول تعطّل الدنيا لحد ما أوصل.