رواية نهاية الخطأ الفصل الاول بقلم سلمي رامي
صرخت السيدة الخمسينية فى وجه ابنتها وهى تقف فى وسط شقتها قائلة
... انتى اتجننتى ياإيمان ،لا ، اتجننتى ايه ، دا انتى مبقاش عندك عقل خالص ...
قالت إيمان بلامبالاه ... ليه يعنى ، ايه اللى حصل لده كله ؟
زادت طريقة ابنتها فى الرد عليها من غضبها وسخطها عليها فقالت
.. أنتى كمان مش حاسة انك غلطانة ، هو فى واحدة عاقلة فى الدنيا تقول لجوزها الكلام ده فى وشه ...
اتجهت إيمان لأقرب كرسى وجلست وهى على نفس حالها من اللامبالاه والإهمال لكلام وغضب والدتها ، ثم قالت
... متزعليش ياستى ، المرة الجاية هبقى أقوله فى قفاه مش فى وشه ...
اقتربت منها والدتها وجلست بجانبها وهى تقول
... وانتى كمان ليكى عين تهزرى ، دا انتى فعلا قليلة الأدب وملقتيش حد يربيكى ...
أجابتها إيمان ببرود ... قولى لنفسك ...
لم تستطع المرأة أن تكمل الحوار مع ابنتها ، فسيكون فى النهاية بدون جدوى مع برود هذه الفتاة وعدم قناعتها بخطأها وقلة حيائها ، وقفت الأم قائلة
... ولادك فين أن شاء الله ...
... سبتهومله يشبع بيهم ، انا مدايقة وعايزة اريح اعصابى ...
... وجالك قلب تسيبيهم ...
.. وهم فين يعنى ، ده الشقة اللى فوقينا ، أما يزهقوا هيسيبوه وييجو لوحدهم ...
... وقلبك مش وكلك عليهم ...
... مش هيجرالهم حاجة ...
رفعت المرأة يدها وقالت بفروغ صبر .. انا مبقتش قادرة عليكى ، انا هبعت لاخوكى ييجى يتصرف معاكى ...
التقطت إيمان هاتفها وفتحته وقالت وهى تنظر لشاشته ... والله ، من امتى حكاية اخويا دى بقى أن شاء الله ..
... ايه هتقلى أدبك على اخوكى هو كمان زى مقلتيه على جوزك ، اهو اخوكى وهيفضل طول عمره أخوكى الكبير ...
وتركتها وخرجت ، ابتسمت إيمان بسخرية ، وكالعادة لم تهتم بما قالته والدتها ولم يعنيها فى شئ ، فتحت الفيس بوك وبدأت فى مطالعة رسائلها الفائتة ،
فيما اتجهت والدتها لغرفتها ، أمسكت بتيليفونها ذات الشاشة الصغيرة لتبحث عن رقم ابنها ، فهى لا تتصل به إلا على فترات متباعدة ، لا تطلبه إلا إذا احتاجته فى شئ ما ، وليس ابدا للاطمئنان عليه أو على أولاده ،
انتظرت بضع رنات حتى اتاها صوته من الجهة الاخرى قائلا
... ايوة ياماما ، ازيبك ...
... الحمد لله يااشرف ، ازيبك انت وازى ولادك ومراتك ...
... الحمد لله كويسين ...
... ايه ياحبيبى ، مش تيجى تبص عليا ، ولا لسة مراتك مقوياك عليا ...
... متدخليش مراتى فى الكلام ، هاتى من الاخر ياماما ، انتى مبتتصليش بيا إلا لما يكون فى مصيبة ...
ترددت الأم لثوانى ولم ترد فقال لها .. فى ايه ياماما ؟
قالت مباشرة ...اختك إيمان ..
زفر أشرف بغضب وكأنه سمع اسم غير محبب له بالمرة
ثم قال ...مالها زفتة تانى ، انا مش لسة مرجعها الشر اللى فات لجوزها ...
..اتخانقت معاه تانى وشتمته وقالتله كلام زى الزفت وسابتله الشقة ونزلت ...
... عادى ، ايه الجديد ، دايما بيشتموا بعض ويتخانقوا ، والشقة انتى على طول فتحاهالها مرتع ، أكل وشرب ولبس ، بالأسبوع والشهر ومن غير ما تطلع لجوزها ولشقتها ، عايزة منى انا ايه بقى ...
ترددت الأم فى الرد ثم قالت ... أصلها ، أصلها أما اتخانقت معاه المرة دى طلبت الطلاق ...
انتفض أشرف من مكانه لدرجة أن أمه تكاد تجزم أنها شعرت بنفضته عبر الهاتف ، ثم قال ... نعم يااختى ، طلاق ايه أن شاء الله ، دى جديدة دى ، بنتك اتجننت ولا ايه ...
... اهو ده اللى حصل ، والنبى ياابنى الحقنا ، ده عندها عيلين بالدنيا ...
... طيب طيب ، ساعة كدة وجاى ...
وأغلق الهاتف ووضعه أمامه على حافة الشرفة التى يقف فيها ليتابع المارة والتى تعود أن يشرب فيها كوب الشاى الخاص به بعد الغداء ،
فى نفس اللحظة التى وصلت فيها زوجته لميس وهى تحمل كوبين من الشاى ، وضعتهما على حافة الشرفة ووقفت بجانبه وهى تقول
.. مالك ياأشرف ، التيليفون ده من مين ؟
... من ماما ...
قالت لميس بسخرية ...ما شاء الله أمك مبتكلمناش إلا فى الخير ...
قال بتحزير... وبعدين يالميس ، قلنا ايه ..
.. خلاص متزعلش ... ثم ناولته كوب الشاى خاصته وقالت
... فى ايه بقى ؟ كانت عايزاك فى ايه ؟
تناول منها كوب الشاى وهو يفكر فيها ، لميس ، الصغيرة التى تزوجها على أمل أن يجعلها ملكة على عرش قلبه وحياته ، لم يكن يقدر قيمة أحداث الحياة وضغطها على البشر ، فإكتشف أن الحياة ليست فقط ضحكة وابتسامة وقلب ينبض بالحب ، بل الحياة هى المسؤولية والزواج والأطفال وعناء تربيتهم ،
لكنه لم يخيب ظنه فيها ابدا ، بل تحملت معه الكثير والكثير ، بنى معها وبمساعدتها ومساندتها أسرته الصغيرة ، حتى بعد أن طردته والدته من شقة والده ، وسكن بزوجته فى شقة بالايجار بعيدا عن مسكن والدته ، حتى بعد أن أصبح يدفع ثلاثة أرباع مرتبه إيجارا لشقته ، و ما يتبقى معه من دخله ودخل لميس بالكاد يكفى متطلبات حياتهم اليومية مع طفلين صغيرين كانا ثمرة حبهما . ومع كل هذا ساندت لميس ولم تشتكى أو تثبط من همته أو تعايره بشئ ابدا .
وبالطبع يؤسفه انه كما يوجد من هى مثل زوجته لميس ، يوجد من هى مثل أخته إيمان ، الجانحة ، المستهترة ، والتى لا تهتم إلا بنفسها فقط ، وتلقى بأحمال مسؤوليتها عن زوجها وأولادها على كل من حولها ، بل بدأ حالها يصل بها للأخطاء التى ليس فيها ندم أو رجوع .
أفاق من شروده على نداء لميس له وهى تقف أمامه وهى تقول
.. أشرف ، ايه ، سرحت فى ايه ؟
.. ولا حاجة يالميس ...
... انا كنت بسألك ، ايه اللى حصل ؟
بدأ فى قص محتوى مكالمته مع والدته بحزن وقلة حيلة ، فقد كان يتمنى أن يكون له تأثير على هذه الفتاة وان يقيمها ويعيديها للصواب ، لكن للأسف والده ووالدته من بعده قد اجبروه على اعتزال علاقة أخوته لأخته الصغيرة ،
استمعت له لميس وهى صامتة دون أى تعبير على وجهها حتى أنهى كلامه ، انتظر أن تتحدث ، لكنها استمرت على صمتها ثم أدارت وجهها ناحية الشارع ، فقال
... ايه يالميس ، سكتى ليه ؟
.. هقول ايه ؟ لو اتكلمت هقول كلام يزعلك منى ، السكوت احسن ...
ابتسم ثم قال ... على قد كلامك ما ساعات بيكون تقيل ومبتحملوش ، بس معظم الوقت بتكونى على حق ، قولى اللى عندك ...
... مدام قلت كدة يبقى هتزعل ، بلاش احسن ...
.. ياستى قولى ، هتحايل عليكى ...
... أقول ايه ياأشرف ، أقول إن الغلط مش غلطها قد ما هو غلطكم انتوا ...
قال بدهشة .. احنا ؟
... اه ، انتوا ، ابوك وامك وانت وخالك ، كلكم ساعدتوها على كدة ...
... ازاى بقى ؟
.. فاكر أول سنة اتجوزنا فيها ، لما اتخانقنا وزعلنا وانا خدت هدومى ورحت عند بابا ، فاكر ماما عملت ايه ؟
ابتسم أشرف لما ذكرته به زوجته عن حماته ، السيدة الرائعة طيبة القلب ، قد كان يعلم أنها فى منتهى الحكمة لكن كان هذا اول موقف فعلى تظهر له مدى حكمتها واضحة تماما ، حين حدث مشاجرة بينه وبين لميس ومن غضبه تطاول عليها بالكلام ، فتركت له المنزل وذهبت لبيت والدها ،
وفى نفس الليلة ، ارتدى ملابسه وهم بالذهاب اليها ، فتح الباب ليجد أمامه والدة زوجته العجوز تستند على عكازها ومن خلفها تقف لميس مطأطأة الرأس وكأنها هى المخطئة فى حقه بخروجها هكذا ، أو هذا بالفعل ما اشعرتها به والدتها حتى لا تفعلها مجددا ،
... أهلا وسهلا ياطنط ، اتفضلى ...
... لأ ياأشرف ، بيتك مش هدخله غير لما تقوللى مالك ، مش بعادة تشتم مراتك ولا تقول كلام مش كويس كدة ...
... انا اسف ياطنط ، انا كنت جاى مدايق وهى نرفزتنى اكتر ، محستش انا بقول ايه ...
... ومقلتلهاش الكلام ده ليه عشان تراضيها ومتخليهاش تخرج كدة ...
... هو انا لحقت اقول حاجة ، انا خرجت من ساعة ، وأما رجعت ملقتهاش ...
قامت السيدة بالالتفات للميس من خلفها قائلة
. .. سمعتى ياأبلة ، اتفضلى ادخلى بيتك. ..
استدارت لميس ودخلت ووقفت خلف أشرف ، تابعت والدتها كلامها موجهة الحديث لها
... اسمعى يالميس ، الكلام ده هقوله مرة واحدة ومش هكرره ، احنا بن البنات عشان يعمروا ويضللوا على بيتهم واجوازهم وولادهم ، مش عشان يتنططوا وكل شوية يرجعوا تانى ، فاهمة ، أول وآخر مرة تسيبى بيتك ، هو إللى يسيبه ويطلع برة مش انتى ، ولو قفلت فى وشك اوى ، اتصلى بأبوكى يجيلك هنا ، وساعتها لو متحلتش ، يبقى ياخدك أبوكى بنفسه ، وساعتها يكون فى كلام تانى ، غير كدة مفيش خروج ...
قال أشرف ملاحقا ... لا تانى ولا تالت ياطنط ، أن شاء الله مش هتتكرر تانى ...
قالت حماته للميس ... يلا خشى ، ليا كلمتين مع جوزك ...
دخلت لميس وتركتهم على الباب ، وإلى الآن لم تعرف ابدا ماذا قالت والدتها لأشرف ، ورفض هو أن يخبرها رغم أنها ترجته كثيرا ،
التفت لحماته وقال .. اتفضلى جوا بس ياطنط ، مينفعش وقفتك كدة ...
... قلتلك لأ ياأشرف ، بيتك مش هدخله تانى غير لما أحس انك رضيت لميس بجد ، مش بس كدة ، لما أحس كمان أن اللى حصل مش هيتكرر تانى ، انا جبتها لحد عندك وعلى عينى والله ، بس انا مش عايزة اخرب عليها وهى شايلة ابنك فى بطنها ، انا عايزاها تتعلم معنى المسؤولية ، ويعنى ايه زوجة وبيت ، بس لو انت ناوى تمشى على كدة ، عرفنا من دلوقتى ، عشان نتصرف ...
... قلت لحضرتك ، انا كنت جاى مدايق من الشغل وهى نرفذتنى اكتر ...
... كل الرجالة بيشتغلوا و بيدايقوا ياأشرف ، لكن مش كل واحد يشتم مراته بالشكل ده ، هى كمان عندها شغلها ، وحامل ، ده غير شغل بيتها ، يعنى مش فاضية وقاعدة مستنية ، يبقى تتحملوا بعض عشان المركب تمشى ، وإلا هتقفوا وتغرقوا من دلوقتى وانتوا لسة مدخلتوش فى الجد ، خليك حنين مع مراتك ياابنى ، انتوا ملكش غيرها ، وانت عارف كدة كويس ، وهى كمان ملهاش غيرك ...
.. حاضر ياطنط ، اتفضلى ادخلى بقى ...
... قلتلك لأ ، سلام عليكم ...
وابتعدت مستندة على عكازها خطوة بخطوة حتى نزلت للدور الأرضى ومنه للشارع ، رغم آلام قدميها لكنها تحملت من أجل عمار بيت ابنتها ، لم تتركها اسيرة هواها أو غضبها لتخرب بيتها ، وإنما أعطتها درسا بسيطا لتتعلم معنى الحياة الزوجية ودور الزوجة ، رغم انفطار قلبها من اهانة ابنتها ، إلا أنها لم تأخذه على أنه أمر نهائى لا رجعة فيه ، بل الحياة محاولات مستمرة حتى تصل للمنشود .
اتسعت ابتسامة أشرف وهو يتذكر كلام حماته فى موقف بسيط مثل هذا ، وبالطبع قد فهم مقصد زوجته بتذكيره بموقف كهذا ، حقا ، الفرق شاسع بين أفعال والدة زوجته ناحية أبنائها ، ووالدته ناحيته هو واخته ،
حماته دائما ما كانت تعالج كل الأمور فى صالح بيت بناتها وازواجهن ، لكن والدته دائما تصل بأفعالها لنتائج سيئة لا يحمد عقباها .
قالت لميس لتخرجه من شروده
... افتكرت أمى عملت ايه ؟
... طبعا افتكرت ...
.. شوف أمك بقى ، طردتنا من البيت ، وفتحته على البحرى لأختك ، مع أن العمارة كلها ملك حما اختك ، يعنى الشقة بتاعة جوزها اصلا ، لكن ازاى ، عايشة مع أمها ، أكل وشرب ولبس وكمان شدت ولادها معاها ، معاشها كله بتصرفه عليهم ، شالت مسؤوليتهم وابوهم موجود ، وهو ريح دماغه ، مادام مفيش حد بيقوله هات فلوس ، ولما يعوزها تقعد معاه شوية يبعتلها ، وبعد كدة ، انزلى عند أمك ، عودتها وعودته على قلة المسؤولية ناحية بعضهم وناحية ولادهم ، ومن يومه وهو قليل الأدب فى كلامه ومن يومها وهى بترد عليه ..
...طيب دى أمى ، انا وخالى بقى ذنبنا ايه ...
... ذنبكم انكم سكتوا على المهزلة دى من البداية ، وخالك اكتر منك ، عشان كان له كلمة على أمك اكتر منك ...
...والحل دلوقتى ...
... الحل معروف ، واى حد عاقل يقوله ، اختك ترجع تعيش فى شقتها مع جوزها وولادها ،وجوزها يشيل مسؤولية بيته وولاده، وانت ترجع شقتك ، بدل ما احنا مهددين بالطرد كدة ...
سكت أشرف تماما ، شعرت لميس بما يحمله زوجها داخله من قلق وحيرة ، اشفقت عليه وشعرت أن كلامها كان أثقل من اللازم ، مدت يدها واحتضنت بها كف يده قائلة
... متشلش هم الدنيا كدة ، قوم شوف أمك واختك الأول ، وبعدين يحلها ربنا ...
دخل الصغير تيم زات الخمس سنوات يجرى ناحية لميس وهو يصرخ
.. ماما ، بصى ، تامر كسرلى سن القلم اذاى ، مش عارف أكمل الواجب ...
ابتسم كل من أشرف ولميس وقال أشرف لتيم
... تامر كسرلك القلم اذاى ، تامر نونو ياتيمو ، هيمسك القلم اذاى اصلا ...
قال تيم وهو يحرك قدمه فى الأرض وهو غاضب
... والله هو إللى كسره ، مليش دعوة ...
قالت لميس وهى تقف ... تعالى ياتيم وانا هعملهولك ...
وقف أشرف هو الآخر وهو يقول
.. وأنا هقوم اروح مشوارى ، ادعيلى ...
قالت لميس ... ربنا معاك ...
قبلها من رأسها وانحنى على تيم وقبله من جبهته ، وخرج .
...................................................................
طوال الطريق وهو يفكر كيفية الحديث مع إيمان ليستجدى عقلها ليستطيع الخروج بها من هذه الهوة التى ادخلت نفسها فيها ،
إن إنهارت حياة إيمان فسيتأثر كل من حولها بهذا الانهيار ، وبالأخص هى وأولادها ، حازم وسيف ،
لميس على حق ، هو مذنب فى حقها مثل الجميع ، لكن الآن ، ما هو سبيل الإصلاح ، هذا إذا كان للإصلاح سبيل من الاساس وهى ترفض الإستماع لكل من حولها ، وهو أولهم ،
جلس قبالتها يتأملها وهى تجلس على مضد منها ، فقد اجبرتها والدتها على هذا الحوار ، هذا وان كانت تستطيع إجبارها على شئ من الاساس ، فقد فقدت السيطرة عليها منذ زمن ، وأصبحت لا تقوم إلا بما تهوى وتريد بغض النظر عن النتائج مهما كانت سيئة ومؤذية لنفسها ولمن حولها ،
بدأ أشرف الحديث بهدوء كالعادة منه ، قلقا من أن تفعل كما تفعل دائما ، تستفذه وتغضبه إلى أن توصله للهياج العصبى وارتفاع الصوت ، وفى النهاية تركها وإنهاء الحديث قبل أن يصلا لأى شئ محدد ،
.. إسمعى ياإيمان ، براحة كدة وقبل أى كلام ، ناوية تتكلمى عدل عشان نوصل لحل ولا هنعمل زى كل مرة ...
.. والله انا قاعدة أهو ،انتوا اللى بتدايقونى ...
... الموضوع على بعضه يدايق اصلا ، لازم نتحمل الكلام فيه وانتى اولنا وبلاش طريقتك المستفزة دى ...
... انا اللى مستفزة ...
... اهو ، لسة مبدأناش وهتقلبى ...
... مش انت اللى بدأت ...
.. حاضر ، براحة اهو ، قوليلى من الاخر ، انتى عايزة ايه ؟
اجابته مباشرة .. عايزة أطلق ..
صدمته إجابتها المباشرة هذه وجعلته يتردد تماما فى كلامه فقال
... تطلقى مرة واحدة كدة من غير مقدمات ...
كان هدوء كلامها وعدم تأثرها بمعانيه لا يناسب ابدا محتوى الحوار ، فمن تقول انها تريد الطلاق ، تكون عادة مترددة حزينة وان هذا الطلب هو آخر حل قد وصلت له بعد أن فاض بها ، لكن إيمان تتحدث وكأنها قررت بالفعل وحسمت امرها ، وأن هذا الحوار لا طائل منه ،
قالت بثقة وهدوء .. المقدمات موجودة من سنين ، هى أول مرة ولا ايه ، لا فلوس بيدينى ، ولا بيصرف على ولاده ، ومبيسألش فينا ، وعلى طول خناق وشتيمة ، وفى الاخر يطردنى ويقوللى انزلى عند أمك. ..
... أنتى اللى بتوصليه لكدة وانتى اللى عودتيه على كدة ...
.. انا ؟ ليه أن شاء الله ؟
... أنتى عارفة ليه كويس اوى ، انتى اللى عايشة على فلوس أمك انتى وولادك ومبتطلبيش منه ، وعودتيه على كدة ، محسستهوش أن وراه زوجة وعيال عايزين مصاريف من الأول ، وكل أما تتخانقوا تسيبى البيت وننزلى ومتطلعيش غير بعد شهر ، وعلى طول بتعملى كدة ، محاولتيش ابدا تحلى المشاكل دى صح ، ايه الجديد بقى مخليكى تقولى طلاق ...
... زهقت ومش عايزة أكمل ...
.. هى لعبة ، هتقفلى التيليفون وتركنيها لما تزهقى ، وترجعى تفتحيها تانى وقت ما تحبى ، ده جواز وطلاق ، يعنى خراب بيوت وعيالك يتشردوا ،...
... عارفة ومصرفة نفسى ومجهزة انا هعمل ايه ...
... لا والله ، مجهزة ايه بقى ان شاء الله ...
... معايا شوية فلوس ركناها ، وهشتغل واصرف على نفسى وعلى ولادى ، والشقة موجودة اهى ، هقعد مع ماما زى ما انا ...
وقبل أن يجيب بكلمة كانت والدته قد دخلت من باب الغرفة وهى تلاحق فى الكلام قائلة ... لا ياحيلة أمك ، الشقة دى شقة أشرف ، وهينقل فيها هو وولاده ومراته بعد ما اموت ، إنما انتى شقتك فوق مع جوزك ، مش هنا ...
تفاجئت إيمان من رد والدتها كما تفاجئ أشرف نفسه بل أكثر ، حين سمع والدته تقر بنفسها بملكيته لشقة والده رغم طردها له ، هو وزوجته منذ سنوات ، ولم تعطه املا ابدا فى العودة ،
أجابت إيمان بصدمة وتساؤل .. شقة أشرف ؟
.. اه شقة أشرف ، لو كنت بقعدك هنا ولا بكرمك انتى وولادك ، ده عشان بيت أبوكى ، كنت بقول لنفسى ،ان مجاتليش انا ، هتروح لمين ،إنما تيجى تقوليلى، انا هطلق وهتنيل ، والشقة موجودة ، لا ياقلب أمك ، الكلام ده مينفعش ، اطلعى لجوزك وعيالك يلا ، وبعدين مالك كدة ، مش مظبوطة ليه ، من امتى اسطوانة الطلاق دى وكل ما حد يكلمك تقولى مش عايزاه، جاية بعد 12 سنة جواز وتقولى مش عايزاه ، حد جبرك عليه ، ولا انتى اللى اختارتيه وانتى اللى قعدتى معاه بمزاجك ، النكد هو هو ، ايه اللى اتغير ، بتخلفى منه ليه أما انتى مش عايزاه ، ولا انتى خلاص مبقاش حد قادر عليكى ...
تلقت إيمان كلام والدتها بصدمة قوية وكأنها صفعتها على وجهها للتو ولم تفق تماما من صفعتها ، فهذه هى أول مرة تقول مثل هذا الكلام أو تتحدث بهذه الطريقة ، لدرجة أنها قد سلمت بأن الشقة لها وليست لأخوها ، فيما تلجم أشرف تماما ولم يعد قادرا على الحديث ،
لكن إيمان بجرأتها وقلة حيائها الغير معهودين بها والتى أصبحت على حال آخر وكأن الشيطان قد مسها بشئ من انفاسه السامة ، قالت
... مش عايزة من حد حاجة ، لا منك ولا منه ، وبرده هطلق وهشتغل وهأجر شقة واقعد فيها لوحدى ،وكمان هاخد معاش ابويا ، انا ليا فيه عشان مطلقة ، وهقدم على معاش مطلقة فى الحكومة ...
همت بالخروج ، ثم ألقت نظرات احتقار لأخيها قائلة ... انت مش جيت وأسيتها عليا ، خلاص ، الشقة اهى ، أشبع بيها ، اياكش تتهد انت ومراتك ...
ثم مرت من جانب والدتها وهى فى طريقها للخروج وقالت
... أبقى خليه ينفعك ...
خرجت إيمان وتركت والدتها متجمدة مكانها وأخيها الذى لم ينتبه بعد من كل المفاجآت الصاعقة الذى تلقاها للتو ،
لقد قررت أخته وجهزت كل شئ ، ولم تعد كلمة أى شخص مؤثرة معها الآن ، لا يعلم أن كان يجب أن يجاريها أم يجبرها على الطاعة ،
ماذا يحدث لها ،كيف تغيرت بهذا الشكل دون أن يلاحظ حتى يتفاجئ بها هكذا ، لدرجة أن صدمته فى أخته قد غطت تماما على فرحته بما قالته والدته .
انسحب أشرف من جانب من الغرفة وهو صامت واتجه خارجا بعيدا عن الأنفاس السامة التى سببت له غليان الدم فى عروقه ،
عاد لشقته دون أن يتحدث بشئ ، دخل الغرفة وجلس وحيدا بعيدا عن زوجته وأولاده ، حاولت لميس مرارا التحدث إليه دون جدوى ففضلت أن تتركه وحيدا حتى يهدأ وحده ويتحدث عما به ولطالما فعل .
انتفضت على رنات هاتف زوجها فيما اعتدل هو الآخر ، قامت وأضاءت الغرفة ، والقت نظرة سريعة على الساعة فوجدتها الواحدة صباحا ، احضرت له الهاتف ، ليجيب والدته التى فاجأته بصراخها
... أشرف ، الحقنى ياابنى ،اختك لمت هدومها وسابت البيت ومشيت ...