رواية أخباءت حبه الفصل الثالث بقلم محمد ابو النجا
كانت تلك اللحظات هي الأصعب
فى عمرى كله ...
لقد شعرت أنني أحتضر ...
وانا واقفه...
لا استطيع التنفس....
الدماء متجمده...
وحلقي جاف كالصخر...
أشعر بانهياري...
والدموع تتراقص وتتساقط
بشده...
وأنا أرى أمامي محمود يرقد
فوق الفراش داخل المستشفى...
وحوله بعض الناس التى
لا أعرفها..
وطبيب يفحصه...
لقد كان نائم ومغطى من أثر
الحروق الكثيره ...
والتي شعرت بأنها قد أحرقتني
قبله...
أحرقتنى أكثر منه ...
كان وجهه مغطى بقطع
شاش أبيض طبى...
يبدو أن النيران أصابته
بشكل مقلق...
لحظتها شعرت بأن أتمنى
أن أذهب واحتضنه....
وأقبل يديه..
وأخبره أنني سأكون إلى
جواره...
لن أتركه ...
ولن أتخلى عنه....
فجأة جاءت تلك الممرضه
تحمل بعض الأدوات الطبيه...
تتجه صوب حجرة محمود ..
اوقفتها على اعتابها...
لتنظر لي فى حيره قائله :
هل ثمة شىء..؟
فقلت فى تلعثم واضح :
أنا....أقصد ..أن..
تقول في شفقه :
كان الله في عونك...
هل هو من اقربائك...؟
نظرت لها وأنا لا أجد أي
رد او إجابه لسؤالها..
الذى تجاهلته وقلت لها
: كيف حاله..؟
كيف هو وضع الحريق ..؟
نظرت لي في حزن وقالت
بصوت خافت : للأسف ...
الجروح في جسده كثيره ...
ونفعل كل ما نستطيع فعله..
من أجل انقاذه...
فبدون كذب حالته خطره..
والنيران التهمت الكثير منه...
لحظتها بدأت أشعر بأني
أتلاشى...
بلا روح ..
أموت .. بالفعل ...
لا أستطيع الوقوف على قدماى...
سأسقط بلا شك ..
فأشارت الممرضة الى مقعد
جانبي وقالت بهدوء :
اجلسي... استريحي ..
كوني مؤمنه..
بدأت في البكاء والنحيب...
كانت تتابعني في شفقه
شديده وتهمس وهي
تضع يدها على راسي قائله :
إنه قضاء الله....
وعليك الرضا...
ثم اخذت تنهيده وأكملت :
الحمد لله أنه ما يزال حيًا.
نظرت لها في حسره وقلت
: هل من الممكن أن يشفى....
هل هناك أمل في عودته كمان
كان ..
و أن تذهب تلك الحروق
من جسده ....
هل أصاب وجهه شيء من
تلك النيران...؟
أومأت الممرضه برأسها
في اسى قائله : نعم..
لقد أخبرتك أن تلك النيران
قد التهمت الكثير منه...
أخشى أن أقول لك أن
الموت سيكون رحمه له
بالنسبه لحالته ...
امسكت ساره بيديها وقالت
فى توسل : افعلوا شيء...
أرجوكم افعلوا أي شيء.
فى سبيل إنقاذه ..
قالت الممرضه وهي تحاول
تهدئة ساره من الهلع الذى
سكنها : إن شاء الله...
صدقينى كلنا هنا نفعل ما بوسعنا .. عليك فقط الدعاء له ...
ثم عقدت حاجبيها :
ولكنك لم تخبريني بعد...
هل أنت أخته أم زوجته...؟
أم من عائلته...؟
ساد الصمت بعد سؤالها..
ولم تستطع ساره الرد ...
كانت عاجزه على أن تجيب...
فقالت الممرضه بنبرة حنونه
: أخبريني سرك الذى أراه
فى صوتك وملامحك ...
وصدقيني ستكون كلماتك
سر بيني وبينك...
همست لها بصوت خافت
: انا مجرد جاره له....
ربما حتى لا يعرف من أكون ...
تراجعت الممرضه في دهشه
وهي تنظر لي بأعين متسعه
قائله :
هل تقصدي أن كل هذا البكاء
من أجل رجل لا يعرفك...!
هزت ساره رأسها إيجابيًا :
نعم ...
لا يعرفني...
ولا يعرف حتى اسمي...
الممرضه بصوت حنون
: أرى أن القصة تتخطى
مرحله أنك جاره له ..
ساد الصمت لبرهه
من الوقت بينهم ...
قبل ان تقول ساره في صوت
هزيل ونبرات مهمومه :
نعم أنا لست جارته فقط...
وكما قلت الأمر يفوق ذلك
حينها شعرت بأن الممرضه
يزداد عطفها وشفقتها الي ...
وهي تضع يدها على رأسي
برفق قائله :
عليك الدعاء...
لا نملك غير الدعاء...
همست لها في هدوء :
هل يمكن أن أطلب منك
شيئًا آخر . .؟
هزت الممرضه رأسها وهي تحمل
على شفتيها ابتسامه باهته
: نعم إليك هذا ...
قالت مها بهدوء :
عليك الوعد بأن يكون
هذا الأمر بيني وبينك سرًا ...
قالت الممرضه :
اقسم لك على ذلك ...
أنت مثل اختي...
قالت ساره :
سأعطيك رقم هاتفي ..
وعليك الإتصال بي دائما ...
وطمأنتي..
بقدر المستطاع منك ...
قالت الممرضه وهى تهز رأسها
بهدوء : سأفعل ذلك..
أعدك بذلك ..
بعدها انصرفت الممرضه
نحو حجرة محمود ..
واعتدلت ساره من المقعد
ونظرت نحو محمود ..
ولم تتمالك دموعها من جديد
لتنهار باكيه ...
وتكاد تخطو بين الحشد
الواقف لتراه عن قرب ...
حاولت بقدر المستطاع
فعل ذلك ...
لكن كانت الرؤيه صعبه
فجأه ...
سمعت هذا الصوت الذي
يهتف بقوه من خلف ظهرى ..
ويقول بقوة : ساره.. !
ألتفت بسرعه وبخوف...
وبقلبي الذي يخفق ...
لأرى أمام وجهى أبي ...
أبى الذي كان في قمه الغضب
والسخط والضجر ...
وهو يحملق بى...
ويقول بلهجه حاده وعنيفه
: ساره..!
لماذا أنت واقفه هنا..!
لماذا جئت هنا ..!
ولماذا تبكى هكذا. ..!
ماذا حدث...!
حينها تجمدت الكلمات بين
شفتى...
وأنا لا اعرف...
لماذا جاء أبي الى هنا
في هذا المكان ...؟
وفي هذا الوقت ...!
هل هو من سوء حظي ...!
ام هو باقي الكارثه التي
حلت فوق رأسي اليوم...
ليعيد سؤاله بكل غضب :
لماذا أنت هنا...؟
لماذا تبكى...؟
تكلمى بسرعه ...
وكانت إجابتي هذه المره
جملة واحده ...
لا ادري كيف نطقتها ...
ولا أعلم من أين جئت بتلك
الشجاعه والجنون لفعلها ..
حينما نطقت اسم حبيبي
في وجه أبي :
جئت بسبب محمود ...
محمود الذى أحترق...
وأشارت بيدى نحو حجرته..
وكانت صدمه تقع على رأس
أبى...
وكارثة لا أعرف كيف فعلتها...
ومن أين جئت بتلك الجراءة
المجنونه وربما الحمقاء
والغباء والتهور كعادتى...
وكان رد فعل أبى أشد جنون
رد فعل لم أتخيل حدوثه ...