رواية بستان حياتي الفصل الثامن8 بقلم سلوى عوض


 رواية بستان حياتي الفصل الثامن بقلم سلوى عوض


بعدما نزلت نور وليلى من غرفتهما، كانت العائلة تتجمع ، وفريد ناظرًا لنور بهدوء غير معتاد. في لحظة خاطفة، شعر بشيء جديد ينبت داخله، كأن قلبه نبض من جديد، بخفقان لم يعهده من قبل، بينما وقف يتأمل نور، كأنه يحاول فهم هذا الإحساس الغريب.


نور اقتربت من فريد وبدأت الحديث، لتخرجه من أفكاره وتعيده إلى الواقع.


فريد (بابتسامة هادئة وبنبرة مليانة تعب): أهلا بيكم يا بنات عمي، كان نفسي تيجوا في ظروف أحسن من كده.


نور (بملامح حنونة وفيها اهتمام): مش مهم يا فريد، أهم حاجة إنك تكون بخير... قصدي كلكم تكونوا بخير.


وفي وسط هذا الحديث الهادئ، قرر عمر يدخل بخفة دمه المعتادة ويضيف جو من الضحك.


عمر (بلهجة ضاحكة): العب يا فريد، شكلنا هنبقى عدايل قريب!


ليلى (بتنهد وهي بتبصله ): يا أخي، خليك مرة واحدة جد في حياتك!


عمر (بابتسامة فيها دلال): اه لو تحني علينا شوية يا جميل.


ليلى (بتحاول تسيطر على ضحكتها): عمر!


صباح، قررت تتدخل بحنانها المعتاد عشان تهدي الجو وتستفسر عن أحوالهم.


صباح (بنبرة هادئه): اعقل يا عمر، ربنا يهديك يا ولدي... قولي يا حبيبي، جدك وأختك أخبارهم إيه دلوقتي؟


عمر (بهدوء واطمئنان): الحمد لله بخير، وإن شاء الله بكرا هيخرجوا.


صباح (بفرحة): بجد يا ولدي؟


عمر (بيهز رأسه مؤكدًا): بجد يا صبوحة.


فريد (وهو بيحاول يهرب من تفكيره): عن إذنكم، هطلع أرتاح شوية.


صباح (بقلق واضح على فريد): مال يا فريد يا عمر؟


عمر (يحاول يطمنها): مفيش حاجة يا أمي، هو كويس... حضروا العشا، بجد جوعنا.


صباح : حضروا الأكل يا بنات، وبعد العشا ورانا شغل كتير... وهاتوا الجزارين، ندبح عجلين للغلابه حلاوة سلامة الغاليين .

------------------------------


كان الصباح هادئًا، لكن الأجواء كانت متوترة، في انتظار ما سيحمله من أخبار، وربما مواجهات غير سارة. جمال أنهى إجراءات المستشفى، وخرجوا جميعًا في طريقهم للمنزل. طوال الطريق، ساد الصمت بين الجميع، كأن كل واحد فيهم غارق في أفكاره. بعد لحظات وصلوا إلى البيت، وكان الجميع في استقبالهم بترحاب.


أول ما دخلوا، أطلقت صباح الزغاريد فرحًا برجوعهم.


صباح: يانجوى، يلا نحضر الوكل، كتر خيرهم بقالهم كتير بياكلوا أكل المستشفى!


أمنية (بنظرة استهجان): اشمعنى أمي اللي تحضر معاكي الوكل؟ متخلي اللي عاملين نفسهم ضيوف دول يحضروا الأكل!


في اللحظة دي، صافي قررت تتكلم مع جمال عن شعورها.


صافي (وهي تتحدث بهدوء): أظن إن مهمتنا هنا خلصت، نرجع بيتنا وبلدنا بقى.


جمال (بحزم): وبعدين معاكي يا صافي؟ كفاية كده.


الجد كان قاعد قريب، ولاحظ نظرات صافي، فقرر يتدخل.


الجد (بهدوء ووقار): مالك يا مرت ولدي؟ حد هنا ضايقك في حاجة لا سمح الله؟ اصبري، عاوزكم كلكم ؛ هنقعد ونتكلم .


أثناء هذا الحوار، فريد اقترب من جده بابتسامة خفيفة فيها ندم.


فريد: حمد الله على سلامتك يا جدي. حقك على راسي، وصدقني مش هيتكرر تاني.


الجد (بهدوء ): خلاص يا ولدي، كان شيطان وراح لحاله.


فريد (وهو يتحدث بحب): حقك عليا يا بوسي.


عمر (بضحكة): بكرا تقولها يا بسبوسة! خلي بالك بسبوسة دي بتاعتي أنا بس.


"بستان"، اقتربت منه ونظرتها فيها رجاء.


بستان: أبية فريد، ممكن ننسى ونفتح صفحة جديدة؟


في اللحظة دي، وصل سليم.


عمر (بمزاح): اهو "انشتا" جيه! ازيك يا جوز أختي؟


فريد (بصوت مليء بالمشاعر): ازيك يا سليم. خلي بالك من بستان، دي أغلى حاجة في حياتي.


سليم (بنظرة استغراب): يا راجل؟ أمال عملت فيها كده ليه؟ إزاي جالك قلب تعمل في أختك كده؟ أنا عندي أخواتي البنات، اللي يبصلهم بس نظرة تزعجهم، أمحيه من على وش الدنيا.


فريد بدأت الدموع تلمع في عينيه، وشعر بتأنيب الضمير.


فريد: أنا عارف إني غلطت غلطة لا تغتفر، بس أرجوكم تسامحوني. كفاية إن أختي الوحيدة اتكتب كتابها من غير ما أكون موجود.


عمر قرر يتدخل بخفة دمه عشان يخفف الجو.


عمر: أختك الوحيدة؟ أمال أنا أطلع إيه؟


بستان (بابتسامة): أخته يا ذكي.


سليم (بابتسامة هادية): خلاص يا فريد، كلنا بنغلط، ولازم نسامح.


الجد (بنبرة جدية): يلا ناكل، وبعد الوكل عاوزكم كلكم معايا، نتكلم في حاجات مهمة.


الأجواء ابتدت تهدى، وكل واحد منهم حاسس بأهمية الترابط، والحب اللي بينهم، رغم كل حاجة.

--------------------------------------------

بعد الأكل، اتجهوا جميعًا إلى غرفة المعيشة، كل واحد فيهم منتظر يسمع كلام الجد، لكن الجو كان مليان توتر، وصافي قررت تكون أول واحدة تتكلم.


صافي (بنبرة متوترة): خير يا عمي، في مصايب تانية عايزنا نحلها؟ بس أنا معنديش غير سليم، وخلاص جوزته، أجيب لك ابن تاني منين؟


الجد (بهداوة): لا يا مرت ولدي، ربنا ما يجيبش مصايب.


صافي (بنبرة متحدية): أظن كده الجوازة مابقاش ليها لازمة.


سليم (بنظرة حادة لأمه): أمي، مش إنتي اللي تقرريلي حياتي.


صافي بصت لسليم بصدمة، مش مصدقة اللي بتسمعه من ابنها.


الجد قرر يطلب القهوة عشان يهدئ الأجواء.


الجد: القهوة يا نجوى.


أمنية (بزعل): هو مفيش غير نجوى؟ إحنا مش خدامين عند حد.


عمر (بتضايق): انتي مالك؟ حد كلمك؟ أعوذ بالله منك، انتي بت خنيقة.


فؤاد (بصوت غاضب): عمر!  اتحدد زين مع بنت عمك، الزم حدودك، هي غلطت في إيه؟


جمال (بتدخل سريع عشان يهدي الوضع): خلاص يا عمر، خلاص يا فؤاد، ده مش وقته.


الجد شاف المشهد ده بحسرة، وأحس بقلق جوه قلبه.


الجد (بنبرة هادية ومليانة حزن): خلصتم؟ عايز أتحدد معاكم وأكلمكم في حاجة، اسمعوني، ومحدش يجاطعني.


الكل سكت وبص للجد باهتمام.


الجد: طبعًا كلكم عارفين إني هعمل عملية كبيرة، والله وحده يعلم إذا هقوم منها ولا لأ.


الكل، ما عدا أمنية وفؤاد: بعد الشر عليك يا جدي.


الجد (بهدوء): عشان كده أنا قررت أقولكم على السر اللي شايله جوايا من سنين، واللي بسببه جمال ولدي ساب البلد كلها، واللي بسببه جدتكم ماتت بحسرتها، وعشان كده سميتك بستان يا بنتي.


الأحفاد (بقلق وترقب): إيه يا جدي؟ قلقتنا، إيه السر ده؟

-------------------------------

في جو من الحزن والدموع، بدأ الجد يحكي قصته، ملامحه متجعدة وعيناه تغطيها الحزن والندم.


الجد (بصوت مختنق بالدموع): من زمان، بعد ما خلفت ولادي الرجالة التلاتة، جدتكم كانت نفسها في بنية. وربنا رضانا وادانا بنت زي الجمر، سميتها بستان لأنها كانت بيضة زي الفل الأبيض، وخدودها حمراء زي الورد الأحمر البلدي، وريحتها زي الياسمين. (ينهمر دمعه).

سميتها بستان عشان جمعت كل الورود ، ومرت السنين وكبرت بستان، دخلت الإعدادية وكان كل يوم يجيلها عريس. 

جعدتها من المدرسة، بس جدتكم والمرحوم مصطفى وجمال اتحايلوا عليا عشان تروح الثانوية، 

في يوم كان عندي مصلحة في قنا، قلت للسواق متروحش تجيبها، أنا هعدي وأجيبها بنفسي.

لكن لما وصلت قدام المدرسة، لقيتها واقفة مع زميلتها ومعاهم شاب. من غير ما أفهم، خدت بستان من إيديها وعملت اللي عمله فريد معاك يا بستان، لكن كنت جاسي أكتر بكتير. حجزتها في المخزن الشرقي، وحرمت حد يدخل عليها ولا ياكلها ولا يشربها.


(يبكي بمرارة).

كل اللي كان في دماغي أن بنتي هتحط راسي في الوحل. بعدها بيومين، ما راحتش المدرسة طبعا ، وصاحبتها جات تطمئن عليها وقالتلي إن بستان مجتش المدرسه بقالها يومين، من ساعة ما كانت  واقفة معايا انا و أخويا الي كان جاي ياخدي لقيتها واقفه مستنيه العربيه واتاخرت عليها قولتلها نوصلك رفضت قالتلي مينفعش امشي معاكي واخوكي معاكي كنت حضرتك وصلت وخدتها ومشيتو ومن ساعتها مجتش المدرسه 


أنا في اللحظة دي مكنتش فاهم، وعملت اللي عملته معاها من غير ما أفهم. كنت زعلان من جمال ومصطفى وجدتك، وقلت لهم إنهم السبب. ولما عرفت الحقيقة، نديت عليهم علشان نروح نفتح المخزن. لقيناها مرمية على الأرض وقاطعه النفس. جمال أخدها على المستشفى، واحنا وراه، لكن الدكاتره قالوا إن قلبها ضعيف، وحاولوا ينقذوها، لكن معرفوش. قعدت يومين في المستشفى وراحت للي خلقها .

بعد شهرين، جدتكم ماتت من الحسرّة، وجمال هملنا وأخد عياله ومشي. بعد سنة، جيتي أنتي يا بستان، ينظر إليها بعيون دامعة.

علشان كده سميتك بستان. ربنا سبحانه وتعالى أراد إنك تاجي شبهها في كل حاجة، ويعاقبني ويقول لي إن ذنبك هيعيش قدامك، وتعيش تتعذب طول عمرك. والله كفرت عن الذنب ده كتير. (يبكي بشدة). وكلهم يبكون معه.

جمال (بتأثر): ما دتش لنفسك فرصة تسمعها. حكمت عليها وعلينا كلنا من غير ما تسمع ولا يكون عندك ذرة رحمة.

الأب (محاولًا تهدئته): كفاية يا جمال، كفاية يا ولدي.

جمال (يمسح دموعه بحزن): خلاص، الكلام مفيش منه فايدة.

صافي (تنظر لسليم وبناتها، بحدة): عرفتوا ليه بكره الصعيد وبكره الناس هنا؟

الجد (بتنهيدة عميقة): أنا كده ريحت نفسي، بس فاضل أقولكم وصيتي.

الجميع ينظر لبعضهم في صمت، وتعمّ حالة من التوتر. ثم يضحك فؤاد ضحكة خبيثة، كأن هناك شيئًا آخر على وشك أن يحدث.

الفصل التاسع من هنا

تعليقات



×