رواية بستان حياتي الفصل السادس6 بقلم سلوى عوض


 رواية بستان حياتي الفصل السادس بقلم سلوى عوض

بتوتر واضح وارتجاف، عينا فريد تتسعان وهو يحدق في عمر:


فريد: "أختك مالها يا عمر؟"


يرد عليه عمر بنظرة مليئة بالتحدي، مزيج من الألم والغضب يخفي خلفه الكثير من الأسرار.


فريد: "ماتتكلم يا عمر! أختك مالها؟"


عمر، بصوت يشوبه الاستهزاء والغضب المكبوت: "ليه؟ أختي تهمك أوي؟ إنت معندكش إحساسيس ولا مشاعر، قلبك حجر! إيه الذنب اللي عملته البنت المسكينة دي؟ كل اللي بتعمله إنها بتكمل تعليمها! أجرمت في حقك؟ ولا يمكن، عشانك إنت، كل حاجة لازم تمشي على مزاجك ؟ بتطلع عقدك على حد ملوش ذنب؟! إنت مريض يا فريد، لازم تتعالج، عشان تفهم إزاي تتعامل مع بني آدمين."


فريد، بنفاد صبر واضح: "كفاية مواعظ يا عمر! فين أختك؟ ما تقلقنيش أكتر!"


عمر: "أختك في المستشفى، والحمد لله بقت بخير. وخليني أقولك على المفاجأة، جدك قرر إنه يجوز أختك لسليم، ابن عمك جمال، وده معناه إنه مش هيكون ليك عليها أي كلمة من هنا ورايح. غير كده، في محضر معمول ضدك في المستشفى، وجدك كمان لازم يتعمله عملية قريب. أتمنى تكون ارتحت كده."


لم يستطع فريد النطق بأي كلمة من شدة الصدمة، ولم يملك إلا أن ينظر إلى عمر بذهول، بينما انصرف عمر وتركه غارقًا في أفكاره المتشتتة.

-----------------------------


في اليوم التالي في المستشفى، جلس الجد على السرير بقلق واضح يرتسم على وجهه، ونظر نحو فؤاد:


الجد: "يا فؤاد يا ولدي ، عايز أطمن على بستان قلبي، واكلني عليها. نادي لي الدكتور، ."


توجه فؤاد سريعًا ليجلب الطبيب، ولم تمضِ لحظات حتى دخل الطبيب مبتسمًا:


الطبيب: "خير يا حاج، إيه الأخبار؟ صحتك عاملة إيه دلوقتي؟"


الجد، بصوتٍ قلق: "سيبك مني، يا ولدي أنا همّي كله على بستان. عاوز أشوفها بنفسي."


الطبيب، بحذر: "يا حاج، الحركة مش صحية لحضرتك حاليًا. قلبك مجهد، وأي مجهود عليه خطر عليك."


الجد، بلهجة مليئة بالإصرار: "يا ولدي، قلبي هو بستان. حنّ عليك، خليني أشوفها."


بعد تفكير، استسلم الطبيب لرغبة الجد قائلاً: "حاضر يا حاج. حضرتك مش هتتحرك من هنا، لكن هنجيب بستان لعندك ما تقلقش."


أعطى الطبيب تعليماته للممرضات بإحضار بستان إلى غرفة جدها. شعرت بستان بسعادة كبيرة لرؤية جدها، وابتسمت وهي تُنقل على الكرسي المتحرك نحو غرفته.


في أثناء ذلك، وصلت صافي، زوجة جمال، وبناتها ليلى ونور إلى المستشفى. كانوا يسيرون باتجاه الغرفة عندما خرج سليم من غرفة بستان متوجهًا للقاء جده.


سليم، مرحبًا بهم: "حمد الله على سلامتكوا."


صافي، بقلق: "في إيه يا سليم؟ إيه اللي حصل؟ وبستان مالها شكلها كده ليه؟"


أسرعت ليلى ونور نحو بستان للاطمئنان عليها، بينما تحدث سليم مع أمه بلهجة تهدئة:


سليم: "اطمّنوا يا جماعة، هقولكم على كل حاجة بعد ما جدي يطمن على بستان."


ليلى، بصوت مليء بالقلق: "بوسي، إيه اللي حصل لكِ؟ مين اللي عمل فيكِ كده؟"


سليم، مقاطعًا: "مش وقته دلوقتي، جدي عايز يشوفها. خلونا نطمنه الأول وبعدين اطمنوا عليها براحتكم."


تقدمت بستان مع الممرضات نحو غرفة الجد، حيث كان جمال وفؤاد في الغرفة أيضًا. بمجرد أن رآها الجد، حاول القيام من السرير ليحضنها.


فؤاد: "خليك مرتاح يا بوي."


بستان، بابتسامة مشوبة بالدموع: "أنا كويسة يا جدي، متقلقش عليا. أهم حاجة حضرتك تكون بخير. أنا كان ممكن أم***وت لو حصلك حاجة."


الجد، بعينين دامعتين: "اسم الله عليكي يا قلب وعقل جدك. ."


وفي هذه اللحظة، دخل سليم إلى الغرفة بابتسامة مرحة:


سليم: "لا يا حجوج، كده أنا أغير منك!"


ضحك فؤاد، ثم قال: "من سليم الجد لسليم الحفيد، يا غلبك يا بت اخوي !"


بستان، ضاحكة: "ربنا يديمهم في حياتي يا رب."


الجد، بنبرة حازمة: "أنا عاوز أروح بيتي."


سليم: "لا يا جدي، حضرتك لازم تستنى نتيجة التحاليل والأشعة الأول."


الجد، بإصرار: "هروح لغاية ما يطلعو .... دلوقتي، كلكم اخرجوا، وسيبولي بستان. عايزها في كلمتين."

----------------------------


بعد ما خرجوا الكل من الغرفة، توجه فؤاد وجمال نحو صافي والبنات:


فؤاد بابتسامة ترحيب: "حمد لله على سلامتكم، نورتوا الصعيد كله."


البنات: "الله يسلمك يا عمو."


فؤاد: "إزيك يا مرت أخويا؟"


صافي، ببرود: "الحمد لله..." ثم نظرت إلى جمال وقالت بنبرة متوترة: "جمال، إيه اللي بيحصل؟ فهمني، إيه الموضوع بالضبط؟"


جمال، بصوت : "وطي صوتك يا صافي." ثم التفت إلى سليم قائلاً: "فهم أمك يا ابني، أنا ما عنديش طولة بال للكلام."


ثم نظر إلى فؤاد وأشار قائلاً: "فؤاد، خلِّي حد يروح البنات."


وفي تلك اللحظة، وصل عمر إلى المستشفى.


فؤاد: "كويس إنك جيت يا عمر. خد بنات عمك معاك، وخلي أمك ومرت عمك ياخدوا بالهم منهم."


عمر، بابتسامة يحاول أن يخفي بها توتره: "حاضر يا عمي، من عيني." ثم التفت إلى بنات عمه قائلاً بمرح: "يلا بينا يا قمرات، مرحبًا بكم في صعيد مصر حيث الشمس الساطعة والفطير المشلتت!" ثم ضحك على نفسه وأضاف: "إيه ده؟ دمي تقيل للدرجة دي؟ ما حدش ضحك… إيه الإحراج ده. أحم، أحم، يلا بينا."


انصرف عمر مع بنات عمه، وترك صافي تتبادل نظرات القلق مع جمال، وكأنها تبحث عن إجابة لأسئلتها المتزايدة.

--------------------------

صافي، بنبرة توتر تتصاعد: "سليم، فهمني بقى في إيه قبل ما أفقد أعصابي."


أخذ سليم أمه جانباً بعيداً عن الجميع وقال لها بهدوء: "يا أمي، باختصار، حصلت مشكلة كبيرة بين فريد ابن عمي وبستان أخته. جدي تعب واتنقل للمستشفى."


صافي، بدهشة وقلق: "مشكلة إيه اللي توصل جدك للمرحلة دي؟ وبعدين، البنت دي شكلها عامل كده ليه؟ إيه اللي حصل معاها؟"


تردد سليم قليلًا، ثم قال بحذر: "بعدين يا أمي، ده موضوع يطول شرحه… لكن في حاجة مهمة لازم تعرفيها… أنا كتبت كتابي على بستان."


شهقت صافي من الصدمة، ونظرت إلى ابنها بعدم تصديق: "إيه الكلام ده؟ انت بتقول إيه؟ إزاي يحصل كده من غير ما تقولولي؟! خلاص… خلاص ما لكش أم." ثم توجهت نحو جمال بنبرة صوت مرتفعة، غير مدركة لنظرات الناس من حولهم: "يا جمال، هو في إيه بالضبط؟ البنت دي حصل لها إيه؟ وازاي تكتبوا كتاب ابني من غير ما أعرف؟!"


جمال، محاولًا تهدئتها، : "وطي صوتك، يا صافي. إحنا في مستشفى. سليم، خذ أمك بعيد عن هنا."


صافي، بنبرة غاضبة: "أنا مش هتحرك من هنا غير لما أفهم كل حاجة."


تدخل فؤاد محاولًا تهدئتها: "لو سمحتي، يا أم سليم، اهدي شوي. أنا هروح أجيب لك حاجة تشربيها من الكافتيريا." وغادر فؤاد، تاركًا إياهم وحدهم ليتمكنوا من التحدث بهدوء.


جلسوا معًا، ثم تحدث جمال بنبرة هادئة ومتفهمة: "صافي، أرجوكِ اهدي. انا  كلمت الدكتور المسؤول عن حالة الحج واستأذنته إن الحج يخرج للبيت لغاية ما تطلع التحاليل والأشعة، وبستان برضه هتكمّل علاجها في البيت وبعدين نشوف هنعمل ايه ."


صافي، بنبرة تجمع بين الحزن والغضب: "جمال، ما تنساش إننا طول عمرنا بعيد عن مشاكلهم، واخدين جنب وعايشين حياتنا لوحدنا . إنت سيبت كل حاجة لوالدك وأخوك، ورجعنا نبدأ من الصفر في مصر. ودلوقتي، أول ما تحصل لهم مشكلة، يستنجدوا بينا. أنا بقولك من دلوقتي، يا جمال… ولادي خط أحمر. مش هسمح لحد يقرب منهم الا ولادي ياجمال ."

---------------------------


في غرفة الجد، كان الجو مشحونًا بمشاعر عميقة وألم قديم.


الجد، بصوت مرتجف: "سامحيني يا بتي… ما عرفتش أحميكي زي ما زمان ما عرفتش أحميها من نفسي."


بستان، بقلق وفضول: "هي مين دي، يا جدي؟ وليه دايمًا بشوف في عينك حزن كبير ووجع؟ غير كده، بشوف الغيرة من بنات عمي فؤاد بسبب حبك ليا. أرجوك، يا جدي، فهمني… تقصد إيه بكلامك ده؟"


صمت الجد لثواني كأنما يستجمع شجاعته، ثم تنهد وقال: "حاضر يا بتي… هجولك كل حاجة. لازم تعرفي عشان أزيح الحجر اللي على قلبي."


نظرت بستان له بنظرة شفقة وحزن، متفهمةً أن ما سيقوله يحمل ذكريات أليمة. جلست تستمع له باهتمام، وهي تحس أن الحديث القادم سيفتح أبوابًا مغلقة منذ زمن بعيد.

الفصل السابع من هنا

تعليقات



×