رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الثامن والستون بقلم سهام صادق
لم يڪُن يَظُن أن سؤاله سيجعل "سما" الواقفة أمامه تُحدق به بنظرة لم يفهمها، إنه للتو أدرك فداحة سؤاله الذي تعجل فيه.
نظرتها إليه طالت، فازدرد لُعابه وقبل أن يوضح سبب سؤاله خرج صوتها.
_ مش فاهمه، تقصد إيه؟
تظاهرت بالغباء حتى تفهم السبب الذي يجعله يتساءَل عن حياة ابنة عمها.
ارتبك "مازن" وشعر بالمأزق الذي وضع نفسه فيه بسبب غبائه وسُرعان ما كان يبتسم حتى يخفي توتره.
_ مش قصدي حاجه من ورا سؤالي يا "سما".
ضاقت حدقتاها وقد تفاجأ من ردها.
_ طيب وليه سألته فجأة يا دكتور ، ممكن افهم.
ازدرد لعابه مجددًا، فتعلقت عيناها به بنظرة غامضة أَرْبَكته.
_ أنتِ عارفه إن في صداقه بتجمع العيلتين ولفتت نظري كذا حاجه استنتجت بيها ده.
وأردف سريعًا حتى لا يزيد الأمر سوءً.
_ ممكن استنتاجي يكون غلط، تحبي نقف قدام البحر شوية.
تحرك أمامها لكنه توقف مكانه عندما استمع إلى ردها.
_ للأسف اليوم كان بالنسبة ليا طويل ورخم، فأنا محتاجه انام.
تركته دون التفوه بحديث آخر ودون الإلتفاف إليه ليتبعها بعينيه بنظرة حائرة تحولت إلى الحنق سريعًا.
_ كان لازم تتسرع في سؤالك، غبي.
فور أن دلفت "سما" غرفتها بالفندق ألقت بحقيبة يدها ثم حذائها وأسرعت نحو الفراش تُلقي بجسدها عليه وسُرعان ما كان يعلو صوت بكائها بعد هذا اللقاء الذي خالف توقعها وأصابها بالغصة.
...
ليته يمتلك أمنية يستطيع تحقيقها كما يشاء أو آلة زمن حقيقية كما بالأساطير لكان بدأ معها حكايتهم من جديد دون أن يضعها في لُعبة زواج حرك جده خيوطها وهو بعناده وافق عليها ليكون هو الخاسر بالنهاية.
تهزمه هي بضعفها وتشعل بداخله لهيب يحرق روحه ويُمزقُ نِيَاطَ قلْبِهِ.
صوت بكائها أرجف قلبه لتخرج من صدره آه مَكْتُومة، وسؤال واحد يتردد داخل رأسه، ما الذي فعله بحياته ليتحمل ذنب آخر لم يقصده.
أغلق "صالح" عينيه وشدد من ضمها إلى صدره هاربًا في حضنها من مرارة صار يتجرعها معها.
_ "زينب" من فضلك فهميني بتعيطي ليه؟ في حاجه بتوجعك، ردي عليا يا "زينب".
سحبت نفسها من حضنه بعدما استطاعت بقوة واهية أن تتمالك نفسها ثم رفعت كفوف يديها تزيل بهم دموعها.
اخترق قلبه شعور لا يستطيع وصفه وهو يراها تهرب بعينيها بعيدًا عنه.
_ فيكي إيه قوليلي ، لسا ضهرك بيوجعك نروح المستشفى.
عندما لم يتلقى منها ردًا ، مَدّ يده نحو خدها ليحرك وجهها إليه.
_"زينب"، ردي عليا.
اندست أسفل غطاء الفراش، وكعادتها في الهرب هتفت بصوت متحشرج.
_ أنا عايزه انام.
_ وأنا مش هسيبك المرادي تنامي يا "زينب" لان عارف ديه طريقتك في الهروب من الكلام.
زحفت قليلًا على الفراش إلى أن أصبحت تنام على طرفه، فحدق بها ثم زفر أنفاسه مغمغمًا بنبرة خشنة.
_ عنيدة بس أنا المرادي هكون أعند منك.
خلع حذائه واندسّ في الفراش قربها وقد قرر أن يكون معها مثلما يفعل أحيانًا مع صغيره بعدما يضجر من عناده.
_ "زوزو" ،ينفع تنام وهي زعلانه مش خايفه العفريت يعضك.
مزحته السخيفة جعلت ملامح وجهها تحتقن ، فاستدارت إليه ترمقه بنظرة شرسة قابلها بابتسامة واسعة.
_ على فكرة أنا قولت عايزة أنام.
هَـز رأسه لها برفض ثم سحب غطاء الفراش عليه.
_ أنا شكلي هسيبلك السرير.
خرج صوتها بحنق وكادت أن تنهض لتجد ذراعه يلتف حول خصرها ويلصقها بصدره.
_ أنت بتعمل إيه !
أحكم حصاره حولها وبهمس خافت خرج صوته.
_ معملتش حاجه ، أنا واخدك في حضني زي ما بعمل مع "يزيد".
_ من فضلك اخرج، أنا عايزه أنام.
قالتها بنفاذ صبر ثم زفرت أنفاسها بقوة، فابتسم على طريقة غضبها.
_ جربي حضني وخليني العب في شعرك زي ما بعمل مع "يزيد".
لم يمهلها لتتخذ القرار المحسوم بالرفض لتشعر بأصابع يده تتخلل ببطء بين خُصلات شعرها.
_ حد زعلك في الشغل، زعلانه مثلاً مني، ولا زعلانه عشان جدو "نائل" هيقضي كام يوم في المزرعة.
استسلامها أدهشه لينظر إليها، فداعبت شفتيه ابتسامة خفيفة عندما وجدها أغلقت عينيها.
فتحت عينيها في اللحظة التي رفع وجهه عنها ليتفاجئ بها تعتدل في رقدتها وتحدق به ثم ابتسمت.
خفق قلبه وافتر ثغره عن ابتسامة عريضة وقد ظَنّ أن ابتسامتها تمنحها له لكنها كانت ترى والدها هذه اللحظة متجسدًا فيه.
_ غمضي عينك يا "زينب" و نامي.
هذا صوت والدها، إنها تسمعه وتنام بحضنه حتى أن أصابع يده تتحرك بخفة على رأسها وبعد دقائق سيضع قُبلة على رأسها ثم يخبرها أن تنام مطمئنه وتحلم بغد جميل.
انسابت دمعه من عينيها لم ينتبه عليها إلا بعدما استسلمت للنوم في حضنه وقام برفع جسدها قليلًا حتى تنام براحه. ابتلع مرارة غصته ثم تنهد بأنفاس ثقيله.
_ اه لو تقوليلي بس إيه اللي وجعك يا "زينب".
ثقلت أجفانه بعد وقت وسقط بالنوم جِوارها ولأول مرة ينعم بدفئها بين ذراعيه.
في الصباح.....
فتحت عينيها بصعوبة ثم مدت كلتا يديها جوارها وعلى ثغرها ارتسمت ابتسامة واسعه، فَـ ليلة أمس أتى لها والدها بالحُلم وشعرت بوجود روحه حولها.
_ صباح الخير يا بابا، أنا عارفه إنك ما دام جيتلي في حلم يبقى انا وحشاك وعايزني ازورك.
نهضت من على الفراش لكنها عادت تنظر إلى الوسادة المجاورة لوسادتها، أسرعت بإلتقاطها حتى تتأكد من شئ اقتحم رأسها، فهي من أسوء عادتها أنها أحيانًا تخلط بين الحُلم واليقظة.
وضعت الوسادة قرب أنفها لتجد رائحته عالقة بها. أغلقت عينيها حانقة من استسلامها بالنوم في أحضانه.
_ يعني أنا كنت طول الليل نايمه في حضنه.
تنهدت بحراره ثم أخذت تحرك رأسها رافضة ذلك الشعور الذي جعلها تستسلم له.
_ حبيبي افطر بقى عشان "زوزو" لما تصحى تعرف إننا شطار.
نظر "يزيد" إلى والده ثم إلى طبق الفطور خاصته.
_ بس أنا بحب "زوزو" تعملي الطبق بتاعي، هي بتخليه حلو ومرسوم عليه وش بيضحك.
حدقه "صالح" وهو يدلك عنقه.
_ "زوزو" نايمة لأنها لسا تعبانه، فخلينا نفطر وننضف المكان وبعدين تيجي معايا يا بطل.
ازداد حماس الصغير، فوالده صَار يأخذه معه إلى العمل.
_ خلاص حلو الطبق يا بابي، هاكله كله عشان "زوزو" تقول على "يزيد" شاطر.
حرك يده على خُصلات شعر صغيره وقد انفرجت شفتيه بابتسامة صغيرة.
....
ألقت "زينب" نظرة بائسة على مظهرها بالمرآة، فعينيها منتفختين بسبب بكائها أمس وملامح وجهها شاحبة.
سحبت نفسًا عميقًا ثم غادرت الغرفة. استمعت إلى صوته بالمطبخ، فتراجعت إلى الوراء حتى تستطيع ترتيب الكلام ومواجهته.
تنهدت بصوت مسموع ثم تحركت لكنها توقفت وهي تعقد حاجبيها عندما انتبهت على حديثه مع "يزيد".
_" زينب" بتحب تفطر إيه تاني يا "يزيد"، ولا كده كفايه؟
_ كفايه يا بابي، "زوزو" مش بتحب تاكل كتير، وهي مش بتحب اللبن زي" يزيد" بتعمل كده وهي بتشربه.
كَشَرَ الصغير مستاءً بعدما تفوه بأمر الحليب ليضحك "صالح" قائلًا:
_ يبقى عقاب ليك أنت و "زوزو" بعد كده تشربوا اللبن كل يوم ، شايف بابي صحته حلوه إزاي ولا حضرتك مش عايز تطلع كابتن طيار يا استاذ يا "يزيد".
_ لأ أنا عايز اطلع ظابط زي جدو "نائل".
انفلتت ضحكة صغيرة من بين شفتي "صالح" وأخذ يُحرك يديه على خصلات شعر صغيره.
_ أحلامك بقت كتير يا استاذ يا "يزيد".
أماء له الصغير برأسه مؤكدًا.
_"زوزو" قالتلي احلم كتير عشان ربنا هو اللي بيحقق الأحلام وأنا بحب ربنا، هو ربنا بيحبني يا بابي.
اهتز قلبه من كلام صغيره وهرب بعينيه حتى لا يلمح طفله دموعه التي التمعت في مقلتيه، إنها كل يوم تهزمه بطرق مختلفة، طرق تجعله يرفع رايته مستسلمًا وبصوت مهزوز قال:
_ اه يا حبيبي، ربنا بيحبنا كلنا.
اتسعت ابتسامة "يزيد" ورفع يديه عاليا متمتمًا.
_ شكرًا يا رب على الاكل الحلو و بابي و "زوزو" واللعب بتاعتي وصحابي في المدرسة وجدو وتيته وكل الناس الحلوه اللي عندي.
إنه يحتاج الآن ليركض لأميال بعيده إلى أن تَخُورَ قواه.
ابتلع ريقه وتمتم بصوت ضعيف.
_ فين شنطتك يا "يزيد".
هتف الصغير وكاد أن ينهض من المقعد.
_ في الأوضة بتاعتي.
_ كمل كوبايه اللبن بتاعتك وأنا هجيبها.
تحرك من أمام صغيره هربًا لكن ساقيه تيبست عندما وجدها تقف أمامه وتمسح دموعها.
تمالك حالة الضعف التي سيطرت عليه خاصةً بعد كلام صغيره.
_ صباح الخير، بقيتي احسن دلوقتي؟
حركت "زينب" رأسها إليه ليحاول طرد ذلك الشعور الذي يكبله ويبتسم.
_ أنا حضرت ليكي الفطار وهاخد معايا "يزيد".
تمكنت من ترتيب الكلام وهتفت بنبرة صوت خافته.
_ لأ انا بقيت كويسه خلاص وألم ضهري خف، فسيب "يزيد" معايا عادي.
اقترب منها لكنه احتفظ بوضع مسافه بينهما حتى لا يشعرها بتقيده لها.
_ "يزيد" طلباته كتير وأنا عارف إنه متعب، فالاحسن اخليه معايا.
وأردف بتساؤل.
_ عندك محاضرات في المعهد النهاردة؟
هزت رأسها بالنفي، فالتمعت عيناه وتمنى لو استطاع ضمها بين ذراعيه مثلما فعل طيلة الليل.
_ ارتاحي تمام ومتعمليش حاجه في البيت، أنا رتبت اوضتي وأوضة "يزيد" ولولا إني عارف إنك بتحبي الخصوصيه اكتر مني كنت كلمتهم في الڤيلا يبعتوا واحده من الخدم او حتى داده "نعمات".
أسرعت برفض قاطع لإقتراحه الذي ربما ينفذه.
_ لأ أنا مش عايزه حد، أنا بحب اهتم بكل حاجة بنفسي.
ابتسم لأنه صار يعلم هذا الأمر ويجعله محتارًا في طباعها، فهي تهتم بأدق التفاصيل الخاصه بالمنزل.
لم يجادلها بل قال بصوت رخيم.
_ أنا جبتلك عبوة كريم تدليك امبارح بيقولوا مفعوله كويس جدا، لو عرفتي تستخدميه لوحدك تمام.. معرفتيش فطبعًا..
قاطعته بحرج وتحاشت النظر إليه.
_ لأ خلاص الآلم خف.
أومأ برأسه وابتسم بخفه.
_ شوفي الوقت المناسب عشان ننزل نشتري عفش جديد للجزء الفاضي من الشقة لتقولي إن نسيت شروط العقد.
كاد أن يتحرك إلا أنه وقف مجددًا ونظر إليها بنظرة زادتها حيرة من أمره هذا الصباح.
_ اختاري اوضة نصممها عشان تكون اوضة مكتب ليكي تعرفي تشتغلي فيها ونأسسها بشكل مريح.
وبمزاح استطرد وهو يشير نحو المكان الذي تجلس به أثناء تحضيرها المحاضرات التي تُدرسها بالمعهد.
_ ولا عجبك القعده العجيبه هناك، وكانت سبب في وجع ضهرك.
اتجهت عيناها نحو المنضدة التي تضع عليها بعض الكتب وزمت شفتيها بطريقة مضحكة اجتذبت عيناه.
_ هنعترض برضو في حاجه فيها مصلحتنا.
اندهشت من كلامه الذي لفظه بطريقة أبويه وما زاد دهشتها أنه احتضن وجهها بين كفوف يديه.
_ كوباية اللبن مع وجبه الفطار بتاعتك تتشرب كلها تمام.
تركها تقف مكانها مندهشة من أفعاله لتنتبه على صوت "يزيد".
_" زوزو" أنا و بابي عملنا الفطار وكنا شاطرين.
....
تنهدت بكبت وهي تنظر إلى أثواب النوم التي اختارتها "نارڤين" و "نيرة" بعدما أعادوا ترتيب الحقيبة تلك الليلة.
مطت شفتيها بقلة حيلة وهي تنظر نحو الثوب الذي حسمت قرارها عليه، فكل ليله تقف محتاره في شئ ترتديه وينتهي الأمر بإرتدائها نفس ثوب النوم الأكثر حشمة، لم يعلق "عزيز" بالأيام الماضية ورغم انتباهها على نظرته لها إلا أنها كانت تكرر فعلتها حتى قالها لها اليوم صراحةً لكن بمزاح.
أطلقت زفره طويله وخاطبت نفسها بلوم.
_ "عزيز" عنده حق يقولي هتغيري امتى القميص اللي بقى مكرر في الجدول، ماما الله يرحمها كانت بتقولي لازم الست تعرف إزاي ترضى جوزها، "ليلى" بطلي كسوف، خدي نفس براحة واهدي كده.
_ "ليلى"، أنتِ كل ده بتعملي إيه... وقفله الباب عليكي ليه؟؟
قالها "عزيز" بحيرة وهو يُحرك مقبض الباب ثم تنهد بمقت.
_ افتحي الباب يا "ليلى".
_ خمس دقايق بس يا "عزيز" ، خمس دقايق وهفتح صدقني.
هَـز رأسه بيأس منها وبدعابة قال:
_ طيب اوعي تلبسيلي نفس القميص بدل والله اخليه مينفعش يكون قطعة قماش حتى.
_ حاضر مش هلبسه بس أنت متوترنيش.
ارتفعت أحدى زوايا شفتيه بإستنكار.
_ بوترك!! ربنا يهديكي يا "ليلى" ...
هزت رأسها وكأنه يراها ليستطرد قائلًا:
_ هنزل اشرب ماية ولو رجعت لقيتك لسا قافله الباب أنتِ عارفه هعمل فيكي إيه.
اعتلت وجهها حمرة خفيفه عندما تذكرت عقابه لها.
_ ما دام سكتي يبقى عرفتي العقاب.
أسرعت بوضع يدها على شفتيها من شده الحرج.
_ "عزيز" الله يخليك كفايه.
انفرجت شفتيه بابتسامة واسعه ثم تحرك من أمام الغرفة.
_ خمس دقايق بس يا "ليلى".
أومأت برأسها عدة مرات ثم ألقت بنظرة سريعة نحو ثوب النوم الذي بيدها وقد أقنعت نفسها أن عليها أن تظهر أمامه كما يحب.
جلس "عزيز" بالأسفل يرتشف من كوب الماء ببطء ومن وقت لآخر كانت عيناه تتعلق بالطابق الذي يفصله عنها. أخذ يُحرك كوب الماء الذي صار فارغًا على الطاولة الصغيره التي أمامه وعلى ثغره ارتسمت ابتسامة عريضة.
_ ماشي يا "ليلى"، أما نشوف النهاردة عقابك هيكون إيه.
وسرعان ما كانت تلمع عيناه بخبث عندما تذكر ما توعد لها بحدوثه.
زفرة أخرى حررتها من بين شفتيها ورغم مرور خمسة أيام على زواجهم إلا أنها مازالت تخجل منه حينما تظهر أمامه بصورة الزوجة المهيئة لزوجها.
ارتدت مئزر الثوب الذي لا يستر ثم مررت يديها على خُصلات شعرها التي أطلقتها إلى الوراء.
أسرعت بإلتقاط زجاجة عطر غير التي اعتادت على استخدامها بـ الليالي الماضية لتغلق عينيها فور أن فتحت غطاء فوهة قنينة العطر.
_ ريحتها حلوه أوي، أكيد ديه من البرفيوم هدية "زينب "
نثرت منها بسخاء وقد غلب عليها فضولها أخيرًا أن تعرف اسم العطر وتركيبته.
لمرات عدة أخذت ترفرف بأهدابها ثم اتسعت حدقتيها بذهول بعدما تأكدت من نوعية العطر والكلمات المدونة على عبوته وبهمس خافت تتخلله الصدمة أخدت تُردد ما تقرأه.
ابتسم "عزيز" عندما وجد الباب يفتح معه وقبل أن يخرج صوته بمزاح على أفعالها التي ستصيبه بالجنون وقف دون قدرة على التفوه بشئ.
لم يكن من الرجال الذين يهون النساء الجميلات، فـ جمالهن نقمة يتورط به الرجال ليكون حظه بالنهاية امرأة فاتنة كلما أَبْصَرْتها عيناه يراها تزداد جمالًا.
تحركت قدميه أخيرًا وتساءَل بصوت متحشرج.
_ مالك يا حبيبتي واقفه كده ليه؟
اتجهت أنظارها نحوه، فأسرعت بوضع زجاجة العطر وراء ظهرها ليرمقها بنظرة ذاهله.
كاد أن يتحدث لكن لسانه انعقد عن الكلام وقد تسللت الرائحة إلى أنفه.
أغلق "عزيز" جفنيه متسائلًا بصوت أجش جعلها تزدرد لعابها.
_ نوع البرفان ده يجنن يا "ليلى".
وسُرعان ما كان يفتح عينيه وغمز لها بطرف عينه بعدما أعطاه العطر ذلك الشعور الذي صُنع من أجله.
_ كويس إنك فكرتي تحطي النوع ده من البرفيوم.
حدقت به بتوتر وقد التقصت بمنضدة الزينة التي ورائها.
_ برفيوم إيه ، هو أنت عرفت نوعه!!
قهقه "عزيز" عاليًا وقد انتبه على ثوب النوم الذي ترتديه.
_ أنتِ النهاردة تهبلي يا "ليلى"، قوليلي هتعملي فيا إيه اكتر من كده.
أطرقت رأسها نحو ثوب نومها القصير الذي ارتدته ثم ضغطت بإحدي يديها على طاولة الزينة لتجتذب بفعلتها عيناه التي التهمتها بتوْق.
_ ارفعي راسك وبصيلي يا "ليلى".
استجابت إليه وتعلقت عيناها به ليبتسم ثم فتح ذراعيه إليها.
لبت دعوته دون تردد، فهي داخل حضنه تتحول من امرأه صار عليها النضوج لطفله صغيره تجد الأمان في حضن والدها.
_ حضنك دافي وجميل يا "عزيز"
قالتها وهي تدفن وجهها في صدره لتنفلت من بين شفتيه ضحكة صغيره خافته ثم مرر يده بخفه على ظهرها.
_ أوعي بس تنامي لأن بقيت عارفك.
ابتسمت وهي تُحرك له رأسها.
_ لأ مش هنام متقلقش.
_ وأنا مش قلقان.
قالها وهو يتحرك بها نحو الفراش لترفع عيناها إليه بعدما التقط منها زجاجة العطر وابتسم.
_ مش هنام وهي في حضنك.
تركتها له في طاعه كما تترك له نفسها، تهمس له بأنفاس مسلوبة ثائرة.
_ بحبك يا "عزيز"، قلبي بيدق أوي وأنا في حضنك.
وهل توجد كلمات أقوى تستطيع أن تغزو بها عالمه، قلبها وجسدها صاروا له حتى عقلها أصبح هو وحده ما يشغلها.
هذه الليلة لم يجعل "عزيز" نفسه هو المسيطر بل أعطاها الفرصه لتُحاول أن تتعلم منه فنون الحُب وفي دفئ مشاعرهم سألها كما صارت تحفظ وهي لم تبخل عنه لتخبره أنها تحلق عاليًا من السعادة ليغفو قرير العنين وهي في حضنه.
انتفض "عزيز" من غفوته القصيرة فزعًا بأنفاس لاهثه، استمر في زفر أنفاسه ببطء إلى أن انتظمت دقات قلبه. شعر بحركة رأسها على صدره لينظر إليها بنظرة طويلة خاوية. لقد أتى "سالم" إليه بالحُلم حزينًا وعندما اقترب منه تركه ومضى في طريقه ولم ينتظره.
_ زعلان مني في إيه يا "سالم"، معقول خايف اقصر في حق عيالك ولا خايف من إيه قولي.
دفنت "ليلى" رأسها أكثر بحضنه وقد أخذت تغمغم ببعض الكلمات وهي نائمة. استدار برأسه للجهة الأخرى حتى يلتقط هاتفه ويرى الوقت وقبل أن تمتد يده نحو الطاولة الصغيرة التي تجاور الفراش انتبه على إنعكاس وضعهم بالمرآة ليستعيد بذاكرته تلك اللحظات الجنونية من العشق التي عاشوها معًا حتى أنه مرارا أخبرها بجنونه بها وعدم قدرته على الإكتفاء منها.
سقط بالعشق الذي كان يسأل نفسه، كيف للرجال تسقط به ويصبح طَوْعُ بَنَانِ امرأة بل ويجن بها لدرجة أن يرجوها ألا تتخلى عنه.
ابتلع مرارة حلقه ثم أعاد وضع رأسه على الوسادة عندما وجدها ترفع رأسها عن صدره. ابتسمت وهي تمرر أناملها على خده وبصوت ناعس تمتمت حروف اسمه.
_ "عزيز".
حرك يده بخفه على ظهرها وخرج صوته متهدجًا.
_ نامي يا "ليلى".
ابتعدت عن حضنه وأغلقت عينيها على الفور، فهي لم تكن مستيقظة بكامل وعيها لتتعلق عيناه بها بعدما أعطته ظهرها وتشبثت بالغطاء.
استمر بتحديقه بها ثم تنهد بثقل ونهض من جوارها.
وقت نهوضه كان يقارب وقت آذن الفجر، ليتحرك نحو الحمام حتى يغتسل ويستعد إلى الصلاة.
...
تمطأت "ليلى" بكسل وهي تتثاءب، بقيت بهذا الوضع إلى أن استقرت بيدها على الجانب الذي ينام عليه لتجده باردًا وعلى ما يبدو أنه نهض قبلها بوقت طويل.
اعتدلت سريعًا واجتذبت الغطاء عليها وبعبوس هتفت.
_ حتى النهاردة صحي قبلي، أنا ليه بقيت كسوله كده..
نظرت حولها بأرجاء الغرفة وحاولت استرقاء السمع.
_ مفيش صوت في الحمام، يبقى اكيد تحت.
جمعت شعرها بعُجاله وأخذت تخبر نفسها بما عليها فعله اليوم.
_ النهاردة عيد ميلاده، هو فاكر طبعًا إني مش واخده بالي...
وأردفت وهي تلتقط المئزر الموجود على طرف الفراش.
_ عايزه أفكر في حيلة اخلي "عزيز" يطلع ساعه واحدة بس.
وسُرعان ما كانت تتساءَل بعدما وقعت عيناها على تلك الورقة التي انتبهت عليها للتو.
_ هي إيه الورقة دي؟
فتحت الورقه بقلق لتجده كتب عليها أنه خرج للتمشية لبعض الوقت وقد تركها نائمه لأنه يعلم بإحتياجها للنوم، تلاشى قلقها ونهضت من على الفراش تُحادث نفسها بحماس.
_ أنتِ شاطرة يا "ليلى" وهتخلصي كل حاجه بسرعة.
ساعتين مروا وهي تتحرك هُنا وهناك وكأنها في سِباق مع الوقت حتى تنهي كل شئ قبل عودته.
زفرة إرتياح خرجت من بين شفتيها وهي تنظر للكعكة التي جهزتها له بتلك المكونات البسيطه التي اشترتها قبل أمس.
_ عيد ميلادك اللي جاي هعملك تورته أحلى منها.
حملت الكعكه وتحركت بها نحو البراد لتضعها داخله، فمازالوا بالظهيرة.
_ تعالي بقى اخبيكي، يارب بس "عزيز" مياخدش باله منك.. أنا مش هخليه يدخل المطبخ خالص النهاردة.
ساعه أخرى كانت تمر وقد أعطاها تأخره وقت لإعداد طعام الغذاء.
_ لو "نارڤين" عرفت إني بطبخ في شهر العسل، هتصرخ في وشي وتبرطم بالتركي.
ارتفع رنين الهاتف الذي كانت تضعه بالقرب منها لتُسرع نحوه وقد ظنت أن "شهد" من تهاتفها على أحد تطبيقات التواصل الإجتماعي.
_ اتصلت في وقت مش مناسب ولا الحمدلله اختارت التوقيت الصح.
قالتها "نيرة" بدعابة، فتخضبت وجنتي "ليلى" بالحمرة واتجهت بالهاتف إلي المطبخ.
_ لأ متخافيش، عمك أصلاً خرج يتمشى وأنا واقفه في المطبخ بطبخ.
صدح صوت "نيرة" بإستنكار ونظرت نحو شاشة الهاتف بصدمة.
_ عمي خرج يتمشى لوحده وأنتِ واقفة تطبخي، "ليلى" هو أنتِ عقلك فيه حاجه.
تنهدت "ليلى" وهي تقلب الطعام.
_ ما دي كانت فرصتي عشان ألحق اجهز شوية حاجات..
حركت "نيرة" رأسها بيأس منها وتساءَلت.
_ طيب قوليلي عملتي إيه عشان اساعدك بافكاري.
سردت لها "ليلى" تفاصيل ما فعلته منذ وقت استيقاظها دون التطرق لأمورهم الخاصة.
جحظت عينين "نيرة" ذهولًا وهتفت بإستياء.
_ "ليلى" هو أنتِ لسا مقتنعه إن قلب الراجل معدته ، عمي بعد آخرت صبره وقع في واحده تفكيرها في تنضيف البيت والمطبخ.
رغم أن "نيرة" كلامها خرج بمزاح إلا أنه إخترق قلبها، فمن وجهة نظرها لِما لا تكون الزوجة ماهرة بكل شئ.
_ اخرجي يا "ليلى" من دور ست البيت، يا بنتي هو عمي متجوزك عشان تطبخي ما عم "سعيد" و"عايدة" كانوا قايمين بالدور.
لم تعطيها "نيرة" فرصة للتحدث بل أخذت تملى عليها ما تفعله من أجل إسعاد عمها.
فتور شديد أصابها بعدما أنهت "نيرة" الإتصال، لتنظر إلى الطبخة التي تُقلبها.
_ ماما الله يرحمها كانت بتقولي كل ست وليها طريقتها مع جوزها يا "ليلي".
ارتسمت ابتسامتها مجددًا على محياها، فـهي لا تقصر مع "عزيز" في علاقتهم بالفراش.
مرت ساعات أخرى وقد تمكن القلق منها لأن هاتفه مغلق.
....
نظرت "عايدة" إلى الملابس التي ابتاعتها "شهد" لتنظر إلى كل قطعه بملامح مبهمه.
_ هي ديه الهدوم اللي اشترتيها للجامعه.
ردت "شهد" وهي تلتقط أحد قطع الملابس.
_ أه يا ماما إيه رأيك، كلها هدوم شيك شبه الهدوم اللي "نيرو" بتجيب زيها.
_ "نيرة" لبسها محتشم عن كده.
بتأفف هتفت "شهد".
_ كل زمايلي بيلبسوا كده ولا أنتِ عايزاهم يضحكوا عليا.
رمقتها" عايدة" بنظرة غاضبة.
_ يضحكوا عليكي ليه يا بنت بطني، هو اللبس المحترم بقى بيضحكوا عليه دلوقتي، ما بنت عمك اهي عندك ما شاء الله عليها.
أشاحت "شهد" بوجهها وألقت قطعة الملابس التي بيدها.
_ "ليلى" أصلاً لازم تغير من استايل لبسها، هي دلوقتي مرات "عزيز الزهار".
صرخة قوية خرجت من شفتي "شهد" بعدما اجتذبتها "عايدة" من خصلات شعرها.
_ كلامك مبقاش عاجبني يا بنت "عزيز" ولا أنتِ عشان هتدخلي كلية الطب افتكرتي نفسك كبرتي علينا.
_ حرام عليكي يا ماما سيبي شعري.
دفعتها "عايدة" لتركض "شهد" من أمامها ببكاء.
_ كل حاجه لازم تقولي عليها لأ.
تهاوت "عايدة" بجسدها على الأريكة وأخذت تلطم ساقيها.
_ كويس إن خالك مش موجود، كان زمانه قالي ديه اخرت دلعك...
اتجهت "شهد" نحو بوابة الڤيلا وهي تمسح دموعها وقبل أن يسألها الحارس "مسعد" عن سبب بكائها انطلق بوق سيارة "سيف" بالخارج.
توقف "سيف" بسيارته وانغلقت البوابه بعد دخوله ليتساءَل بقلق عندما وجد "شهد" تبكي.
_ مالك يا "شهد".
لم ترد "شهد" عليه بل اتجهت نحو الباب الصغير الذي يجاور بوابة الڤيلا حتى تخرج منه.
ترجل من السيارة وأسرع إليها يجتذبها من ذراعها.
_ "شهد" مالك بتعيطي ليه؟
_ ماما ضربتني وشدتني من شعري.
_ اكيد عملتي حاجه تزعلها يا "شوشو"، ما انا عارفك.
كلامه جعلها تعود للبكاء ليهتف بنبرة قلقة.
_ الموضوع شكله كبير.
ألقت نفسها بين ذراعيه تتمتم بصوت باكي.
_ كل حاجه بتقولي عليها لأ، أنا مبقتش صغيره خلاص.
حضنها "سيف" مثلما كان يحتضنها دائمًا وهي صغيره وقد تغافل أن "شهد" لم تعد تلك الطفلة المشاغبة التي تربت معه ومع شقيقته.
........
نهض "صالح" بلهفة عند دخول "كريم" مساعده وهو يحمل في يده طرد مغلف بعناية ، فاخيرًا وصل الطرد الذي اجتذب فضول "كريم" بسبب سؤال رئيسه عليه منذ الصباح.
_ الطرد وصل يا فندم..
التقطه "صالح" منه قبل أن يواصل بقية حديثه لتزداد دهشة "كريم".
_ شكرًا يا "كريم" أتفضل أنت.
أراد "كريم" أن يسأله عن محتوى الطرد الذي يشبه شكل الكتاب لكنه تراجع في سؤاله عندما وجد "صالح" ينظر إليه بنظرة حادة ويشير نحو الباب.
_ تمام هخرج وهقفل الباب ورايا يا فندم.
انتظر "صالح" خروجه بفارغ الصبر ثم أخذ يقلب الكتاب بين يديه قبل أن يزيل تغليفه...