رواية ظنها دميه بين أصابعه الفصل السادس والستون 66 بقلم سهام صادق

رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل السادس والستون بقلم سهام صادق



سؤالها عن زيجته من ابنة عمه أَحيْا داخله ماضي لم تندمل جروحُه، ماضي كلما حاول الهرب منه وجد حقيقته في أعيُن صغيره. أطْبَقَ جفنيه وبرزت عروق يديه من شدت قبضته عليهم وقد عادت صورة "سارة" تقتحم ذاكرته وهي ملقاه أرضًا وملطخة بدمائها وصغيره يجلس قُربها يبكي وفي يديه نفس الحلوى التي دهستها عجلات السيارات. 

ثقلت أنفاسه وشعر وكأنه يعيش نفس اللحظة بمرارتها وقسوتها. 

حدقته "زينب" بنظرة طويلة ثم ازدردت لعابها ببطء وبحيرة قالت بعدما شعرت برغبة قوية في معرفة ما كان لها الحق في معرفته قبل زواجهم. 

_ طنط "حورية" قالتلي إنها ماتت في حادثة وكان معاها "يزيد" اليوم ده. 

وبحرقة أردفت. 

_ لو كنت مهتم بيهم مكنتش اخدت طفل عمره سنتين للشارع، حرام عليكم ظلمتوها وظلمتوا "يزيد".
 
تعالت وتيرة أنفاسه وشدد من غلق عينيه وقد عادت تلك الأصوات البعيدة تخترق رأسه. 

« ماتت، ابعد عنها يا استاذ خلينا ناخدها» 

« الولد ده كان معاها، أنت تعرفهم يا بيه» 

« كانت بتعدي الشارع والعربية خبطتها، لولا ستر ربنا العربية كانت خبطت الولد كمان معاها» 

« لا حول ولا قوة الا بالله، ديه كانت لسا واخده مني حلاوة غزل البنات وكان في ايدها بلالين فرحانه بيهم... بس شكلها مكنش طبيعي... يعني تحس من الناس اللي عقلها على قدها والولد ده كان في ايدها، ده أنا قولت خطفاه بس يا باشا من شكلهم النضيف، فاستبعدت ده حتى سألتها عن اسمها فقالت اسمي "سارة"  وهي بتاخد الحلاوة ديه عشان عيد ميلاد واحد اسمه "صالح"

« "صالح" بيه، الحادثة قضاء وقدر، صاحب العربيه قال إنها كانت بتجري ورا قطة وهو بصعوبه قدر يتفادى الولد » 

ضاقت حدقتي "زينب" وهي تراه جامد الحركة وقد شحبت ملامح وجهه، فخرج صوتها هذه المرة مهزوزًا. 

_ "صالح" أنت سمعني؟ 

لم يفتح عينيه بل وبرزت عروق عنقه أيضًا ليرتجف قلبها وتنظر إليه بقلق وهي تُردد. 

_ "صالح" لو أنت سمعني قول، "صالح". 

تسارعت دقات قلبها من شدة الخوف واقتربت منه بتردد لتضع يدها على ذراعه وتهمس بصوت خفيض. 

_ "صالح" ، ممكن ترد عليا.
 
صوتها انتزعه من ظُلمة الذكريات ليفتح عيناه فجأه بوهج غريب جعلها تتراجع إلى الوراء. 

ازدادت آلامه عندما رأى الخوف واضح على ملامحها لينظر إليها نظرة خاوية سُرعان ما تحولت لنظرة إحتياج لم تفهمها لكنها شعرت أن هناك حكاية وراء زواجه من ابنة عمه أو ربما وراء موتها. 

_ بابي، "زوزو" أنتوا واقفين هنا لوحدكم ليه. 

هتف بها الصغير "يزيد" عندما اندفع إليهم وأخذ يوزع أنظاره بينهم. 

نظرت "زينب" نحو الصغير وقد انحس الكلام في حلقها. تلاقت عيناها بعينين "صالح" ليخرج صوتها أخيرًا وتحركت نحو الصغير قائلة:

_ تعالا إحنا نسبق بابي يا "يزيد" عشان "عُدي" ميفضلش لوحده. 

هَـز لها الصغير رأسه ثم تحرك معها لتلتف برأسها جهته وترمقه بنظرة سريعة قبل أن تُغادر المطبخ. 

تنهيدة طويلة وعميقة خرجت من صدر "صالح" ليقترب على الفور من طاولة المطبخ ويستند بكلتا ذراعيه عليها. 

استمر لبعض الوقت يطلق زفراته التي احتلتها المرارة إلى أن استطاع أخيراً العودة إلى صوابه. 

شعر بجفاف حلقه ليتحرك نحو البراد ويلتقط من داخله زجاجة الماء وأخذ يتجرعه دفعة واحدة. 

حاولت "زينب" الإندماج مع ثرثرة الصغيرين لكن تركيزها كان معه. 

_ "زوزو" الفيلم ده وحش.
 
تمتم بها "يزيد" لتنظر إلى جهاز التحكم الخاص بالتلفاز الذي يمده لها حتى تستبدل القناة، نفضت رأسها بخفه والتقطت منه.
 
_ آه، خلاص نشوف حاجه تانية.
 
بذهن شارد أخذت تُقلب بين القنوات إلى أن استقرت على قناة تعرض أحد أفلام الكرتون.
 
عيناها عادت لتُحدق نحو الطرقة المؤدية للمطبخ بترقب إلى أن وجدته يغادره. أشاحت بوجهها عنه بسرعه حتى لا يلتقط فعلتها وقد ظنت أنه سينضم إليهم لكن بعد مرور الدقائق زفرت أنفاسها بحنق. 

انْقَضتِ السهرة بدونه وقد تسلل صوتها إلى أذنيه وهي تهتف بالصغيربن أن يذهبون إلى الحمام أولًا حتى يقومون بتنظيف أسنانهم وسوف تلحق بهما بعدما تجلي الأطباق المتسخة. 

داعبت شفتي "صالح" ابتسامة صغيرة ثم أغلق عينيه وهذه المرة كانت صورتها وحدها بشقاوتها تُداعب مخيلته وبصوت خافت ردد اسمها. 

_ "زينب"

وتأتي امرأة منفردة بخصالها لعالمك لتكون هي الحياة. 
...
نظرت "ليلى" إلى يده الممدودة إليها بدهشة بعدما ارتفع نداء الرحلة المتجهة إلى العاصمة بانكوك. 

_ إحنا رايحين تايلاند!! 

ابتسم "عزيز" وهو يومئ لها برأسه لتتسع ابتسامتها دون تصديق؛ فهو التقط من حديثها ذات مرة أن لديها رغبة قويه في زيارتها وعندما سألها عن السبب جوابها كان في كلمة واحدة أضحكته، فضول لا غير. 

_ الطيارة هتفوتنا يا "ليلى" وكده الرحلة هتضيع علينا وقضي فضولك ده مع المسلسلات. 

انتفضت من المقعد الجالسة عليه وأسرعت بالهتاف وهي تمسك يده. 

_ لا لا خلاص قومت اهو.. 

انفرج ثغر "عزيز" بإبتسامة واسعة وامسك يدها لتتعلق عيناها به بسعادة. 

_ أنا بحبك أوي يا "عزيز" 
.... 

فتحت "زينب" عيناها بصعوبة ثم عادت لتغلقهم وسحبت الغطاء عليها لكنها انتفضت من رقدتها بفزع عندما بدأت تنتبه على صوت "عدي" وطرقاته على باب غرفتها. 

ألقت الغطاء من عليها وهرولت نحو الباب لتفتحه بقلق. 

أصاب الذعر ملامحها وهي ترى "عُدي" يضع كلتا يديه على بطنه وقد احمرت وجنتيه بشدة. 

_ مالك يا "عدي"، فيك إيه...وشك ليه كده محمر؟ 

لم يُجيب عليها الصغير من شدة التعب لتنظر إليه وهي تُكرر أسئلتها التي لا تجد لها جواب منه غير التأوه ثم تمتم بصوت ضعيف..
 
_ أنا عايز بابي.
 
ابتلعت "زينب" ريقها وأخذت تتحسس جبينه لتتسع حدقتيها ذعرًا.

_ أنت سخن، طيب أنا هفكر بسرعه نعمل إيه... أيوه نروح المستشفى.
 
أسرعت بالتحرك نحو غرفتها ثم أخذت تدور حول نفسها..؛ فهي حتى هذه اللحظة لم تفيق بالكامل من غَفْوتها. 

وضعت كلتا يديها على رأسها وسُرعان ما كان يخرج صوتها باسمه. 

_ أيوه ،"صالح"... هروح اصحيه بسرعه.
 
اتجهت إلى غرفته دون طرقها وتحركت نحو الفراش بهلع أرجف جسدها بالكامل تهتف بصوت متقطع. 

_ "صالح" أصحى بسرعه، "صالح" الولد تعبان. 

فتح "صالح" عينيه بأجفان مثقلة ثم ابتسم. 

_ "زينب" أنتِ طلعتي إزاي من الحلم.
 
فتحت عيناها على وسعهما وقبل أن تستوعب ما قاله كان يجذبها إلى حضنه. 

_ "زينب" خليكي في حضني. 

كبلها بذراعيه لتصرخ وهي تدفعه عنها. 

_  اصحى يا "صالح" الله يخليك... الولد تعبان لازم ناخذه المستشفى. 

حدقها "صالح" بنظرة طويله وفجأة انتفض من فوقها ينظر إليها بفزع. 

بثياب بيتيه كان يتجه "صالح" نحو باب الشقة وهو يحمل "عدي" الذي وضع رأسه بإنهاك على كتفه. 

_ "صالح" استنى مفتاح العربية نسيت تاخده. 

توقف "صالح" مكانه وهو يغمغم بتذمر.
 
_ هاتي بسرعه، الولد حرارته عاليه. 

أعطته مفتاح السيارة وقبل أن يغادر من باب الشقة هتفت. 

_ أنت ماشي حافي يا "صالح". 

أطلق "صالح" صيحة عالية حانقة وأسرع نحو مكان الأحذيه ليرتدي خُفه المنزلي. 

أغلقت "زينب" الباب ورائه ثم تحركت نحو أقرب مقعد وجلست عليه بعدما شعرت بعدم قدرتها على الوقوف. 

وضعت رأسها بين يديها وحاولت مرارًا أن تتوقف عن هَـز ساقيها. 

_ "زوزو" ، فين "عدي".. هو بابا اخده وأنا نايم؟
 
أخرج" زينب" من حالة الذعر التي هي فيها صوت "يزيد" الناعس لتحاول تمالك نفسها والنظر إليه. 

_ "عدي" تعب شويه يا حبيبي وبابا اخده المستشفى.
 
حدقها بنظرة مذعورة واقترب منها لتجتذبه إلى حضنها قائلة:

_ هيبقى كويس يا حبيبي و بعد ما  الدكتور يطمن بابا عليه هيتصل بينا يطمنا. 

مرت هذه الليلة بصعوبة على "زينب" وقد غفى "يزيد" في حضنها ومن سوء حظها اكتشفت بعد اتصالات عدة به أنه لم يأخذ هاتفه معه. 
....

ترك "عزيز" الكتاب الذي بيده وافتر ثغره عن ابتسامة خفيفه عندما سقطت "ليلى" برأسها على ذراعه.

 حركها برفق حتى يعدل من وضع رأسها وسُرعان ما كانت تتسع ابتسامته وهو يراها تزم شفتيها بعبوس أثناء نومها. 

هذه أول الأشياء التي ينتبه عليها، فـ ليلة أمس كان غارق في تفاصيل أخرى. بخفة داعب خدها بكف يده ليجدها تبتسم وهي نائمة. 

وامرأة تقتحم عالمك لتُعلم قلبك كيف يكون الحب؟ 
... 

وقف "صالح" أمام ماكينة إعداد القهوة وهو يتثاءب إلى أن امتلأ الكوب ليلتقطه وهو بالكاد يستطيع فتح عينيه. 

دلفت "زينب" المطبخ بإرهاق وهي تحمل صنية الإفطار لينظر إليها بتساؤل. 

_ فطر وأخد علاجه؟ 

حركت رأسها وردت بصوت مُتعب.
 
_ اه الحمدلله بس طبعًا بعد محايله. 

تنهد "صالح" وأخذ يرتشف من كوب القهوة ليستعجب من تحديقها به متسائلًا. 

_ في حاجه يا "زينب"؟ 

توترت من سؤاله وأشاحت عيناها عنه ليتنهد بقوة ثم وضع كوب القهوة الذي لم ينتهي منه قائلًا وهو يتحرك من المطبخ. 

_ ادخلي نامي لانك تعبانه واكيد
"عدي" بعد ما أخد الدوا هينام وأنا هاخد "يزيد" معايا وعلى الضهر هرجع إن شاء الله عشان نوصل الولد لجدته سوا. 

غادر الشقة بعدما أخذ صغيره الذي أخذ يتساءَل بحماس. 

_ هنروح عند الطيارات يا بابي، طيب ليه مأخدناش "زوزو" و "عدي" معانا. 

وسُرعان ما كان يُجيب الصغير على اسألته. 

_ أيوه صح "عدي" تعبان و "زوزو" قاعده معاه. 

ابتسم "صالح" بشرود إلى صغيره، فَــ عقله لم يكن إلا مع تلك التي فتحت جرحه القديم وتنتظر منه معرفة ما صار تحت الثَّرَى. 
... 

اندهش "نائل" وهو يرى اسم "شاكر" أمامه على شاشة الهاتف ليُحدق بالهاتف للحظة قبل أن يرد عليه.
 
_ يا راجل يا شايب ولا كأن بقى بينا نسب، مش تسأل على صاحبك.
 
_ عاش من سمع صوتك يا "شاكر". 

قالها "نائل" ليقهقه "شاكر" بقوة. 

_ وحشني يا ابن "الرفاعي".
 
ارتفع أحد حاجبين "نائل" بدهشة وانتظر مواصله "شاكر" لحديثه. 

_ طبعاً اكيد مستغرب من مكالمتي وأنا يا سيدي مش هطول في السلامات الكتير ما أنا عارفك يا دنجوان. 

«دنجوان »

 هذا اللقب كان يُطلق عليه قديمًا؛ فأردف "شاكر" بعدما أشار إلى خادمه أن يضع كوب الشاي خاصته وينصرف. 

_ إيه رأيك تيجي أنت و "نجيب" تقضوا معايا كام يوم في العزبة، نفسي نرجع ذكريات زمان سوا مبقاش فاضل كتير في العمر يا صاحبي.
لم يعطيه "شاكر" فرصه للرفض، فاستطرد عندما استمع إلى تلك التنهيدة القوية التي أخرجها "نائل" من صدره.

_ ليك ذكريات حلوه في العزبة هنا، مش عايز ترجع تفتكرها ولا إيه. 
...

زفره طويله أطلقها "عزيز" فور أن دلفوا إلى البيت المستأجر في مدينة شيانغ ماي ليتمتم بإرهاق.

_ أخيرًا وصلنا. 

بنظرة متوتره تعلقت عينين "ليلى" به.

_ هو إحنا هنكون لوحدنا هنا. 

انفلتت ضحكة صغيرة من بين شفتيه واقترب منها، فتحركت بخُطواتها إلى الوراء.

_ لأ مش هنكون لوحدنا. 

التمعت عيناها وأطلقت زفرت إرتياح جعلته يرغب بصفعها على مكان يتوق لتجربة الأمر عليه.

_ هما مين اللي هيكونوا معانا، معقول "نيهان" و"نارڤين" بس إزاي إحنا سايبنهم في مصر. 

حاول "عزيز" التحلي بالصبر ونظر إليها بنظرة إستنكار. 

_ طيب ما أنتِ شاطرة أهو يا حبيبتي وجاوبتي على نفسك. 

بشفتين مضمومتين تساءَلت بحيرة. 

_ ما أنت لسا قايل إننا مش هنكون لوحدنا يا "عزيز". 

تنهد "عزيز" ورفع كف يده يمسح به على وجهه لتنفلت شهقة منها عندما باغتها بإلتقاطها من قَّبَّة ثوبها. 

_ هو لازم يكون معانا ناس يا "ليلى". 

تعلقت عينيها به بنظرة بريئة، خطفت قلبه الذي كان كان كصحراء قاحلة لسنوات. 

_ ما أنا اتعودت يكون حواليا الناس اللي بحبهم. 

بنبرة صوت خرجت متلاعبة تساءَل: 

_ وأنا يا "ليلى" ضمن أنهي ناس.
 
_ أنت احلى حاجه حصلتلي في حياتي يا "عزيز". 

خفق قلب "عزيز" بجنون وبعدما كان راغب في خنقها تلاشى كل شئ من داخل رأسه وحملها على كتفه ضاحكًا. 

_ صوتي هنا براحتك يا حبيبتي، أنا مختار مكان معزول بينا. 

_ نزلني يا "عزيز"، أنا بخاف. 

ضحك بإستمتاع وهو يصعد درجات الدرج  الخاص بهذا المنزل. 

_ تاني حاجه اكتشفها فيكي في كام ساعه بس، هكتشف معاكي إيه تاني يا بنت "محمود". 

وبعد جرعة من الحُب اتخم بها نظر إليها بنظرة راضية و أخذ يُكرر عليها نفس سؤال أمس وكما أراد كانت تُرضيه بأجوبتها التي خرجت منها بصعوبة لشدة خجلها. 

أغمض عينيه براحه عندما رأها تُحملق بسقف الغرفة مبتسمه. 
....

شعرت "زينب" براحة قوية بعدما غادرت منزل "عدي" واطمئنت عليه وظلت لبعض الوقت معه وقد تفهمت جدته أمر تعبه لمعرفتها بضعف مناعة الصغير. 

_ كفايه قلق يا "زينب"، الولد الحمدلله بقى أحسن وأنتِ مكنتيش تعرفي إن أكل المانجا بيتعبه. 

قالها "صالح" بعدما استقلوا السيارة لتبتلع ريقها ثم إتجهت بأنظارها نحو "يزيد" الجالس بالمقعد الخلفي. 

_ هو "يزيد" لو كان بعد الشر تعب كمان كنت ممكن تلومني. 

لا تعرف لِما طرق هذا السؤال رأسها لكنها كانت ترغب بمعرفة رده.

حدقها "صالح" بنظرة أربكتها. 

_ محدش بيخاف على "يزيد" قدك يا "زينب" ، غير إن المرض مش بأيدينا كلها مقدرات أمور. 

وسُرعان ما كان يبتسم قبل أن يتحرك بالسيارة. 

_ "يزيد" قول لـ "زوزو" إن أنت و بابي عايزين تتعبوا زي "عدي" و "زوزو" تهتم بينا واتدلعنا. 

صاح الصغير بتهليل بعدما أزاح عيناه عن الطريق. 

_ "زوزو" أنا وبابي عايزينك تدلعينا زي "عدي". 

عبست "زينب" بملامحها وزجرته بغيظ، ليرمقها بنظرة خاطفه ثم ابتسم وفي داخله كان يتمنى أن تنسي أمر زواجه الأول وألا تفتح عليه أبواب الجحيم مجددًا. 
... 
_ "مراد". 

هتفت بها "أشرقت" بصوت حانق عندما وجدته يمزح مع تلك السيدة الشقراء ويعرض عليها إمكانيات إحدى السيارات. 

ابتسم "مراد" بابتسامة مقتضبه ثم قال وهو يشير نحو أحد موظفي المعرض. 

_ خليك واقف مع المدام. 

اختفت ابتسامة "مراد" واقترب من "أشرقت" التي وقفت تحدق به بنظرة غاضبة ثم فاجأها بالتقاط يدها وجرها ورائه نحو غرفة مكتبه بالأعلى. 

_ أنا مش قولتلك تستنيني في الشقة وهاقبلك هناك، إيه اللي جايبك هنا. 

نفضت "أشرقت" يده عنها وتراجعت إلى الوراء وصاحت بغضب. 

_ جيت عشان اشوفك واكتشف خيانتك. 

وأرفت وهي تدفعه فى صدره. 

_ واقف تضحك مع الهانم. 

_ دي زبونه. 

هتف بها ثم استدار بجسده واتجه نحو مكتبه ليلتقط من عليه مجسم صغير لإحدى السيارات. 

_ قوليلي بقي جيتي ليه، أنا مش قولت هقابلك بـ الليل في الشقة.
 
احتقنت ملامح "أشرقت"، فـ نبرة "مراد" وأوامر صارت جديدة عليها. 

_ أنا من أمتى باخد أوامر منك، أنت مش ملاحظ إنك بقيت تعاملني ولا كأني جارية عندك... فوق يا "مراد" أنا المستشارة "أشرقت" بنت... 

كادت أن تُكمل كلامها ليجتذبها "مراد" من خصرها ويلصقها بجسده. 

_ بنت إيه يا حبيبتي، أنتِ مبقتيش دلوقتي بنت.. ولا محتاجة نعيد التجربة تاني عشان اثبتلك إني.. 

لفظ إحدى كلماته القذرة التي طعنت أنوثتها لتدفعه عنها بقوة. 

_ أه يا حقير. 

التقطت حقيبة يدها وتحركت من أمامه وهي تسبه وتلعنه لتشعر فجأة بثقل ساقيها . 

_ مش عيب برضو يا بنت المستشار تشتمي الراجل اللي هيستر عليكي ويداري على فضيحتك. 
....
لقد قاربت الشمس على الغروب، وهو منذ الصباح يُخبرها أنهم سيخرجون للتمشية قليلاً على مياه الشاطئ وتناول الطعام بالخارج.

_ عزيز، اجهز دلوقتي عشان نخرج؟.

نظر إليها عزيز بعدما غادرت الحمام ولفت على جسدها روب الاستحمام.

_ أنا شايف إن النهار خلاص خلص، خلينا بكرة.

قالها وهو يمرر يده على خصلات شعرها المبتلة لتزفر أنفاسها بضيق.

_ أنت قلت كده إمبارح ومخرجناش.

خرج صوته بنبرة عابثة وهو يمرر أصابع يده هذه المرة على عنقها.

_ الأيام جاية كتير يا ليلى.

ابتلعت ريقها عندما فهمت ما يرمي إليه لتثقل أنفاسها وتنظر إليه بنظرة احتياج صارت تُرضيه.

_ تحبي نخرج ولا نخلي الخروج لبكرة؟.

وهل تستطيع الاختيار الآن؟ ليسألها حتى يحصل على الجواب الذي يزيده راحة ورضا.

_ قولي يا ليلى عايزة إيه؟.

والرد كما أراد حصل عليه ليجذبها إليه متجهاً بها نحو الفراش
...

داعبت ابتسامة واسعة شفتي "مازن" ، وهو ينظر إلى صغيره الذي عاد لون وجهه الطبيعي إليه.

_ شايفك النهاردة أحسن يا حبيبي.

حرك "عدي" رأسه لتهتف جدته قائلة قبل أن تتحرك من جواره وتغادر الغرفة. 

_ كان فين، وبقي فين يا بني، الحمد لله أتحسن كتير.

_ طنط "زينب" كل شويه تسأل تطمن عليا يا بابي.

قالها الصغير وهو يعدل من وضع جهازه اللوحي حتى يتمكن من رؤية والده بوضوح.

خفق قلب "مازن" عندما أستمع لاسمها، فهي بالصباح هاتفته لتعتذر منه عن عدم معرفتها بأن "عدي" لا يتناول فاكهة المانجو.

_ أنت هترجع أمتي يا بابي.

تسأل الصغير بنبرة حزينة ثم هرب بعينيه بعيدًا، وواصل كلامه بعبوس.

_ أنا عايز مامي تكون زي زوزو، خليها تيجي من السفر قولها إني عايزها.

فرت دمعه من عيني "مازن"، فرفع نظارته الطبية وأزالها سريعًا قبل أن تلتقطها أعين صغيره.

_ حبيبي مامي قريب هتنزل مصر وهتقعد معاها لفتره، امسح بقى دموعك واحكيلي تفاصيل يومك امبارح قبل ما تتعب، ولا أنت مش عايز تقول لـ بابي مين اللي الأكل معاك المانجا.

بصعوبة استطاع "مازن" إخراج نبرة صوته بثبات ليمسح الصغير دموعه قائلًا :

_ أنا و "يزيد" و "زوزو" بس اللي أكلناها وكمان أكلنا فراوله وبيتزا.

ضحك مازن عندما أخبره بما تناوله من أطعمة.

_ ده انتوا عملتوا جريمة امبارح.

هز الصغير رأسه، وهو يضحك واخذ يقص عليه تفاصيل اليوم من بدايته إلى أن أحس بالتعب ليلًا، واتجه إلى غرفة "زينب" .

قطب "مازن" جبينه بعدما التقط كل كلمه قالها ليقطع حديث صغيره متسائلًا :

_ هي طنط "زينب" بتنام في اوضة لوحدها
أسرع "عدي" بتحريك رأسه لوالده ليخترق رد صغيره أذنيه.
...

_ فين زينب يا يزيد؟.

تسأل صالح بعدما اندهش من وجود الصغير أمام التلفاز بمفرده.

_ في أوضتها يا بابي، أصلها تعبانه زي عدي.

اندفع نحو غرفتها بهلع وفتح الباب دون طرقه ليقف محملقًا بها وقد سقطت عبوة المرهم - الذي كانت تمسكه لتُدلك به ظهرها- من يدها...

تعليقات



×