رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الخامس والستون بقلم سهام صادق
كان يعلم أنها تراوغه لهدف في نفسها لكنه اتبع قلبه كطفلًا صغيرًا يتلهف على قطعة حلوى. أغمض عيناه متلهفًا وعطشًا للحظة التي سينعم فيها بشهد قُبلتها التي تمنحها له بكل قَبول ورضىٰ وقد رفعت راية الاستسلام لمشاعرعهم أخيرًا لكن فجأة شعر بشئ يُحشر داخل فمه.
فتح عيناه بصدمة عندما وجد حبة المانجو داخل فمه وقبل أن يستوعب ما حدث كانت تنفلت من بين ذراعيه.
التقط حبة المانجو التي حشرتها في فمه قبل أن يختنق ثم نظر إليها ومَازالت صدمة فعلتها مسيطرة عليه.
رمقته "زينب" بنظرة ماكرة رأى فيها شقاوة طفلة صغيرة وعبث أنثى متمردة ثم ضحكت.
_ هو أنت كنت فاكر هتدوق إيه،، دوق بقى وقول رأيك يا كابتن.
قالتها وتباطأت في مشيتها وعلى محياها ارتسمت ابتسامة واسعة.
ثقل لسان "صالح" ووقف يُحملق بها وهو يسأل نفسه، هل كان أحمق ليُصدقها سريعًا دون تفكير؟
وقبل أن تستكمل خُطواتها عائدة إلى المطبخ، توقفت مكانها ثم استدارت إليه وقد وضعت يدها على فمها حتى تخفي ابتسامتها المتشفيّة.
_ شوفت نهاية التهور وصلك لإيه.
ضاقت حدقتاه بنظرة حائرة، فعن أي تهور تتحدث هي وبصوت خرجت نبرته مرحة قالت:
_ آهو قميصك اتبهدل مانجا وأنت أهم حاجه عندك النضافة ومظهرك.
بنظرة سريعة نظر نحو قميصه الذي طُبعت عليه بقعة المانجو.
فزعه على قميصه جعل صوت ضحكاتها تصدح بقوة هذه المرة.
_ خد بالك بقيت تتحـ.رش بيا كتير وكده الغرامات عليك كترت وبنود العقد لازم تتغير ولازم نوثقها عند محامي والحمدلله المحامي بقى موجود.
ألجمه حديثها ووقف كــ تِلْميذ بَليد يفتح فاه مُترقبًا إستكمال كلامها.
_ "إيهاب" هيرحب أوي إنه....
توقفت عن الاسترسال في الحديث وتراجعت بخُطواتها إلى الوراء بذعر عندما لفظ بعض الكلمات البذيئة على صديق طفولتها.
إعتصر بقبضة يده حبة المانجو التي لطخت عُصارتها يده وتقطر على الأرضية.
_ كملي كلامك يا هانم.
تلاشى ذعرها منه واستعادت ثباتها الذي بعثره مظهره الغاضب.
_ يكون المحامي بتاعي ما أنت عارفه إنه بيحبك أوي.
وهَرْوَلت من أمامه وهتفت بنبرة عالية.
_ "يزيد"، "عُدي" أنتوا فين؟
ظهروا الصغار أمامها وكأنهم كانوا ينتظرونها، فاستدارت إليه ورمقته بنظرة حانقة لأنه نسى أمر وجودهم.
_ خلونا ننضف المطبخ سوا وبعدين ننضف نفسنا عشان نفكر هنطلب إيه عشا من بره.
صاح الصغيرين بصوت واحد.
_ بيتزا "زوزو".
سارت أمامهم ضاحكة.
_"زوزو" كمان موافقة بس ننضف الأول مكان ما أكلنا.
وقف مكانه يُحدقها دون قدرة على التفوه بكلمة واحدة ليعترف لنفسه في الحال أنه وقع في حُب امرأة منفردة، امرأة خَلقت منه رَجُلًا بطباع جديدة.
_ آه يا "زينب" هتعملي فيا إيه تاني.
وسُرعان ما كان ينتبه على حبة المانجو التي اعتصرها بقبضة يده ليزفر أنفاسه بحنق.
_ لا دوقت مانجا ولا دوقت اللي نفسي فيه.
...
ارتفعت زغاريد "عايدة" بالأعلى ليسرع العم "سعيد" بإحتضان "عزيز" بأعيُن دامعة بعدما حصل على البشارة.
_ الف مبروك يا بيه، قلبي هيقف من الفرحة ومش قادر أصدق إني عيشت لليوم ده.
دمعت عينين "عزيز" تأثرًا لينظر نحو "عزيز" -العم- الذي دمعت عيناه هو الآخر وانتظر بلهفة رؤية ابنة شقيقه.
_ حتى في الفرح بيعيط، قولي أعمله إيه يا "عزيز".
أسرع "عزيز" -العم- بتجفيف دموعه ثم اقترب منه ليحتضنه حتى يُبارك له.
_ ألف مبروك يا "عزيز" بيه.
هَـز "عزيز" رأسه بيأس من تَزَمَّتَهم بعدم نعتهم لأسمه مجردًا من أي ألقاب.
_ برضو بيه، اعمل إيه طيب عشان تقتنعوا إننا دلوقتي بقينا أهل بجد والرابط بينا بقى قوي خلاص وبكرة تكونوا جدود ولادي.
التمعت عينين العم "سعيد" بالدموع وخفق فؤاده توقً لهذا اليوم.
_ امتى يجي اليوم اللي اشيل فيه ولادك.
ليهتف "عزيز" -العم- وقد خفق قلبه هو الآخر.
_ لحد ما يجي اليوم ده خلينا نقولك زي ما إحنا متعودين ويوم "سالم" الصغير يشرف هنقولك يا أبو "سالم".
دغدغت مشاعر الأبوة قلب "عزيز" وافتر ثغره عن إبتسامة ظهرت واضحة على ملامحه.
لتدلف بتلك اللحظة "نيرة" وخلفها باقي أفراد العائلة.
_ كده تخليني قلقانه، من الصبح وأنا بحاول أتصل عليك.
قالتها "نيرة" ثم ارتمت في حضنه فضمها "عزيز" إليه وقال بحرج بعدما وجدهم ينظرون إليه .
_ التليفون فصل شحن يا "نيرو" واخدت بالي متأخر.
التقط "سيف" ذراعها وأبعدها عن حضن عمه قائلًا بمشاكسه أضحكتهم جميعًا لكن "عزيز" فهم ما ورائه.
_ روحي لحضن جوزك، العروسة دلوقتي زمانها نازله تقول مش سيبالها فرصة.
زمت "نيرة" شفتيها بعبوس بعدما دفعها شقيقها نحو زوجها.
ابتسم "عزيز" واجتذبها لحضنه مرة أخرى.
_ تعالي يا "نيرو" لحضني وسيبك منه.
أطرق "سيف" رأسه بضيق من حديثه عندما وجه عمه إليه نظرة لائمة.
...
شعرت "ليلى" بالحرج من نظرة "شهد" الثاقبة إليها فور أن ابتعدت زوجة عمها عنها واتجهت إلى غرفة الملابس حتى تختار لها ثوب ملائم تستطيع النزول به إلى أسفل.
_ تعالي يا "ليلى" اختاري معايا، عايزين ننزل ليهم.
تحركت "ليلى" هَربًا من نظراتها لكن "شهد" وقفت أمامها تتساءَل وهي ترفع أحد حاجبيها.
_ وقفتوا بعيد عني تتهامسوا في الكلام، أنا عايزه أعرف كنتوا بتقولوا إيه.
بتوتر ردت "ليلى" عليها.
_ كانت بتسألني عامله إيه.
_ وهي كلمة عاملة إيه متنفعش تتقال قدامي.
واستطردت "شهد" وهي تقوس شفتيها بمقت.
_ طيب ليه بقى كل ما كانت تسألك في حاجة توطي رأسك.
رمقتها "ليلى" بنظرة سريعة وكادت أن تتحرك؛ فأسرعت "شهد" بإلتقاط ذراعها.
_ "ليلى" هو أنتِ ليه زي ماما فاكريني لسا صغيره.
ابتسمت "ليلى" عندما شعرت بحنقها.
_ ما أنتِ فعلاً لسا صغيرة يا "شوشو" وعايزينك تركزي في مستقبلك وبس يا دكتوره.
أجفلهم صياح "عايدة" التي وقفت تحمل ثوبين على يديها حتى تختار "ليلى" بينهم.
_ أنتِ واقفة قدام بنت عمك كده ليه، يلا انزلي على تحت.
ضربت "شهد" الأرض بقدميها وتأففت بضيق.
_ نازله أهو، أصلاً أنا مش عارفه ليه طلعت معاكي وأنتي أصلاً مبقتيش تطيقي ليا كلمه.
أسرعت "ليلى" نحوها حتى لا تُغادر الغرفة وتبقى معهم.
_ "شهد" أستني اختاري معايا ألبس إيه ومتزعليش من مرات عمي.
_ سبيها تنزل يا "ليلى"، وفي البيت لينا كلام تاني يا "شهد" هانم.
غادرت "شهد" الغرفه بوجه محتقن.
_ براحة عليها يا مرات عمي.
قالتها "ليلى" وهي تلتقط أحد الأثواب منها.
_ حاسة إني فشلت في تربيتها يا "ليلى".
_ "شهد" كبرت ومبقتش طفله، محتاجه إنك تصاحبيها.
تنهدت "عايدة" ورفعت كف يدها تربت به على خدها.
_ هحاول يا "ليلى"، المهم دلوقتي خلينا فيكي أنتِ يا حبيبتي.
...
تلاشى العبوس الذي احتل ملامح "شهد" وانفكت عقدة حاجبيها عندما تلاقت عيناها بعينين "سيف" الذي ابتسم عند رؤيتها.
_ القمر بتاعنا ليه نازل مكشر.
مازحها "سيف"، فتوردت وجنتي
"شهد".
_ وكمان بقينا نتكسف.
لتهتف "شهد" بوجه عابس.
_ هو أنا كنت قبل كده مش بتكسف.
_ "شهد" عيب.
صاح بها والدها ليُسرع "سيف" قائلًا:
_ سيبهالي يا عم "عزيز" لأن شكل "شوشو" كبرت وإحنا مش واخدين بالنا.
ضحك "عزيز" على عبوس "شهد".
_ مهما كبرت هتفضل صغيره عندنا ولا إيه يا دكتوره.
اتسعت ابتسامة "شهد" وحركت رأسها إليه.
ضحك "سيف" على مظهرها وقال:
_ عند عمي بتقلبي قطه مطيعه واوعي تمدي بوزك عشان لو ده حصل مالكيش صور عندي.
رفع "سيف" هاتفه إليها لترتبك "شهد" بالبدايه من نظراتهم إليها، فأردف "سيف" بمزاح.
_ الليدي "شوشو" كانت مخلياني الفوتوجرافر بتاعها.
اقتربت "كارولين" تتعلق في ذراعه وهي تنظر نحو "شهد". اختفت ابتسامة "شهد" وتحاشت النظر إليهم... فـوجود "كارولين" يجعلها تعود إلى وعيها وتتغلب على ذلك الوهم الذي زرعته "لميس" داخل رأسها.
_ "شهد" كانت بالفعل جميله أمس.
قالتها "كارولين" بصدق ثم تحركت إلى الأعلى وراء "نيرة" التي سبقتها.
_ سأصعد لأرى العروس.
ازدردت "شهد" لُعابها وهتفت بصوت خفيض.
_ بابا أنا هسبقك على البيت.
ضاقت حدقتي "سيف" وقد استغرب من عودتها للعبوس.
_ مالك كشرتي ليه تاني.
ثم التقط يدها وسحبها معه أمام أنظارهم نحو غرفة الجلوس المفتوحة.
_ هاتي تليفونك وتعالي ابعتلك الصور.
...
انبهرت "ليلى" بتلك العُلبة الأنيقة التي تحمل أسورة ذهبية رقيقة.
_ مبروك يا "ليلى".
ابتسمت "ليلى" واحتضنتها مرة أخرى.
_ هو لازم نقول مبروك بـ هدية يعني يا "نيرو".
ابتعدت "نيرة" عنها ونظرت إليها بإمتنان.
_ شكرًا "ليلى".
اندهشت "ليلى" من كلمة الشكر التي قالتها ليقطع تساؤلها دخول "كارولين" عليهم التي ابتسمت لهم وقدمت هديتها هي و "سيف" قائلة:
_ أنا و "سيف" اختارناها لكِ، أتمنى أن تُعجبك.
ابتهج وجه "ليلى" وقد تسللت الراحة إليها.. فمخاوفها اليوم زالت خاصةً نحو "سيف" الذي لم ترى في نظرته القبول بَتاتًا.
...
نظر "صالح" إلى ملامح وجهه بمرآة الحمام بعدما انتهي من إستحمامه ثم تنهد وابتسم، فقد جعلته ينظف المكان الذي سالت فيه عصارة المانجو بل وساعدها في تنظيف المطبخ بطيب خاطر بعدما عرض عليها مساعدته.
_ هتعملي فيا إيه تاني يا حفيدة اللوا "نائل".
غادر الحمام وعلى ثغره إبتسامة بلهاء محتها تلك الصرخة القوية التي خرجت من بيت شفتيها.
_ فيه إيه خضتيني؟
قالها "صالح" بعدما تمالك نفسه بعد فزعته بصراخها.
_ أنت إزاي بتخرج من الحمام كده.
نظر إليها ثم نظر نحو صدره العاري وتلك المنشفة التي يلف بها خصره.
_ واحد في أوضته عايزاه يُخرج إزاي يعني.
_ ما تلبس الهدوم عادي في الحمام.
خرج صوتها متعلثمًا ومَازالت تعطيه ظهرها ليقترب منها قائلًا بنبرة عابثة.
_ حاضر هلبس بعد كده في الحمام لكن ممكن تقوليلي سبب تشريفك العظيم لأوضتي.
امتقعت ملامحها لأنها ظنته يسخر منها.
_ جاية أسألك هتاكل معانا ولا منعملش حسابك.
أسرع بالرد وهو يميل برأسه على كتفها.
_ لأ اعملي حسابي بعد كده في أي حاجه معاكم، اعتبريني زي "يزيد".
انتفضت "زينب" في وقفتها والتفت إليه لتجده يقف ورائها يكَاد يلتصق بها.
_ أنت واقف ورايا كده ليه.
بنظرة متلاعبة لم تغفل عنها تمتم.
_ عشان تعرفي تسمعي صوتي كويس.
تحرك نحو قميصه و بنطاله المُلقيان على الفراش لتنظر إليه بنظرة مُحدقه سُرعان ما اختفت وتحولت للذهول عندما وجدته يضع يده على عقدة المنشفة.
انفجر "صالح" ضاحكًا بمتعه وهو يراها تُغادر غرفته بعدما نعتته بالوقح.
ليسألها بصوت عالي تعمده وهو يمرر يديه على عنقه.
_ بقى أنا وقح يا "زوزو".
استمر بالضحك إلى أن وقعت عيناه على نفسه بالمرآة. لقد حولته إلى صورة رَجُل صَار لا يعرفه... رَجُل تلتمع داخل عينيه السعادة وليت الأيام تعود إلى الوراء لكان فكر مئة مرة قبل أن يجعلها تدفع ثمن زيجة لا دخل لها بها.
...
زفر" عزيز" أنفاسه بإرتياح بعدما تمكن "نيهان" من إنتشاله من تلك الجلسة التي جعلته هو و "ليلى" محور حديثهم ومِزاحهم.
_ أخيرًا.
تمتم بها "عزيز" بعدما تهاوى بجسده على الأريكة الموجودة بغرفة مكتبه، فضحك "نيهان" وجلس جِواره.
_ لقد كنت كالفأر بالمصيدة.
أطلق "عزيز" زفراته مرة أخرى وهو يمسح على وجهه.
_ يا ساتر أنا مش متعود على الرغي ده كله.
رمقه "نيهان" بنظرة استمتاع ثم غمز له بطرف عينه.
_ اترك رغي النساء جانبًا واخبرني هل رفعت الراية وستبشرني بـ "عزيز" صغير قريبًا.
ألقى "عزيز" عليه نظرة مشتعلة ودفعه عنه بضيق.
_ رفعت راية إيه هو أنا كنت داخل حرب.
قهقه "نيهان" عاليًا ثم أسرع بكتم صوت ضحكاته حتى لا يلفت انتباههم بالخارج.
_ أريد أن اطمئن عليك يا أخي لكن الجواب واضح.
وبصوت ماكر متلاعب أردف.
_ أراك وكأنك في العشرين من عمرك.
سحب "عزيز" نفسًا عميقًا داخل صدره ثم ابتسم و تنحنح وهو يُحرك يده على خديه الأملسين ليتابع "نيهان" حديثه بمتعه.
_ ألم أخبرك أن الزواج من امرأه تحبها يعيد لك شبابك وأنت اليوم أمامي رَجُل آخر "عزيز"، رَجُل يبدو انه ارتوى من جرعات الحُب.
بوجه محتقن غَمْغَم "عزيز" وهي يهرب بعينيه بعيدًا عن نظرات "نيهان" المتفرسة.
_ جرعات حُب إيه اللي ارتويت منها ده أنا عايز أقوم اسحبها من وسطيهم ونطلع أوضتنا.
_ ما الذي تقوله بصوت خفيض يا رَجُل.
تساءَل "نيهان" مُحملقًا به لينظر إليه "عزيز" وقال بأدب تعجب "نيهان" منه لكنه سريعًا ما كان يفهم سببه.
_ يا نيهان يا ابن الأكابر.
رفع "نيهان" كلا حاجبيه متمتمًا.
_ تحدث "عزيز" دون مماطله، فأنا أعلم أن احترامك لي لا يأتي إلا من أجل المصلحة.
مط "عزيز" شفتيه بعبوس وقال بعدما نهض:
_ خلاص يا "نيهان" مش مشكله.
بتأفف خرج صوت "نيهان".
_ قول" عزيز" ماذا تُريد، فأنت دائمًا تحتاجني.
حدقه "عزيز" بنظرة خبيثه وابتسم.
_ عايزك تأخدهم بره بأي حجه وتروحوا أي مكان وسيبوني شويه مع مراتي قبل ميعاد الطيارة.
....
غادر "صالح" غرفته وهو يُدندن بلحن غِنوة أجنبية صار يسمعها مؤخرًا ليتوقف مكانه داخل غرفة المعيشة مندهشًا من عدم وجودهم رغم أن التلفاز مفتوح على أحد الأفلام القديمة.
تحرك نحو المطبخ مُناديًا عليهم لكنه وجد المطبخ أيضًا فارغًا فلم يجد إلا غرفة صغيره وغرفتها ليتوجه إليهم.
تسارعت دقات قلبه وهو يراهم ساجدين ليطرق رأسه بخزي شديد وأغلق باب غرفتها متنهدًا بحرقة ثم عاد إلى غرفته ليجلس بثُقل على فراشه، إنها تهزمه في كل شئ وكيف له ألا يُهزم في وجودها.
_ أنا عملت إيه في عمري عشان محظوظ وفي نفس الوقت مقهور يا "زينب"... كنتي حظي من الدنيا وأنا بغبائي ضيعتك.
دفن وجهه بين كفيه لتمر الدقائق وهو جالس بيأس إلى أن انتفض من على الفراش واستعاد قوته الواهية.
_ ليه مبدأهاش صح...
...
تعلقت عينين "نيهان" نحو "عزيز" بقلة حيلة، فهو اقترح على الجالسين أن يتناولوا طعام العشاء بالخارج حتى يودعهم من خلالها قبل عودته إلى وطنه. الجميع رحب بهذا الإقتراح من أجل ترك العروسين ما عدا "نيرة" التي أرادت البقاء مع عمها لأطول فتره، فهو عند عودته من رحلته سيجدها قد رحلت، للحظة عاد الأمل إلى "عزيز" بعدما اقنع "معتز" زوجته بأنهم سيعودون قبل مغادرته ليقوموا بتوديعه لكن صوت "ليلى" خرج بإستحياء.
_ لأ خليكم قاعدين معانا ونتعشى سوا.
_ صح يا "ليلى"، خلينا قاعدين ونتعشى كلنا مع بعض... إيه رأيك يا عمو "نيهان" تطلب لينا العشا هنا.
هتفت بها "نيرة "بحماس وهي تنظر إليهم لينظر "نيهان" إلى "عزيز" الذي حدق بنظرة نارية نحو "ليلى".
_ و يا سلام لو نتعشى في الجنينة.
تمتمت "شهد" بهذا الإقتراح أيضًا، و صار الجميع بين معارض ومؤيد إلى أن قال "عزيز" بعدما سيطر على نبرة صوته.
_ خلاص ياجماعه "نيهان" هيطلب لينا العشا اهو حتى نشبع منكم قبل السفر.
_ هو انتوا مسافرين فين صحيح يا عمو.
تساءَلت "نيرة" واتبعها سؤال "شهد" بفضول لتنظر إليه "ليلى" بترقب، فـ ربما يُصرح لهم عن مكان رحلتهم.
_ مش لازم تعرفوا ويلا يا جماعه نطلع نقعد في الجنينة.
أصاب "ليلى" الإحباط ليجفلها صوت "عزيز" بعدما اقترب منها.
_ اقعدوا معانا يا جماعه ونتعشى، ده أنا اللي هتعشى بيكي يا "ليلى".
ابتعد "عزيز" عنها لتضع يدها على قلبها الذي تسارعت دقاته ثم استدارت إليه لتجده يتحرك جوار العم "سعيد" إلى الحديقة.
_ هيتعشا بيا إزاي!!.
قالتها وهي لا تعي مقصده لكن علقها أعطاها الجواب سريعًا لتخرج شهقة خافته من شفتيها.
_ "ليلى" حضرتي الشنط بتاعتكم؟
تساءَلت بها "نيرة"، فحركت رأسها إليها لتشارك "نارڤين" بحديثهم بعدما التقطت أذنيها إحدى الكلمات التي تعرفها بالعربية.
_ تقصدون الحقائب؟ "نيرو" أنا أشك بتلك الفتاة.
ضاقت حدقتي "نيرة" بحيرة من كلام "نارڤين" لتُسرع "نارڤين" بالتوضيح.
_ بالتأكيد وضعت بالحقيبة كل ما هو طويل وبإكمام.
_ معقول "ليلى" تعملي كده في عمي.
خرج صوت "نيرة" بمزاح لتدفعها "ليلى" بخفه على كتفها.
_ لأ طبعًا، أنا حطيت كل اللي هحتاجه لكن مش عارفة طبيعه الجو هتكون إيه في المكان اللي إحنا رايحينه.
ردت "نارڤين" بشك.
_ أريد أن أرى الحقيبة حتى اتأكد أنك لم تأخذي تلك المنامات التي ترتديها وأنتِ فتاة وليس عروس.
...
_ زوجتك خربت عليك كل شئ.
تمتم بها "نيهان" بصوت خفيض بعدما اقترب منه حتى يُخبره أنه طلب الطعام.
_ تقع تحت ايدي بس.
كتم "نيهان" صوت ضحكته وقال بمِزاح.
_ لا ترحمها، واقرص كلا أذنيها حتى لا تعيد الأمر وتفسد تلك اللحظات.
تجهمت ملامح "عزيز"، فهو يعلم أن "نيهان" يستهزء به.
_ "نيهان" أنا على أخرى وياريت تختفي من قدامي.
هذه المرة سمح "نيهان" لصوت ضحكاته أن تخرج بقوة؛ لتتجه جميع الأنظار عليهما.
...
طوى "صالح" سجادة الصلاة التي أهداها إليه "ماهر" قبل عام ونصف عندما ذهب ليبارك له عودته من أداء مناسب العمرة وقال له مازحًا وهو يهديها إليه.
" يمكن تكون خير عليك هي والسبحة والطاقية"
شعور بالراحة ملء فؤاده وقد خف ذلك الثُقل الذي أصبح يجثم على روحه المكبله بقيود الماضي.
وضع سجادة الصلاة برفق على فراشه لتكون دائماً أمام عينيه.
مرر يده على خُصلات شعره ثم نثر عطره الذي أخبرته يوم خطبتهم أنه مميز.
_ بابي إحنا طلبنا البيتزا، هتاكل معانا؟
هتف بها "يزيد" فور أن وجد والده يقترب من مكان جلوسهم وابتسم.
_ اه يا حبيبي هاكل معاكم.
قالها "صالح" وهو يربت على شعر صغيره برفق وفعل بالمثل مع "عدي" الذي ابتسم له ثم تساءَل.
_ هي فين "زوزو"؟
رد "يزيد" وقد عاد للعب بألعابه.
_ بتكلم طنط" سما".
وعند ذكر صغيره لاسم "سما" تذكر الأمر الذي أوقد داخله غضبًا عاد لينْدَلَع.
نهض من مكانه بملامح واجمة وأسرع نحو غرفتها ليجدها على وشك الخروج منها.
_ مين تاني معاه ڤيديوهات ليكي من يوم ليلة الحنة الهباب.
ردت دون تفكير وقد تجلَّت الصدمة على ملامحها.
_ هو أنا صورني حد تاني؟
وسُرعان ما انفلتت شهقتها.
_ أوعي تقولي إن "سما" بعتت ليك الڤيديوهات.
ارتبك "صالح" لكن تمالك نفسه والتقط يدها ليجذبها معه إلى داخل الغرفة وأغلق الباب.
_ إحنا دلوقتي لا في ڤيديوهات "سما" ولا ڤيديو "يزيد" ولا ڤيديو ماما.
وبصوت غاضب صاح عندما عادت صورتها وهي ترقص بذلك المنظر المهلك يخترق رأسه.
_ هطربق الدنيا عليهم لو اكتشفت إن في حد تاني صوررك يا "زينب"، فاتصلي بأي واحدة من أصحاب الفرح واعرفي منها.
_ أنت بتصرخ عليا.
قالتها وهي تشيح وجهها بعيدًا عنه؛ فعضَّ على نواجذه من شدة الغضب.
_ لأنك مراتي وبغير عليكي، بسيطة الإجابة شوفتي إزاي.
_ لأ أنا....
أخرسها بقُبلته التي باغتها بها حتى يبتلع تلك الكلمة التي تُرددها له.
_ لأ مراتي يا "زينب".
دفعته عنها بكل قوتها بعيدًا عنها وكادت أن تنلفت الكلمات من بين شفتيها التي أخذت تمسحها بعنف لكن طرق "يزيد" على باب الغرفة وندائه عليهم جعلها تبتلع الكلام وتفتح الباب.
_ "زوزو" أنا فتحت الباب وعمو بتاع البيتزا سأل على بابي.
_ حاضر يا حبيبي، هروح اشوف.
قالتها بصوت مهزوز لتمتقع ملامحها عندما وجدت "صالح" يلتقط ذراعها وينظر لها بنظرة محذرة.
_ اقفي مكانك، ده على اساس أنا مش موجود.
خرج من الغرفة بوجه محتقن واستلم من عامل التوصيل الطعام.
أغلق جفنيه بقوة بعدما رأها ورائه تَمُد يدها له بالمال.
_ أنا اللي عزماكم، فأنا اللي هدفع.
لا يعرف كيف استطاع العودة إلى برودة الأعصاب التي كان يتمتع بها من قبل.
_ معلش خليها عليا المرادي يا "زينب" هانم.
تخطاها وهتف بالصغار قائلًا:
_ البيتزا وصلت وطبعًا هنغسل ايدينا الأول ونحضر الأطباق.
...
احتدت عينين "نارڤين" وهي تنظر داخل الحقيبة التي أعدتها "ليلى" لنفسها ورفعت أحد الأثواب قائلة:
_ ما هذا؟
ردت "ليلى" وهي تنظر نحو ما أخرجته "نارڤين" من حقيبة ملابسها.
_ إسدال.
_ ولماذا تأخذين منه اثنين؟ ، يكفي واحدًا.
وهكذا أخدت "نارڤين" تفعل في الأثواب التي تري لا داعي لها.
بحنق هتفت "ليلى" بعدما جلست على الفراش.
_ إحنا كده هنرتب الشنطة من أول وجديد.
خرجت "نيرة" من غرفة الملابس وهي تحمل في يدها تلك الأثواب التي ابتاعها لها "عزيز".
_ إيه رأيك في التشكيلة ديه يا "نارڤين"
ابتسمت "نارڤين" والتقطت واحدًا.
_ رائعة "نيرو"، هذه الأثواب التي تناسب عروس وليس تلك التي كانت تضعها.
_ لأ أنا هرتب شنطتي بمعرفتي.
أسرعت "نيرة" نحوها ضاحكة.
_ نصيحة مني ليكي يا "لولو" بلاش، ده عمي ممكن يولع فيكي.
ضحكت "نارڤين" على مظهر "ليلى" وتحركت وهي تتساءَل.
_ أين هي العطور التي ستأخديها معك؟
لم تنتظر "نارڤين" لتسمع رد "ليلى" التي أخذت تزفر أنفاسها بحنق.
مررت "نارڤين" أصابعها على قنينات العطور حتى تختار أفضلهم لتقع عيناها على تلك العُلبة المغلقة الموجود جِوار قنينات العطر وتساءَلت.
_ يوجد عُلبة مغلقة جوار العطور.
ضاقت حدقتي "ليلى" ونهضت حتى ترى ما تقصده "نارڤين" لتمسك "نيرة" يدها قائلة:
_ رتبي أنتِ الشنطة لأني فاشلة في الموضوع ده و هروح أشوف "نارفين" .
فتحت "نيرة" تلك العُلبة التي تذكرتها عندما سألت "عايدة" عليها، فأخبرتها أنها هَدية "زينب" إلى "ليلى".
_ أه افتكرت العلبة دي وكنت فاكرة إن "عايدة" فتحتها.
لم يكن انتباه "نارڤين" معها بل كان مع تلك العطور التي فور أن التقطت اسمها التمعت عيناها وأسرعت قائلة:
_ يبدو أن "زينب" تُحب "ليلى" كثيرًا.
وكأن "زينب" كانت تستمتع إلى اسمها، ليصدح رنين هاتف "نيرة" برقمها لتتمتم دون تصديق وهي تضحك.
_ دي "زينب" بتتصل، معقول تكون حسيت بينا بنتكلم عن هديتها.
وأردفت "نيرة" وهي تتحرك.
_ هخرج اكلمها بره لأن الشبكة هنا وحشة.
...
زفرت "زينب" أنفاسها بإرتياح وهي تستند بكلتا يديها على طاولة المطبخ بعدما اطمنت من "نيرة" أن جميع من حضرن ليلة الحنة الخاصة بهن تركن هواتفهن معها إلا "سما" وهي فقد اتفقن على تصويرها هي و "ليلى" وكل منهن كان لديها هدف وقد التقطت أعيُن -حماتها- السيدة "حورية" محاولتهن في إلتقاط بعض الصور وطلبت منهن أن تصور زوجة ابنها وبالتأكيد لم تستطيع رفض طلبها...
ليتساءَل "صالح" بعدما سمع المكالمة.
_ على فكرة غضبي كان من خوفي عليكي، مكنتش قادر اتخيل إن ممكن صور أو أي ڤيديو يكون على تليفون حد تاني.
وبصوت هادئ أردف.
_ تعالي كملي أكلك واوعدك بكره افكر لنفسي في عقاب تعاقبيني بيه.
استدارت جِهته بملامح متجهمه ليبتسم لها.
_ الولاد بره وأي ردة فعل دلوقتي مش هيكون لطيف.
ازدادت ملامح وجهها احتقاناً لتخرج نبرة صوتها بغضب.
_ هو حد قالك قبل كده إنك مستفز وبارد.
اتسعت ابتسامته بمرح توهجت معه ملامحه.
_ مستفز لا بصراحة لكن بارد كتير.
وفجأة اختفت تلك الابتسامة التي كانت تُزين ثغره.
_ أنا مكنتش كده يا زينب أو نقدر نقول حاولت مكنش بالصورة ديه لكن غصب عني.
وارتفعت أحد زاويا فمه باستنكار.
_ طفولة ومراهقة مشوها وأخرها جوازي من بنت عمي، أنا للأسف كنت تميمة حظك السيئ.
استدار بجسده حتى يُغادر المطبخ لتهتف بتساؤل يحمل فضولها عن زواجه من ابنة عمها التي كانت مريضة.
_ أنت اتجوزت سارة أزاي، وهي يعني كانت ذو الاحتياجات.
وبتعلثم أردفت بذلك السؤال الذي رَاوَدَ عقلها كثيرًا.
_ وأزاي خلفت منها يزيد، أزاي جالك قلب تعمل فيها كده؟