رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الثالث والستون63 بقلم سهام صادق


 

رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الثالث والستون بقلم سهام صادق



نظرة ساخرة حملتها عيناها وهي تراه يعود إلى خفض رأسه هربًا من خزيه، فأمر الحفيد كان مُخطط له من وراء هذه الزيجة ولولا رفضه لها ليلة عُرسهم ثم ظهور الحقيقة لكانت ربما الآن تحمل في أحشائها طفله.

انفرجت شفتي "زينب" بإبتسامة واسعة، ابتسامة باتت تجيد اصطناعها لكن أسفل الطاولة كانت ساقيها تهتز بلا توقف. 

التمعت عينين "نائل" بتمني عندما رأها تُحرك له رأسها. 

لم تعد عيناه غافله عن أي شئ تفعله لتظهر سعادتها للجميع خاصةً جدها.

 ثقل شديد جثم على روحه التي صارت مُعذبه من الندم و لم يجد أمامه هذه اللحظة إلا النهوض والإبتعاد قليلًا لعله يستطيع زفر أنفاسه التي تخنقه. 

دفع "صالح" مقعده إلى الوراء وكاد أن ينهض لكن عيناه وقعت على إرتعاش ساقيها وقبضه يدها على طرف فستانها. 

انحبست أنفاسه داخل صدره وبسبب حركة نهوضة المفاجأة لفت أنظار الجد إليه. 

_ هتقوموا تباركوا للعرسان ولا هنفضل قاعدين كده؟؟
 
سؤال الجد جعلها تنظر إليه وقد توقفت ساقيها أخيرًا عن الإرتعاش.

 عليه أن يتمالك نفسه ويستعيد ثباته، هكذا ردد "صالح" داخل رأسه وهو يسدل أجفانه وسُرعان ما كان يرفع عيناه نحوهم وعلى ثغره ابتسامة خفيفة. 

_ أنا شايف فعلاً إننا نقوم نبارك ليهم.
 
اندهشت "زينب" عندما باغتها بإلتقاط يدها  لتتسع ابتسامة الجد مثلما اتسعت حدقتاها في ذهول حين قرب يدها من شفتيه وقبلها وقال وهو ينظر نحو الجد. 

_ حقيقي ادتني جوهرة يا سيادة اللوا وعرفت فعلًا إني محظوظ بيها.
 
انْفَرجت أسارير "نائل" ونظر إلى ملامح وجه حفيدته وارتباكها ثم ضحك وهو يُمازحه. 

_ هو أنت لسا عارف إنك محظوظ النهاردة..

أسرع "صالح" بمقاطعته عندما رأي نية الجد بقلب الأمور عليه. 

_ خاني التعبير بس ولا أنت بتتلكك يا سيادة اللوا عشان تاخدها مني. 

بنظرة ثاقبة خبيثه رمقه "نائل" ثم غمز بطرف عينه إلى "زينب" و على محياه ارتسمت ابتسامة عريضة. 

_ بصراحه آه. 
... 

أفلت "عزيز" أخيرًا "ليلى" من قبضة يده بعدما استطاعت "نيرة" و "نارفين" بصعوبة تحريرها منه.

_ "نيهان"، شوف حل وانهي الفرح..
 
قطب "نيهان" حاجبيه ثم رفع يده ليُحركها على عنقه متسائلًا بحيره. 

_ كيف أفعلها "عزيز"!، لم يمر سوى ساعه واحده على العُرس.
 
_"نيهان" اتصرف.
 
وقعت عينين "نيهان" على "ليلى" التي كانت تتحرك بفستانها ڪـ الفراشة وسط الفتيات ثم احتضن كتف "عزيز". 

_ عروسك سعيدة، اتركها تستمتع واصبر يا رَجُل قليلًا. 

امتقعت ملامح "عزيز" وإلتف برأسه نحوه ليزجره بنظرة حادة. 

_ اخاف على الفتاة منك، ستلتهمها هذه الليلة.
 
تحرك "نيهان" ضاحكًا من أمامه بعدما ألقى كلامه ليزفر "عزيز" أنفاسه بقوة؛ فهو لا يحب الأجواء الصاخبة ولكن عليه التحمل والصبر. 

عادت عيناه لتتعلق بها وهي تتراقص بحركات بسيطه وسط الفتيات والخجل يسيطر على ملامحها. 

_ مبروك يا "عزيز". 

احتل التجهم ملامح وجهه مرة أخرى عندما استمع إلى صوت "سمية"، فهو أخبر ابنة شقيقه أن تخبرها أن دعوة عُرسه أرسلها فقط لزوجها وليست هي. 

حدجها "عزيز" بنظرة قوية؛ فابتسمت وهو تتجه بعينيها نحو "سيف" الذي وقف سعيدًا جوار زوجته ثم ابنتها التي أخذت تتمايل مع الفتيات حول "ليلى". 

تملكها الحقد واشتعلت نيرانه داخلها بعد رؤية أولادها متقبلين وسعداء بزيجة عمهم رغم إظهار رفضهم لها. 

وأردفت قائلة وهي تُمرر عينيها بين الحضور. 

_"هارون" تعب فجأة، فكان لازم أجي بداله عشان اهنيك واتمنالك السعادة يا عم ولادي.
 
_ مكنش فيه داعي تشرفينا بحضورك يا "سميه"، عمومًا ألف سلامه على "هارون" بيه.
 
رده لم يُفاجئها بل جعل ابتسامتها تتسع واقتربت منه. 

_ مقدرش يا "عزيز" أفوت اليوم ده، ما أنت عارف غلاوتك عندي. 

ارتفعت زاوية شفتيه ورمقها بنظرة شزرة ثم أشاح عيناه عنها.

_ ما أنا عارف يا "سمية". 

تحرك من أمامها لكن توقف بملامح جامدة عندما خرج صوتها بنبرة متلاعبة وكررت تلك العبارة التي تقولها له دائمًا. 

_ العروسه حلوة وصغيرة يا "عزيز"، تعرف بدأت اعذرك إنها عرفت توقعك بعد العمر ده كله.
 
وانفلتت ضحكة ساخرة من بين شفتيها واستدارت بجسدها لتتحرك وتُغادر الحفل. 

_ اطلعي بره حياتي وحياة ولاد اخويا يا "سمية" لأن لو انفتحت صفحة الماضي هتطلعي أنتي الخسرانه وهتدفعي التمن جامد.
 
إلتفت نحوه ونظرت إليه بنظرة أخيرة ثم رفعت كتفيها بخيلاء وسارت في طريقها متوعده، فلن تُخمد نيران حقدها إلا عندما تراه في صورة ستسعي جاهده ليكون عليها. 

أسرعت  "بيسان" نحوها بعدما استغربت من مغادرتها بتلك السرعة تتساءَل. 

_ طنط "سمية"، أنتِ رايحة فين... إحنا لسا واصلين وملحقناش.. 

قاطعتها "سمية" وهي تتحاشىٰ النظر إليها. 

_ حبيبتي أنتِ عارفاني مبحبش الدوشة وكمان "هارون" تعبان ولازم واحده فينا تكون جنبه. 

فزع قلب "بيسان" وتساءَلت بقلق على والدها. 

_ هو فيه حد من الخدم كلمك وقالك بابا تعب تاني؟
 
ابتسمت "سمية" لها بإبتسامة مقتضبة وربتت على ذراعها. 

_ لأ يا حبيبتي متقلقيش. 

تحركت "سمية"، فتحركت ورائها "بيسان" التي شعرت بأن وجودها لا داعي له. 

_ خلاص أنا جايه معاكي.
 
تلاشت تلك الإبتسامة التي أجادت "سميه" إظهارها وضاقت حدقتاها وهي تلتف إليها وقد تيبست ساقين "بيسان" خوفًا من نظرات "سمية" ليها وانفلتت شهقتها عندما قبضة "سمية" على ذراعها. 

_ أنتِ غبية، أنا بحاول اقربك من ابني واهدم جوازه وأنتِ بتقوليلي امشي معاكي. 

نظرت "بيسان" إليها بآلم وافلتت ذراعها من قبضة يدها ثم ابتعدت عنها وأخذت تُدلك ذراعها. زفره طويلة أطلقتها "سمية" من بين شفتيها بعدما انتبهت على فعلتها. 

_ "بيسان"، يا حبيبتي قربك من "سيف" هيخليه ينتبه على حبك ولا أنتِ خلاص استسلمتي لجوازه اللي خلاص قرب يفشل. 

أطرقت "بيسان" رأسها ثم تنهدت؛ فعن أي فشل تتحدث زوجة أبيها. 

_ "سيف" بيحب مراته يا طنط، أنتِ مش شايفه قربهم من بعض إزاي. 

أطلقت "سمية" قهقة عالية وهي تضع يديها على ذراعيها العاريين. 

_ حب ؟ يبقى أنتِ محتاجه تشوفي صح يا "بيسان".
 
حدقتها "بيسان" بنظرة زَائِغة لتتوقف "سمية" عن الضحك ومررت يديها بخفه على ذراعيها. 

_ "سيف" لو كان بيحب مراته، مكنش قالي إنه بدأ يُعجب بيكي يا "بيسان". 

افترَّ ثغر "بيسان" وتساءَلت بلهفة. 

_ بجد يا طنط قالك كده؟ 

هَـزت لها "سمية" برأسها وابتسمت.
 
_ بكره تتأكدي من ده بنفسك. 

استدارت "سمية" بجسدها وإلتمعت عيناها بنظرة غامضة لتنفرج شفتيها بإبتسامة واسعة. 
... 

اندهش "نيهان" من اجتذاب العم "سعيد" له والإبتعاد به. 

_ ما الأمر يا عجوز؟؟ 

زفر العم "سعيد" أنفاسه بضجر لتضيق حدقتي "نيهان" واستطرد متسائلًا بقلق. 

_ نفخك هذا أصابني بقلق، هل ستنفجر القاعه بنا؟ فـ أنا اتوقع حدوث أي شئ في زفاف "عزيز"... يكفي عبوس وجهه.
 
أسرع العم "سعيد" بالرد عليه بعدما رمقه بنظرة قوية. 

_ بعيد الشر، ربنا يبعد عنه العيون بس.. 

ثم اخذ يتمتم ببعض الآيات لتتقوس شفتي "نيهان" بعبوس. 

_ أنت جررتني ورائك حتى تخبرني بهذا. 

كاد أن يتحرك "نيهان" لكن العم "سعيد" إلتقط ذراعه. 

_ العقربة كانت واقفه معاه من شويه وشكلها قالتله كلام يضايقه عشان تضيع فرحته. 

_ من هي العقربه "سعيد".. 

وسُرعان ما كان يرد "نيهان" على سؤاله. 

_ هل تقصد "سمية"؟ 

إلتوت شفتي العم "سعيد" بضيق وقال. 

_ هو فيه غيرها يا "نيهان" بيه.
 
تنهد "نيهان" بقوة، فهو يعلم أن "سمية" لن تترك "عزيز" بحاله بعد زواجه. 

_ الحمدلله إن "ليلى" مأخدتش بالها من وقوفها معاه. 

وواصل العم "سعيد" كلامه وهو يصوب عيناه نحو سيده الذي يُحاول التبسم أمام ضيوفه وهو يعرفهم على "عزيز"  - العم -. 

_ أنا وصيت "عايدة" من كام يوم، قولتلها فتحي عيون "ليلى" هي مش داخله على حياة سهله.. 

أخفض "نيهان" رأسه للحظة ثم رفعها ونظر نحو "عزيز". 

_ لا تفكر بالسوء حتى لا يحدث.
 
وبعدما كان "نيهان" يفكر في إنهاء حفلة العُرس كما طلب منه "عزيز"...

 انقلبت قاعة الزفاف وصار الجميع يُعبر عن فرحته. 
... 

وقفت "زينب" أمام البراد بعدما فتحته لمرات بذهن شارد لتنتبه بعد وقت على وقفتها وحيرتها، أطلقت تنهيدة عميقة ثم إلتقطت زجاجة العصير وسكبت لنفسها القليل. 

اِرتشفت ما وضعته بالكوب وتنهدت وفي رأسها العديد من التساؤلات. 
شعرت بوجوده، فرفعت عيناها إليه.

 أربكتها نظرته إليها ليطرق رأسه مع خروج تنهيدة حارة من بين شفتيه عندما رأها تشيح بنظرها عنه. 

_ أنا نيمت يا "يزيد" قبل ما امشي. 

لقد أخبرها أثناء عودتهم من العُرس بعدما قاموا بتوصيل جدها أنه سيمكث بأحد الفنادق إلى أن يقوموا بفرش الجزء الخاص به من الشقة كما اتفقوا. 

_ وكل يوم بالليل هاجي ابص عليه ولما ينام همشي عشان ميحسش بحاجه. 

نظرت إليه بنظرة طويلة ثم إلتقطت زجاجة العصير واتجهت نحو البراد لتضعها داخله. 

_ اعمل اللي أنت شايف فيه راحتك. 

تعالت وتيرة أنفاسها فجأة عندما وجدته يقف ورائها. 

_ راحتي في راحتك يا "زينب". 

اِرتبكت من قُربه وابتعدت عنه قائلة وهي تهرب بعينيها بعيدًا عنه. 

_ لو عايزني اروح عند جدو وأنت تفضل هنا.. أنا.. 

قاطعها بعدما زفر أنفاسه. 

_ ده بيتك أنتِ يا "زينب" وأنا هنا الضيف.
 
لم يتركها لتتحدث وأردف قبل أن يُغادر. 

_ أنا آسف لأني مكنتش الزوج اللي أنتِ اتمنتيه. 

وهل كان ينقصها هذه الليلة التي ثقلت فيها آلامها أن تسمع أسفه.

 أغلقت جفنيها بعدما استمعت إلى غلق باب الشقة وتحررت دموعها الحبيسة من مقلتيها ثم أخذت تطرق على قلبها بقوة. 

_ أنت ليه رجعت تدق من تاني، ليه رجعت تحلم. 
... 

خفق قلبها وهي تصعد معه درجات السُلم ومع كل خُطوه كانت تخطوها معه يزداد قلبها خفقانًا. 

استمرت "عايدة" بإطلاق زغاريدها حتى شعرت بإنقطاع أنفاسها. 

_ حبيبتي يلا بينا بقى. 

قالها "معتز" حتى يغادرون الڤيلا ويذهبون إلى أحد الفنادق ليقضون ليلتهم فيها وقد فعل "سيف" هذا الأمر أيضًا. 

_ هطلع طيب اشوفه لو عايز حاجه مني واقوله إني هجيله الصبح.
 
ابتسمت "عايدة" على قول "نيرة" ولم تُعلق ليُحرك "معتز" رأسه بيأس منها وإلتقط يدها ليغادروا. 

_ حبيبتي عمك مش محتاج مننا حاجه دلوقتي. 

اعترضت وتذمرت على جرها بتلك الطريقة، ليخرج العم "سعيد" من المطبخ وتحرك نحو الدرج؛ فصرخت به "عايدة" قائلة: 

_ رايح فين يا "سعيد". 

أخذ يتَلَفَّت حول نفسه وقال وهو يُحرك يديه على جلبابه.

_ رايح اشوفهم لو محتاجين حاجه. 

أسرعت "عايدة" إليه واجتذبت يده ليُحاول إفلات يدها. 

_ لو كانوا محتاجين حاجه كانوا قالوا لينا. 
...

نظر "عزيز" لها بعدما وقفت بالممر الطويل الذي يقودهم نحو غرفتهم.

تسارعت أنفاسها وقبضت على قماش ثوب زفافها الذي وجد معه معاناه قوية أثناء صعودهم الدرج حتى لا تتعرقل به.

اقترب منها وهمس في أذنها. 

_ وقفتي ليه؟؟

اِرتجف جسدها بسبب أنفاسه التي لفحة صَفْحَةِ وجهها.

_ مالك يا حبيبتي بتترعشي كده ليه!
 
اِزدردت لُعابها واستدارت برأسها لتنظر إليه. 

_ هما راحوا فين؟ 

انفرج ثغره بإبتسامة صغيرة وتساءَل بجهل وهو يُمرر كف يده على خدها. 

_ هما مين؟ 

بصوت متعلثم ومتقطع ردت وهي تخفض رأسها. 

_ كل اللي كانوا معانا راحوا فين؟؟ 

لم يتحمل كل هذا وقهقه عاليًا حتى انقطعت أنفاسه. 

_ يا غلبك يا "عزيز"، بقى بقالنا فترة كاتبين كتب الكتاب وبقرب منك واحدة واحدة وبعلمك بشويش وجايه النهاردة تقوليلي هما فين؟ حاضر هقولك هما راحوا فين بس ندخل اوضتنا الأول. 

خرجت شهقتها بقوة عندما باغتها بحملها على ذراعيه وهتفت بإعتراض. 

_ نزلني يا "عزيز"، أنا مش عايزة ادخل الاوضة... "عزيز"، "عزيز".
 
اِستمرت في صراخها ونفض ساقيها ليتمتم بالحمد على مغادرة أولاد شقيقه المنزل هذه الليلة.

_ الحمدلله مقضيناش الليلة دي في الفندق ولا ولاد اخويا فضلوا موجودين معانا... كنت اتفضحت.
 
_ "عزيز" نزلني، خليني اروح لـ عمو.
 
وضعها على الفراش برفق وإلتوت شفتيه بإستنكار. 

_ لا يا حبيبتي أنا معنديش في قاموسي بند اسمه الاسترجاع.
 
زمت شفتيها بحزن ليتنهد بقوة. 

_ "ليلى" بجد فيكي إيه، ما هو لو جوازنا جيه فجأة كنت قولت فيه رهبة مني وإنك لسا متعرفنيش ومش متعوده عليا. 

_ أنا خايفة يا "عزيز". 

قطب جبينه بقلق وجلس جِوارها ثم إلتقط كفيها ليضمهم داخل كفوف يديه. 

_ خايفة من إيه، معقول خايفة مني يا "ليلى". 

أسرعت بهز رأسها إليه نافيه، فهي لا تخاف منه بل تخشى من حياتها الجديدة معه خاصةً أن أولاد شقيقه لا يتقبلوها رغم محاولتهم في إظهار سعادتهم له. 

داعب بكف يده خدها وابتسم. 

_ طيب فيه إيه مالك أنا احتارت. 

وواصل كلامه مازحًا لعلّه يستطيع إنتشالها من تلك الحالة التي لا يفهمها. 

_ على فكرة أنتِ ضيعتي من دماغي حاجات كنت ناوي اعملها اول ما دخلنا الأوضة. 

توردت وجنتيها خجلًا عندما فهمت مبطن كلامه. 

_ ولا اللحظة اللي شيلتك فيها.. بذمتك في عروسة تقول لعريسها نزلني.. 

_"عزيز" أنا... 

وضع إبهامه على شفتيها ليُقاطعها ثم حركه متسائلًا وهو يقرب وجهه من وجهها. 

_ أنتِ إيه يا "ليلى".
 
ابتلعت ريقها وهي تنظر إليه، فهي لا تستطيع الإفصاح عن خوفها له. 

اقتطف ثغرها في قبلة سريعة ثم نهض وهو ينزع رابطة عنقه التي ضجر منها. 

_ اتخنقت بجد منها، أنتِ مش حاسه بتقل الفستان؟
 
بتوتر أجابته وهي ترفع بيديها طرفي ثوب الزفاف حتى تنهض.
 
_  هو فعلاً تقيل أوي. 

ثم إلتفت بجسدها وكأنها تبحث عن شئ ضائع منها. 

_ حبيبتي مالك تايهه كده ليه، الحمام قصادك اهو والدريسنج روم كمان اهي.
 
تعلقت عيناها به وأخفضت رأسها لترد عليه بصوت خفيض. 

_ أه انا هدخل الحمام.
 
تمالك نفسه من الضحك بصعوبة وقبل أن تتحرك نحو المرحاض إلتقط ذراعها قائلًا:

_ خليني الأول اساعدك.
 
انفرجت شفتيها بطريقة مضحكة مع اتساع حدقتيها ليبتسم على مظهرها المضحك. 

_"ليلى" اهدي، أنا مش هاكلك أنا هشيلك دبابيس الطرحة بس وبعدين يا حبيبتي هنصلي وهنتعشى وننام... شايفه كل حاجه بسيطه إزاي.
 
شتتها بحديثه الذي حاولت تصديقه بأن الليلة ستمر ببساطة  وليس كما أخبروها أمس في ثرثرة النميمة التي جلست بها مع الخالة "صفية" و زوجة عمها. 

نظرت إليه وهو يتأفف وتساءَل بنفاذ صبر. 

_ هما حاطين كام دبوس فيها. 

ردت بإرتباك. 

_ أنا هكمل فكها لوحدي خلاص.
 
توقف عما يفعله ونظر إليها بنظرة عابثة. 

_ مش قولت خليني اساعدك. 

بعد مرور وقت جعله يتأكد من صعوبة تحمله لأمور كتلك. 

_ أخيرًا خلصنا من الطرحة.
 
هتف بها ثم زفر أنفاسه براحه، فابتسمت بتوتر وهي ترفع طرفي ثوب زفافها لتتحرك. 

_ هدخل اقلع الفستان. 

قبض على ذراعها بخفة وصدح صوته بإعتراض. 

_ ودي تيجي برضو يا "لولو"، ينفع برضو مكملش دوري وافك السوسته. 

لم يمهلها لتستوعب ما يخبرها به، فامتدت يده أولًا نحو مِشبَك شعرها وإلتقطه. تناثرت خُصلات شعرها بين أصابعه وأخذ قلبه ينبض بعنف وهو يراها كيف تُحرك رأسها حتى تبتعد تلك الخُصلات التي اِنسدلت على جبينها. 

_ "ليلى". 

همس اسمها بخفوت وأغلق عينيه، فـ حُسنها يخطف أنفاسه ويفقده صوابه لكن عليه التحكم بمشاعره حتى لا يضعف ويُكرر حياة شقيقه.
 
استندت على ذراعيه بعدما شعرت بأن ساقيها صاروا كالهلام، فهو يغزو أنوثتها التي تتفتح معه بطريقة لا يفهم سواها ومع تجاوبها معه كانت الطريقة تترسخ داخل رأسه. 

سقط ثوب الزفاف ليهمس وسط عاطفتهما المشتعله. 

_ وكده خلصنا من مهمه الفستان كمان. 

فتحت عيناها تُحاول أن تستوعب ما قاله ثم نظرت إليه بصدمة قبل أن تتحرك عيناها نحو الفستان وسُرعان ما كانت تركض من أمامه نحو الحمام وهي تُداري الجزء العلوي من جسدها. 

ضحك بقوة على فعلتها وتنهد قائلًا:

_ هسيبلك الأوضة عشان تاخدي راحتك.
 
غادر الغرفة لحاجته للإنفراد قليلًا بنفسه. 

استندت بظهرها على باب الحمام ومازالت ذراعيها تُحاوط بهما ما ظهر من جسدها.

استمر "عزيز" بالتحرك داخل إحدى الغرف بدون هواده إلى أن توقف عن الحركة متنهدًا بقوة وهو يُخلل أصابعه بين خصلات شعره.

فتحت "ليلى" باب الحمام برفق حتى تتأكد من عدم وجوده بالغرفة.

 تعلقت عيناها نحو باب الغرفة المغلق ثم أسرعت نحو الفراش لتلتقط ثوب النوم الذي وضعته زوجة عمها عليه. 

عادت إلى الحمام وهو تُحاول إلتقاط أنفاسها الهادرة وسُرعان ما كانت تتسع عيناها في دهشة وهي تُقلب قميص النوم بين يديها. 
... 

رفع "عزيز" يديه داعيًا بعدما انتهى من ركعتي السُنة راجيًا من الله أن يريح عقله. سحب نفسًا عميقًا ثم غادر الغرفة واتجه نحو غرفة نومه.

 طرق الباب قبل دلوفه لتتجه عيناه على الفور نحو باب الحمام المُغلق.
 
أخذ يتحرك بالغرفة إلى أن انتبه على فتحها لباب الحمام ببطء.

 تلاقت عيناهما، فاقترب منها وهو يزدرد لُعابه ورغم طول المئزر وحشمته إلا أنها فتنته بجمالها. 

_ هنصلي؟ 

قالتها بصوت متقطع دون أن تنظر إليه لينفرج ثغره بإبتسامة صغيرة ثم وضع يده أسفل ذقنها حتى ترفع رأسها.

عادت عيناها تأسر عينيه وقد قاوم رغبة لسانه المُلحة في إخبارها كم هي جميلة وفاتنه ويهيم بها عشقًا لكن الكلام انعقد على طرف لسانه... 

_ طيب اجهزي عشان نصلي. 

أومأت برأسها إليه وتجهزت للصلاة لتتعلق عيناه بها بندم. 

أطرق رأسه بضيق، فهو يخاف من ضعف نفسه أمامها... ولا سبيل أمامه إلا أن يكون جافي معها في نقطة ما. 

انتهوا من الصلاة والدعاء، فتساءَل وهو يراها تبتلع ريقها. 

_ جعانه؟؟ 

حركت رأسها نافية وهتفت بصوت خافت بالكاد سمعه. 

_ هو إحنا هنسافر فين بكره؟ 

ابتسم وهو يَمُد يده لها حتى يُنهضها وأجلسها على الفراش قائلًا بصوت رخيم. 

_ بكرة مش بعيد وأكيد هتعرفي، بس قوليلي بجد مش جعانه. 

ردت وهي تخفض رأسها. 

_ لأ مش جعانه، هو أنا ممكن أنام.
 
لم تتوقع رده وقد صدقته. 

_ أكيد هنام يا "ليلى"، تفتكري بعد اليوم الطويل ده هنعمل إيه.
 
اختفي توترها قليلًا، فالتمعت عيناه بوهج ماكر لم تراه. 

_ هنام بجد.
 
ضحك على تساؤلها وأشار نحو الفراش. 

_ أه طبعًا هنام، بس قوليلي يا
"ليلى" هتفضلي بالطرحة وبإسدال الصلاة. 

رفرفت "ليلى" بإهدابها وانفرجت شفتيها بإنفراجة خفيفة وقد اعتاد على تلك الفعله منها. 

_ اه، هقلعهم.
 
أشاح وجهه حتى لا يضحك و تمتم بنبرة خشنة. 

_ اه يا حبيبتي اقلعيهم عشان تعرفي تنامي كويس. 

بحرج خلعت عنها جلباب الصلاة لتتسع عينيّ "عزيز" بذهول عندما وجدها تُشدد من عقد مئزرها. 

_ أنت هتنامي بالروب يا "ليلى".
 
نظرت إلى ما ترتديه وتساءَلت: 

_ ليه هو مينفعش أنام بيه؟ 

بصوت خفيض أخذ يدعو لنفسه بالصبر ثم تسطح على الفراش. 

_ لا يا حبيبتي نامي كده مفيش مشكله عندي خالص. 

زفرت اِرتياح أطلقتها من بين شفتيها وقد أغمض جفنيه مغمغمًا.
 
_ تصبحي على خير يا "ليلى".
 
زال قلقها بالكامل واتجهت نحو الجهة الأخرى من الفراش بعدما أغلقت إضاءة الغرفه. 

إلتقطت الوسادة الصغيرة التي أزاحها من أسفل رأسه وكادت أن تضعها في حضنها لتنفلت شهقة صغيرة منها ضاعت مع شفتيه وقد قذف الوسادة بعيدًا متمتمًا وهو يزيح عنها مئزرها. 

_ ملهاش لازمه المخدة يا حبيبتي. 
....

التجهم هذا الصباح يحتل ملامح وجهه بطريقة واضحة للأعين ليتلاشى هذا التجهم سريعًا عن ملامحه عندما أخبرته إحدى الموظفات المسئولة عن تنسيق مواعيده عبر الهاتف بـ اسم إحدى المضيفات في شركتهم وتُريد مقابلته. 

_ خليها تدخل فورًا. 

وقف "صالح" وسط الغرفة حتى يستقبلها، لتدخل "سما" وعلى محياها ابتسامة واسعه وقالت عند دخولها. 

_ كابتن "صالح" بنفسه واقف يستقبلني وكمان مبتسم ليا، ده قالولي قبل ما ادخلك بلاش. 

ابتسم "صالح"، فاستطردت بمزاح. 

_ قولت لنفسي معقول "زوزو" نكدت عليه، فجاي ينكد علينا إحنا. 

قهقه "صالح" وأشار إليها حتى تجلس. 

_ طيب وصي بقى بنت عمك عليا. 

شهقت "سما" بذهول وهي تجلس على المقعد الذي أشار عليه. 

_ لأ مش معقول "زوزو" مزعلاك، شكلي فعلاً أنا السبب زي ما جدو قال. 

لم تعطيه "سما" فرصة للكلام وأخذت تعتذر منه عما حدث منها قبل ليلة أمس ليُقاطعها "صالح" بصعوبة حتى تتوقف عن ثرثرتها. 

_ "سما" الموضوع منتهي خلاص ومفيش مشكلة حصلت بيني وبين "زينب". 

إلتقطت "سما" أنفاسها وهتفت بتساؤل. 

_ يعنى اطمن ولا محتاج مني اقرص ودن "زوزو". 

ضحك "صالح" وجلس قُبالتها.

_ يعنى اقرصيها ليها على خفيف. 

ابتسمت "سما" وحركت رأسها وهي تغمز له. 

_ عنينا ليك يا كابتن، ومتقلقش دايمًا هكون متحالفه معاك بس اهم حاجه الامتيازات اللي هاخدها في الشغل. 

استرخي "صالح" في جلوسه وهَـز رأسه بتأكيد. 

_ مادام في تحالف ما بينا، اطلبي زي ما انتي عايزه.
 
على الفور ردت وهي تهندم  لياقة قميصها. 

_ عايزة أجازة لمدة أسبوع، وعايزة الترقية بتاعتي يتمضي عليها.
 
أماء "صالح" برأسه وهتف متسائلًا. 

_ هي دي بس طلباتك يا "سما". 

اِتسعت ابتسامتها ونظرت إليه. 

_ لو في حاجه تانية اكيد هطلبها من غير تردد. 

قهقه "صالح" هذه المرة بقوة وقد تعجب "كريم" مساعده من سماع صوت ضحكاته. 

_ وأنا عند وعدي. 

نهض من مكانه وتحرك نحو طاولة مكتبه حتى يرفع سماعة الهاتف. 

_ هنفذ الاتفاق فورًا بس طبعًا بعد إستلام مقطعين الڤيديو وبعد ما تمسحيهم من على تليفونك.
 
رفعت "سما" أحد حاجبيها ومررت أصابع يدها على خديها وهي تُفكر. 

_ بس أنا وعدت جدو و "زوزو". 

بنبرة هادئة وماكرة هتف. 

_ هو أنا غريب يا "سما" وكمان يرضيكي يكون عندي فضول كده. 

_ هي "زوزو" مش بترقص ليك. 

إنفلت هذا السؤال من بين شفتي "سما" وهذه المره تقوس حاجبيها في ترقب لـ رده. 

_ للأسف لأ، "زوزو" لسا بتتكسف مني. 

قالها "صالح" بعبوس مصطنع لتخرج شهقت "سما" بقوة. 

_ بتتكسف، اومال بدلتين الرقص اللي بترتر جبناهم ليه...

اخترق كلام "سما" أذنيه وتحركت داخله تلك المشاعر التي أوقدتها هي دونًا عن جميع النساء اللاتي فرضن أنفسهن عليه. 

_ عايزه اقولك إن البت "زوزو" شاطره اوي في الرقص، موهبة جبارة مش عارفه الأروبة دي اتعلمت ده فين. 

ليته ما تمادى بحديثه مع "سما"، فكيف سيخمد تلك النيران التي اشتعلت بجسده. 

_ اصبر عليها يا كابتن وهتشوف الدلع كله. 

صمت "صالح" جعل "سما" تشفق عليه، واقتربت منه تَمُد يدها له. 

_ أنت استغلني صح وهتشوف احلى نتيجه اهم حاجه الامتيازات يا كابتن. 
... 

أطرق "شاكر" بعصاه أرضًا بعدما تلقى مكالمة من أحد رجاله يُخبره فيها بمكوث "صالح" ليلتين بالفندق وقد مدَّ إقامته لمدة أسبوع. 

_ يعني اشتريت الشقة اللي قصادك وفتحتهم على بعض ودلوقتي قاعد في فندق... وانا سيبتلك القاهره وجيت العزبة يمكن تعرف تقربها منك وتجبلي الحفيد لكن شكلك عايزني ارجع اخطط تاني ليك يا ابن "صفوان" ما أنا مش هستنا كتير عشان اشوف حفيد تاني ليا. 
...
... 

استقلت "سما" سيارتها وعلى شفتيها ابتسامة واسعة بعدما حصلت على الإجازة. 

_ اروح اجهز نفسي للرحلة. 

إلتقطت هاتفها لتقوم بفتح صفحته الشخصية على أحد مواقع التواصل الإجتماعي وقد اعتاد على ذكر اسم البلد التي يذهب إليها لحضور المؤتمرات الطبية ومن حظها أن المؤتمر يُقاوم في مدينة شرم الشيخ. 

_ ما أنت دخلت عقلي يا دكتور ومبقاش أنا "سما" حفيدة اللوا "نائل" إلا ما خليتك تحبني. 
... 

رغم صعوبة ليلة أمس عليها وما مرت به إلا أن إستلامها اليوم لراتبها بعد إتمام إحدى مستويات اللغة الفرنسية لطلابها وامتنانهم لها واستمرارهم معها في إستكمال بقية المستويات بعث في روحها الحياة مجددًا. 

_ "زينب". 

نادتها إحدى زميلاتها بعدما غادرت غرفة مكتب السيدة "كاميليا" مديرة المعهد. 

_ ممكن لو مروحة ومش هضايقك تاخديني معاكي لأول الطريق. 

ردت "زينب" عليها بحبور. 

_ هتضايقيني ليه بس يا "نسمة". 

رمقتها "نسمة" بنظرة ممتنة وسارت جِوارها ولم تتوقف عن مدحها بأخلاقها ورقتها. 

_ الحمدلله إني شخص خفيف وحبتوني بسرعه في المعهد. 

_ أنتِ تدخلي القلب بسرعه يا "زينب" من غير مجامله بجد. 

تحركت "زينب" بالسيارة وردت مبتسمة. 

_ وأنتِ كمان يا "نسمة". 

لم تمر سوى خمس دقائق على تحركهم بالسيارة لتهتف "نسمة" قائلة:

_ ايوة اقفي هنا، الحمدلله النهاردة استلمت مرتبي ورايحة اجيب فاكهه ليهم في البيت، الولاد عندي بيحبوا المانجة والفراولة اوي. 

_ ربنا يخليهوملك. 

اِبتسمت "نسمة" إليها ومَدت يدها لتفتح باب السيارة حتى تترجل منها لتضيق حدقتاها وتنظر إليها. 

_ محل الفاكهه ده ممتاز إيه رأيك تدخلي معايا يمكن تشتري ليهم حاجه. 
... 

تحرك "صالح" بمقعده وهو يُحملق بشاشة هاتفه وقد تعرق جبينه، فَــ "سما" أجادت تصويرها واستغلت بالفعل إنفرادها بتلك الرقصه التي أثارته. 

احتقن وجهه لظهور بعض من مفاتن جسدها ولولا معرفته بوجود النساء فقط بذلك الحفل اللعين لكان الأمر انقلب عليها. 

زفر أنفاسه وهو يقبض على هاتفه بقوة ثم اِرتسمت الصدمة على ملامح وجهه، فوالدته قامت بتصويرها وحتى صغيره وأيضًا "سما"، فهل الباقيين لم يقُمن بتصويرها؟ 

انتفض من على مقعده لتخيل الأمر وتحرك بخُطوات سريعة... 

تعليقات



×