رواية بحر ثائر الفصل الرابع 4 بقلم اية العربي

 رواية بحر ثائر الفصل الرابع بقلم اية العربي

عن مشاعر من كانت تتنعم بدلال أبويها وتتقلب في نعيم حنانهما وتتشرب الأمان حد الظمأ لتستقيظ فجأة على فاجعة قلبت حياتها رأسًا على عقب حتى باتت تتمنى الموت وتتبعهما .


سنواتها مرت كأنها حلمًا رائعًا لم ترَ فيه سوى الجنة ولم تسمع سوى صوت ضحكاتها لتستيقظ على واقع فقدهما ومعاملة عمها وزوجته الباردة .


هجمت عليها المآسي والأحزان خاصة بعد توبيخه لها اليوم ، كانت تعلم يقينًا أنه علم بشأن ذهابها مع غريب إلى مكان شعبي ، لم تبالِ بردة فعله ولم تهتم خاصةً وأنها لم تخطئ ولكنه بالَغ للحد الذي جعلها تقف متصنمة لم تستطع الرد عليه برغم أنها قادرة على الرد .


وقْع كلماته عليها ذكرها بيتمها ووحدتها واحتياجها للأهل وللأسف قد فات أوان اتخاذ قرار صارم والمكوث في منزل خاص بها ، هي أضعف من اتخاذ هكذا قرار .

1


أزاحت الدمعة التي سقطت من عينيها على صورة والديها التي تمسك بها ثم رفعتها تقبلها مطولًا وتعتصر عينيها لتسقط الدموع مجددًا على الصورة التي كادت أن تنطق أو هكذا تمنت ، ليتهما يحدثانها حتى لو من خلال صورة ، تريد أن تلقي بنفسها داخل أحضانهما فلم تعد تحتمل ، ليتها سمعت كلام والدها حينما كان يتقدم لطلبها الكثير ولكنها رفضت وصممت على عدم رغبتها في الزواج آنذاك .


أما الآن فهي ترغب بالزواج ، ترغب برجلٍ يحمل طباع والدها ، لا ترغب بطامع أو قاسٍ أو مستغلٍ ولا تعلم كيف تميز بينهم فهي فقدت قدرتها على تحديد نوايا البشر بعدما رأت حقيقة عمها وزوجته .


طرقات على باب غرفتها جعلتها تسرع في إخفاء صورة والديها وتجفيف دموعها ولملمة شتات نفسها قبل أن تسمح للطارق بالدخول .


دلف ماجد يطالعها بترقب ويتقدم مبتسمًا يقول بنبرة لينة :


– بتعيطي صح ؟ مافيش داعي تخفي دموعك عني ، بابا حكالي على اللي حصل .


ابتسامة ساخرة صدرت منها ثم زفرت وأفسحت له المجال كي يجاورها .


ماجد يعد شقيقًا لها ومعينًا لها على هذه الأيام وتلك المعاملة من والديه ، دومًا كان هو الطرف الأكثر تفهمًا وحنانًا عليها خاصةً وأنه منذ أن وطأت قدميها فيلا عمها للعيش فيها أخبرها أنها بالنسبة له شقيقة له وسيعمل دومًا على حمايتها ومساندتها ومع ذلك يصر عمها وزوجته على إقناعها بالارتباط به .


جلس ماجد أمامها يتطلع على ملامحها بشرود ثم تابع بنبرته الرخيمة :


– تصرفات بابا أوفر شوية بس صدقيني نابعة من خوفه عليكي


– ماجد لو سمحت ماتحاولش تقنعني .


قالتها بجدية وثبات ليتنهد مشيحًا بوجهه عنها ثم أطرق رأسه وشبك كفيه يسترسل موضحًا :


– طيب تحبي اقولك إنه بيكرهك ومش هامه أي حاجة متعلقة بيكي ؟ أنا بحترم ذكائك جدًا وعارف إنك فاهمة وجهة نظره .


تلاعب بحيل الإقناع فطالعته بتمعن تستشف مقصده ليتابع وهو يحدق بها :


– يمكن لو كنتِ كلمتيه وشرحتيله اللي حصل معاكي ماكنش زعل منك ، هو حاسس إنك متجاهلة وجوده دايمًا .


شعرت أن به شيئًا غريبًا قد طرأ عليه فلم يعد هو المتفهم لحالتها بل اتخذ موضع الدفاع والتبرير لوالده لذا احتدت ملامحها وهي تجيبه بنبرة مضغوطة :


– واكلمه ليه وهو عارف كل تحركاتي وبتوصله أول بأول ؟ باباك متعمد يحطني دايمًا جوة دايرة الاتهام وإنت عارف كدة يا ماجد ولو فعلًا يهمك مشاعري ماتحاولش تبرر اللي عمله .


زفر بقوة وصمت لثوانٍ ثم عاد يطالعها وتساءل بنبرة لطيفة :


– طيب ممكن تحكيلي إيه اللي حصل معاكي ؟ أنا لا براقبك ولا عارف تحركاتك ولا فهمت حاجة من كلام بابا لإنه كان متعصب ، ممكن تحكيلي إنتِ ؟ وده علشان أنا فعلًا حابب اعرف الموضوع مش لأي سبب تاني .


هذه هي طريقته التي تحبها لذا انسحبت بأفكارها إلى داغر وما حدث لتبدأ بإخباره مردفة :


– أبدًا فيه عربية دخلت في عربيتي في الإشارة بدون قصد ولما نزلت لقيته شاب ومعاه أخته ، اعتذر مني وصمم يصلح لي العربية بنفسه لإنه مهندس ميكانيكا وعنده ورشة وأنا وافقت وروحت معاه لحد الحارة بتاعتهم وفعلًا صلح لي العربية ورجعت علطول .


أومأ وتوزعت على ملامحه براعم التفهم والتزم الصمت لثوانٍ ثم مد يده يمسك بكفيها بين كفيه ويسترسل موضحًا :


– طيب يا بسمة أنا فاهم كويس وجهة نظرك بس لازم تعرفي إن مش أي حد نثق فيه ، إنتِ شخصية معروفة ، شابة جميلة ومثقفة وغنية ولازم تاخدي بالك كويس من اللي حواليكي خصوصًا المواقف اللي بتحصل على شكل صدف وهي ممكن تكون غير كدة .


وجدها تحدق به بتعجب بعدما سحبت يديها من بين كفيه فهي لا تحب لمساته حتى لو كانت بدافع الود والأخوة ، شعر بذلك لذا تابع بتروٍ :


– إحنا أكيد مش هنفترض سوء النية بس لازم تاخدي بالك كويس ، الزمن ده صعب وبلاش تثقي في أي حد خصوصًا لو كانوا ناس من طبقة شعبية ، الناس دي معظمهم بيكون عندهم عقدة ضد أي حد غني وممكن يخططوا كويس جدًا علشان يوقعوه ، كل المطلوب منك تاخدي بالك كويس جدًا .


نهض بعدها ثم انحنى دون ملاحظتها وقبل رأسها لتشعر بالضيق والحرج ولكنه ابتعد يطالعها مبتسمًا واسترسل قبل أن يغادر :


– تصبحي على خير ، ومش عايز ألمح دموعك تاني ، المرة الجاية لو لمحتك بتعيطي هتتعاقبي .


ابتسمت بتكلف وأومأت له مردفة :


– شكرًا يا ماجد .


– العفو .


قالها وتحرك يغادر وأغلق الباب وجلست هي تستعيد كلماته داخل عقلها ، تفكر وتتصيد ما حدث جيدًا ، هل يمكن ألا تكون صدفة وأن ما حدث مدبرًا من هذا المهندس ليوقع بها ؟


نفضت رأسها برفضٍ وهمست تقنع عقلها :


– لا يا بسمة ماتخليش حد يشكك في مشاعرك ، لو كان كدة كنتِ حسيتي أكيد .


صمتت لبرهة ثم تابعت كأنها شخصان :


– بس بردو لازم تاخدي بالك كويس .


❈-❈-❈


عاد داغر من عمله ليلًا ودلف منزله يلقي السلام على منال التي تجلس تشاهد التلفاز وتجاورها دينا تتصفح هاتفها .


اتجه للحمام يغسل يديه ثم عاد يرتد على الأريكة ويزفر بتعب ثم مد يده يصفع دينا على مؤخرة رأسها باستفزاز جعلها تنزعج وتتأوه تاركة هاتفها جانبًا تتحسس رأسها ليقول بنبرة مشاكسة :


– شوفتي أخوكي داخل البيت تعبان قوم إجري عليه استقبليه وهتيله ماية بملح يحط رجله فيها .


تجهمت ملامحها وقهقهت بسخرية تجيبه :


– لا ياشيخ ؟ وهو أنا كنت خلفتك ونسيتك ؟


نظرت لها منال بعيون محذرة ونطقت :


– دينا اتكلمي مع أخوكي كويس عيب كدة .


شعرت أنها تمادت معه ولكنه دومًا يدللها ويستفزها في آنٍ واحد لذا فهي تتخذه أبًا وأخًا وصديقًا ، زفرت بقوة تدلك رأسها مكان صفعته واسترسلت :


– مهو لو يبطل يضرب بإيده اللي زي المرزبة دي ، هيجيلي ارتجاج بسببه .


تملكه الحنين الذي جعله يمد يده نحوها ويتحسس رأسها قائلًا بنبرة خشنة مبطنة بالحنان :


– لا متخافيش راسك مافيش أنشف منها ، لو حصل ارتجاج هيبقى لإيدي أنا .


تنافت نبرته مع لمسته التي أحبتها لذا نهضت تردف بحمحمة تداري بها رضوخها لطلبه :


– دمك خفيف موت ، أنا هروح أجيب الميه بملح بس إنت اللي تدعك رجلك يا حبيبي مش مراتك أنا .


تحركت نحو المطبخ وهى تتمتم بحنق :


– ماتروح تتجوز يا أخي بدل ما انت تاعبني معاك كدة .


ابتسم عليها وفرد ظهره على الأريكة يغمض عينيه قليلًا بتعب ، طالعته منال وهي تفكر أتخبره بمكالمة طليقها لها أم لا ، وكالعادة هجمت عليها التناقضات وظلت تطالعه ليستشعر نظراتها لذا تساءل دون أن يبصر :


– قولي يا ماما فيه إيه ؟


تعجبت وتوترت في آنٍ واحد فهو كالعادة يشعر بها وبصمتها وبنظراتها لذا قررت أن تصارحه فهي لم تعتد إخفاء شيء عنه لذا تحدثت بقلقٍ تفشى بها :


– هقولك يا داغر بس اوعدني تسمعني من غير عصبية .


حينما يغضب داغر يتحول ، فكما يقولون اتقي شر الحليم إذا غضب لذا فهي تخشى غضبه ليطمئنها قائلًا بعدما فتح عينيه والتف يطالعها :


– طيب ماشي قولي .


تنهدت بقوة ثم استرسلت وعينيها تبحر في عينيه :


– أبوك كلمني النهاردة .


معركة قتالية جنونية قامت داخله ، ثوران رمال ذكرياته مع اشتعال نيران عجزه وسط سهام انتقامه كونت حربًا دامية داخله لم يظهر منها شيئًا سوى بروز عروق وجهه ويده وعينيه التي تشبحت بالاحمرار وهي تتابع مسرعة بعدما رأت حالته :


– ماكنتش هرد عليه بس هو مابطلش رن أتاريه عايز فلوس سلف منك ، بس أنا ماسكتلوش يا داغر .


جاءت دينا تحمل ماجورًا بلاستيكيًا به ماءً وملحًا وقد استمعت إلى الجزء الأخير من حديث والدتها وشعرت أنها تتحدث عن والدها وكادت أن تحتد ولكن انتفاضة داغر من مكانه كانت قوية لدرجة أنها أوقعت ماجور الماء أرضًا وتراجعت للوراء تنظر بصدمة للماء قبل أن تنتبه لحركة شقيقها واندفاعه نحو الباب ومنال تلحق به وتصرخ :


– لاء يا داغر استني رايح فــــــــــــــين .


أزاحها واندفع يغادر لتلحق به دينا نحو الدرج وكذلك منال ولكن دينا كانت أسرع منها حيث وصلت إليه قبل أن يندفع للشارع ووقفت أمامه عند مدخل البيت تطالعه بدموع وتوسل مسترسلة :


– داغر ماتروحلوش يا داغر علشان خاطري ، مايستاهلش .


لم يكن يراها بل استمرت المعركة المقامة داخله ورمال الذكريات تحجب عينيه عن رؤية أحد لذا أزاحها بقسوة وتحرك يغادر ويغلق الباب خلفه لتبقى دينا تصرخ باسمه ومنال تبكي ندمًا لاعنة نفسها على مصارحته .


التفتت دينا تنظر لوالدتها بغضب وبصقت الكلمات بهمجية نابعة من خوفها على شقيقها :


– لو جراله حاجة هتبقي إنتِ السبب ومش هسامحك أبدًا ، هتفضلي إنسانة ضعيفة طول عمرك بسبب واحد أناني مابيهموش غير نفسه وبس .


قالتها وتحركت تصعد للمنزل ببكاء وهي لا تعلم بمن تستنجد ليلحق بشقيقها ، كادت أن تهاتف كمال زوج ديما ولكنها تعلمه جيدًا ، سيشمت بهم لا محالة لذا باتت تدعو الله أن يمر الأمر بسلام .


❈-❈-❈


خرج من حمامه يرتدي بنطالا وتي شيرت بدون أكمام والمنشفة على كتفه ، وقف يحدق بها وهي ترتمي بإهمال على الأريكة ورأسها متدلي وخصلاتها مبعثرة على وجهها من أثر الشرب .


تمتمت بكلمات لا يميزها ، نزع المنشفة عن كتفه يليقها جانبًا فظهر وشمه الذي يحتل جزءًا من صدره وذراعه ومنكبه الأيسر ، ذلك الوشم الذي مر عليه أكثر من عشر سنوات حينما ترجته أن يرسم صورتها على يساره ليثبت لها حبه واضطر لرسمه في ذكرى عيد ميلادها ليفاجئها به ولتتأكد من حبه هي ووالدها الذي دومًا يكرهه نسبةً لأصله ، وبرغم أن هذا أقل الاختبارات التي تعرض لها إلا أن وقعه عليه أقوى من غيره بكثير .

1


ولكنها لم تكن مفاجأة سارة بالنسبة لمارتينا حينما رأته ، لقد طلبت منه صورتها هي وليست تلك المرأة التي تختبئ خلف وشاح لا يظهر منها سوى بعض الخصلات وعينين تحملان نظرة لا تشبه نظرتها قط ، نظرة لا تفهمها بدت كوطنٍ دافء يحمل مزيجًا من الحزن والحنان والاحتياج لمواطنيه .

1


استطاع إقحامها في نوبة مشاعر آنذاك سيطرت على اعتراضها على رسمته وبالفعل رضخت مستسلمة خاصةً وأنه فعلها من أجلها .


خرج من أفكاره على ندائها عليه فاتجه نحوها يردف بثبات جعله كجبل جليد :


– مارتينا هيا انهضي واغسلي وجهكِ ريثما أعد لكِ قهوة ، يجب أن تغادري الآن .


تحاملت تحاول النهوض تحت أنظاره ثم ألقت بنفسها عليه تضحك بصخب ويديها تتحسسه قائلة بتخبط :


– اشتقت لك ثائر ، دعنا نقضي ليلة رائعة ، ألم تشتَق لي؟


برغم سكرها إلا أنها كانت تلعب على غريزته الرجولية التي تعلم جيدًا أنها دومًا تتجاوب معها ، تلمست تلك النقطة الرجولية فيه وها هي تتلاعب على أوتارها ولكن .. إن استطاعت غريزته الرجولية إذابة جليده لن تفلح مع ذكائه الذي عُرف به لذا أبعدها عنه يردف بهدوء ويده تملس على خصلاتها :


– نحن انفصلنا مارتينا ، يجب أن تتذكري هذا دومًا ، وتعلمين جيدًا أنني لن أمارس معكِ علاقة غير شرعية .


– لنتزوج مجددًا ، أرجوك ثائر أنا لم أعد أحتمل بدونك .


أجلسها مجددًا نسبةً لترنحها وسحب مقعدًا يجلس عليه بشكلٍ معاكس ويطالعها مردفًا بغموض :


– كُنا مارتينا ، كنا متزوجين ولكنكِ اخطأتِ معي كثيرًا ، ليس من السهل نسيان ما حدث منكِ ومن والدكِ في حقي .

1


مدت يدها تتحسس ملامحه وبعيون نصف مغلقة ووجهٍ مائل تابعت وهي تشعر بحاجة ملحة للنوم بعدما بات رأسها يدور بصخب :


– ألن تسامحني أبدًا ؟ لأجل الحب الذي أحببته لك ، أو ليكن من أجل معاذ .


لم يرد صفع باب الأمل أمام سطوة مشاعرها لذا تابع وهو ينهض نحو ركن القهوة ليحضر لها كوبًا منها :


– دعي النسيان يأخذ مجراه يا مارتينا ، مازال أمامنا الكثير من الوقت .


زفرت بيأس وأملٍ في آن واحدٍ لذا مالت مجددًا لتغفو على الأريكة إلى أن يأتي بالقهوة .


❈-❈-❈


إياك واتهامي

إياك واحتقاري

إياك وظلمي

إياك والاستهانة بقوتي

فالكل مثالي ما لم يختبر . ( بقلم آية العربي )


دست المفتاح في فوهة الباب تديره ونبضات قلبها تكاد أن تخترق السمع نسبةً لتوترها ، فتحت الباب ودلفت تتمسك بصغيريها وتترقب القادم بشق الأنفس ، استمعت إلى بكاء حماتها لذا انحنت على صغاريها تهمس لهما بقلق :


– ادخلوا أوضتكوا واقفلوا عليكوا وماتطلعوش منها غير لما اندهلكم .


استشعر مالك الصغير خوف أمه لذا قال بغريزة دفاعية وهو يتمسك بها :


– لاء يا ماما أنا هقف معاكِ علشان بابا مايزعقلكيش .


قبلت يده بحنان وابتسمت حتى انفرجت ملامحها تجيبه :


– يا مالك يا أسد ، اسمع الكلام وخد اختك وادخلوا يالا وماتقلقش أنا وبابا هنتكلم ولو زعق بردو ماتطلعش .


أطاعها الصغير وتمسك بشقيقته ودلف غرفتهما يغلق الباب خلفه فاعتدلت تبحث بعينيها عن زوجها وتسمع بكاء حماتها الناحب ليتأرجح ضميرها .


لا تعلم هل تذهب إليها أولًا أم تراه ؟ ليأخذها خوفها نحو غرفتها لتراه أولًا ولتتحدث معه .


دلفت غرفتها لتجده يستند على الفراش يُدخن بشراهة وملامح وجهه لا تبشر بخير ، خطت نحوه حتى جلست أمامه وتحدثت متسائلة بهدوء :


– فيه إيه بس يا كمال ؟ إيه اللي حصل وليه ماما بتعيط ؟


نظر لها والغضب يتفجر في عينيه وعلى ملامحه ، ليتجاهل ما تفوهت به ويتساءل بهدوء سابق للعواصف :


– موبايلك فين ؟


نظرت لحقيبتها ثم دست يدها تخرج منها الهاتف وتناوله إياه بنية صافية مردفة :


– أهو .


نزعه منها بقسوة أجفلتها ولم تفق سوى على ارتطام الهاتف بعنف في الحائط المقابل له ليسقط أرضًا متهشمًا إلى قطع كبيرة متناثرة .


انكبت عينيها على الهاتف المتهشم الذي لم يكن سوى قلبها ، الهاتف بالنسبة لها هو المتنفس الوحيد عما يعتليها في هذا المنزل ، ليس مجرد آلة ترفيهية وإنما اتخذته بعد أولادها كمعالج نفسي يجعلها على تواصل بالآخرين برغم أنها لم تشتكِ يومًا ، هذا الهاتف الذي تحطم والذي يمكن بسهولة إصلاحه أو استبداله بآخر كان الجدار الفاصل بين صمتها وثورتها لذا التفتت تطالعه بعيون انفجرت بهما قنابل غضبها وبنبرة اندفاعية محطمة أردفت جاحظة :


– لـــــــــيه ؟ ليه كدة ؟ بتعمل ليــــــــــــه كدة ؟ بتعمل معايا ليــــــــــــــه كدة .


انتفضت من مكانها بعدما غزى الأدرينالين جسدها وباتت تردف بهستيرية نتجت عن كسر الهاتف وكسر خاطرها جعلته يطالعها بذهول :


– بتعمل معايا لـــــــيه كدة أنا عملتلك إيه ؟ أسأت لك في إيه ؟ قصرت معاك في إيه ؟ عايز تجنني صح ؟ إنت قاصد تحطمني ، قلت ساعتين ولسة ماكملتهمش ، خدمة وذل وإهانة وقهر ومعايرة وتكبر ومتحملة كل ده منك وساكتة ، فهمني بتعمل معايا كدة ليـــــــــــه ؟ بتدي لنفسك الحق تقل مني وتتحكم فيا زي المحكوم عليها حكم مؤبد ليـــــــه ؟ هو أنا مش مراتك ؟ أم أولادك ؟ شريكة حياتك ؟ أي مسمى من اللي بسمعه ليه دايمًا محسسني إني ولا حاجة ؟ ليـــــــــــــــه انطق .

1


صوتها ونبرتها وهيأتها ودموعها التي تآمرت عليها قيدوه عن الحديث ، حتى أن حماتها لم تعد تبكِ بعدما سمعت صراخها ، الهدوء عم المكان وكأن ضوضاء العالم كله لبت دعوتها داخلها في هذه اللحظة .

1


كان ينظر لها بصمتٍ وعجز عن قول شيء وكأن الخوف من اندفاعها قيده لينهض ينتزع قميصه من علاقة الملابس ويرتديه بعنف أظهره كي يحافظ على مكانته النرجسية ثم اندفع بعدها يغادر ويصفع الباب خلفه بقوة رجت الجدران ولم تهتز بها شعرة واحدة ، اعتادت على حدته ولم تعتد الجدران بعد .


ارتمت بعدها على الفراش تضع رأسها بين كفيها وتبكي وهي التي كانت قد حرمت البكاء على نفسها ولكنها كانت بحاجة لهذه الثورة وإلا ستتجلط الدماء في أوردتها وهذا ما باتت تلاحظه مؤخرًا حينما تغتسل ، تلك البقع المتجلطة توزعت على ساقيها بشكلٍ ملحوظ ومع ذلك صامدة تواجه الدنيا بضحكة يجزم من يراها أن هذه المرأة لم ترَ في حياتها شقاءً قط .


لا تعلم هل أصيب بالوهن أم أنها قوية لتتحمل كل هذا أم أنها منكسرة من تحطيمه المستمر لها أم أنها مذنبة في حق طفليها ونفسها ، لم تعد تعلم أي شيء سوى أنها مستنزفة .


❈-❈-❈


اندفع داخل محل والده يتجه إلى المكتب فلاحظه لذا أسرع ينهض ويتجه نحو العامل المساعد يستنجد به حينما هجم داغر عليه يقول بصوت جهوري :


– بترن على أمي ليــــــــــــــــــه ؟


حاول العامل تهدئة الأجواء بينما تحدث محسن بتوتر من هيئة ابنه :


– إنت بتعمل كدة ليه ؟ في حد يكلم أبوه كدة ؟


جن جنون داغر أكثر وتحدث وهو يحاول إبعاد العامل من أمام محسن الذي اختبأ خلفه :


– أيوة أنا ابن عاق ، أنا وأمي ناس مافيش فينا خير ، ابعد عننا بالتي هي أحسن واوعى مرة تانية تفكر بس مجرد تفكير ترن عليها ، إنت فــــــــــاهم ؟


لوح بيده يردف بعدما لاحظ تراجع داغر :


– خلاص ياخويا بالراحة على نفسك ، يا خسارة تعبي فيكوا .


قالها محسن وهو يطرق رأسه ويتجه لمكتبه بعدما تأكد من تراجع داغر ليطالعه الآخر بغضب وكره ويبصق الكلمات مسترسلًا :


– الظاهر كدة فلوسك حرام لا نفعت معانا ولا نافعة معاك دلوقتي ، بس ماتقلقش قريب أوي هييجي يوم وتشحت واوعدك مليم واحد مش هتاخده مننا يا محسن يا صابر .


زفر وتحرك يغادر ثم توقف حينما وجد زوجته تخطو للداخل وتتساءل وهي تطالع داغر بكرهٍ وغضب :


– فيه إيه وإيه اللي جايبك هنا ؟ رجلك دي ماتخطيش عتبة المحل انت فاهم ؟ يالا برا .


لم تبالِ بزوجها بل أنها استمدت التبجح والكره لهم منه لذا لم يحرك محسن ساكنًا بل أنه شعر بحقه يسترد عن طريقها لذا وقف يردف بتعالٍ يحتمي بها بعدما تقدمت منه :


– سمعت يالا ؟ برا يالا ورجلك ماتخطيش هنا تاني .


سكين صدأ غُرز مجددًا في قلبه وبرغم من أنه يدرك أن غضبه يعد نوعًا من أنواع العقوق إلا أنه أيضًا على قناعة بعقوق الأهل لأبناءهم .


برع في تمثيل اللا مبالاة لذا التفت يطالعهما بنظراتٍ استفزازية ونطق مجددًا بنبرة ذات مغزى خبيثة :


– وانت احسنلك ماترنش على أمي تاني وتكلمها .

1


اندفع بعدها يغادر وترك خلفه حربًا تندلع منها نحوه وهي تطالعه بجنون وتردف والنيران تندفع من نبرتها :


– نعم نعم نعم ؟ رنيت على مين سمعني كدة ؟


تلعثم محسن وانكمش جلده ليقول أمام العامل الذي هز رأسه برفضٍ لما يحدث :


– كنت عايزها تكلمه على ال ٥٠ ألف جنيه اللي محتاجينهم ، هو أنا يعني مكلمها احب فيها؟ اهدي يا فتحية ووحدي الله بس .


لم ولن تهدأ ولكنها أردفت بإيماءة متوعدة :


– حسابنا بعدين ، مش دلوقتي ، ابن عمي جاي دلوقتي وجايب الفلوس وبعد ما كان هيسلفك على ضمانتي أنا هخليه يمضيك على وصل أمانة علشان تبقى تكلم الهانم ، ولسة اصبر عليا يا محسن إن ما وريتك .


تجهمت ملامحه ومع ذلك لم يستطع الاعتراض بل بات يسب ابنه داغر بخفوت بعدما تسبب له في هذه الفوضى التي لم يحسب لها حسابًا حينما هاتف طليقته .


❈-❈-❈


نجح كعادته في انتشال غضبها ، يعلم أنها تهالكت من الحزن على فراق ولديها وخاصةً ثائر لذا فهو يتفهم جيدًا حالتها ويعلم أيضًا نوايا زوجة شقيقه .


يتمدد على الفراش ويحتويها ويفكر بشرود في الماضي والحاضر ، كيف يسعدها ؟ يده تجوب على كتفها يهدهدها كطفلة صغيرة بينما هي بدأت تغفو ورأسها على صدره .


تحبه حبًا جمًا ولولا وجوده معها لكانت أصيبت بالجنون منذ زمن بكل تأكيد ، دومًا معينًا يبسط لها الحياة برغم صعوبة العيش بدون الغوالي .


تحدث بترقب متسائلًا :


– نمتِ يا علياء ؟


تمتمت بخفوت وهي على وشك النوم ليتابع بحب وليونة :


– تحبي احكيلك قصة ؟


التوت شفتيها بابتسامة استطاع بها ترحيل العبوس عن وجهها وأجابته بنبرة هامسة :


– هترجعني طفلة تاني يا أمجد ؟


مال يقبل مقدمة رأسها وغزى بأصابعه خصلاتها يدلكها برفق ويسترسل بعاطفة :


– أي حاجة تبسطك وبايدي اعملهالك مش هتأخر ، إنتِ بس شاوري .


تنهدت بقوة وخطر على عقلها شيئًا واحدًا فقط وهو رؤية ثائر ولكنها تعلم جوابه جيدًا لذا باتت تتجنب الحديث عن هذا بعدما لاحظت صمته وتحول المناقشة إلى صراع ، أردفت بنبرة ناعسة وهي تحتضن خصره بذراعها :


– خليني انام في حضنك ، هو ده اللي هيبسطني حاليًا .


حاوطها واحتواها لتنام كما ترغب ولتشعر بالدفء الذي يحاول بثه فيها عل قلبها يستكين قليلًا .


❈-❈-❈


ليلًا .


أسوأ ما يمكن أن يفعله الرجل في زوجته هو الرحيل ، سواءً كان رحيلًا بالجسد أو بالمشاعر ، كلاهما مدمرًا لأي علاقة .

المرأة تريد الاحتواء ، حتى في خضم جنونها وانفعالاتها تكره أن تتركها ، حينما تخبرك بالابتعاد اعلم أنها تريد عناقًا ، وحينما تجبرك على الصمت اعلم أنها تريدك أن تتحدث بما يطمئنها ، هي هكذا تناقض نفسها لتصطاد حبًا متعطشة لتذوقه .

1


جلست على فراشها تهاجمها الأفكار من كل حدبٍ وصوب ، انتهت من مهامها كالعادة ولم يشفع حزنها للمهام أن تنتظر ، نام صغارها ونامت حماتها وجلست تناجي سكون الليل ووحشته .


تنظر للجهة المجاورة من الفراش وتبتسم بألم ، هل كثيرًا عليها أن تحظى برجلٍ ينام هنا ويحتويها بين ذراعيه ؟ أكثيرًا عليها أن تجد نفسًا دافئًا يلفح جسدها الذي غلفه الصقيع بقسوته ، أليس من حقها أن تسمع كلمة شكرًا على كوب قهوة تقدمه ؟


ابتسمت وكأنها ترى هذا الرجل الذي تتخيله ، تراه يحدثها عن عمله ويتحدث معها عن طفليهما ، أغمضت عينيها بعمق لتستشعر لمسة من يده على جسدها وهو يربت عليها بحنان ، مالت برأسها وهى تتخيله يطرب أذنيها بكلمة امتنان … ثم … أبصرت على سراب ووحدة ، سكونًا مرعبًِا يتبعه وحشًا خبيثًا يتوغل عقلها ولكنها دومًا تنتصر عليه .


لذا تبدلت أفكارها سريعًا تتذكر الكتاب الذي اقتنته من المكتبة لذا نهضت من الفراش تتجه نحو حقيبتها وتنتشل منها الكتاب ثم عادت أدراجها تتمدد على الفراش ومدت يدها تخفض الإضاءة ثم تنهدت بقوة تستعد لقراءته وليكن هذا أنيسها هذه الليلة .


بعد المقدمة التي رأتها ذكية لتجعلها تبحر في هذا البحر الثائر ولترى ما بداخله .


❈-❈-❈


جرعة السعادة التي ارتشفتها من لقائها بديما وصغيريها جعلتها متحمسة لرؤية حبيبها ، بل أنها استعدت لاستقباله بأبهى صورة يمكن أن يراها عليها .


فبرغم أن كمال كسر عود استمتاعهما إلا أنها قررت أن تفرح حبيبها دياب ، فاليوم موعد تبديل دوريته وسيعود بعد قليل فلتكن بانتظاره .


جهزت طاولة عشاء رائعة المظهر ومنمقة الترتيب ، بشموعٍ ارستقراطية ذات روائح منعشة زينت الأجواء وجلست تنتظره .


يستحق أن تهديه سعادة فهو لم يهدها سواها ، تعلم أنها أحيانًا تظهر حزنها وعدم تقبلها للحقيقة الواقعة في حياتهما وهذا الشيء خارج عن إرادتها ومع ذلك هو لا يكل ولا يمل من احتوائها أبدًا بل يحول حزنه إلى مراضاة لها .


انتبهت على صوته حينما فتح باب الشقة ودلف ينادي باسمها بنبرة مميزة :


– يسرا ؟


نادته من غرفتهما تجيب بنبرة تحمل الحب على متنها :


– أنا هنا يا حبيبي .


تحرك نحو الغرفة وهو يستنشق الرائحة التي جعلت نبضاته تعلو وتعلو حتى باتت تعزف لحنًا من السعادة حينما رآها تطالعه بابتسامة لونت ليلته مردفة :


– حمدالله على السلامة ، إيه رأيك ؟


ألقى حقيبته ونزع سترته يلقيها جانبًا وفك ربطة عنقه وهو يتقدم منها حتى توقف أمامها ينظر لها فقط ويداه ارتفعت تحاوط خصرها ويسترسل بحشرجة وحماس :


– رأيي في إيه ولا في إيه ؟ عيونك ولا ضحكتك ولا رقتك ولا ريحتك ولا جمالك ؟ كل حاجة منهم محتاجة حكاية لوحدها .


ابتسمت وتوردت بسعادة من وقع كلماته ورفعت كفيها تضعهما على كتفه متسائلة بدلال :


– بجد ولا بتجاملني ؟


– بصي في عنيا وانتِ تعرفي .


قالها بثقة وصدق لتحدق فيه قليلًا ثم أطرقت رأسها تضعها على صدره قائلة وهي تتعلق به :


– عارفة طبعًا ، وحشتني أوي يا دياب ، قلت أجهزلك سهرة حلوة النهاردة .


احتواها بسكينة وحزمة من المشاعر الجياشة تفشت داخله وهو يردف :


– أحلى سهرة في الدنيا ، كفاية إنها معاكِ .


قبلته على صدغه ثم ابتعدت عنه قائلة بنبرة مدللة :


– طب يالا أدخل اغسل ايديك علشان تدوق الأكل اللي عملته .


– حالًا .


قالها وتحرك مسرعًا نحو الحمام ليعود سريعًا ووقفت تتطلع على أثره براحة ، ممتنة كثيرًا لصديقتها ديما وطفليها ، تلك الصديقة القادرة على تبديل حزنها دون أن تدري ، وصغيريها اللذان يضخان ألوان الربيع في قلبها المشبح بالحزن دون أن ينتبها ، تدعو الله أن يرزق ديما سعادة مضاعفة تفوق تلك السعادة التي توزعها على الجميع ولم تترك لها نصيبًا منها .

1


❈-❈-❈


في التاسعة صباحًا..


أبصرت تفتح عينيها تترقب السمع فقد هُيّءَ لها أنها سمعت جرس الباب ، ارتفعت قليلًا تشعر بتخدر وجنتها لتجد أنها غفت أمس على الصفحة رقم ( ٢١ ) من كتاب بحر ثائر والتي دون في منتصفها نصيحة راقت لها كثيرًا وأثارت إعجابها بهذا الشخص الغريب ، لقد ساورها الشك بأن هذا الكتاب لنفس الشخص الذي ينشر منشورات مثيرة للجدل على موقع انستجرام .


فالكتاب عبارة عن بحر بحق ، بل أنه متاهة تدخلها ولا تستطيع الخروج منها بسهولة ، غامض غريب مثير للتعجب .


تلك النصيحة التي دونها جاءت لتربت على مأساتها قليلًا ، حيث دوّن بالفرنسية


( إن أردت التعبير عن غضبك الداخلي تظاهر بالبرود وانتظر قليلًا … ثم … كسّر كأسًا واِدّعِ وقوعها بالخطأ ، أو كسّر جسدًا واِدّعِ أنك تمارس الملاكمة ، ثم انعزل ليلًا في غرفتك حينما يظن الجميع أنك ستغفو وضع قلمك بين أصبعيك وخط في دفترك كل ما تشعر به دون أن يشعر بك أحد )

1


انتفضت حينما عاد الرنين يمحو نعاسها لتتأكد أن أحدهم يرن بالفعل لذا نهضت واتجهت ترتدي مئزرها ثم تحركت صوب الباب ومالت تتساءل بترقب :


– مين ؟


– أنا داغر يا ديما .


انشرح قلبها من سماع صوت شقيقها وفتحت الباب تطالعه بعيون تشتكِ وشفاهٍ متناقضة تبتسم مردفة :


– تعالي يا حبيبي ادخل .


طالعها بتفحص يحاول استكشاف ما بها ثم تساءل بنبرة قلقة :


– برن عليكي من بليل موبايلك مقفول ، إنتِ كويسة ؟


تذكرت أمر هاتفها وأخفت ملامح الانزعاج بسهولة تقول بوجهٍ بشوش :


– أيوة يا حبيبي بخير تعالى ادخل ، كنت خارجة أنا ويسرا والموبايل وقت مني واتكسر .


نظر لها بعدم تصديق ونطق بما شغل عقله :


– عمل فيكي حاجة يا ديما ؟


– كمال ؟ لا طبعًا .


نطقتها باستنكار كاذب يمكنها أن تبرع فيه أمام أي أحد عاداهُ هو لذا زفر بضيق وتحدث بنفاذ صبر :


– عمل فيكي إيه يا ديما ؟


مسحت على وجهها تستغفر ثم أبعدت كفيها تطالعه بهدوء واسترسلت بتروٍ :


– مافيش يا داغر ولو فيه حاجة ياما بيحصل في البيوت يا حبيبي وصدقني لو احتجت مساعدتك هتلاقيني مكلماك علطول ، وبعدين إنت عارف إن كمال من وقت تعب مامته وهو متغير مع الكل ، أدخل بقى تعالى ، هعمل فطار ونفطر سوا .


لا يعلم أيضحك أم يحزن على هذه الجميلة ، أتخدعه بكلماتها ؟ ألا يعلم من هو كمال وما هي طباعه التي ترعرع عليها ؟


دس يده في جيبه يخرج هاتفه ثم فتحه سريعًا ونزع شريحة الاتصال منه وناولها إياها يسترسل بصرامة :


– خدي خلي ده معاكي .


اتسعت عينيها وهي تعيده إليه مردفة برفضٍ صارم :


– لاء طبعًا هاخد موبايلك ؟ الموبايل معايا أهو هصلحه ماتقلقش ، أدخل بقى .


لن يدخل بالطبع ولكنه أعاد إليها الهاتف وتبدلت ملامحه للجدية المطلقة التي تعلمها جيدًا وأردف بنبرة لا تحتمل الاعتراض :


– خلي الموبايل معاكي يا ديما ومش عايز كلام كتير ، أنا هروح اشتري واحد دلوقتي وانتِ انقلي شريحتك هنا وابقي رني عليا لو فيه أي حاجة .


تنهدت بقوة تنظر له نظرة امتنان تعادل الدنيا ، شقيقها وسندها الذي تشدد به أزرها وتخشى عليه من نفسه وغضبه لذا اومأت وهي تتمسك بالهاتف وتردف بنبرة حنان خاصة به :


– طيب حاضر ، مش هتدخل بردو ؟


– معلش علشان الورشة ، يالا سلام وابقي هاتي العيال وتعالي هستناكي .


أومأت له تودعه بعدما تحرك يغادر وتركها تطالع أثره بشرود ثم أغلقت الباب ودلفت تفعل ما قاله لها .


❈-❈-❈


لم تكن المرة الأولى التي ينام فيها هنا ، بل أنه اعتاد أن يعاقبها بالهجر في الفراش فكان يصعد عند والدته ينام في الشقة العلوية لعدة أيام ولكن بعد مرض والدته ومكوثها معهما في نفس الشقة وجد أنه لن يكون عقابًا قاسيًا إن صعد ونام في الأعلى لذا قرر أن يأتي للنوم هنا في المحل التجاري الخاص به وليتركها تواجه سوء أفعالها .


هذه المرة الثانية التي يفعلها فهنا يبيع مستلزمات العرسان لتجهيز بيت الزوجية .


لم يأتِ العمال الذين يعملون معه بعد لذا نهض يزفر بضيق شاعرًا بالجوع ليسب ويلعن تلك البريئة من ذنبه .


سمع طرقات على باب المحل الزجاجي فتعجب واتجه ليرى من جاء الآن ظنًا منه أنهما العمال برغم أنهم يملكون المفاتيح ولكنه حينما وصل تفاجأ بسيدة شابة على قدرٍ من الجمال تلوح له .


اتجه يفتح الباب ويطالعها بترقب فتحدثت بأريحية :


– صباح الخير ، أنا لقيت الباب اللي برا مرفوع قلت أكيد فاتحين .


لم يزل تعجبه ولكنه تحدث بنبرة هادئة متسائلًا :


– صباح النور ، اتفضلي خير ؟


نظرت زينة إلى المكان من حولها ثم استقرت عند عينيه واسترسلت بنبرة مترقبة :


– طب ممكن أدخل ونتكلم جوة ؟


صمت لبرهة ثم أومأ وأفسح لها المجال فدلفت تتلفت يمينًا ويسارًا ثم اتجهت نحو المكتب بعدما لاحظت انكماشًا فوق أحد الأسرة المعروضة لتبتسم بخبث ثم جلست واتجه كمال يجلس خلف مكتبه متسائلًا :


– اتفضلي أقدر أساعدك إزاي ؟


تنهدت زينة بعمق ثم رسمت ملامح الأسف والحزن على وجهها واسترسلت :


– بص هو بصراحة أنا اتجوزت شهرين وماحصلش نصيب ، وأهلي كانوا شاريين جهازي من عندك هنا وأنا دلوقتي مش محتاجاه ، فلو ينفع يعني تشتريه بالتمن اللي إنت عايزه وماتقلقش الحاجة كلها لسة زي ماهي متقفلة بكياسها كمان .


تمتلك في نبرتها وطريقتها وسيلة جذب تجذب أمثاله لذا ابتسم وأومأ يردف بهدوء:


– طيب خليني أبص بصة على الحاجة ولو زي ما بتقولي كدة اشتريها مافيش مانع .


تسلطت عليه بعينيها لثوانٍ ثم ابتسمت تلف وجهها نحو السرير المعروض لتعود إليه وتردف بجرأة فاجأته :


– هو إنت كنت نايم هنا ولا إيه ؟

الفصل الخامس من هنا

تعليقات



×