رواية معشوقة الليث الفصل الثلاثون بقلم روان ياسين
وبعد مـرور عـدة سـاعـات
توقفت الأتوبيسات و معها سيارة ليث في طريق يشق صحراء جرداء ، سأل عمار بدهشة :
- هو أحنا وقفنا لية ؟ !
أجاب ليث بإيجاز و هو يرفع مكابح اليد :
- مينفعش نكمل في الصحرا بـ العربيات !
ألتفت لـ رُسل ليجدها مندمجة مع الأغنية التي تنبعث من سماعات الرأس التي تضعها علي أذنيها ، غنت ببلاهه و هي تشير بذراعها :
- و أد أية مانيش سعيدة مانيش سعيدة و إن النجوم النجوم بعيدة و تقيلة خطوة الزمن تقيلة خطوة الزمن تقيلة ضحكة الساعات .. ساعات ساعات...
عض علي شفتيه بغيظ من تلك البلهاء ثم قال بنفاذ صبر :
- يلا يا رُسل !
لم ترد عليه و إنما أكملت غنائها بـ أغنية أخري قائلة بإبتسامة واسعة :
- أنا ليك مشتاقة .. إمتي هنتلاقي .. محتاجة وجودك .. و عنيك وحشاني .. عيشني ثواني !
رفع حاجبيه بدهشة و ما لبث حتي تحولت ملامحه للغيظ ، ألصق كف يده بمؤخرة عنقها بقوة لتنتفض كـ الملسوعة ، صاحت بحنق و هي تخلع سماعات الرأس :
- أية يا عم أنت ، في أية ؟ !
ردد بغيظ و هو يبتسم بإصفرار :
- مين يا اللي أنتِ لية مشتاقة يا ست الحسن و الجمال ؟ !
رفعت حاجبها قائلة بغيظ :
- دا أنت رخم أوي صحيح ، واحدة و بتغني لـ حبيبها يا سيدي أنت أيش حشرك !
كور قبضته بـ حنق من تلك المستفزة التي تريد أن يُفتك بها الآن ، زفر بحنق و هو يردف بخشونة :
- أنزلي يا بت أنتي بدل ما أتهور عليكي !
نفخت خديها بغيظ ثم ترجلت من السيارة ، أرتدت حقيبة ظهرها و نظاراتها الشمسية ثم فتحت الباب الخلفي لتأخذ صغيرها ، ساروا قليلًا مع الأفواج حتي وصلوا لمنطقة توجد بها العديد من الآلات المسماة بـ " البيتش باجي " ، طبعًا لم تغب عن رُسل نظارات الجميع الموجهه لها بإتهام و تساؤل لكنها تجاهلت الموضوع بـ رمته ، قال منظم الرحلة بـ صوت جهوري :
- دلوقتي يا جماعة كل أتنين هيركبوا البيتش باجي و يمشوا ورايا لحد ما نوصل لمكان المخيم !
مطت رُسل شفتيها للجانب و هي تقول بتذمر :
- أية الغباء دا ، طب أنا واحدة مبعرفش أسوق البتاع دا أعمل أية يعني ؟ !
أتسعت إبتسامة ماكرة علي وجه ليث و هو يضيق عينيه بـ خبث ليهتف حينها عمار بـ بلاهه :
- أنا بعرف أسوقه يا رُسل ، أركبي أنتي ورايا و ليث ياخد عبدالرحمن !
أستقل الجميع الآلات و بـ الفعل ركبت رُسل مع عمار بينما ليث أخذ عبدالرحمن ، لا يعلم ليث كم مرة أخذ يسب بـ ذلك الأبلهه المسمي بـ عمار الذي ضيع عليه فرصه ذهبية حتي يشاكسها قليلًا ، هتف عبدالرحمن بمرح و شعره يتطاير للخلف من أثر الرياح :
- حلوة أوي يا بابا !
أبتسم بحب و هو يقبل أعلي رأسه ، فـ كم يعشق ذلك الصغير ذا الأعين الزرقاء...
***
- عجبك كدا أهو أنت ضيعتنا يا فالح في الصحرا !
صرخت بها رُسل بحنق هجومًا علي ليث ، لينظر لها بحنق قائلًا :
- ما خلاص يا حاجة ع أساس أنك ملاك ما أنتي السبب ، وقعتي النضارة بتاعتك يا نوغة و أضطرينا نقف عشان الزفتة بتاعة حضرتك !
نفخت بحنق ليردف عمار بإرتباك :
- طب هنعمل أية دلوقت !
قال ليث بنفاذ صبر :
- هنقعد هنا ، أحنا لو أتحركنا من المكان ممكن نتوه أكتر !
توجه لـ البيتش باجي بخطوات حانقة ثم أخذ حقيبته الضخمة من عليها ، جثي علي ركبتيه حتي يخرج محتويات الحقيبة بينما الأخري كانت تتدعي التأفف لكن من داخلها كانت تشعر بـ الذنب ، فـ من الممكن أن يعلقوا بـ الصحراء طوال الليل بـ سببها ، فـ لولا نظاراتها التي وقعت و توقف عمار و ليث للبحث عنها لـ كانوا أكملوا طريقهم و ذهبوا مع الآخرين..
بعد مدة أنسدلت ستائر الليل علي المكان تزامنًا مع إنتهاء ليث من نصب الخيمة متوسطة الحجم التي كانت معه ، قال بهدوء :
- أقعدوا أنتوا في الخيمة و أنا هقعد هنا يمكن حد يعدي !
أومؤا له ليدخل كلا من عمار و رُسل و عبدالرحمن للخيمة ، جلس عبدالرحمن بين أحضان رُسل يناشد النوم و الدفئ ، أرتجف مرددًا و هو بين النوم و اليقظة :
- رُسل أنا بردان !
زمت رُسل شفتيها بـ أسف و ندم ، وضعته علي الأرضية ثم خلعت سترتها و ألبست إياها ، وضعته بجانب عمار الذي يستعد للنوم ثم قالت بخفوت :
- خليه في حضنك يا عمار !
هز عمار رأسه بـ موافقة لتتنهد بخفة و هي تزحف حتي تخرج من الخيمة ، ما أن خرجت حتي أنتصبت بـ وقفتها تطالع المكان بـ نظرات شمولية ، أرتجفت عندما داهمها تيار الرياح القوي لتنظر حينها لـ ليث الذي يجلس بجانب الخيمة ممسكًا بـ هاتفه يحاول مهاتفه أحدهم حتي ينقذوهم لكن للأسف لا يوجد أي شبكة في المكان ، رفع ليث عينيه لها فجأة ليجد عينيها يلوح بها إحساس الذنب كما أنه لاحظ تلك الرجفة التي تنتابها كل فنية و الأخري ، أبتسامة صغيرة شقت وجهه و هو يفتح يديه لها لتبادله بأخري حزينة و هي تقترب منه ، جعلها تجلس بجانبه بل بـ المعني الأدق بين أحضانه ، حاوطها بـ طرفي الچاكت الخاص به ثم قال بإبتسامة مشاكسة :
- إلا هو في وضعنا دا المفروض إية اللي يحصل يا رُسل ؟ !
ضحكت بخفة و قد لمعت عينيها عندما تذكرت أول لقاء لهما ، قالت بإبتسامة ناعمة و هي تضع رأسها علي صدره :
- المفروض ترزعني بوسة تجيبلي إرتجاج في المخ يا ليث !
نظر لعينيها و هو يقول بـ خبث :
- بصراحة أنا نفسـ..
لكزته بكوعها في خاصرته ليتأوه هو بإصطناع ، رددت بصوت هادئ :
- أنا آسفة يا ليث ، أنا السبب في اللي حصل دا !
ضمها له أكثر و هو يقول بإبتسامة واسعة :
- دا أنا المفروض أشكرك ، هو لولا الموقف كان زمانك قاعدة في حضني كدا !
= أية قاعدة في حضنك دي ما تحسن ملافظك يا جدع !
قالتها بفجاجة و هي ترفع رأسها عن صدره ليضع يده علي رأسها مرجعًا إياها بقوة لـ صدره ، قال بحنق :
- فصيلة أوي يا بت أنتي !
ساد الصمت لـ دقائق ليقول ليث بهدوء :
- مش كفاية بقي يا رُسل ، مش جه الوقت أننا نعيش حياة مستقرة و نتجوز زي الناس ؟ !
= أنا مشوفتش منك قليل يا ليث ، فاكر نكرانك لـ مشاعرك ناحيتي دا هين و لا أنك تكسرني دا هين ، لا بـ العكس دا أكتر حاجة ممكن تقلب حب الواحدة لـ الراجل لـ كره..
- بس أنتي عارفة أنا كنت في أية ، كنت مربوط بـ ماضي مشوهه ، عشان كدا مكنتش راضي أتقبل أي حاجة في حياتي الحاضرة ، دخولك لـ حياتي زي الإعصار هو اللي أنتشلني من اللي كنت فيه يا رُسل ، عارفة أنا لغاية دلوقت حاسس أن عمي عزت زقنا علي بعض معرفش لية ، بس أحلي زقة دي و لا أي ؟ !
تبع جملته الأخيرة بغمزة عابثة لترفع وجهها له قائلة بتساؤل :
- بمناسبة الموضوع دا ، صحيح اللي عرفكوا أن في ناس ماشية ورايا !
زم شفتيه قائلًا ببساطة :
- كل حاجة حصلت صدفة ، يعني مثلًا عمي عزت كان في مرة في إجتماع مع شركة و بـ الصدفة و هو خارج من الإجتماع سمع واحد بيقول أسمك تقريبًا كان تبعهم فـ عمي عزت فضل يدعبس ورا الموضوع لغاية ما عرف أن بنته هي المقصودة و أنهم عايزين يخلصوا عليكي قبل ما توديهم في داهية ، ساعتها قعد معايا و قالي علي الموضوع و طلب مني أن أخبيكي شوية عن عيونهم لغاية ما يزهقوا من التدوير عنك و بعد كدا أنقلك لـ البيت..
شردت عينيها لـ لحظة تسترجع تلك الذكريات الطريفة عليها ، قال ليث بمشاكسة :
- بما أن الجميل شكله لان شوية فـ...
نظرت له بتساؤل و ما لبثت حتي أنتفضت بفزع عندما وجدتها يحاوطها بذراعيه و يقوم بـ تقبيلها لـ المرة الثانية ، لكن تلك المرة كانت من عاشق متفجر المشاعر لا يخجل منها و لا يكبتها..!
***
///فـي الـيـوم الـتـالـي
نظرت له بغيظ كبير و هي تراه يشاهد التلفاز مصطنع البراءة غير عابئ بما تسبب بـ فعله الأمس من إحراج كبير لها ، فـ قد لعب القدر لعبته معهما ليأتي أحدهم منقذًا إياهم في ذلك الوضع المخجل ، يبدو أنهم ينتقون الأوقات الغير صحيحة لكن العيب علي ذلك الوقح عديم الأخلاق الذي يجلس أمامها !
هكذا رددت في نفسها و هي مازالت تطالعه بغيظ ، سمعت رنين هاتفها من غرفتها لـ تنهض متجهه نحوها ، أمسكت بـ الهاتف مناظرة شاشته بـ دهشة و صدمة عندما وجدت إسم مرام يضئ الشاشة ، تجهم وجهها لثانية لكنها حسمت أمرها و ردت عليها قائلة بصوت فاتر :
- ألو..
جاءها صوت مرام المرتبك و هي تقول :
- أزيك يا رُسل ؟ !
شبح إبتسامة تشكل علي وجهها ، فـ مرام مهما فعلت فـ هي مدللتها الصغيرة و لهذا قررت مسامحتها أو بالأحري سامحتها لكنها كانت تنتظر أن تبدأ بـ الصلح ، ردت بصوت ثابت :
- كويسة الحمدلله..
صمت دام لثواني لم يقطعه سوي صوت بكاء و نحيب مرام من علي الجهه الأخري ، غمغمت رُسل بـ قلق :
- مرام أنتي كويسة ؟ !
= لأ يا رُسل مش كويسة ، أنا محتجاكي أوي !
- طب .. طب قولي مالك أنـا سمعاكي !
= بـ..بابا عنده كانسر في المخ و في مرحلة متأخرة !
و كأن دلو ماء مُثلج أنسكب عليها للتو ما أن نطقت شقيقتها بـ تلك الكلمات ، لا تعلم لما أتاها ذلك الشعور بـ الضياع ، نعم أنها تراه مذنب لا يستحق حتي أن تنظر في وجهه ، لكن هو أباها...!
تمتمت بصوت فقد الحياة :
- إمتي ، و لية محدش قالي ؟ !
رددت مرام ببكاء أعنف :
- بابا مكانش راضي نقولك و أنا و الله كنت هتصل بيكي لكن كنت خايفة و الله لحسن متكلمنيش و تفضلي زعلانة ؟ !
صرخت بحنق و قد أدمعت عيناها :
- أنتي غبية يا مرام ، غبية إزاي متقوليش حاجة زي دي ؟ !
= مش مهم دلوقت يا رُسل بس دلوقت بابا رافض يعمل العملية دي و مفيش حد غيرك هيقدر يقنعه !
صمتت لثانية تحرك بؤبؤيها في المكان بضياع ، و دون أن أدني حرف كانت تغلق مع مرام ، أمسكت بـ الهاتف بين كفيها تبحث بسرعة عن رقم ناريمان و ما أن وجدته حتي سارعت بـ الإتصال به ، مرت بعض الثواني لترد ناريمان بـ حبور :
- رُسل ؟ !
= لو سمحتي يا طنط إديني بابا بسرعة !
- حاضر يا حبيبتي .. حاضر !
دقائق و جاءها صوته الواهن و هو يقول :
- ألو ؟ !
صرخت به بلا هوادة و قد أخذت دموعها مجراها علي وجهها :
- يعني أية مش راضي تعمل العملية هاه ، أنت علي طول كدا هتفضل أناني بتتهرب من المسؤولية ، مش مدرك أن في ناس محتاجالك ؟ !
لاقت الصمت من الجهه الأخري لـ تقول بصوت متهدج :
- أرجوك كفاية كدا ، أنا مش عايزة أتيتم للمرة التالتة !
بكي حينها عزت و هو يقول بندم :
- أنا آسف يا بنتي ، آسف !
= عشان خاطري بلاش تتخلي عننا تاني .
قالتها بحزن كبير و من ثم أغلقت الخط ، أرتمت علي السرير تبكي بقهر و هي ترجع خصلاتها للخلف لتجد من يجلس بجانبها و يزرعها بين أحضانه ، ربت ليث علي ظهرها بحنان لتحتضنه بقوة و هي تبكي بقهر مرددة :
- أنا زهقت يا ليث ، كفاية وجع بقا و قهر أنا مش هستحمل تاني !
قبل أعلي رأسها و هو يردد بتصميم :
- خلاص يا رُسل مش هيبقي في وجع و قهر تاني ، خالص !
***
///بـعـد مـرور أسـبـوعـيـن
خرجت من العمارة بخطوات واسعة تحاول لحاق موعد عملها ، تمتمت بحنق :
- منك لله يا عمار الكلب زي ما انت اخرتني كدا !
فتحت سيارتها بـ القفل الإلكتروني ، كادت أن تستقلها لـ تجد فجأة من يسحبها من يدها و يضع منديل قماشي علي فمها و أنفها قوي الرائحة ، قاومت بشراسة لكنها فجأة وجدت جسدها يتراخي شيئًا فـ شيئًا و الدوار يداهمها بشراسة ، ترنحت قليلًا و لم تر بعدها شئ سوي السواد يحف المكان !