رواية في قبضة الاقدار 3 (انشودة الاقدار) الخاتمة 3 بقلم نورهان ال عشري




 رواية في قبضة الاقدار 3 (انشودة الاقدار) الخاتمة 3 بقلم نورهان ال عشري 



  بسم الله الرحمن الرحيم 


الخاتمة 🎼 💗 الأخير 


لا تحلو الحياة إلا برفقة من نُحِب، كم مرت هذه الكلمة على مسامعي دون أن أنتبه لها أو أتمعن في معانيها، فلم أكن يومًا على وفاق مع قلبي إلى أن التقيتك، لم يكُن لقاءً عاديًا يُمكنني تجاوزه؛ حينها علِقنا معًا في قبضة الأقدار التي جمعتنا من دون سابق إنذار، لـ أجد نفسي مُتورطًا وقلبي مع داءً دون دواء وهو العشق الذي كان يلهو بنا كيفما يشاء، تارة يغمِسنا في غياهب الألم وتارة يرسو بنا فوق شاطيء السكينة التي لم تستشعرها روحي ويرتشف من حروفها قلبي سوى بين ذراعيكِ، لـ ننجو معًا من غياهب أقدارنا وظلمتها إلى عالمًا لم يُخلِق لـ سوانا، وحينها لامس قلبي حقيقة ثابتة وهي أن الحياة دون من نُحِب ليست بالحياة، وأن حُلوها يكمُن في حضرة امرأة حملت سلام العالم أجمع بين كفوفها وسكبته بين أضلُعي فـ اكتملت، لـ تبدأ اقدارنا في عزف أنشودة رائعة من العشق الأبدي الذي جعلني أتذوق حلو الحياة وحلاها.


نورهان العشري ✍️ 


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


قاتل ذلك الألم الذي تشعر به وأنت تقف أمام شخصًا ظننته ذات يوم بوابتك لعبور واقعك المظلم إلى آخر مُشرِق فإذا به يسحبك نحو أعماق الجحيم واضعًا إياك في مواجهة أمام اسوأ صفاتك و التي ظننت يومًا بأنك استطعت التغلب عليها. 


نورهان العشري ✍️


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


غريبة هي مُفارقات الحياة التي دائمًا ما تضعنا في مواجهات أقوى من قُدراتنا على التحمُل كأن تجعلك تهوى من أعرضت عن هواه سابقًا واليوم تتلهف لنسمات هواء قد تحمل رائحته، لتقف أمام حقيقة مؤلمة وهي أن ليس كل ما يتمناه المرء يُدركه وليس كل ما يُدركه المرء يظل باقيًا للأبد، فكل شيء قابل للرحيل و كل ما ظنناه ثابت مُتغير حتى رواسخ هذا الكون ستتبدل حين يأذن الخالق بذلك كـ الشمس التي سـ تفاجئنا ذات يوم و تشرِق من مغرِبها.


كانت عينيه تذرفان الوجع بصمت بينما كل ما به يصرُخ مُتألمًا صرخات تُفتت أضلعه تمزق أوتار قلبه الذي تجرع من كأس السُم الذي كان من صُنع يداه في الماضي،

وكلماتها تتردد بعقله و كأنها صواعق كهربائيه تُهدد بجعله فريسة إلى الجنون 


عودة لما قبل ساعات 


_ سكوتك طال يا لبنى . معقول مش قادرة تستوعبي كلامي ولا رافضة اصلًا انك تستوعبيه ؟!


كانت ترتعد كعصفور صغير لم يتعلم الطيران بعد ليجد نفسه في مواجهة عاصفة مُباغته لا يقدر على مُجابهتها . 

رعشة جسدها و ارتجافة شفاهها و تنفسها الذي كان يُنافس ضربات قلبه في الجنون كل تلك الأشياء جعلته يشعُر بخوفها و تخبُطها لذا تابع بنبرة هادئة 

_ مخضوضة ليه بس ؟ الموضوع بسيط اوى ، وانا مش بضغط عليكِ ولا هعمل كدا . أنا بس عايزة اسمعك . 


كلماته و ابتسامته الهادئة كانَ لهم مفعول قوي على نفسها الثائرة لذا تحدثت أخيرًا ولكن بنبرة مُهتزة و أحرُف تتأرجح فوق شفاهها

_ يعني أنا ينفع اتكلم براحتي واقول اللي في قلبي؟ 


ابتسامة بسيطة لونت ثغره على عكس تلك الرجفة القوية التي أصابت قلبه ولكنه تجاهلها قائلًا بهدوء

_ طبعًا . قولي كل اللي جواكِ ، وانا سامعك . 


عبأت صدرها بذرات الهواء النقي علها تُطفيء حرائق الذكريات التي استيقظت من سُباتها لتقول بنبرة مُشجبة .


_ قبل ما اشوفك ويحصل اللي حصل كنت شايفة أن حياتي عادية . مكنتش حابة اي تفصيلة فيها لكن كنت عايشاها زي كل الناس، لحد ما شوفتك !


تنبهت حواسه جميعها لما هو آتي لتُتابع بنبرة مُتحشرجة

_ أول مرة شوفتك فيها عندنا في الحارة قلبي قالي انك جاي عشاني . معرفش ليه وازاي حسيت بكدا و الاحساس دا كان بيزيد في كل مرة كنت بتبصلي فيها أو تضحكلي . لدرجة اني بقيت اطلبك من ربنا ، و اتمنيت انك تكون من نصيبي، و ياريتني ما طلبت دا . 


أغمض عينيه بألم فقد اخترقت جملتها الأخيرة اعماق قلبه الذي بدأ يتلمس بوادر الشِقاق ولكنه لم يستطِع إلا أن يتوجع لـ مظهرها الباكي فقد اجهشت في بكاء مرير يروي أي ألمًا ألم بها.  


_ ينفع تهدي ؟ لو دموعك دي بسببي فأنا مستاهلهاش . 

ادارت رأسها إلى الجهة الأخرى وهي تُمسِك احدى المحارم الورقية تمحى آثار لوعتها التي سكبتها بين حروفها المُبعثرة حين قالت

_ عارف ايه اكتر حاجتين مبنساهمش في اللي حصل دا كله ؟


بنبرة مُتحشرجة أجابها 

_ ايه هما ؟ 


_ نظرة عنيك يومها ، و خوفي منك وقتها.  


تعالت نهنهاتها قبل أن تقول بحرقة

_ انا اسفة يا حازم مش هقدر اكون ليك . 


هتف بحرقة في محاولة يتوسل بها إلى قلبها حتى لا يقتله هكذا

_ بس انا …


قاطعته بنبرة محرورة

_ حتى لو ملمسنيش بس انا شوفت في عينيك انك عايز تعمل كدا . مخوفتش منه عشان مشوفتوش لكن خُفت منك انت ، و مش قادرة انسى ولا قادرة اتغلب على خوفي . 


يعلم بأن ديونه لم تُسدد بعد . يعلم بأنه لا يستحق حبها ، ولكن ما حيلته امام قلبه ؟ باغتته كلماتها القاسية حين قالت 

_ ممكن اكون ظلماك بس انت ياما ظلمت . اعتبر دا ذنب جنة . اللي فشلت تعمله معايا لكن عملته معاها . حتى لو هي قدرت تسامحك، حتى ولو فديتها بروحك وحتى لو مكنتش اتجوزت سليم من أساسه، ولو حتى انت كنت آخر راجل في الدنيا عمرها ما كانت هتقدر تكمل معاك. 


هالها ذلك الألم الذي يتبلور في عينه و اجتاح ملامحه كطوفان ولكنها لم تستطِع ردع كلماتها حين قالت بحرقة

_ مفيش ضحية بتحب جلادها يا حازم ، حتى و لو بقى احسن واحد في الدنيا، ولو حصل ! دا ميتسماش حب. دا يبقى مرض . 


أنهت كلماتها و نصبت عودها تنوي المغادرة فلم تعُد قادرة على البقاء دقيقة واحدة فذلك سـ يُزيد من مرارة الأمر أكثر ولكنها توقفت إثر ندائه 

_ لبنى .


التفتت تناظره عينيه المُعذبة و هيئته المُدمرة ولكنها تفاجئت حين وجدته يقول باختصار 

_ أنتِ طالق. 


أطلق سراحها و كل ما به ينتفض ألمًا بينما ضميره لا ينفك عن جلده بسوط اتهاماته ليُذكره بأن أشواك هذا الوجع هي حصاد زرعته . يصرُخ قلبه و يأمره كبريائه لا تبكي ولكن لا يفلح شيء في إيقاف نزيف روحه وهو يراها تُغادِر دون أن تلتفت إلى الخلف ولكن المُريع في الأمر أن يراها معه .


كان يرى في نظراته شيئًا خاصًا لها . شيئًا يعرفه فهو أيضًا غارق به حد النُخاع ولكنه يُحاوِل أن يتجنبه كي لا يُضيف جرحًا آخر إلى حقيبة جراحه الدامية و عزائه الوحيد كونهمَ لا يجتمعان فقد كان يُراقبها طوال الإثني عشر شهرًا الماضيين يعرِف كل تحركاتها و حتى أنفاسها ولكن جملتها اخترقت اعماق روحه حين هتفت بتوسل

_ هارون ارجوك خدني من هنا.


«هارون» بجهامة

_ عملك ايه ؟ 


«لُبنى» بلهفة

_ معملش بس عايزة امشي من هنا. 


كان يتوارى خلف نافذة المقهى يُشاهِد لجوئها إلى غيره بقلبًا يحترق كمدّا وروحًا مذبوحة كُمِمت أصوات استغاثتها فلمن يشكو مرارة شعوره وعلى من يُلقي اللوم فهو المُخطيء وهو الجاني و الآن هو الضحية ؟


عودة للوقت الحالي .


ترجل من سيارته كالتائه يجُر أقدامه جرًا لكي يصل إلى باب المنزل حتى أنه نسي إغلاق أبوابها فقد كان بعزلة عن العالم ترافقه بها جراحه و آثامه ليدلف إلى داخل منزله يُلقي بجسده الواهن فوق الأريكة يحتضن نفسه و هو يقاوم رغبة قوية في الصُراخ و ألمًا هائلًا في جانبه الأيسر كل ما استطاع قوله هو مناجاة خالقه بتوسل و احرُف متقطعة

_ ربي إني . مسني الضُر و أنت أرحم الراحمين.  


و لأن رب العباد أحن و الطف بهم منهم كان هناك من يشعُر به يُشاطره الألم فقد ترك «سالم» كل شيء و توجه رأسًا إلى شقته بعد أن أخبره حارس العقار عن عودته فهو يتوقع حالته الآن و لكم يؤلمه هذا الأمر ولكنه لا يملك سلطة على القلوب و كان لابد من حدوث هذا عاجلًا أم آجلًا 

استقل سيارته وهو يلتقط هاتفه ليُجري مكالمة طارئة ليأتيه صوتها الحاني

_ حبيبي.


باغتتها جملته الجافة حين قال

_ انا مش جاي على الغدا يا فرح . ورايا شغل مهم.


لم ترتح لصوته ولا لـ نبرته لذا هتفت باهتمام

_ انت كويس ؟ 


كانت أول إجابة طرأت على عقله لا ولكنه في الوقت الحالي لا طاقة له بالتفسير فالقلق كان ينشب حوافره بقلبه لذا أجابها بجمود

_ كويس يا حبيبتي متقلقيش.  


تعلم أنه ليس كذلك فهي شاهدت «لبنى» التي هرولت إلى الداخل و بجانبها «هارون» المُتجهم الوجه لتتوجه إلى غرفتها لتقوم بإخبارها بما حدث لذا فقد كانت تعلم بما يمُر به الآن فقامت بإغلاق الهاتف لتجد «هارون» يقف خلفها قائلًا بنبرة جافة

_ فرح ممكن نتكلم ؟ 


التفتت تناظره بهدوء تجلى في نبرتها حين قالت 

_ ممكن. 


توجهت معه إلى الحديقة لتجلس على أحد أمامه فهم بالتطرُق إلى الأمر مـباشرةً

_ لبنى أطلقت النهاردة، و بما أنه كان كتب كتاب بس يبقى مفيش عدة، وأنا مش هصبر اكتر ما صبرت.


ودت في تلك اللحظة أن يسقُط عليه نيزك من السماء يُحطِم رأس ذلك الغبي ولكنها سحبت قدر كافي من الهواء داخل رأتيها قبل أن تقول بجفاء

_ بالرغم من انك شخص مُراعي جدًا و عارف ربنا الا انك اوقات بتعمل حاجات تخلي عقل الناس يشت، و تحتار فيك انت كويس ولا وحش ! 


«هارون» بحنق

ـ افتكر لو كنت وحش مكنت سمعت كلامك من سنة لما طلبتي مني اصبر لحد ما هي بنفسها تطلُب الطلاق ، و احترمت مشاعر الكل هنا و أولهم جوزك . 


«فرح» بغضب

_ بمناسبة جوزي . حازم دا اغلى عنده من ولاده عشان تبقى عارف بس . فكرك هيكون مبسوط وانت فرحان وأخوه مقهور ! بلاش حازم لأنه اكيد ميفرقلكش . بس سالم اكيد يفرق لك .انت بنفسك قلت أنه اب قبل ما يكون اخ و كبير العيلة صح ولا انا غلطانه ؟ 


اخفض رأسه حانقًا فهو الآخر تجرع كؤوس العذاب طوال الأشهُر الماضية يُلاحُقها بكل مكان خوفًا من ظهور ذلك الرجُل أمامها يتلظى بنيران الجحيم حين يراه متواجدًا حولها ولكن عزائه الوحيد هو عدم اقترابه منها و قد كان قاب قوسين اليوم من إزهاق روحه حين علِم أنها معه، ولكن لجوؤها إليه و خبر طلاقها كانَ رادع لجنون غيرته عليها فاليوم استطاع التنفس براحة فهي لم تعُد على اسم ذلك الرجل.  


_ صح ، و عشان كدا سمعت كلامك لما قولتيلي اصبر. أنا بقالي سنة بمنع نفسي حتى اني ابصلها عشان هي مش من حقي . بالرغم من حبي ليها و غيرتي عليها اتحملت. أنا سبت القصر و روحت بنيت البيت دا علشان اقدر ابعد لكن خلاص بقى يا فرح . كفاية عذاب لحد كدا . أنا واثق أنها بتحبني . 


تتفهم حالته جيدًا و قد زاد احترامها له حين طلب من «سالم» أن يبني له ولوالدته بيتًا بجوار بيتهم حتى يردع اي خطأ يُمكِن أن يحدُث في المُستقبل ولكن ليس باليد حيلة لذا قالت بتعقُل 

_ عارفه انك اتعذبت بس انت صبرت كتير يا هارون ، و الصعب عدا . لكن انت دلوقتي جاي تهد اللي عملته . سالم اكيد متأثر عشان حازم ، و اي كلام في الموضوع دا دلوقتي هتكسب اقوى خصم ممكن تقابله في حياتك . أساسًا اللي كان مسكته الفترة اللي فاتت دي انه متأكد انك عارف حدودك و مُلتزم بيها و هي كمان . 


زفر حانقًا قبل أن يقول بنبرة أشبه بالجنون

_ طب المفروض اصبر لحد امتى ؟ انا صبرت صبر الكون كله. 


«فرح» بمواساة

_ معلش . خلاص هانت، و بعدين في حاجه لازم تفهمها لبنى مش في ايدك حتى لو بتحبك . لبنى متكسرتش من حازم و بس . وجع أهلها اللى رموها و مسألوش فيها دا كاسرها. عشان كدا هي كل اللي بتتمناه دلوقتي أنها تحقق ذاتها و تبني مستقبلها قبل اي حاجه.


ترى العذاب يلون حدقتيه لذا واجهته باعظم ذنوبه الذي كان بمحض إرادته

_ انا عارفه انك جبت اخرك . بس انت اللي اخترت تمشي في طريق كله شوك متجيش قبل النهاية بحاجات بسيطة و تقول تعبت. بلاش تضيع اللي عملته بلحظة طيش.  


أومأ بصمت قبل أن يستأذن منها قاصدًا الهروب قبل أن يتفجر بارود غضبه ليذهب و يأخذها رغمّا عن الجميع 


يا كريم، اللهم ياذا الرحمة الواسعة يا مطلعا على السراير والضماير والهواجس والخواطر لا يغرب عنك شيء. أسالك فيضا من فيضان فضلك، وقبضة من نور سلطانك وأنسا وفرجا من بحر كرمك♥️


★★★★★★★★★★


ترجل من سيارته متوجهاً إلى منزل شقيقه ليجد بابه مواربًا فدلف إلى الداخل على الفور ليصطدم لحازم الذي يجلس أرضًا صدره يعلو و يهبط و كأنه عائد للتو من سباق للعدو بينما كل شيء حوله مُبعثر تمام كهيئته بملابسه المُمزقة، و ملامحه الشاحبة المُتعرِقة، خصلاته المُبعثرة، و عينيه التي تبدو و كأنهما جمرتين مُشتعلتين بنيران الجحيم الناشب بقلبه فهرول «سالم» يخر على ركبتيه أمامه وهو يهتف بلهفة

_ حازم . 


استقرت نظراته التائهة على وجه شقيقه المُرتعِب لـ تتشكل ابتسامة مريرة على شفتيه تُشبه مرارة كلماته حين قال

_ دي المرة التانيه اللي أموت فيها وانا عايش . طلعت زي القُطط بسبع ارواح . 


انفطر قلبه ألمًا على شقيقه الذي سيظل يدفع ثمن أفعاله طوال حياته كما تشعب الغضب حنايا صدره لكونه عاجزًا عن مُساعدته ليقول بنبرة يشوبها الأسى

_ لازم تكون أقوى من كدا . هي دي الحياة، ويا تكون قدها يا اما هتعيش تتعذب .


تهكمت ملامحه بابتسامة ساخرة قبل أن يقول بنبرة مُتحشرجة 

_ متجملش كلامك يا سالم . قولي دي نتايج أفعالك يا حازم . قولي انك بتسدد ديونك . قولي انك تستحق كدا عشر مرات . قول متخافش . مش هتوجعني اكتر مانا موجوع. 


تجاهل ألمه بشق الانفُس ليستطِع إخراج نبرتة ثابتة حين قال

_ مالوش لزوم اقول كلام مش هيفيدك . لكن عايزك تعرف ان الحياة مبتديش كل حاجه يا حازم، ولو بصيت هتلاقي انها اديتك اكتر ما كنت تتمنى .


ناظره «حازم» باستفهام ليُتابِع بنبرة هادئة

_ ربنا ادالك فرصة عظيمة انك تصلح اخطائك، و رزقك أهل قادرين يحبوك و يسامحوك مهما كانت ذنوبك كبيرة. 


صمت يُتابِع وقع الحديث على ملامحه و داخله يتمنى لو يستطِع التخفيف من لوعته و لو قليلًا لذا تابع سرد الحقائق أمام عينيه دفعة واحدة

_ بص حواليك . عيلة، اهل، عزوة، فلوس، شباب و صحة . ادالك كل دا و خد منك ايه ؟ البنت اللي انت حبيتها ! تقدر تحب تاني و تالت و رابع، والف بنت تتمناك . شاورلي على أحسن بنت في البلد، وانا اجوزهالك . لكن تعمل في نفسك كده عشان ايه ؟ مفيش حد بيموت من الحب . انت راجل . ابن الوزان . اللي مفيش حاجه تهزه أو تهده بالشكل دا . 


كان لحديثه وقعًا خاصًا على نفسه رغمًا عن أوجاع قلبه ولكنه بالفعل غارق في النِعم التي لا تستطِع جميع كلمات الحمد في التعبير عنها لذا أغمض عينيه يحاول احتواء ألمه ليُتابِع «سالم» بنبرة اهتز لها داخله


_ انت اترميت سنة في الصحرا شوفت العذاب ألوان بس رجعت راجل . عارف قيمة نعم ربنا اللي مكنتش مقدرها . اوعى تكرر غلطك تاني . ربنا بيختبرنا دايمًا . انجح المرة دي يا حازم في الاختبار. 


الابتلاءات ما هي إلا بداية الطريق الى الجنة ، فمن مظاهر العدل الإلهي في هذه الحياة أن الإنسان يؤجر على حزنه على ألمه يؤجر ولو على شوكة شاكته و ذلك استنادًا على حديث سيدنا النبي " عليه افضل الصلاه والسلام"

ففي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه.


عبأ صدره بالقدر الكافي من الهواء و بقلبًا راض رغم كل شيء تمتم بهدوء

_ انت عندك حق . الحمد لله على كل حاجه . 

اللَّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَالعمَل الَّذِي يُبَلِّغُني حُبَّكَ، اللَّهُمَّ اجْعل حُبَّكَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِن نَفسي، وأَهْلي،♥️


★★★★★★★★★


تثاقلت خطواته من فرط التعب فقد كان العمل مُنهِكًا هذا اليوم ولكن الجميل أنه سينتهي به الأمر غارقًا في بحور عشقها الذي يُنسيه مرارة كل شيء، فقد عاهدته و صانت عهدها معه بأن تكُن تلك الغُرفة هي جنتهم الخاصة التي يتمنى لو لا يُفارقها أبدًا 

فتح باب الغُرفة ليتجمد بمكانه حين وجد تلك الأنوار الخافتة المُسلطة على رُكن ما في الغرفة لـ تتقاذف دقات قلبه حتى كادت أن تُحطم ضلوعه و يتعالى هدير أنفاسه وهو يرى تلك الملابس الصغيرة التي تُحيط صوره رُباعية الأبعاد لجنين في أحشاء والدته .


توقف لثوان و داخله يخشى أن يكُن ما يُعايشه الآن حلمًا لأمنيته البعيدة المنال التي يبتهل يوميًا إلى خالقه حتى يُحققها له ليشعُر بيدين حانيتين يُحيطان بخصره بينما أسندت رأسها فوق ظهره وهي تقول بنبرة هادئة

_ بقالي شهرين بكدب في نفسي، و اقولها بلاش تحلمي . فوقي . اكيد هيبقى مصيره زي اللي قبله. متعلقيش نفسك بحبال دايبه.


بللت عبارتها قميصه من الخلف قبل أن تُتابِع بنبرة ترتجف فرحًا 

_ لحد النهاردة. لما روحت للدكتوره وقالت لي أنتِ بخير و البيبي بخير . 

شددت من احتضانه بقوة قبل أن تقول بحبور من بين نهنهاتها 

_ جوايا حتة منك يا سليم . أنا شايله ابنك جوايا. 


لأول مرة تراه بهذا الشكل فقد.كانت نهنهاته تتسابق مع نهنهاتها عبراته تتدحرج بقوة فوق وجنتيه غير مُصدِق بأن أمنيته و مبتغاة قد تحقق الآن ليخر على ركبتيه ساجدًا وهو يتلو عبارات الحمد التي كانت تخرج من أعماق قلبه بحرقة

_ احمدك و أشكر فضلك يارب . ياما انت كريم يارب 


 تربعت بجانبه وهي تبتسم من بين عباراتها فما أن رفع رأسه حتى جذبها لتستقر بجانب ضلوعه مكانها و مستقرها الذي احتوى آلامها و لثم ندبات فؤادها لتتحول من حُطام أنثى إلى إمرأة مُفعمة بالحب و الحياة

_ بحبك يا جنة. بحبك اوي. أنتِ نعمة من ربنا انعم عليا بيها. 


كانت الحروف تتراقص بفرحة فوق شفاهه لـ تشاطره سعادته قائلة بحبور

ـ أنا اللي بعشقك يا قلب جنة يا احلى حاجه في حياتي. 


نقش وسوم عشقه فوق شفاهها و عينيها و جبهتها ليقول بنبرة محرورة

_ ربنا ما يحرمني منك أبدًا.


★★★★★★★★★★


اجمل شيء تُنهي به اليوم السيء هو عِناق من شخص تحبه بل تعشق باستطاعته محو آثار الحزن من اعماق صدرك و نفض غبار الألم من بين حنايا قلبك شخصًا بأستطاعته احتضان ثقوب الروح و ترميم شقوقها لذا توجه رأسًا إلى غرفته فما أن قام بفتح الباب حتى غزت رئتيه رائحة يعشقها وهي رائحة الدفء الذي يتمثل في عائلته الصغيرة فشعر بسكينة بدأت في التسلُل إلى قلبه ليصل إلى مسامعه همهمات لطفلة جميلة لم تتجاوز الخمسة أشهُر بعد ليبتسم بهدوء وهو يتوجه بلهفة إلى غرفة أطفاله ليجد جميلته تلهو بأقدامها الصغيرة و كأنها شعرت بقدومه فأرادت استقباله بحبور تجلى في بسمة رائعة لونت ثغرها الجميل فامتدت يديه تحوي «فرح» صغيرته التي كانت تُشبه والدتها في ملامحها و جمالها الخاطف للأنفاس فقد شعر بها قبل قدومها و حين ولدت زاره شعور رائع لم يختبره مُسبقًا حتى مع طفله الأول «سليم» و قد تذكر كلمات والده حين ولدت شقيقته «حلا» 

_ جت اللي هتدخل ابوها الجنة . 


وضع قبله رقيقه فوق جبهتها البيضاء فقد كانت الوحيدة التي تُنافس والدتها في قلبه ، حبيبته ، صغيرته التي يخشى عليها من نسمة الهواء 

_ حبيبة بابا اللي عارفه أن يومي ميكملش غير لما اخدها في حضني صاحية و مستنياني . 


تفاعلت الصغيرة مع نبرته الحانية و ابتسامته لتزداد حركتها و تتسع ابتسامتها فيطلق تنهيدة حارة قبل أن يقول بنبرة مُشجبة

_ كان يوم صعب اوي يا فرح. ابوكي لأول مرة يحس انه عاجز، و دا اصعب احساس حسيته في حياتي .


_ مش اصعب من احساسي والله بعد ما كنت عايشة مع حبيبي مبسوطين و مزاجنا حلو روحت جبت لنفسي ضُرة . 


لا إراديًا ابتسم على حديثها الذي لا تنفك في إخباره بها و هي مُحقة لقد كانت صغيرته تنافسها على قلبه و بقوة 

_ هعمل ايه ما هي اللي بتقعد تستناني كل ليلة و مبتنمش غير لما تطمن اني جيت . 


التفتت تواجهه بنظرات ساخطة و هي تقول بتبرُم

_ لا وانت الصادق يا حبيبي. دي واحدة نايمة طول النهار بنتحايل عليها تصحى نشوفها وهي ولا هي هنا و تيجي تصحى طول الليل زي ما يكون حد مسلطها عليا. 


اكتفى بجملة واحدة لا طالما نجحت في إيقاظ غضبها 

_ حبيبة بابا تعمل اللي هي عايزاه.


أطلقت زفرة حارة قبل أن تتراجع إلى الخلف وهي تتمتم بسخط

_ انا همشي قبل ما يجيلي جلطة . على رأي مروان العشق الممنوع دا بيعليلي الضغط.  


وضع قبلة دافئة فوق جبهة صغيرته قبل أن يقول بخفوت

ـ نلحق بقى نصالح ماما قبل ما تقلبها زعله بجد ، و بعد كدا نبقى نحب في بعض وهي نايمة .


وضع الطفلة في مخدعها لتتولى المُربية أمرها ثم توجه إلى الغرفة التي تجمعه بحبيبته الغاضبة ليسارِع باحتضانها من الخلف دافنًا رأسه بين خصلات شعرها يستنشق رائحته التي كانت بمثابة مكافأة رائعة له بعد يوم شاق أثقل كاحلة وقد كانت أكثر من يشعُر له لذا شددت من احتضان ذراعيه التي تحتويانها وهي تقول بنبرة حانية

_ صوتك مكنش عاجبني النهاردة. طول النهار وانا قلقانه عليك . 


ألهبت أنفاسه عنقها فقد كان يُحاوِل تناسي ما حدث اليوم ولكن لا شيء قد يُنسيه مظهر شقيقة وهو مُبعثر هكذا لذا قال بنبرة جافة

_ اكيد أنتِ عرفتي اللي حصل. مالوش لازمه نعيده ؟ 


عاتبته بحنو

_ مش عايزة اعيده يا سالم . عايزة اطمن عليك بس . أو بمعنى تاني حازم عامل ايه بعد اللي حصل ؟ 


تراجع عنها ليقوم بخلع جاكيت بذلته وهو يقول باختصار

_ كويس . 


تعلم أي شموخ يمتلك فلو كان شقيقه يحتضر فلن يُخبرها خوفًا من المساس بـ كبريائه لذا التفتت تساعده في خلع ملابسه و على قدر حنوها في التعامل معه لكن عينيها حملت عتب صريح كان يتفهمه لذا ما أن فرد عوده فوق مخدعهمَ احتواها بين ذراعيه بحُب كان بمثابة اعتذار عن كل لا يستطِع البوح به فقامت باحتواء خصره وهي تقول بخفوت 

_ طول ما انت جنبه هيبقى كويس يا حبيبي . محدش هيلاقي حد زيك في ضهره و بيدعمه و هيقع أبدًا . 


ربت بحنو فوق كتفها وهو يقول بخشونة

_ نفسي اطمن عليه اوي، و اشوفه مرتاح . تعرفي اني بقيت بخاف عليه اكتر من الأول . 


«فرح» باستفهام

_ ليه ؟ 


«سالم» بتعب

_ الأول مكنش في حاجه بتأثر فيه ولا بيفرق معاه حد، كان سيء بس كان وضعه أحسن. لكن دلوقتي كل حاجه اتغيرت وأقل حاجه بقت تأثر فيه. 


«فرح» بهدوء

_ فهمتك. تقصد أن عقابه بدأ من بعد ما اتغير .


«سالم» بأسى 

_ للأسف صح. الشخص السيء مبيتعاقبش ولا بيتأثر . لكن عقابه بيبتدي لما يتغير فعلًا .


ربتت بحنو فوق صدره المُمتليء بالأسى قبل أن تقول بنبرة يملؤها التفاؤل 

_ متقلقش. بكرة أن شاء الله كل حاجة تتغير للأحسن و الأيام الحلوة جاية جاية. 


عبأ صدره بالهواء النقي قبل أن يقول بتمني

_ امتى يا فرح ؟ امتى الأيام دي تيجي ؟ 


اللهم إني أستغفرك لكل ذنب يعقب الحسرة، ويورث الندامة ويحبس الرزق ويرد الدعاء، اللهم إني أستغفرك من كل ذنب تبت منه ثم عدت إليه، واستغفرك من النعم التي أنعمت بها علي فاستعنت بها على معاصيك، واستغفرك من الذنوب التي لا يطلع عليها.. أحد سواك ولا ينجيني منها أحد غيرك، ولا يسعها إلا حلمك وكرمك ولا ينجيني منها إلا عفوك♥️


★★★★★★★★★★


مرت الأيام سريعه تارة مُفرحة وتارة حزينة كما هي العادة، فالإنسان دائمًا ما يتمنى مرور الأيام ولكنه ينسى أنها تأخذ من عمره وأن ما مضى كان يستحِق أن يُعاش للحد الذي يجعل الإنسان يتمنى لو أنه يعود للوراء كي يحيا تلك الذكريات مرة أخرى خاصةً و إن رحل أحدهم عن عالمه فيبقى التمنى أحد المُعجزات التي لم و لن تتحقق أبدًا .


وضع «حازم» باقة الزهور على قبل والدته التي رحلت قبل ثلاث سنوات ولكن مهما مرت الأيام يبقى فُراقِها أمرًا مُفجعًا للجميع وها هو في ذكرى وفاتها لازال يبكي كما بكى ذلك اليوم عندما تلقى الخبر، فالموت مُصيبة لا يُستثني منها أحد 


_ وحشتيني يا حاجه أمينة، و وحشني حضنك اوي .


زفر بحزن قبل أن يشرع في تلاوة الأدعية على روحها ليمُر بعض الوقت قبل أن يتوجه إلى الشركة فالساعة لم تكد تبلُغ الثامنة بعد فهي عادته منذ رحيلها يذهب بعد صلاة الفجر ليجلس معها حتى يحين ميعاد عمله الذي انتظم كثيرًا و قد برع به و صار أحد اعمدة الشركة و الأروع من ذلك هو تحسُن علاقته بجميع أفراد عائلته و إن كان يتعامل بتحفُظ معهم لكي يظل خفيفًا على قلوبهم فلا طاقة له برفض آخر 

_ ايه يا ابني مالك قاعد زي اللي واخد بالجزمة على الصبح كدا ليه ؟


هكذا تحدث «حازم» بتهكُم مع «مروان» الذي كان يجلس واجمًا يلون الامتعاض ملامحه كما تجلى في نبرته حين قال

_ بقولك ايه ابعد عني مش ناقص غتاته أنا مصطبح الصبح بوش عمتك واللي فيا مكفيني .


لم يستطع كبح جماح استفهامه الذي يود لو يعلم إجابته

_ مروان انا في حاجه هموت و اعرفها اشمعنى عمتي بتعمل معاك انت كدا ؟ في حين أنها بتعامل طارق أحسن معاملة . 

صاح «مروان» مُغتاظًا

_ عشان فلاتي و صايع و بياخدها على قد عقلها . انما مش راجل دوغري و عنده مصداقية زيي 


صحح «حازم» جملته قائلًا بتهكم

_ قصدك مش غبي و مبيعرفش يتعامل زيك . 


«مروان» بسخط

_ هنتظر ايه منك ما انت أصيع منه. 


«حازم» بنُصح

_ يا ابني افهم لازم تتعلم تتعامل معاها بدل ما مراتك هتتجنن بينكوا كدا . خدني مثلا قدوة ليك . 


«مروان» بسخرية

_ حاضر يا حبيبي لما أقرر انحرف هبقى اخدك قدوة. 


قهقه «حازم» على مُزاحه قبل أن يقول 

_ بطل تريقة اهو لسانك دا اللي جايبك ورا. اديك بتشوف كل اسبوع جيبالي عروسه وبرفض بشياكة من غير ما تزعل مني . 


«مروان» بنفاذ صبر

ـ ايوا مانا معنديش مرارة للكلام دا يا حازم، و بعدين دي العدو اللدود لدولت السلحدار أمي وانا بصراحة مقدرش ازعل امي . دي تيجي من امريكا تطين عيشتي . 


«حازم» بسخرية

_ لا راجل ياله . المهم هدي اللعب معاها لحد ما سما تولد حرام المرمطة اللي بتمرمطوها للبت دي . اه صحيح هي هتولد امتى دي حامل بقالها كتير اوي


«مروان» بحنق

_ انا عارف بقالها ييجي سنة حامل . لما أنا قربت اولد وهي لسه. 


ما أن أنهى حديثه حتى رن هاتفه ليُمسكه قائلًا بتهكم

_ سما أفندي بتتصل . اتمنى تجيبلي خبر عمتك قبل ما اضطر أشيل المرارة. 


«حازم» بتقريع

_ بعد الشر يا غبي انت اتكتم. 


_ كتمة أما تاخدك أنت وهي.


تبدلت نبرته حين أجاب على «سما» قائلًا

_ ايوا يا سماية قلبي . لسه كنت في سيرتك و بدعي لعمتي ربنا يطولنا في عمرها.


صرخة جاءته على الهاتف جعلته يهب من مكانه وهي تقول بألم

_ الحفني يا مروان بولد. 


صاح «مروان» بذُعر

_ الله يخربيتك جاية تولدي في الامتحان . طب حليتي ولا هتسقطي زي كل سنة ؟


«سما» بانفعال

_ الله يخربيتك و دا وقته ماهو انت السبب و دي عمايلك تعالى الحقني همووت


هتف بلهفة

_ بعد الشر عنك يا قلبي انا في لحظة هكون عندك امسكي نفسك و امسكي الواد كويس


أنهى كلماته وهو يقول بلهفة

_ سما بتولد يا حازم، وأنا عربيتي في التصليح


«حازم» بلهفة

_ طب يلا مستني ايه تعالى هوديك .


ماهي الا لحظات حتى انطلقوا إلى «سما» التي كانت تجلس في سيارتها لا تقوى على التحرُك خطوة واحدة وما أن رأت «مروان» حتى هتفت بألم

_ مروان الحقني بموت. 


«مروان» بلهفة

_ بعد الشر عنك يا حبيبتي. متخافيش هـ تولدي وهتقومي بالسلامة أنتِ وابن الكلب دا. 


صرخت غاضبة لـ تلكمه في كتفه وهو يحملها و يضعها في سيارة حازم الذي كظم غيظه بصعوبة حين هتفت حانقة

ـ متشتمش ابني احسن اجبلك ماما والله . 


«مروان» بحنق

_ هي امك بقوا بيخوفوا بيها الناس ! حسبي الله ونعم الوكيل في الظالم . 


وضعها في المقعد الخلفي للسيارة و جلس بجانبها يحتضن جزئها العلوي بينما هي تصرُخ بفزع فحاول «مروان» التخفيف من حدة صراخها قليلًا حين قال

_ اهدي يا حبيبتي. متخافيش قربنا نوصل اهو. 


كانت تهدأ بين الفينة و الأخرى حين يذهب الألم الذي يعود مرة ثانية و يهاجمها بشراسة لتصرُخ بألم 

_ هموت يا مروان. هاتلي حاجه اعض فيها بسرعه مش قادرة اتحمل. 


أخذ «مروان» يتلفت حوله فلم بجد شيء فصاح في «حازم» غاضبًا 

_ الله يخربيتك ايه العربية اللي مفهاش مخدات ولا مراتب دي . اعمل ايه انا دلوقتي اجبلها ايه تعض فيه ؟ 


«حازم» حانقًا

_ وانا هحط اوضة النوم بتاعتي في العربية يا ابني انت ؟مخدات ايه و مراتب ايه ؟


_ طب بقولك ايه ما تجيب دراعك دا تعض فيه ؟ 


صاح «حازم» مذعورًا 

_ ما تديها دراعك انت مش مراتك ؟ انا مالي انا ! 


صاحت «سما» بلهفة

_ ايوا صح هات ايدك مش انت السبب في اللي انا فيه ؟ 


كان يحاول بشتى الطُرُق حماية ذراعه منها وهو يصيح ساخطًا

_ نعم ياختي هو كان غصب عنك ! الله يخربيتكككك.


هكذا صاح حين قامت بعض ذراعه بقوة و كأنها تُفرِغ به شحنات ألمها و لم تكتفي بذلك بل وهي تقاوم الآلام التي تجتاحها بين الفينة و الأخرى قامت بخدش وجهه و عنقه ليزفر «مروان» بعدم تصديق حين وصلت إلى المشفى و قام الأطباء بإدخالها إلى غرفة العمليات فسقط الأخير أرضًا وهو يقول بتحسُر

_ اه يانا ياما يانا ياما . ايه دا ؟ الله يخربيت الكفرة . دانا على ما وصلنا للمستشفى كنت ولدت خمستاشر مرة . دي هرتني عض.  


كبح جماح ضحكاته بصعوبة قبل أن يقول 

_ ياريت على العض و بس . دي شلفطتك على الأخر . 

شهق «مروان» بصدمة و هب من مكانه وهو يقول بلهفة

_ ولا يا حازم انت بتتكلم جد ؟ 


«حازم» بتهكم

_ والله صوابعها معلمة على قفاك يا معلم .


تحمحم «مروان» قبل أن يقول بتوسل

ـ واد يا حازم خليك جدع و متسيحش لابن عمك 

 العيلة الواطية دول هيزفوني .


«حازم» بجدية مُفتعلـة

_ عيب عليك يا أبني سرك في بير . 


_ يا فندم المريضة اللي جوا عندها حالة هستيريا و عايزة جوزها. 


هكذا تحدثت أحد الممرضات بلهفة فهتف «مروان» باندفاع

_ مشي . لسه حالًا مطلقها و ماشي على طول.


قهقه «حازم» بصخب قبل أن يدفعه إلى داخل الغرفة وهو يقول بسخرية

_ يالا يا وحش . يالا على جوا اومال هتبقى اب كدا بالساهل . 


صاح «مروان» وهو على أعتاب غرفة العمليات

_ واد يا حازم استر عليا ياد انت.


 انتشر خبر ولادة «سما» بين العائلة ليُهروِل الجميع إلى المشفى للإطمئنان عليها فكان «حازم في» استقبالها فهتفت «همت» بخوف

_ سما عاملة ايه يا حازم طمني ؟ 


«حازم» بطمأنة

_ اطمني يا عمتي. دخلت اوضة العمليات و مروان معاها جوا. 


«همت» بامتعاض

_ و بيعمل ايه الغبي دا معاها ؟ 


تدخل «طارق» قائلًا بتهكم

_ يمكن عشان جوزها مثلًا . خفي عالواد شويه يا عمتي احسن دولت تيجي تزعلك . 


شهقت «همت» قبل أن تقول بلهفة

_ أعوذ بالله من الشيطان الرچيم . تف من بقك يا وله . تيجي فين ناقصين مرار طافح .


تبادل الجميع السلامات مع «حازم» الذي كان يبتسم فقط للجميع ماعدا «فرح »التي قالت بتهكُم

_ هموت وأشوف مروان لما يبقى أب. 


«حازم» بسخرية 

_ والله انا مُشفِق على الطفل اللي هييجي دا . 


ابتسمت «فرح» بهدوء قبل ان تقول 

_ عقبالك يا حازم . لما نفرح بيك انت كمان . 


تجاهل ضجيج قلبه قبل أن يتصنع السخرية حين قال

_ لا . متحطيش أمل مش هيحصل . أنا كدا رايق و مرتاح


«فرح» بتقريع

_ ماتقولش كدا، وبعدين مالهم اللي متجوزين و مخلفين ماهم زي العسل اهُم .


سخر قائلًا 

_ اه فعلًا زي الفل . ابقي بصي على وش مروان لما يطلع وبعدين ابقي احكمي زي العسل ولا زي البصل. 


لم يكد يُتهي جملته حتى تفاجئت بخروج «مروان» من الغرفة وهو يتنفس براحة قائلًا بفرحة 

_ الحمد لله جابت بنت زي القمر 


هتفت «فرح» بصدمة

_ متقوليش ان سما اللى عملت فيه كدا ؟ 


«حازم» بتهكُم

_ لا دا من كتر اكل العسل جاله حساسية . 


استمع الجميع إلى حديث «حازم» مما جعل القهقهات تندلع من كل حدب و صوب ليقول «مروان» بريبة

_ بتضحكوا على ايه ؟ 


ثم التفت إلى «حازم» يُضيق عينيه فتصنع الأخير الجدية حين قال

_ طب يا مروان يا حبيبي مبروك ما جالك اخلع انا بقى عشان ورايا معاد مهم . 


تفهم «مروان» غدر «حازم» به فهتف بغل

_ اه يا ابن التيت.  


قهقه الجميع و توجه «طارق» ليعانقه بقوة وهو يقول بحبور

_مبروك يا مروان . تتربى في عزك.


تعانق الأخوة بحُب قبل أن يُضيف «طارق» بمُزاح

_ يالا عروسة الواد امجد جت . 


ناظره «مروان» باحتقار تجلى في نبرته حين قال

_ ليه أن شاء الله ؟حد قالك اني ممكن اناسبك ولا اجوزها ابنك البارد دا ؟ لا ياخويا انا مش مجوز بنتي .


« شيرين» بتهكم

_ ياخويا اتنيل أنت تطول! بكرة تيجي تتحايل علينا.


_ ليه عبيط ! 


_ بنتي فين يا واد انت ؟ 


هكذا تحدثت «همت» بقلق فأجابها «مروان» بتهكم

_ في جيبي! هيكون فين يعني ؟ اهي جوه اهيه و هيطلعوها كمان شويه يودوها اوضتها . اوعي كدا أما اكلم امي.  


قام بالتقاط هاتفه ليتصل على والدته التي ما أن أجابت حتى صاح بفرحة 

_ اه يا دوللي . افرحي و زقططي بالعند في ناس . سما ولدت و جابت بنت . 


«دولت» بفرح

ـ الف مبروك يا حبيبي . دولت الصغيرة جت.  


«مروان» بفزع

_ ايه؟ 


«دولت» بتحذير

ايه يا قلب امك هو انت مش ناوي تسمي البت على اسم امك ولا ايه ؟ 


«مروان» بجدية زائفة

_ اسكتي يا ماما ماهو أنا مكملتلكيش . مانا وأدتها . زي ما بقولك كدا . أنا ناقص . بنات بقى و هرمونات و الكلام دا ! 


_ وحياة امك. 


«مروان» بخداع

_ ايه ؟ ايوا يا ماما بتقولي ايه ؟ الشبكة وقعت ، و التليفون باظ . نبقى نتكلم كمان خمس ست سنين كدا . 


اغلق الهاتف وسط قهقهاتهم ليقول بحنق

_ قال دولت قال؟ لاقيها انا في الشارع ! 

تدخلت «همت» بجفاء

_ دولت مين دي أن شاء الله ؟ بقى بنتي تتعب وتحمل و تولد و في الآخر نسمي البت دولت ! دي تتسمى همت على اسمي .


صاح «مروان» بغضب

_ همت مين يا ست أنتِ ؟ والله ارميها في الشارع. واحدة تقولي همت و التانيه تقولي دولت ! 

تدخل «سليم» القادم من الخلف برفقته «جنة» ليقول بسخرية

_ ماله دولت يا حيوان! مش عاجبك اسم امك ؟


تنبه «حازم» لوجوب رحيله رافعًا الحرج عن شقيقه لذا ألقى نظرة على الجميع قبل أن يقول بمُزاح

_ طب يا جميع اخلع انا بقى عشان الباشا لوحده في الشركة و هينفخنا كلنا . 


تقدمت «جنة» إلى الفتيات و شعر «سليم» بالامتنان لتصرُف أخيه فقال بمُزاح

_ الحق عشان سايبه بينفخ الدخان من مناخيره .


ابتسم «حازم» دون قبل أن يقول بجدية

_ _ متنساش النهاردة بالليل . العشا عندي طيارتي الفجر.  


أومأ «سليم» ثم وجه «حازم» حديثه إلى كُلًا من «طارق» و «مروان» مؤكدًا على موعدهم 

_ يا رجاله النهاردة بالليل زي ما اتفقنا . 


أكد الجميع على موعدهم الذي أتى سريعًا فتجمع رجال العائلة أخيرًا بعد كل تلك المنعطفات الخطرة التي مرت بهم و تلك الأزمات الصعبة التي تخطوها سويًا ليُناظِرهم «حازم» وهو لا يُصدِق بأنه أخيرًا نال غفرانهم و قد تعاظمت فرحته حين وجد طفله الحبيب يأتي معهم ليحتضنه بحب تناثر من عينيه و تجلى في نبرته حين قال

_ لو تعرف من قد ايه نفسي احضنك الحضن دا ؟ 


بادله الصغير البالغ من العمر ست سنوات العناق بأقوى منه وكأنه يشعر بحقيقه انتمائه إليه قبل أن يقول ببراءة زعزعت قلب «حازم» من مكانه

_ انت ليه يا بابا حازم مش بتحضني زي بابا سالم و بابا سليم ؟


أن يُطلِق عليه ذلك اللقب كان أكثر ما يتمناه في حياته حتى ولو تشارك به الجميع ولكن كان له وقعًا خاصًا على قلبه الذي ارتج من فرط التأثُر الذي تجلى في نبرته حين قال

_ حقك عليا . بس كنت بخاف احضنك اوي لاوجعك .


كان يقصد أمرًا آخر ولكنه لن يستطِع التعبير عنه فأصابته كلمات الصغير في مقتل

_ هتوجعني ليه وانت بتحبني و بابايا زي بابا سليم و بابا سالم ؟ 


لم يفلح في قمع عبراته فضم الصغير إليه مرة أخرى وهو يقول بنبرة مُتحشرجة و قلب مُلتاع

_ عندك حق . ربنا ما يحرمك منهم يا حبيبي .


كانت أُمسية رائعة تتخللها ضحكات فرحة و قلوب مُبتهجة و انفُس راضية تحمد الله على ما آتاها تناظر أحبتها بقلب يود لو يعانقهم جميعًا حتى يرتوي من وجودهم ولكنه اكتفى بأن يُملي عينيه برؤيتهم . 


_ هخلع بقى يا عم حازم عشان اشوف البت اللي والده دي و كمان مضمنش عمتك احسن الاقيها سمت البت تفيده ولا اعتدال اتجلط فيها. 


قهقه الرجال على حديثه ليقول حازم بمُزاح

_ الله يكون في عونك والله. حقك تخاف . 


_ وانا كمان هروح بقى عشان تعبان اوي و عايز انام . 


هكذا تحدث طارق ليقترب سالم بجانب سليم قائلًا بخفوت

_ لو عايز تروح روح انت انا هستنى أوصله المطار بس خلي محمود معايا . 


لأول مرة يكُن مُتفهِم لاحتياج أخيه لوجود الطفل بجانبه فلم يعترض إنما اقترب من حازم ناظرًا إليه بأعيُن صافية ليقول بنبرة هادئة

_ خلي بالك من نفسك، و متطولش علينا. 


جاهد للبقاء ثابتًا و صبغ نبرته بالسُخرية حين قال

_ يا عم دي أجازة واخدها عشان اريح فيها أعصابي و استجم شويه . هو انا هطير.


تفاجيء حازم حين جذبه سليم ليُعانقه بقوة لم يعهدها منه

 منذ أن عاد لذا لم يُضيع الفُرصة فشدد هو الآخر من عناقه فدام الأمر لوقتًا ليس محسوب ليتراجع سليم أخيرًا وهو يقول بنبرة ودودة 

_ خلي بالك من نفسك.


اومأ حازم بصمت مُحاولًا أن لا يبكي ليُغادِر سليم أخيرًا و يتبقى هو مع سالم و محمود الذي أخذ يلعب معه طوال الليل إلى أن أتى موعد الطائرة ليتوجه سالم برفقته إلى المطار هو و محمود الذي ظل مُمسِكًا بيده إلى أن جاء وقت الافتراق فناظر حازم شقيقه بنظرات عجز سالم عن تفسيرها فقال بلهجة خشنة

_ مالك في ايه؟ 


حازم بنبرة مُتحشرجة

_ نفسي الاقي كلام اعبرلك بيه عن اللي جوايا ليك. بس مفيش كلام بوصفك يا سالم . انت أحسن اخ في الدنيا، و يابخت ولادك بـ أب زيك . 


لا يعلم لما انتابه ذلك الشعور القوي بالقلق ولكنه تجاهله ليقول بنبرة حانية

_ ما أنت منهم . انت ابني الكبير. اوعى تنسى دا، و متتأخرش علينا. هتوحشني اوي. 


تعجز الكلمات أحيانًا عن ترجمة بعض الشعور الذي يجتاح القلب فيجعله في حيرة أيبكي ام يفرح ؟ أيصمت أم يتحدث ؟ كل شيء غريب لا يجد بداخله شيء يُعبِر عنه و لهذا خُلِق العِناق فقام حازم بالارتماء بين ذراعي سالم يعانقه بقوة و يبادله الأخير تلك القوة بما هو أقوى فقد كان هناك شعور سيء يجتاحه لا يعلم سببه ولا يجرؤ على الحديث عنه 

تراجع حازم قبل أن يصل إلى نقطة لا يستطِع التراجع عنها و جلس أمام صغيره أرضًا يُكوب وجهه بين كفوفه وهو يقول بحنو

_ خلي بالك من نفسك ،و اوعي تزعل ماما أو بابا سليم، واعرف ان بابا حازم بيحبك اوي. 


أومأ الصغير بصمت ليقوم حازم بضمة ضمه قويه توازي حبه الكبير لطفله ،ولكن أزف الوقت ليتراجع عنه بعد أن همس بجانب أذنيه

_ هتوحشني. 


لن يكُن هُناك وقتًا للحديث وقد كان هذا في صالحه فهو على شفير الإنهيار ولا يُريد لشقيقه أن يشعُر بشيء و ما أن استقر في الطائرة حتى جاءه صوتًا غاضب

_ انا معرفش وافقتك على الجنان دا ازاي ؟



هكذا تحدث جرير بحنق قابله حازم بهدوء حين قال

_ يمكن عشان انت اكتر حد حاسس بيا .


تألم جرير كثيرًا على هذا الشاب و قال بلوم

_ طب على الأقل كنت قولت لسالم . 


حازم بخفوت

_ ميستحقش يعيش معايا القلق دا . كفاية اوي اللي عمله عشاني.


حاول جرير الحديث ولكنه قام بتغيير دفة الحديث قائلًا بجمود

_ قولي معاد العملية امتى ؟ 

_ مفروض بعد ثمانية و أربعين ساعة . على ما ترتاح من السفر و يخلصوا التحاليل و اللذي منه . 


اومأ بهدوء قبل أن يقول بابتسامة بسيطة

_ الله المُستعان . 


رنين قوي مُلِح أيقظ الجميع من نومهم على غير العادة فقد استيقظ المنزل بأكمله و كأن القلق كان رفيقهم الليلة ليتقدم سالم الذي كان ساهرًا بغرفة مكتبه و يجيب على الهاتف قائلًا 

_ الو .


حاول جرير التحكُم في عبراته حين قال بانهيار 

_ البقاء لله يا سالم . حازم تعيش انت.  


لو هوى أحدهم بمطرقة فوق قلبه فلم يكُن لـ يؤلمه بتلك الطريقة. فقد شعر بانسحاب الدماء من أوردته و بتوقف الهواء بمنتصف الطريق الى رئتيه كل ما استطاع قوله هو

_ بتقول ايه ؟ 


لم يفلح جرير في قمع عبراته وهو يقول بنبرة مُشبعة بالألم 

_ حازم جاله كنسر في المُخ من ست شهور و كان مفروض له عمليه عشان يشيل الورم بس للأسف السرطان انتصر و حازم مات النهاردة الفجر وهو في العمليات .


ألم و لوعة و احتراق و نفوس مهما بدت قوية فالألم قادر على انهاكها و هدم جدار الصلابة التي كانت تتوارى خلفه ليُثقِل الحزن كاهلها حد الانحناء. كان هذا حال سالم الذي لم يُصدِق ما حدث الى أن تسلمَ جثمان شقيقه الراحِل و داخله يتمنى لو تكُن لُعبة تلك المرة ولكن خاب التمني و كان الأمر حقيقيًا إلى حد موجع للجميع ومن بينهم سليم الذي كان يقف في العزاء بأقدام هُلاميه يتمنى لو يعود الزمن إلى الوراء فلم يكُن يتركه يُغادِر أبدًا 


مرت أيام العزاء و الجميع تائه مُتألِم حزين بطريقة جعلت الجميع مُنهكين للحد الذي يُشعِرك بأن فيروس ما قام بسحب طاقة الأجساد وقدرتهم على التعايُش فصارت واهنه لا قُدرة لها على رمشة عين أو خفقة قلب .


_ البقاء لله يا سالم. ربنا يجعلها آخر الأحزان..


هكذا تحدث جرير بقلب مُشجب و نبرة مُشبعة بالألم فجائته إجابة سالم قاسية مُختصرة تحمل اللوم و العتب بين طياتها 

_ ليه؟ 


لم يفلح في ردع ألمه الذي تناثر من بين حروفه حين قال

_ حلفني على كتاب ربنا اني مجبش سيرة لحد فيكوا، وانت بالذات . مكنش عايزك تشيل همه اكتر من كدا .


ابتلع غصه قلبه و رغبة حارقة في البُكاء قبل أن يقول بجفاء

_ مش مسامحك ، و ندمان على الأمانة اللي سلمتهالك في يوم من الأيام .


يعلم ثُقل ما يمُر به فقد كان يتشارك معه في الألم لذا تجاهل كلماته وقال بجمود 

_ الظرف دا حازم سابهولي، و قالي لو جراله حاجه اسلمهولك ، و اقولك تفتحه قدام العيلة كلها. 


تناول منه المظروف الذي يحمل رائحة شقيقة الراحل و ما أن خرج جرير حتى أجهش في بُكاء مرير لم يستطِع ردعه فما أقسى الفُراق وما أقسى الفقد و ذلك الشوق الذي يجتاحك كطوفان بعد أن تودع غاليًا تحت الثرى 

( أعاذنا الله و إياكم ) 


أخيرًا استطاعت ترك حلا التي ساءت حالتها كثيرًا للحد الذي جعلها تسقط مُغشية عليها لـ يستدعي ياسين الطبيب الذي أخبرهم بأنها مُصابه بانهيار عصبي و بعد أن حقنها ببعض العقاقير واطمأنت فرح على حالتها توجهت رأسًا إليه فقد كان قلبها ينتفض خوفًا عليه . تخشى أن يسقُط ذلك الجبل الذي أهلكته كثرة العواصف والرياح العاتية فأي بشر قد يتحمل كل ما يحدُث معه؟ 


 دلفت فرح إلى الداخل لتجده في حالة يُرثى لها فتقدمت منه بقلب يحترق على مظهره فقامت باحتواء رأسه إلى صدرها وهي تقول بنبرة حانية

_ سالم.


أطلق زفرة حارة من جوفه قبل أن يقول بمرارة و كأن صبارًا نبت في جوفه

_ اخويا كان بيموت قدام عيني وانا مشفتوش . 


_ ارجوك متعملش في نفسك كدا ؟ دا قدره كل واحد ليه عمره اللي مكتوبله من قبل ما يتولد . تعددت الأسباب والموت واحد. 


سالم بقهر

_ ياريت الموت دا كان خدني انا وهو لا . 


هتفت بقلب مُلتاع

_بعد الشر متقولش كدا يا سالم حرام عليك . 


سالم بنبرة جافة لا روح فيها 

_ ملحقش يعيش الحياة اللي كان نفسه فيها . ملحقش يفرح . ملحقش يرتاح يا فرح ؟  


فرح بأسى

_ الدنيا دي دار شقاء. الراحة في الجنة عمرها ما كانت في الدنيا، و بعدين انت كنت زمان شايل همه ازاي هيقابل ربنا و هو في رقبته كل الذنوب دي . انما شوف ربنا أراد أنه يعيش و يصلح اخطائه و يخلي الكل يسامحه و بعد كدا يروحله نضيف . ادعيله بالرحمه 


لم يستطِع اخراج الحروف من بين شفتيه فقام بالعض عليهم بقوة يُحجِم صرخات اعتراض روح مُلتاعه من مرارة الفقد لتقع عينيه على ذلك الظرف الذي سلمه له جرير مع متعلقات شقيقه فأخذ نفسًا قويًا قبل أن يقول

_ اجمعي الكل في اوضه الصالون . عشان عايزهم .


لم يكُن في حاله تجعلها تُجادله في شيء لذا اومأت بصمت قبل أن تغيب لعدة دقائق و تعود لتُخبره بأن الجميع في انتظاره .

تقدم سالم إلى الغرفة لتقع أنظاره على جميع الموجودين و ذلك السواد الذي يطغى على المكان و تلك الأعيُن التي لونتها الدماء من فرط نزيف العبرات على فقيدهم لذا تقدم دون حديث و قام بوضع الاسطوانه في أحد الأجهزة و تشغيلها ليشعُر بقلبه ينتفض بين ضلوعه حين ظهرت صوره شقيقة على التلفاز وهو يبتسم بسعادة و يقوم بمرح 

_ السلام عليكم ورحمه الله وبركاته. يا أهلًا بالوزانين وزان وزان. 


اتسعت ابتسامته أكثر حين تابع بمرح يُنافي ما تحمله كلماته من معاني

_مبدأيًا كدا لما تشوفوا الفيديو دا هكون أنا مش موجود وسطكوا. بس لحظة واحدة اوعوا حد يعيط، و بلاها نكد الله يباركلكوا. على رأي مروان سقف البيت هيقع فوقنا من كتر النكد. 


لم يفلح مروان في قمع عبراته و خاصةً حين تابع بمرح 

_ قولهم يا مروان بالله عليك . أحسن العيلة دي تحب النكد قد عنيها. 


أنهى جملته بابتسامه تُنافي حزنًا خافتًا يُلون حدقتيه تجاهله ليُكمِل بمرح 

_ بصوا بقى اولًا انا عارف اني ماشي قريب وان موضوع المرض دا مُجرد سبب ، و كمان المرض دا انا استخدمته زمان كسلاح عشان أأذي بيه إنسانه ملهاش إي ذنب غير أنها اشففت عليا .


تناثر الألم من بين عينيها حين استمعت الى كلماته التي تحمل اعتذار لم يبخل عليها به حين قال و الندم يتبلور بعينيه

_ انا اسف، وغلاوة محمود وسليم عندك لـ تسامحيني . 


غدرت به دمعة فرت من طرف عينيه قبل أن يُتابِع بنبرة مُصطنعة الهدوء

_ انا لما عرفت بموضوع مرضي مزعلتش و عايزكوا انتوا كمان متزعلوش . ربنا أراد يخفف عني و يشيل من ذنوبي شويه اقوله لا ؟ دانا فرحان والله . 


كان الجميع يبكي بصمت بينما القلوب تحترق بتأثُر خاصةً حين تابع بنبرة حانية 

_ محمود باشا. هتوحشني اوي . مكنتش اعرف ان اللحظات البسيطة اللي قضتها معاك هتخليني اتعلق بيك اوي كدا . بس عارف انا متطمن عليك عشان انت عندك أحسن أب في الدنيا. 


كان الألم يُمزقه يتساقط من بين مآقيه بغزارة حتى كاد قلبه أن يتوقف من فرط ما يشعُر به يتمنى لو بإمكانه تحطيم تلك الشاشة و معانقنه مرة أخرى فلو كان يعلم بأن هذا هو عناقهم الأخير لما تركه أبدًا ولكن هاهو غادر ليتركهم بقلوبًا مُحترقة وأرواحًا مُعذبة حتى اللقاء الأبدي ..

_ عمتي . سامحيني لو في يوم من الأيام اتسببت في أذى ليكِ أو لحد من البنات . عيل اهبل مكنش عارف يعني ايه عزوة و عيلة. بس والله عرفت قيمتكوا . 


همت بلوعة 

_ مسمحاك يا ضايا . مسمحاك يا حازم.

بتر حديثه يحاول اختيار الكلمات ليشعُر هارون بأن القادم لن يتحمله لذا غادر المكان بأكمله تزامنًا مع كلمات حازم المُعذبة

_ خلي بالك منها ، و عوضيها عن كل شيء اتحرمت منه. 


تلاحقت أنفاسه بطريقة ملحوظة قبل أن يُتابِع بحرقة

_ و خليه ياخد باله منها. 


لم تحتمل هذا الحديث فقد مزقتها نيران الذنب و احرقتها لوعه رحيله لتُغادر هي الأخرى وصوت شهقاتها يخترق آذانهم جميعًا ليُتابِع حازم حديثه و كأنه يشعُر بهم حين قال 

_ وحني على مروان شويه يا عمتي . مش هتلاقي اجدع منه. صدقيني . 


ابتسامة هادئة لونت ثغره قبل أن يُتابِع بهدوء

_ حلا حبيبتي. قلبي حاسس انك مش هتكوني موجودة وهما بيسمعوا الفيديو دا . عارف انك زعلانه عشان أنا مشيت بس صدقيني امينة وحشتني اوي و وحشني حضنها فمتزعليش مني . أنا بحبك اوي يا حلا. أنتِ أحن اخت في الدنيا .


كانت الابتسامة التي تُلون ملامحه مُثيرة للدهشة فكأنه يتجهز للموت بل و ينتظره بكل رحابة صدر فلم ينسى أحد من حديثه ليُتابِع بنبرة هادئ و ابتسامة جميلة.

_ أم سليم . فرحة الباشا. انا من اول ما شوفتك وانا نفسي اشكرك علشان عمري ما شوفت اخويا فرحان كدا و مرتاح غير لما بقيتي جنبه . انا عارف انك مش زعلانه مني و سامحتيني لكن أنا عايز منك حاجه تانيه خالص . 


تنبهت لحديثه حين تابع بنبرة يشوبها التوسل 

_ خلي بالك من سالم اوي . احضنيه جامد و قوليله حازم بيقولك انا عارف انك زعلان مني. بس مكنش ينفع اعيشك العذاب دا أبدًا. طول عمرك شايل شيلتنا و شايل همنا الكبير قبل الصغير. كفاية عليك كدا. 


لم يفلح في إخماد لوعة قلبه حين تابع بحرقة

_ قوليله حازم بيقولك انت أعظم اخ و أحن أب و أحسن صاحب في الدنيا . شكرًا عشان وقفت جنبي برغم كل اللي شفته بسببي ، و شكرا عشان متخلتش عني و كان عندك امل فيا لحد آخر لحظة، و شكرا عشان بسببك اتعرفت على جرير اوعى تزعل منه عشان خاطري هو مالوش ذنب .

مد يده يمسح عبراته قبل أن يقول بامتنان و تأثُر

_ و شكرًا عشان بسببك قدرت ارفع عيني لربنا و اطلب منه يسامحني. أنا بحبكوا اوي، و عرفت قيمتكوا متأخر،و كل اللي بتمناه منكوا تسامحوني . عايز اقابل ربنا نضيف . املي اني لما امشي اكون مش شايل ذنب حد في رقبتي. 


اخفض رأسه قليلًا قبل أن يُعيد نظراته إلى الشاشة مرة أخرى وهو يقول بتوسل

_خلوا بالكوا من بعض و سامحوني و افتكروني دايمًا بالخير.  


انتهى التسجيل ليشعُر بألم حاد ينخر عظامه من الداخل يتوسل لعينيه بالبكاء فلا تُطيعه يتوسل لصوته بالصُراح فلا يستجيب . لأول مرة بحياته يشعُر برغبة مُلِحة في الهرب . يُريد الهرب من ألمه من لوعته من جحيم نشب بداخله لحظة وضع شقيقه تحت الثرى ولم يفلح شيء في إخماده ليُقرِر الهرب بعيدًا فإما أن يلحق به أو يترفق رب العباد بحاله و يربط على قلبه .


تفاجئت حين وجدته يهرول إلى الخارج و يستقل سيارته دون الإلتفات إلى ندائاتهم لتسقط أرضًا وهي تبكي من فرط الخوف الذي دام لثلاث أيام لم يعرف أحد مكانه إلى أن وجدوه يدلف من باب المنزل بهيئة مُذرية و ملابس مـبعثرة إضافة إلى ذقنًا نامية و ملامح مُتعبة فلم يستطِع أحد السؤال عن مكانه فقط يكفي أنه عاد وهو بخير ليتوجه رأسًا إلى غرفته فوجدها على سجادة الصلاة تشكو حزنها و كمدها و تتوسل إلى الخالق بأن يحفظه فإذا بها تجده يجلس بجوارها واضعًا رأسه فوق فخذيها ليُغمِض عينيه فأنهت دعائها وهي تهمس باسمه بلهفة ليُجيبها باختصار

_ احضنيني..


لم تنتظر ليُنهي كلمته فقامت بتطويق رأسه و ضمه إلى صدرها ليستكين فوق دقات قلبها التي تهمس باسمه فهالها مظهره المُـدمر لتشرع في تلاوة ما تيسر من أيات الذِكر الحكيم فوحده قادر على إضفاء السكينة على روحه المُعذبة. 


مر شهرًا وهو يعتزل الجميع يقتصر نشاطه على الصلاة، قراءة القرآن و تناول من الطعام ما يُبقيه حيًا ثم يحاوطها بين ذراعيه قائلًا جملته المُختصرة

_ احضنيني .


و قد كانت تستجيب له دون أن تُضيف كلمة واحدة فقد خبأت كلماتها داخل صدرها الذي كان يناجي خالقه بأن يُخفِف عنه هذا الثُقل إلى أن استيقظت ذات صباح على أصوات ضحكات قادمة من داخل غرفة أطفالها لتتوجه إليها رأسًا و قلبها يتمنى لو كان ما تسمعه حقيقة لتتجمد أمام باب الغرفة حين وجدته يحتضن طفلته ويهمس بنبرة حانية 

_ وحشتيني. تعرفي انا شوفت مين النهاردة في الحلم؟ شوفت عمو حازم وهو في حضن تيتة أمينة و حواليهم أطفال جميلة اوي . عارفه أنه ضحكلي و كأنه بيقولي انا كويس و بخير.  


رفع رأسه للأعلى قبل أن يُتابِع بنبرة متحشرجة من فرط التأثُر

_ مهنتش عليه و جه عشان يطمني . 


شعر بصوتًا حركه عند باب الغرفة ليجد فرح التي كانت تُناظره بأعيِن أهلكها الحزن و جسد ضئل حجمه من فرط التعب ليبتسم بهدوء قبل أن يمُد يديه إليها فتقدمت على الفور لترتمي بيه ذراعيه وهي تقول بلهفة

_ سالم . 


لف ذراعيه حولها بقوة قبل أن يقول بنبرة خشنة

_ حقك عليا. 


رفعت رأسها تُطالعه بحزن يشوبه التمني الذي تجلى في نبرتها حين قالت 

_ انت رجعت صح ؟ 


أومأ برأسه قبل أن يقول بخشونة 

_ رجعت يا حبيبتي.


عانقته بكل ما تمتلك من قوة وهي تتلو عبارات الحمد فقد ظنت بأنها خسرته للأبد .


من نِعم الله علينا أننا مهما بلغ بنا الوجع سننسى أو لنقُل سنتأقلم أيًا كان ما ألم بقلوبنا من ألم فستمضي الحياة بنا لـ تأخُذنا من بر إلى آخر و من وجهة إلى أخرى و نحن لا نملُك سوى ان نحيا بها حامدين نعم الله علينا شاكرين تلك اللحظات الرائعة التي جمعتنا بأحبائنا ذات يوم فحتى لو رحلوا فذكراهم باقية، و أثرهم لا يُمحى ، و كما فارقناهم اليوم غدًا سنفارق نحن و تبقى أمنية واحدة هي الغاية من هذه الحياة ألا نكُن من الذين ضل سعيهم في الحياة الدُنيا. 


اللّهم إنّك لا تحمّل نفساً فوق طاقتها فلا تحملني من كرب الحياة ما لا طاقة لي به وباعد بيني وبين مصائب الدنيا كما باعدت بين المشرق والمغرب اللّهم لا تحرمني وأنا أدعوك، ولا تخيبني وأنا أرجوك. -اللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا ♥️ 


★★★★★★★★★


بعد مرور عشر سنوات اجتمعت العائلة بيوم مُشرِق رائع اختارته فرح لتحتفل بعيد ميلاد تؤمها البالِغ من العُمر سبع سنوات و هما حازم و يامن اللذان كانَ سبب شقاء المنزل بأكمله بشقاوتهم التي لا حدود لها ليهتف مروان بسخط

_ ايه يا بغل منك ليه ؟ مش عارف اقرا الجورنال. ما تتهد ياد انت وهو شويه . 


أجابة حازم الصغير بتهكُم 

ـ في حد يقرأ صفحة الحوادث يا عمو ! 


حازم بحنق

_ في ياخويا اللي يبقى متجوز عمتك سما عنده استعداد يعيش في برنامج خلف الأسوار. 


هتف مؤمن بوعيد

_ كدا طيب . أنا هقول لأنطي سما. 


هب حازم من مكانه وهو يقول بتحذير

_ ولا اتلم ياد بدل ما احلف ما هجوزك البت.  


يامن بلهفة

_ لا بالله عليك يا عمو انت عارف انا بحب ماهينار قد ايه ؟ 

مروان بسخط من اسم طفلته التي أصرت سما على تسميته ولكنه يرفُض أن يُناديها به فأطلق عليها اسم والدته التي توفت بعد ولادتها بسنة

_ ولا بلاش مرار دا . قولتلك اسمها دولت. 


هتف حازم بتشفي

ـ يالهو ياد يا يامن . على اخر الزمن هتتجوز واحدة اسمها دولت ! 

يامن بغضب طفولي

_ ايه يا عمو دولت دا ؟ لا مش موافق انا بقولها ماهي وخلاص . 


برقت عيني مروان من حديث الصغير وهتف بحدة

ـ نهارك اسود مين ماهي دي ياله ؟ انت بتدلع بنتي قدامي؟ دا انت نهارك اسود. 


_ هو مين اللي نهاره اسود ؟ 


هكذا تحدثت سما فتشدق مروان ساخرًا

ـ اهلًا باللي جيبالي العار هي و بناتها . البيه يا هانم بيدلع بنتك وبيقولها ماهي ! شايفة قلة الأدب ؟ 


سما ببساطة إصابته بالجنون

_ طب و ايه المشكلة أما يدلعها ؟ وبعدين اسم ماهي جميل وانا اللي قيلاله يقولها كدا . 

_ نعم يا بنت همت. 


_ مالك صوتك جايب آخر الشارع ليه ؟ 


هكذا تحدث طارق بتهكم ليتقدم ويجلس بجانب مروان الذي اجابه بسخرية

_ تعالى يا سبع البرومبا . اومال الهانم بنتك فين ؟ 


طارق بنبرة عادية

_ هتخلص محاضراتها و آسر هيعدي عليها يجببها وييجي .

هتف مروان ساخطًا 

_ أنا مش عارف انت عاجبك ايه في الواد ابو ضب دا ! دا عيل بارد و دمه يلطش بدل ما تديله قلمين و شلوطين و تقوله امشي متجيش هنا تاني . 


طارق باندهاش

_ و اعمل كدا ليه ؟ راجل ظابط و ابن ناس محترمين و هو نفسه محترم وعارف ربنا و فوق دا كله ريتال بتحبه و عيزاه يبقى اطرده ليه ؟ 


مروان حانقًا فهو يراها طفلته و يغار عليها كثيرًا

_ حبها برص ريتال الكلب دي. بس اما اشوفها. 


تدخلت شيرين حانقة

_ بطل تلعب في دماغ البنت . هي بتحبه وهو بيحبها مالك انت ؟ 


مروان بحدة

_ مرات ابو سندريلا . روحي شوفي سكينة و دُرية عيالك فين و الواد عبد العال الحلوف دا و اعملوا حزب بعيد عني .


_ واد يا مروان . الله يسامحك هديت حيلي خد يا واد عشان تاكل . 

هكذا صرخت جنة وهي تجري خلف طفلها البالغ من العمر خمس سنوات والذي كان مُشاغبًا كثيرًا يُرهِقها بكل شيء مما يجعلها تلعن نفسها ألف مرة حين أصرت على تسميته على اسم ذلك الوغد الذي صاح مُهللًا

_ حبيب عمو. الشبل الوحيد في حديقة القرود دي . تعالي يا حبيي هنا. امنا الغولة بتجري وراك . عايزة تأكلك بالعافية.

هرول الطفل الى أحضان مروان كما هي عادته فالأخير دائمًا ما يُدافِع عنه و يُبرر له شقاوته و عناده مما يضع المسكينة جنة على شفير الجنون 

_ ابعد عن الواد كان يوم اسود يوم ما سميته على اسمك . 


مروان بسخط

_ دا هي دي الحسنة الوحيدة في عيلتكوا اصلا. دا الواد دا هو اللي منور عيلتكوا الكئيبة النكدية دي . شايفه الواد محمود ابنك اللي شبه خلة السنان اللي طالع الأول على المدرسة دا بكرة يقول للي مش عاجبك دا ياسي مروان. 


  فرح بتهكُم

_ يا سيدي . ياسي مروان مرة واحدة ؟ 

_ ايوا يا بنتي. اومال أنتِ فاكرة اي؟ 


هكذا تحدث بتهكم قابلته فرح بلامُبالاه وجميع انتباهها ينصب على ذلك الرجُل الذي كلما مرت السنوات لا تُزيده الا وسامة و خاصةً بتلك الخصلات البيضاء التي تخللت شعره و ذقنه لتجعل وسامته من نوعًا آخر نوعًا يُثير بداخلها زوبعة من المشاعر التي تنصب جميعها في بوتقة العشق الذي لم يُخلق بقلبها لسواه، فهي قد أنجبت منه أربعة أطفال و لازالت تتمنى لو تُنجب منه الكثير و الكثير لتزداد عائلتهم الرائعة التي كان هو قائدها.  


_ أهلًا بشيخ الشباب .


التفتت فرح بغتة تناظر مروان بأعيُن يلتمع بهم الشرر الذي تساقط من حروفها حين قالت 

_ اياك تقوله كدا تاني سامع؟ انا بس اللي أقوله كدا. 


مروان بلا مُبالاه 

_ ربي عيالك يا ست أنتِ ..


شعرت بيديه تُحيط خصرها بشوق قبل أن يقول بجفاء موجهًا كلماته إلى مروان 

_ مزعل ست الحسن و الجمال ليه يا ابو لسانين ؟


مروان ببراءة

_ انا يا كبير ! هو انا فتحت بقي ؟ 


سليم ساخرًا 

_ بريء يا ابني والله . دانا لو مكنتش اعرفك كان زماني صدقتك .


اقتربت جنة ليُحيطها سليم بذراعيه ليقول مروان ساخطًا 

_ بقولك ايه أنا اللي مصبرني عليكوا الواد العسلية ابنكوا دا، فشوفلك لعبة أنتِ واللعبة اللي جنبك دي . 


التفت الجميع لسما التي قالت باستسلام

_ والله يا جماعه ما عارفه اقولكوا ايه؟ انا نفسي بعاني معاه. 


مروان مُصححًا 

_ قصدك بتعيشي أجمل ايامك معاك . اتلمي احسنلك . 


قهقه الجميع على كلماته لتستغل انشغالهم و ترفع رأسها مقربة شفاهها من أذنيه قائلة بخفوت 

_ وحشتني. 


دغدغت يديه خصرها بحركات خفية قبل أن يقول بنبرة مُشتاقة خشنة

_ انتِ وحشتيني اكتر.


_ اكتر قد ايه ؟


سالم بخشونة دغدغت حواسها

_ لما نطلع اوضتنا هتعرفي قولًا و فعلًا. 


أسندت رأسها فوق صدره النابض بعشقها قبل أن تقول بنبرة متغنجة

_ حبيبي شيخ الشباب مش هيبطل شقاوة بقى . 


أصابت كلماتها هدفًا في مرمى ثباته و خاصةً ذلك اللقب الذي أطلقته عليه فحين تنطقه شفاهها يود لو يقتطف ثمارها الطازجة فرغبته القاتله بها و عشقه الضاري لها يتضاعفان مع مرور السنوات . 

اخفض رأسه ليهمس بتوعد أمام شفاهها

_ حبيبك شيخ الشباب نفسه يخطفك لمكان بعيد عن كل العيون دي عشان تشوفي الشقاوة على حق. 


_ حلا جت . حلا جت. 


هكذا هتفت سما لتتوجه الى حلا التي كانت تحمل طفلًا صغيرًا عمره ثلاث سنوات و بجانبها ياسين الذي يحتضن يد طفلته يُسر و باليد الأخرى يُمسِك يد طفله علي ليتم استقبالهم بحفاوة شديدة من قبل الجميع و كذلك عمار الذي كان مدعو و نجمة وأطفاله الثلاث رؤية على اسم والدته الراحلة و عبد الحميد و عُمر لتجتمع العائلة بأكملها في جو أسري رائع الجميع سعيد مُبتهِج وسط ضجيج الأطفال و شقاوتهم التي أضفت سعادة من نوعًا آخر على اجتماعهم الذي انضم له هذان العاشقان الجديدان في دنيا المتزوجين لبنى وهارون الذي لم يكُن يُصدِق نفسه فبعد كل هذا العناء استطاع إقناعها بالزواج منه لتوافق أخيرًا وها هي الآن تحمل ثمرة عشقهم بين أحشائها

ـ بقولك ايه ما تيجي نرجع فيلتنا تاني ؟


لبنى باستفهام 

_ ليه نسيت حاجه ولا ايه ؟ 


هارون بوقاحة

_ نسيت اهم حاجة . نسيت أصبح عليكِ 


تخضبت وجنتيها بلون الدماء وهي تقول بخجل

_ هارون بطل استهبال بقى . كدا عيب على فكرة.


هارون بعبث

_ عيب ايه يا بنتي أنتِ تعرفي عني اني ليا في العيب ! أنا بس عايز اصطباحة خفيفة كدا . خيالك راح لبعيد ليه بس ؟

لبنى بتهكم

_ والله ! تصدق صح المشكلة في خيالي ! 


هارون بوقاحة

_ شوفتي بقى. طب ما تيالا نرجع بقى هقول خمس كلمات بالعدد . 


لبنى بصرامة فقد خجلت من وقاحته كثيرًا

ـ ولا ربع كلمه حتى. يالا عشان الناس مستنياناا 


تحدث هارون ساخطًا 

_ ماشي يا لبنى هانم خليكِ فاكراها . احنا هنروح من بعض فين ؟ وحياتك عندي لهنفضل نقول للصبح النهاردة. 


جاء وقت توثيق تلك اللحظات الرائعة بالتقاط صورة فوتوغرافية جمعت الكبار و الصغار لتخرُج منه تنهيدة حارة افتقادًا لأولئك الراحلين شعرت هي بها لتحاول محو رماد الحزن الذي عكر صفو عينيه فهتفت بجانب أذنه

_ عليك مخالفة على فكرة .


سالم باستفهام

_ مخالفة ايه؟ 


فرح بدلال

_ سرحان وانا في حضنك . 


نقشت أناملة لحنًا رائعًا فوق خصرها وقد نجحت في جذب انتباهه إليها و انتشاله من ذكريات أليمه ليقول بنبرة مُثخنة بلهيب العشق 

_ و دي عقوبتها كبيرة يا فرح هانم ؟ 


فرح بدلال

_ كبيرة اوي يا سالم يا وزان. 


همس أمام عينيها بنبرة عاشقة 

_ سالم الوزان بيعشقك يا فرح . 


_ يا باشا .اضحك الصورة تطلع حلوة.


هكذا جذب انتباههم كلمات مروان الذي كان أن التفت الجميع إليه حتى التقط صورة رائعة تجمعهم في ذكرى جميلة ستبقى إلى الأبد 


تمت 


لمتابعه روايتنا زورو قناتنا على التلجرام من هنا 

تعليقات



×