رواية في قبضة الاقدار الجزء الثالث 3 (انشودة الاقدار) الخاتمة 2 بقلم نورهان ال عشري
الخاتمة 🎼 💗 ج٢
أتى الصباح فاستيقظ «مروان» برأس مُثقل من كثرة النوم فأخذ يتمطى بكسل قبل أن يلتفت ليجد طاولة كبيرة و فوقها أشهى انواع الطعام لتبدأ ذاكرته بالعودة تدريجيًا فإذا به ينظر حوله ليجد نفسه بغرفة أخرى وهنا دق الذُعر خنجره بقلبه ليصبح ساخطًا:
_ يانهار اسوح امبارح كانت دخلتي .. دخلتي ايه؟ انا مدخلتش !
توقف لثوان قبل أن يقول بلهفة:
ـ يالهوي سما .. لا تكون انتحرت !
هرول إلى الداخل فلم يجد أحد بالغرفة و إذا به يتفاجيء «بسما» التي خرجت من المرحاض بوجه لا يُفسر فتيقن من أن الهلاك بإنتظاره لذا تحمحم قبل أن يقول :
_ نعيمًا يا سمسمة.
حدجته بنظرة حانقة قبل أن تلتفت إلى الجهة الأخرى متجاهلة وجوده ليندب داخليًا مما هو مُقبل عليه فحاول أن يكون مرحًا عله يُحاول التخفيف من حدة غضبها قليلًا :
_ سمسمة فطرتي ؟
لم تفلح في قمع غصبها لتهتف ساخرة:
_ لا هخرج أفطر بره مع أصحابي.
تدلى فكه إلى الأسفل من إجابتها ليهتف بإندفاع:
_ نعم ياختي في واحدة تخرج يوم صباحيتها تفطر مع أصحابها !
«سما» بسخط:
ـ صباحيتها ! ايه دا هو النهاردة صباحيتنا !
«مروان» بحرج:
_ علمياً اه .
هتفت «سما» بسخرية:
_ و هو في صباحية بردو من غير عريس !
«مروان» بإندفاع:
ـ وهو أنا رجل كنبه قدامك ! مانا عريس قد الدنيا اهو .
«سما» بتهكُم :
ـ والله ! طب حلو هروح احكي لماما على الموضوع دا، و اشوف رأيها ايه؟
ما أن سمع اسم عمته حتى هوى قلبه بين قدميه فهتف بلهفة:
_ لا سما .. اوعي .. بلاش أمك .. دي هتزفني العمر كله .. خلينا نخلص مشاكلنا بينا و بين بعض .
«سما» بغضب:
_ مشاكلنا دي حلها الطلاق .. اتفضل طلقني .
«مروان» بصدمة:
_ طلاق ايه ؟ هو أنا كنت لسه اتجوزتك !
جذبت حقيبتها لتتوجه إلى باب الغرفة فإذا به يقف سدًا منيعًا أمامها فهتفت بإنفعال:
_ سيبني يا مروان خليني امشي.
«مروان» بعناد:
ـ مش هيحصل يا سما.
ـ متخلنيش اصوت والم الناس عليك.
«مروان» بمُزاح:
_ الصويت في الوقت دا بالذات هيخدم سُمعتي بصراحة.
«سما» بإنفعال:
_ سمعتك ! دانا هخليها في الوحل.
صمتت فجأة حين وجدته ينظر بذُعر إلى شيء ما خلفها ثم قال صارخًا:
_ ديناصور.
رغمًا عنها ارتعبت فالتفتت بلهفة ناظره إلى الخلف فإذا بها تسمعه يُغلِق باب الغرفة من الخارج وهو يقول بإنتصار:
_ ابقي وريني هتخرجي ازاي يا سما هانم !
أخذت تصرُخ غاضبة لتمُر عدة ساعات وهي تصيح تطالبه بإطلاق سراحها وهو يعاند باستماته:
_ قولتلك مفيش خروج اديني فرصه أصلح غلطتي .
«سما» بإنفعال:
_ غلطتك! دانا ابقى مجنونة أن قعدت معاك ثانية واحدة بعد النهاردة .. أنا هتطلق منك .. علشان تعرف تنام براحتك .. مش كفاية محجزتليش في المالديف زي طارق ما حاجز لشيرين !
توقف عقله حين استمع لاسم ذلك الوغد فلون الغصب ملامحه وضيق عينيه بوعيد تجلى في نبرته حين قال:
_ يا ابن الكلب يا طارق وديني لهوريك .
توجه إلى الهاتف وقام بالاتصال على «سليم» الذي اجابه وهو لا يزال نائمًا:
_ إيه عايز إيه أنا ما صدقت انخفيت من وشي جايلي في التليفون كمان !
«مروان» بسخط:
_ ما تفز تقوم يا ابني أنت ؟ والله أنا اللي ارتحت من سحنتك أنت و عمتك.
«سليم» بسخط:
_ انجز عايز عايز إيه عالصبح ؟
«مروان» بجفاء :
_ كنت عايز أعرف اسم الفندق اللي المخفي طارق حاجز فيه ؟
_ ليه ؟
«مروان» بتخابُث:
_ أبدا سما مبهدله الدنيا و عايزة تروح تقضي شهر العسل في نفس فندق أختها نفسنه بنات بقى ما أنت عارف .
زفر «سليم» حانقًا قبل أن يقول بنفاذ صبر :
_ أنت مش وراك غير القرف أصلًا .. أقفل يالا هبعتهولك على الواتس .
اغلق «سليم» الهاتف و قام بإرسال رقم الفندق ليقوم مروان بالإتصال بهم فورًا وهو ينوي الإنتقام من ذلك الوغد وما أن اجابه الطرف الآخر بالانكليزية حتى قال بسخط:
_ لا كلمني مصري وحياة أهلك مرارتي مش طالبة لغات دلوقتي!
ابتسم الشاب على حديثه ولحسن حظه كان يعرف اللغة المصرية ليقول بإحترام:
_ تحت أمرك يا فندم.
«مروان» بإستفهام:
_ بقولك إيه وحياة أهلك في حجز باسم طارق الوزان عندك صح ؟
_ صح يا فندم .
«مروان» بحنق:
_طب بقولك إيه عايز الغيه .
الشاب بإستفهام:
_ طب مين معايا ؟ حضرتك طارق بيه ؟
«مروان» بسخرية:
_ لا أنا خالته ! ايوا طارق بيه اومال مين !
الشاب بإندهاش من طريقته:
_ طب يا فندم ليه كدا حصل إيه؟
_ حصل ايه؟ امممممم .
أخذ مروان يُفكِر قليلًا قبل أن يقول بتحسُر:
_ عايز تعرف حصل ايه ؟ محصلش .. ماهو المصيبة أنه محصلش .
_ يا فندم أنا مش فاهم حاجة .
«مروان» بتخابُث:
_ افهمك أنا بص يا سيدي .. فيك مين يكتم السر ؟
_ طبعًا يا فندم .
«مروان» بمكر:
_ اصل أنا بصراحة جالي نوع نادر من الجرب .
الموظف بإندهاش:
_ دا بجد يا فندم ! هو الجرب أنواع ؟
_ ايوا اومال إيه ! دا نوع صعب جدا و بيخليني يجيلي تبول لا إرادي .. ممكن ابوظلكوا المراتب و ابوش المُلل و تبقى كارثة .
_ يا خبر يافندم للدرجادي ؟
«مروان» بحنق:
_ ايوا يعني أنا هطلع على نفسي سمعة بالباطل مثلا! إحنا عيلة كبيرة و بنخاف على سمعتها .
_ طيب يا فندم حضرتك تؤمر بايه دلوقتي ؟
«مروان» بتشفي:
_ الغي الحجز و حلال عليك الفلوس .
اغلق «مروان» الهاتف وهو يشعُر بالسعادة التي جعلته يقول بتشفي:
_ أما وريتك يا ابن دولت مبقاش أنا .
أنهى جملته و توجه إلى غرفة سما يصيح من خلف الباب
_ سما .. سماية قلبي .. هديتي نتكلم ؟
لم تُجيبه ليشعُر بالريبة فتقدم ليفتح الباب الذي تفاجيء بأنها أغلقته من الداخل بقفل جانبي ليصيح بإنفعال:
_ بت يا سما أنتِ قفلتي الباب من جوا ازاي يا بت ؟
«سما» بغضب:
_ احسنلك مسمعش صوتك لحد ما تمشي من هنا و مشوفش وشك تاني.
صُدٓم مروان من حديثها و ما زاد الطين بله حين سمع صوت التلفاز مما يدُل على أنها تقضي الوقت مُستمتعة لتتركه يُعاني من الأمرين في الخارج فأخذ يصيح غاضبًا
_ بت يا سما افتحي يا بت .. سُمعة العيلة بقت في الوحل .. اطلعي بدل ما اسوحكوا كلكوا.
قامت بفتح باب الغرفة وهي تقول بانفعال
_ نعم عايز ايه وكمان ليك عين تتكلم ؟
قامت بفتح باب الغرفة وهي تقول بإنفعال:
_ نعم عايز إيه وكمان ليك عين تتكلم ؟
كانت جميلة بحق فهو في خضم نزاعهما لم يلحظ ذلك الثوب الرائع بلونه الأبيض الذي يجعلها كـ الملائكه و خصلاتها الرائعة التي تثور حولها فتِضفي جمالً من نوعٍ خاص لم يستطِع مقاومته أكثر فتبدلت نظراته وهي تشملها كليًا لتستقر عند عنقها الملفوف بإغواء و الذي تخضب مع وجنتيها جراء ذلك الخجل الذي تفشى في سائر جسدها حين شاهدت نظراته الجريئة فهتفت بتلعثُم:
_ إيه في إيه ؟ بتبصلي كدا ليه ؟
«مروان» بعفوية:
_ اصلك حلوة أوي.
تلك العاصفة الغوغاء التي كانت تُحيط بها خمدت على الفور جراء غزله الصريح بها و خاصة عندما وجدته يتقدم منها بخطوته وئيده جعلتها تتراجع إلى الخلف وهي تحاول استعادة غضبها منه لتقول بارتباك :
_ خليك .. مكانك .. أنا .. أنا .. بكرهك أصلا.
لم يوقف تقدمه نحوها فقد اختصر العالم بها في تلك اللحظة ليقول بنبرة خشنة مُثخنة بعاطفة جياشة:
_ وأنا بحبك .. خلينا نحط حبي ليكِ قصاد كرهك ليا و نشوف مين فيهم اللي هيكسب ؟
شهقة خافتة شقت جوفها من حديثه لتقول بخوف:
_ إيه؟ يعني إيه دا ؟؟؟؟
ما كادت أن تُنهي جملتها حتى تفاجئت بنفسها تسقـط فوق السرير خلفها و هو أمامها مـباشرةً يُحاوطها من الجهتين وهو يجثم فوقها بجسده القوي و عينيه تطوف على ملامحها بعشق و رغبة تجلت في نبرته حين قال:
_ اثبتيلي إنك بتكرهيني وأنا هثبتلك انك كذابة .. إيه رأيك ؟
حاولت الثبات قدر الإمكان اذ قالت بتلعثُم:
_ اب.. ابعد .. عني .
بلغ الأمر ذروته و فاض الشوق بصدره ليقول بنبرة موقدة:
_ دانا ابقى مجنون لو عملتها..
أنهى جملته قبل أن يسحبها معه في دوامة رائعة من المشاعر الدافئة التي جرفت كليهما فصار يُعبر عن عشقه لها بأفعال جنونية عابثة و قد كانت تُزيد من لهيبه بضحكاتها و دلالها العفوي ليُقرر وشمها باسمه و وضع صك ملكيته عليها فقد كان يتوق لذلك بشدة فإذا به يقوم بإسناد جبهته فوق جبهتها قائلًا بأنفاس محرورة:
_ بعشقك يا سما.
_ مروان .
همسها باسمه بتلك الطريقة لا يُساعده أبدًا بل يُضاعف شوقه و رغبته بها أكثر فلم يعُد يقاوم ليرتشف حروف اسمه من فوق ثغرها ليُغيبها معه في دوامة عشق رائعة حولت ألمها إلى شعور عارم باللذة التي تشاطرت بها قلوبهم لينتهي هذا اللقاء العاصف بإرتماء الثنائي هانئين بين أحضان بعضهم البعض.
★★★★★★★★★★★
مرت ثمان و أربعون ساعة هادئة على أبطالنا لم تخلو من مشاكسات «مروان» و«طارق» الذي علِم لما قام به «مروان» و إلغاؤه لحجز رحلته ولحسن حظه استطاع أن يُعيد الحجز مرة أخرى ليُسافُر مع حبيبته لقضاء شهر العسل كما فعل «مروان» و «سما» نفس الشيء بينما انخرطت كُلًا من «نجمة» و «سهام» و«فرح» للتحضير لـ فرح «نجمة» و«عمار» ، و كان «سالم» مُنشغِلًا بأمور الدائرة و تأمين احتياجات الفلاحين ولم يكُن يدلف إلى المنزل سوى في ساعة مُتاخرة كل يوم ليجدها تغُط في نومًا عميق فتوجه لرؤية «سليم» الصغير الذي كان مُستيقظًا و معه مربيته التي انصرفت لتُتيح الفرصة «لسالم» باللعب معه قليلًا فقام الأخير بحمله ليُقربه منه وهو يشتم رائحته العذبة التي كانت دواء فعال لتعب اليوم فقال بنبرة حانية:
_ حبيب أبوك .. مقدرتش تنام غير لما تشوفني صح !
كان الطفل يتحرك بإنفعال و هو يُمدد ساقيه و يديه في حركات عشوائية رائعة و يطلق أصوات جميلة مُبهجة جعلت ابتسامة رائعة ترتسم على ثغره لـ يضع قُبلة دافئة فوق جبهته قبل أن يقول بحنو:
_ أنت كمان وحشتني أوي .. تعرف ؟ أنا بستنى يومي يخلص بفارغ الصبر عشان أرجع العب معاك الشوية دول .. عارف أني مقصر معاك بس أنا بعمل كل اللي أقدر عليه عشان لما تكبر تفتخر بيا زي مانا كنت بفتخر بجدك الله يرحمه .
كان الصغير يلهو بصخب و كأنه يتفاعل مع كلماته ليُتابِع «سالم» بمُزاح:
_ طبعًا إحنا ملناش غير بعض دلوقتي و خصوصا أن الست ماما بقت تنام من المغرب بسبب أختك الصغيرة واللي عملاه فيها .. ايوا أنا حاسس إنها بنت.
عبأ صدره بالهواء النقي المُحمل برائحة صغيره العذبة وقال بتمني:
_ ربنا يجيبها بالسلامة و يقوم ماما على خير علشان فرحتي تكمل بيكوا .
أخذ يلهو مع صغيره إلى أن بدأ يخلُد إلى النوم فوضعه «سالم» في مخدعه ليتوجه هو الآخر حتى يحظى ببضع ساعات من الراحة قبل يومًا طويلًا آخر .
فرد عوده بجانب «فرح» التي كانت تغط في نومًا عميق فبدت ملامحها هادئة و كأنها تحمل سلام العالم أجمع فقام بتمرير أنامله فوق قسماتها الرائعة وهو يتأملها بحُب قبل أن يُلثِم ثغرها بحنو ثم قام بـ جذبها لـ تتوسط صدره ليستطِع النوم براحة.
هب «سالم» من نومه مفزوعًا حين استمع إلى أصوات بكاء فما أن استيقظ حتى تفاجيء من «فرح» التي كانت تبكي بحرقة فانتفض جالسًا وهو يقول بلهفة:
_ مالك يا فرح بتعيطي ليه ؟
ناظرته بلوم ثم قامت بإدارة رأسها إلى الجهة الأخرى فقال «سالم» بخشونة:
_ في إيه يا فرح ؟ قلقتيني .
أخفضت رأسها تُتمتم بشفاة ترتجف من فرط العبرات:
ـ أنا زعلانة منك أوي .
تفاجىء من حديثها فامتدت يديه تحاوطها بلهفة وهو يقول بإستفهام:
_ زعلانة مني أنا ؟
_ ايوا زعلانة منك أنت.
_ طب ليه أنا عملت إيه زعلك ؟
هكذا استفهام «سالم» لتُباغته فرح التي قالت بحنق:
ـ أنت ليه مبتحققليش أحلامي ؟
«سالم» بإستنكار:
_ أحلام إيه ؟ هو أنتِ كنتِ لسه نمتي عشان تحلمي ؟
هتفت بغضب:
_ أقصد أحلام الطفولة و المراهقة و الحاجات دي يعني!
برقت عينيه من كلماتها وقال بإندهاش:
_ نعم ! أنتِ جاية تعيطي على احلام الطفولة الساعه اتنين بالليل يا فرح ؟
ناظرته بحزن ثم أخفضت رأسها قبل أن تقول بشفاة مُرتجفة:
_ أنا أسفه لو صحيتك .. تقدر تنام وأنا هروح اقعد مع سليم في أوضته.
كادت أن تُغادر فامتدت يديه تجذبها إليه حتى سقطت أسيرة بين ذراعيه ليقترب من أذنها قائلًا بهسيس خشن:
_ طب و سليم بردو هيعرف يحققلك أحلامك !
_ ماهو أنت متضايق و مش متحملني .
كانت أناملة تلهو بخصلات شعرها ليقرب إحداها من أنفه وهو يستنشق رائحتها بعشق قبل أن يقول بنبرة موقدة:
_ محدش في الدنيا يتحملك غيري، و محدش أصلا له حق فيكِ غيري.
كلماته دغدغت حواسها و ألهبت مشاعرها لتقول بدلال:
_ طب وسليم يا أبو سليم؟
شدد من إحتوائها بيد ذراعيه وهو يدفن وجهه في عنقها قائلًا بنبرة محرورة:
_ أنتِ حصري لـ أبو سليم وبس .. فاهمة؟
_ فاهمة.
ما أن أجابته بذلك الهمس حتى قامت يداه بإحتواء جسدها داخل أحضانه ليُصبِح رأسها فوق قلبه مُباشرةً تستمع إلى دقاته المنتظمة فقال بنبرة خشنة:
_ قوليلي بقى ايه هي أحلامك اللي نفسك تحققيها ؟
شعرت بالحماس يسري في أوردتها و رفعت رأسها بحالميه تجلت في نبرتها حين قالت:
_ نفسي ألبس فستان ماكسي ويكون لونه أسود، و اركب عربيه يكون سقفها مفتوح وامشي في طريق طويل وأنا سايبه شعري في الهوى و فارده ايديا الاتنين و كأني حاضنه الدنيا كلها.
كان ينظر إليها وهي تُغمِض عينيها بحالمية تقُص عليه حُلمها البسيط ولكن من الواضح أنه يعني الكثير بالنسبة إليها:
_ طب معلش يعني أنتِ قولتي كل تفاصيل الحلم بس مذكرتيش اسم السواق .. ماهو أنتِ هتطلعي برا السقف و تحضني الدنيا و طبعًا العربية مش هامشي لوحدها يعني !
هكذا تحدث بمُزاح فامتدت يديه تُحيط وجنتيه بحنو وهي تُجيبه بلهجة تقطر عشقًا:
_ زمان مكنتش بفكر في موضوع السواق دا .. بس بعد ما قابلتك عيونك بقت مصحباني في كل احلامي .
اقترب يُلثِم ارنبة أنفها قبل أن يقول بهسيس خشن:
_ الفستان موجود !
برقت عيني فرح من استفهامه لتقابله باستفهام آخر:
_ ليه ؟ اوعى تقول هتحققلي حلمي !
قالت جملتها الأخيرة بترقب فأجابها بخشونة:
_ أنتِ متحلميش يا فرح أنتِ تؤمري مانا قولتلك قبل كدا ست الحسن والجمال تؤمر وأمرها نافذ .
تخلت عن خجلها و قامت بإحتواء ثغره بـ خاصتها في قبلة امتنان قوي يجيش بصدرها نحوه ليُحول هذا الإمتنان إلى مشاعر جارفة أغرقت كليهما لبعض الوقت قبل أن يفصلها سالم لتسترد أنفاسها لتقول بنبرة محرورة:
_ تعرف أنك مجرد ما تفكر تفرحني دا أهم عندي من أحلام الدنيا بحالها .
«سالم» بهمسًا خشن:
_ الدنيا بحالها تحت رجليكِ يا فرحتي .. مقولتليش الفستان موجود ؟
«فرح» بإبتسامة هادئة:
ـ لا مش موجود للأسف .. مجاش في بالي أني ممكن أحقق الحلم دا في يوم من الأيام .
صمتت لثوان قبل أن تقول بحماس:
_ بس أنا دلوقتي مش عايزة الحلم دا .. جه في بالي حلم تاني.
«سالم» بإستفهام:
_ اللي هو؟
«فرح» بحماس:
ـ عايزة أكل ايس كريم و اتمشى على الكورنيش .
مرت نصف ساعة قبل أن يعود الى مكانه بالسيارة وهي إلى جانبه بعد أن أحضر المُثلجات التي اشتهتها لتشعُر بسعادة بالغة وهي تقول بمرح:
_ ايوا بقى .. ميرسي يا روحي .
«سالم» بإندهاش:
_ كل دا عشان ايس كريم ؟
«فرح» بتصحيح:
_ ايس كريم بالفسدق لو سمحت، وبعدين هو مش ايس كريم بس يعني .. ايس كريم والبحر وأنا وحبيبي مع بعض دنا حقي اطير من الفرحة.
ابتسم على مظهرها الطفولي قبل أن يقول بجذب كفها الرقيق يُقبله بحنو تجلى في نبرته حين قال:
_ وأنا وظيفتي في الدنيا دي أني اخليكِ فرحانة على طول .
ابتسمت بحُب تجلى في نبرتها حين قالت:
_ ربنا يخليك ليا يا سالم.
صف السيارة أمام أحد الشواطئ و قام بالترجُل منها لتمتد يديه لتُعانق خصرها و هما يسيران بروية و هواء البحر يلفحهما فيبتهج قلب فرح التي كانت في قمة سعادتها فبالرغم من بساطة الأمر إلا أن وجوده كان أكثر من رائع و خاصةً خوفه عليها حين قال وهو يُحكِم اغلاق معطفها جيدًا وهو يقول:
_ خايف عليكِ تبردي .. هوا البحر شديد.
«فرح» بسعادة:
_ علشان خاطري يا سالم خلينا شوية كمان .
شدد من احتضانها وهو يقول بخشونة:
_ خايف عليكِ يا حبيبي .
«فرح» بعشق:
_ بحب حبيبي دي أوي منك .
تبدلت نظراته إلى أخرى غامضة تشبه لهجته حين قال:
_ بقولك أي ضيفي دا للحلم بتاعك .
«فرح» بإستفهام :
_ اللي هو إيه؟
شهقت بصدمة حين رفعها من خصرها و أخذ يدور بها وهو يصيح بصوتًا جهوري:
_ بحبكككك.
صيحات فرح خرجت من جوفها و تناثرت ضحكتها العذبة حتى ليتبدل ظلام الليل من حولهم و تتلئلئ النجوم في السماء و كأنها تشهد على عشقهم الذي لا مثيل له .
★★★★★★★★★
مرت الأيام حلوة كالعسل على جميع ابطالنا حتى ذلك الابن الضال الذي أخيرًا أصبح مُصرح له بأن يزورهم من حينًا لآخر لرؤية والدته التي كانت تودعه بـ عبرات حارة لم تفلح بكل مرة في قمعها:
_ يا ماما كل مرة أكون عندك تفضلي تعيطي كدا ! ابطل أجي بقى ولا ايه ؟
هكذا تحدث «حازم» إلى والدته التي هتفت بلهفة:
_ لا أوعى يا حازم .. اياك تتأخر عليا .. ده أنا روحي بترد فيا لما بتيجي تشوفني.
امسك «حازم» بكفوفها يُقبلها بحُب وهو يقول بحنو:
_ مقدرش اتأخر عليكِ، وبعدين اعملي حسابك بعد الفرح هتيجي تقعدي معايا يومين .. لازم تدوقي أكلي، و متخافيش أنا عامل حساب اي تلبوك معوي ممكن يحصل .
ابتسمت «أمينة» على كلماته وقامت بعناقه بقوة قبل أن تقول بحنو:
_ أي حاجه من ايدك زي العسل يا حبيبي.
ككل مرة يحاول إنهاء اللقاء سريعًا حتى لا يُرهقها وحتى يتفادى نيران الذنب التي مازالت تحرق أحشاؤه من الداخل ليقوم بالتوجه إلى البوابة الرئيسية ولكن أوقفه اصوات ضحكات صاخبة شعر بها تلامس قلبه الذي قاده لمعرفة هوية صاحبتها فأخذ يتقدم حتى تفاجيء بفتاة تتراجع بظهرها تجاهه و فتاة أخرى صغيرة تُمسِك بخرطوم المياة و تحاول أن تغرقها به
_ ريتال بطلي استهبال مش هلعب معاكِ تاني .
لم تكُن ريتال تعرف حازم أو شاهدته مُسبقًا و حين رأت لبنى على وشك الارتطام به قالت بلهفة:
ـ حاسبي عمو.
لم تستطِع لبنى التحكم في جسدها الذي تراجع للخلف مرة واحدة فإذا بها تسقط بين أحضان أحدهم فالتفتت بحرج لتُصدم بآخر شخص تتوقع رؤيته.
ظلت أسيرة لذراعيه لثوان قبل أن تنتفض كالملدوغة من بين يديه وهي تقول بصدمة:
_ حازم .
_ لُبنى .
هكذا همس دون وعي فقد تبدلت كثيرًا أصبحت أكثر جمالًا و كأنها وردة تفتحت لتُصبِح في أجمل حالاتها ولكن مازالت ملامحها بريئة و عينيها صافية:
_ ازيك يا لبنى عاملة ايه ؟
لا يعرف لما هذا الشعور الغريب الذي اجتاحه حين اختلت عينيه بعينيها بنظرة طويلة قطعتها حين التفتت الى الجهة الأخرى وهي تقول بجفاء:
ـ أنا .. أنا مكنتش أعرف .. إنك لسه هنا .
احزنه نفورها منه ولكن ما حيلته فهي مُحقة لذا قال بنبرة هادئة:
_ كلمة أنا آسف هينة على اللي حصل مني .. بس اتمنى ييجي يوم و تقدري تسامحيني.
التفتت تناظره بصدمة فهل لم يعلم بعد حقيقة الأمر ؟
لم تستطِع أن تُخبره ولم تستطِع أن تتجاوز تلك الحادثة بعد و الآن ظهرت تلك الذكرى المريرة على السطح و بقوة فشعرت بألم كبير في صدرها جعلها عاجزة عن التنفس ليظُن بأنها لا تحتمل رؤيته فهتف بنبرة يائسة:
_ مش هقدر الومك لو كنتِ مش طايقة تبصي في وشي .. لكن أنا غصب عني مقدرش مجيش عشان اشوف أمي .. هي اللي فضلالي يا لبنى .. بعد ما خسرت بغبائي كل حاجة .
اجتاحتها مشاعر كثيرة من بينهم كان الذنب فهي هنا بغير وجه حق بينما هو مُحرم عليه التواجد هنا تعلم أن خطاياه كبيرة ولكنه بصورة أو بأخرى لا يحمل ذنبها بالكامل .. اتعبها التفكير وما تشعُر به لتهتف قائلة :
_ دا بيتك تيجي في أي وقت .. عن أذنك.
أنهت كلماتها وهرولت إلى الداخل غافلة عن أعيُن احترقت بلهيب الغيرة حين رآها تقف معه ليُقسِم بـ أنه سوف يُقيم القيامة فوق رؤوس الجميع فتوجه إلى الخارج لمُلاقاتها وما أن أوشكت بالدلوف إلى باب القصر من الداخل تفاجأت بجدار صلب يسِد الطريق أمامها فشهقت بذُعر فقد كانت ملامحه لا تُبشِر بالخير و خاصةً حين شاهدت قبضته التي كانت تشتد حتى برقت عروق يده فقد كان يُجاهِد نفسه و يحاول بشق الانفُس أن يمنع يديه من أن تطالها فهي لم تُصبِح حلاله بعد لذا هتف بنبرة مُخيفة:
_ تعالي ورايا .
أنهى جملته وهو يتوجه ناحية المُلحق ليقف بحديقة الزهور مُحاولًا تهدئة أنفاسه الثائرة و دقاته الهادرة التي عصفت بداخله حين سمع صوتها المُرتجِف الذي تناقض مع كلماتها حين قالت:
_ عايز ايه؟
كلماتها لم تفلح في إخماد غضبه بل ضاعفته أكثر ولكنه مارس أقصى درجات ضبط النفس حتى لا يُخيفها منه ليقول بنبرة جافة:
_ كنتِ واقفه معاه ليه ؟
لاتزال تحاول الهرب منه لذا قالت بحدة:
_ و دا يخصك في ايه ؟
التفت يناظرها بأعيُن تبرِق من فرط الغضب الذي تجلى في نبرته حين قال:
_ يخصني وأنتِ عارفه و مش معنى أني بلعت النار اللي جوايا كونك لسه على اسمه إنك تسمحي لنفسك تقفي معاه.
لا تعلم ماذا دهاها لتتقاذف العبرات من مقلتيها قهذا اللقاء لم يكُن هينًا عليها أبدًا، ولكنها لم تكُن تعلم ماذا تفعل عبراتها في قلب ذلك الضخم الذي لا شيء يتمناه في هذا العالم اكثر من احتوائها بين طيات صدره ولكنه يعلم أن ذلك مُحرمًا عليه و كم كان هذا الامر شاق عليه ليلتفت إلى الجهة الأخرى وهو يقول بنبرة حادة:
_ بطلي عياط .. أنا مقصدش ازعقلك .. أنا بنبهك بس.
كانت الكلمات تؤلمه إضافة إلى غيرته و عشقه المُحرم الذي لا يعلم من أين ابتُلي به ؟ ولكنه استغفر بداخله حسن سمعها تقول بغضب:
_ أنت اصلًا مش من حقك تنبهني ولا حتى تتكلم معايا .
انفلت زمام الأمور من بين يديه فلم يعُد قادرًا على الصمود أكثر فهتف بنبرة ارعدتها:
_ طب اسمعي بدل التنبيه زعلك أوي .. عشان دا تحذير مش هكرره تاني .
تراجعت للخلف حين شاهدت عينيه تبرقان بتلك الطريقة و الكلمات تخرُج من فمه كالفحيح:
_ لو شوفتك واقفه معاه تاني، ولا لمحتك في مكان هو فيه اصلًا والله والله والله انا بهز سبع سموات لـ هكون مكسره ستين حتة، و مش هيفرق معايا حد ولا هعمل حساب لحد .. سامعه ولا لا ؟
رغمًا عنها اومأت برأسها بلهفة قبل أن تتراجع إلى الخلف هاربه من ذلك الوحش الضاري الذي كان مُخيفًا بل مُرعبًا:
_ ايه اللي بيحصل دا يا هارون ؟
هكذا تحدثت «همت» التي لم تُصدِق ما سمعته وما شاهدته لتُصدم أكثر حين سمعت كلماته الجافة:
_ أنا بحبها، و هطلقها منه واتجوزها .
«همت» بصدمة:
_ هارون أنت اتجننت !
«هارون» بسخط:
ـ اتجننت عشان ايه؟ عشان حبيت زي كل الناس ؟
«همت» بتقريع:
ـ لا طبعًا عمر الحب ما كان عيب .. بس العيب إنك تحب مرات…
قاطعها بوحشية:
_ مش مراته ، واوعي تكمليها .. الكلمة دي بتقتلني .. بتفتت قلبي من جوا .
علا وجيب قلبها حين سمعت كلماته و مظهره المتألم فقد كان يبدو كالأسد الجريح لتقترب منه وهي تربت على صدره قائلة بحنو:
_ يا قلب امك يا ابني.
دمعة غادرة فرت من طرف عينيه تحكي أي وجع يقع تحت سطوته ليقول بلهجة جريحة:
_ أنا بحبها أوي يا ماما .. دي الحاجة الوحيدة اللي اختارتها في حياتي ، و مقدرش اخسرها .
انتفض قلبها ألمًا على ولدها وقالت بحزن:
_ طب يا ابني افرض هي مش بتحبك !
«هارون» بحدة:
_ بتحبني بس خايفة .. مرعوبة وأنا هفضل وراها لحد ما تطمن و تفهم مشاعرها ناحيتي.
«همت» بإستفهام:
ـ متأكد يا ابني ولا بتعلق نفسك بحبال دايبه ؟
_ متأكد .. زي مانا متأكد من اسمي بالظبط ..
ربتت على كتفه بتشجيع قبل أن تقول:
_ يبقى اوعى تسيبها أو تفرط فيها أبدًا
★★★★★★★★★
مرت الأيام كالبرق ليأتي اليوم المنشود فقد أقام «عبد الحميد» الولائم طوال الشهر الماضي وحتى اليوم احتفالاً بأحفاده و زواج «عمار» الذي لم يكُن يُصدِق بأنه أخيرًا سينال محبوبته و سيغفو الليلة بين أحضانها.
اما عن جميلتنا فهي لم تكُن جميلة فحسب بل رائعة تتلئلئ بثوب الزفاف البراق الذي أرسلت «سهام» لجلبه من أحد أشهر بيوت الأزياء العالمية ليليق بابنتها الجميلة التي لم تستطع أن تروي ظمأها من وجودها بجانبها ولكن عزائها الوحيد هو كونها ستكون معها بنفس المكان وليس بعيدًا عنها . اقتربت «سهام» من الفتاة التي كانت تُنسِق ل«نجمة» حجابها لتتولى هي تلك المهمة وهي تقول بصوتًا مُتحشرِج من فرط البُكاء
_ أمورتي الحلوة بقت طعمة، بقت طعمة ولها سحر جديد
لها خفة روح لما بتـضحك بتروح لبعيد
معذورة يا ناس لو خبيتها من العـيد للعيد
معذورة يا ناس لو خبيتها من العـيد للعيد
لو شفتوا جمالها حتحتاروا، تحتاروا، تحتاروا
والبيض والسمر حيتداروا، يتداروا، يتداروا
والحب حتحصل فيه أزمة وتسعيرته بتزيد
أنهت كلمات تلك الأغنية التي كانت دائمًا ما تتلوها عليها وهي طفلة قبل أن تنتزعها أيدي الغدر من بين أحضانها و كم كانت تحلُم بأن يأتي ذلك اليوم و تتلوها عليها من جديد ولا تعلم ماذا دهاها الآن فحين رأتها بذلك الرداء الرائع وهي عروس شعرت برغبة قوية لتشدو بها و كأنه تستعرض آخر ذكرى لها معها قبل أن تُغادِر إلى بيت زوجها .
حاوطت أكتافها «سهام» بقوة من الخلف وهي تبكي بحرقة
فـ شاطرتها «نجمة» البُكاء حين سمعت كلماتها المؤثرة
_ لسه مشتقالك يا نجمة . قلبي ملحقش يشبع منك . لسه فاكرة اخر مرة غنيتلك الأغنية دي ، و معرفش ليه حسيت اني عايزة اغنيهالك دلوقتي. يمكن عشان هتتجوزي و تمشي و تسبيني خلاص .
تحدثت «نجمة» من بين عبراتها
_ انا عمري ما هسيبك يا ماما . هاجيكِ على طول . مش هتأخر عليكِ أبدًا.
شددت «سهام» من عناقها قبل أن تنتشل نفسها من بؤرة الحزن الذي سيُفسِد عليهم فرحتهم لتقول بمُزاح
_ لا بقولك ايه . كفاية عياط بقى . احنا كدا بوظنا الميكب خالص ، و كدا مينفعش ، وأنتِ اياكِ بعد كدا تشوفيني بعيط و تعيطي معايا فاهمه ؟
ابتسمت «نجمة» على كلماتها فنادت «سهام» لخبيرة التجميل لكي تُكمل عملها ليأتي سريعًا الوقت المنشود و تهبط نجمة الدرج تُحيط بها كُلًا من «جنة» و «فرح» و «حلا» و «شيرين» و «سما» وسط الزغاريد والتهليلات وفي الخارج انطلقت الأعيرة النارية و أخذ الرجال يرقصون الرقصة الصعيدي و يتبارزون بالعصي وسط تهليل و فرحة من الجميع لتأتي اللحظة المنتظرة و يتقدم «عمار» أخذ عروسه فقد كان وسيمًا للغاية بذلك الجلباب الصعيدي الذي ضاعف وسامته ليتقدم بهيبة تليق به و يتسلمها من يد «صفوت» الذي تشبس بيدها بقوة قبل أن يُديرها إليه و يرفع كفوفها يُقبلهما بقوة و العبرات تتناثر من عينيه وهو يقول بتأثُر
_ حبيبة قلبي يا نجمة . يا نجمة نورت حياتنا. ملحقتش اشبع منك بس اللي مصبرني اني عارف ان دا هيسعدك . بيتنا هيضلم من تاني.
اقتربت تعانقه بقوة وهو يبادلها العناق بأقوى منه قبل أن تقول بتأثُر
ـ اني مش ههملك واصل يا بابا . هجيك على طول. أساسًا اني مجدرش استغنى عنِكوا .
تراجع «صفوت» يناظرها بحُب تجلى في نبرته حين قال
_ ولا احنا يا حبيبة بابا . ربنا يسعدك يا بنتي.
كان و كأنه يقف على جمر الشوق الذي يحرقه ليقترب منه «مروان» قائلًا بتحفيز
_ ايه يا عم مالك واقف مش على بعضك ليه ؟ هي الرملة سخنة ولا ايه ؟
زفر «عمار» حانقًا
_ ياخي انتوا عيلة تجرف بلد . بجالها كد ايه معاه و چاي دلوق يرغي .
«مروان» بتقريع محاولًا كبت ضحكاته بصعوبة
_ يا ابني انت قدر مشاعر الناس شويه •
«عمار» بسخط
_ واني مين يجدر مشاعري ؟ اني صابر بجالي كتير .
«مروان» بسخرية
_ والله استعجالك دا بيفكرني بواحد صاحبي كان هيموت و يروح ليلة فرحه واول ما وصل الاوضة نام.
قال جملته الأخيرة بتحسُر ليقول «عمار» بامتعاض
_ مين ده اللي ينام يا بغل انت ؟ ليه فاكرني عيل توتو.
«مروان» باندفاع
_ توتو في عينك . لعلمك دا راجل اوي بس ولاد الحرام غدروا بيه .
تجاهله «عمار» وهو يُهروِل تجاه «صفوت» حتى يظفر بحبيبته أخيرًا لتندلع الزغاريد والهتافات و الأعيرة النارية في الخارج أخذت تلاحقه حتى وصل إلى السيارة ليزفر بارتياح قبل أن يتوجه بانظاره إلى الجميلة القابعة بجانبه ليقول بنبرة عابثة
_ الچميل لساته مكسوف مني بردك؟
كانت في تلك اللحظة تكاد تذوب خجلًا فادارت رأسها إلى الجهة الأخرى هربًا من عينيه العابثة فلم يُريد احراجها أكثر لذا احتوي كفها بأنامله الخشنة و ظل صامتًا طوال الطريق الى دوارهم وما أن توقفت السيارة حتى ترجل منها و التفت إلى الجهة الأخرى ليُساعدها بالنزول و ما أن خطت خطوتين تجاه باب المنزل حتى تفاجئت به يحملها بخفة وهو يتوجه بها إلى الداخل وسط صيحات وهتافات من الجميع تجاهلها ليتوجه رأسًا إلى غرفتهمَ التي ما أن دلف إليها حتى قام بإنزالها بـ روية وهو يُغلِق الباب خلفه لـ تنكمش نجمة على نفسها بخجل كان أكثر من مُحبب بالنسبة إليه فقام بخلع عبائته وهو يتقدم تجاهها يحاوطها من الخلف بقوة حد التصاق ظهرها بصدره فسرت رعشة قوية في سائر جسدها لتنتقل إلى جسده فقام بإدارتها إليه وهو يقول بصوتّا أجش
_ عارفة بجالي كدا ايه مستني اللحظة دي ؟
لم تستطع رفع رأسها لتُطالعه من فرط الخجل فمد أنامله أسفل ذقنها حتى يستطِع التنعم برؤية عينيها التي كل مرة يراها بها يقع في عشقها من جديد
_ اني مش مصدج نفسي . حبيبتي خلاص بجيت بين ايديا ؟
خرج صوتها هامسًا حين قالت
_ لا صدج .
لون العبث نظراته وعزفت أنامله انغامًا عابثة فوق خصرها قبل أن يجذبها إليه قائلًا
_ طب جربي عشان اصدج .
_ وه . اجرب اكتر من أكده ايه؟
هكذا استفهمت بخجل ليسكُب عشقه بين حروفه حين قال
_ جربي لما يبجى مفيش مكان للنفس انه يمُر من بيناتنا.
علقت عينيها بعينيه فلم تعُد تمتلك سلطة عليهمَ فقد أسرهم ذلك العشق الذي يتبلور بوضوح في سمائه فقد كانت كـ المنومة مغناطيسيًا ليستغل هو ذلك و تمتد يداه لأزاحة حجابها برفق فـ تناثرت خصلات شعرها الحريري حول وجهها المُنير فازداد اشتعاله اكثر ليتراجع بها إلى المخدع خلفهم وهو يقوم بفك أزرار فستانها الذي تخلى عن جسدها ليظهر أمامه بسخاء كلوحة بديعة ولدت بداخله رغبة هوجاء في امتلاكها فهوى على ثغرها بقوة يرتشف منه نبيذه الرائع و ينهل من شهد ريقها المُسكِر مُطلقًا العنان لعشقه الضاري في تسيُد الموقف ليُمارس طقوس الهوى فوق جسدها و يطبع صكوك ملكيته فوق ما يطاله منها وهي مستمتعه بكل شيء حتى ذلك الألم كان رائعًا معه فـ غاصا العاشقان ببحر السعادة المُطلقة التي أخيرًا كانت من نصيبهم .
★★★★★★★★★
هكذا اجتمع كل عاشقًا بمعشوقه و مرت الأيام بحلوها و مُرها إلى أن انقضت تلك السنة التي غيرت الكثير في نفوس البعض كحازم الذي أخيرًا وقع بالعشق . بعشق تلك الفتاة التي نالت على يديه اسوء مصير يُمكن أن يحدُث لفتاه و هاهو الذئب يقع بعشق الحمل فقد كانت حالة ميؤوس منها كداء لم يُخلق به دواء و كل ما على المرء فعله هو احتمال ألمه حتى يُشفِق عليه الموت و ينتشله من هذا العذاب المُضني .
_ ايه سرحان في ايه كدا ؟
هكذا تحدث «سالم» موجهًا حديثه إلى «حازم» الذي كان ينظُر من النافذة ليُطلق زفرة حارة قبل أن يقول بجمود
_ عادي يعني . مفيش حاجه مهمة.
كان أكثر من يعرفه ويعرف ماهو السبيل إليه لذا قال باستفهام
ـ فكرتك بتفكر تراضي الحاجة أمينة عشان مطنشها بقالك فترة و مبتروحش عشان تشوفها .
أيُمكِن للمرء أن يختار المُضي بكامل إرادته نحو هلاكه ؟
نعم هلاكه في هذا الشعور بالذنب الكبير تجاهها و الذي بات يمنع عنه حتى التنفس فلا يشعُر أبدًا بالراحة الا في أوقات الصلاة تلك هي الأوقات التي ينعزل بها عن العلم و يخشع قلبه أمام خالقة لا يتذكر شيء من هذا العالم أبدًا حتى أنه قام بأداء فريضة الحج و العمرة و ما كان دعائه سوى أن ينتزع الله عشقها من قلبه فليست له ولا يستحقها أبدًا
_ هروحلها والله انا مش مطنشها بمزاجي .
كان الأمر أكبر من تجاهله لذا قال «سالم» بصرامة
_ اقعد يا حازم
توجه «حازم» بخطٍ ثقيلة ليجلس أمام «سالم» الذي قال بخشونة
_ ربنا الحمد لله كرمك و خلصت دراستك ، و مسكت شغلك هنا في الشركة . الحمد لله مبقاش في أي عداوات ليك مع حد ، و اللي كان في قلبه حاجه ليك قدر يتغلب عليها، و إلى حد كبير حياتك بقت طبيعية . يبقى ليه حالتك كدا؟
لم ولن تُصبِح حياته طبيعية أبدًا فمهما حدث و مهما مرت الأيام و حتى السنوات سيظل ذنبه يُلاحقه حتى الممات
_ الحمد لله على كل حاجه يا سالم . انت ليه بتقول كدا ؟ ومالها حالتي ؟
لم يكُن يعرف المراوغة يومًا لذا عمِل بمبدأ قطع العرق و إسالة الدماء
_ بطلت تيجي تزور الحاجه ليه و اوعى تكذب.
أخفض «حازم» رأسه قبل أن يقول بتعب و بقلب كُمِمت أصوات صرخاته
_ بلاش تضغط عليا يا سالم .
_ مش يمكن انا في أيدي اريحك !
«حازم» بمرارة
_ مفيش حد في أيده راحتي ربنا بس اللي يقدر يعمل كدا .
باغته «سالم» حين قالت بخشونة
ـ قد كدا حبيتها !
تناثر الألم من بين عينيه فحاول السيطرة عليه وهو يقول بنبرة مُهتزة
_ انا مينفعش احب . مينفعش احبها هي بالذات . بعد اللي عملته فيها. مينفعش احس كدا ناحيتها. مينفعش حتى ان عيني تيجي في عينها.
«سالم» باستفهام
_ حتى لو هي سامحتك ؟
«حازم» بقهر
_ حتى لو هي سامحتني . هسامح ازاي انا نفسي ؟
كانت معاناته أمرًا شاقًا عليه حتى لو لم تُحِبه فيكفيه أن يُسقِط حِملها من على كتفه لذا لم يستطع إخفاء الأمر أكثر فقال بجمود
_ معرفش اللي هقوله دا ممكن يغير من الواقع ايه. بس انت لازم تعرفه؟
«حازم» بترقُب
_ اعرف ايه ؟
«سالم» بخشونة
_ انت مقربتش من لبنى يا حازم . اللي عمل كده سعيد لوحده. انت تعبت و اغمي عليك من المخدرات اللي شربوهالك .
كان يقول سيارته وهو يشعُر بأنه ولد من جديد، فهو لم يؤذيها . لم يُدنس برائتها ولم تطالها قذارته. كان يبكي و يضحك في آن واحد منذ أن ألقي «سالم» على مسامعه هذه الكلمات وهو كالمجنون يهزي باسمها فقط حتى أن عبراته تبدلت إلى الفرح لـ يهرول و يسبقه قلبها إليها فقد كان يعلم كل خطواتها. حتى أنه عندما ظهرت نتائج الثانوية كان أول من جلبها ليطمئن بأنها حققت حلمها و حصلت على مجموع كبير يُمكِنها من دخول كلية الطب فقام بإخبار «حلا» التي اخبرتها بدورها ولكنه الآن لم يعُد بحاجة إلي أحد ليكون وسيطًا بينهم، فهو الآن يستطيع أن يرفع عينيه أمامها وهو يُخبرها و يُخبر العالم أجمع بأنه يعشقها .
توقفت السيارة أمام كلية الطب فقد كان الموعد المُنتظر لخروجها فهو يعلم كل شيء عنها ولكنه كان يُتابعها في الخفاء والآن لن يتخفى أبدًا بل سيظهر و سيُظهِر كل مشاعره أمام العالم أجمع. التقمتها عينيه وهي تخرج من البوابة الكبيرة تضحك بمرح مع إحدى زميلاتها ولكنها ما أن رأته حتى تجمدت البسمة فوق شفاهها ليتجاهل صدمتها و يتقدم منها قائلًا بصوته الأجش
ـ اذيك يا لبنى عاملة ايه ؟
طال صمتها وهي تناظره و مازالت مندهشة من رؤيته أمامها الآن ولكنها حاولت التغلب على صدمتها حين أجابته بجفاء
_ الحمد لله كويسه.
«حازم» بلهفة لم يستطِع ردعها
_ ممكن نتكلم شويه ؟
ناظرته «لبنى» بقلق تألم لأجله ولكنه تجاهله ليقول بمرح
_ متخافيش مش هخطفك .احنا الضهر. أنا بس محتاج اتكلم معاكِ .
لا تعلم لما وافقته هل كان امتنانًا لأن بسببه تحيا تلك الحياة التي كانت كالحلم بالنسبة إليها ؟ أم كونه لم يقترف بحقها اي ذنب ؟
_ سرحانه في ايه كدا ؟
أخرجها من شرودها صوته لتقول بتحفُظ
_ لا عادي مفيش حاجه. ياريت تقولي كنت عايزني في ايه علشان مش عايزة اتأخر .
عبأ صدره بكمية كبيرة من الهواء قبل أن يقول بنبرة هادئة
_ انا عرفت النهاردة حاجه مهمة اوي بخصوص . بخصوص اللي حصل …
قاطعته باندفاع
_ ارجوك بلاش نتكلم في اللي حصل ..
«حازم» بلهفة
_ حاضر. أنا اصلا مكنتش هفتح فيه. أنا بس . يعني . كنت عايز اقولك .
_ عارفه . عارفه اللي انت عايز تقوله .
أخبره «سالم» أنها تعلم ولكن كان يُريد تأكيد الأمر أكثر لذا تابع بلهجة خشنة
_ طيب بما انك عارفه اللي انا عايز أقوله . هقولك انا اللي متعرفيهوش.
ناظرته بريبة فوجدت ملامح هادئة و عينين صافيتين تناظرها بطريقة غريبة احتارت في تفسيرها ولكن جاءت كلماته التالية لتجعل فكها يتدلى للأسفل من فرط الصدمة
_ انا بحبك يا لبنى و اتمنى انك تقبلي اننا نكمل حياتنا سوى .