رواية وحوش لا تعشق الجزء الثاني من ليالي الفصل السابع والعشرون بقلم رحاب ابراهيم
شددت يدها حول خصره بقوة وهي تنتفض ببكاء ....
آذابت تلك الصغيرة جبال الثلج من قلبه ليصبح بين يديها ذلك العاشق التي اصبح عليه الآن وماكان لإمرأة أن تهزم قلبه مثلما فعلت فاطمة .....
ضخ العشق والغضب أيضا بداخله من رؤيتها هنا .....
ابتلع ريقه بصعوبة وأن تجمدت يداه فقلبه كان ذائباً بعشقها .... ولأول مرة ينبض القلب برجفة .. حروفٍ متقطعة لو تجمعت لازالت تلك الغيامة من دنياه ..تلك الحيرة من عيناه ...مظاهر القوة من قسماته .....حدة الرجفة من نبضاته ...وابتلع العشق ضعفه وقوته وترك توتر القلب وضجيج دقاته تزعج آذاناها ...
من أين اتت بتلك القوة حتى ترشق تلك المطرقة الخشبية برأس ذلك الملثم الذي كاد أن يطلق رصاصة غادرة بقلب تعشق حتى قسوته أم أن هناك قوة خفية خلف هذه الفتاة البرية التمرد .... أم تلك القوة العنود كانت كسحابة شتاء تشتعل بنور الشمس ...بنور العشق ...بنور الأمل...بنور صباح أملا جديد يلمع مع كل نظرة دافئة يشتركان بها ...
ناقض الموقف تلك المشاعر الذي احاقت بهم والدماء النازفة من اجساد المجرمين ....
رفرف رحيق النسمات على بشرة وجهها مع تمايل أوراق شجر الكافور الذي كاد أن يُقتلع من جذوره بقوة أعاصير الهواء حولها ....وأن دققت في الأمر فصوت قلبها كان أكثر صراخ.....
ابتعدت عنه بعد أن أزاحها صوت العقل من ضعفها ..صوت تحدث بمنطقية ماكرة وباعد حجتها...أنها زوجته
وراوغ بموعد الفراق المؤجل ...واصبح فراق مع وقف التنفيذ.....
عبرات حزينة اربكتها أكثر وخطواتها تبتعد للخلف نقيضاً بعيناها التي سهمت بعيناه المطرفة بعشق خفي لا يجيد اظاهره رغم أنه كان طريح الاعتراف لولا ابتعادها بثوانٍ فارقة .... الكلمات صمتت الآن ...فأي بادرة ستظهر ما جاهد القلب أن يُخفيه كي يبقى سراً ...
نمّت نبرته عن كل شيء ونقيضه فقال وهي تبتعد :-
_ فاطمة
ايقظ صوته مقاومتها وكأن صمته كان أفضل لاستمرار هطول مطر المشاعر المتدفقة التي وأن اعترفت فستعترف أنها تحيي القلب الزاهد بالحب ....
من نظرته ارتعبت من كشف حقيقة مشاعرها فشاحت عيناها بصعوبة عن وجهها لتكاد أن تتعثر بچيفة المُلقى على الارض بدوائر الدماء حوله حتى صرخت صرخة صاح بها قلبها منذ زمنٍ ، ليجذبها فهد إليه مرة أخرى بخوفاً عليها ، وما كانت لأمرأة عاقلة تعترض أن يحميها زوجها فكيف تعترض وترفض هي حمايته وهو زوجها وحبيبها أيضا .....
سرى دفء غريب مر عبر أنفاسها ..دفء انبعث من هطول نظراته على وجهها القريب ..نظرات تخترق عيناها ليحثها على الاعتراف ولو بطرفة عين ....قاوم انبعاث العشق الذي هاجم نبرته وهو يلقي سؤاله همسا :-
_ إيه اللي جابك هنا ؟ وجيتي أزاي يا فاطمة ؟
ودت لو تهرب من أمامه أو اقلاً تهرب بالكلمات ولكن صفوف الحيرة بمقلتيه لن تدعها تفلت من أنين الرجاء الصامت ..المُرسل من دفء يديه ...وزفر هجيج اللهفة بحيرة عيناه كي تُجيب مثلما يتمنى أو تضع اشارة ماكرة بأول طرق بلاد العشق دون حروف ستبعث الحياء فيها فثارت متمصلة من قبضته بعصبية وكأن رجفتها الغاضبة تأبى القرب وفي الحقيقة انها عاشقة ...الحقيقة وكل الحقيقة ..هي تعشق عشقها به ...ولو اقام حائطاً لانتزاع الفراق ستقيم قلاعاً ...انا الفراق لا حيلة لها به ..
هتفت بعد أن اسقطت يداه المحتوية بحنو راق القلب وتغنى به ...سقطة وكأنها تُلقي بغريقا بين بقاع الظلمة بماء المحيط....:-
_ جيت عشان اخد حقي وانتقم من اللي قتل أبويا
تجمد مكانه ناظرا بلمعة خذلان قاتلة حرضت الغضب حتى يشتعل بمقلتيه ...ورغم أنه كان يعلم ذلك مسبقا بقرارة نفسه إلا أن ماكن ينتظر منها تلك الاجابة الجافة الخالية من خوفا يطل من عينيها ....فصاح غاضبا وهو يغرز اظافره بكتفيها بشراسة :-
_ مش قولتلك ما تجيش ورايا ...انتي ما بتسمعيش الكلام ليييه ...أفرضي كان جرالك حاجة
اناملها المرتفعة بقرب وجهها حمتها قليلا من شعورها نحوه وما ارتعبت خوفا إلا من نفسها وبحور عشقها به ولكن احيانا يجب أن نتراجع خطوات عندما يجثو خطرا ما على القرب ...وعندما يصبح الحب خطرا فمرحبا بالفراق ....
قالت ساخرة بمفردات الضيق من صوتها الصائح :-
_ أفرض انت اللي كان جرالك حاجة ...أنا قولتلك ما تخافش عليا واثبتلك ده ... انا محدش هيقدر يوقفني أني اخد طار أبويا .. ولا حتى أنت
قتم لون عيناه من غضبه المستعر بلهيبا ينذر بالخطر ومر عبر قسماته سريعا وكاد أن يصفعها لولا صوت سيارة الشرطة التي صدح من بعيد ...فقال بتوعد غاضب :-
_ حسابك معايا بعدين ...
القى نظرة سريعة على السيارة التي تقترب بضوء مصابيحها حتى فتح باب سيارته بعصبية ودفعها بداخلها ثم اغلق الباب مجددا بعنف حبس عنها برودة الهواء بداخل السيارة ... ورغم ذلك كانت شاكرة له أنه انقذها من تصريح كان سيهدم كبريائها للأبد ....
________________________________صلّ على النبي الحبيب
بدافع اللهفة الصارخة بقلبه وهو العاشق الصامت الذي جسر إلى الآن ولم ينفك عن اظهار البغض بدلا من إبراز سُبل السلام بعشق قلبه القديم ...وهي طفلته قبل أن تصبح زوجته بمظهر الاجبار وما كان ليجبره شيء بالعالم على شيء لم يرغبه ...رفع عيناه بأمرا من القلب الذي تسائل بعتاب .."اطمئن أيها القاسي .. وأرح نبضي الدامي عشقا" ...
فلبى آدم النداء ونهض ببطء وهو يرمقها متفحصا ...حتى اقترب ووقف أمامها حتى جثا قليلا وتحسس جبينها الدافيء فاطمئن بإعتدال حرارتها ....
فكر قليلا ثم تمدد بجانبها ناظرا لها بحنان لم يستطع إرسال تلك النظرة لو كانت يقظة الآن ..همس :-
_ ماكنش قصدي ازعلك يامريم ... بس أنتي مش عارفة تفهميني ...ونفسي تعرفي تفهميني
تفاجئ آدم بقفز جسد صغير بشعره الابيض أمامه حتى حجب رؤية وجهها واتسعت عيناه غيظا حتى اعتدل وكاد أن يُلقي بالهرة بعيدا فتذكر مريم حتى قال بنظرة متذمرة :-
_ أمري لله نستحمل المخلوقة الغلسة دي عشان خاطر مريم 😒....
والأمر المضحك الذي كاد أن يجعلها تعلن يقظتها خفية وترتسم الابتسامة على وجهها أن الهرة أخذت صدره وسادةً لها وغفت بعمق ....
ليهمس متعصبا بصوت تحكم في علوه :-
_ قطة غلسة 😫
________________________استغفر الله العظيم وأتوب إليه
شهدت هذه الليلة عدة صراعات بينها الدامي وبينها الدافيء شعورا ...وتناقض الشعور مثل تناقض الليل والنهار
واسدل الليل ظلمته القاسية على الانحاء ليصبح الهواء أكثر برودة ومع ذلك لم يطفئ غليان قليبهما ....
أنهى فهد أمر التحقيق مع أفراد الشرطة من زمائله حتى أتى بخطوات مهيبة بإتجاهها ...وتطلعت إليه من بعيد وهي تتنهد بحب يمزق حائط مقاومتها فأي قوة تستطع بها أن تتجنب تلك النظرة القاسية عشقا بعيناه ...
دخل سيارته دون أن يعيرها اهتماماً وابتعد من هذا المكان سريعاً وكأنه يهرب من نفسه .....
استرقت النظرات خلسه إليه ورأت جانب وجهه المكفهر بغضب صامت ...شارداً بشيء آخر غير القيادة ...والحديث الآن كان أمراً سخيفا لا ضرورة له سوى ارباكها أكثر ....
تمر الدقائق بطبيعتها المنتظمة ولكن الامر يختلف لفاطمة ، فكانت تمر ببطء شديد ...وكم ودت لو تهرب لغرفتها الآن بعيدا عنه ....حتى انتبهت لصوت أثار الضجيج بشكل مزعج وتوقفت السيارة فجأة بقوة وأدى ذلك لأرتطام رأسها للأمام بجسد المسجل حتى تأوهت بألم وصاحت لهفته وهو ينظر لها قلقا وقال :-
_ في اااايه ؟
بلعت ريقها وهي ترتفع برأسها وقد زار رأسها دوار جعل الرؤية مشوشة قليلا ....قالت تطمئنه:-
_ اتخبطت ... بس الحمد لله مافيش حاجة
باعد يداه مرغما ثم خرج من السيارة ليكتشف العطل ....
__________________________سبحان الله وبحمده
بين دفء الوثار في هذه الليلة الباردة المائلة لهبوط المطر ، اضجعت ياسمين بنظرة مبتسمة ...بنظرة يملؤها الامل بالغد ...حتى اتتها رسالة نصية على هاتفها ...التقطتها من جانبها لتتفاجئ أنها من رقم مالك ....ببضع كلمات جعلتها تبتسم ...بقلم رحاب إبراهيم
_ مش عارف ..بس اللي حاسس بيه أنك نصيبي
انا حبيت حياتي عشان أنتي فيها ....مستني الشمس تطلع بفارغ الصبر عشان أعرف ردك....بحبك
تمايل قلبها بسعادة مع بعض العجب ...فهو الآن لا يبصر شيء ، كيف دون تلك الكلمات على هاتفه ! ....يجب أن تسأله بهذا الامر ...
______________________سبحان الله العظيم
ورغم قربها ولكن غمرها الحنين وكأنه ببلداً آخر وليس على بُعد خطواتٍ منها حتى ترجلت من السيارة لترى إلى أين ذهب بتصليح ما فُسدَ .....
ورغم أنه لم يجد بُداً من تصليح سيارته فقد نُزعت أحد الاسلاك المحركة ...ولكن لم يُضيق بل شعر ببعض التسلية في الأمر ... وكأن الصدف تحالفت معه اليوم ...وكأن هذا المكان القاحل أراد رؤية عشقهم من جديد .... وكم تشابهت حدة قسوة الفراغ مع قلبه ....قلب لطالما صفع ثقوب الحب ليطل الشروق بالعشق إجبارياً ..... راقب اقترابها متظاهرا بتفحص المحرك حتى ارتبك عيناه من نبرتها الهامسة :-
_ احنا هنفضل هنا كتير ؟
أغلق فهد باب المحرك بصفقة تناثر لها الورق المتساقط وترك وحدة جذوره على جسد الاشجار وقال مقتضبا :-
_ مش بمزاجي يعني ...العربية محتاجة ميكانيكي ...ماعرفش إيه الحظ ده دي أول مرة تحصل والعربية جديدة اصلا !
زفرت بغيظ منه حتى استشعرت البرودة منذ أن لفح رطب الهواء بشرتها الدافئة ولاحظ ذلك بمكر .....
خلعه معطفه واعطاه لها ولكن رفضت ذلك واعترضت لكي لا تشعره برجفتها القوية ولا يستشعر ضعفها الذي يسليه ...
زم شفتيه بغيظ وهتف :-
_ الجو برد واحتمال تمطر ...ماتبقيش عنيدة !
التفتت له وقد رسمت على وجهها اللامبالاة وهي تفرد ذراعيها ولكن سبقها المطر وآراق دمائه الصافية عليها ....
رفعت عيناها للسماء الممطرة برجفة قوية وما لبثت أن ابتسمت وقد ارغمتها عادتها الطفولية أن تركض بسعادة ....
وأن لم تتوفر السعادة فأقلا تستطيع الركض ....
انغمس حذائها بمعجون الثرى الاسود ولكنها لم تتوقف ...
راقبها بعشق وهي تتحرك وما كان اقل منها شغف حتى تحرك بإتجاهها واحتوى ضحكاتها على قلبه بعاصفة دافئة لم تكن تتوقعها ...لتتحول تلك الضحكات الذي بثقت الحزن وصاحت إلى دموع شاهقة ليضاعف احتوائه لها وهي كذلك وهي تشهق من البكاء ثم سكن وجهها بين يديه بتسائل عاشق :-
_ بتعيطي ليه يا فاطمة ...انا جانبك
ضمته بقوة واعترفت :-
_ كنت مرعوبة عليك ...كنت هتموت يافهد وتسيبني
تفحص وجهها عشقا وضمها بقوة قاصدا بذلك حبسها بين ضلوعه خوفا وعشقا لم يكن يظن أنه سيتملك قلبه يوما
حتى قال بقوة ووعد :-
_ ماتخافيش ... اوثقي فيا ....مش هخذلك أبداً
ابتسمت براحة وقد سرى دفئا عظيما بأوصالها .....وقالت فجأة شيء صدمه :-