رواية معذب قلبى فى اسرائيل الفصل الثانى بقلم شريهان سماحة
أسرعت خديجة تهبط الدرج الداخلى وصولا للطابق اﻵرضى الذى يضم غرف الاستقبال ..
'فمنزلهم كان في الماضي عباره عن طابقين فى كل طابق شقه ، لكل من أبيها وعمها طابق خاص بكل واحد منهما .. ولكن منذ رحيل عمها حسين للقاهرة قام والدها بضم الطابقين فى شقه واحده لها طابق أرضى وطابق ثانى يربط بينهم سلم داخلي شبيه بشكل فيله متواضعه فى تفاصيلها ولكن ذات أثاث فخم ومن أجود ماصنعوا يوما فى مصانعهم '
دخلت مسرعه لغرفة صالون راقي وعلى ملامحها سعاده بالغه قائله للفت أنتباه عمها الذى كان يعطيه كاملا ﻷبيها :
- عمو حسين أنت هنا بجد ..
وأكملت وهى ترتمى فى أحضانه تبث له مكانته لديها ؛ فهو عمها الوحيد الطيب الحنون عليها وعلى شقيقتها قبل أن يكون والد حبيبها ومالك قلبها الاول واﻷخير
- وحشتنى جدا جدا ..
ضمها حسين بأيدى حانيه مرددا بعد أن أرتسم على ملامحه أبتسامه سعيده لرؤيتها :
- حبيبت عمو وقلبه .. أنتى اللى وحشتينى أكتر ياأكبر دكتورة فى مصر أن شاء الله
أبتسمت خديجة بسعاده لتفائل عمها بها مردد من بينها بعد أن أبتعدت قليلا :
- أنت كمان ياعمو هتقولى زى بابا أكبر دكتورة فى مصر
تحدث حسين وهو يجلس أخذها لتجلس بجانبه على أحدى كراسى الصالون الكبيرة :
- طبعا ..هو أحنا عندنا كام خديجة وكام دكتورة فى العيلة .. وكمان رافعه رأسنا كل سنه من أول الثانوية العامة للكلية بتقديرات عاليه وشهادات تقدير دا غير أحترامك وأدبك اللى كل الناس بتشهد بيهم
فنظر ﻹخيه حسن مكملا :
- ربنا يباركلك فيها ياسنسن يارب وتفرح بيها وبمى مع أحلى عرسان
تغيرت ملامح خديجة قليلا ومحت أبتسامتها على ذكر عمها للعريس
بينما رد والدها وهو يحمل ملامح الحزن قليلا :
- بالله عليك على ذكر العرسان لتقولها ياحسين ياأخويا توافق على الدكتور بتاعها اللى متقدم لها متأخر هى بتحبك وبتسمع كلامك
أكمل قائلا :
- دكتور محترم وأخلاق وأبن ناس ..من عيله عثمان بدر الكبيرة اللى هنا واللى تلت تربع شغل مينا دمياط طالع لحسابهم
ثم صمت قليلا وهو ينظر للأرض وأكمل بنبره تحمل حزنا يحاول أن لا يظهره للأخرين :
- نفسى أطمن عليها هى وأختها مع اللى يستاهلهم قبل مايحصلى حاجه
تفاجأ حسين وخديجة بنبرة حزن وكلام حسن الأخير :
فهمت خديجة بالرد عليه سريعا
- بعد الشر عنك يابابا ربنا يحفظك لينا ومنتحرمش منك أبدا .
أما حسين قلبه حدثه بأن أخيه ليس على مايرام فهو يشعر به وكيف لا يشعر به فهو تؤامه المتماثل فهما برد عليه قائلا :
- أيه سنسن أنت عاوز البنت توافق بأى طريقة علشان كده بتقلقنا عليك بكلامك ده
وبعدين كل حاجه بالخناق إلا الجواز باﻹتفاق أفرض وافقت عشان ترضيك وتيجى مترتاحش معاه ولسمح الله يطلقوا يبقا ساعتها هتكون مرتاح...
ثم أكمل قائلا : لو هى مش مرتاحه سيبها براحتها متغصبش عليها.
ثم حدث نفسه قائلا :
" كان نفسى أريح قلبك ياأخويا دلوقتي وأقولك تعال نقرأ فاتحتها هى وحمزة أبنى .. أنا مهما لفيت العالم مش هلاقى زيها ليه أبدا بس خايف أخد القرار فى لحظه تسرع من غير أبنى مايعرف ولا أشوره فى الأول " .
رد عليه حسن وهو يهز رأسه دليلا على صحه كلام أخيه بصوت هادئ :
- فعلا عنك حق يا حسين لازم تكون مقتنعه بالعريس الاول ومش علشان أريح نفسى أتعبها
همت خديجة سريعا بالتحدث مردده بهدوء :
- والله يابابا أنا نفسى أسعدك وأتجوز بس كمان نفسى أحقق اللى نفسى فيه الأول
قال حسين بنبره مرحه لتغير اﻹجواء قليلا :
- ماشاء الله .. ماشاء الله أنتى لسه كمان عندك حاجات متحققتش ياأروبه غير أنك طلعتى الأوله علي الثانوية العامة فى دمياط ، ودخولك كليه الطب
ردت خديجة مقهقه بصوت عالى نسبيا وهى توافق على كلام عمها :
- طبعا ياعمى فى كتير
وأكملت وهى تشير بالعد على أحدى صوابعها بدلال يليق بها :
- اولا .. تعينى فى المستشفى العسكرى
- ثانيا .. أعمل ماجستير فى تخصصى
- ثالثا .. أعمل دكتوراة وياسلام بقا لو أخدها من جامعة هارفرد
- رابعا .. أفتح عيادة كبيرة شبيه بمركز طبى متكامل لعلاج كسور العظام وتشوهات العمود الفقرى وتكون مكتوب عليها أسم عيله اﻵلفي بالبونط العريض .
تحدث والدها موجها كلامه ﻹخيه بنبرة غيظ مكتومه من أبنته :
- شوفت يا حسين .. شوفت اللى عوزه ترفع ضغطى وتجبلى الشلل مستعجل دا عقبال ماتعمل اللى بتقول عليهم دول تكون وصلت اﻹربعين وهى مستريحه .
ضحك حسين مقهقها بصوت عالى من طريقه كلام خديجة ورد أبيها عليها وتحدث بحل يرضى الطرفين نوعا ما قائلا :
- بصى ياستى حكايه تعينك فى المستشفى العسكرى سبيها عليا وأنا هحلهالك بأذن الله والماجستير والدكتوراة والعيادة مما تكمليهم لو جه أنسان مناسب ليكى بعد الجواز عادى زى أغلب الناس
تهلهلت أساريرها بفرحه عارمه عندما أستمعت لكلام عمها ورددت وهى لا تصدق :
- بجد ياعمو ..حضرتك بتتكلم بجد ممكن تعينى فى المستشفى العسكرى
رد عليها حسين قائلا بنبرة تحمل غضب مصطنع :
- أنا من أمتى وأنا مبتكلمش جد ..وبعدين تعالى هنا ياست خديجه هو عمك شويه فى القاهرة ..دا كل كبرات القاهرة بتاخد منى فرش قصورهم وفيلالهم هناك
تحدثت خديجه مازحه وهى تغمز بأحدى عينيها لعمها :
- ياسلام عليك ياعمو سحس ياجامد انت .
ضحك كل من حسن وحسين على جملتها الأخيرة
فى ذات الوقت دخلت بثينه لغرفة الصالون وهى تتوجه لهم بالحديث :
- أتفضل ياحاج حسن ..أتفضل ياأبو حمزة الغدا جهز علي السفره
وأكملت قائله :
- والله البيت نور بقدومك ياحاج حسين وكان نفسى الحاجه صفيه تكون معاك فى الزياره دى أصل واحشنى قوى قعدتها
تحدث حسين لها ويبتسم بوجه بشوش قائلا : ربنا يجبر بخطرك ياأم خديجة والبيت منور بأصحابه ، والحاجه صفيه محملانى سلامات قد كده ليكى وللبنات .
أبتسمت صفيه لحديثه فقالت :
- والله هى بنت أصول ومبيفتهاش الواجب خالص ..
وأكملت موجها كلامها لهم :
- أتفضلوا ..أتفضلوا قبل ما اﻷكل يبرد ومتحسوش بطعمه وأنتى ياجوجو ياحبيبتى أطلعى نادى علي أختك تتغدى معنا
هما قائما حسن وهو يرحب بأخيه ويوجهه لغرفه الطعام وتتبعهم خديجة لتنادى مى وهى سعيده على أمل أن يتم تعينها بالفعل
فى المستشفى العسكرى
فى أحد أحياء مصر الهادئه والتى تتميز بعلو شأن ساكنيها
وبالتحديد فى أحدى فيلالها الجميله
ذات التصميم الحديث من الداخل والخارج التى تنيرها أشعه الشمس الساطعه من أغلب الأتجاهات ، وتتميز بحديقتها الخلابه من شتى أنواع اﻵزهار ، الى أشجار الزينه بأنواعها المختلفه ذات الشكل المبهر ، لصوت تغريد العصافير المفرح لتكتمل جمال الصوره .
داخليا :
لا يقل جمالا عن خارجها
وفى غرفه صالون أيطالى التصميم قامت بتصنيعها مصانع اﻵلفي لﻵثاث الحديث ومتفرعه من أستقبال كبير يطل على حديقه المنزل ذات المنظر اﻹخضر الخلاب نشاهد أمراه ترتسم على ملامحها الجمال والطيبه تجلس على أحدى كراسى الصالون الفخم وتشاهد أمامها شاشه العرض الكبيرة والتى تعرض أحدى قنوات التلفزيون للتحضير أشهى المأكولات
- ست الحاجه صفيه
قالتها الفتاة التى تقوم بأعمال المنزل الداخليه وتدعى ' نعمة '
ألتفت صفيه معطيه لها أنتباها بالكامل وهى تقول
- نعم يا نعمة فى حاجه
- أحضرلك الغدا ياستى أنت مفطرتيش
- لا يانعمة بسنت لسه نايمه والحاج مسافر النهارده وأنا مبعرفش أكل لوحدى
- ماا..هو ..ماهو..
قالتها نعمة متردده وهى على وشك أخبار صفيه بشئ
- ماهو أيه ..متتكلمى يابت يانعمة علي طول قلقتينى
- ياستى ربنا مايجب قلق أبدا ..كل الحكايه أن سى حمزة بيه جه الفجر ونايم دلوقتى فى أوضته فوق
صحت صفيه بصوت عالى وهى تهب فرحه من مقعدها وتحدث نعمة بنبرة كادت أن تفتك بها قائله :
- بقا حمزة هنا من الفجر وسيبانى قعده هنا ومتقولليش أعمل فيكى أيه أنا دلوقتى أنتى ناويه تجنينى
قالتها صفيه وهى تخرج من الغرفه مسرعه لﻵعلى
فى حين قالت نعمة محدثه نفسها وهى تتابع طيف سيدتها للأعلى بصوت منخفض :
- يعنى هو يقولى متخليش حد يقلقنى وهى تقولى مقولتيش ليه علشان أصحيه وأشوفه ...أيه العيله اللى هتخلينى أشد فى شعرى قريب دى
دلفت صفيه بعد أن طرقت الباب طرقات خفيفه لأحدى الغرف ذات الطابع الرجولى الصارم من حوائط بلون الرمادى الفاتح الى فراش كبير بالون الأسود عليه أغلى المفروشات واﻷغطيه ، وحائط زجاجى ضخم ' مرأه ' تضع أمامه أغلى جميع أنواع العطور العالميه ، بالاضافه لمنضدتين صغرتين بالون الأبيض بجوار جانبى الفراش .. يتوسطهم فى وسط الغرفه أنتريه قيم من اللونين اﻷبيض واﻷسود كما يوجد باب لشرفه ضخمه تطل على حديقة المنزل الخلفيه والتى تحتوى على حوض سباحه كبير وفريد من نوعه بجانب الطبيعه الخضراء من اﻷشجار والزهور ،وأيضا باب أخر لغرفه صغيرة ملحقه مقسمه على نصفين الاول لتخزين الملابس واﻵحذية والنصف اﻵخر لدورة المياه واﻵستحمام
أبتسمت وهى تراى أمامها أبنها اﻵكبر ..أول فرحه قلبها ..وسيمها الغالى وهو ينام بعمق على فراش الغرفه
فجلست على حافته وهى تداعب شعره بطريقه لطيفه ومحببه لديه وعلى وجهها أبتسامه جميله لعودته ورؤيته سالما أمامها فهى كأى أم تخاف وتقلق على أبنائها
ولكن قلقها على حمزة أكبر ومختلف عن أى قلق عادى
فأبنها ومثله من الظباط الأخرين يذهبون لعملهم وهم يقدمون حياتهم أمامهم فى سبيل الدفاع عن الوطن من أى عدوا غادر ولكن هى بقلب متطمئن أستودعته الله أن يحفظه لها ويحميه .. والله قادر وأكبر على حفظ اﻷمانه .
تفجأت به يبتسم ومازال مغمض العينين ثم جذب يداها التى تداعب شعره لفمه ليطبع عليها قبله مطوله ..
ليتحدث بعدها مبتسما وهو يحاول أن يفتح عينيه من أثر النوم :
- صوفى حبيبتي واااااحشتنينى
قالت صفيه بعيون مبتسمه
- أيوه ..أيوه كل عقلى بكلمتين بكش
ثم أكملت مردده :
- لو واحشتك حقيقى كنت جيت تسلم عليا على طول وتعرفنى أنك هنا
نهض حمزة جالسا على فراشه وهو يمسك بأيدى والدته قائلا :
- صدقينى ياست الكل جيت الفجر ومحبتش اقلقك أنتى وبابا فقلت أنام شويه لأنى جسمى متكسر من كتر التدريبات الفتره اللى فات ووصيت نعمة ان محدش يصحينى لغايه لما تصحوا .
- نعمة!! دى لسه حسابها معايا بعدين .
- ليه ياأمى دى بنت غلبانه وصديقينى أنا اللى قولتلها ... عشان خاطرى سامحيها
- خاطرك غاالى أوى عندى ياحمزة
قال عمر وهو يقبل يداها
- تسلميلى دايما ياقلب حمزة
فرحت صفيه لجملته التى دائما يناديها بها وقالت
- طب يلا قوم تعالى أقعد معايا تحت أصلك واحشنى جدا ..جدا
- من عيونى هاخد شور وأصلى الضهر وأجيلك وكمان أشوف بابا وبوسبس أصل هما كمان واحشينى جدا .. من حق هو هنا ولا نزل المعارض
- لا ياحبيبى هو سافر دمياط النهارده الصبح
- دمياط ! ليه فى حاجه ..عمى بخير
- يا حبيبى بخير بس أنت عارف باباك روحه فى أخوه وبحب كل فتره والتانيه يطمن عليه وعلى بناته
- واحشنى والله عمى أكيد عتبان عليه جامد وكمان دا أنا نسيت حتى شكل بنات عمى خالص بس أعمل ايه دايما أجازاتى مدتها صغيره بسب الوضع اللى البلد فيه
- ربنا يحميك أنت وكل اللى زيك .. ولا يهمك عمك مقدر ظروفك ودايما بدعيلك كل لما يجى لينا زيارة
ثم أكملت بنبرة أنبهار وأغراء لهدف معين فى نفسها هى وزوجها :
- بنات عمك ماشاء الله عليهم بقوا جمال أيه ، وأخلاق أيه ، وأدب أيه ..دا غير تعليمهم خديجة بقت دكتورة قد الدنيا ومى لسه بتدرس فى طب بيطرى
قال حمزة بنبرة تحمل عدم الأهتمام قليلا :
- ماشاء الله عمى يستاهل كل خير ياأمى ربنا يباركله فيهم .. أنا هقوم بقا علشان ألحق أخد شور وأصلى الضهر .
وهب واقفا بعد أن أزاح الغطاء عنه وتوجه لغرفة تغير الملابس واﻹستحمام .
أما صفيه وجهت وجهها للسماء وهى ترفع كفى يداها داعيه الله بصوت هامس :
" ربنا يكتب من نصيبك يا حمزة ياأبنى واحده من بنات عمك " !