رواية من نبض الوجع عشت غرامي الجزء الثاني 2 الفصل الثاني والثلاثون 32 والاخير بقلم فاطيما يوسف



رواية من نبض الوجع عشت غرامي الجزء الثاني 2 الفصل الثاني والثلاثون 32 بقلم فاطيما يوسف 


 #بسم_الله_الرحمن_الرحيم

#لاإله_إلا_الله_وحده_لاشريك_له_يحي_ويميت_له_الملك_وله_الحمد_وهو_علي_كل_شئ #قدير


#الجزء_الأول_من

#البارت_الثاني_والثلاثون_والأخير

#بغرامها_متيم

#الجزء_الثاني

#من_نبض_الوجع_عشت_غرامي

#فاطيما_يوسف


حبايبي الحلوين يا ريت التفاعل على الفصل كتبته وانا تعبانه جدا عشان خاطركم وكمان على جزئين يعني طويل وما تزعلوش ان دي الحلقه الاخيره لسه فيه خاتمه باذن الله كبيره هتنزل على جزئين برده اتمنى الاقي ريفيوهات على الجروب وتفاعل واسيبكم مع البارت قراءه ممتعه حبيباتي 🥰 🥰 


وبعد الانتهاء من فك الجبس أتت اللحظة الحاسمة والفارقة في حياة تلك الصغيرة بعد أن قضت ما يقرب من عام على ذاك الكرسي المتحرك والموقف متأهب للخوف بصعوبة من كلتاهما حتى الطبيبة تقف حائرة خائفة من خذلان تلك الرحمة التي تعبت كثيرا وتحملت كثيراً وكثيراً ولكن إرادة الله هي الفيصل ، 


كان ماهر يقف بجانبها يتمسك بيدها وعينيه متعلقة بعينيها بابتسامة تنم عن مدى رضاه بقضاء الله وقدره ،


وأخيراً سألت الطبيبة رحمة بابتسامة بشوش :


ــ ها ياحضرة الباش محامية جاهزة إن شاء الله نبدأ أولى التمرينات.


أغمضت رحمة عينيها وهي تحاول استدعاء الثبات النفسي الشديد للمرحلة الفاصلة في حياتها وهي تضغط بيدها على يد زوجها بشدة وكأنها تتقوى به ثم استعانت بالله وأردفت :


ــ استعنت بالله ، اتفضلي يا دكتورة .


كان مكان الجبس متورم فأخرجت الطبيبة قربة مملوءة بالماء الساخن وبدأت بتمريره على موضع قدمها كي ينفك التورم رويداً رويداً وحتى يتم تعزيز الدورة الدموية في قدمها ، كانت القربة مياهها ساخنة بشدة فشعرت بها رحمة وهي تحاول ابعاد يد الطبيبة فطلبت منها :


ــ بعد اذنك يا دكتورة القربة سخنة جداً مش متحملة حرارتها .


ابتسمت الطبيبة بتفاؤل :


ــ ده مؤشر ممتاز جداً يا رحمة طالما رجلت حست بالسخونة يوبقى العملية نجحت بنسبة تسعين في المية ، 


وأكملت وهي ما زالت تمرر القربة على ساقيها بخفة :


ــ معلش نتحمل بقي علشان التورم اللي في رجلك يمشي هو طبعاً مش من اول جلسة بس هنحاول وبعد ما أمشي هتحاولي وتنتظمي على التعليمات كويس جداً علشان الدورة الدموية ترد في الساقين تاني وكله يوبقى تمام .


ثم استمرت الطبيبة في فعل تمرينات المياة الساخنة ووضع المراهم التي تساعد على لين العظام وعمل بعض التمارين المتمرسة عليها ما يقرب من ساعتين قد أهلكت فيهم رحمة والطبيبة فالأمر يبدوا شاقاً وليس سهلاً فطلب ماهر من الطبيبة عندما رأى تعب رحمة الشديد:


ــ طب ممكن يا دكتورة نستريح شوية وتشربي قهوة لأنكم انتو الاتنين تعبتم .


وافقت الطبيبة على الفور فتمارين العلاج الطبيعي شاقة للغاية فكانت تلك الهدنة بمثابة تأهيل رحمة لأن تستعد للقيام أخيراً والوقوف على قدمها ، 


وبعد مرور نصف ساعة قضوها في الحديث عن أمور عامة كي يُفك التوتر عن رحمة فالنفسية المنظبطة نصف العلاج ،


قامت الطبيبة مرة أخرى بتليين عظم الساقين قبل أن يقوموا بأهم مرحلة وهي التجربة الأولى ،

سألتها الطبيبة بتأهب للموقف الصعب:


ــ جاهزة يا رحوم خلاص هنبدا نقوم ونحاول نقف كل المؤشرات بتقول إن أعضاء الحس في رجليكي شغالة كويس جداً ؟


نظرت رحمة إلى ماهر بخوف ولكنه شجعها بعيناي يملؤها التفاؤل والأمل:


ــ يالا يا رحمتي يالا يا بابا خلاص فاضل تكة والحلو يعاود ارض الملاعب والمشاغبة من جديد ، 


ثم أكمل بمشاغبة قد أضحكت الطبيبة فذاك الماهر من الرجال القليلون الذين يعاملون زوجاتهم بالحسنى ويصبرون على مرضهم :


ــ هحاول اسندك وانتي ارمي حملك عليا ومتقلقيش الكتف يشيل يا بطل جيلك.


مطت شفتيها بامتعاض:


ــ بطل جيلك مين ! انت اكده هتتريق عاد أني بقيت ولا بطل ولا نيلة .


ساعدها على القيام براحة وهي تستند عليه بكل حملها ليقول بكلمات مؤازرة لها :


ــ مين قال دي انتي بطل الأبطال كمان يا رحمتي ، ايوة اكده اتسندي علي وبالراحة يا حبيبي.


بالفعل اتسندت عليه ثم بدأت تحرك ساقيها بصعوبة شديدة للغاية ولكنها استطاعت القيام أخيراً وانتصبت واقفة على قدميها بعد عناء شديد وهي تعتمد على ماهرها كلياً وما إن وقفت حتى قالت الطبيبة بسعادة:


ــ مبروك يا رحوم ، الف مبروك يا جميلة ، إنتي اكده نجحتي في أهم خطوة وهي انك وقفتي على رجلك ، شوية تعليمات بقي هتعمليها وبإذن الله في شهر هترجعي تجري وتتنططي تاني كيف ما كنتي .


التفتت بوجهها إلى ماهر وهي لم تكاد تصدق أنها وقفت على قدمها مرة أخرى ودقات قلبها تكاد تشق ضلوعها وكأنها لم تصدق انها أخيراً وقفت على قدمها مرة أخرى لتتعمق النظر بمقلتيه وهي تسأله بشفاه ترتجف :


ــ هو اني اكده طالما وقفت يوبقى هرجع أمشي على رجلى تاني يا ماهر ؟


أشار ماهر الي الطبيبة أن تسندها جانباً ليقف هو امامها كي يستطيع النظر داخل عينيها ويبثها الأمان والاطمئنان في اهم لحظة في حياتها ككل ثم أمسكها من يدها والطبيبة من خلفها :


ــ أمال ايه يا صغنن إنتي طلعتي قوية جداً وصبرتي على الابتلاء وربنا اداكي العزيمة والإصرار والإرادة انك تتخطي اصعب مرحلة في عمرك كله يا رحمتي . 


بللت شفتيها الجافتين بلسانها وهي لم تستوعب إلى الآن أنها على ابواب الشفاء:


ــ يعني هرجع أجرى تاني زي الاول وأرجع الشغل وأحقق حلمي إني أبقى أشهر محامية في قنا وأقف على رجلي قدام القاضي وأني هترافع وأهز المحكمة وأني هتحرك في القاعة كيف المهرة ؟


حرك رأسه للأمام بابتسامة وهو يؤكد عليها:


ــ طبعاً ومش بس اكده دي اني محضر لك مفاجأة بجهز لك فيها من بقالي كتير قووي ، 

وأديكي استغليتي السنة دي وذاكرتي كتير واطلعتي على كل القضايا اللي كنت همسكها وقدرتي تستدرجيني يا خبيثة وتعرفي كل ثغرات القانون من خط المحاكم .


ضحكت بسعادة كبيرة تنم عن مدي رضاها لحكم الله لتقول له بمحايلة بعدما شغل بالها بمفاجئته :


ــ وه مفاجأة ايه دي لازم تقول لي عليها حالا انت هتعرف إن الفضول حداي هيمـ.ـوتني لو ما تكلمتش ؟


هنا تحدثت الطبيبة التي تقف تتابع الحوار بشغف وهي تعشق هذا الكابل وكلامهم ومشاغبة كلا منهم للآخر ناهيك عن قصة عشقهم التي رأتها بأم عينيها بعدما ظنت ان هؤلاء العاشقين لم يذكروا إلا في الأساطير والروايات فقط :


ــ طب وبالنسبة للحيطة اللي انتي هتسندي عليها يا حضرة الباش محامية محلها إيه من الإعراب يا رحوم !


ماهو مش انتي تسندي وتحبي وأني اتكسح يا غالية اني واحدة حداي عيال وجوز زمانه بوزه شبرين هناك دلوك ولو طال يطير رقبتي بسبب التأخير مش هيتأخر دي ما هيصدق كمان علشان يُخلُص مني .


سحبها ماهر برفق وهو تجلس بنصف جسدها على التخت والضحكة الهادئة ارتسمت على محياه من كلام الطبيبة ليهتف بنبرة معترضة :


ــ أهو جنس الرجالة مظلوم معاكم دايما يا جنس حواء ما الراجل سايبك أها تحققي ذاتك وتمارسي مهنتك وهتلاقيه كمان قاعد لك بعيالك يا ظلمة .


رفعت الطبيبة شفتيها لأعلى باستنكار لتنفي ما قال:


ــ هو مين دي اللي هيقعد لي بالعيال جوزي !


دي كان زمان قاتلهم ودافنهم دي ما لهوش خلق واصل عيالي لما اكون راحة أي جلسة بوديهم عند امي اصلي متجوزة في الشارع اللي وراها وعمري ما اسيبهم معاه ابدا يا اكده يا اما مش هروح أي جلسات وهو دي شرطته .


استنكرت رحمة ما سمعته لتعترض بشدة :


ــ وه وهو لازمته ايه كأب مع عياله مش لازمن لما تكوني في شغلك اللي هيدخلك فلوس هتساعديه بيها وهترفعي معاه من شأن عيالكم يشيل هو العيال في الوقت دي ويشوف مصالحهم زيك تمام ؟


نظرت إليها الطبيبة بأسى وهي تحرك رأسها برفض:


ــ له هو شايف إن مسؤلية البيت والعيال من اختصاص الست وإنه كراجل مينفعش يمد يده في اي حاجة في البيت ولو مش عاجبني أقعد في البيت وأربي عيالي من السكات ونمشي كلاتنا على قد إمكانيته حتى لو هناكل عيش وملح أهم شئ مطالبهوش بأي مسؤلية تجاه البيت والعيال دي توبقى ساعة طين .


انزعجت رحمة بشدة وقد نست حالها وما بها ولم يعجبها ذاك الزوج المتسلط من وجهة نظرها لتنسج صورته من وحي خيالها وتطلعها عليها قولاً :


ــ يوبقى لازمن سي السيد جوزك من الرجالة اللي هيرجعوا من شغلهم يلاقوا الوكل جاهز وتقومي من على الوكل تجهزي له الشاي وبعد اكده ياخد بعضه ويدخل ينام ساعة القيالة لما يشبع ويرتاح وبعد اكده يصحى تعملي له كوباية القهوة ويروح يخرج يسهر مع أصحابه ويرجع للست اللي متجوزها اللي بتكون هلكت طبعا طول النهار من مسؤوليتها وما ارتاحتش يطلع عينيها وفي الآخر ينام ويشخر ولا على باله صوح الكلام ده يا داكتورة ؟


ابتسمت الطبيبة ببلهاء لمر الواقع الذي تحياه وكأنها بابتسامتها تلك تجبر حالها على النسيان كي تعيش في كنف ضل رجل وتحافظ على صورة العائلة وتفني روحها هلاكاً في معركة الزوجية التي لم تنتهي إلا بانتهاء روحها ومن الممكن أن يأتيها الموت وهي في وحلة أشغالها التي لم تنتهي ويكون هو بمثابة الرحمة من رب العباد لها :


ــ صوح الصوح يا رحوم هو انتي عرفتي كيف الروتين اليومي لأبو الغضب حداي ؟


اهتز فكها ساخراً من رضا تلك الطبيبة بتلك الحياة البائسة التي تعيشها :


ــ هي داي محتاجة مفهومية يا داكتورة !

انتي ازاي توبقي متعلمة ودكتورة وصاحبة شأن ومركز علام عالي وترضي بالعيشة المهينة داي ! ليه من البداية متفقتوش على نظام حياة فيه تبادل للاعمال الزوجية ما بينك وبينه طالما انتي ست عاملة وبتدخلي بيته فلوس وحتى لو مش عاملة من الرحمة والعدل انه يسندك ويقف معاكي في كل صغيرة وكبيرة !


ازاي رضيتي بالقهر والظلم دي وانك تدفني شبابك في الشغل والبيت والعيال ونفسك ملهاش عليكي حق واصل انك تراعيها ؟


كان ماهر قد تركهم يتحدثون سويا وخرج يجري بعض المكالمات الهامة لعمله ، 

لقد ضغطت رحمة على وجع تلك اليائسة بشدة حتى أدمل جُرحها وصار ينبض بوجع القهر والرضا بالمقسوم كما تسمع من نصا ئح والدتها دائماً وهي تردد :


ــ يعني أعمل إيه ! حاولت كتير مقدرتش عليه ، غضبت وسبت بيتي مرتاحتش في بيت أهلي من تنبيط ماما ليا عمال على بطال ، أستغل فرصة ضعفي اني وامي في إني هيتقال عليا مطلقة زيها واكيد العيب مننا واني طالعة لها مبعرفش اعاشر راجل وأبني بيت واحافظ عليه واني كل اللي بعمله بخلق مشاكل وتفاهات توقع بيتي واني هبقى السبب في تشتت ولادي واني برميهم في نـ.ـار فراقنا بإيدي لاني ست بدلع اكده من وجهة نظره فغصب عني رضيت وسكتت وكمان ماما قالت لي هشيل معاكي مسؤولية العيال ملكيش دعوة بيهم وهربيهم زي ما ربيتك بس اهم حاجة تشتغلي وتحققي ذاتك ومتسيبيش شغلك أبدا واللي متقدريش تعمليه في البيت بفلوسك هاتي اللي يعملوا لك واستريحي انت كمان وقت ما تحبي فبقيت اعمل اللي اقدر عليه ولولاها كانوا ولادي ضاعوا وجاعوا بتذاكر لهم وبتوكلهم ومتابعة دروسهم وبتعلمهم كل حاجة حلوة لازم يتعلموها .


ربتت رحمة على ظهرها بحنو وقد تأثرت بقصتها بشدة و ودت لو انها تذهب لذاك الزوج المتسلط القاهر لتلك المسكينة وتخـ.ـتنقه بين يديها من ظلمه البين لأهل بيته :


ــ معلش يا حبيبتي ربنا يجازيكي خير على تعبك وصبرك بس هو ملهوش أم وأب يوقفوه عند حده معاكي ويخلوه يغير أسلوبه البارد دي ؟


ضحكت الطبيبة بسخرية على سذاجة تلك الرحمة :


ــ ههه والله إنتي طيبة قوووي يا رحوم ، أم مين اللي هتقف مع مرات ابنها ضد ابنها دي لو عينيها شافت غلط ابنها تكذب عينيها حتى ولا انها تدافع عن الغلط وتنصف الحق ، وأبوه الحق يتقال دايما يقول لي معلش واصبري وربنا يرضيكي بالخير واتحملي علشان ولادك وأهي ماشية وبتعدي .


ــ سبحان الله ربنا مديكي صبر وقوة تحمل اللهم بارك يعني اني لو عايشة مع راجل زي دي والله لا أنسيه اسمه واليوم اللي اتولد فيه وهطلع عنيه وعمشيه على العجين ميلخبطوش .


ــ يا سلام يا قوي انت يا جامد أهو أنا لو قعدت معاكي وادتيني حبة دروس في ازاي أبقي قوية ومفترية هقدر عليه بس لازم اقوم دلوك يا رحوم علشان دي معاد قهوة أبو الغضب ولو اتأخرت عنيه هدخل في حوارات الست المهملة اللي مبتراعيش جوزها وهلم جر .


ــ طب ما يقوم ويعملها لنفسه تك ضـ.ـربة في معاميعه اللي ربنا ينتـقم منه دي ، 

لا مؤاخذة يعني يا دكتورة الجلالة خدتني شوية اصلي مهحبش القهر والظلم للست بالذات .


ــ مؤاخذتك معاكي يا رحوم ولا يهمك اني هدعي عليه يوماتي ولا هيحوق فيه البعيد ، المهم اني همشي دلوك ومن اللحظة اللي همشي فيها لازم نتحرك على قد ما نقدر ، نلتزم ببرنامج العلاج اللي شرحته لك ، ناخد الأدوية بانتظام علشان ترجعي لطبيعتك تاني بسرعة ياقمري.


أنهت الطبيبة تعاليمها وغادرت المكان وصعد ماهر إليها وبدآ سوياً اولى خطوات تقدمها في علاجها حسب تعاليم الطبيبة كما ينبغي أن يكون .


     «««««««««««««»»»»»»»»»»»


مر شهراً على تلك الأحداث وأصبحت سكون في شهرها الرابع بل منتصفه وبطنها انتفخت بشدة نظراً لما تحمله أحشائها من ثلاث توائم ، 


وكما أن زينب تهتم بطعامها جيداً بل وتضعط عليها أن تأكل مما تقدمه لها إجبارا عنها في بعض الأحيان ، 


كان الوقت بالتحديد في الساعة الحادية عشر صباحاً حيث خرجت زينب بإناء مملوء بالطعام وما إن رأتها سكون قادمة حتى نفخت بقلة حيلة وهي تتنحى جانباً كي لا ترى زينب ضيقها ثم التفتت بوجهها بعد أن نادتها زينب :


ــ يالا يا سكون يابتي مدي يدك وقولي بسم الله .


اصطنعت سكون البكاء لتردد برفض :


ــ أمممم... يا ماما الحاجة حرام عليكي اني لسه فطرانة مبقاليش ساعة هاكل تاني كيف ،


ثم نظرت إلى الإناء باندهاش وسألتها على الشئ الذي ينضح به وحرارته تجعله يتفقع ورائحة البصل والثوم تغزو منه بشراهة :


ــ وايه دي كمان اللي هيبقبق على الاخر دي ، ولا ريحة البصل والتوم هتحكي حكاوي يا حاجة واحنا لساتنا على الصبح عاد ؟!


ضحكت زينب لكلمات سكون ثم أجابتها وهي تصطنع الاشتهاء لما صنعته يداها:


ــ دي فضلة خيرك أمعاء البقرة اللي لسة دابحينها عشية ، كبدة على فشة على مخ على طحال ، على أم الشلاتيت ، والبصل فيهم والتوم حاجة تظبط الجمجمة وهتخليكي تمخمخي ، حبة حاجات اكده يفتحوا النفس على الوكل ، وبيني وبينك هيقولوا الحاجات دي هتخلي الحبلة تجيب الواد واني عايزة الواد .


استنكرت سكون ما قالت وهي تنظر للطعام بنظرة مشمئزة بعد أن علمت كنهه :


ــ ايه دي ، إنتي عايزاني اكل أم الشلتوت دي كيف كفى الله الشر يعني ! له اني مهكلش الحاجات داي واصل ، الناس تصحي تفطر على باتون ساليه او قراقيش بالجبنة مع كوباية لبن وانتي عايزة توكليني فشة وكبدة وام البتاع داي اللي شكلها ميسرش أبدا .


اعترضت زينب لما قالته :


ــ باتون ايه دي يختي اللي عايزة تفطريه وانتي حبلة في تلاتة يابتي ! وبعدين القراقيش داي هيفطروها أفسر ايه بتوع الكامبوندوت أما اهنه إنتي في سراية الحاج سلطان المهدي صاحب اكبر مزارع العجول والبقر فيكي يا قنا ، 


وبعدين انتي عايزة واد ولدي يطلعوا رجليهم معوجة كيف العيال اللي هنشوفهم اليومين دول !


وضعت سكون يدها على بطنها بتخوف مما قالت ونطقت برعب :


ــ كيف دي اني هاخد المقويات والفيتامين كويس جداً ومحافظة على الأدوية اللي هتخلي الجنين يطلع زين بإذن الله ما تحاوليش تخوفيني عشان اكل الحاجات دي واني نفسي مش قبلاها واصل مش شايفة منظرها عامل كيف ؟


صممت زينب على أن تأكل مما فعلته فهي لابد أن تهتم بأبناء ولدها وان ينزلوا من أحشاء والدتهم أشداء أعفياء :


ــ وه يابتي متتعبيش قلبي الله يسترها معاكي الولد عشان يطلعوا أعفيا وشداد كيف ابوهم الخالق الناطق لازم تعملي اللي هقول لك عليه ولازم تاكلي الحلويات بتاعة البقرة دي كلاتها صحة وعافية على بدنك وبدن ولادك .


دبت سكون قدمها وهي لن تعلم أنها لن تستطيع الإفلات من قبضتي زينب لتقول بتأفف :


ــ أووووف بقي اني هاكلها كيف واني مطيقاش شكلها ولا اسمها يا ماما ؟


رفعت زينب الإناء ناحية وجه سكون لتقول لها بابتسامة بلهاء ولعابها يسيل :


ــ قربي يابتي شمي ريحتها اللي هتنغشش في مناخيرك والله ريحتها تشهي وطعمها زين قوووي ، قربي يابتي .


اقتربت سكون منها باشمئزاز وما إن اشتمت رائحتها الذكية فصنع زينب لن يخيب أبدا ونفسها في الطعام يفتح النفس والشهية ليسيل لعاب سكون بنهم :


ــ ريحتها تشهي وزينة قووي يا ماما ، بس كيف هاكل حاجة معرفهاش واصل.


مدت زينب يدها في الإناء وهي تقطف لقيمة صغيرة ثم أقربتها من فم سكون ففتحت سكون فمها بصعوبة لتضع زينب اللقيمة دفعة واحدة وهي تردد بسعادة وكأنها فازت في حـ.ـرب اعتراض سكون:


ــ ها ايه رايك عاد بذمتك مش تشهي يا داكتورة ؟


مضغت سكون الطعام بشهية وقد أعجبها بشدة لتحرك رأسها بابتسامة عريضة وبدأت بتناول رغيف الخبز البلدي الذي صنعته زينب بيدها وليتها انتهت على لقيمة واحدة بل ظلت كلتاهن تطعم الأخرى حتى انتهى الإناء بما فيه وبعد أن افرغتا محتوى الطعام حتى تنفست سكون بصعوبة :


ــ ياااه يا ماما الحاجة مقدراش أتنفس خلاص دي أني عمري ما عميلتها الجريمة داي ، اني متهيألي اني هتخن ياجي خمسة كيلو النهاردة ؟


ضحكت زينب بانتصار وهي لم تشعر بامتلاء معدتها فهي معتادة على ذاك الطعام لتردد بمشاغبة :


ــ دي انتي كان ناقص تاكليني يا داكتورة ، 


ما شاء الله مشنة العيش خلصت الله اكبر ولاد ولادي شبعوا من يد ستهم النهاردة .


ضحكت سكون بشدة على مشاكسة زينب لها :


ــ وه مش انتي اللي أصريتي اني اكل الشلتوت دي ، والله أول مرة أكل الحاجات داي منك .


رددت بموافقة وهي ما زالت تكمل مشاكستها:


ــ ايوة أيوة ماجدة مربياكم على البانيه والمكرونة .

ظلت كلتاهن تضحك على خفة زينب ثم قامت تحمل الأواني الفارغة ثم ذهبت الى المطبخ واختفت قليلاً وعادت بإناء مملوء باللبن الطازج وبجانبه الباتون ساليه وبضعاً من القراقيش ووضعتهم أمام سكون وهي تفتح التلفاز:


ــ خدي يا بنتي اشربي اللبن وكلي القرقوشتين دول وانت هتتفرجي على التلفزيون سلي نفسك وانتي قاعدة اكده .


فتحت سكون فاهها بدهشة لما رأته وهي تضع يدها على بطنها المنتفخة من شدة الطعام :


ــ وه هسلي نفسي كيف عاد وهي بطني بقي فيها مكان للقراقيش واللبن عاد اني كده بقيت حاسة إني كيف بطة جدو علي تصحى من النوم تغطس وتعوم وهات يا لعب وهات يا نوم اما انتي هات يا اكل وهات ياشرب لما هفرقع يا حاجة وابنك هيلاقيني سمنت ويدور على واحدة غيري تكون خفيفة ورشيقة يرضيكي اكده ؟


أشاحت زينب يدها باعتراض:


ــ له من الناحية دي ما تقلقيش ولدي متربي زين وما هيبصش لمرة غير مرتَه واصل ، دي عمران تربية زينب وانتي خابرة عاد إن عمران مهيشوفش غيرك يا صبية .


ظلوا يتسامرون بحب والبسمة تزين ثغرهم والوقت يمر في ألفة بينهم حتى عاد عمران من عمله ووجد المشهد الذي يحبذه قلبه زوجته ووالدته يبتسمون ألقى عليهم السلام وهو يقبل ناحية والدته اولا ويقبِّل جبينها ثم ناحية سكونه ويقبل جبينها أيضاً ثم جلس أوسطهم وهو يسألهم عن أحوالهم :


ــ كيفكم يا حاجة وكيف الولد على حسك أكيد قايمة بالواجب وزيادة ؟


هنا هتفت سكون وهي تتنفس بصعوبة:


ــ يختيي على ماما الحاجة دي نفختني النهاردة يا عمران قال ايه إن لما آكل أحشاء البقرة والموز هجيب الواد يعني لو كان بنت هتتبدل وتوبقى واد .


لكزتها زينب بخفة:


ــ بس انتي هتعرفي حاجة انتي هو في زي نصايح ستاتنا زمان كانوا هيقولوا حكم من دهب وكان حكمتهم بنشوفها قدام عينينا اكده.


سأل عمران سكون بترقب:


ــ يعني انتي على اكده يا داكتورة كلتي فشة وكلاوي ومخ ومسارين .


حركت سكون رأسها للأمام مع ابتسامة عريضة زينت وجهها لتهتف زينب بتأكيد :


ــ وه أمال ايه ! دي كانت ناقص تاكل الصنية وراهم عاد من حلا الوكل صنع ايديا ، هي داقت لقمة واحدة وعليها عينك ما تشوف إلا النور كان الطبق ممسوح .


ضحكوا جميعاً بسعادة لتردد سكون بنفس الخفة من بين ضحكاتها وهي ترى نظرات عمران الغير مصدقة لما قالته زينب :


ــ هتبص لي اكده ليه يعني هو أني كلتهم لحالي ما هم ولادك هما اللي كانوا هياكلوا عاد يا عمران ؟


ربت عمران على ظهرها بحنو:


ــ وهو اني اتكلمت عاد اصل مش عوايدك الوكل دي فعلشان اكده استغربت شوي .


بعد مرور ما يقرب من ساعة تناول فيهم عمران الطعام ثم استئذن من والدته كي يصعد إلى شقته واستندت عليه سكون وما إن صعدا إلى الأعلى حتى جذبها إلي صدره وهو يتحسس جسـ.ـدها باشتهاء :


ــ تخنتي ومليتي وبقيتي بطة بلدي في نفسك وحاجة آخر جمال وحلاوة يا سكوني .


عضت سكون على شفتيها بخجل من نظراته وهي تردد :


ــ يعني التخن دي عاجبك واني لساتي في الشهر الرابع يعني على اخر الحمل مش هقوم من مكاني واصل .


شدد على احتضانها ثم غمز لها وهو ينظر لمنحنياتها برغـ.ـبة :


ــ دي حلو خالص ، جميل خالص ، اصلك متعرفيش انك من ساعة ما حملتي وانتي كل يوم هتزيدي حلاوة يا سكوني بالراحة على عمرانك يا قلبي .


لكزته في كتفه بخفة لتقول بدلال :


ــ بقيت بكاش قووي يا عمراني هو من ميتى التخن حلو مفيش أحسن من الرشاقة.


رفع حاجبه الأيسر باستنكار :


ــ بس يا بابا إنتي عارفة حاجة ، اني صاحب النظرة والغمزة وأفهم في قوانين القرب اللي هتقول مفيش أحلى من البلدي هو اللي هيكسب لا أوربي ولا غربي ولا نحافتي وبعدين اني عاجبني الحال اكده ومكيفني على الاخر ومزاجي نفسه ينبسط بالتغير المفاجى دي بمنحنيات سكوني .


مررت لسانها على شفتيها بخجل:


ــ على فكرة انت بقيت بتقول كلام عيب يا عمران انت خلاص كبرت على الدلع دي وهتوبقى أب يعني لازمن تعقل بقي .


اتسعت مقلتيه ليردد بمكر:


ــ عقل مين وليه وبعدين الأبوة مالها ومال المزاج دي نقرة ودي نقرة !


ضحكت على طريقته فى غزلها التي لم تنتهي بعد مهما مرت بهم سنوات الزواج ثم أكملت مشاكسته :


ــ وه وانت مفكر أن لما ولادك ياجو الدنيا هتعرِف تظبط المزاج دي انت تنساني لمدة سنتين على الأقل يا عمراني .


رفع حاجبيه معاً ثم قـ.ـرصها من خصـ.ـرها الممتلئ بعض الشئ مما جعلها تأوهت بخفوت ليهتف بنبرة معترضة حد الإعتراض:


ــ مين دي اللي هينسي سنتين مفيش الكلام ده يا سكوني واياكي ثم اياكي تفكري تهربي من حضن عمران وإذا كان على العيال ستهم تحت وأجيب معها اتنين كماني كله إلا المزاج وصاحبته دي اكده هيلعبوا في الثوابت وحسك عينك تفكري إنتي وولادك تلعبوا في الثوابت اكده مش ههعمر وياهم وهطفشهم علطول .


تململت سكون بين يديه وهي تصطنع الاستنكار لما قال :


ــ وه هتزعل ولادك اللي هتترجاهم من الدنيا وهما رايدين حضن أمهم عاد علشان حبة دلع عايز تدلعه .


تمسك بخصرها بشدة وهو يقترب من أنفها يداعبه :


ــ طب وولادي يزعلوا أبوهم ليه طول ماهما حلوين وياي هعاملهم معاملة زينة طول ما هيقلوا بدماغهم وياي هعمل معاهم الدنيئة ،


ثم قبلها من وجنتيها باشتياق ليكمل برغـ.ـبة :


ــ وبعدين هو احنا هنقدر البلا قبل وقوعه ليه وبزياداكي عاد بقي الحديت عن العيال وخوتتهم هما هيبتدوها إزعاج للمزاج من وهما لسه في بطنك ، اني عارف دي عين الدكتور اللي رشقت للعمران.


ضحكت سكون بدلال راق له على كلمته الأخيرة ليجذبها إلى أحضانه وهو يردد بعبث :


ــ دي باينها احلوت قووي ، يا هلا بأحضان الحبايب يا سكوني .


تتولد المشاعر عند ملامسة يد شخص ما، الصوت الصادر من الموسيقى، رائحة الأزهار، الغروب الجميل، الحب، الابتسامة، الأمل والإيمان، جميع الأعمال المفيدة وغير المفيدة تؤثر على الإنسان نفسه، 

فاللحظات الجميلة ليس بالضرورة أن تكون ناتجة عن أشياء ثمينة أو نادرة الحدوث، فقد تأتي لحظة جميلة بمجرد ابتسامة تراها على محيا أحدهم أو كلمة طيبة تسمعها من أحد الأشخاص.


      «««««««««»»»»»»»»»»




اما عند العروسين تشعر فريدة بالدوار الدائم وأن مزاجها سيئاً للغاية وأنها تريد النوم دوماً وتلك الحالة انتابتها منذ يومين فقط ، 


عاد فارس من عمله تسابق أقدامه الريح فهو قد وعد فريدته بعزومة على يخت فاخر منذ ان علم مدى هوسها بالبحر والسفن ،


دلف إلى المنزل وبالتأكيد سيجدها في انتظاره وهي بكامل حلتها كي يقضون وقتاً سعيداً طويلاً في النزهة في الخارج قبل ان يمر الوقت ويضيع ، 


وللعجب وجد المنزل فارغاً صعد إلى غرفة نومهم وهو ينادي :


ــ فيري ، إنتي فين يا حبيبي.


دلف إلى الغرفة وجد الهدوء والظلام يعم المكان فاندهش لذلك ووجد فريدة تغط في سبات عميق ولم تشعر حتى بمحيئه فأصيب بالإحباط الشديد ، 


ثم أضاء الأنوار الخافتة واقترب منها وهو يمسح على شعرها الذي دوماً يثيره هامسا بجانب أذنها برفق :


ــ فيرى ، ايه يا حبيبي لسه نايمة ليه هو احنا مش متفقين اني هاجي الاقيكي لابسة وجاهزة علشان نخرج نسهر برة .


تململت فريدة في نومها وهي تشعر بالكسل الشديد وأسفل معدتها يؤلمها بتقلص شديد :


ــ معلش يا فارس حاسة بدوخة ومعدتي بتوجعني وشكلي اكده أخدت برد شديد ومقدراش اقوم من مكاني .


شعر بالقلق الشديد لأجلها ثم على الفور جذب ادواته الطبية ليقوم بالكشف عليها فهو طبيب جراح ولكن مكتسب خبرة في طب الباطنة بامتياز ويعود ذلك لتعليمه في الخارج واهتمام أبيه أن يكون طبيب ناجح :


ــ ما تقلقيش يا حبيبي ان شاء الله خير ممكن يكون عندك برد في معدتك او عندك حساسية من حاجه معينة هنشوف دلوقتي .


ثم بدأ بفحصها بشدة وهو يسألها عن أشياء معينة وإجابتها بعيدة كل البعد عن أعراض البرد ليسألها :


ــ الفحص بيقول ان دي مش أعراض برد خالص ، 

بقول لك ايه يا فيري هي البريود ميعادها امتى ؟


خجلت من استفساره لتجيبه :


ــ معادها فات من خمس ايام ولسه مجاتش .


ابتسم وهو يحمل سماعته وأشيائه ليغمز لها بشقاوة:


ــ لاااا بقي ده ابو الفوارس لازم يتبخر ، جاب جون من أول ركلة وأصاب الهدف ومضيعش وقت .


اندهشت من كلماته لتسأله باستغراب وتفكيرها بعيد كل البعد عن احتمال الحمل :


ــ تقصد ايه بالألغاز دي يا فارس ركلة ايه وجون ايه وايه الكلام الغريب دي ؟


مرر أصابعه على وجنتيها الحمراء من أثر النوم يتحسسهم برفق ليجيبها بمشاغبة :


ــ جرى ايه يا حبيبي امال لو ماكنتش دوك قد الدنيا وبتفهميها وهي طايرة كنتي قلتي ايه !


ما بتسمعيش في التلفزيون عن المدام لما تبقى دايخة وتعبانة ويجي الدكتور يكشف عليها في البيت وبعد الفحص يرفع وشه لفوق وهو مبتسم ويقول لهم مبروك المدام حامل يبقى انتي ايه يا فيري ؟


قامت من نومها بهدوء وهي تستند بكفها على التخت لتردد بذهول من مفاجئته :


ــ حامل ! كيف دي ؟


رفع حاجبيه باستنكار:


ــ يعني ايه كيف دي اللي بتقوليها هو انتي متجوزة سوسن ولا ايه ! 


ثم أكمل مداعباً إياها:


ــ ده انتي متجوزة لعيب في هجمات الحب بيعرف يجيبها من الاول هو احنا بتوع اشاعات وتحاليل ولف ودوران يا ماما .


ابتسمت لكلماته ثم وضعت يدها أسفل بطنها وهي تهمس برقة :


ــ يعنى اني هبقي مامي علطول اكده معقولة ؟


خمس بأصابعه في وجهها بخفة :


ــ الله أكبر علينا وفيها ايه يعني محصلتش قبل كده مشمعتيش عن اللي حملت في ليلة دخلتها يا فيري ؟


وضع يدها على يدها الموضوعة أسفل بطنها ثم هبط لمستواهم وقبلهم ثم نام على قدمها وأصبح مقابلاً لعينيها:


ــ انا فرحان قوي يا فيري اخيرا هيبقى عندي عيلة وأولاد حاجات بتمناها هحققها معاهم هدخل البيت ألاقي دوشة، هلاقي ناس اتكلم معاهم ، هيبقى عندي بإذن الله عيل واتنين وتلاتة وأحقق معاهم طفولتي اللي انا ما عشتهاش، 

متتصوريش انا مشتاق وعلشان كده ربنا حب يكافئني على اللي حصل لي سنين عمري وجبرنا احنا الاتنين بدري بدري ،

يا ترى انتي مبسوطه زيي انك هتبقي مامي ؟


مسحت على خصلات شعره بحنو في حركة رقيقة مثلها راقت له بل وتوغلت براحة داخل جسده وهمست بتأكيد :


ــ طبعاً يا حبيبي مبسوطة قوووي اني هبقى مامي ومنك ، أني هحبك وهحب اني يكون لينا أطفال وجو العيلة دي ربنا مش هيحرمنا منه إن شاء الله وانت هتوبقى ابني البكري اللي هفضل أدلعه واطبطب عليه وأخده في حضني وعمري ما هقصر معاه ابدا.


شرد بذهنه في الحنون الحاضر الغائب والدته ليهتف بشجن:


ــ كان نفسك قوي ان ماما تكون عايشه وتشوفني وانا متجوز الانسان اللي انا بحبها وكمان اخلف اطفال هيكونوا احفادها كان نفسي قوي تربي معايا ولادي وتشوفهم وتفرح بيهم ما تصوريش كان حلمها قد ايه انها تشوفني وانا عريس وتشوف ولادي وتحضنهم بين ايديها عبير اتعذبت قوي يا فيري لدرجة ان حتى الأحلام البسيطة ما كانتش بتقدر تحلمها ربنا يسامح اللي كان السبب ، ربنا يسامحه .


ابتلعت ريقها بصعوبة من حزنه وهي تحسس وجنته برفق ورأت لمعة الحزن الشديد في عينيه ثم ترحمت على والدته :


ــ حبيبتي الله يرحمها هي في مكان أحسن دلوك عند ربنا أحن عليها من عباده اللي ما رحموهاش ، 


وأكيد روحها حاسة بيك واحنا بنروح نزورها كل أسبوع كأنها عايشة بالظبط الميت بيحس بزواره وما تقلقش اني عندي وعد ليك لو طلعت بنوتة لازم أسميها عبير ولازمن احكي لهم عنها دايما ولازمن سيرتها تفضل على لساننا والأولاد كمان ولادنا بإذن الله يحبوها من حكاوينا عنها هي دلوك مش محتاجة مننا اكتر من الدعاء والصدقة اللي هيخلوها مرتاحة في قبرها .


ردد بلسان يرجف اشتياق لحضن والدته :


ــ وحشتني قوووي يا فيري ، وحشتني ريحتها ، وكلامها ، وحنيتها عليا ، وحشني حضنها الدافي ليا في عز وجعها وألمها عمرها ما حسستني بنقص في المشاعر والحب ، ملت قلبي وعقلي حب وحنان وذوق ورقة ورجولة ، عملت معايا الحلو اللي في الدنيا كله خلتني انسان يا فريدة ولما ماتت اخدت معاها كل حاجة حلوة في حياتي .


أدمعت فريدة لوجعه ثم حضنت وجهه فاستقام وهو يتشبس في أحضانها وهو يردد بشجن:


ــ انتي زيها مليانة حنان يكفي العالم كله ، أنا مش عارف من غيرك انا كنت هروح فين ومصيري كان هيبقي ايه ، 


أنا كنت من غيرك ضايع ، إنتي دعوة أمي الحلوة ليا يافريدة ، ربنا يخليكم ليا وميحرمنيش منكم ابدا ويكمل حملك على خير .


شددت على احتضانه بحنو بالغ كي تبث به الأمان وهي تهمس برقة:


ــ يارب ياحبيبي ، وانت كمان متستهونش بنفسك ، انت ادتني الأمان في عز ما انا كنت خايفة منك وضعيفة ، قبلتني بظروفي اني أقل منك وعمرك ما تكبرت عليا ، ادتني حب واحتواء وثقة ومشاعر حلوة قووي عمري ماكنت اتمنى اكتر من اكده مع غيرك ، انت كل حاجة حلوة في حياتي يا فارس .


وإن صادفت قلبًا نقيًا أبيض كالزهر لا تفرط فيه أبداً فصدقني يا عزيزي أجمل القلوب أنقاها ، فستحتار في البشر ولكن لن ترتاح سوى مع قلب نقي فحين يتكلم القلب لا يعود لائقاً أن يصدر العقل اعتراضات فالقلوب البيضاء لا تعرف الظن السيئ، ولا تعرف الخيانة، ولا يذيقون سواهم مرارة الغدر، ويبدؤون بنقاء، وينتهون بوفاء وهم الذين يستحقوا الحب الحقيقي، هم أصحاب القلوب البيضاء النقية.


«««««««««««««»»»»»»»»»


بعد مرور عدة أشهر أخرى حيث تصرخ مها بشدة وهي على التخت المتحرك في المشفى وآلام الطلق تشتد عليها فولادتها طبيعي كتوامها من ذي قبل :


ــ أااااااه همووووت ياناس ، الحقني يا جاسر ،


الحقيني يا داكتورة مش قادرة أتنفس ضهري هيتقطم والخبط شديد .


هداتها والدتها وقلبها يرجف وجعاً لأجلها :


ــ معلش يا بتي اتحملي هي النص ساعة الأخيرة داي هتوبقى تعب في الطلق وبعديها هتوبقي زينة اتحملي ربنا يقومك بالسلامة يا حبيبتي .


اما جاسر كان ممسكاً بيدها وهو يبتلع أنفاسه بصعوبة هلعاً عليها ليقول للطبيبة :


ــ اتصرفي يا داكتورة هي هتفضل تتوجع اكده كتير ولدوها قيصري خلو الوجع دي يخف ما عايزينش نولد طبيعي احنا وتفضل تصرخ وتتوجع اكده .


أصرت الطبيبة على ولادتها طبيعي فمن وجهة نظرها يحرم عليها أن تجري جراحة قيصرية وولادتها طبيعي مائة بالمائة :


ــ معلش يا فندم طالما ولادتها طبيعي وكل المؤشرات بتقول انها هتولد طبيعي كويس جدا حرام ان اني اولدها قيصري وافتح لها بطنها ادعي لها ربنا يبعت لها ساعة سهلة وهي تقوم بالسلامة هي والمولود،

وبعدين الولادة الطبيعية بنسبه 90% مفيدة جدا للأم و للمولود .


انزعج جاسر من إصرار الطبيبة وصراخ مها مازال في أذنيه يجعله يشعر بالوجع مثلها ولم يتحمل :


ــ يعني هتفضل تتوجع اكده كتير اني ما هتحملش وجعها ولا صراخها دي واصل .


هنا هدأته ماجدة بتعقل :


ــ معلش يا حبيبي اصبر وجع ساعة ولا كل ساعة هي هتقوم بالسلامة ان شاء الله هي الولادة الطبيعي في أولها صعبة وبعد اكده هتقوم سليمة تقدر تراعي مولودها من غير جرح ولا يحزنون اصبر يا ولدي الصبر حلو . 


أخيراً استعدت مها لدخول غرفة العمليات بعد عناء طال لمدة ساعة قضتها في الصراخ وجاسر قد انتهى الصبر من صبره لأجل وجعها ولكنه فور دخولها للعمليات كان مستعداً للدخول معها فهو لن يتركها لحظة واحدة كما وعدها بعد مرور ما يقرب من نصف ساعة وقفها معها في غرفة الولادة فهي قد غابت عن الوعي بفضل المخدر بالتحديد ساعة نزول الجنين ثم فاقت بعد قليل وهي تتمتم من أثر المخدر :


ــ زين وزيدان حبايب ماما وحشتوني ، أني شايفاكم زين ، وحشتوني كنتو فين ، 


كانت تهذي بأسماء توأمها الراحلين عنها ودمعة هاربة فرت من مقلتيها مما جعل صدر جاسر ينشق وجعاً لأجلها فهي حتى في عز شدتها وتألمها لم يتركها الوجع النفسي كم أنتي رقيقة تلك المها بل هشة حتى يؤثر بكي وجع الحرمان في عز وجعك الجسدي يا الله كأن الوجع أقسم أن لا يتركها مهما مر الزمان ، 


حاول جاسر تهدئتها ليهمس في أذنها برفق :


ــ مها ياحبيبي فوقي ياماما علشان تشوفي بنوتك القمرر طالعة لك .


بعد مرور عشر دقائق فاقت أخيراً وهي تتلهف شوقاً لرؤية طفلها فهي حلمت بهذه اللحظة طيلة شهور حملها فهي تعشق الأطفال بشدة بل تعشق رائحة أنفاسهم وتواجدهم معها في المكان ولذلك عندما فقدت أبنائها شعرت بأن الحياه انتهت معهم ولكن عندما اتى ذاك الجاسر ودخل حياتها أعطاها الأمل من جديد لأن تحيا حياة جديدة ومن الممكن أن تأتي بأطفال مرة أخرى وحينها سترعاهم بشدة ولم تغفل عنهم ابدا مهما كانت الظروف وعندما حملت في جنينها حمدت ربها على أنه لم يعاقبها بذنبها ولم يحرمها من نعمة الأمومة مرة أخرى ورزقها أخيراً بطفل سيجعلها ترى الحياة مرة ثانية بمنظور الأمومة التي تعشقها :


ــ فين بنتي نفسي اشوفها هاتها لي جاسر عايزه احضنها هي فين ؟


مسح جاسر على شعرها بحنو وهو يبارك لها :


ــ حمد لله على سلامتك يا حبيبي بنوتة زي القمر لمامتها نفس لون العيون ونفس لون الشعر وطبعا نفس لون البشرة حاجة اكده تفتح النفس استيراد بلاد برة زي ماهيقولو الممرضات بيغيروا لها وزمانهم هيجيبوها دلوك اهدي بس انتي لسه خارجة من الولادة وتعبانة والبنت هتفضل معاكي مش هتطير .


انزعجت مها بشدة وهي تحاول القيام فهي تستطيع التحرك ولكن تشعر بالدوران وعلامات الفزع على وجهها تحكي ألف حكوى وهي تعنفه بشدة فقد أصبح الخوف مزامنا لها من ابتعاد ابنتها عن أحضانها :


ــ ازاي تسيبهم ياخدوا بتي من قدامك من غير ما تكون معاهم وهم بيغيروا لها هدومها روح دلوك و اقف على راسهم وهات لي بنتي افرض بدلوها ولا جرى لها حاجة ، ازاي اصلا جالك قلب تسيبهم ياخدوها يا جاسر .


ضحك رغماً عنه على خوفها الغير معقول ليهتف من بين ضحكاته الذي يحاول تهدئتها كي لا يثير غضبها :


ــ حد قال لك ان احنا مديينها لتجار اعضاء ولا حاجة يا ام الزين !

اهدي يا ماما البنت اني حفظت شكلها وصورتها أول ما نزلت وكمان جدتها معاها ما سابتهمش ، 

اهدي بقى انتي لسة خارجة من عملية ولادة صعبه ولا همك نفسك خالص اكده .


لم تقتنع بحديثه وهي تشير ناحية الباب ان يذهب ويأتي بابنتها كي تأخذها بين أحضانها وتشم رائحتها :

ــ مليش صالح بيه الكلام دي عاد روح دلوك هات لي بتي واني هلبسها واعمل لها كل حاجة قدام عيني اهنه اني عايزاها يا جاسر .


لم يستطيع إقناعها فخرج على الفور كي يأتي لها بابنتها وعندما وصل إلى الباب وجد والدتها تدلف بها إليهم والبسمة تزين ثغرها فقد أكرم الله كبيرتها وجبر خاطرها وتقدمت بخطواتها إليها وهي تلقيها برفق داخل أحضانها الحانية وهي تبارك لها :


ــ حمد لله على سلامتك يا بتي ربنا يبارك لك فيها عروسة كيف القمر ربنا يفرحك بيها وتشوفيها أحلى البنات ويوبقى حظها أحسن من حظك يا رب .


اخذتها مها بلهفة إلى أحضانها وهي تقربها من أنفها وتشتم رائحتها التي استوحشتها كثيرا وكأنها تشم فيها رائحة أبنائها الذين رحلوا عنها ثم ضمتها إلى صدرها وهي تقبلها من رأسها بحنو بالغ فمها أم عظيمة ولديها من الحنو والعطاء لأبنائها ما يكفي ويفيض فقد كانت منبع العطاء والحب لأبنائها وستكون لابنتها فيضاً من الحب والاحتواء أكثر من ذي قبل بل ستخاف عليها أكثر من خوفها على أبنائها نظراً لتجربتها المريرة التي مرت بها معهم،


فور رؤيتها واحتضانها لابنتها نسيت معها الوجع الذي تجرعته في ولادتها نسيت معها زوجها ووالدتها والزمان والمكان فهي الآن في حضرة مولودتها التي اشتاقت لها كثيرا وكثيرا شعر جاسر بالغيرة ليهتف بحنق مصطنع :


ــ الله هو مين لقى أحبابه نسى أصحابه ولا ايه عاد يا ست مها دي شكلنا مش هنستوي مع بعض في قدرة واحدة بإذن الله بالشكل دي عاد !


ابتسمت مها وهي تنظر إليه وتردد باستنكار:


ــ وه هتغير من بنتك عاد !

له كل الا بتي اعمل حسابك انها هتوبقى في المرتبة الأولى من الاهتمام بعد اكده داي لسه عيلة صغيرة واجب عليا اهتم بيها .


هتف بنبرة معترضة ولكن مصطنعة :


ــ لا يا ماما مفيش الكلام دي خالص انسي، الإهتمام في المرتبة الأولى لجوزك ابو بتك وبعدين عيب لما تقولي الكلام دي في وشي طس اكده .


هزت ابنتها برفق وهي تقبلها من راسها ووجنتيها عدة قبلات متفرقة وكأنها تقصد ازعاجه :


ــ لا يا حبيبي من أولها لازم تعرف ان البرنسيسة "تاج" هتوبقى ملكة على راسك وعلى راسي وعلى راس الدنيا كلاتها ولازمن يكون لها من الدلع والدلال ما يكونش لغيرها هو اني اللي هوصيك على بتك ولا ايه المفروض هتحبها اكتر مني عاد هيقولوا الراجل هيتعلق بالبت اكتر من الواد .


مد يده كي يأخذها بين أحضانه فحضنتها هي الأخرى كثيراً وهي لم تريد أن تعطيها له ثم مدت يدها بها له وهي تشعر بمفارقة روحها حرفياً عندما ابتعدت عنها ليأخذها أبيها بين أحضانه ونفس الشعور الذي شعرت به شعر به هو الآخر بشراهة فهو أصبح أباً أخيراً ويحمل طفلته المدللة بين يديه فما أعظم ذاك الإحساس لكل أب وأم فاللهم ارزق كل مشتاق بنعمة البنون ثم قبلها قبلات متفرقة هو الاخر وهو يهزها بين يديه برفق وهو يتغنى لها :


ــ حبيب بابي ، قلب بابي ، عقل بابي ، نور عين بابي ، تاجي الجميلة ، قمرررر ، غزااال ، يهبل ياناس .


ثم قرأ اللهفة في عيناي مها لأن يعطيها لها فمد يده بها وهو يشاغبها :


ــ روحي لمامي علشان هتعيط عليكي لو لاعبتك كمان حبة صغننين وشكلها مش عارفة ولا قارية لقدام انك مش هتبعدي عن حضن بابي وهتسبيها .


اخطـ.ـتفتها سريعاً بين أحضانها مرة أخرى وبدأت بإرضاعها على الفور كي تنال شبعاً من ثدي والدتها ، 


فما أجمل عطاء الله لعباده فجبره أعظم ، وهبته ثمينة ، ورزقه أوسع لعباده المتشوقين.


«««««««««««»»»»»»»»»»


لقد نفذ الصبر من صبر عامر على تلك العنيدة فقد مر أربعة أشهر على زواجهم ولم تعفوا عنه وتصفح إلي الآن أما هي لن تستطيع كتمان السر الذي احتفظت به لنفسها اكثر من ذلك ولكن لم تعرف من أين تبدا وكيف تخبره بما خبئته عنه اتت إليه بإناء القهوة وهو يجلس في الشرفة يتصفح هاتفه وما ان راها حتى ترك الهاتف جانبا وابتسم لها وهو يشكرها على صنيعها :


ــ تسلم الايادي يا شموسة أحلى فنجان قهوة بيوبقى من ايدك بجد .


ابتسمت له بتوتر لاحظه ليسألها بمشاغبة :


ــ مالك يا شمس في حاجة مضايقاكي حاسس ان وشك متغير أو في حاجة موتراكي ممكن تحكي لي عادي اني زي جوزك برده لكن مع وقف التنفيذ لحد ما البرنسيسة تحن علينا .


لم تعرف بما تبدأ أو من أين تبدأ حكواها ولكن استجمعت أمرها وهي تفشي سرها المكتوم ويديها تحاوط بطنها المنتفخة قليلاً:


ــ في حاجة مخبياها عنك لازم تعرفها وما ينفعش ان انا اخبيها اكتر من كده بس يا ريت قبل ما تبدي اي رد فعل لازم تعرف ان رد الفعل ده ما بيني وما بينك هيتبني عليه حاجات كتير قوي في علاقتنا يا اما للتقدم يا اما هطلع من حياتك خالص وربنا الأعلم هطلع منها ازاي فأرجوك لازم تشوف رد فعلك قبل ما يطلع منك لأنه هيتبني عليه حاجات كتير جوايا .


اندهش من مقدمتها وأصابه الذهول بشدة مما تخبئه عليه وعرضت أمامه تلك المقدمة الطويلة ليسألها بقلق :


ــ مالك يا شمس في ايه خايفة تقوليه وعاملة له المقدمة دي كلاتها !

مالك يا بنتي ، وايه حكاية تطلعي من حياتي دي هو انتي مفكرة ان اني هستغنى عنك بسهولة اكده انتي مرتي على فكرة وأي مشكلة هتقابلنا عمره ما يكون حلها الانفصال مرة واحده اكده، فا اهدي يا ماما وقولي لي مالك وايه اللي موترك بالشكل دي !

وايا كانت المشكلة هنحلها سوا بدون أي خوف من أي حاجة أهم حاجة ان إنتي بخير قدامي وإن الأولاد بخير وإن كلاتنا الحمد لله تمام يوبقى اكيد كل حاجة بعد اكده ليها حل .


ألقت جملتها مرة واحدة حتى أنه تسهم بعد سماعها بذهول وبرقت عيناه لما تفوهت به :


ــ حتى لو قلت لك ان انا حامل في الشهر الرابع في ابنك يا عامر ؟


ملامح الدهشة التي ترتسم على محياه آخذة تفاصيل وجهه نحو الذهول، فيفتح عينيه على آخرهما، فاغرا فمه في سكون بسيط عابر، بعد أن استوقفه ذلك الأمر المدهش، بل أن تأثير الدهشة غالبا لا ينتهي سريعاً حتى ردد بدون وعي ...

لمتابعه الخاتمة من هنا




تعليقات



×