رواية فى رحالها قلبي الفصل الثامن عشر والاخير بقلم اية العربى
مر الماضي من أمام عينيه كاملًا ، تذكر حديث والده عن اللعنة وتذكر حياته بدون والدته
مسبقًا كانت مخاوفه لأجل صغيره ويُتمه ولكن الآن مخاوفه كلها انحصرت لأجلها .
حتى عقله يرفض تقبل فكرة رحيلها ، ليس بعد أن أتت ، ليس بعد أن أحبها وأراد أن يعيش معها حياة كاملة كعامة البشر
أكثيرًا عليه أن يحيا معها ويشيب معها دون الخوف من فقدانها ؟
- سيف ؟
هكذا خرج من شروده على صوتها ينظر لها فسألته بتوجس بعدما استشعرت ما به :
- ماذا بك ؟
حدق بها ثم اقترب منها وسحب رأسها يقبل جبينها ثم عاد يكور وجهها ويتعمق فيها لتردد أمامه مترقبة :
- ألن تقول شيئًا ؟ ، أنا حامل .
ظل على صمته يخشى نطق ما يفكر به ولكن نظراتها أجبرته على الحديث لذا تحمحم وقال بتوترٍ :
- حبيبة قلبي ، سارة ومسرة حياتي ، لنكتفي بنوحٍ يا سارة ، أرجوكِ !.
قال الأخيرة بترجٍ وترقب ولكن في أقل من ثانية التمعت عيناها بغيوم الحزن والصدمة ونطقت محذرة :
- إياك أن تكسر فرحتي يا سيف .
تنفس يطالعها بتشتت ، آخر ما يمكنه فعله هو كسر فرحتها ولكن كيف يتجاوز شعوره الموحش هذا ؟
لم يجد جوابًا سوى عناقها ، أدخلها بين ضلوعه يعانقها بقوة باحثًا عن الاطمئنان وليته يغلق قلبه ويمحو ذاكرته فينسى تلك اللعنة الملعونة .
ابتعدت عنه بعد وقتٍ وبعدما بدأت تتفهم مخاوفه ثم حدقت به قائلة بنبرة لينة حنونة مطمئنة :
- فلنتوكل على الله في أمرنا يا سيف ، لا أفضل من تسليم الأمور له وحده وأنا كلي ثقة ويقين أن مخاوفك ستندثر مع الزمن ، ألا تحب أن ترى ذريتك تركض حولك في كل مكان ، أنا لن أكتفي بنوح أو بهذا الصغير الذي ينمو داخلي أنا أريد الكثير من الأطفال فهم عشقي ، هل تمانع ؟
رسم في مخيلته حديثها ، ما تقوله هذا يعد أقصى أحلامه .
عادت تكمل بثقة عالية :
- حسنًا دعني أخبرك أمرًا ، تلك اللعنة ستنكسر عندي أنا وسيعيش أطفالي وأطفالهم وأطفال أطفالهم حياتهم بشكلٍ طبيعي .
تعمق فيها كأنه يتأكد لتكن نظرتها قوية مؤكدة لذا تنهد بقوة وقبل شفتيها قبلة ناعمة لطيفة ثم حاول أن يبتسم وتحدث أخيرًا بتمني :
- وأنا أريد ذلك كثيرًا ، أريدك معي بين أولادنا وزوجاتهم وأطفالهم .
- سيحدث إن شاء الله يا سيف .
❈-❈-❈
بعد شهر
اليوم موعد نطق الحكم على علي بعدما تأكدوا من عودته للمخدرات .
كانت تجلس والدته في المحكمة تطالعه من خلف القضبان بعيون باكية معاتبة ، نظرة كلها حسرة وقهر يبادلها إياها بعجز وندم متجاهلًا نظرات سيف له الذي أتى متعمدًا ليتأكد من نيله العقاب الذي يستحقه
لم تكن سارة سببًا في عودته لتلك السموم ، ولم يكن عدم حبها سببًا ، ولا حتى سيف الدويري ، ولكن السبب الحقيقي في عودته لتلك اللعنة هي نفسه الضعيفة الأمارة بالسوء ، هو الذي تسبب في نظرات الحسرة التي يراها الآن في عيني والدته .
هي التي تسببت في وضعه خلف القضبان ينتظر حكمًا قضائيًا ربما أضاع مستقبله للأبد ، ناهيك عن حالته الصحية والنفسية والمادية .
وهذا ما يخبره به القاضي الآن بعدما سمع مرافعة الدفاع .
يطالع هذه السيدة التي لا يعرفها بحزنٍ لا يظهر على ملامحه حيث اعتاد الحكم في قضايا موجعة كهذه والألم الأكثر هنا يتمركز في قلب الأم .
تحدث القاضي بنبرة تحمل من اللوم والجلد ما يكفي ليأكل أصابعه ندمًا وبرغم ذلك كانت نبرته دافئة :
- لما يا ابني ؟ ، لما بعدما أنقذك الله منها تعود إليها مجددًا ؟ ، أنظر أين أنت الآن ، أنظر إلى وجه والدتك .
نظر علي مجددًا إلى وجه والدته فوجد نظرتها كما هي فأطرق رأسه بحزنٍ ليعاود القاضي جلده قائلًا بصوتٍ عالٍ وسط القاعة ليسمعه الجميع :
- المخدرات قذائف قوية المفعول ، دقيقة في إصابة الهدف أطلقها الأعداء لإصابة قلب الأمة ، حرب المخدرات أبشع من حرب الجيوش لأن حرب الجيوش رغم بشاعتها محددة بزمنٍ معين فقط وهو زمن الحرب ومكانٍ معين وهو ساحة القتال ولكن في حرب المخدرات فإن الزمان هنا لا ينتهي والمكان الأمة بأسرها والهدف قلب الأمة ، ما أصعب أن يغرق شباب أمةٍ كاملةٍ في وحل الإدمان ، شبابًا في عمر الزهور يغروقون سرًا ربما لم يبحثوا عن المخدرات ولكنها هي من تطرق أبوابهم إلحاحا ، وللأسف فإنها أصبحت متوفرة في كل مواقع الشباب ، في الجامعات والمدارس ، في الأندية والشوارع ، وحتى أنها طالت المرأة وهذا أخطر أنواع الإدمان لأنها بسبب المخدرات يمكنها التخلي عن أي شيء في المقابل ، الإدمان يدفع الشباب إلى حالة من الجنون لا يستطيع أن يفرق فيها بين أمه وبغية وبين أخيه وعدوه وبين أبيه وحيوانٍ يريد افتراسه ، الإدمان يحولنا إلى وحوشٍ كاسرة لا قانون لها ولا دين وهو خطة خبيثة وضعوها لاندثار الشعوب ، محاولة استنزاف كل موارد الأمة والسيطرة عليها واقتيادها إلى القاع ، ويؤسفني أن أقول أن وصول هذه المخدرات إلى الشباب لابد أن يكون وراءها بائعًا فاسدًا ومسؤولًا فاسدًا وقاضيًا فاسدًا وأُشهد الله أنني بريء مما يحدث ، هذه القضية تحتاج إلى جهودًا مخلصة وأفرادًا يخافون الله ، ولابد أن نضرب بيد من حديد ليكون المعتبر عبرة لغيره .
نظر القاضي نحو علي وجده يبكي ويردد بقهرٍ تملك منه :
- لم أكن أريد ذلك ، لم أكن أريد العودة سامحيني يا أمي .
باتت تبكي وتجهش أكثر ، باتت تنظر له وتتمنى أن تأخذه معها وتعود للبيت وتعانقه وتعنفه على ما فعله بنفسه ثم تسامحه وتنسى كل شيء ولينسى هو أيضًا تلك السموم ، يمكنه التوبة والتعافي مجددًا .
عاد القاضي يقرأ ما أمامه ثم قال بأسف :
- حكمت المحكمة وبجميع الآراء على المتهم علي منصور عبد البار بالسجن ثلاث سنوات ، رفعت الجلسة .
خرجت من جوفها صرخة استنكار تبعها شهقة حسرة وهي تقف ترى ابنها يغادر القفص مع رجال الشرطة لتسقط مرتدة على المقعد مجددًا في مشهدٍ يفطر القلوب .
❈-❈-❈
عاد سيف من المحكمة إلى فيلته ، طوال طريقه يفكر ، لقد ذهب ليحضر الجلسة ويتشفى في من خطف طفله وهدد أمنه وأمانه ولكنه الآن شاردًا يفكر في حالة تلك السيدة .
هي أم وقلبها ملتاع لأجل ابنها الوحيد ، لقد افتقد هذا الشعور ويخشى أن يفقده أبناؤه .
إلى الآن هو قلقٌ حيال حمل سارة برغم أنه يظهر لها عكس ذلك حتى لا تحزن .
إحساس اليتم من الجهتين من أبشع أنواع المشاعر ، إن لم تحصل على كفايتك من حب الأهل واحتواءهم فلن تجده طوال حياتك .
يعترف أن سارة تغمره بالحنان والمحبة وتغرقه من أنهار السعادة منذ أن دلفت حياته ولهذا يخشى فقدانها .
دلف فيلته فوجد سعاد تجلس في بهو الفيلا تقرأ آيات الله فألقى السلام واتجه يجلس جوارها فصدقت ونظرت لوجهه فوجدت رسمة الحزن واضحة لذا تحدثت متسائلة :
- ماذا حدث يا بني ؟
تحمحم وابتسم ثم تحدث وهو يتجنب النظر في عينيها :
- أخذ حكم بثلاث سنوات ، أين سارة والصغير .
أشارت نحو الأعلى قائلة :
- هما في الأعلى ، هل يمكن أن تخبرني لما وجهك حزين ؟ ، لعلمك أنا مستمعة جيدة ويمكنني أن أصف لك وصفة ناجحة .
وهذا ما يحتاجه الآن ، يحتاج إلى التحدث مع شخصٍ موثوق يمكنه بث المزيد من الطمأنينة داخل قلبه لذا تنهد بعمق واعتدل في جلسته مستفيضًا :
- أنا فقط خائف ، وهذا ما يزعجني لأنني أعلم أن خوفي يعد ذنبًا ولكن لا أعلم كيف أتخلص منه ، منذ أن دخلت سارة حياتي وبت المطمئن الخائف لا أعلم كيف ، أفكر في الآتي بشكلٍ لحظي وأنا لا أريد ذلك ، هل يمكنكِ إخباري كيف أتوقف عن ذلك ؟
ابتلعت سعاد لعابها وابتسمت تتنهد ثم طالعته بحبٍ فهو يخبرها من بين كلماته كم يعشق ابنتها وباتت جزءًا هامًا في حياته لذا تحدثت بروية وإيمان :
- حسنًا أخبرني يا بني كيف تفكر في المستقبل وتخشاه وأنت لا تعلمه بل هو بيد الله وحتى أنه يعد ماضي .
قطب جبينه متعجبًا وتساءل :
- كيف ذلك يا سيدة سعاد ؟
استرسلت حديثها بمغزى إيماني :
- نعم يا حبيبي ما نعيشه يعد ماضي ، كتبه الله علينا وانتهى ونحن فقط نعيشه كما كتب سواءً رضينا أم لم نرضَ هو واقعٌ لا محالة ولهذا فإن الخوف لن يزيدنا إلا ضيقًا وعجزًا وحزنًا وقد استعاذ رسولنا الكريم من العجز والحزن والقهر لذا يجب علينا أن نؤمن ونثق في قدرة الله على ترتيب الأمور .
عادت تلكزه بخفة لينتبه أكثر وهو بالفعل كذلك واسترسلت :
- أتعلم يا بني لقد سمعت شيخ الإسلام يقول أن القدر هو أفعال العبد التي سيقوم بها في مستقبله والتي يختارها بكامل إرادته ولكن بعلم الله المسبق سبحانه وتعالى فقد منح الإنسان إرادة حرة لتكون أساس التكليف والابتلاء ، أما القضاء فهو مآل الحدث والوقائع المنقضية والأحكام الإلهية النافذة ، أي أن القدر هو الكيفية والقضاء هو النتيجة ، أي أفعل ما تؤمر به وستأخذ نصيبك .
وجدته يطالعها بثقب وكأن أنظاره ثبتت عليها لتتابع وهي تمد يدها وتربت على كفه بحنانٍ أمومي تريد أن تهديه له :
- أنت تحب ابنتي ، ويعلم الله ما في قلبك لذا أسجد له وأخبره بما تريده وادعوه من داخلك بأمنياتك وكن على يقين أنه سيلبي دعوتك ولن يخذلك أبدًا وانسَ الماضي يا بني فلن تجني من الماضي سوى عازلًا بينك وبين أحلامك .
ظل محدقًا بها يفكر ، ربما ما تقوله صحيح بل ما تقوله هو الصح بعينه ، إن أراد أن يطمئن عليه أن يلجأ ويعود لربه .
ابتسم لها ابتسامة تحمل بين طياتها الكثير وبعينين لامعتين قال وهو ينهض :
- شكرًا لكِ على هذه الوصفة يا أمي .
تحرك بعدما رأى في عينيها فرحةً لكلمته ، ناداها بأمه إذا استقر حديثها في قلبه .
تحرك للأعلى وفتح باب جناحه ودلف ليجده خالٍ فسارة الآن في غرفة الصغير لذا اتجه إلى الحمام ليتوضأ ويصلي ويدعو الله بما يريده .
❈-❈-❈
مرت الأيام والشهور .
مرت شهور الحمل على سارة بوهنٍ وتعبٍ وكان سيف خير معين لها .
كان يخشى عليها من نسمات الهواء ، كان حنونًا للدرجة التي لم تكن تتوقعها .
لم تكن تتوقع أن سيف الدويري يمتلك هذا القلب واللين والمرونة حتى في تقلباتها المزاجية حتى انتهت شهور الوحم والآن ها هي تستعد لدخول غرفة العمليات لتلد صغيرتها .
كان يقف يراها وهي تخطو نحو غرفة العمليات ويود لو باستطاعته انتشالها والمغادرة .
يخشى دخولها تلك الغرفة كأن أحدهم سينتزع قلبه ، هجمت عليه مخاوفه مجددًا لذا أراد أن يلازمها ويظلا يتحدثان سويًا حتى تأتي تلك الصغيرة ويسعدان بها .
وبالفعل بعد الحاحات ومحسوبيات وتمرير مبالغ نقدية استطاع إقناعهم بالدخول معها وها هو يجاورها حتى دلفا سويًا غرفة العمليات وجهزوها ووقف هو لا يرى ولا يسمع سواها .
وقف عند رأسها بعدما أنزلوا ستارًا فاصلًا وبات يتحدث معها عن أمورًا عامة كي يلهيها ويحاول أن يظهر ثباته وهو أبعد ما يكون عنه .
نبضات قلبه عنيفة ولسان عقله يردد الدعاء بينما لسانه يقول بترقب :
- هل تشعرين بألمٍ ؟
تحمحمت وتحدثت بوهن وانكماشة في عينيها :
- وكأنهم يسحبون معدتي وأنفاسي تتلاشى .
تهاوى قلبه بشعورٍ مرعب وانتفض يتحرك نحو الطبيب متسائلًا بلهفة :
- ماذا بها ــــــــــ .
قطع بقية حديثه حينما وجده يخرج للتو صغيرته ويرفعها عاليًا أمام عينيه التي سلطت عليها لثوانٍ لينتعش قلبه برؤيتها وتتجدد داخله طاقة إيجابية مرحبة ثم عادت تهجم عليه مخاوفه لذا أسرع نحو سارة يطمئن عليها فوجدها تتنفس بارتياح بعدما خرجت تلك المشاغبة فأسرع نحوها يمسح بيده جبينها قائلًا بحبٍ وقلقٍ في آن واحد :
- أنتِ بخير ؟
أومأت له بعدما سمعت بكاء صغيرتها ومباركات الطبيبان والممرضات لتردد بنبرة فرحة مطمئنة :
- بخير يا حبيبي ، أنا الآن بخير لا تقلق .
حدق بها وابتسم وعاد يردد الدعاء داخله ليخرجا بعد مدة من الوقت إلى غرفة عادية وعيناه لم تفارقها وكأنه يخشى حدوث أي مضاعفات يمكنها أن تنتزع سعادته .
كانت سعاد تلاعب الصغيرة وتدللها ونورا تحمل نوح وتجاورها .
جلس يطالعهم بشرود أخرجته منه سارة تناديه فانتبه ومال عليها متسائلًا لتقول بنبرة هادئة :
- سنكون بخير ، سنكون بخير نحن وأولادنا ، هيا ابتسم ودعني أرى ذلك في عينيك .
❈-❈-❈
بعد خمسة وعشرين عامًا
تقف تقى ذات الخمسة والعشرون عامًا مع والدها تتطلع على شقيقها نوح وهو يؤدي الرقصة الرومانسية مع عروسته الجميلة في جوٍ ممتلئ ٍ بالسعادة .
تبتسم وتلتمع عيناها تارة وتنظر لوجه والدها تارة أخرى لتراه يقف يتطلع عليهم بسعادة .
يتذكر الماضي ويبتسم ساخرًا ، الآن فقط أدرك أن عقله لم يكن قد وصل لمرحلة النضوج آنذاك حينما كان يفكر في أن هناك لعنة تصيب عائلته .
تحدثت تقى حينما لاحظت شروده وهي تميل عليه مبتسمة حيث أنها الأقرب لقلبه :
- ترى من هي تلك التي استولت على عقل السيد سيف الدويري ؟
ابتسم بعدما سمعها والتفت يطالعها قائلًا :
- ومن غيرها تقى أبيها الغالية .
غمزته مشاكسة تنطق وهي تشير بذقنها نحو ركنٍ ما :
- هذه هي التي أخذتك مني ، برغم أنها تركتك وذهبت لترحب بالضيوف وأنا هنا لم أتركك ثانيةً ولكن عيناك لم تتركها ، لا أعلم ما هذا السحر الذي تمتلكه أمي لتظل عيناك عليها أينما ذهبت .
ابتسم حتى أشرق وجهه وتحدث وهو يعاود النظر نحو قلبه سارة التي برؤيتها يسُر قائلًا بحبٍ صافي :
- إنها حبيبتي ومأمني وشريكة حياتي ورفيقة دربي وأم أولادي ، هل هناك سحرٌ أقوى من ذلك ؟
نطق الأخيرة وهو يعاود النظر لابنته التي ابتسمت بسعادة تجيبه :
- لا هذا كافٍ جدًا ، حسنًا دعني أذهب لأرى أين ذهب ماجد وليان .
أومأ لها وتحركت تبحث عن شقيقيها التوأم اللذان أتما عمرهما الثامن عشر منذ أسبوع وتركت والدها يقف ينتظر عودة سارة إليه وها هي تترك الضيوف وتعود إليه تناظره من أسفل نقابها وتخطو نحوه كأنها فرسة تتريض على قلبه بخطواتها الناعمة .
يعلم أنها تبتسم له من خلال نظرتها ، وأخيرًا وصلت إليه ووقفت تجاوره قائلة بحبٍ :
- اشتقتُ لك .
تلك الكلمة أشبعته عن غيابها الذي دام لدقيقتين فقط لذا انفرجت ملامحه عشقًا وتحدث بنبرة رخيمة :
- وكيف سأرضي اشتياقي الآن وأمام الناس ؟
حذرته بعينيها ولكنه مد يده يطلب كفها فناولته على استحياء فسحبها إلى المكان المخصص للرقص وحاوط خصرها بكفيه وبات يجاور ابنه ويرقص معها مستعيدًا الجزء الأجمل من ماضيه ليعيش معها الحاضر ويحلم بالمستقبل بعقلٍ عم التفاؤل أرجاؤه فبات لا يعترف بقاموس اليأس .
اقترب منه نوح الذي يطالعهما بسعادة وهمس بالقرب من أذنه :
-ستأخذان منّا الأضواء هكذا يا أبي واليوم زفافنا نحن .
مال سيف أيضًا عليه يجيبه بهدوء وابتسامة واثقة :
- ما رأيك أن تذهبا وتجلسا مكانكما وتتركاني أنا وزوجتي نكمل عنكما الرقصة !
نظر نوح لوالده متفاجئًا ثم نظر لوالدته يستنجدهد بها فابتسمت وتحدثت وهي تومئ مؤيدة لزوجها :
- أنا أوافقه الرأي يا نوح .
- اتفقتما عليا إذًا .
نطقها نوح بمرح وهو يرى سعادة والديه لتبتسم عروسه وتخبره حينما ابتعد بها قليلًا :
- والدتك ووالدك حقًا رائعان يا نوح ، أحببتهما كثيرًا ، قصتهما تطمئنني حقًا وأريد أن أحظى معك بحبٍ مماثل .
ابتسم لزوجته وتحدث بحبٍ وتأكيد :
- إن شاء الله يا حبيبتي سنعيش قصة حبٍ ليس لها مثيلًا وسيحكيها أولادنا لأولادهم .