رواية شظايا قلوب محترقة الفصل السابع عشر بقلم سيلا وليد
"اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك "
وكم تمنيت لو أنّ الحياة اختبرت صبري في أشياء أخرى غير قلبي ..
وكم تمنيت لو أن أحدهم يرى ذلك الجدال المكتوم في عيناي...
تمنيت طويلا ..
أن يكون لدي شخص كلما هزمتني الحياة ..أذهب اليه..
لقد ظنَنّا أنَّ العِتاب هوَ الحَل.. ولكن خابَ الظّن وفهِمنا مُؤخّراً أنّ الصَمتُ أقوَى والعين تَنطُِق مَا يعجَز اللِسان عن وصفِه.. فَلا عِتاب لِمن اسَتباحَ أذِيّتَنا ، اليوم وبَعدَ تِكرارَ الأذى ، كتَمنا كل الجراح في قلوبنا و مضَينا مُثقَلين بما لم نَستَطِعُ البَوح بِهِ والتحدّث عنهُ أمام مَن حولِنا.. المُحزِن في كل ما مضَى أنّنا كنّا نَتَباهى بِهم ، والآن نُخفي كل خيباتنا خوفاً مِن شامِت أخبرناهُ مِراراً أنّهم مُختلفين..
-مش كدا ياحضرة اللوا، سرقتوا حياتنا، عيشتونا كدا، انت ومدام فريدة
توقَّفت فريدة تنظرُ إليه بعيونٍ جاحظة،
لم تشعر بعبراتها التي انسابت بقوَّةٍ كالشلال، اقتربَ منها بعينيهِ الخاوية، التي تشبهُ صقيعَ الشتاء:
-إيه يامدام فريدة، مالك مصدومة كدا ليه؟! ولَّا أقول ياماما..همسَ بها بجوارِ أذنها لينتفضَ جسدها بشهقاتٍ مرتفعة، اقتربَ مصطفى محاولًا السيطرة على غضبه:
-إلياس حبيبي ممكن تهدى..
تراجعَ مفزوعًا من لمسته، وانفجرَ كبركانٍ ثائرَ الحمم، وكأنَّهُ يترنَّحُ فوق حقلِ ألغامه:
-أهدى، أهدى إيه ياسيادةِ اللوا، ليه حضرتك دوست على رجلي، ولَّا ضربتني قلم..لكمَ الحائطَ وبقدمهِ دفعَ الطاولةَ لتهوى متناثرة:
-بيقولِّي أهدى، عايز منِّي أهدى..اقتربَ منه بعيونٍ حمراء يجزُّ على أسنانهِ حتى نفرت عروقهِ بالكامل، ورفع كفِّهِ مكورهُ بعنف:
-أنا طلعت مش أنا ياحضرةِ اللوا، ماليش وجود، حياتي بقت على الهامش، أنا مين إيه، قولي أنا مين، ابنِ حضرتك ولَّا ابنِ الستِّ اللي هناك دي؟!..
-تراجعَ يهزُّ رأسهِ ولم يستطع مقاومةِ طوفانِ العبراتِ التي كانت كالنيرانِ تحرقُ داخلهِ قبل وجنتيه..أزالها بعنفٍ كارهًا ضعفهِ بتلك الحالة..دفعَ إسلام الذي توقَّفَ على بابِ الغرفةِ ينظرُ إليه بألمٍ يشطرُ قلبه، ثمَّ تحرَّكَ للخارجِ يأكلُ بخطاويه الأرض…وكأنَّ أقدامهِ زلزالٌ لتنشقَّ له الأرضَ بسببِ قوَّةِ إعصارِ غضبه..مرَّت دقائقٌ من الصمتِ المميتِ سوى من شهقاتِ فريدة، طالعتهم ميرال بنظراتٍ ضائعةٍ جاهلةٍ لتتساءلَ بتقطُّع:
-إيه اللي حصل، هوَّ إلياس ماله، وإيه الكلام اللي بيقوله دا أنا مش فاهمة حاجة..
-إلياس طلع ابنِ ماما فريدة ياميرال، مش شقيقي..
غمغمت بعقلٍ ينكرُ حماقةَ ماتفوَّهَ به إسلام:
-إلياس مين ابنِ ماما فريدة، إلياس جوزي، قالتها وهي تشيرُ على نفسها بحالةٍ من التشتُّتِ يعني أنا متجوِّزة أخويا!..شهقةٌ أخرجتها تضعُ كفَّيها على أحشائها..
-يانهار إسود، أنا متجوِّزة أخويا..اقتربَ منها إسلام بعدما شعرَ بضياعها قائلًا بنبرةٍ هادئة:
-ميرال ممكن تهدي متنسيش إنِّك حامل، إلياس بس اللي ابنِ ماما فريدة وإنتِ بنتِ عمُّه..
طافت بعينيها على مصطفى وفريدة تشيرُ إلى مصطفى:
-إسلام بيقول إيه، هوَّ اتجنِّن ولَّا إيه؟!..
اقتربَ مصطفى منها وحاوطَ أكتافها:
-حبيبتي تعالي معايا، هفهِّمك كلِّ حاجة..تركت يديهِ واقتربت من فريدة التي مازالت واقفةٌ بجسدٍ شاحب، وعينيها على المكانِ الذي خرج منه..
-ماما، إيه اللي حصل وليه إلياس بيقول الكلام دا؟..
شهقةٌ خرجت ملتاعةً من أعماقِ روحها بكمِّ الألمِ الذي تشعرُ به،
ثمَّ فتحت ذراعيها إليها تهزُّ رأسها لتحتضنها، اقتربت تلقي نفسها بأحضانها، لتأخذها وتتحرَّكُ بها على فراشها، ذهبت ببصرها لقميصِ إلياس الملقى على السرير، لتجذبهُ وتستنشقهُ بدموعٍ تنسابُ كالمطر، ثمَّ احتضنتهُ تبكي بصوتٍ مرتفع، ضمَّها مصطفى إلى أحضانه:
-فريدة ممكن تهدي علشان ضغطك، إحنا كنَّا متوقعين رد زي دا..
انحنت بجسدها تضمُّ ميرال التي بكت قائلة:
-أنتوا بتخوِّفوني ليه، هوَّ إيه اللي حصل..احتضنت وجهها بين راحتيها:
-ميرو قلبي عايزة أقولِّك على حاجة بس مش عايزاكي تقاطعيني، وكمان سامحيني واعذريني..
أومأت لها مع دموعها التي لم تستطع إيقافها..قصَّت لها فريدة كلَّ ماصار منذ زواجها من راجح الى أن تزوَّجت من مصطفى..دقيقة اثنتان ثلاثة تردِّدُ بذهول:
-أنا مش بنتك، وإلياس..إلياس يكون ابنك، إيه الحكاية الهبلة دي، أكيد أنتوا مجانين، وسَّعوا كدا..قالتها ونهضت منتفضةً فوق الفراش تردِّدُ كالذي أصابها الجنون:
-قال إلياس ابنها وأنا لا، إلياس!!طب إزاي، أخرجت ضحكةً ساخرةً تصفِّقُ بيديها:
-فيلم هندي..أكيد ماما عايزة تبقى مؤلِّفة، لا بس تتعلِّم على وجع قلوبنا، توقَّفت عن الحديثِ فجأةً وكأنَّها استوعبت ماقصَّتهُ فريدة، لتستديرَ إليها:
-إنتِ عارفة أنتو عملتوا فينا إيه..
توقَّفَ مصطفى واتَّجهَ إليها:
-حبيبتي ماهي وضَّحت لك ليه عملت كدا..
وضَّحتلي!! قالتها بنبرةٍ اعتراضيةٍ تهزُّ كتفها قائلة:
-توضيح إيه دا، طيِّب قولوا ازاي أستوعب اللي حصل،،ثارت غاضبة
-أكيد بتهزروا، لا لا دا مش هزار، دا جنان، تأوهت بصوت مرتفع بعدما تذكرت حالته منذ ايام، وحديث راجح، شعرت بنار سوداء تحرق حياتها
-أنا بنت الراجل دا، بنت الراجل اللي بيكره جوزي، يعني إلياس وراجح وأنا قرايب، بس انا كدا فهمت حالة إلياس ياحبيبي دا هيتجنِّن، دلوقتي عرفت ليه بقاله فترة مش طبيعي..
تنهَّدت بمرارٍ تهزُّ رأسها رافضةً ماتستمعُ إليه،
-لا أنا مش عايزة، انا عايزة ميرال جمال، مش عايزة الحياة التانية حتى لو ماليش وجود، عجباني أيوة عجباني، لا حياتي فين، انا بنت عدو جوزي، يعني كدا حياتنا انهارت، لا لا ..ظلت تصرخ بها إلى أن فقدت وعيها ولا تعلم كيف سيواجهون تلك العاصفة..
بفيلَّا الجارحي على طاولة الطعام،
كان الجميعُ يتناولُ الطعامَ بصمتٍ إلى أن تحدَّثت ملك:
-بابي مش المفروض أرسلان يجي يقضِّي اليوم النهاردة؟..
-جاي في الطريق..قالها إسحاق وهو يتناولُ طعامهِ بصمت..
-بجد ياعمُّو، يعني أرسو جاي، قاطعهم دلوفهِ ملقيًا تحيَّةَ المساء:
-مساء الخير، هرولت إليهِ كالطفلةِ الصغيرةِ وتعلَّقت بعنقه:
-أرسو حبيبي وحشتني، رفعها من خصرها مبتسمًا:
-حبيبة أرسو عاملة إيه..طبعت قبلةً على وجنتيه:
-وحشتني وزعلانة منَّك أوي، أسبوعين وحضرتك مبتسألش، ومش عايز تعرف أخبار أختك حبيبتك، شوفت داد نقل جامعتي هنا خلاص ومبقتشِ أرجع أمريكا تاني..
وصلَ إلى والدته:
-صفية هانم وحشتيني..ابتسمت بمحبَّة:
-عامل إيه ياحبيبي..أومأ لها قائلًا:
-تمام الحمد لله، نظرت لبابِ الغرفةِ وأخرجت تنهيدةً حزينة:
-لسة غرام مش عايزة تيجي برضو، البنت وحشتني ياأرسلان..
أومأ لها وعينيهِ على عمَّته:
-عاملة إيه ياعمِّتو، إزيك ياتمارا؟..
-أهلًا..قالتها تمارا ولم تستطع رفعَ عينيها إليه، قاطعت حربَ النظرات والدتها:
-عامل إيه ياحبيبي وحشتنا والله، جلسَ بجوارِ ملك قائلًا:
-شغل، ضغط شغل واللهِ ياعمِّتو، ثمَّ التفتَ إلى والدته:
-غرام متعرفشِ إنِّي جاي أصلًا ياماما، لسة خارج من الشغل، وإسحاق كلِّمني علشان اجتماع مهم فقولت أعدِّي عليكي وأطَّمن على السريع..
أشارت للخادمة:
-هاتي طبق لأرسلان يابنتي..هزَّ رأسهِ بالرفض وأردف:
-لا مش جعان، هاكل مع مراتي، نظرَ لوالدهِ الصامت:
-بابا عملت التحاليل اللي الدكتور طلبها ولَّا كسلت..توقَّفَ إسحاق يمسحُ فمه:
-ياله ياأرسو علشان منتأخرش.
رفعت عينيها تنظرُ إليهِ بذهول:
-لسة جاي ياإسحاق، خليه لمَّا تشرب القهوة، مالحقتش أشبع منُّه..انحنى يقبِّلُ رأسها:
-حبيبتي عندنا شغل مهم هخلَّصه وأعدِّي عليكي علشان عايزك في موضوع..
أومأت تربتُ على ظهره:
-هستناك ياحبيبي متتأخَّرش..
تحرَّكَ مغادرًا خلف إسحاق الحاضرَ الغائب ولم يفعل سوى نظراتهِ الغاضبة لفاروق..وصلَ إلى سيارةِ إسحاق، استندَ على بابها وغمغمَ متسائلًا:
-زعلان من فاروق ليه ياإسحاقو؟..
قامَ بتشغيلِ السيارة، يشيرُ لسيارته:
-هنتأخَّر بطَّل دلع الحكاية مش نقصاك.
استدارَ إلى البابِ الآخرِ واستقلَّ السيارة بجواره، اتَّجهَ بجسدهِ إليه:
-من شهرين تقريبًا وإنتَ متغيَّر ومش على بعضك، حاسس واحد تاني بتعامل معاه، هتفضل على طريقتك دي صدَّقني هزعَّلك منِّي، أنا مخنوق ومش طايق نفسي، متجيش إنتَ كمان تكمِّل عليَّا..
أشعلَ سيجارةً وتحرَّكَ بالسيارةِ وعينيهِ للخارجِ قائلًا:
-وإيه اللي خانقك، إلياس السيوفي، ولَّا طمطم..تراجعَ بجسدهِ وأغلقَ عينيهِ متألمًا:
-بمسك نفسي بالعافية ياعمُّو، واللهِ عايز أخنقها بس مش قادر، ليه عملوا كدا في مراتي علشان إيه؟..
ظلَّ يقودُ السيارة وعينيهِ شاردةً على الطريقِ وأجابه:
-ناوي تعمل إيه، بعد ماعرفت بالخدَّامة الخاينة، التفتَ يرمقهُ قائلًا:
-أرسلان مش عايزك تغلط غلط وترجع تندم عليه، البنت كانت غيرانة وطبيعي حدِّ مكانها يعمل كدا..
رفعَ كفَّيهِ يرجع خصلاتهِ للخلفِ بغضبٍ حتى شعر أنَّهُ يقتلعها ليهمسَ بفحيح:
-واللهِ لأندِّمها وأخلَّيها تعرف إنَّ اللهَ حق، غيرانة إيه الحيوانة دي..
توقَّفً أسحاق فجأةً وأشارَ بتهديد:
-حاولت أفهِّمك من زمان تحطِّ لها حدود بس إنتَ كنت متساهل، والبنت حبِّتك بجد وحضرتك عامل من بنما، متجيش دلوقتي تعاتبها، واحدة شافت حبيبها فضَّل واحدة تانية أقلِّ منها عليها، لا وكمان حامل منُّه، كنت منتظر منها إيه قولِّي؟..كويس أنُّه جه على سقوطِ الجنين، أنا لو مكانها كنت قتلت مراتك.
-واللهِ ياعمُّو حضرتك اللي بتقول كدا!..
أجابهُ بقلبٍ فاضَ به الألم:
-متزعلشِ منِّي ياأرسلان، بس دي الحقيقة اللي إنتَ بتهرب منها، من يوم ماعرفت إنِّ تمارا بتحبَّك ماحاولتش تفهِّمها أو توقفها وتعرَّفها حقيقة مشاعرك، ودي في الأوِّل والآخر بنتِ عمِّتك، أه منكرشِ أنُّهم طمعانين فيك هيَّ وأبوها، بس فيه حقيقة متنكرهاش البنت بتحبَّك بجد، وأنا حاولت أفهِّمك آخر حبَّها هيكون فيه خسائر، إنتَ رديت وقولت إيه..
-بطَّل هزار ياعمُّو، ولمَّا هوَّ هزار، ليه كنت بتاخدها كلِّ الحفلات وهيَّ فرحانة بيك، إنتَ عارف ومتأكد هي متهمنيش زيك، بس محبتشِ إنَّك تظلمها، عارف إنَّها غلطت وغلطها كبير..
بس هيَّ عملت كدا من غيرتها حبيبي، اتجنِّنت من وقتِ ماعرفت ودا اللي فهمته من ملك، ونظرات البنتِ عليك، أنا مش عيِّل علشان أعرف البنت بتحبَّك ولَّا بتلعب عليك، علشان كدا بقولَّك بلاش تعمل حاجة باباك يزعل منَّك عليها..
حكَّ ذقنهِ ينظرُ أمامهِ على الطريق وردَّدَ بذهنٍ شارد:
-علشان كدا أمرت يجوا الفيلا عندنا؟..
استفهمامٌ مؤلمٌ ردَّدهُ وهو ينظرُ بضياع..
أجابهُ سريعًا يهزُّ رأسهِ بالنفي:
-لا مش علشان كدا، جوز عمتك مش موجود، وجدِّتك كمان، محبتشِ يقعدوا لوحدهم، وأنا دايمًا بعملها لمَّا أكون مشغول، متنساش بيت فاروق بيت العيلة، وكمان علشان تمارا تكون تحتِ نظري ومتحاولشِ تعمل حاجة في غرام، إنتَ بتسافر أكتر مابتقعد في البيت..
ثقُلت أنفاسه، فاستدارَ ينظرُ من نافذةِ السيارة، ورغمَ برودةِ الجو إلَّا أنَّهُ يشعر بنيران تصهرُ صدره:
-أرسلان متزعلشِ مني، إنتَ عارف إنَّك أغلى من روحي، ولازم وقت الغلط أوقَّفك ياحبيبي علشان ماتغرقشِ في الظلم..استنكرَ حديثه وزفرةٌ حارةٌ أخرجها من ثقلِ آلامِ مايشعرُ به، ليتراجعَ بجسدهِ قائلًا:
-خلاص ياعمُّو، مش هعمل حاجة لتمارا، بس جوِّزها في أقرب وقت، أنا مش قادر أتحمِّل ذنبها أكتر من كدا، أنا واللهِ كنت بعاملها على أنَّها زي ملك، وقولت مشاعرها مشاعر مراهقة ومع الوقت هتنسى..أومأ متفهِّمًا وتحدَّث:
-خلاص ياأرسو انسى..
بعد فترةٍ من الصمتِ تساءلَ إسحاق:
-إلياس السيوفي ماله؟..
طالعهُ بنظرةٍ مؤلمة، ولم يستطع تجاوزَ نغزةِ قلبهِ حينما ذكره، ليجيبهُ بحروفِ الألمِ الذي يشعرُ بها:
-معرفشِ ماله، بس حاسس فيه مشكلة كبيرة بينه وبين والده، استمعَ إليه باهتمام، ليتشدَّقَ بسؤاله:
-إزاي مشكلة بينه وبين والده مش فاهم وليه قولت كدا، إيه اللي يخلِّيك تروح لعنده رغم تحذيري يبقى الموضوع كبير..
ارتسمت ابتسامةٌ ساخرة، ورغم أنَّها ساخرة إلَّا أنَّهُ شعر بمرارةِ الألمِ بها وهو يجيبه:
-قسيت أوي ياإسحاق، وأنا مستحيل أنسى قسوتك دي، رفع سبابتهِ وتابع مستطردًا:
-مش إسحاق اللي يعمل في أرسلان كدا، بس صدَّقني دماغي تفوق وهعرف الموضوع كلُّه، ولو الموضوع فيه شك صدَّقني زعلي هيكون وحش، أرسلان مش طفل ياإسحاق علشان تعمل فيه كدا..
سحبَ نفسًا وزفرهُ بهدوءٍ حينما شعرَ بغصةٍ تعيقُ تنفسه، وهناك حربًا غوغاءَ بداخلهِ على منعهِ من إلياس، حاولَ تشتيتهِ فانبثقَ سؤالًا من بين شفتيه:
-ماقولتش إيه اللي حصل لإلياس، وبطَّل كلامك الأهبل دا...غيرت عليك ياأخي، حسيته سحب البساط من تحتِ رجلي، الأوَّل كنت بتجري عليَّا، دلوقتي حضرة الظابط واخد جزء كبير من حياة ابني
أضافها بلهجةٍ مقنعة..
واللي زوَّدها كمان طلب فريدة أنَّها تعزمكوا على العشا والغدا، وووو، الصراحة اضَّيقت فكان لازم أقولَّك كدا..
رفعَ حاجبهِ الأيمن دون النظر إليه، وأجابهُ بعبث:
-أيوة صح، وشوية لعب برمل، ونركَّب مع بعض مكعبات..توقَّفت السيارةُ عند وجهتهم، فاستدارَ يطالعهُ مستفسرًا:
-قصدك إيه يالا؟..
فتحَ بابَ السيارةِ وهمهمَ باستخفاف:
-إسحاق عيب اللي قدَّامك عنده تلاتين سنة، دنا منهُ وهمسَ له:
-وظابط مخابرات، عارف الكلمة ولَّا حضرتك تترجمها بعقلية إسحاق، شكل غياب دينا فلسع العقلية الفذَّة، وحوَّلها لعقلية سوكة العبيطة..
قالها وترجَّلَ من السيارة، سبَّهُ إسحاق متمتمًا:
-كنت عارف يابنِ فاروق مش هتسكت، طيب دا أقولُّه إيه..توقَّفَ فجأةً متذكِّرًا موضوعَ إلياس ليترجَّلَ سريعًا مناديًا عليه:
-أرسلان..استدارَ متوقِّفًا، ينظرُ بساعةِ يدهِ يشيرُ إليه:
-الاجتماع بدأ يابوص..وصلَ إليهِ وتحرَّكَ بجواره:
-ماقولتش إيه موضوع إلياس صح، أصل كنت عنده من كام يوم وكان طبيعي...قصَّ له ماصارَ من حالته وكلماته، ليتوقَّفَ مصدومًا، ويشعرَ بالدورانِ متمتمًا بذهول:
-إلياس السيوفي ممكن يكون أخوك، اقتربَ أرسلان يحملقُ بالنظرِ إليه:
-عمُّو مالك، واقف كدا ليه؟!
تراجعَ يهزُّ رأسهِ بعنف، ثمَّ أشارَ إلى المبنى:
-ادخل وانا جاي بعدك، هعمل تليفون..استدارَ إلى المقعدِ الموجودِ بحديقةِ المبنى، وقامَ بفكِّ ربطةَ عنقهِ ووجههِ الذي تحوَّلَ الى كتلةٍ نارية:
-مش معقول، إيه دا، معقول القدر يكون كدا، لا لا مستحيل..
توقَّفَ يدورُ حول نفسهِ كالذي أصابتهُ نوبةٌ من الجنون:
-ياربي أعمل إيه في المصيبة دي، إلياس وأرسلان، إيه دا، إزاي يحصل دا!..
مسحَ على وجههِ بعنف وكاد عقلهِ أن يخرجَ من رأسه، لقد ذهبَ العقلُ بالكاملِ وهو يردِّد:
-مصطفى السيوفي مش هيسكت، أووف، لا لازم أتصرَّف، الاتنين دول لازم يبعدوا عن بعض بأيِّ طريقة، بس إزاي..استمعَ الى رنينِ هاتفهِ ليرفعهُ صارخًا:
-عايز ايه؟!
-أحلام هانم أُغمى عليها ياباشا ونقلناها بعربية الإسعاف::
-تمام ساعة وأكون عندك، خلِّي بالك منها..قالها وأغلقَ الهاتف، ثمَّ اتَّجهَ إلى هاتفه:
-جبت اللي قولتلك عليه يابني؟..
-أيوة ياباشا، التقرير على جهاز حضرتك..
قولِّي المختصر..
-اسمها فريدة الرفاعي، مواليد السويس، اتجوِّزت واحد قريبها بس مات من زمان، وكان عندها ولدين بس اتخطفوا..اتجوِّزها راجح الشافعي أخو جوزها المتوفي ..قصَّ له كلَّ شيئ..
كوَّرَ قبضتهِ وهو يستمعُ إلى حديثه ليهتفَ بهسيس:
-راجح دا عينك مش تنزل من عليه، واعرفلي ليه خطف بنته، وكان يعرف ولَّا لأ، وكمان مراقبة إلياس كلِّ ثانية، عايز النفس اللي بيتنفسه يكون عندي، غلطة بعمرك سمعتني..
قالها وأغلقَ الهاتفَ متحرِّكًا للداخلِ يتمتمُ بينهُ وبين نفسه:
-كدا كل حاجة هتتكشف ياإسحاق، واللي دفنته من تلاتين سنة هيتفتح وطبول الحرب على الكلّ..
بكليةِ الطبِّ وخاصةً بتلك القاعةِ التي تُعرفُ بالمشرحة، كان متوقِّفًا يشرحُ بكلِّ دقَّةٍ وعنايةٍ عن كيفيةِ الوصولِ إلى سببِ الوفاة، واتَّجهَ إلى جثمانٍ وبدأ يشرحُ عليه بعضَ الأشياءِ من لونِ الجثة، ومن بعضِ الأعضاءِ التي تظهرُ بها إذا كان سببُ الوفاة قُتلَ عمدًا بأنواعه..ساعتينِ كاملتينِ إلى أن أُنهكت وهو يراقبها بحذر، تراجعَ إلى مقعدهِ يشيرُ إليهم بأخذِ راحةٍ والعودةِ إلى قاعةِ المحاضرة..
بعد أقلِّ من ثلاثينَ دقيقةٍ من الراحة، جلسَ جميعُ الطلبةِ بأماكنهم، إلى أن توقَّفَ مرَّةً أخرى وبدأ يكملُ محاضرتهِ مع نظراتهِ من الحينِ والآخر، أخرجَ بعض الصورِ وأشارَ إليها على بروجكتور، وبدأ بالشرح:
Origin and insertion of muscle..الأساسيات التي من المفروض تثير الشك لدى الإكتشاف لبعض النقاط، ظل يتحول بالقاعة ويشرح بطريقته السلسة
إلى أن انتهى حتى تنفَّست الطلبةُ بعمق..ظلَّت بمكانها، استدارت إليها خديجة صديقتها:
-إيلي إيه هتفضلي قاعدة؟..أغمضت عينيها متألِّمة:
-تعبانة أوي ومش قادرة أقف على رجلي، كان يجمعُ أشيائه، رفعَ بصرهِ إلى جلوسها، فاتَّجهَ إليها:
-قاعدة كدا ليه، ياله علشان أوصَّلك..ظلَّت بمكانها ونظراتها شاردة بنقطةٍ وهمية، إلى أن اقتربَ وجلسَ بجوارها، نهضت خديجة محمحمة:
-همشي أنا، وبدل تعبانة روحي مع الدوك، رفعَ نظرهِ إلى خديجة متسائلًا:
-هيَّ تعبانة؟..أومأت سريعًا قبلَ ردَّها وتحرَّكت مغادرةً المكان.استدارَ إليها:
-عارف طوِّلت النهاردة في السيكشن، وعارف الوقوف كان غلط عليكي، الأيام الجاية كلِّ المحاضرات هتكون بالطريقة دي، ومتنسيش المواد التانية لو عايزة تأجِّلي، توقَّفت تجمعُ أشياءها:
-مش هأجِّل حاجة ياآدم، ومتفكرشِ أنا هجيب الولد دا، أنا مش معترفة بيه أصلًا، رمقتهُ وأشارت ِإليه بعدما فتحَ فاههِ للحديث:
-لأنَّك أبوه، مش عايزاه، ولو ضغطت عليَّا أكتر من كدا صدَّقني همشي ومش هتعرف مكاني..فياريت تحترم خصوصياتي.
توقَّفَ بمقابلتها ونظرَ بعمقِ عينيها، رغم شعورهِ بالألمِ الذي ينخرُ العظام:
-امشي قدَّامي بدل ماأشيلك قدَّام الجامعة، أطبقَ على ذراعها واقتربَ يهمسُ بجوارِ أذنها:
-ابني ياإيلين لو حاولتي تعملي فيه حاجة مش هرحمك، عارفة ليه؟..
تقابلت النظراتُ القريبةُ بالكثيرِ من الحديثِ بها العتاب والأسى والندم إلى أن جذبها من خصرها بقوَّةٍ حتى أصبحت بأحضانهِ متمتمًا:
-ممكن أموت ياإيلين واللي في بطنك لا، الواد دا أغلى من روحي علشان إنتِ أمُّه، ومش هتهاون معاكي لو حاولتي تقرَّبي منُّه..
لكمتهُ بعنفٍ بعدما تسلَّلت رائحتهِ وشعرت بضعفها بين يديه، تمنَّت أن تلقي نفسها بأحضانه، تمنَّت أن تستنشقَ رائحتهِ التي شعرت بانسحابِ روحها من افتقادها..
تحرَّكت سريعًا من أمامهِ حينما خارت قواها بالكامل، انسابت عبراتها رغمًا عنها تزيلها بعنف، إلى أن وصلت إلى سيارةِ أجرة لتستقلَّها مغادرةً المكان بالكامل..
عند يزن:
دلفت إلى غرفتهِ تبحثُ عنه وجدتهُ غارقًا بنومه، اقتربت منهُ وجلست بمقابلتهِ على المقعد، ابتسمت على نومهِ الملائكي، تمنَّت لو تلمسَ خصلاته، ضعفت إلى أن انحنت تخلِّلَ أناملها داخل خصلاته، ظلَّت للحظاتٍ وهي تشعرُ بفراشاتٍ تدغدغُ معدتها، أغمضت عينيها وابتسامةٌ رائعةٌ على ملامحها الجميلة إلى أن شعرت بتململه، فنهضت مبتعدةً عنه، ابتلعت ريقها تغمغمُ بصوتٍ هادئ:
-يزن ..كرَّرتها عدَّةَ مرَّاتٍ إلى أن فتحَ عينيهِ وأغمضها ليهبَّ بمكانهِ بعدما شعرَ بوجودها..
-إنتِ هنا من زمان؟!..هزَّت رأسها بالنفي تفركُ كفَّيها ثمَّ اقتربت منه:
-عايزة أروح أشوف بابا في المستشفى وخايفة لعمُّو راجح ..قاطعها عندما توقَّفَ يشيرُ إلى الباب:
-اجهزي وأنا هجهز وأحصَّلك..ابتسمت بعرفانٍ قائلة:
-شكرًا يايزن، مش عارفة من غيرك كنت عملت إيه..
توقَّفَ بعدما خطا بعض الخطوات، واستدارَ بنصفِ جسده:
-معملتش حاجة للشكر، أنا اللي لازم أشكرك..خطت إلى وقوفه:
-تشكرني !! على إيه بقى؟..
تعلَّقت عيناها بغابةِ الزيتونِ التي تتمتعُ بها عيناها وهمسَ دون وعي:
-جيتي في وقت كنت بدأت أفقد الأمل في كلِّ حاجة..سحبَ كفَّيها يضمُّهما بين راحتيه:
-راحيل إحنا الاتنين بنكمِّل بعض، كان لازم نكون مع بعض علشان نقوِّي بعض، على قد ماإنتِ محتاجاني أنا كمان محتاجك وأوي كمان..
فتحت فاهها للحديثِ إلَّا أنَّهُ وضع أناملهِ على شفتيها يمنعها من الحديث:
-مش عايز أسئلة لو سمحتي، كلِّ اللي عايزه منِّك عايزك تعذريني وتسامحيتي لو جيت عليكي في وقتِ من الأوقات...قالها وتحرَّكَ سريعًا للمرحاض..
بعدَ فترةٍ توقَّفت السيارةَ أمامَ المشفى، نظرت إلى رجالِ راجح المنتشرين حول المشفى، ثمَّ أشارت إليه:
-دا ممكن يمنعني أشوف أبويا..
ترجَّلَ من السيارة، يشيرُ إليها بالنزول:
-انزلي حبيبي وخلِّي حد يقرَّب منِّك..
طالعتهُ بأعينٍ مذهولة، هل هو نطقَ حبيبي، لا تعلم لما ابتسمت وخاصةً حينما بسطَ كفِّهِ إليها، لتتشبَّثَ بها..
تحرَّكت بجوارهِ ليغمزَ بعينيهِ على ذراعه:
-فيه عروسة برضو تمشي جنبِ جوزها من غير حضن..أفلتت ابتسامةً وهتفت بضحكةٍ ناعمة:
-رايق أوي..
-وليه ماروقش، لفَّ ذراعهِ حول خصرها وتحرَّكَ بجوارها وهو يرتدي نظارتهِ السوداء يخفي بها نظرةَ الغلِّ والحقدِ التي تربَّعت بقلبه، توقَّفَ أحدُ رجالِ راجح أمامهما:
-ممنوع حدّ يدخل هنا، دي أوامر الباشا..
حكَّ أنفهِ يتجوَّلُ بأنظارهِ بالمكانِ إلى أن وصلت سيارةُ الشرطة وتوجَّهت إلى وقوفِ يزن، ترجَّلَ جواد حازم بجهازهِ اللاسلكي يشيرُ إلى الرجالِ الذين حاوطوا يزن وراحيل، ليشيرَ جواد إلى قوَّته:
-لمُّو العيال دي في البوكس، شكلهم عيال خارجين على القانون، ثمَّ اتَّجهَ بنظرهِ إلى يزن:
-هتنقلوه فين؟..
توسَّعت أعينُ راحيل بذهولٍ مردِّدة:
-إنتَ عايز تنقل بابا من المستشفى؟..أومأ لها وتحرَّكَ بجوارِ جواد حازم قائلًا:
-عندك مستشفيين ودول مفيش غيرهم تثقي فيهم، مستشفى الألفي ودي مديرها دكتور غزل الألفي ومستشفى البنداري، ودي مديرها دكتور يونس البنداري، توقَّفَ أمامها:
-راحيل متثقيش في أيِّ مخلوق مهما كانت درجة القرابة، حتى أنا متثقيش فيَّا أوي، لازم والدك يكون في إيد أمينة فهمتني؟..
أومأت بعيونٍ متلألئة..تمَّ تجهيزُ سيارةِ إسعاف لنقلِ مالك العمري إلى مستشفى الألفي..دلفَ للداخلِ وهي تجاورهُ يسألُ عن مكتبِ دكتور غزل الألفي، بعدَ قليلٍ قابلتهم غزل، توقَّفوا أمامها لتحيَّتها معرِّفًا عن نفسه:
-يزن السوهاجي جاي عن طريق حضرة الظابط جاسر الألفي..
أشارت إليهم بالجلوس:
-أهلًا يابني اتفضل، انتقلت بعينيها لراحيل فأشارَ عليها:
-أستاذة راحيل السوهاجي، باباها تعبان، جلطة أدِّت لتوقُّف أعضائه..عنده أعداء من كلِّ حزب ولون، فكنَّا محتاجين الحماية، علشان كدا حضرة الظابط نصحنا نجي لحضرتك..
تراجعت بجسدها ووزَّعت عينيها عليهما قائلة:
-اعتبريه في أمان بدل جاسر قالِّك هيكون هنا في أمان فثقي يابنتي، انا باجي يومين بس في الأسبوع وساعات يوم واحد، بس متخافيش الدكاترة هنا على الثقة التامة، يعني لو جيتي في يوم ومكنتش موجودة ماتخفيش، أيِّ دكتور هنا غزل الألفي لو مش واثقة في كلامي اسألي برَّة عن غزل الألفي..
حمحمَ يزن مجيبًا:
-طبعًا حضرتك مش عايزة سؤال، وكمان حضرتك عن طريق المستشار راكان البنداري، يعني مستحيل يرشَّح حد مش واثق فيه..
-خلاص أنا هعدِّي على المريض، وأرشَّح لك أفضل الدكاترة عندنا..
بعد فترة خرجت من المشفى وجدت زوجها ينتظرها بالسيارة، ترجل مبتسمًا، رفع نظارته الشمسية على خصلاته المختلطة بالشعر الأبيض
-حبيبتي اتأخرتي ليه ..قالها وهو يحتضن كفيها بين راحتيه
-بقالك كتير
فتح باب السيارة، لتستقلها مع استدارته لمحل القيادة
-لسة واصل من ربع ساعة بس، حتى لو من زمان مستعد استناكي العمر كله ياغزالتي
افلتت ضحكة ناعمة
-مش هتتزهق يعني ياجواد..رفع كفيها يلثمها
-تعتقدي جواد ممكن يزهق ياغزل، انت بس اللي مفكراني كبرت ومبقتش نافع
اقتربت تعانق ذراعه
-فشر ياحضرة اللوا مين دا اللي كبر، انت هتفضل جواد الظابط الصغير اللي
خطف عقل وقلب غزل بنت سبعتاشر سنة ..قاطعهم طرقات على باب السيارة
فتحت زجاج النافذة لترتفع ضحكاتها، انحنى بجسده
-مش عيب ياسيادة اللوا توقف قدام المستشفى بفعل فاضح كدا، اتصل بالاداب
-امشي ياحيوان من هنا، ايه اللي جاب الجربوع دا هنا
قهقهت تضع كفيها على وجنة جاسر
-بس ياجواد دا جربوع، دا عسل
سبها بداخله
-عسل اسود على دماغك ودماغه يادكتورة، وانا اللي ابن..ارتفعت ضحكات جاسر يشير إليه بالتحرك
-خلاص خلاص هسامحك المرة دي
أشار إليه بغضب
-الواد دا جاي هنا ليه، خرج برأسه من نافذة السيارة
-وٓلا ولا روح شوف مراتك فين بدل مانت ماشي تلف زي العاطل كدا..قالها وقاد السيارة ليطالعه جاسر جاحظ العينين مرددا
-أنا ولا وعاطل...كله بحسابه ياحضرة اللوا..وصل إليه يزن، استدار متسائلًا
-كله تمام ..اومأ له بالايجاب، تحرك معه للداخل قائلًا
-علشان تطمن اكتر هنحط كاميرا، ودا تصريح من راكان البنداري يعني قانوني
بفيلَّا الجارحي، دلفَ إسحاق إلى غرفةِ مكتبه، توقَّفَ فاروق يطالعهُ باستفهام:
-مالك فيه إيه؟..قولتلي عايزك ضروري..
أشارَ إليهِ بالجلوس، فتح زرَّ حلَّتهِ وجلسَ يسحبُ نفسًا، ثمَّ زفرهُ بهدوءٍ بعدما شعرَ بالاختناق..فركَ جبينهِ يهزُّ رأسهِ بعنف:
-مصيبة يافاروق..تأرجحت أعينُ فاروق بقلقٍ من حالتهِ التي يراها به لأوَّلِ مرَّة، مما جعلهُ ينهضُ من فوق مقعدهِ واتَّجهَ يجلسُ بجواره:
-مالك فيه إيه؟!
مسحَ وجههِ بعنفٍ يضعُ كفوفهِ بنصفِ وجهه، ينظرُ أمامهِ بشرود:
-أرسلان..
ارتفعت دقَّاتُ قلبَ فاروق يرمقهُ بطرفِ عينيهِ بنظرةٍ زائغة، وأردفَ بلسانٍ ثقيل:
-ماله أرسلان، أوعى تقولِّي عرف حاجة؟!..
هبَّ من مكانهِ يدورُ حولَ نفسه بالغرفةِ وأنفاسهِ بالارتفاع:
-قريب، كلِّ حاجة هتنكشف قريب، أنا عاجز ومش عارف أفكَّر، لازم تفكَّر معايا، إنتَ عارف أنا عند أرسلان أعجز ودماغي بتوقف..
شعرَ برجفةٍ قويةٍ تعتصرُ فؤادهِ ليتساءلَ بحروفٍ ممزوجةٍ بالألم:
-دا وعدك ليَّا ياإسحاق، فضلت تقول أنا عندي استعداد أعمل وأعمل وجاي دلوقتي تقولِّي عاجز!..
اقتربَ منهُ وغرزَ عينيهِ بأعينِ أخيه:
-دا قبل ماأعرف أنُّه ابنِ مرات مصطفى السيوفي، والمصيبة الأكبر أنَّها عرفت أنُّه ابنها، التقطَ الملفَّ الذي كان بين يديهِ وألقاهُ إلى فاروق:
-بص شوف صورة الراجل دا وركِّز فيها أوي..فتحَه بأيدي مرتعشة، نظرَ إلى الصورةِ المحفوظةِ بداخلِ الملف، ثمَّ رفعَ عينيهِ إلى أخيه:
-مش فاهم حاجة، دي صورة طفل وصورة ستّ وراجل..
ضربَ على الملفِّ بقوَّةٍ أصابت عقلَ فاروق بالجنونِ حينما انبثقت أحرفهِ التي شعرَ حينها بتمزُّقِ روحهِ وهو يردف:
-ركِّز يافاروق في صورةِ الراجل، الولد نُسخة تانية من أبوه الحقيقي، وخد المفاجأة الكبيرة الطفل التاني دا بيكون إلياس السيوفي..
تشتَّتَ حيرةً بنظراتٍ ضائعةٍ يهزُّ أكتافه:
-أنا مش فاهم حاجة، مال السيوفي بأرسلان والراجل اللي في الصورة؟..
ثارت جيوشُ غضبِ إسحاق وفقدَ السيطرةَ حتى أرجعَ خصلاتهِ للخلفِ وكاد أن يقتلعها وهو يشيرُ إلى الملفِّ مرَّةً وإليهِ مرَّة:
-أرسلان بيكون ابنِ الراجل اللي في الصورة، والطفل دا أخوه، لأنَّهم اتخطفوا الاتنين وطبعًا إحنا لقينا أرسلان، ومصطفى لقي إلياس، إيه يافاروق أومال لو مااشتغلتش مخابرات، الدماغ دي فين، ركِّز ودقَّق في ملامحِ الولد، أمُّه جاتلي من شهرين ووقفت قدَّامي وهدِّدتني، ورغم كدا حاولت وقطعت كلِّ السبل اللي تقدر تثبت فيها أيِّ حاجة تخصُّه، ومنعته عن بيتِ السيوفي، لكن المصيبة الولد مقدرتشِ عليه، الدم بيحنِّ يافاروق ولأوِّل مرَّة أرسلان يعارضني..
عدَّت دقائق من الصمتٌ المميتٌ بالغرفةِ بعد إلقائهِ قنبلةَ حديثه، التي جعلت فاروق يشعرُ بانسحابِ أنفاسهِ وكأنَّ الهواءَ سُحبَ من المكانِ بأكمله..
تراجعَ يفتحُ زرَّ قميصه، وارتجفَ جسدهِ بالكامل، هرولَ إسحاق إليهِ بكوبٍ من الماءِ الموضوعِ على سطحِ المكتب:
-فاروق اشرب، خُد نفس، زاغت أبصارهِ يردفُ بتقطُّع:
-متخلُّهمش ياخدوه ياأسحاق أنا هموت لو حاولوا يبعدوه عن حضني..
ربتَ على كتفهِ وأظلمت عيناهُ بالأسى على أخيه، سحبَ بصرهِ بعيدًا عنهُ وأطرقَ رأسهِ خجلًا وعينيهِ تحوًَّلت لجليد..
-هوَّ ميعرفشِ حاجة، كنت بسأله عن حالةِ إلياس، من وقتِ مامراتِ السيوفي جاتلي وأنا براقبهم كلُّهم، عرفت فيه مشكلة عندهم بس معرفشِ إيه هي، أرسلان حكى شوية كلام عن حالةِ إلياس، بس هو ميعرفش، ربطت الكلام مع التقرير، وجمعت الأخبار كلَّها، ودلوقتي أنا شاكك 99% أنُّه أخوه، منتظر التحليل، كلام إلياس اللي أرسلان قاله بيوحي بكدا..
رفعَ رأسهِ يتمتمُ بتقطُّع:
-ممكن يكون مشكلة تانية ومش أخوه..
هزَّ رأسهِ بالنفي وأجابه:
-فاروق راجل زي إلياس، لمَّا يوصل به الحال للتدهوُّر دا يبقى اعرف الموضوع كبير، وتخبطُّه بالكلام، وكمان أنُّه يروح مستشفى هوَّ وأخوه دا مش طبيعي، أنا كلَّمت المستشفى علشان أعرف هوَّ كان بيعمل إيه، وبكرة الصبح الأخبار هتكون عندي، بس أنا من خبرتي بقولَّك الاتنين دول أخوات، ولو كدا يبقى إلياس مش هيسكت علشان البلاوي اللي ورا دا كلُّه عمُّهم، ودا أخباره كلَّها بتقول أنُّه مجرم، وفيه شكّ كبير يكون له علاقة بمنظَّمات، أنا وراه، كان لازم أعرَّفك، علشان نفكَّر إزاي نبعد الشك عن إلياس أو ..صمتَ للحظاتٍ ثمَّ تابعَ حديثه:
-نزوَّر التحليل اللي هيحاولوا يعملوه، نحاول بكلِّ الطرق مايوصلوش لحاجة، بس طبعًا دي هتكون مغامرة كبيرة جدًا ولو أرسلان عرف ممكن نخسره للأبد..
توقَّفَ مترنحًا يشيرُ بيديه:
-لا لا..إياك تعمل حاجة زي كدا، أنا لازم أقابل أمُّه الحقيقة..
توسَّعت أعينُ إسحاق بذهولٍ ولم يشعر بنفسهِ وهو يهتف:
-تبقى مجنون!..
مرَّت عدَّةَ أيامٍ ولم يعرف مكانه، حتى شعرَ مصطفى بالعجز، رغمَ سلطتهِ والبحثِ عنه، بينما فريدة التي التزمت الفراش ولسان حالها يردِّدُ اسمه..
جلسَ بمكتبهِ مع أحدِ الضباط المقريبين إليه:
-مفيش مكان إلَّا ما دوَّرنا فيه، مش عايزين ننزِّل صورته للجهاز، تليفونه مقفول وعربيته هنا..
قاطعهُ إسلام:
-طيب نشوف المستشفيات يابابا، يمكن..هبَّ من مكانهِ مفزوعًا وشعرَ بتوقُّفِ نبضه:
-متكمِّلشِ يابني الله لا يسيئك، دارَ بالمكتبِ محاولًا أخذَ نفس، استمعَ إلى هاتفه.. رفعهُ وأجابَ سريعًا:
-إيه ياأرسلان مفيش جديد؟..
أجابهُ قائلًا:
-للأسف ياسيادةِ اللوا مفيش أيِّ أخبار، لو يفتح تليفونه هيكون سهل نوصلُّه، لكن مفيش أيِّ أمل نمشي عليه، وكمان العربية..
تنهيدةٌ عميقةٌ غادرت ضلوعهِ ليجيبهُ بأسى وقلبٍ محفورٍ بحروفِ الألم:
-تمام يابني، ربِّنا يرد الغائب..
بالأعلى بغرفتها متمدِّدةً على فراشها تحتضنُ نفسها بوضعِ الجنين، تضمُّ قميصهِ لأحضانها، دلفت إليها غادة تحملُ طعامها، اتَّجهت إلى فراشها بعدما وضعت الطعامَ على الطاولة:
-ميرال..قومي حبيبتي علشان تاكلي، بقالك يومين ماأكلتيش، حرام عليكي متنسيش إنِّك حامل، قاطعهم طرقاتٌ على بابِ الغرفة، دلفت رؤى تطالعُ ميرال بعيونٍ حزينة، كأنَّها جثةٌ على فراشِ الوداع..
-مفيش جديد ياغادة..هزَّت رأسها بالرفضِ وترقرقت عيناها بالدموع:
-مفيش بابا بيحاول يوصلُّه، أنا خايفة على ماما فريدة..
نهضت ميرال من مكانها بعدما استمعت إلى حديثِ غادة، تحرَّكت بخطواتٍ واهنةٍ تستندُ على الجدارِ بأقدامٍ حافية، دفعت البابَ ودلفت للداخل، وجدتها تغفو وبكفِّها إبرةٌ مغروزة، يبدو أنَّها مهدئ أو مغذي، لم تكترث لذلك اتَّجهت إليها وجلست بجوارها على الفراش، مع متابعةِ غادة ورؤى إليها، توقَّفتا على بابِ الغرفةِ يطالعونها بأعينٍ ينبثقُ منها الحزن، مسَّدت على خصلاتِ فريدة:
-ماما ..كرَّرتها عدَّةَ مرَّاتٍ لتفتحَ فريدة عينيها بوهن، دقيقةٌ تطالعها بعيونٍ تحملُ من الألمِ ماينشقُّ له الصدر، اختلجَ صدرها بقبضةٍ كادت أن تزهقَ روحها، كيف تلومها على ما فعلتهُ بهما، وهي تحملُ من الغصصِ مالا يتحمَّلهُ أحد، انسابت دموعها كغزارةِ المطرِ تشهقُ بصوتها الباكي:
-أنا عايزة جوزي ياماما، ليه عملتوا فينا كدا، قلبي وجعني ومش قادرة أتنفِّس..كانت دموعها تنصهرُ على خدَّيها من حديثِ ميرال المؤذي لروحها، هل اقتصَّ ربَّها بما فعلتهُ بالماضي، ظلَّت عيناها متعلقةً بأعينِ ميرال التي ارتجفَ جسدها وهي تحتضنُ أحشاءها:
-عايزاه يرجع ياماما وهاخده ونهاجر من هنا خلاص مبقاش ينفع نقعد هنا، خلِّي عمُّو مصطفى يرجَّعلي جوزي لو سمحتي، هسامحك والله..
أزالت عبراتها تهزُّ رأسها مقتربةً من فريدة تحتضنُ كفَّيها ثمَّ انحنت عليهما تقبلهما:
-أبوس على إيدك مش قادرة أتنفس ياماما..رفعت كفَّيها على رأسها وأردفت بتقطُّع:
-هيرجع حبيبتي، أنا متأكدة أنُّه هيرجع، مش هيقدر يبعد كتير..
عندَ إلياس قبلَ عدَّةِ أيام، بعدَ حديثهِ مع فريدة، خرجَ من المنزلِ سيرًا على الأقدام، حاولَ حرسهِ أن يتابعَ سيرهِ ولكنَّهُ رفض، ظلَّ يتمشى بالشوارعِ دون هدى، اختلى بنفسهِ مثلَ الطفلِ التائه، جلسَ أمامَ النيلِ ينظرُ إليه بدموعٍ تخطُّ على وجنتيه، كالفتاةِ التي فقدت والديها وهي بعمرِ العاشرة، ظلَّ لبعضِ الوقتِ ومازالت دموعهِ تنسابُ بصمت، انهارت حصونه، وهو يتذكَّرُ ذكرياتَ طفولته، هنا شعرَ بخناجرَ تُغرزُ بصدره..
آاااه..خرجت بقيحِ جروحه، ومازالت ملامحهِ لوحةً من الألمِ والحزن، ابتسامةٌ حزينةٌ يهمسُ لنفسهِ بحروفِ الألم، حياتي ضاعت، بقيت مهشَّم، ماليش وجود، لا حصَّلت إلياس السيوفي ولا حصَّلت يوسف الشافعي..
إنتَ مهشَّم ياإلياس مالكش وجود، تحمل ماضي مشوَّه وبقايا لحياتك اللي مش عارف هتكون إزاي، إنتَ ضعت، لا إنتَ مت، موِّتوك وإنتَ عايش..
آااه صرخةٌ توغّّلت صدرهِ يحرِّكُ كفِّهِ عليه علَّهُ يزيلُ كمَّ الألمِ الذي يشعرُ به..
دقائق بل ساعات مرَّت وهو مازال جالسًا ينظرُ بشرودٍ للنيل..قاطعهُ رنينُ هاتفه، عينًا ممزوجةً بالدموعِ والوجعِ العميق، يمرِّرُ أناملهِ على صورتها التي أنارت شاشةَ هاتفه..
قلبه يحنو إليها ويتعاطفُ لنبضها باسمه، ولكنَّ عقلهِ وآهٍ من عقلهِ وتخبُّطه، ليجعل شيطانهِ يتلوَّنُ به، ولكن كيف للعقلِ أن يتغلَّبَ على القلبِ وهو الذي لا يشعرُ بالحياةِ سوى بقربها، رغم قساوتهِ معها، إلَّا أنَّه يتنفسُ عشقها، رفعَ الهاتفَ وأجاب:
-أيوة..استمعَ إلى شهقاتها التي شقَّت صدره، ناهيكَ عن دموعها التي شعرَ وكأنَّها شظايا تشحذُ جلدَ صدره:
-إلياس ..إلياس ..كرَّرتها عدَّةَ مراتٍ مع بكائها المستمر، قول إنِّنا في كابوس مستحيل اللي سمعته دا، إلياس قولِّي إنِّك بتحلمي وهتفوقي منُّه، ماما فريدة مستحيل تعمل فينا كدا، مستحيل، أنا بنتها ياإلياس، أنا بنتها…
كرَّرتها ببكاءٍ صارخةً حتى انهارت حصونهِ بالكامل..لتصرخ:
-مستحيل أكون بنتِ الراجل دا، إنتَ سامعني، أنا ماليش ذنب ياإلياس أنا معرفوش، لا أنا مش هيَّ لا أنا بنتِ مدام فريدة صح كدا، مش إنتَ كنت بتقولِّي كدا، صرخت :به
-إنتَ ساكت ليه، أوعى تقولِّي إنَّك مصدَّق، أنا موافقة تقولِّي يابنتِ مدام فريدة بس متقولِّيش بنتِ الراجل دا،
صرخةٌ بآهةٍ عاليةٍ خرجت من جوفِ شعورها بكمِّ الألمِ وكأنَّ عظامَ صدرها تنصهر..
-حياتنا كدا خلاص، يعني إحنا مابقاش ننفع نكمِّل مع بعض، أنا بنتِ الراجل اللي سرق حياتك، وإنتَ ابنِ الستِّ اللي سرقت حياتي..
توقَّفت تدورُ بالغرفةِ بترنُّحٍ كشجرةٍ مكسورةِ الأغصانِ تدفعها الرياحَ لتهوى على الأرضيةِ وترتفعُ شهقاتها..
إنتَ فين حبيبي ارجعلي لو سمحت، إلياس إنتَ فين..ظلَّت تردِّدُ اسمهِ بلسانٍ ثقيلٍ إلى أن أغلقت الهاتف..
هنا شعرَ وكأنَّ أحدهم ألقاهُ بضربةٍ موجعةٍ قسمت ظهرهِ لنصفين، وهشَّمت عمودهِ الفقري ليشعرَ بالعجزِ وعدمِ القدرةِ على النهوض..حديثها كصاعقةٍ أصابت قلبهِ الممزَّق، أمسكَ هاتفهِ وظلَّ يقلِّبُ به إلى أن تذكَّرَ مقابلتهِ لإسراء:
-نعم ياباشا، واللهِ ما عملت حاجة..أشارَ إليها بالجلوسِ يستدعي ساعي مكتبه:
-اعملي قهوة والمدام ليمونادا..
-تحتِ أمرك ياباشا، أخرجَ سيجارتهِ وأشعلها وعينيهِ تحاصرُ جلوسها، ابتلعت ريقها خوفًا من نظراته، ورغم هدوئهِ إلَّا أنَّ تلك النظراتِ المميتةِ جعلت قلبها يسقطُ بين أقدامها، نفثَ رمادَ سيجارتهِ وعينيهِ على تحرُّكِ أعضاءِ جسدها، ظلَّت تفركُ بكفَّيها مبتعدةً عن نظراتهِ الافتراسية، وصلَ الساعي بالقهوة، أشارَ إليه:
-ادِّي المدام ليمونادا، هزَّت رأسها رافضةً ثمَّ أردفت بتقطُّع:
-شكرًا ياباشا، أنا عندي بنت زمانها على وصول من الجامعة وهتقلق عليَّا لو ..قاطعها متوقِّفًا ثمَّ اقتربَ وجلسَ بالمقعدِ الذي يقابلها ثمَّ دنا بجسدهِ للأمامِ هامسًا بسؤال:
-فريدة الشافعي فكراها ..توسَّعت عيناها بذهول، تهزُّ رأسها مرَّةً بالرفض ومرَّةً بالإيجاب، زفرَ بغضبٍ وصاحَ قائلًا:
-وبعدين معاكي، جاوبي أه ولَّا لأ؟..
-أيوة ياباشا، فريدة كانت جارة وصديقة، بس انقطعت أخبارها بعد جوازي، آخر مرَّة شوفتها فيها بعد جوازها من أخو جوزها بكام شهر، صمتت للحظاتٍ تلتفتُ حولها:
-حضرتك عايز منها إيه، أنا ماليش دعوة، أنا ستّ على بابِ الله ماليش غير بنتي وابني، أشارَ بإصبعهِ أن تصمت:
-ردِّي على قدِّ السؤال وبس، وعايز الصدق، هتكذبي ..هزَّت رأسها سريعًا بالنفي:
-هوَّ كلِّ شوية حد يجي يسألني عليها ليه، واللهِ ماأعرف مكانها ولا أعرف أنَّها عايشة ولَّا لأ..قبضةٌ قويةٌ اعتصرت فؤادهِ متسائلًا بخفوت:
-احكيلي تعرفي عنها إيه، ووعد منِّي مش هعملِّك حاجة..قصَّت لهُ كلَّ شيئٍ من موتِ جمال إلى زواجها ومعاناتها مع راجح..
انحبست أنفاسهِ بصدره، ولم يشعر سوى بالألمِ الحادِّ الذي تسلَّلَ إلى جسدهِ بالكاملِ ليرفعَ كفِّهِ وبأناملهِ المرتعشةِ محاولًا فتحَ زرَّ قميصه، بعدما أشارَ للعسكري قائلًا بصوتٍ متقطِّع:
-رجَّعوها مكان ماجبتوها..خرجت وعيناها عليه إلى أن توقَّفت على بابِ مكتبه:
-يمكن تموِّتوني بس راجح دا شيطان وربِّنا ينتقم منُّه، أنا مش خايفة منُّه ولا منَّك، الراجل اللي يذلِّ ست يبقى مش راجل، واطي راجح وبدل مايلملم ولاد أخوه ضيَّعهم هوَّ والزبالة مراته، ولو حضرتك عايز توصل لفريدة علشان تكمِّل انتقامك منها بأوامره أنا معرفشِ وحتى لو أعرف مش هقولَّك، الربِّ واحد والعمرِ واحد يابني، شكلك ابنِ حلال وربِّنا منحك وظيفة علشان تدافع عن حقِّ المظلوم متعملشِ زي أهلِ البلد اللي رموها بالباطل، فريدة أشرف ست، كانت أم وأخت وجارة، والناس اللي خافت من راجح زمان بسبب تجبُّره روح شوف حالتهم إزاي، ربِّنا عمره مايسكت على الظالم بيسلَّطه على نفسه، ربِّنا يكفينا شرُّكم يابني..ربِّنا يكفينا شرُّكم، قالتها وتحرَّكت للخارجِ تدعو عليهم ليخترقَ صوتُ دعائها أذنيهِ وهي تبوحُ بمرارة:
-ربِّنا على الظالم والمفتري، ربِّنا على الظالم والمفتري...خرجَ من شرودهِ على رنينِ هاتفهِ مرَّةً أخرى، أغلقهُ واعتدلَ
ينهضُ بتخبُّطٍ يشيرُ إلى سيارةِ أجرة، استقلَّ السيارةَ قائلًا:
-ودِّيني السويس ...بعدَ فترةٍ وصلَ إلى الحيِّ الذي كان يسكنهُ والديه، نزلَ من السيارةِ ينظرُ حولهُ بضياع..
تحرَّكَ إلى عدَّةِ أماكن يتفحَّصها وجلسَ مع بعضِ الأشخاصِ الذين بعمرِ فريدة أو أكبرَ منها بسنواتٍ معدودة، ظلَّ يتنقَّلُ هنا وهناك إلى أن جلسَ أمام البحرَ ينظرُ إليهِ بضياع، مرَّ يومينِ وهو بالسويس إلى أن خطرَ في ذهنهِ الذهابَ إلى قبرِ والده، تحرَّكَ يبحثُ عن المقابر، سألَ المسؤولَ عن المقابر:
-لو سمحت فين مقابر عيلة الشافعي هنا؟..دلَّهُ الرجلَ على مكانِ قبرِ والده، سحبَ قدمهِ بصعوبةٍ يتحرَّكُ بتثاقلٍ يحملُ على ظهرهِ الكثيرَ من الألمِ الذي علمهُ بما أخبرهُ به البعض، وصلَ إلى المقبرة، ينظرُ إليها بتوهان، هل هنا دُفنَ والده، هل هنا دُفنت ذكرياتَ حياته، فيومَ وفاةِ والدهِ هو يومَ دفنهِ حيًّا، ظلَّ لدقائقَ معدودةً ينظرُ إلى القبرِ بعيونٍ خاوية، لقد جفَّت دموعه من كثرةِ بكائها، كم صعبٌ أن أخبركَ عن ماأشعرُ به، هنا كُتبت عليه حياةُ الضياع، هنا دُفنت أحلامهِ وهويَّته، ليتهُ ظلَّ لبعضِ السنواتِ كي يعلمهُ كيف يكونُ الحضنُ الحامي، هل ماشعرَ به بأحضانِ مصطفى كانت سراب، هوى أمام القبرِ بركبتيهِ عندما تلاشت ساقيهِ وأصبحت هلاميتين، بسطَ كفَّيهِ بارتجافٍ على قبرِ والده، ظل يمرِّرُ يديهِ على المقبرةِ يعاني من قيحِ نزيفهِ الداخلي ..لم يشعر بنفسهِ وهو يستندُ برأسهِ عليها وتساقطَ الدمعُ مرَّةً أخرى يتمتمُ بخفوت:
-با...با ..أخرجها بثقلٍ وتقطُّع، شهقةٌ من جوفهِ يغمضُ عينيه:
-موتنا من بعدك يابابا، شوفت الراجل اللي المفروض يكون حمانا ويكون أبونا التاني عمل إيه، هوَّ للدرجة دي الدنيا بقت وحشة، هوَّ ممكن عم يعمل في ولاد أخوه كدا..بكاءً حارقًا وصرخاتٍ يتبعها لكمةً بالأرض، وكأنَّهُ يزيحُ الألمَ الذي غزا حياته، ليجعلهُ ميتًا وهو على قيدِ الحياةِ من غدرٍ بلا شفقةٍ من الأقربونَ إليه..
-ليييييه، ليه كلِّ الغلِّ والحقدِ دا، إيه اللي حصل يوصَّل العم يقتل ولاد أخوه وهمَّا على وشِّ الدنيا، ياريتك أخدتنا معاك يابابا، على الأقلِّ كان هيكون لينا شهادة وفاة واحدة، حرمونا منَّك وحرموك منَّا، أنا ضايع يابابا، هويِّتي فين، مقسوم نصين لا عارف أكون يوسف ولا عارف أكون إلياس، وأخويا اللي معرفشِ عنُّه حاجة…
ياترى عايش ولَّا لأ، ياترى حياته إزاي؟..
ظلَّ لعدَّةِ ساعاتٍ لم يشعر بالوقتِ الذي مرَّ عليهِ وهو جالسٌ بتلك الحالةِ إلى أن استمعَ إلى صوتِ مصطفى:
-كدا ياإلياس باباك هان عليك تعمل فيَّا كدا..
-بابا..قالها متوقِّفًا بمقابلته بجسد واهن، ضمَّهُ مصطفى لأحضانهِ بقوَّةٍ وكأنَّهُ سيذهبُ ويتركه..
-حبيب بابا، ينفع تعمل فيَّا كدا يابني، طفل إنتَ علشان تتوِّهني وراك…
آسف..أخرجها بصوتٍ خافت، وعيونٍ تلمعُ بالانكسار، ضمَّ وجههِ يفركهُ بكفَّيه:
-فين إلياس مين اللي واقف قدَّامي دا..
قالها وهو يطوفُ بنظراتهِ عليه، وهاتفهُ بنبرةٍ منكسرة:
-فين إلياس ابني، إنتَ مستحيل تكون ابني..ابتعدَ عن محاوطةِ كفَّيهِ ورفع عينيهِ الجريحتينِ بمياهِ الألمِ قائلًا:
-لسة مصرّ تقول ابنك ياسيادةِ اللوا، مش كفاية سرقك لهويِّتي..
شعرَ مصطفى بالذنبِ من ضعفهِ وانكسارِ روحه، ليقتربَ يحاوطُ أكتافه:
-تعالَ حبيبي مراتك بتموت وأمَّك كمان بلاش تعمل كدا لو سمحت يابني، افتكرلي حاجة كويسة..
لم يستطع كبحَ هياجِ مشاعرهِ بذكرهِ لأغلى اثنينِ على قلبه، شعرَ بالخوفِ والقلقِ ليجذبهُ من ذراعهِ يتحرَّكُ به عائدًا إلى القاهرة.
وصلَ إلى فيلَّا السيوفي، كانت تغفو كعادتها تحتضنُ نفسها، دلفَ للداخلِ وعينيهِ تتعمَّقُ بملامحها التي اشتاقها حدَّ الجحيم، خطا خطوةً إلَّا أنَّ أحدهم دفعَ البابَ يصيحُ باسمه:
-إلياس ..قالتها فريدة وهي تهرولُ تضمُّهُ بأحضانها وتبكي بصوتٍ مرتفع:
-كدا ياإلياس، هنَّا عليك يابني..
هبَّت من نومها بعدما استمعت إلى بكاءِ فريدة، لتعتدلَ فوق الفراشِ تتابعهُ بعينينٍ جريحتين من كثرةِ الحزن، تقابلت النظراتُ بينهما في عتابٍ طويل، جذبَ مصطفى فريدة قائلًا:
-سبيه حبيبتي خلِّيه ياخد شاور ويرتاح شوية، ربتَ على كتفه:
-حبيبي خد شاور هنستناك نتعشَّى كلِّنا مع بعض، أخواتك قافلين على نفسهم وزعلانين، بترجَّاك يابني بلاش توجع قلبي عليك، أنا مش هسمحلك تتكسِر كدا، أنا ربِّيت راجل أسد ومش هتنازل عن كدا…
كانت عيناهُ عليها وكأنَّهُ لم يستمع إلى حديثِ مصطفى الذي سحبَ فريدة وتحرَّكَ يغلقُ البابَ خلفهِ بهدوء..
جلسَ على المقعدِ يحتوي رأسهِ بين راحتيه، ظلَّت تتابعهُ بصمتٍ إلى أن توقَّفت مترنحةً وبجسدٍ مرتعشٍ همست اسمه بتقطُّع، ليرفعَ عينيهِ الذابلة إليها:
-كنت فين، نسيت إنَّك سايب واحدة حامل وراك، نزلَ بعينيهِ على بطنها ثمَّ نهضَ من مكانهِ واتَّجهَ إلى الحمَّامِ دون حديث..
انسابت عبراتها على حياتهما التي انهارت وأصبحت شظايا، خرجَ بعد قليلٍ يلفُّ نفسهِ بمنشفة، اقتربت منهُ تضعُ كفَّيها على كتفهِ العاري، تراجعَ كالملسوعِ يشيرُ إليها:
-ماتلمسنيش ولا تقرَّبي منِّي، دلفَ لداخلِ غرفةِ ثيابهِ وخرجَ بعد دقائق، متَّجهًا إلى غرفته، هرولت خلفهِ تتشبثُ بكفِّه:
-رايح فين ياالياس..نزعَ كفِّهِ ورفعَ عينيهِ إليها:
-مش عايز أكرهك، لو سمحتي ابعدي عنِّي، متخليش غضبي يحرقك بذنب ابوكي
دنت منه تضم وجهه بين راحتيها، وعيناها التي تكورت بها خط من الدموع، ناهيك عن ذبولها قائلة
-إنت اللي متقولش كدا علشان مكرهكش ياإلياس،، مش بكفيك ياحضرة الظابط، انا بنت قلبك يابن السيوفي، رفعت نفسها وطبعت قبلة على خاصته تضع رأسها بحناياه، تحاول أن تفيق من اسوء كوابيسها وخرج صوتها متقطع
-احنا قدرنا واحد، لا انت مسموح لك تبعد وانا مسموح لي ابعد عنك ..رفعت عيناها المتلألئة بنيران الألم
-
-انا اسمي ميرال جمال الدين، اللي هي مرات إلياس السيوفي ماليش دعوة باللي اتقال
تراجعَ بعيدًا وغادرَ المكانَ وهو يردِّد:
-أبوكي هقتله ياميرال، سمعتيني موته هيكون على إيدي، بس مش هموِّته موت عادي، ياريتك تنسحبي من حياتي..قالها وتحرَّكَ يغلقُ البابَ خلفهِ دون أن ينظرَ إليها، لتهوى على الأرضِ تبكي بشهقاتٍ وهي تحاوطُ بطنها...مرَّ يومينِ وهو حاليًا نفسه بغرفتهِ لم يختلط بأحد..
دلفَ مصطفى إليهِ وقلبهِ يتمزَّقُ على حالته، اقتربَ منهُ وجدهُ جالسًا بالأرضيةِ وحولهِ صور مراحلهِ منذ الطفولة، ربتَ على كتفه:
-إلياس..رفعَ رأسهِ وليتهُ لم يرفعها، هل هذا إلياس السيوفي، ابتلعَ آلامهِ وهتفَ بتقطُّع:
حبيبي قاعد كدا ليه، قوم ياإلياس..مينفعشٍ اللي بتعمله في نفسك دا، إنتَ كدا بتموِّت نفسك يابني..
ابتسمَ بسخريةٍ يهزُّ رأسهِ بجمود:
-إلياس ابنك!! طيب إزاي، إيه دا ياسيادةِ اللوا العظيم الموقَّر صاحبِ الأخلاق لسة مصرّ إنِّي إلياس، ارتفعت ضحكاتهِ وتمدَّدَ على الأرضِ كالذي فقدَ عقله:
-تلاتين سنة وأنا عايش في كدبة، أب غير الأب وأم غير الأم ...أم اعتدلَ ينظرُ إلى مصطفى:
-هوَّ أنا بحلم ..هزَّ رأسهِ يتجوَّلُ بنظراته:
-أيوة أنا بحلم، أيوة بحلم مستحيل دا يكون حقيقي، دا مش حلم دا كابوس..مراتي تطلع بنتِ أسوأ راجل، وكمان حامل بابني، نظرَ للخارج:
-ابني، ياترى هختار ابني ولَّا أختار أبويا وسيرته، ولَّا أمي...أه وأمي تطلع أكتر شخص كرهته، نظرَ لأعينِ مصطفى:
-تفتكر دا عدل يامصطفى باشا؟..
-إلياس فوق بقى، مكنتش أعرف إنَّك ضعيف كدا..
انحنى بجسدهِ إلى مصطفى:
-إلياس مين ياباشا، حضرتك مش واخد بالك، إلياس بح بح يامصطفى باشا..
حاوطهُ وحاولَ أن يهدِّئَ من روعه:
-حبيبي اسمعني، أنا مكنشِ قصدي أدمَّرك زي مابتقول، ولا قصدي أسرق حياتك..
-عارف مكنشِ قصدك، وكمان عارف اللي أخد أخويا برضو مكنشِ قصده، بس ياترى هيكون عايش ولَّا لأ، تعرف
خايف أخويا التاني يطلع مجرم، ولو ربِّنا بيكرهني أكتر أكون دمَّرت حياته من اللي حكمت عليهم وأنا معرفش، صح يابا..توقَّفَ عن الحديثِ واتَّجهَ بنظرهِ إليه:
-بابا إزاي وإنتَ مش أبويا، يعني أمّي مش أمّي وأبويا مش أبويا، ولا إلياس طلع إلياس...توقَّفَ بجسدٍ متخبِّطٍ لم يستطع الثبات، ترنَّحَ كالمخمورِ يردِّدُ إلياس طلع مش إلياس..
حياة كلَّها كدبة، وأمي طلعت مش أمي..إنتَ مش أبويا..وأنا مش أنا..
إلياس السيوفي طلع وهم لا، طلع كدبة، ظلَّ يردِّدُها وهو يغادرُ الغرفة..
وصلت إليهِ ميرال:
-هتسيبه كدا، لازم تتصرَّف ياعمُّو، أنا خايفة عليه دا ممكن يعمل حاجة في نفسه،أحسَّ وكأنَّ أحدهم طعنهُ بمنتصفِ ظهرهِ ليشعرَ بعدمِ قدرتهِ على الحركة، وانسابت عبراته:
-حاولت ومش عارف، مش مهمّ اللي بيعمله المهمّ يفضل في البيت ومرجعشِ أدوَّر عليه تاني..
يومٌ آخر محمَّلٌ بالأحزانِ التي شطرت القلوب، نهضت من نومها باكيةً بصوتٍ مرتفع، لقد اشتاقت إليهِ حدَّ الجنون، اشتاقت إلى ضحكاتهِ إلى همساتهِ حتى إلى صوتهِ البارد..
نهضت بعدما شعرت بالحزنِ فكلَّما تذكَّرت حالتهِ تشعرُ بآلامٍ تفوقُ قدرتها، نهضت متسلِّلةً وقامت بتبديلِ ثيابها لمنامةٍ سوداءَ اللون، ثمَّ جذبت روبها وارتدته، بعدما أنهت زينتها، وتحرَّكت للخارجِ متَّجهةً إلى غرفته، بعدما قامَ بتبديلِ الغرف ..فتحت البابَ بهدوء، وتحرَّكت بحذرٍ حيث كان الظلامُ يحاوطُ الغرفة سوى من انعكاسِ ضوءِ القمرِ المتسلِّلِ من النافذة، تحرَّكت تجذبُ ستائرَ النافذةِ وعينيها على نومهِ المستكين، ذهبَ بصرها لتلك الأدويةِ التي توضعُ على الكومودينو، رفعتهُ تقرأُ ماعليه، أصابها الألمَ أضعافًا مضاعفةً على حالتهِ التي وصلَ إليها ..قامت بنزعِ روبها وتمدَّدت بجوارهِ تندثرُ داخلَ أحضانه، شعرَ بها ولكنَّ ثقلَ رأسهِ جعلهُ لم يحرِّك ساكنًا، مرَّرت أناملها على وجههِ تهمسُ له:
-دقنك طولت ياإلياس، رغم مبحبَّهاش كدا بس بكلتا الأحوال بحبَّك بكلِّ حالاتك..
فتحَ عينيهِ بتملُّلٍ وكأنَّها تراودُ أحلامه، شعرَ بملمسِ أناملها على وجههِ ابتسمَ قائلًا:
-أكيد مش بحلم صح..دفنت نفسها بأحضانهِ وأردفت بخفوت:
-لا مش حلم أنا هنا..أغمضَ عينيهِ مرَّةً أخرى مبتسمًا، رفعت رأسها تهمسُ اسمه:
-عايزة أقولَّك خبر حلو، بس لازم تفوق مستحيل أقولَّك وإنتَ كدا..
رفع ذراعيهِ يشدِّدُ على احتضانها:
-مفيش أجمل من إنِّك تكوني جوَّا حضني..لمعت عيناها بالسعادةِ من كلماتهِ حتى فرَّت دمعةٌ بطرفِ جفنيها رغمًا عنها لتصلَ لشهقة، فتحَ عينيهِ ولكنَّه غير مسيطرًا على حالته، دنا برأسهِ من وجهها:
-أنا كويس، المهم إنِّك كويسة..
لمست وجنتيهِ واحتضنت عينيه:
-حبيبي أنا هجبلك ولد، عرفت نوع الجنين، ربِّنا بيعوَّض أهو، شوفت حب يربُط على قلبك فرزقك بمولود، قالتها وهي تضعُ كفَّيهِ على أحشائها:
-هنا فيه قطعة منَّك..نظراتٌ فقط يطالعها بارتفاعِ أنفاسه، حتى شعرَ بقبضةٍ تعتصرُ فؤادهِ ليعتدلَ على فراشهِ بجسدٍ مترنِّح:
-مش عايزه، الحمل دا لازم ينزل..قالها وتوقَّفَ كالمخمورِ يترنَّحُ يردِّد:
"لا مش هقدر أكون أب، لازم ينزل"