رواية فى رحالها قلبي الفصل السادس عشر بقلم اية العربى
بعد أسبوع
التزم فيه سيف بالصلاة وتقرب إلى ربه أكثر حتى اندثرت مخاوفه بالفعل واستطاع أن يعيش من حياته أسبوعًا لم يعشه من قبل .
أسبوعًا من الشغف والمتعة والراحة ، لم ترحم سارة قلبه حيث هجمت عليه بسلام ضحكاتها ورقتها وشموخها وأبسط حركاتها .
يشعر بأنه يعيش معها حياة كان يخاف تمنيها .
ابنه نوح ووالدتها سعاد وهي ، عائلة صغيرة احتوته كليًا بعد يتمٍ رسم الحزن في حياته لتتورد وتنتعش من جديد .
أخذ هذا الأسبوع أجازة من العمل ليقضيه معها ، لم يكن يريد مغادرة جناحه أبدًا ولكنه يضطر لذلك ليرى صغيره وحتى لا تفضحه مشاعره التي ولدت حديثًا مع دخول سارة إلى قلبه .
أصبح متيمًا بها ، بل بات يخاف من هذا التّتَيُّم وقوة الحب .
فحينما يعيش الإنسان حياة باردة ويعتاد على الصقيع من حوله ويهيء حياته ليكمل ببروده متجاهلًا أحلامه الدافئة ثم يجد فجأةً الربيع قد جاء ليذيب صقيع قلبه وينعش جسده ويزهر مشاعره ويسعد كما لم يسعد من قبل ،،، من المؤكد سيخاف ، سيخاف من عودة الجليد مرةً أخرى وسيسعى بطرقٍ شتى بأن يحافظ على ربيعه .
أما هي فباتت أكثرهن سعادة وحما.سًا وحيوية ، لم تكن تتوقع أن تحب شخصًا بالقدر الذي أحبت سيف به ، وسيف بالتحديد لم تكن تظن أنها ستراه رجلًا مختلفًا .
حنونًا مراعيًا لينًا وحكيمًا يحبها بل يغمرها بعشقٍ جديد .
لتشعر بأنها مدللة ، مشبعة بالحب والاهتمام ، متوردة ومتجددة لتصبح كل يومٍ بحالة حبٍ جديدة .
لم تبخل عليه بمشاعرها وهذا لأنه كان كريمًا أولًا .
تراها سعاد أمامها بهذا الحماس والشغف وتراه بهيئة جديدة وابتسامات وليدة فترفع يدها وتدعي لهما بكل خير .
حتى أن الصغير بات في حالة ملحوظة من السعادة فيبدو أن سعادة الجميع عادت عليه
ها هي تقف في المطبخ تعد وصفة من الشوكولاتة لمتابعيها في بثٍ مباشرٍ بعدما طلبن منها أن تطمئنهن عنها بعد غيابٍ طال بسبب إصابتها وما إن تخلت عن تجبيرة ذراعها حتى عادت .
كانت ترتدي نقابها وخلفها يصدح صوت التواشيح الخاصة بالشيخ النقشبندي وهي مندمجة في وضع الأطعمة والحشوات بعدما نام الصغير .
اليوم ذهب سيف إلى العمل لذا فهي تعمل بأريحية واندماج .
ولكنه لم يحتمل البعد عنها لفترة طويلة لذا عاد سريعًا على غير عادة ودلف يبحث عنها وحينما سمع صوت التواشيح من المطبخ تتبعه ليجدها تقف بنقابها تعد الشوكولاتة فتعجب وتقدم منها وهو يلاحظ الهاتف وظنها تسجل مقطعًا ولم يعلم أنها في بثٍ مباشر ومن بين اندماجها وجدته يعانقها من ظهرها مردفًا بحبٍ :
- هل تسجلين ؟
جحظت وأسرعت تمد يدها تغلق الهاتف ثم التفتت إليه شاهقة وتحدثت بصدمة :
- سيف ماذا فعلت أنا كنت في بثٍ مباشر .
قطب جبينه ثم تساءل بينما هي أسرعت تلتقط الهاتف لترى :
- أيعني هذا أن عناقي لكِ ظهر لمتابعينك ؟
عبثت به لتزفر بتنهيدة متوترة حينما وجدتهن بالفعل تتابعن البث وترسلن التعليقات الهائمة والرومانسية في حب عناق زوج سارة ومشاعره لها لتقول ببعض الضيق :
- نعم يا سيف ظهر ، سأحذف البث حالًا .
أسرعت تحذفه بالفعل قبل أن ينتشر أكثر ولم تكن تعلم أن هناك شخصًا آخر يتابعه ، شخصًا لم يفوت لها مقطعًا قط وبعدما رأى هذا العناق شعر بالحقد يتضخم في جسده وعقله ، شعر بالنيران تتوغله وهو يفكر أنه لولا سيف وذلك الطفل كانت سارة ستصبح معه وبين يديه هو .
كان يتمسك بلفافة تبغٍ يدخنها بقوة ساحبًا محتواها ولم يكتفِ بها بل أسرع يدس يده في جيبه ويخرج شريط أقراص ينتزع منه قرصًا ويلوكه في فمه لعله ينتشله من هذا الواقع وإلا لا يعلم ماذا سيفعل ولكن ثوانٍ فقط حتى قتمت عيناه والتقط هاتفه وطلب رقم عامل ممن يعملون لديه ليجيب الآخر مترقبًا فيتحدث علي بنظرة شاردة متوعدة :
- استعد يا حمّاد كي تقوم بمهمة وستحصل على كل ما تريده ، فقد أريدك أن تضع عينيك على شخصٍ ما وتخبرني بالمفيد .
❈-❈-❈
أما سارة فبعد أن حذفت الفيديو أسرعت تنزع نقابها وحجابها وتحدق ب سيف الذي وقف ينتظرها لتبتسم له وتتجه تعانق كتفيه قائلة بلومٍ لذيذ :
- هل يجوز ما فعلته يا ابن الدويري ، من المؤكد تعلم أنني أُصوّر .
حاوط خصرها برغم ضيقه من الظهور الغير مقصود لعناقهما بينما تنفس يقول بتروٍ :
- ظننتكِ تسجلين وقلت أفاجئكِ وستحذفين هذا الجزء لم أكن أعلم أنه بث مباشر ، هل رآه الكثير ؟
مطت شفتيها تقول بصدقٍ وترقب :
- لنقل أنهن حوالي أربعةُ آلاف متابعة كنّ معي على البث ، حسنًا حدث ما حدث وحذفته والآن أخبرني لمَ عدت مبكرًا ؟
حدق فيها وهو يسحبها إليه أكثر ثم قال وعيناه تجول فوق ملامحها :
- اشتقت لكِ ، وجئت لآخذكِ في جولة بمَ أنكِ تخليتِ عن التجبيرة ، ما رأيكِ أن نذهب لنرى رشيدة ؟
شهقت بسعادة جعلتها تسرع في ضمه وتقبيل رقبته قائلة بنبرة طفولية متحمسة بعدما قبلته وابتعد :
- بالطبع هيا بنا .
ابتسم عليها ثم سحبها معه نحو غرفتهما بالرغم من أنها لم تكمل وصفاتها بعد ولكن الشوكولاتة لن تذوب حتى وإن ذابت ستصبح ألذ لذا ستذهب وتعود لها .
❈-❈-❈
في منزل علي
دلف يلقي السلام على والدته التي كانت تجلس وتتحدث مع ابنتها عما تشعر بها من تغيرات في وضع ابنها .
أغلقت معها حينما جاء ونظرت له وهو يجلس جوارها ثم تحدثت :
- وعليكم السلام يا ابني ، حدث شيء ؟
هز منكبيه يطالعها قاطبًا جبينه يجيبها باستفهام :
- لا شيء ، لمَ تسألين ؟
- لأنك على غير عادتك منذ عدة أيام ، علي إياك يا علي .
احتدت نظرته وتحدث بانزعاج وهو يلوح بيده :
- أمي أنا على آخري لا تتحدثين بكلامٍ خاطئ .
نظرت له بثقب وتحدثت بلا مبالاة لحالته :
- ولمَ تبيع خيولك وتهمل مصلحتك ؟ ، حتى ملامحك تغيرت ، أقسم يا علي إن فعلتها سأختفي ولن تعلم مكاني .
كانت تقصد عودته للمخدرات لذا نظر لها ونهشه الخوف فهو يعلم جيدًا عواقب فعلته ويعلم ما كانت تعانيه والدته معه ، يعلم إنّ عودته ستكون مدمرة لها لذا تحدث وهو ينهض ليهرب من مواجهتها :
- أنا سأغادر ، يبدو أن شقيقتاي دستا السموم في عقلكِ تجاهي .
غادر وتركها تعاني ويلات عودته للمخدرات ، عليها أن توقفه بأي شكلٍ كان لن تقف مكتوفة الأيدي وهي تراه يدمر نفسه مجددًا .
❈-❈-❈
بعد وقتٍ
صف سيف سيارته وترجل هو وسارة في مكانٍ هادئ قريبًا من الأهرامات .
ابتسمت بسعادة حينما لمحت رشيدة تقف مع أحدهم تتروض منتظرة وصول سارة إليها .
أسرعت تخطو نحوها حتى وصلت وباتت تدلكها مرحبةً بها على طريقتها والفرسة تود لو تعانقها .
وصل سيف إليها وبات هو الآخر يدلك رقبة رشيدة فتقبلته بهدوءٍ فيبدو أنه محل ثقةٍ نسبةً لوثوق سارة به .
نظرت سارة نحو سيف وتحدث بنبرة لطيفة :
- أحتاج لأخذها في جولة سريعة .
أومأ لها فابتسمت له والتفتت مسرعة تصعد على ظهر فرستها أمامه بكل سهولة كما اعتادت ثم انحنت تقبلها ليبتعد السائس عن طريقها وتبدأ سارة رحلتها مع فرستها تحت أنظار سيف الذي يقف يحدق بها بعيون عاشقة .
كانت جولة ممتعة ، انتهت منها بعد عدة دقائق لتعود إلى سيف الذي وقف يطالعها بفخرٍ وإعجاب حتى وقفت أمامه فتحدث أمام عينيها :
- ماذا فعلتي بقلبي يا سارة ؟ ، أي مسرّة تلك التي أدخلتيها على روحي ؟
ابتسمت له من أسفل نقابها ولكن لمعة عيناها وانكماشها أكدت له ابتسامتها ليتنهد بعمق وتجيبه هي بنبرة هائمة يغلفها الهدوء :
- بل أنت يا سيف ، أنت من قلبت حياتي رأسًا على عقب ، أنت أثبت لي أن الحب لا يعرف المستحيل ، كنتُ أهرب منك ومن حبك ولكن في الحقيقة كان هروبي يجذبني إليك أكثر ، الآن أنا أقولها من كامل قلبي أنني أحبك ، أحبك أنت أولًا وأخيرًا .
سحبها يكافئها بعناقٍ لطيف مهذب إلى أن يعودا ثم سيبقى لكل مقامٍ مقال وليريها مكافئة تليق بحديثها الذي استقر في صميم قلبه وغزى روحه وكيانه .
لم يكن من الصعب نقل ما يحدث في مقطعٍ مصور إلى علي الذي ما إن رأى رشيدة معهما حتى جن جنونه .
لقد باعها لآخر حتى يحسرها عليها خاصة وأن الرجل الذي اشتراها أخبره أنه سيأخذها معه إلى خارج البلاد ولكن الواضح أنهم تلاعبوا به واشترى سيف رشيدة لتصبح ملك سارة .
طفح كيله ، أخذ منه حبيبته وفرسته وسعادته ، أخذ نصيبًا لم يكن له لذا عليه أن يدفع الثمن والثمن هنا لن يسترد إلا بالانتقام .
❈-❈-❈
بعد مرور شهر .
سافر سيف مضطرًا إلى خارج البلاد لإبرام صفقة سريعة والعودة بعدما وعد سارة ألا تطول رحلته عن يومين .
قررت سارة أن تخرج هي ووالدتها ونورا لتصطحب نوح في نزهة مرحة حيث أن الصغير لم يغادر المنزل منذ أن دخله .
صفت سيارتها أمام مدينة الألعاب وترجلت واتجهت تحمل الصغير من والدتها وتضعه في عربته ثم تحركت تدفعه أمامها وتوجهن جميعهن للداخل .
كان هناك زحامًا نسبةً لتوافد الزوار من جميع الأعمار على هذا المكان .
كان الصغير مستمتعًا بمَ يراه من حوله بالرغم من عدم إدراكه لماهية هذه الأشياء الملونة ولكنه كان في حالة سعادة وكذلك سارة التي توقفت أمام متجر الدمى تنتقي دمية مناسبة لنوح وتجاورها والدتها ونورا .
ناولت عربة الصغير لوالدتها ثم اعتدلت تبحث بعينيها عما يناسب الصغير لتشير إلى دمية قطنية ملمسها ناعم وخضراء بعينٍ واحدة .
ناولها البائع إياها فالتقطتها ثم انحنت تعرضها على الصغير وتسأله بحبٍ :
- ما رأيك يا نوح ؟ ، أتعرف ما اسمها ، هذه تدعى مارد وشوشني .
كانت تقولها وهي تناغشه فضحك الصغير يهجم على اللعبة بكلتا يديه فابتسمت ثم اعتدلت والتفتت تنظر مجددًا للدمى وتسأله عن بقية شخصيات الفيلم الكرتوني الذي تحبه لتجلبها للصغير ظاهرًا بينما لها في الخفية .
كانت سعاد تتمسك بالعربة وتتحدث مع نورا عن ابنتها الطفولية التي اعتادت شراء الدمى وكم كان والدها يغرقها بهذه الأشياء دومًا .
فجأة هجم بعض المارة على المتجر ليتعثروا محدثين فوضى بين سعاد ونورا اللاتان ابتعدتا حتى لا تلتصقان بهم حتى أنهما تحركتا لأقصى اليمين تنتظران سارة حتى تنتهي وتعود إليهما
ابتاعت سارة الدمى ودفعت حسابهم ثم التفتت تبحث بعينيها عن سعاد ونورا حتى وجدتهما لذا اتجهت إليهما تبتسم حتى وصلت وانحنت لترى الصغير فلم تجده لا هو ولا دميته .
ارتفعت تطالع والدتها بعيون جاحظة وتساءلت بنبرة مرتعبة :
- أين نــــــــوح ؟
نزلت سعاد بنظرها نحو العربة وصعقت حينما لم تجد الصغير فيها لتصرخ بفزغ وتتعالى صرخاتها منادية باسمه بينما سارة وقفت تدور حولها بعينين جاحظتين تبحث عن الصغير وللحظة هيأ لها عقلها احتمالية تحركه لتستنكر تمامًا احتمالية خطفه .
هزت رأسها بجنون وانطلقت منها صرخة تناديه وسط تجمع الناس :
- نـــــــــــــــــــوح .
تساءل المارة وتجمهر الناس حولهن بينما هي أسرعت تطوف بين الجموع بغير هدى وتناديه بنشيجٍ حاد ليوقفها أحدهم قائلًا بتريث :
- اهدئي يا مدام حالًا سنفحص تسجيلات المراقبة .
تعلقت به تومئ مرارًا بجنون وقد هجمت عليها أسوأ الاحتمالات لتسرع معه نحو غرفة المراقبة بينما تحركت سعاد مع رجل أمنٍ تبحث بقلبٍ منفطر وبكاءٍ حاد وكذلك نورا تحركت مع رجلٍ آخر تبحث أيضًا وسط الزحام ولكن دون جدوى .
وقفت تتمعن في التسجيلات التي أظهرت هجومًا متعمدًا لعدة أفراد يفرقون بينها وبين سعاد ونورا وفجأة جاء رجلًا يرتدي كابًا ويخفي ملامحه عن الكاميرا ثم انتشل الصغير واختفى مسرعًا قبل أن ينفض الزحام .
تهاوى قلبها وهي تراه يُخطف من قبل رجلٍ غامض لتشعر أنها ستغيب عن الوعي ولكن ليس أوانه لذا تحاملت بصعوبة ونظرت للأمن تستنجد به قائلة بوهن بعدما ضاق صدرها والتوت أحشاءها :
- أرجوك جدهُ لي أرجوك .
هدأها الرجل وأسرع يتحدث مع الشرطة ليتم التحقيق سريعًا في الأمر بينما رن هاتفها فالتقطته لترى اسم حبيبها .
وقفت تطالعه بأنفاسٍ شبه معدومة ثم أجابت قائلة بضياع استحوذ على عقلها وقلبها :
- نوح خُطف يا سيف .
❈-❈-❈
بعد ساعتين في مركز الشرطة
تجلس هي ووالدتها ونورا .
ثلاثتهن في حالة حزنٍ ولكن أكثرهن حزنًا وضياعًا وقلبًا متفحمًا هي سارة ، تجاهد لتتغلب على سوء أفكارها فلم تعد تحتمل سيناريوهات عقلها .
ستجن إن أصابه مكروه ، لمَ خطفوه ؟ ، هل هم أعداء سيف أم لصوص يريدون فدية أم ماذا ؟ ، لِم ابنها تحديدًا ، لِم يتلوى قلبها وتعيش هذه الحرقة المؤلمة ؟
كانت منهارة تمامًا ولكنها تتحامل كي لا تفقد الوعي ، ليس وقته الآن لتجده وتعانقه أولًا .
دلف سيف بخطوات اندفاعية نحوهن يردف بنبرة غاضبة جافة :
- أين ابني ، كيف حدث ذلك ؟
كانت سارة مطرقة الرأس تضعه بين كفيها وبرغم أنها تتمنى وجوده إلا أن ذلك لم يظهر عليها حيث ظلت على حالتها بينما توقفت سعاد تطالعه ببكاءٍ حاد وتقول :
- اهدأ يا بني سيجدوه ، لا أعلم كيف حدث ذلك .
نظر لهن شزرًا ثم تحرك نحو الشرطي يطلب رؤية المحقق فدلف فأخبره الشرطي أن ينتظر قليلًا إلى أن يغادر من في الداخل .
وقف مشدوهًا يطالعهن بغضبٍ لم يستطع لجمه لذا عاد يقف أمامهن وتساءل بتجهم :
- كيف حدث ذلك ؟
ما زالت سارة كما هي على وضعها بينما تحدثت سعاد تشرح له ببكاء :
- أخذناه إلى مدينة الألعاب لنرفه عنه ولكن في لمح البصر لم نجده في عربته .
- كيف لم تجدوه في عربته ؟
نطقها باستنكار وقسوة لتومئ سارة مؤيدة نبرة اللوم في حديثه فهي الملامة بالفعل ولن تغفر لنفسها ما حدث أبدًا بينما تحدثت سعاد بانفطار :
- صدقني هذا ما حدث ، الكاميرات أظهرت شخصًا قام باختطافه من بين الزحام ، ربمَا كان هذا عدوًا لك ؟
باغتها بنظرات حارقة ثم التفت للجهة الأخرى حتى لا يغضب ليعود مجددًا ينظر نحو سارة التي لا حول لها ولا قوة ليشعر بمَ تشعر به ويتألم لألمها بجانب ألم فقدانه لطفله ولكنه لم يستطع منع نفسه من قول :
- كيف تخرجين بالصغير دون أذني ؟
لم تنظر له ولم ترفع رأسها بل تبكي بنحيب وتشعر أن عقلها سيتوقف والصداع هجم عليها من كل حدبٍ وصوب ليتابع بنبرة عنيفة من صمتها الذي يؤلمه أكثر :
- أجيبيني يا سارة .
رفعت نظراتها إليه تطالعه بتشتت وضياع وأسرعت تتمسك برأسها بكلتا يديها وتجيبه بهمسٍ وبكاء حاد :
- أنا آسفة ، فعلتها من أجله ، أرجوكم ردوا إليّ نــــــــوح وبعدها عاقبوني ولكن ردوه إليّ أولًا .
لم يحتمل انهيارها ولا حطام روحها لذا تغلبت عاطفته وحبه على قسوته ولومه وأسرع يسحبها إليه ويعانقها عناقًا هي في أمس الحاجة له ويداه تربت على ظهرها قائلًا بنبرة مطمئنة برغم كل مخاوفه وظنونه :
- حسنًا اهدئي ، أعدك سنجده ونعيده .
ناداهم الشرطي يطلب منهم الدخول إلى المحقق الذي يريدهم لذا أسرعوا جميعهم إلى الداخل ليطالعهم المحقق وخاصة سيف الذي عرّف عن نفسه فعامله الآخر باحترام وجلس سيف بعدما أجلس سارة التي كانت في حالة من التيه والضياع بينما تساءل سيف بترقب :
- هل علمتم شيئًا ؟
أومأ المحقق وتحدث وهو يشبك كفيه :
- هل تعرفون شخصًا يدعى علي ؟
جحظت سارة ترفع نظراتها إلى المحقق وتجلت معالم الصدمة فوق وجه سعاد بينما اقتتمت عين سيف وتحدث متسائلًا :
- أي علي ؟
زفر المحقق يتابع برسمية :
- قبضنا على مشتبه به كان بين الزحام وحينما استجوبناه اعترف بأنهم قاموا بخطف الصغير بناءً على رغبة شخصًٍ يدعى علي نعمان ولكنهم سلموه الصغير حيث كان ينتظرهم خارجًا وأخذه منهم وغادر لذا أتساءل ما علاقتكم بذلك الشخص .
وضعت سارة كفها على وجهها لا تصدق ما يحدث بينما تحدث سيف وهو ينظر نحو المحقق بجسدٍ متأهبٍ على أهبة الاستعداد لأي شيء :
- نعم أعرفه .
حدق المحقق به وحينما وجد إجابته ناقصة تساءل هو بترقب :
- وما علاقتك به ليخطف الصغير؟ ، ما علمته أنه ليس فقيرًا وليس بحاجة فدية ومن المؤكد هناك دافعًا .
نكس سيف رأسه لا يعلم ماذا يقول بل أصبح في حالة داخلية تنافي تمامًا ثباته هذا لذا تحدثت سارة بوهن وتحشرج بدلًا عنه :
- كان خطيبي قبل أن أتزوج سيف ، هذا كل ما في الأمر .
أومأ المحقق متفهمًا ثم تحدث بهدوء :
- حسنًا نحن سنصل إليه في أقرب وقت وسيعود الصغير لا تقلقوا .
عن أي قلق يتحدث ، هو لن يشعر بمَ يشعر به سيف لذا نظر له بعيون قاتمة وتحدث بنبرة تحمل غضبًا خامدًا :
- كيف لا نقلق ، ابني بحوزة شخصٍ مختلًا عقليًا يتعاطى المخدرات ، عن أي قلقٍ تتحدث .
زفر المحقق يحاول تفهم حالته وقال بتريث :
- حسنًا دعني أقول لك إقلق ولكن التهور لن يعيد لك صغيرك ، نحن نتتبع أثره وسنصل إليه وليس أمامكم سوى الانتظار .
باغته سيف بنظرة تأكيدية ثم نهض يندفع نحو الخارج دون إضافة حرف لتنهض سارة بصعوبة ومعها سعاد ونورا تساندانها ولكن أوقفها المحقق يتابع :
- أخبري زوجكِ أن تهوره سيجعل حياة الصغير في خطر ، من المؤكد ذلك الشخص له مطالب فلو كان يريد قتله لفعلها دون خطف .
لم تحتمل ما يقوله لذا تحركت تغادر المكتب مع والدتها ونورا لتبحث عن سيف الذي انطلق بسيارته ولم ينتظر أحدًا .
في شقة ما .
يقف علي أمام النافذة يتطلع نحو الخارج حيث النهر أمامه ، يدخن بشراهة ويفكر في الخطوة التالية وماذا يفعل مع ذلك الصغير الذي ينام في الداخل .
يتوعد بالانتقام من سيف الدويري وزوجته سارة على ما فعلوه به ولكن هل قتل الصغير سيشفي غليله ؟.
اعتصر عينيه يجاهد مع شياطينه ونفسه ، يتمنى ألا يقتله ولكن هناك صوتًا خبيثًا يخبره بفعلها فالنهاية واحدة وهما دمرا حياته وأعاداه إلى النقطة التي انتشل نفسه منها بصعوبة .
رن هاتفه فانتشله ينظر به ليجدها والدته فأغلق المكالمة والهاتف وعاد ينظر ويدخن ويفكر ماذا يفعل وكيف يجعل قلبيهما يحترقان مثلما فعلا به .