رواية آصرة العزايزة الفصل الخامس عشر15 بقلم نهال مصطفى


 رواية آصرة العزايزة الفصل الخامس عشر بقلم نهال مصطفى

لقد كتب غسان كنفاني إلى غادة السمان عندما تمردت على

حبه :

" ولكن قولي لي :

ماذا يستحق أن نخسره في هذه الحياة العابرة؟

تدركين ما أعني!!

"إننا في نهاية المطاف سنموت"

وكتب قلبي المكوي بداء التمرد ليجادله بعد عشرات

السنوات :

أخطأت هذه المرة يا غسان ، حتمًا الموت هو المصير المنتظر لكل مولود ولكني أرى دومًا أن المرء لا يموت فقط عندما ينتهى عمره وينقضي أجله ، بل هناك موت من نوع آخر وهو ذلك الحب الذي يلامس القلب ليدثره ويخبره كيف يكون الدفء ثم يرحل ليتركه وحيدا لصقيع الحياة منتظرا كفن الموت الحتمي بجسد قتل بخنجر العشق المسموم .. لا يموت

المرء إلا عندما يقتل الحب كل دواخله

فجاء غسان ليجيب ويلخص فوضى أقوالي ويؤيدها : يبدو أن هناك رجال لا يمكن قتلهم إلا من الداخل ...
مازالت الأجواء بالداخل يغمها الفرح وترنيم الغناء الصعيدي وبعض الهتافات المعتادة ، تتراقص الفرحة على وجوه الجميع ما عدا العروس ، الشاردة في عالم آخر غير عالمهم ، غصة قلبها تعوق شعورها بالفرحة ؛ نوبة من الهلع لمصيرها المنتظر الذي لا تعلم عواقبة ، ابتسامات مزيفة ترسلها لمن يوجه لها المباركات .. انسحبت من أجواء الرقص والفرحة لتجلس على مقعدها تراقب الناس عن بعد ، سيدات النجع والقبيلة اللاتي لا يجتمعن إلا في الأفراح والمناسبات العائلية ، الأعين متلصصة نحوها ونحو هاجر أختها التي يتهامس عليها السيدات ، كل منهما تريد أن تظفر بها لابنها

وعلى الجهة الأخرى كانت زينة تتفقد المعازيم وتعرفهم بنفسها وبكنيتها الجديدة وزواجها القريب من كبير العائلة هارون العزايزي ، كانت تتمايل بغنج بين السيدات بشعرها الأسود الذي يغطى ظهرها بأكمله حتى أوقفتها سيدة

فضولية لا يشع من عينيها إلا الحقد :

وعلى إكده لبسك ولا بعد فرحة أخته

ترنحت بدلال أنثوي وهي تتفاخر بينهن : لسه هنجيبوا الشبكة قريب ، أصل سي هارون موصي

الجواهرجي على شبكة عليوي شيع يجيبها من بحري ...

ثم تمايل عودها كمن يراقصه هواء الكبرياء ؛ وأكملت : أصلو قال لي مراة العمدة لازما تلبس غير الكل ، طبعا ماهي

هتبقى الكبيرة وكلمتها مسموعة...

ألتوى ثغر السيدة العجوز بسخط وهي تتمايل على الأخرى لتهمس في أذانها بعد ما انشغلت زينة في الحديث مع سيدة

غيرهن :

حظ الملايح في صفايح، وحظ القبايح في السما لايح ...

شوفتي يا بهيجة البخت !!

فتها مست الأخرى وهي تفحص زينة من رأسها للكاحل

وقالت :

بس البت ملفوفة وحلوة وطول بعرض ...

بس نبتها غبرة وقلبها أسود ، دي بت بتاعت مشاكل مش

طالعة لأمها ، أمها دي آية ، أنا عارفة صفية ملقيتش غيرها
لكزتها الثانية لتصمت : طب وطي حسك ، وبصي على العروسة شكلها مجبورة على الجوازة ، بوزها ممدود شبرين

حانت نظرة من عين السيدة صوب هيام الشاردة : ومين يقدر يغصبها هما أخواتها شوية !! تلاقيها مكسوفة زي البنات

ظل الحديث يدور في ساقية همسه حتى ظهرت "ليلة" من غرفة أحلام التي كانت تساعدها في السير إثر ركبتها الموجوعة ، بعد ما ذهبت لها بدلا من هاجر التي انشغلت مع المعازيم .. حدق من الأعين المتسعة انفرجت نحو تلك الفتاة التي يشع البياض من وجهها كأنها جاءت من بلاد لا تشرق فيها الشمس ، ملامحها البريئة التي يزينها القليل من مستحضرات التجميل ، شعرها الكستنائي المنسدل على كتفيها ، شالها الصوف المتناسق مع لون عباءتها والملفوف حول عنقها .. مع ذلك الجلباب الأشبه بالقفطان المغربي بعدساتها اللاصقة الرمادية التي تتجول هنا وهناك بإحراج حتى مالت نحو أحلام متهامسة بخجل :طنت أحلام هما بيبصوا عليا كده ليه ؟! أنا شكلي فيه

حاجة !

وشوشت لها أحلام : ده عشان أحلى منهم يا عبيطة ، أبقى خشي الفردوس جوة

تبخرك أحسن عنيهم تندب فيها رصاصة

ساعدتها " ليلة " في الجلوس وهي تستقبل نصيحتها بابتسامة واسعة وهي تومئ بالإيجاب ، هنا سحب بساط الأضواء من تحت أقدام زينة وباتت النظرات كلها تتصوب نحو تلك الغزالة المجهولة التي تقطن في بيت خليفة ، الجميع يتهامس ويتساءل عمن تكون هذه الفتاة التي أبدع

الخالق في تصورها ...

بالمطبخ ...

جمر الغضب يتوقد من بين ثنايا وجهه ولكنه أجبر أن يتعامل بهدوء كأن مازال لمخططه بقية بعد ، أخذ هارون

يفتش في رفوف المطبخ وهو يتساءل : فردوس ؛ البن بتاعي في منه إهنه ، چایین ناس مهمین
وعاوز القهوجي يعمل منيها ...

تحركت فردوس المشغولة بصنع الحناء لتنزع قفازات يدها البلاستيكية وتبحث معه على علبة البن مؤكده إنها ما زالت هنا .. في تلك اللحظة جاءت " ليلة " على سجيتها دون علمها بأنه موجودًا بالمكان ولكن ربما خلقت للقلوب أعين تبصر بها ما لا تبصره العين وهي تتفوه بعفوية لتلك السيدة التي تعرفت عليها في صباح اليوم ، دخلت وهي تحرر حلقها

العالق مع شالها الصوفي :

داده فردوس ، طنت أحلام بتقولك بخريني عشان الناس

اللي برة تندب في عينهم رصاصة !!

هتف فردوس على الفور :

اسم الله عليك ؛ حصوة ملح في عينيهم ، تعالى تعالي !! ما أنت الصلاة على النبي عليكي مفكيش غلطة .. يحرسك ويصونك يا أميرة يابت الأمراء.

دار هارون بتلقائية عند سماعه لصوتها لتسقط عيناه على

حورية جاءت من الجنة لمرمى أنظاره على الفور ، لتقع
عيناه على أجمل إمراة يراها بعمره ، ربما خلقن الكثير من الجميلات ولكن مقاييس الجمال عند القلب فريدة للغاية ، قط يصور لصحابها أنها أجمل جميلات الأرض ويهنئ الفؤاد

نفسه إنه نال حظه الوفير بها ، تحمحم بخفوت وهو لا يستطيع مقاومة سحرها في زيها الصعيدي وقال ليشتت

انتباه عقله الذي استقر عندها :

أحلام بس بتحب تحامل اللي حبايبها

حالها لم يختلف عن حالة السكر التي أصابته عند رؤيتها ، بل تفاقم الأمر وتراقص القلب عند رؤيته وكإنما خلق له جناحين من نسل أهدابه الشائكة ، تزحزحت الأنظار عنه وهي تشكو

الفردوس :

صحيح الكلام ده يا دادة !!! يعني أنا مش حلوة وطنت

أحلام بتجاملني !!

عاتبته فردوس :

- مالكش حق يا سي هارون ، بقا فرخ الحمام النمساوي دهوت

فيه بعده حديث !
حدجته ليلة بانتصار : عندك حق يا دادة ، واضح أن جناب العمدة محتاج يروح لدكتور عيون .. يظبط له الرؤية

ختمت جملتها بشهقة كبيرة عند رؤيتها للحنة فأقبلت

نحوها بلهفة :

الله جنة !! أنا بعشقها وبعشق ريحتها .

مسحت فردوس على ظهرها بإعجاب : عکس سي هارون ، ده مش عيطيق ريحتها .. والود وده يقلبها دلوق .. مش شايفاه مزرزر كيف

ما ذكر اسمه فأصابها داء الثرثرة من جديد ، نصبت قامتها واقتربت منه وهو يقاتل نفسه بألا يناظرها وقالت بدلال وهي تقعد ذراعيها أمام صدرها وترفع جفونها لأعلى

لتسائله :

أنت على طول كده كاره كل حاجة !!! وبعدين فيك ؟! أومال

بتحب أيه على كده ؟!

رد بجمود :أنا حر .

لا مش خر في دي بالذات ، عمرك سألت نفسك ليه العروسة لازم تحط حنة قبل فرحها ، والعريس كذلك

تأرجحت عيني فردوس وهي تراقبهم بنظرات متلألئة وكأنها تشاهد فيلم كرتوني أمامها ، هذا لست هارون الرجل اليافع الصلد الذي تربى تحت عينيها ، يقف أمام تلك التي لم يتجاوز طولها المائة وستون سنتيمتر وهي تلقنه درسا في الحكايات ، عاد ليبحث عن قهوته كي يهرب من سطو عينيه

المنجذبة لها دوما :

لا ، ومش عاوز أعرف

تحركت لتقف أمامه لتجبره على سماعها : مش بمزاجك بس أنا لازم أعرفك ، وأعرف دادة فردوس ؛ أكيد هي كمان متعرفش .. وحتى تعرف خطيبتك عشان

تحس إنك مهتم بتفاصيلهم الصغيرة دي .

هرولت فردوس لعندهم بحماس : - ما تسيبها تقول يا سي هارون ، قولي قولي ...
رمقته بنظرة انتصار وهي تُعلن التحدي أمامه وقالت وهي لم

تحرك عينيها من عليه :

أصل يا دادة الأسطورة بتقول

رفع حاجبه والضحكة مرسومة على ثغره متعجبا :

أساطير تاني!! أنت ما عتزهقيش ؟!

وأنت زعلان ليه !! ولا عشان حضرة العمدة مش بيحب حد

ينافسه في معلوماته ! وأنت مش عندك معلومة .. فبتحس

بالجهل قصادي ؟

رد هارون نافيًا :

لا عشان مش ناقصة خوتة ، عاوز اسمع كلام يتعقل

ويدخل النفوخ .

استند كفها على رخامة المطبخ وهي تناطحه مع اقترابها

منها أكثر :

اسمع وبعدين احكم .

جاء صوت فردوس من الخلف متحمسا : كملي يا ست البنات ، طول عمري عاوزة أعرف السبب بتاع الجنة ...

تناظره بتحد وهي تقول بنبرة تجبره على سماعها : زمان .. أيام الفراعنة " إيزيس " لما جوزها " أوزوريس " مات .. وهي بتجمع كل أشلاءه صبغت يدها كلها باللون الأحمر ، فالفراعنة اعتبروه كنوع من أنواع الوفاء والحب والإخلاص

ثم اقترب منه إنشا وهي تكمل بنفس النظر الثاقبة التي

تخترق قلبه : ومن وقتها طلعت العادة أن العريس والعروسة لازم يحطوا حنة كرمز للوفاء ما بينهم وإنها هتفضل تحبه طول العمر ...

حدیت فارغ ، يعني أنا لو محطتش جنة هطلع عين الست

اللي هتجوزها !!

رغم إعجابه بما قالته إلا أنا كبريائه لم يسمح له بالاعتراف والهزيمة ، قال جملته الأخيرة متعمدا اثارة غضبها بهدوءه

المعتاد مما جعلها تعانده وتقول : سبق وقولتلك دي اسطورة يعني عايز تصدقها صدقها مش عايز براحتك ، لكن ده مش يديك الحق تنفي وجودها ..

صاحت فردوس من الخلف : كلامك كله دهب يا ست ليلة ، عتقول كلام حلو قوي يا سي هارون

ما زالت حبال نظرات التحدي متواصلة بينهم حتى هتف

قائلا : القهوة يا فردوس ، ريحة الجنة كتمت على صدري ...

ثم صاحت بنفس النبرة وكأنها تنافسه : تعالى بخريني يا فردوس ، عشان اللي عنده معلومات قيمة الزمن ده زيي بيتحسد

تمتم بسخط !! هيتحسد على ايه يعني !!! دي تخاريف .. دانا شفقان

عليك .

هتفت متوعدة بدون نية منها لذلك : تخاريف بحبها ، وهفضل وراك لحد ما تحبها أنت كمان

هارون بنصح :

طلعيني من راسك !

سبقت عفويتها منطوق لسانها :

لا أنت مش جوة أصلا عشان أخرجك منها !!

غرق في ضباب عينيها الرمادية وغمغم متعمدا إثارة غضبها

كعادته :

ربنا يشفيكي !!

تدخلت فردوس كي توقف فصل العناد بينهما ؛ ولكنها زادت

من الطين بلل :

چرالك أيه يا هارون بيه !!! من ميتى عتعمل عقلك بعقل

الحريم !!

سكبت فردوس فوق رأسه دلو من الماء المثلج عندما طرحت

على مسامعه سؤالها الذي تجول بعقله للحظات يتساءل: - لم

يناطحها الحديث هكذا على غير العادة !!!
في تلك اللحظة جاءت زينة لتجعل من فردوس : - ما تشهلي يا فردوس

فابتلعت كلماتها عندما سقطت أنظارها على الثنائي المتقارب من بعضه البعض وبينهما نظرات واضحة للأعمى ، فتبدلت نبرة صوتها وحركاتها هي تعبث بشعرها لتلملمه كله على

كتفها الأيمن وتقول بخجل مزيف : سي هارون ، أنت إهنه .. ما دتنيش ليه حس أجيلك

ثم دنت منهم لتتوسط موقفهم بدلال وهي تغازل شعرها : تؤمر بحاجة يا سيد الناس ، ولا انا وحشتك جيت

تشوفني !!

تدخلت ليلة بدون وجه حق : لا جيه ياخد القهوة بتاعته

للحظة راق له رد ليلة الذي بدله على الفور وهو يرمقها زينة

بسخط ونفر قلبه من قربها وهو يقول بصوت متهدج : غطي راسك قدامي يا زينة ، لساتني غريب عنك
يووه يادي العيبة يا سي هارون ، ما أنت راجلي وكلها كام شهر ونتجوزوا ...

ااه لما نتجوزوا أبقى أعملي اللي عاوزاه لكن دلوق مش

عاوز أشوف المسخرة دي !!

قال جملته الأخيرة وهو ينسحب من المكان عند قدومها إثر غمة قلبه التي هجمت مرة واحدة، رغم بقائه لفترة طويلة مع ليلة التي يسمع لحديثها الذي لا يعتقد فيه ولكن بناء على رغبة قلبه اختار مجاوراتها والإنصات لها ، انصرف هارون من المكان تحت نظرات ليلة المعجبة ونظرات زينة الفارحة بعبط

المغرور وهي تروي الفردوس :

شوفتي بعينك يا فردوس غيرته علي ، مش مستحمل حد غيره يشوف شعري .. يالهوي على الحب وسنينه !!

متأكدة أنها حب وغيره !! طالعتها ليلة بنظرات غريبة مزيج من الشفقة والتعجب

و دمدمت متأهبة للذهاب :

أنت كمان محتاجة تروحي لدكتور عيون يظبط لك الرادار
زي اللي اسمه سي هارون بتاعك

دبت زينة على صدرها بدهشة : - يقطعني !!! ماله هارون يا فردوس هو عيان !! ولا المقصوفة دي عتقول عليه !!

انکمشت ملامح فردوس التي كان ينبت منها زهر الضحك أمام ليلة وهارون ، تبدلت ملامحها على الفور وهي تحمل

الحنة وتقول لها بملل: الحنة أهي يا ست زينة !!!

بالخارج

هويش ، ركز معاي عقولك سيبك من المحمول . أقبل نحو وهو يتخذ أنفاسه من شدة الركض ليزف لأخيه الخبر العاجل ، أغلق هاشم هاتفه أثناء مراسلته مع رغد

وقال بتأفف :

مادامت قولت هويش دي يبقى جايب خبر زي وشك

مسح هيثم على صدره وهو يقفز ليقعد جار أخيه وهو

يمسح المكان بأعينه كي لا يسمعه أحد :

أنا لمحت حتة بت يا بوووي ، جمالها يدوخ يا ولد أبوي ...

امتص سخريته الثائرة عليه وفعل أجواء الجدية :

نط لـ صفية تخطبهالك ، يلا حلاوتها في حموتها يا جدع

قبل ما تشوف الأنقح منها !! ألحق نفسك .

بص أنا هر قدلها لحدت ما تطلع إكده ولا إكده وهعرف هي

بت مين في النجع ونخطبوها ، الليلة يا هاشم .

تبعه وهو يقول بجدية مزيفة

الليلة يا ولد أبوي .

وضع ساق على الأخرى وقال حالمًا :

- هبقى عريس !!

روح أنت بس اقطر البت الأول عشان لو عجبتني أنا كمان

هنتشاركوا عليها.
لهتفه لم تمهله الفرصة ليعقل الكلمة بل وثب متحمسا وهو

يقول :

قضيت ... راجعلك

تابعه صوت هاشم الساخر : منصور ان شاء الله ...

ثم تمتم في سره :

أخوي ولازمًا استحمل جنانه ، الحريم هوسته .

ظل هيثم يحوم حول بيتهم وبالأخص الساحة التي يجتمعن فيها السيدات يتلصص النظر هنا وهناك عساه أن يلتقى بمراده .. انتبهت له ليلة المندسة في حمى أحلام من سطو نظرات السيدات حولها وأسئلتهم الكثيرة عن هويتها حيث كانت أحلام متولي مهمة الجواب ، وثبت " ليلة " من مكانها لفضولها الذي جذبها نحو أعين هيثم المرتبكة بهدوء ، وفي أحد زوايا المنزل تمايلت إحدى السيدات على أذان زينة التي

لم تتوقف عن الرقص والغناء وكأنها هي العروس :

قوليلي هي مين البت اللي لابسه أحمر دي ؟!
لقد ملت زينة من كثرة السؤال عن شخص ليلة ، فغمغمت

بإجابتها المعتادة :

دي واحدة من بحري عمتى صفية جابتها عشان تساعد فردوس في شغل البيت ، خدامة يعني

خيمت نظرات الشك حول ملامح وجه السيدة وهي تقول

بسخط :

بقا الأميرة بت الأمراء دي خدامة !!

ردت بجزع وبنبرة يقينة لصدق كذبها : وأنا هكدب عليك ليه ! روحي اساليها بنفسك وسيبني

ارقص

كانت تتفقد المكان حولها كاللصة وهي تقبل نحو هيثم المتواري خلف احد الأعمدة ويلوح لها ، حتى وقفت أمامه

تتساءل :

أخدت بالي إنك بتدور على حاجة !! في حاجة وقعت

منك ؟!

قلبي وقع مني ومش لاقيه يا ليلة .
قال جملته وهو يضع كفه فوق قلبه مترنحا بهيام ، فتراجعت خطوة للوراء متبعة نهجه وهي تتفقد المكان

حولهم بمزاح :

وقع هنا يعني ممكن ندور عليه سوا !!

اتسعت ابتسامته وهو يشكو لها صبابته :

هو اتخلع لما شافك ، ووقع وتاه لما شافها !

أسبلت عينيها بدهاء وهي تشير لها بسبابتها : - هيثم أنت بتتكلم عن بنت ؟! صح ، حبيبتك جوه هنا في

الفرح وحابب تشوفها ؟!

نبيه ، والله ما حد هيفهمني كدك .. أنا قولت .

طيب هي اسمها ايه ادخل انادي عليها ، أنت ممنوع تدخل

جوه صح ؟!

صاح هيثم مادحًا :

علي النعمة أنت جدعة وبمية راجل وخدتي قلبي من ساعة

ما شوفتك
تمتمت بحماقة :

هو أنت كمان شايفني راجل بشنب زي أخوك العمدة ده ؟!

يخربيته !!! هو قال لك راجل بشنب ؟!

وات إيقر مش بالظبط ، بس يعتبر قالها ؟!

دنى منها خطوة وهو يعازلها بعينيه المفضوحة :

معذور أصلو عمره ماشاف ستات على حق قبل إكده ! فالعداد عنده ضرب لما شافك

خرجت الكلمات من بين شفتيها المنتفضة لتنبس وراء تلك

الفتاة التي بات وجودها يزعجها كثيرا :

وهي خطيبته دي مش ستات !

لا زينة دي نسوان !! لما تقابلها تكون عاوز تنسى اليوم اللي شوفتها فيه وتنسى الصنف كله ..

أطلقت تلك الضحكة المسموعة والمتوارية خلف أناملها وهي

تصفه :

هيثم أنت مشكلة بجد !!
سيبك أنت ، الجلابية الصعيدي هتاكل منك حتة .. ومش

حتت ، قولي ليه ؟!

ثم دنى منها خطوة ليسرد بعينيه المعجبة :

لان باقي الحتت كلهم عشاني !!

من نظرات هيثم المغازلة التي اعتادت على الضحك معه تفهمت أن مقصد حديثه يشير لمغزى أخر ، فهبت محتمية بذكر اسم الرجل الوحيد الذي وثقت به دون ان يمنحها وسام

الثقة لذلك :

أنا هشتكيك للعمده وأقوله أخوك هيثم بيعاكسني ؟!

ليه ؟! وأنا سايبك معاه كل ديه ومحاولش حتى يصف ابداع

الخالق فما خلق ؟! يخربيت فقره !

لا حضرة العمدة متربي جدًا .

دیه خایب جدا

هنا أطلق صدى صوت دهشته عندما سقطت عينيه على
فتاته التي تعثر بلقائها قبل دقائق خارجة من ساحة البيت وهي تتحدث بالهاتف ، وعلى الجهة الأخرى هارون الذي لم يتحمل وقوفها مع أخيه أكثر من ذلك محتجا بالصورة العامة وحرصًا على تشويه سمعة ليلة وأهل بيته ، قطع الخطوات بغضب يسكن رأسه وقلبه عندما طالت مدة وقوفهم ، وهو تحيرت عيني هيثم بين الجنة والنار ، بين السماء والأرض

وهو يشكو لليلة :

أوبا القمر على شمالي ، والنيازك على يميني ، أروح على

فين بسرعة ؟ دي فرصتي الأخيرة ...

تأرجحت أعين ليلة في الجهتين لتقول مرتبكة :

أحيه ، ده أخوك جاي علينا !! هو بيجي على السيرة ولا

أيه !!

- هيعلقني !!

قبل أن تطأ أقدام هارون لعندهم ، هب هيثم بالحل :

روحي اصطدمي بـ النيازك الله يعينك لحدت ما ما أجيب

أنا القمر في حجري .

هتودينا فى داهية ! أنا بسمع كلامك ليه ؟!

قالت جملتها وهي تهرول لتصطدم بهارون قبل أن يفشل مخطط أخيه .. تفرق مجمع الاثنين في خطين منعكسين لكل منهما يرتطم بهدفه ، اقترب هيثم من الفتاة ذات الوجه المستدير كالقمر والأعين الخضراء الساطعة كالنجوم وهو يستغل دخلاته القديمة المستوحاه من الأفلام العربية

لقد أعلنت هيئة الأرصاد الجوية عن اختفاء القمر ، قولت أما أجي رمح الحقك أحسن يمسكوكي !!

جاء هيثم من الخلف مردفًا جملته الأولى على آذان تلك الفتاة ذات الجسد الممتلئ وحجابها الذي يزين ملامحها و التي لا يعرف حتى اسمها ، دارت له الفتاة وهي تنهي

مكالمتها وترمقه بعدم فهم :

أنت عم هيثم صوح !

والله ما في حد عم الناس كلهم غيرك ! اسمك أيه الأول

وبت مين ؟!

أنا خلود بت الحج عارف
ااااه ، عمي الحج عارف !!! ده حبيبي ، أنت مخطوبة يا خلود ، ولا في حد قايل عليك عشان أقطع خبره من على

وش الأرض ؟

انكمشت معالم وجه الفتاة إثر اسئلته الكثيرة وقالت

بسذاجة :

أنا لساتني في الإعدادية يا عم هيثم ، وناوية أخش الكلية

تفحصها من رأسها للكاحل وهو يندهش حول بنيتها الأنثوية

حيت تفوه ساخطا :

وأما أنت لساتك في الإعدادية ، القالب قالب عشريني و

جرجرني ليه !!

رمقته بحماقة :

عتقول حاجة يا عم هيثم ؟!

تلقى صدمته وخيبته بضيق :

عم أيه عاد !! قوليلي يا حج هيثم !!!

وصلت لهارون في مسافة خطوات معدودة وهي تمسك بكفه بلهفة وتسحبه في الجهة المعاكسة كى تشتت انتباه عن أفعال هيثم الدنيئة ، هبت مهلوفة بدون ترتيب :

هارون بيه ! كويس إنك جيت لسه كنت بسأل هيثم عليك !! تعالى تعالى عايزة أقول لك حاجة مهمة ومحدش

هيعرف يحلها غيرك ...

لم تمنحه الفرصة حتى للمعارضة ، بل سحبته ببراءتها كي تخدع مناطق عقله المتمردة دومًا ، فانساق القلب خلف عفويتها كما تتبع الفراشات مسار الرحيق ، وقف الاثنان بأحد الزوايا المتوارية عن الأعين إلى حد ما، وهنا كان الاختبار الحقيقي لأكذوبة "ليلة" التي كيف ستكملها لمواجهة دهاء الطوفان الذي يملكه ، كانت مرتكبة لا تعرف من أين ستبدأ ولكن قلبها سهل عليها الطريق وقطع درب المسافة ؛ طافت

التوام الكارثه .

في حدق عينيه المتسائلة وهي تقرأهم :

شكلك مضايق !!

ثم قفزت في رأسها جملة " غوين " الشهيرة من الفيلم

الكارتوني " الهجرة " متقمصة تلك الشخصية التي تشبه

عفويتها كثيرًا وأكملت لتكسر فخارية ارتباكها واكاذيبها عليه

بخفة دمها المعتادة وأكملت بروح تلك الطفلة التي تسكنها
ممثلة دور "غوين" ببراعة :

شكلك مضايق .. وأنت ؛ وأنت محتاج حضن .

غرقت في واد ضحكها وتاه هو في سحر عفويتها ، لأول مرة يحظى بامراة في سجيتها وجمال روحها ، وقع جملة " أنت محتاج حضن " كانت كخيوط العنكبوت حول قلبه وكأنه جاء ليعلن ملكيته للمكان ، فنسجت حوله جدارًا فاصلا بينه وبين الجميع ، أفاقت من غيبوبة ضحكتها فرسيت على معالم وجهه الجامدة المتصلبة التي تغرق فيها بدون أدني تلميح منه ، فأدركت أنها وقعت بورطة أخرى بسبب

عفويتها ، فبررت بارتباك :

دي غوين قالت كده في فيلم migration .. أنت ما

شوفتش الفيلم ولا ايه !!! أكيد مش هحضنك بس ده إيفيه

مشهور جدا

ثم رجعت خصلات شعرها للوراء إثر توترها البالغ :

أي الرخامة دي !!! كمان هشرح لك الإيفيه !!!

رد بجمود : كنت عايزة أيه ؟!

تنسات كل شيء و أجابته : أنا ؟! مش عايزة أي حاجة خالص ... هكون عايزة أيه يعني !! انا ايه جابني هنا أصلا !!

أنت نساية ليه !!

ما ذاب أثر "ليلة" بالساحة أشعل نيران الغيرة برأس "زينة" التي تغير من نسمة الهواء المحيطة بهارون ، رمت الوشاح على رأسها وأخذت تتفقد المكان باحثة عنها في كل صوب وحدب حتى لاحظتهم من بعيدًا ، فجاءت نحوهم ركضا وهي

تلوح بكفها الذي تثقله الأساور الذهبية :

جرالك ايه يا شهنة أنت !! وأنا كل ما عيني تغفل عنك أجي ألقاكي واقعة على ودان جوزي وشغاله لوكلوك !! هما اللي اختشوا ماتوا ولا أيه !! لا عقولك أيه اظبط وإلا ورب الكعبة

معنديش غير الشبشب !!

هلع قلب "ليلة" من اقتحام " زينة " الثائر عليهما ففرت

للتتحامى بكتفه على الفور وكإنه بات مكان مأمنها الدائم ...
وقف هارون بوجهه وبنظراته الصارمة ليضع لها حدا :

- ما تبطلي هلفطة إنت جرى لعقلك أيه !!

أوعا ياهارون دي كهن نسوان وأنا قارياها زين !!! تعاليلي .

رفع سبابته بوجهه : يمين عظيم يا زينة لو ما دخلتي جوة واحترمتي نفسك الأفض مشوارنا ده كله ، أنا مش ناقص خوته .

ندبت على صدرها بدهشة : يا ندامتي !! لا لا ... اتكتمت أهو وربنا ما هحرك لساني - ثم تلفظت بحرقة - بس البت المسهوكة دي كانت عاوزة منك !!!أيه ؟

جاء هاشم مهرولا من الخلف : ایه یا هارون سايبني مع الرجالة - ثم تفحصت عينيه حول زينة وليلة حيث قال مغازلاً في ليلة - وواقف هنا مع

الغزالة ! ولا هما عيجوا زاحفين للكارفين !!

فلحق به هلال الذي لاحظ موقفهم فجاء ليتساءل على هيثم :

أين هيثم ؟!

هبت زينة لتبث شكوى أخيه وهي ترمقها بسخط : احضرنا يا هاشم و يا شيخنا تعالى شوف أخوك عاوز

يسيبني عشان دي ؟!

حانت منها نظرة سريعة نحو ليلة : عيفهم

خاب رجاؤها من هاشم فتعلقت بتقوى هلال : يرضيك يا شيخنا !!

تحمحم بهدوء وهو يطالع هاشم أخيه ليمزاحه كعتادهم

معا :

يالله !! لقد رد له بصره

فعادت لتشكو همها لهارون الكاظم الضحكه :

شايف أخواتك عيتمقلدو علي يا هارون !!

فانضم لهم صوت هيثم من الخلف حاملًا أسفار خيبته :
مزعلين زينو ليه ؟!

أنت اللي هتنصفني يا هيثم ، تعالى شوف حال أخوك مش عاجبه إني غيرانه عليه وعيحلف علي يسيبني عشان البت دي

هتفت من وراءه بلماضة : دي ليها اسم على فكرة ، اسمي ليلة ، اتعلمي الذوق شوية

بقا ...

أيدها هيثم الواقع برقة ليلة :

ما تسمعي الحديث وتتعلمي منيها .. عتتكلم صح .

ونظر لهارون واعظا وهو يرسل نحو زينة القليل من النظرات

الماكرة :

هرن يا خوي اشتري مني ، اللي ما تعرفش تغيره بدله

فأيده الشيخ هلال الذي يسحب أخيه من بينهم : وتذكر قول الله تعالى " يبدل الله سيئاتهم حسنات "

ربت هاشم على كتف أخيه بمزاح وهو يراقب ليلة التي تقف

على يمينه وزينة التي تقيم على يساره :الله يفتح عليك يا مولانا .. اتوكل على الله يا هارون وكن من أهل اليمين

نفذ صبر هارون من سخافات إخوته فجهر وهو يطالع هاتفه

كالمنتظر لقدوم شيء مهم : - هنفضلوا نتسايروا إكده وسايبين أبوكم ، أنتوا الثلاثة قدامي ولو لمحت فيكم واحد غايب ما هحله

جاءت نجاة تركض على نفس واحد وهي تقول بفزع :

هارون الحق ، هيام شغالة تبكي وسابت الحنة وعتقول مش عاوزة تتجوز .. وعمتي عاوز الشيخ هلال يرقيها شكلها خدت عين 
تعليقات



×