رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الثالث عشر13 بقلم سيلا وليد


 رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الثالث عشر بقلم سيلا وليد 

"اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك "


ليتني لم أرد على رسالتـك ذات يـوم 

ليتنـي تركتك غريباً كالبقية لا تعرفني ولا أعرف عنك شيئا 

ليتني تجاهلتك ولم أفتح لكَ نافذة فؤادي 

أو على الأقل أسدلت الستارات عندما هبت رياحك..

ليتني يومها لم أسمح لك بتجاوز أسوار وطني 

وأبقيتك بعيدا ..

بعيدا حيث لا قصة بيننا 

ولا ذكرى قد تشق خاطري في فلك الليل ..

فـ ثمة شيء في جوفي لا يُحكى..عالقٌ بين حنجرتي وقلبي..يؤذيني ويرهق روحي..

أشعر وكأن هناك مساميرٌ تتأرجح في قلبي..

تنهكني وتزيد من ألمي..

أرقٌ حتميٌّ وصدىً عميق يصعُبُ تحملُهُ ..

أجد نفسي في تساؤل هل هذا شعور متجددٌ؟ أم علّة أصابت القلب فعطَبته؟ أفي القلب تستقر الجِراح؟؟ أم في الجسد تكمُنُ الآلام؟


بالمشفى رفرفت أهدابها مع انسيابِ دمعةٍ عبر وجنتيها، هبَّ من مكانهِ بعدما شعرَ بحركةِ عينيها، انحنى متكئً بكفيهِ بجانبِ رأسها يهمسُ بلهفة:

-ميرال سمعاني، افتحي عيونِك..فتحت عينيها تهمسُ اسمه..

دنا من وجهها وطبعَ قبلةً عميقةً على جبينها:

-أنا هنا حبيبتي، طمِّنيني عليكي..همست بخفوت: 

-أشرب..عايزة أشرب 

اتَّجهَ يبحثُ عن المياهِ وجذبها ثمَّ ساعدها بالجلوس..ارتشفت بعضًا من قطراتِ المياه، حاوطها بذراعيهِ يضعُ الكوبَ بمكانه..تململت محاولةً أن تستوعبَ أين هي وماذا حدث..جمعَ خصلاتَها على جنبٍ ليظهرَ وجهها يملِّسُ عليه:

-عاملة إيه حبيبتي، حاسة بإيه..رفعت رأسها بتثاقلٍ تتجوَّلُ بنظرِها بأرجاءِ الغرفة، ثمَّ تسائلت بتقطُّع:

-أنا فين…قاطعهم دخولُ فريدة التي هرولت بعدما وجدتها جالسةً بأحضانِه، جلست بجوارِها على الفراشِ تمسِّدُ على شعرها:

-حبيبتي أخيرًا فوقتي، عاملة إيه ياروح ماما ..اعتدلت تبتعدُ عن إلياس تحتضنُ رأسها بعدما شعرت بآلامِها، ومشاهد أمامَ عينيها.. 

فلاش باك.. قبل ثلاث ايام 

خرجت من منزلِ رؤى واتَّجهت إلى سيارتها لتأمرَ سائقها بالنزول:

-انزل أنا هسوق.

ترجَّلَ الرجلُ دونَ حديثٍ لتشيرَ إلى الأمن: 

-ممنوع حد يجي ورايا، عندي مشوار خاص مش عايزة مخلوق ورايا..قالتها واستقلَّت السيارةَ لتتحرَّكَ بسرعةٍ جنونية، هنا سمحت لعينيها التحرُّرَ من آلام عبراتها المحجوزة، ضربت على المقودِ تصرخُ بهستريا:

-ليه ياإلياس ليه كدا، مااحترمتش وعدك ليَّا..آاااه صرخت بها وهي تقودُ السيارةَ بسرعةٍ جنونيةٍ تريدُ أن تتلقى الموتَ بصدرٍ رحبٍ لقد فاقَ الألمُ التحمُّل، فكيف لقلبها المجنونِ بعشقهِ أن يتحمَّلَ اقترابهِ من فتاةٍ كانت ستصبحُ زوجتهِ يومًا ما، أغمضت عينيها والغيرةُ بداخلها كشجرةٍ شيطانيةٍ تفرَّعت جذورها ولم يعد لديها السيطرة ..استمعت إلى سيارةٍ بجوارِها وصاحبها يصرخ بها:

-هدِّي السرعة العربية هتنقلب فيه كاوتش هيطير..نظرت لسرعةِ السيارةِ وحديثِ ذاك الأجدب، فحاولت أن تهدِّئَ سرعةَ السيارةِ إلى حدٍ ما، ظنًا أنهُ خائفًا عليها ..ارتفعت أنفاسها عندما توقَّفت سيارةٌ تقطعُ طريقها فجأة، لتتوقََفَ رغمًا عنها وتتَّجهَ إلى هاتفها ولكن لم يعطيها فرصة ليركلَ الهاتفَ بعدما جذبها بقوَّةٍ وأخرجها من السيارة.. 


حاولت الصراخَ والتملُّصَ منهما و الاستعانةِ بأحدٍ من السياراتِ التي تتحرَّكُ بسرعتها على الطريق، ولكنَّها فشلت بعدما حقنها لتسقطَ بين ذراعيهِ ويحملُها ويهرولَ سريعًا إلى السيارةِ قبلَ وصولِ سيارةِ الحرسِ الخاصة بها.


بعد فترةٍ دلفَ طارق ينظرُ إليها بشهوةٍ يلعقُ لسانهِ مقتربًا منها:

-دي حلوة أوي ..أزالَ شعرها من فوقِ وجهها بعد سقوطِ حجابها ..أشارَ للرجلِ شغَّل الكاميرا، عايز أحسن فيديو طبعًا عارف إزاي تظبطوه على إنَّها صاحية، تحدَّثَ الرجلُ إليهِ أن يفعلَ معها بعضَ الحركاتِ والإشاراتِ حتى من يراهُ يظنُّ أنَّها بكاملِ وعيها، ظلَّ لبعضِ الوقتِ وهو يلتقطُ معها بعضَ الصورِ العديدة، مع دلوفِ رانيا تنظرُ إلى طارق الذي يلتهمُها بعينيه، رمقتهُ بنظرةٍ ساخرة:

-عجباك أوي ولَّا إيه..رفعَ رأسها وهو يستنشقُ خصلاتها..

-حلوة أوي والصراحة خسارة في الزفتِ الظابط..

-طارق..قالتها رانيا تشيرُ بعينيها بالابتعادِ عنها:

-متبقاش مجنون، إحنا اتفقنا على إيه، نُوهِم بس، بس أكيد مش هتلمسها، عايزين أخوك يُخرج من السجن، أي غلطة هدَّفعنا كتير، ارجع كدا واهدى، وإياك تقرَّب منها..

-إيه اللي بتقوليه دا ياماما، يعني إحنا جايبنها هنا علشان الكام صورة دول… 

اقتربت منها ثمَّ جلست بجوارِها:

-مين قال كدا، ينفع بنتِ فريدة توقع تحت رجلي وأرجَّعها كدا لأمها اللي رافعة مناخيرها بالسما، دا أنا لازم أحسَّرها عليها السنين كلَّها..

صمتَ لثوانٍ يستوعبُ حديثها ثم أردفَ متسائلًا:

-يعني إيه؟!..

طافت عيناها على جسدِ ميرال ووجهها، انحنت تلمسُ وجهها بأناملِها 

تهمسُ لنفسها:

-معقول فريدة تخلِّف بنت بعد ماوهمتنا أنها مش بتخلف!.. كان عندي أمل تكوني مروة..أوف وبعدهالِك يارانيا، ماإنتي عملتي التحليل وأثبت إنَّها مش بنتي، وعملتيه مرَّة منِّك ومرَّة من راجح، وكمان تقرير الدكتورة اللي وضَّح إن فريدة خدعتنا ومعملتِش استئصال للرحم، بس إزاي يوميها خلُّوا راجح يمضي على عملية الاستئصال!..

زفرت بغضبٍ تفركُ وجهها: 

-طلعتي عقربة يافريدة وضحكتي علينا، وفي الآخر تتجوِّزي جوازة زي دي وكمان بنتِك تتجوِّز جوازة زيِّك، لازم أحرق قلبك، مش هقتلها بس هسيبها قدَّامِك وإنتِ بتموتي كلِّ يوم عليها، بعد ماجوزها يرميها ..نهضت بعدما أشارت للرجل: 

-ابعت هات من الراجل الحُقن اللي طلبتها، ثمَّ استدارت إلى طارق:

-هتفوق بعد شوية هدومها تتقطَّع ووقت ماتفتح عيونها لازم توهمها إنَّك قرَّبت منها..

تجوَّلَ بعينيهِ على وجهها ولا يعلم لماذا نغزهُ قلبهِ فتحدَّث:

-طيب مابلاش أنا، خُدي إنتِ المهمة دي وكدا كدا لمَّا تفوق هتعرف من اللي هتشوفه في الصور..حدجتهُ بنظرةٍ صامتةٍ ثمَّ ردَّدت بعد لحظات:

-إيه الحنية دي!..من إمتى وإنتَ حنين كدا..هزَّ رأسهِ بالنفي:

-لا مش اللي وصلِّك طبعًا، أنا خايف أضعف، ووقتها واللهِ لو هدِّيتي البيت ماحد هيرحمها مني.. 

دفعتهُ للخارجِ تضحكُ بصخب: 

-لأ ياأخويا، مش عايزين خدماتك..توقَّفَ وهو يراقبُها وهي تمزِّقُ ثيابها بطريقةٍ مدروسة، ثمَّ ابتعدت عن الغرفةِ تسحبهُ بعدما انكشفَ معظمَ جسدها أمامه:

-تعالَ ياأخويا ...استطاعَ شيطانهِ كبحَ هياجِ مشاعرهِ تجاهها، فتحرَّكَ قائلًا:

-ماما البنت مش عايزين نئذيها، متنسيش دي مرات ظابط، كفاية علينا القضية اللي لسة مش باينلها ملامح موت ياسر مش نهايتها، وخصوصًا من وكيل النيابة الجديد، فبلاش دي كمان، إحنا نوجعهم بس بطريقة خفيفة.. 


تخصَّرت تطالعهُ بسخرية:

-ماتجمد ياله، إنتَ ناسي مين ورانا، وبعدين مش إحنا اللي عايزين كدا، دي أوامر من فوق ياأخويا، معرفشِ ليه..بس أهي جاتلي فرصة اتشفَّى في فريدة..

-مين فريدة دي اللي مضايقة ستِّ الدلال..لكزتهُ وتحرَّكت للخارجِ تضحكُ ثمَّ أردفت: 

-وبعدين إحنا تُقال، متنساش الناس التقيلة اللي ورانا..


بعدَ فترةٍ فتحت عينيها تتأوهُ من الألم ..شعرت بلمسةٍ فوقَ اكتافها، ظنَّت أنَّهُ زوجها، ولكن هبَّت من مكانها بعدما استمعت إلى صوته:

-صح النوم، دا كلُّه نوم، كان نفسي تكوني صاحية.

تراجعت للخلفِ تطالعهُ برهبةٍ شديدةٍ وهمهمت بعدما دارت عينيها بالغرفة:

-إنتَ مين وأنا فين..نظرت إلى ثيابها الممزَّقة ثمَّ رفعت عينيها إليهِ تطالعهُ بخوفٍ انبثقَ من عينيها بعدما ذهبت بعقلها إلى ماتوصَّلَ إليه.. 

صراخٌ هستري يصدحُ من فاهها وهي تجمعُ ثيابها، وبشهقاتٍ مرتفعةٍ كانت تبكي وتتمتمُ باسمِ زوجها ..حاولَ الاقترابَ منها بأمرٍ من رانيا المتوقِّفة تشيرُ إليهِ حتى يجعلوها تتقنُ لعبتهم الخبيثة، إلَّا أنَّها ركلتهُ بقوَّةٍ ونهضت من مكانها وتناولت ذاكَ السرفيس الذي يُوضعُ فوقَ المقعدِ وظلَّت تضربهُ بقوَّة، وتصرخُ بروحها المتألِّمة، ولكن كيفَ لأنثى ضعيفة أن تقفَ أمامَ ذلكَ الذئبَ البشري ورغمَ طعناتها وضربها إلَّا أنَّهُ يفوقها بالقوة، ليلطِمها بقوَّةٍ على وجهها لتهوى على الأرض، ودموعها تحرقُ وجنتيها تهمسُ باسمِ زوجها، انحنى يرفعُها من خصلاتها وعينيهِ تحدِقها بنظراتٍ مفترسة: 

-لو سمعت صوتِك، هعمل فيكي زي اللي عملتُه وإنتِ نايمة، خلِّيكي لطيفة كدا، واسمعي منِّي بدل ماأرجع أعمل معاكي اللي نفسي أعملُه تاني.. 

لكمتهُ بقوَّةٍ بمنطقتهِ المحظورة ومازالت عبراتها تتساقطُ بقسوةٍ تبصقُ بوجهه؛ تناست ما فعلهُ بها وازدادَ جنونها، كلَّ ماتفكِّرُ فيه الآن زوجها، تقنعُ نفسها لم يصبها أذى ..هزَّت رأسها وتحوَّلت إلى كتلةٍ ناريةٍ واستمدت شجاعتها تشيرُ إليه بنظراتٍ كالطلقات ولم تهتم لملابِسها الممزقة: 

-قرَّب منِّي وأنا أشرب من دمَّك ياحيوان، إنتَ إنسان قذر، تعالَ ووريني رجولتَك..رغم أنَّها قالتها بقوَّةٍ إلَّا أنَّ داخلها هشٌّ ممزَّقٌ على حالها، تدعو ربها أن لا يؤذيها.. 


استمعت إلى نقراتِ كعبٍ خلفها، استدارت سريعًا ترى فتاةً بعمرها، اقتربت منهُ وهمست بأذُنهِ بعضَ الكلماتِ ثمَّ تحرَّكت..توقَّفَ ينظرُ إليها لبعضِ اللحظاتِ ثمَّ أردف: 

-راجعلِك ياستِّ الصحفية..خرجَ وأغلقَ البابَ خلفه، دارت بالغرفةِ تبحثُ عن حقيبتها ولكنَّها لم تجدها، تذكَّرت ماصار، هوت على الأرض، ضمَّت ركبتيها إلى صدرها تبكي بحرقة، وتهزُّ رأسها بعنف:

-لا مستحيل دا معملِّيش حاجة، أمسكت خصلاها وبدأت تجذبُها وتصرخُ كالذي مسها جن:

-لا لا ..أكيد أنا في كابوس ..كانت رانيا تتابعُها من كاميراتِ المراقبة وهي تنفثُ سجائِرها، ثمَّ رفعت عينيها إلى البنت: 

-ادخلي اديلها أوَّل حُقنة معندناش وقت، جذبَ طارق المقعدَ متسائلًا: 

-الحقنة دي إيه، إحنا مش قولنا بلاش علشان مانروحشِ في داهية..

-الحُقن دي تاري أنا، لازم أحسَّر أمَّها عليها ..نهضَ من مكانهِ وأردفَ ممتعضًا أسلوبها: 

-إحنا لينا نخطفها ونرهبها علشان تبعد عن القضية، ويكون طُعم نعرف نخرَّج هيثم مش تار بينِك وبين أمَّها..

-ممكن تخرس شوية، إيه مش وراك سهرة ولَّا الستِّ مها بتاعتَك حرَّمتك تشوف غيرها.. 

زفرَ باختناقٍ وتحدَّثَ بعنف: 


-وبعدهالِك بقى، ليه مش طيقاها، شدَّدت على ذراعهِ تهتفُ بغل:

-لأنها واطية، دي جريت وراك وباعت خطيبها، اسمع منِّي الواحد بيبُص لأعلى مش لتحت، رحيل أحسنلَك غير أنَّها الوريثة الوحيدة، وقربك منها هيكون سهل نتخلَّص من مالك. 

اكتسى وجههِ الغضبَ وأردفَ مزمجرًا:

-حاضر بس تفتكري هتوافق ترجع بعد ماشفتني بخونها؟..غير المزيِّت بتاعها اللي بتجري وراه في كلِّ حتة..

بغرفةِ ميرال دلفت الفتاة يجاورُها رجلان ذاتِ بنيةٍ ضخمة، نهضت مبتعدةً تهمسُ بألم: 

-إلياس إنتَ فين..قالتها ببكاء، دفعها الرجلَ بقوَّةٍ على الفراشِ وهي تحاولُ أن تتخلَّصَ بقوِّتها الهشة إلَّا أنَّهُ أطبقَ على عنقها بسببِ محاولاتها الهروب..

أشارَ للفتاةِ لتحقُنها بمادةٍ مخدِّرةٍ تساعدُ على تدميرِ الأعصاب..


عندَ إلياس قبلَ ساعاتٍ بعدما وصلَ إلى سيارتها، بالوقتِ الذي تحرَّكَ فيه أرسلان خلفَ السيارةِ التي تمَّ تبديلها بأحدِ الأماكن، ليصلَ إليها تقفُ بإحدى جوانبِ الطريق..

ترجَّلَ يبحثُ بالسيارةِ عن أيِّ شيئ، ولكن أيقنَ أنَّهم ذاتَ خبرةٍ فائقة، قامَ بمهاتفةِ إسحاق 

-مين دول وعرفت إزاي؟.. 

إنتَ ماوصلتِش ولَّا إيه..ركلَ السيارةَ بقدمهِ يمسحُ على خصلاته:

-العربية على طريق زراعي في مكان مقطوع مفهوش كاميرات..توقَّفَ إسحاق واتَّجهَ إلى قسمِ الكاميرات..ثمَّ هاتفه: 

-تعالَ على مكتبي، إلياس وصلُّه خبر، أنا كنت مفكَّر موضوع سرقة، بس شكلُه كبير.

اتَّجهَ أرسلان إلى سيارتهِ متسائلًا:

-مش فاهم ..جلسَ إسحاق وأجابه: 

-تيجي وبعد كدا نتكلِّم..أغلقَ معهُ وقامَ بمهاتفةِ شركةِ الاتصالات: 

-وصَّلني بالمسؤولين يابني ضروري.

دقائقَ ووصلَ إلى آخرِ مكالماتِ ميرال وإلياس بعد فترة وصل أرسلان:

-وصلت لحاجة؟..تساءلَ بها أرسلان وهو يجذبُ المقعد.. 

-لا مفيش تهديد..أنا كنت مراقبها بعد المقال اللي نزِّلتُه، بس قولت ممكن يهدِّدوا ولَّا حاجة، مهتمِّتش أوي، وخصوصًا بعد ماشوفت فيه أمن معاها كفؤ، يعني جوزها كان موفَّر الحماية كويس، آخر الأخبار أنَّها كانت عند البنت اللي جوزها متولي رعايتها دي، وبعد كدا جالي اتصال إنَّها اتخطفت، والغبي عربيتُه اتعطَّلت علشان كدا اتَّصلت بيك، والواد ماقلِّيش تفاصيل..

مسحَ على وجههِ بغضبٍ قائلًا:

-تفتكِر دول بتوع القضية اللي هيَّ شغَّالة عليها ..تراجعَ بجسدهِ مجيبًا 

-بتمنَّى ميكنشِ هُم، لأنَّهم دول مجرمين ومنعرفشِ ممكن يعملوا إيه..

زفرةٌ قويةٌ خرجت من أرسلان حتى توقَّفَ يدورُ بالغرفةِ وعقلهِ يعملُ بكلِّ الاتجاهات:

-لا همَّا أكيد، دي مرات ظابط وكمان حماها لوا، يعني تخطيط ناس فوق، ممكن يكون قرصة ودن، وممكن يكون تحذير..معرفشِ عقلي واقف..

استدارَ ووصلَ إلى إسحاق وانحنى يستندُ على المكتب: 

-عمُّو أنا هتجنِّن، فتخيَّل إلياس هيكون عامل إزاي، ولَّا والدتها لمَّا تعرف، لازم تتصرَّف، لازم آخر الكاميرا اللي لقطت العربية تُلقط العربية التانية.. 

-أشارَ إلى جهازِ التتبُع قاىلًا:

-قدَّامك كلِّ حاجة شوف، وأنا مش ساكت عملت مكالمتي، مش عايز أظهر في الصورة 


عندَ إلياس توقَّفَ أمامَ سيارتها، وترجَّلَ من سيارته، بخطا ثقيلةٍ ورغمَ أنَّهُ يتحرَّكُ على الأرضِ إلَّا أنَّهُ شعرَ كأنَّهُ بقبرٍ لا يستطيعُ التنفسَ أو التحرُّك، جثةٌ فقط بروحٍ مسحوبة، وصلَ إلى سيارتها بابتعادِ الجميعِ عنها، نظرَ بعيونٍ تغشاها الدموعُ إلى الداخلِ يتخيَّلُ ضحكاتها وإشارتها إليه..


ضغطَ على شفتيهِ مع تكويرٍ لقبضتهِ التي ابيضَّت مفاصلها من شدَّةِ شعورهِ بالعجز، استقلَّ السيارةَ يبحثُ بأركانِها عن أي شيئ، وقعت عيناهُ على هاتفها، التقطهُ يفتحهُ لتقابلهُ صورتهِ تنيرُ شاشتها، دمعةٌ تحرَّرت على وجنتيه، مع شعورٍ باحتراقِ روحهِ بالكامل، قلَّبَ بالهاتفِ وجدها قامت بمهاتفتهِ بالعديدِ من المرَّات، فتحَ هاتفهِ الخاص الذي نسيَ أنَّهُ بوضعِ الصامت..

آاااه خرجت حارقةٌ متألِّمةٌ لشعورهِ بكمِّ الألمِ الذي يسكنُ داخله، وكأنَّهُ بأسوءِ كوابيسه، ليتهُ كابوس حتى يفيقَ منه..

لم يستطع كبحَ قلقه، رفعَ هاتفهِ وتحدَّث: 

-بابا ..ميرال فيه حد قطع طريقها وخطفها

انتفضَ مصطفى من مكانهِ يشيرُ للذي أمامهِ بالخروج: 

-إنتَ بتقول إيه!..خرجَ من السيارةِ يدورُ حولَ نفسهِ بضياع، وشعورُ الذنبِ يقتلُه، فخرجَ صوتهِ شاحبًا ممزوجًا بنبرةِ الانكسارِ والعجز: 

-بقولِّك مراتي اتخطفِت يابابا، مش لقيها، ميرال مش لقيها يابابا..نطقَ بها بصوتٍ اختنقَ كالذي يُوضعُ بقبرٍ وصراخهِ منقطعٌ عن من بالخارج.. 

قبضةٌ مميتةٌ أصابت مصطفى واهتزَّ داخلهِ من حالةِ ابنهِ ليردفَ بصوتٍ كادَ أن يخرجهُ متَّزنًا:

-حبيبي إنتَ فين، وهبعتلَك قوة ..اتَّجهَ إلى سيارتها واستقلَّها يشيرُ إلى أحدِ رجاله: 

-رجَّعوا عربيتي ، قالها واستقلَّ السيارةَ ومازال يتحدَّثُ بالهاتف:

-لا يابابا، مش عايز خبر خطف مراتي يطلَع برَّة، هدخُل على إدارةِ المرور وأشوف الكاميرات، أكيد هعرف أوصل لحاجة.. 


بعد فترةٍ دلفَ لإدارةِ المرور، وبحثَ في معظمِ الكاميرات المتوجِّهة إلى الطريقِ الذي تمَّ اختطافَ ميرال به، وصلَ لإحدى السيارات التي تحرَّكت بنفسِ توقيتِ السيارةِ التي خرجت من محطَّةِ الوقود ..كوَّرَ قبضتهِ ونفرت عروقه وعقلهِ كادَ أن يُصابَ بسكتةٍ دماغية، قرَّبَ السيارةَ حتى يلتقطَ لوحةَ أرقامها ولكنَّهم ذاتَ خبرة، لتختفي السيارةَ أمام السيارةِ التي قامت باختطافِ ميرال، أشارَ لأحدِ الرجال: 

-ارسم الراجل دا، وكمان العربية دي وحاول توصَل لرقمها.


ساعاتٍ مرَّت عليهِ كسبعينَ خريفًا وهو يدورُ حول نفسهِ كالأسدِ الجريحِ إلى أن فقدَ السيطرةَ واتَّجهَ إلى مكتبِ والدهِ علَّهُ وصلَ لشيئ..


بفيلَّا السيوفي انتهت من صلاتها بدلوفِ غادة تفركُ أناملها، رفعت عينيها إليها متسائلة:

-مالك حبيبتي..جلست بجوارها قائلة:

-أنا بحبِّك أوي ياماما فريدة، ابتسمت تمسِّدُ على خصلاتها ثمَّ رفعت رأسها واحتوت وجهها: 

-مش هقولِّك غير إنتي وإسلام كنتوا النور اللي ربنا بعتُه بعد عذاب سنين ليَّا..


انسابت عبراتها وتابعت حديثها: 

لو عايزة تسأليني ليه، هقولِّك لولاكم مكنتِش بقيت هنا وعيشت كدا..

-طيِّب وإلياس ياماما فريدة، واللهِ هوّّ بيحبِّك أوي، بس ..وضعت كفَّيها على فمها وآااه حارقة خرجت من قسوةِ ما شعرت به من أيامِ عذابها: 

-إلياس دا النُّور اللي جالي بعد عتمة الظلم والقهر، دا قطعة من روحي دا لو مكنشِ روحي ياغادة.. 

ارتجفَ جسدُ غادة تغمضُ عينيها فهتفت بتقطُّع:

-طيِّب لو عمل حاجة في ميرال هتسامحيه..ضيَّقت عينيها وتراجعت بجسدِها للخلفِ ونظراتٍ متسائلة:

-مالها ميرال، وإلياس عمل إيه؟!..

نهضت من مكانها وتجوَّلت بعينيها بالغرفةِ بعيدًا عن أعينِ فريدة قائلة:

-ميرال راحت لرؤى وكان عندها وهيَّ خرجت ومحدِّش عارف مكانها فين، بيقولوا اتخطفت..

شهقةٌ خرجت من فمِ فريدة، لتهبَّ من مكانها فزعة: 

-مين قالِّك كدا!!

رفعت عينيها إليها وأجابتها بتشتُّت:

-رؤى ياماما، كلِّمتني بتسأل عن ميرال وحكتلي اللي حصل. 

أمسكت هاتفها بأيدي مرتعشة تهمسُ بخفوت:

-لا مستحيل، مين ممكن يعمِل كدا..ظلَّت  لعدَّةِ لحظات محاولةً الوصولَ إليه ولكنَّهُ لم يجب..هرولت إلى ثيابها وارتدتها سريعًا..توقَّفت غادة أمامها: 

-رايحة فين ياماما بس..

دفعتها بغضب وهدرت بعيونٍ باكية:

-رايحة أشوف بنتي فين، بدل أخوكي مابيردِّش، لازم أعرف عمل فيها إيه..

توقفت أمامها وحاولت تهدئتها 

-ماما فريدة لو سمحتي، إلياس مش ناقص ضغط، حاولت أكلمُه ماردِّش، وإسلام كلِّم بابا وقال هوَّ عندُه وحالته وحشة جدًا..

هرولت للخارج، ورغمَ حزنها عليه، إلَّا أنَّها هتفت بقلبٍ محترق: 

-أنا عارفة هيفضل وراها لحدِّ مايموتها، أخوكي قادر ومحدِّش قادر عليه، جه الوقت اللي لازم أوقَّفه عند حدُّه..

-ماما فريدة ..صاحَ بها إسلام وخطا إليها بخطواتٍ سريعةٍ يشيرُ إلى غادة:

-حبيبتي أدخلي إنتِ وأنا هروح مع ماما فريدة عند بابا، علشان ترتاح. 

أومأت ودلفت للداخل بسكون، بينما اقتربَ إسلام منها:

-ممكن تهدي عارف إنِّك مضايقة على ميرال بس متنسيش إن إلياس ابنك، وكمان مراتُه اللي مخطوفة، اقتربَ خطوةً أخرى وهتف بعدما التفتت حوله: 

-كلِّمي أرسلان وعرَّفيه، وأرجوكي تتحكِّمي في نفسِك، أنا مش قادر أخبِّي على بابا لحدِّ دلوقتي، اتصلي بيه وكأنِّك بتسألي على إلياس معاه ولَّا لأ ووصلوا لميرال، هو هيتصرَّف، وزي ماقولت لحضرتك، دا واصل أوي، ومحدِّش يعرَف أنُّه مخابراتي، فلو سمحتي بلاش تحطِّيني في موقف محرج مع إلياس لأنُّه هيعرَف أنا اللي قولتلِك.

ربتت على كتفهِ وتحرَّكت بجوارِه، متمتمةً بحزن: 

-هكلِّمُه ياإسلام، وعارفة إنَّك مضايق علشان طلبت منَّك تخبِّي على بابا، بس  صدَّقني هقولُّه لمَّا يرجع وهفهِّمه أنا اللي طلبت منِّك كدا.

أشارت إليه قائلة: 

-اتِّصل بإلياس الأوَّل ..هزَّ رأسهِ بعدما لم يجاوبه..رفعت هاتفها بأيدي مرتعشة وعيونٍ زائغة على إسلام متمتمةً بعد لحظات:

-إزيك يابني عامل إيه، أنا فريدة والدة إلياس جبت رقمك من إسلام، بتِّصل بإلياس مابيرُدِش، كنت عايزة أعرف وصولتوا لمراتُه ولَّا لسة؟..


نهض مبتعدًا عن إسحاق وشعرَ بالحزنِ على صوتِها الباكي..


اهدي وأنا هنزلُه حالًا، عرفت الخبر، كلُّه هيكون تمام، المهم بطَّلي بكى.. 

حاولت التحدُّثَ ولكنَّها لم تقوَ على النطق، تمنَّت أن يكونَ أمامها وألقت نفسها بأحضانه..ربتَ إسلام على كتفها يعيدُها للواقع، أزالت عبراتها تهزُّ رأسها: 

-ربنا يحميك يابني قالتها وأغلقت الهاتفَ سريعًا، بعدما سمحت لعينيها بالتحرُّر، لترتفعَ شهقاتها، فيكفي ماتشعرُ به..فتحَ إسلام بابَ سيارتهِ يشيرُ إليها بالجلوس:

-طيِّب اهدي حبيبتي، إن شاءالله كلُّه هيعدي، إلياس مش هيسكُت غير لمَّا يرجَّعها..تراجعت برأسِها على المقعدِ ومازالت عبراتها تحرقُ وجنتيها لتنظرَ إلى إسلام:

-كلِّمُه ياإسلام دلوقتي حالتُه حالة، احتضنَ كفَّيها وقبلهما: 

-ماما حاولت أكلمُه، ممكن تهدي علشان قلبِك مش متحمِّل، إيه مش عايزة تقابلي ولادك بصحتِّك ولَّا إيه..

احتضنت وجههِ بين راحتيها مبتسمةً من بينِ دموعها:

-وإنت ابني وحبيب روحي، أوعى تفكَّر إن إلياس وأرسلان بس ولادي، أنا صح مخلفتَكش، بس إنتَ روحي واللهِ مابكذِب..ضمَّ رأسها وطبعَ قبلةً فوقَ جبينها..يربتُ على ظهرها: 

-وأنا معرفتِش أم غيرك، مش محتاجة تحلفي، زي مابابا مصطفى أبويا حضرتك أمي، شوفي القدر ياماما ابنك الحقيقي كان بيعاملِك إنِّك مرات أبوه، وابنِ جوزك تمنَّى إنِّك أمُّه، الواد دا عايز ينضرب..فيه حد تبقى أمُّه عسل كدا ويتبرَّى، معرفشِ الهبلة بتحبُّه على إيه..

ابتسامةٌ تصفعهُ بخفَّةٍ قائلة:

-بس يالا، دا أخوك الكبير مفيش حاجة اسمها ابنِ جوزي ومرات أبوه.. 

أفلتَ ضحكةً بعدما أخرجها من حالتها، ثمَّ استدارَ إلى القيادةِ وتحرَّكَ بالسيارة. 


بمكتبِ مصطفى جلسَ مع أصدقائهِ المقرَّبين وحاولَ الوصولَ إلى تلكَ السيارةِ بعد انكشافها عن التقاطِ آخرَ الصورِ لها ...دلفت فريدة بجوارِ إسلام بعد خروجهما وتحديدِ المهام لكلٍّ منهما..توقَّفَ مصطفى يقابلُها حينما دلفت:

-فريدة إيه اللي جابك..نظرت إلى إلياس الذي يتابعُ أحدِ الأجهزة ولم يكترث لدخولها فهمست بتقطُّع:

-فين ميرال يامصطفى، بنتي فين..حاوطَ أكتافها وتحرَّكَ بها إلى الأريكةِ وعينيها مازالت على إلياس الحاضرِ الغائبِ الذي يبحثُ عن طريقِ الأجهزةِ الإلكترونيةِ ومحادثتهِ لبعضِ الأشخاص: 

اتَّجهت إليهِ بعدما تركت ذراعَ مصطفى: 

-مابترُدش عليَّا ليه، إزاي مراتك تتخطف وإنتَ بمركزك دا؟!..

رفعَ رأسهِ عن جهازهِ للحظاتٍ ثمَّ عادَ يفعلُ مايفعله، أصابها الذهولَ من ردِّهِ البارد.. طاحت بيديها الجهازَ من أمامه: 

-لمَّا أكلِّمَك توقف وترُد عليَّا باحترام، اقتربت وكلَّ ما تراهُ أمامها الآن بكاءَ ميرال وخوفها وهي لا تعلمَ من اختطفها..أمسكتهُ من تلابيبهِ تصرخُ فيه:

-حذَّرتك كتير وكالعادة اللي في دماغك بتعملُه، أهو مبسوط مراتك مش موجودة معاك، ياترى اللي خطفها دا بيعمل فيها إيه دلوقتي.. 


تراجعَ للخلفِ بعيدًا عنها بعدما شعر بنارٍ سوداءَ تحرقُ داخله، ولا يريدُ أن تطالَ إليها..ابتعدَ بصمتٍ فهو الآن كالبركانِ القائظِ الذي أوشكَ على الانفجار، أسرعَ مصطفى يجذبُها بعيدًا عن إلياس بعدما رأى حالته، مدَّ يدهِ وخطفَ هاتفهِ متحرِّكًا للخارجِ دونَ حديث ..خطواتٌ واسعةٌ تأكلُ الأرضَ ولكنَّها مترنحةٌ بالضعفِ والعجز..وصلَ إلى سيارتهِ مع رنينِ هاتفه، نظرَ بشاشتهِ وجدهُ أرسلان أغلقَ بوجهه، لا يريدُ أن يتحدَّثَ مع أيِّ أحدٍ ولا يرى سوى زوجته، الآن هو كالشجرةِ الضعيفةِ التي تقفُ في مهبِّ الريح، لم يكلَّ أرسلان من مهاتفتهِ ولكنَّهُ ككلِّ مرَّةٍ لم يجبهُ مما جعلهُ أن يصلَ بمعرفتهِ إلى مكانهِ من خلالِ هاتفه..


عندَ فريدة جلست تحتضنُ رأسها: 

-يعني إيه، مش عايزين تبلَّغوا الشرطة أومال هتوصلوا إزاي؟!..

-فريدة وإحنا مش شرطة، أنا كلَّمت كذا حد قريب منِّي بيدوَّروا، مش عايز كلام يطلَع هنا ولَّا هنا، وإلياس عندُه حق وهوَّ حُر ياستي.. 

-حُر !..لا مش حُر أنا مش هستنى لمَّا يجبوها مقتولة.. 

-وبعدهالِك بقى يافريدة ماتهدي شوية، أنا مش ساكت، وبدل مانتي عمَّالة تجلدي فيه خدي في حضنك، مش شايفة حالتُه، أنا إلياس صعبان عليَّا ومش هقعد أتفرَّج عليه، خدي إسلام وارجعي وأنا من هنا للصبح لو مرجعِتشْ هاخد إجراء قانوني وهحاول أوصلها.. 

-إيه اللي بتقولُه دا يامصطفى، إنتَ هتفضل ساكت للصُّبح، يعني بنتي مع ناس مجرمين ومعرفشِ حالتها إيه وإنتَ بتقولِّي للصبح!.  


زفرَ بحدَّةٍ وشعورُ الذنبِ يحتلُّ عقله، يريدُ أن يتخذَ إجراءًا قانونيًا ولكن ابنهِ رافضٌ رفضًا قاطعًا، اقتربَ منها وحاوطَ كتفها وحاولَ امتصاصَ غضبها:

-حبيبتي لمَّا نبلَّغ هيعملوا إيه، أنا اللي بدِّي التعليمات زي دلوقتي، اهدي كدا مش يمكن عايزين ديَّة أو أيِّ حاجة،  

نستنى لمَّا نشوف آخرتُهم إيه..


بعدَ فترةٍ وصلَ إليهِ أرسلان، وجدهُ بمحطَّةِ الوقودِ ينظرُ لتلكَ الكاميراتِ بالقربِ من موقعِ السيارةِ التي تمَّ التبديلَ بها، دلفَ للداخلِ بعدما سألَ عنه ..توقَّفَ بجوارهِ ينظرُ للشاشةِ التي يصبُّ اهتمامهِ عليها، ربتَ على ظهرهِ لينتبهَ إليه..رفعَ رأسهِ ينظرُ إليه بصمت، ثمَّ اتَّجهَ إلى الشاشةِ التي التقطت ثلاثةَ أرقامٍ خلفية، أدارَ الشاشةَ من الجانبِ الآخر حتى التقطَ الأرقامَ والحروفَ الناقصة، أطبقَ على جفنيهِ يدعو اللهَ أن يكونَ ذلكَ أوَّلَ طرفٍ يصلُ إلى زوجته..تحرَّكَ للخارجِ وخلفهُ أرسلان متسائلًا: 

-هتعمل إيه ؟..

إنتَ مين عرَّفك؟!..

اقتربَ منهُ وعينيهِ تشعُّ من الأسى مايؤلمُ روحهِ على حالته، ليهتفَ مقتربًا حتى توقَّفَ أمامهِ مباشرة:

-مكنتش عايزني أعرف، على العموم قلقت عليك علشان بتَّصل بيك ومابترُدش، اتصلت بوالدتك حكتلي وأنا عرفت مكانك بطريقتي.. 


شعورٌ مميتٌ بداخله، وهو ينظرُ إليهِ بعجز، يريدُ أن يصرخَ ويبكي ولكنَّهُ لم يقو على ذلك، ضعفهِ على حافَّةِ الهاوية، هزَّ رأسهِ وتحرَّكَ لسيارتهِ دونَ حديث، تحرَّكَ خلفهِ متسائلًا: 

-طيب عرَّفني ناوي على إيه؟.،

توقَّفَ متسمرًا يواليهِ ظهرهِ وردَّ بصوتٍ ثقيلٍ وكأنَّ لسانهِ رُبطَ قائلًا:

-أنا عارف إنَّك صديق ويُعتمد عليك بس دي حياتي الخاصة، لو سمحت بلاش نتكلِّم في كلام ممكن يزعلَّنا من بعض ..أمسكهُ من ذراعهِ ولم يكترث لحديثه: 

-أنا مش بتعامل معاك على إنَّك صديق، أبدًا واللهِ أنا حزين وزعلان، أنا جيتلك لمَّا حسيت إنَّك محتاج لسند، ومقدَّر إنَّها حياتك الخاصة، وحاسس بالألم جواك، اعتبرني أخ، ولَّا بلاش تعتبرني..أنا اللي أعتبرك أخويا ياسيدي وحسيت إنَّك محتاج مساعدتي هترفض، وبعدين نسيت انا مديون لك ... وقبلِ ماترفض أنا ماليش أخوات يعني بفرض الأخوية عليك معندكشِ اختيار.. 

تحرَّكَ يشيرُ إلى سيارته: 

-طيَّب تعالَ ورايا، هنروح المرور ونشوف العربية دي وقفت فين ..تحرَّكَ كلٍّ منهما إلى سيارتهِ ليصلَ إلى إدارةِ المرورِ العامِّ حتى يلتقطَ جهازَ الرادارِ السيارةَ التي يبحثون عنها.. 


مرَّ يومًا آخر والحالُ كماهو، لم يتم العثورَ على شيئ..حبسَ نفسهِ بمكتبهِ كطيرٍ بُترت أجنحتهِ عندما شعرَ بالعجز، يأكلهُ الندم وتحرقُ أحشائهِ بنيرانِ الألم.. 

احتضنَ رأسهِ ينظرُ لهاتفها بعينينٍ مغروقتين بالدموعِ يودُّ لو يراها أمامهِ لو دقيقةٍ واحدةٍ لدفنها داخلَ أعماقه حتى لا يستطعَ أحدًا الوصولَ إليه، توقَّف عقلهِ عن التفكير وسحبتهُ دوامةُ العجزِ فنهض يترنَّحُ بوقوفهِ محاولًا التفكير لماذا تمَّ خطفها ومن خلفَ هذا الخطف، بعدما لم يساومونه 

عند فريدة ارتدت ملابسها بهدوء، وتحرَّكت تاركةً غادة تغطُّ بنومها، ثمَّ اتَّجهت إلى قسمِ الشرطة:

-لو سمحت عايزة أبلَّغ عن اختطافُ بنتي.. 

-لحظة يافندم هبلَّغ حضرةِ الظابط .. دقائقَ ودلفت إليهِ كان منشغلًا بأحدِ القضايا بجلوسِ جواد حازم بمقابلته، نهضَ من مكانهِ يشيرُ إلى جواد: 

-شوف المدام عايزة تعمل إيه لحدِّ ما أخلص ..اتجهَ جواد إليها يشيرُ بالجلوس.. 

ظلَّت نظراتها على جاسر المنشغل بعمله، ثمَّ اتجهت إلى جواد بعد صمتٍ دام للدقائق

-بنتي اتخطفت وهي راجعة من الشغل وبقالها يومين، انتظرنا حدِّ يكلِّمنا بس مفيش أخبار..قالتها بصوتٍ مكتومٍ بالبكاء ..أعطاها جواد كوبًا من المياهِ

ثم أشارَ للكاتب:

-اكتب للمدام محضر يابني ..

توقَّفَ جاسر بعدما نطقت: 

-ميرال السيوفي..رفعَ نظرهِ إليها سريعًا 

وتساءل:

-حضرتك مرات سيادةِ اللوا..هزَّت رأسها تنظر للأسفلِ بدموعٍ تحجَّرت بعينيها،  فرغمَ منعِ مصطفى من البلاغِ إلَّا أنَّها لم تستمع إلى حديثه..

نهضَ من مكانهِ وجلسَ بمقابلتها يشيرُ بعينيهِ إلى جواد الذي تساءل:

-ليها عدواة مع حد أو ممكن يكون مضايقة وحبِّت تقعد بعيد عن الكل.. 

هزَّت رأسها بالنفي: 

-لا ..عمرها ماعملتها، لمَّا بتحبِّ تقعد بتقولِّي أو بتقول لأختها، وجوزها بيكون عندُه علم..

-جوزها.. هيَّ متجوزة؟..

هنا فاقَ الألمُ وهي تتخيَّلُ ردةِ فعله، تعلمُ أنها أخطأت ولكن قلبها يؤلمها عليها فهمست بتقطُّع: 

-أيوة متجوزة إلياس السيوفي.. 

ضيَّقَ جاسر عينيهِ ونظراتهِ تخترقُ حركاتَ وجهها ثمَّ تساءل:

-هيَّ متخانقة مع جوزها..أطبقت على ثيابها متذكِّرةً حديثَ غادة عن رؤى ولكنَّها رفعت عينيها إلى جاسر تهزُّ رأسها بالنفي..اردفت :

-ممكن جوزها يكون له أعداء وعايزين يساوموه ..هيَّ شغالة ؟! وجوزها شغال -إيه..هكذا تساءلَ بها جاسر.. 

ابتلعت ريقها بصعوبة قائلة: 

-إلياس السيوفي ظابط أمنِ دولة..

زفرةٌ قويةٌ من فمه، هنا علمَ ربما يكونُ اختطافها بسببِ عمله.. 

-هوَّ ميعرفشِ إنِّك جاية تعملي بلاغ؟..

أومأت له ومازالت عيناها تنظرُ للأسفل.. 

-جواد إعمل محضر وشوف العربية اللي كانت راكباها ..قاطعتهُ قائلة:

-ممكن الموضوع مايخرجشِ للصحافة والإعلام.. 

-من غير ماتقولي يافندم، نهضَ من مكانهِ وأردفَ بتساؤل: 

-هي شغالة ايه؟..

-صحفية، كانت نزِّلت مقال عن الجماعة الإرهابية من أسبوع، ودا اللي جوزها شاكك يكون همَّا ورا خطفها. 

تراجعَ جاسر إلى مقعده، بعدما شعرَ بالأسى عليه، يشيرُ إلى جواد حتى يتحرَّك بإجراءِ القضية،

-أحنا هنتصرَّف متقلقيش، وحالًا هنحوِّل القضية للنيابة وهيَّ هتتعامل مع الموقف، علشان نعرف نوصل لمراقبة العربية..

-هوَّ لازم النيابة تعرف، أنا مش عايزة الموضوع..قاطعها جواد حينما توقَّفَ يشيرُ إليها بالاتجاهِ إلى وكيلِ النيابة: 

-لازم يافندم، حضرتِك هتيجي معايا، ودا علشان سيادةِ اللوا مصطفى ووعد الموضوع مش هيخرج، ومتخافيش هنعرف نسيطَر على الأخبار..

أومأت وتحرَّكت متَّجهةً خلفهِ إلى مكتبِ راكان..


بعدَ فترةٍ خرجت من مكتبهِ تشعرُ بالراحةِ قليلًا، تحرَّكت بخطواتٍ واهنةٍ تختفي خلفَ نظارتها السوداءَ من أن يراها أحدٌ من معارفِ زوجها اصطدمت بأحدهم ..ربتت على ظهرهِ وهتفت معتذرة:

-آسفة يابني لا تؤاخذني ..قالتها وتحرَّكت سريعًا، بدخولهِ إلى مكتبِ راكان، ولكنَّهُ توقَّفَ بعدما لاحت صورتها مخيلَته، فاستدارَ سريعًا يهتفُ بصوتٍ مرتفع: 

-طنط فريدة..توقَّفت واستدارت تنظرُ على من يناديها، ولكنهُ دلفَ بعدما تأكدَ أنَّها ، يااه معقولة هي، طيب بتعمل إيه، وشكلها هانم مش زي ماامي حكتلي، دلفَ يزن وعقلهِ يعملُ بكافةِ الاتجاهات. 


وصلت إلى المنزل وجدت مصطفى يدورُ كالمجنونِ يبحثُ عنها واتصالاتٍ عديدةٍ ولكنها كانت هاتفها مغلق، قابلها وتساءلَ بلهفة: 

-كنتي فين..رفعت عيناها إلى إلياس الذي ينزلُ سريعًا من الدرجِ فتساءلت:

-إلياس رجع إمتى؟..

-لسة راجع جه يغيَّر هدومه، استمعت إلى حديثه..

-أيوة ياأرسلان، أنا جاي خمس دقايق أه عرفت مكانها، لا مالوش لازمة معايا الطقم بتاعي..ابتسمت مقتربةً منه: 

-إلياس وصلت لميرال ..أومأ لها وتحرَّكَ  سريعًا، صاحت باسمهِ بعدما علمت بوجودِ أرسلان معه، شعرت بالخوفِ عليهما فنظرت إلى مصطفى: 

-إلياس لازم يعرف إنِّ أرسلان أخوه، قالتها وتحرَّكت خلفهُ سريعًا:

-إلياس ..توقَّفَ يواليها ظهرهِ وكلَّ خليةٍ بجسدهِ تنتفض، هو لايريدُ أن يتحدَّثَ ولا أن يرى أحدًا الآن ..وصلت إليه:

-فيه موضوع مهم لازم تعرفه، ألقاها بنظرةٍ صامتةٍ وأردف:

-مفيش دلوقتي حاجة أهم من إنِّي أرَّجع مراتي..قالها وتحرَّكَ سريعًا، لم تستطع إخفاءَ خوفها عليهما فتحرَّكت إلَّا أن أوقفها مصطفى: 

-وبعدهالِك مش هتسيبِك من الجنان دا، قولتلك مليون مرة مستحيل اللي بتقوليه دا، فريدة مش معنى إلياس ابنك يبقى أيِّ حد شبهُ يكون أخوه..

نزعت نفسها من بينِ ذراعيهِ وهتفت بقوة: 

-مش الشبه بس يامصطفى، الواد نسخة تانية من أبوه، كلِّ حاجة جمال صوتُه شكلُه كلِّ حاجة..

-مش شرط يافريدة، ماهو إلياس كان ابنك وانتي قعدتي معاه تلاتين سنة ومعرفتيش، اهدي يافريدة عيلة الولد دي كبيرة أوي، مستحيل يكون ابنك.. 

-ابني أرسلان ابني يامصطفى، انا عملت التحليل وطلع ابني.. 

توقَّفَ ينظرُ إليها بصدمةٍ وأردفَ بتقطُّع:

-مستحيل أكيد اتجننتي ..قاطعهُ إسلام من الخلف: 

-ماما فريدة بتقول الحقيقة يابابا، اقتربَ وتوقَّفَ أمامهِ وتابعَ مسترسلًا:

-أنا ساعدت ماما فريدة وعملنا التحليل، أخدت منُّه شعرة مع شعرِ إلياس وعملنا التحليل من عشرِ أيام..


-إيه..يعني إيه، الولد يجي هنا بكلِّ ثقة وأنتو تخططوا انُّكم ..بترت فريدة حديثهِ وصرخت باكية:

-حرام يامصطفى، حرام عليك إنتَ مش حاسس بالنار اللي جوايا، ولادي الاتنين قدَّامي ومش عارفة آخد حدِّ فيهم في حضني..اقتربت منهُ بعدما تحرَّرت عيناها بالبكاءِ ترفعُ يديها وتشيرُ بأناملها ببكاء؛

-الاتنين يامصطفى، الاتنين قدامي ومش قادرة أقول لحدِّ فيهم أنا أمُّكم، بكت حتى انهارت.. 

-فكرت انا بحسِّ بإيه والياس قدامي طول الوقت وهوَّ بيقولي يامدام ولا حتى طنط، حسيت وهوَّ لمَّا بيكون تعبان ولَّا زعلان ونفسي أطبطب عليه وأقولُّه معلش ياحبيبي هتعدي، ولَّا لمَّا أرسلان قالي ياستِّ الكل، عارف الكلمة دي عملت فيَّا إيه..رفعت عيناها إليه وأردفت بصوتٍ خافت: 

-إحساس صعب يامصطفى ياربِّ ماحد يجرَّبه يامصطفى..

-فريدة واللهِ أنا حاسس بيكي، تراجعت بعيدًا عنهُ وقطعت حديثهِ بصوتٍ ممزوجٍ بالبكاء:

-لا محدش حاسس بالنار اللي جوايا، الاتنين دلوقتي مع بعض وميعرفوش أنُّهم روح واحدة، داخلين النار مع بعض ومحدش منهم عارف أنهم اخوات، تفتكر لو واحد حصلُّه حاجة أنا ممكن أعمل إيه ..هزَّت رأسها بجنونٍ كلَّما تخيلت أن أحدَهم يصيبهُ مكروه، لتقتربَ منه: 

-يومين بس يامصطفى والولاد يعرفوا أنهم اخوات..قالتها وتحرَّكت للأعلى.. 


نهاية الفلاش 

بفيلَّا الشافعي بعد خروجِ فريدة.. 

تحرَّكَ راجح سريعًا إلى المشفى بعد إخبارهِ بموتِ هيثم ابنهِ المسجون، تحرَّكَ كالمجنونِ يهتفُ اسمَ ابنه، بينما رانيا التي سقطت مغشيًا عليها بعد علمها بما صارَ لابنها ..

يومينِ آخران والحالُ كما هو، انهيارَ رانيا وحبسها بغرفتها بعد محاولتها الخروج للوصولِ إلى ميرال، وراجح الذي شعرَ بالهوانِ بعدما علم أنهُ السببَ بقتلِ ابنهِ بعدما خالفَ أوامرَ من يعمل معه، ووصولِ إلياس إلى زوجته، بعد تحذيرِ راجح بقتلها.. 


توقف الرجل أمامه

-والله ياباشا عملنا كل اللي نقدر عليه، ومكناش نتوقع أنهم هيوصلوا قبل اسبوع 

تذكر بعد علمه من الوصول إلى ميرال بذاك اليوم الذي يقيم به حفلا حتى يغطي على جريمته النكراء بقتل ياسر، ولكن شاء القدر أن إلياس يصل إلى ميرال بنفس توقيت قتل ابنه 

-اعرف مين الخاين اللي بلغهم بمعرفة مكان البنت، وصلت رانيا إليه 

-يعني كلمناها علشان نقهرها ورغم احنا اللي كنا مقهورين علشان وصلوا

-كويس أنهم وصلوا يارانيا، توقف بمقابلتها وهدر بها بحدة:

-لو ماوصلوش كان زمان الحقن اللي حضرتك كنتي فرحانة انك بتديهلها موتتها، احمدي ربنا، المهم انها عائشة والجاي سهل 

اقتربت منه ترمقه بنظرات حارقة

-هتسيبها لفريدة ياراجح، بعد قهرتنا السنين دي كلها، مش كفاية ابني، يبقى ولا بنت ولا ولد، رجعلي مروة ياراجح عايزة بنتي 

جلس يزفر بغضب واردف 

-بحاول اعمل اللي اقدر عليه كلمت جماعتنا وقالوا هيتصرفوا 

-راجح البنت مش هتيجي بسهولة، اخطف الظابط وساوم مصطفى عليه 

-الظابط..مش دا ابن فريدة اللي بتقول عليه..توقفت عن الحديث تضرب على رأسها 

-يعني دا ابنها اللي تقصده، الظابط اللي جه هددنا هنا يكون ابنها، لا وكمان بعد إصابته جالك هنا وقالك البادي اظلم، يعني عارف انك عمه 

هز رأسه بالنفي متمتمًا:

-لا أكيد، لو عارف مكنش سكت، وشكل فريدة مكنتش تعرف بدليل قوتها دي 

احتضنت ذراعه 

-طيب هاتلي بنتي، بدل مااقلب عاليها واطيها سمعتني 

قالتها وتحركت وهي تردد 

-فريدة يطلع عندها ولدين وانا ابني يموت وبنتي تربيها وتقولها ياماما، والله لاحرقك يافريدة 

كان يستمع إليها بغضب، يريد أن ينقض على عنقها ولا يلقيها سوى وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة 

بعد ساعات استمع الى رنين هاتفه

-رانيا لازم تبعد عن مصر الفترة دي، مش عايزين غلط، وانتظر مني الأوامر 


بالمشفى بعد إفاقتها وتذكرِ ما صارَ لها، ظلَّت تصرخُ مبتعدةً عن الجميع، ولكنهُ كان المسيطرُ الأقوى عليها وأبعدَ  الجميعَ من الاقترابِ إليها، احتواها بحنانٍ بين أحضانه، وظلَّت تحتَ العلاجِ لمدةِ أربعةِ أيامٍ إلى أن تمَّ علاجَ جزءٍ كبيرٍ من حالتها بعد حقنها ببعضِ الموادِّ السامةِ التي تسيطرُ على خلايا الأعصاب، هذا ماتوصلَ إليهِ الأطباء من خلالِ التحاليل ..أربعةُ أيامٍ ولم يتحرَّك من جوارها سوى لصلاتهِ فقط، فتحت عينيها وجدتهُ غافيًا على المقعد، اعتدلت على الفراشِ تنظرُ إلى ملامحهِ المرهقة، نهضت من فوقهِ واتَّجهت إلى ملابسها بهدوءٍ حتى لا توقظه، قامت بتبديلِ ثيابها ورفعت عينيها إلى أشيائهِ لتتحركَ ببطئٍ تلتقطُ مفتاحَ السيارةِ والكريد كارت، 

ثمَّ استدارت للمغادرةِ ولكنَّها وجدت نفسها بين ذراعيه يهمسُ إليها: 

-رايحة فين؟!..ارتجفَ جسدها وانسابت عبراتها: 

-ابعد عني ياالياس انا مابقتش أنفعك، خلاص أنا بقيت واحدة مغت..بترَ حديثها يبتلعُ كلماتها يعاقبها ويعاقبُ نفسهِ بما تفوَّهت به، لحظات ربما دقائق يقبِّلها بطريقةٍ جنونيةٍ كأنَّهُ يريدُ أن يقتصَّ بما نطقت به، اختتقت باكيةً ليرفعها بين ذراعيهِ بعدما ارتفعت شهقاتها، ثمَّ اتَّجهَ للخارج، بوقوفِ فريدة وإسلام، ولكنهُ تحرَّكَ بها وهي تعانقُ رقبتهِ تدفنُ نفسها، وكأنَّها تختفي من أن يراها احد، 

حملها وخرجَ بها من المشفى، أوقفتهُ فريدة:

-كنت سبها ياماما كمان يومين ترتاح.. 

وضعها بالسيارةِ بهدوء، ثمَّ طبعَ قبلةً فوقَ رأسها: 

-مرتاحة كدا ..أومأت وهي تضعُ يدها على بطنها.. 

-بطني بتوجعني أوي..

-هنروح وتاخدي العلاج وتبقي كويسة، قالها وهو يقومُ بعقدِ حزامِ الأمان..

-يعني بكلِّمَك ومابتردش عليَّا..

استدارَ إليها بعدما أغلقَ بابَ السيارة 

-بقالي أربع أيام منمتش، مش قادر أقف على رجلي، عايز أرتاح وبعد كدا نتكلِّم ممكن تروحي مع إسلام.. 

-وليه ماروحشِ معاك، ولَّا مش عايز عزول..

تحرَّكَ للقيادةِ قائلًا:

-مش راجع البيت، هروح مكان هادي علشان تخفِّ بسرعة، لمَّا أوصل هكلمِك 

هرولت إليهِ تقفُ أمامه: 

-إنتَ عايز تخرج برَّة القاهرة بشكلك دا، لا طبعًا، إنتَ لسة قايل مش قادر تتكلِّم.. 

-ماما فريدة لو سمحتي.. 

ترقرقت عيناها بالدموع.. 

-علشان خاطري ياحبيبي، ياتروح طيران ياأما تاخد السواق معاك.. 


هزَّ رأسهِ وفتحَ بابَ السيارةِ هروح المطار..قالها وتحرَّكَ بالسيارةِ سريعًا دونَ كلماتٍ أخرى.

بعدَ عدَّةِ ساعاتٍ كانت تغفو بأحضانهِ بإحدى الشاليهاتِ بمدينةِ شرم الشيخ.. 

تململت بنومها تفتحُ عينيها لتجدَ نفسها محاصرةً بجسده، 


ابتعدت محاولة التسلل كعادتها ولكنه احتواه يضمها بحنان إلى صدره 

-ميرال انت كويسة ممكن لو سمحتي ماتزعلنيش منك ..كانت تبكي بصمت فقط، كأن لسانها ربط ولم يعد لديها قدرة على النطق..ظلت عدة أيام بذلك الوضع ..قام برعايتها مثلما أشار إليه الطبيب، بالصباح جولة إلى البحر الذي تعشقه، وبالليل يحتويها داخل أحضانه أمام المدفأة، يقص لها عن طفولتهما، محاولا ابعاد ذهنها عن التفكير

اسبوع اخر منعزلًا بها عن الجميع، لا يريد سوى عودة روحها الغائبة، عادت برائتها وضحكاتها مرة اخرى، ولكن مازال وجهها الشاحب يزين بعيناها الحزينة ..

ايه رأيك نعمل نسكافيه انتِ كنتي من هواته ايام الجامعة

وضعت رأسها على كتفه 

-لسة فاكر!! جمع شعرها ينظر إليها بحب 

-طبعا جنانك كله لسة فاكره، رفعت رأسها تنظر إلى عيناه 

-بس مكنتش بتخليني اشربه، فاكر ولا لا ..وضع وجهه بعنقها يستنشق رائحتها 

-علشان كنتي بتتعبي بعد ماتشربيه، وهبوط ودوخة، نسيتي 

-يعني مكنش علشان الأوامر منك وخلاص 

ابتسم يداعب وجنتيها 

-وحتى ولو فيها ايه لما أمرك بحاجة 

تبعدي عنها علشان بضرك 

تنهدت قائلة:

-عايزة انام ياالياس ممكن ..نهض يسحب كفيها متجهًا بها إلى الفراش، نزع ثيابها الثقيلة وساعدها بالتمدد، والته ظهرها وانفجرت عيناها بالبكى، بعدما شعرت بنفورها من الاقتراب منها بعد خطفها..احس باهتزاز جسدها ليجذبها لأحضانه 

-ليه العياط دا بس..

-طلقني ياالياس، طلقني علشان ترتاح وتريحني ..أدارها إليه وحاول كبت مشاعره المأسوية، ورفع كفيه يداعب خصلاتها

-تقدري تعيشي بعيد عن حضني..هزت رأسها بالنفي مع دموعها، اقترب منها يزيل دموعها بخاصته يهمس بنبرته الأجش

-وأنا مقدرش ابعد عنك، ومتحاوليش تزعليني، انا هعديها المرة دي علشان تعبك بس، لكن غير كدا كنت عاقبتك عقاب يليق بقلبي اللي وجعتيه 

-ليه ترضى على نفسك انك..بتر حديثها بقبلة شغوفة بث فيها كل عشقه، لحظات بل دقائق وهو يقتنص من شهدها مايروي روحه الجافية 

بعد عدة ساعات فتحت الجميلة عيناها

بعدما شعرت بشيئا صلبًا تحت رأسها


ابتسمت وهي تغمضُ عينيها، ثمَّ رفعت رأسها إلى أن أصبحت بمقابلةِ وجهه، تطبعُ قبلةً على وجنتيهِ تدفنُ نفسها بأحضانه، تستنشقُ رائحتهِ بولهٍ تهمسُ لنفسها: 

-يااه مكنتش مصدَّقة هرجعلَك تاني وأشمِّ ريحتك وأنا في حضنك تاني، رغم كنت مقررة اهرب منك علشان اريحك مني

شعرت بكفِّهِ يرفعُ ذقنها لتغمضَ عينيها تهربُ من نظراته، إلَّا أنَّهُ اقتربَ يعانقُ خاصَّتها بكلِّ اشتياقٍ ولهفة..

-كنتي عايزة تهربي منِّي تاني وبعدهالِك فين عقلك ياميرال، طيِّب قلبك اللي طول الوقت بحبَّك بحبَّك..


لفَّت ذراعيها حولَ خصره:

-كنت خايفة ليكون حد..وضعَ أناملهِ على شفتيها: 

-ممكن تسكتي، أنا اتأكِّدت مفيش حد قرَّب منِّك..

اتأكدت إزاي ياإلياس إنتَ بتحاول تقنع نفسك ولَّا بتضحك عليَّا..هتقدر تنسى أن ..لم يشعر بنفسهِ سوى وهو يقومُ بتمزيقِ ثيابها وتحوِّلِ حالتهِ الجنونية:

-عايزة توصلي لإيه، قولتلِك مفيش حد قرَّبلك، دقائقَ حجيمُ من جهنمَ العشق على الاثنين، هو الذي يتخيَّلُ أحدهم اقتربَ منها ورغمَ حديثِ الطبيبةِ له، ولكنَّ وجودها بتلكَ الحالةِ وأنَّ أحدهم رأى مايخصُّه، جعلهُ يفقدُ عقله، أمَّا هي تريدُ أنَّ ماتشعرُ به ليسَ سوى كابوسًا وستفيقُ منه، تركت نفسها مع دموعها التي انسابت من شدَّةِ ماشعرت به..

شهقةٌ خرجت من فمها من شدة آلامها، لينهضَ بقلبٍ مهشَّمٍ وعينًا ماتت بها الحياة، وهو يبتعدُ عنها ، رفعت عينيها بنجومها التي انسابت على وجنتيها، فأدركَ نتيجةُ فعلتهِ النكراء، هزَّ رأسهِ متراجعًا بعنفٍ لما أوصلهُ إليها، ليهرولَ إلى المرحاض، يصفعُ البابَ خلفهُ بقوَّة، دارَ حولَ نفسهِ كالأسدِ الحبيس، يحطِّمُ كلَّ ما يقابله، حتى برزت عروقهِ وتحوَّلت عيناهُ لشظايا من جحيمِ جهنَّم ليشقَّ جوفهِ صرخةٌ كادت أن تزهقَ روحه، انتفضَ جسدها على إثرها تبكي بصمت، دقائقَ وهي عاجزةٌ حائرةٌ لتتوقَّفَ بساقينِ مرتعشة تجذبُ روبها وخطت بضعفٍ من شدِّةِ آلامها متَّجهةً إليهِ تدعو الله بسريرتها، أن يخفِّفَ عليهما تلكَ المحنة، وصلت إليهِ ودلفت للداخلِ بأقدامها الحافيةِ تبحثُ عنه، وقعت عيناها على المكانِ الذي أصبحَ شظايا متناثرةً من البلور، همست اسمهِ بعدما وجدتهُ جالسًا على الأرضيةِ الباردةِ كالطفلِ الذي فقدَ والديه..خطت إليهِ غير عابئةً لتلكَ الشظايا التي غرزت قدمها، ليخرجَ أنينها.. رفعَ عينيهِ إليها، فنهضً فزعًا، بعدما وجدَ دموعها التي شعرَ وكأنَّها تشحذُ صدره كالبلورِ الذي اخترقَ قدميها، تشبثت بذراعهِ وهي تطالعهُ بدموعِ عيناها..انحنى وحملها متجهًا للخارج، وضعها برفقٍ على الفراش، وجثى أمامها على ركبتيهِ يرفعُ قدمها يتفحَّصه، ثمَّ أخرجَ منها بعضَ الشظايا التي انغرزت به..شهقةٌ أخرجتها تضعُ كفَّيها على فمها لشعورها بالألم، انحنت تضعُ رأسها على كتفهِ وهو ينظِّفُ جروحها، رفعَ كفَّها وقبَّلهُ هامسًا بنبرةٍ معتذرة: 

-آسف..رفعت رأسها تنظرُ لعينيه: 

-على إيه ..احتضنَ يديها الاثنينِ وقبَّلهما مرَّةً أخرى: 

-على أيِّ حاجة..متزعليش منِّي، محستشِ بنفسي، أنا عصبيتي وحشة وكلِّ مرَّة بأذيكي من غير ما أحس.. 


انحنت تضعُ جبينها فوقَ خاصته:

-إلياس أنا بحبَّك أوي، مقدرشِ أعيش من غيرك، نفسي تحس بحبُّي وتثق فيه..ومش بزعل منَّك على عصبيتك علشان خلاص أخدت عليها أو ممكن تقول اتربيت عليها.. 

مسَّدَ على خصلاتها: 

-ربنا يخليكي ليَّا..ابتسامةٌ باهتةٌ تردِّد:

-ربنا يخلِّيني وتتعصِّب عليَّا كمان وكمان ..احتواها بين ذراعيه: 

-تقدري تمشي ولَّا أشيلك علشان تاخدي شاور..

تمدَّدت على الفراشِ بعدما ابتعدت عنه:

-لا أنا تعبانة وعايزة أنام، لمَّا أفوق هاخد شاور ..جلسَ بجوارها واستندَ على ذراعيهِ يمسِّدُ على خصلاتها، ذهبَ ببصرهِ إلى علاماته..أطبقَ على جفنيهِ يريدُ أن يحرقَ نفسهِ على ما فعلهُ بها..ارتفعت أنفاسهِ حتى لفحت عنقها لتشعرَ به:

-ممكن تاخدني في حضنك، بردانة ومفيش هدوم تقيلة ..تمدَّدَ بجوارها يمدُّ ذراعيهِ ثمَّ رفعَ رأسها وسحبها برفقٍ يضمُّها لأحضانهِ بحنانٍ كأنَّها طفلتهِ ثمَّ أخرجَ صوتهِ حانيًا على غيرِ عادته:

-هدوم تقيلة وأنا موجود، بتغلطي في جوزك..ابتسمت تدفنُ نفسها بأحضانه: 

-جوزي أحسن راجل في الدنيا ..ابتسمَ عليها وهو يتلاعبُ بخصلاتها هامسًا لنفسه: 

-وإنتِ الهوا اللي بتنفسُه، تذكَّرَ بعدما شعرَ بقلبهِ ينبضُ لها وهو يعاملها بقسوةٍ بعدما أحسَّ أنَّها احتلَّت كيانهِ وسيطرت على شخصيتهِ بالتفكيرِ بها، ذهبت ذاكرتهِ إلى إحدى أعيادِ ميلادِ إسلام وغادة؛ وهي تتراقصُ مع إسلام بتنورتها القصيرة وشعرها الذي رفعتهُ لأعلى ليظهرَ عنقها وفتحةَ صدرها من ذاكَ الرداءِ الأبيضِ الذي يصلُ إلى فوقِ الركبة ويضيقُ بمنطقةِ الخصر، حقًا حينها تخيَّلها كحوريةٍ نزلت من السماءِ والجميعُ ينظرُ إلى جمالها، شعرَ بنيرانٍ تكوي أوردتهِ وجميعُ أصدقاءِ إسلام وغادة ينظرونَ إلى رقصها مع أخيه، ليُخرجَ حممهِ البركانيةِ ويغلقَ الموسيقى ناهرًا إياها أمامَ الجميعِ ولولا تدخُّلِ مصطفى لألقاها صريعةً بذاكَ الوقت..لن ينسى تلكَ النظرةَ التي ألقتهُ بها كأنَّها رصاصةٌ اخترقت صدرهِ وحينها قررَّرَ الابتعادَ عنها ومعاملتها ببرودهِ وجفائهِ الذي أتقنهُ بحرفيةٍ لتشعرَ بكرههِ إليها..غفت بأمانٍ بأحضانه، لينهضَ من فوقِ الفراشِ بهدوءٍ بعدما دثَّرها، وأمسكَ هاتفه وسجائرهِ متحرِّكًا للشرفة..لحظاتٍ وأجابهُ شريف؛

-إنتَ فين يابني؟.. 

-إيه الجديد عندك؟..

-مفيش جديد، لسة التحريات بتحاول توصل للبيت دا، بس دا بيت قديم صاحبه مسافر بقالُه أكتر من عشرين سنة..

-مالوش قرايب..أجابهُ شريف بالنفي: 

-لا..طيب ياشريف شوف أقرب كاميرات للمكان، إن شاءالله تفتِّش في كلِّ البيوت، لازم أعرف مين اللي اتجرَّأ ووصل لمراتي.. 

-طيب ياإلياس متنساش إننا بنتحرَّك من غير القانون، يعني ممكن ..قاطعهُ بنبرةٍ جافة:

-إحنا القانون ياشريف نسيت ولَّا إيه.. 

-متهزرشِ ياإلياس الموضوع مش سهل..

نفثَ سيجارتهِ ينظرُ للخارج: 

-وأنا مابهزرشِ ياحضرةِ الظابط، أنا هعمل قانون لإلياس السيوفي وملخَّصه اللي يقرَّب منِّي هدفنه حي، تخيَّل بقى اللي يخطف مراتي دا أعمل فيه إيه.. 

-تفتكر الجماعة الإرهابية اللي كانت بتكتب عنُّهم؟..

-مفيش غيرهم، المهم إنتَ حاول تعرف توصل لحاجة، أنا قدَّامي أسبوع لحدِّ ماأرجع..

-آه نسيت أقولَّك راكان البنداري بعتلَك وعايزك في مكتبه.. 

قطبَ جبينهِ بتساؤل: 

-مين راكان البنداري دا؟!

-وكيل نيابة مصر الجديدة..

-ودا عايز إيه منِّي، تمام وقت ماأنزل يبقى أعدي أشوفُه عايز إيه.. 

-أكيد بتهزَّر بقولَّك وكيل نيابة يعني ممكن فيه قضية وعايزك فيها.. 

إيه يعني وكيل نيابة هو أنا متَّهم علشان أروح لعندُه وقت مايبعت، قولت لمَّا  أنزل.. أنا برَّة القاهرة ومش هسيب مراتي تعبانة علشان حضرتُه بعتلي، ياله سلام..قالها وأغلقَ الهاتفَ ينفثُ سيجارتهِ بغضب، إلى أن تذكَّرَ شيئًا فاتَّجهَ يهاتفه.. 

بمنزلِ أرسلان: 

تململَ بنومهِ على رنينِ هاتفه، جذبهُ ومازالَ مابينَ النومِ واليقظة، رفعهُ على أذنه:

-أيوة...على الجانبِ الآخرِ ابتسمَ على صوتهِ النائم:

-كمِّل نومك ولمَّا تصحى هكلِّمَك.

-تمام ..قالها وأغلقَ الهاتف، لينيرَ وجههِ بابتسامةٍ وهو يتذكَّرُ أوَّلَ لقاءاتهما..


بحث عن زوجته، نهض يبحث عنها وجدها تجلس بأرضية المرحاض تقوم بإخراج مافي جوفها..ذهل من حالتها فتحرك سريعًا يرفعها من فوق الأرضية 

-غرام مالك حبيبتي 

استندت تشير إلى الفراش

-نومني ياارسلان مش قادرة اقف..حملها واتجه بها إلى الفراش يدثرها ثم انحنى يطبع قبلة فوق جبينها 

-هعملك حاجة سخنة 


عند إلياس 

مرَّت بعضَ الدقائقَ ومازالَ بالشرفةِ رغمَ برودةِ الطقس، ولكنَّ شرودهِ بالتفكير لم يشعرْهُ بشيئٍ سوى على صرخاتها باسمهِ بالداخل..استدارَ سريعًا: 

-اشش اهدي أنا هنا خلاص ..احتضنتهُ تبكي بصوتٍ مرتفعٍ كلَّما تذكَّرت ماصارَ لها..ظلَّ يقرأُ إليها بعضَ آياتٍ من الذكرِ الحكيم حتى غفت مرَّةً أخرى ليتسطَّحَ بجوارها ويجذبها لأحضانهِ ذاهبًا بنومهِ.


بمنزلِ آدم ..قبلَ أيام: 

دلفَ للداخلِ بعدما حدثَ بينهما الاقتراب، دفعَ البابَ يبحثُ عنها، دارَ كالمجنونِ بعدما وجدَ خزانتها مفتوحة ..دارت بهِ الأرضُ يهزُّ رأسهِ غير مصدِّقٍ ماصار، لم يستطع كبحَ هياجِ غضبهِ ليهرولَ للأسفلِ يصيحُ باسمِ مريم: 

-مريم فين إيلين، بدَّور عليها مش فوق.. 

خرجَ زين من مكتبه: 

-مالك ياآدم فيه إيه يابني..رفعَ عينيهِ يطالعهُ بحزن:

-إيلين مش فوق يابابا.. 

إيه..قالها زين بقلبٍ منتفض، ثمَّ اقتربَ منهُ وعينيهِ تخترقهُ بتساؤل:

-إيه اللي حصل..اتَّجهَ إلى سيارتهِ دون حديثٍ وهو يأكلُ الأرضَ بخطاويه..وصلَ إلى بابِ السيارةِ ورفعَ هاتفه: 

-ألو أيوة بقولِّك وصَّليني بالظابط اللي ماسك قضية يزن بسرعة يارحيل..

-فيه إيه؟!

-رحيل بسرعة قبلِ ماتخرج من القاهرة لو سمحتي ..

-مش لمَّا أفهم إنتَ عايزه ليه، وبعدين دا مش ظابط، دا وكيل نيابة ومعرفة خالك مش أنا..

تمام ..قالها وأغلقَ الهاتفَ وهو يحاولُ الاتصالَ بها ولكن لا يوجد رد ..وصلَ إلى قسمِ الشرطة، ولكنَّهُ توقَّفَ متراجعًا يهمسُ لنفسه:

-هروح أقولُّهم إيه..استمعَ إلى رنينِ هاتفه: 

-أيوة يابابا فيه أخبار ..ارجع ياآدم بلاش بلاغ يابني هي اللي مشيت 


تنفَّسَ بعمقٍ وتحرَّكَ واستدارَ مغادرًا المكان. 

عندَ إيلين:

ناولتها رؤى كوبَ مياهٍ ثمَّ جلست بجوارها: 

-كويسة..أومأت لها تزيلُ عبراتها، ثمَّ رفعت عينيها إليها: 

-قولتي إيه يارؤى مكنشِ قدامي حد ألجأله غيرك.. 

ربتت على كتفها: 

-حبيبتي متقوليش كدا، الصراحة مقدرشِ أكلِّم إلياس في الوقت دا، وزي ماإنتِ شايفة عامل حصار عليا ومنعني من الخروج، خليكي معايا يومين لحدِّ مالدنيا تروق بينا وأفهِّمه، إنَّما أتصل بيه دلوقتي دا لو طالني هيموِّتني..

ابتسمت إيلين عليها رغمَ حزنها: 

-اعذريه مراته برضو وأنا حاولت أفهِّمك إن سيف دا بتاع مصلحته.. 

-أعمل إيه في قلبي بس ..مكنتش أعرف هيكون بالقذارة دي..

ربتت على كفِّها ثمَّ أردفت:

-متزعليش، بس واللهِ فرحانة فيه من اللي عمله فيه إلياس يستاهل. 

ابتسمت رؤى بحزنٍ قائلة:

-ماأنا انضرِّيت كمان.. 

-مفيش ضرر ولا حاجة، إنتِ مش قولتي سحب ورقك من الجامعة، يعني لمَّا تروحي جامعة تانية محدِّش هيعرف ..أومأت لها تشيرُ على قلبها: 

-ودا أعمل فيه إيه..تذكَّرت إيلين آدم فابتعدت بنظراتها تهمسُ بخفوت:

-دا عايز ينضرب للأسف، قلوبنا الخائنة حبِّت أشخاص غلط.. 


استمعت إلى رنينِ هاتفها فالتقطته: 

-دا إلياس ..أجابتهُ سريعًا:

-مين عندك، وإزاي تدخَّلي حد من غير إذني ..توقَّفت مبتعدةً عن إيلين تهمسُ حتى لا تستمعَ إليها:

-دي صحبتي إيلين في كلية طب أكيد ناسيها ..

-عارف إنَّها صاحبتك، عارفة لو الواد الحقير دا هوَّ اللي بعتها هولَّع فيكي من غير مايغمضلي جفن..

-خلاص بقى يالياس ، قولتلك دي صحبتي مش تبع سيف متخافشِ هيَّ زيك مابتحبوش..

-بتعمل عندك إيه وكليَّاتكم مختلفة؟.. 

-بعدين لمَّا أشوفك هقولَّك، إنتَ هتيجي إمتى؟.. 

حاوطَ جسدَ ميرال وتحرَّكَ للخارجِ ثمَّ أجابها:

-يومين كدا أنا برَّة القاهرة، البنت دي داخلة بشنطة هتقعد معاكي ولَّا إيه؟..

-يعني حاجة زي كدا..المهم فيه حاجة مهمَّة كان لازم تعرفها.. 

-بعدين..خلِّي بالك من نفسك..قالها وأغلقَ الهاتف.. 

توقَّفت تطالعهُ بألمٍ انبثقَ من عينيها: 

-تأكدي كلِّ علاقتي بيها ماهيَّ إلّّا العطف، دي بنت في عالم مليان ذئاب بشرية، مقدرشِ أسيبها غير لمَّا أطَّمن عليها.. وإنتِ عارفة العلاقة بينا من زمان، من أوَّل ماجبتها على البيت..

-بس كنت هتتجوِّزها ياإلياس.

حاوطَ جسدها بين ذراعيه: 

-لازم تشكريها على فكرة ..

لا والله أشكرها على وجع قلبي، ولَّا على إيه..

ضمَّها لأحضانهِ يحرِّكُ كفِّه بحنانٍ على ظهرها:

-لا، علشان من وقتها وأنا مجنون بيكي وبقيت خايف أخسرك ..عرفتني قدِّ إيه تعنيلي، وقدِّ إيه حياتي مالهاش لازمة من غيرك..

خرجت من أحضانهِ تنظرُ إليهِ بابتسامة: 

-إن كدا لازم أشكرها تصدَّق.. 

رفعَ حاجبهِ متمتمًا:

-دي تريقة ولَّا إيه..هزَّت رأسها بالنفي: 

-أبدًا مش تريقة، فعلًا حسيتك اتغيَّرت من يوميها.. 

وصلَ إلى الشاطئِ وجلسَ وأجلسها بأحضانهِ ينظرُ للبحر: 

-ميرو عايزك تحكيلي كلِّ حاجة حصلت معاكي من وقتِ ماخرجتي من بيت رؤى كلِّ تفصيلة، مين اللي كلِّمك وقالولك إيه، وفيه حد اتكلِّم قدَّامك بحاجة.. 

رفعت رأسها للخلفِ تطالعهُ من فوقِ عينيها: 

-مين الناس دي ياإلياس، وكانوا عايزين منِّي إيه؟..

اتقدَّ الغضبِ كالنيرانِ المشتعلة وعينيهِ التي أصبحت ثورة من الانتقام، حتى لم يشعر بنفسهِ وهو يضغطُ على خصرها بقوَّةٍ آلمتها..أطبقت على جفنيها تحاولُ كتمَ آهاتها الصارخة ..لحظات وهي تضغطُ على شفتيها وتطبقُ جفنيها، إلّّا أنَّها لم تعد تحتمل ضغطهِ لتنتفضَ من بينِ أحضانهِ بعيونٍ باكية، نكسَ رأسهِ بأسفِ وحاولَ الضغطَ على غضبهِ الذي أخرجهُ عن سيطرته،فهتفَ بصوتٍ مهتزٍّ كالخطوطِ المتعرجة:

-آسف ..قالها ونهضَ ينفضُ ثيابهِ متحرِّكًا للداخل، تنهيدةٌ عميقةٌ تنظرُ بشرودٍ على آلامها التي مازالت تنزف، تعلمُ أنَّهُ قاسٍ بردودِ أفعالهِ ولكنَّها تعشقهُ بكلِّ حالاته، حاولت تغييرهِ بحالاتهِ المتقلِّبة، ولكنَّها عجزت ..لمست شفتيها التي مازالت آثارُ هجومهِ عليها منذُ الأمسِ وتذكّّرت حديثه: 

-حضني هيئذيكي، علشان كدا كنت ببعد ..زفرةٌ حارقةٌ على نبضها المتقطِّع من مجرَّدِ تفكيرها بالبعدِ عنه..نهضت متَّجهةً إليه، دلفت تبحثُ عنه وجدتهُ يقومُ بعملِ قهوته، تحرَّكت تقفُ خلفه: 

-دا رابع فنجان قهوة من غير أكل ..

التفتَ إليها للحظاتٍ ثمَّ عادَ يكملُ ما يفعله: 

-بلاش أسئلة غبية ياميرال، دا تقوليه لوحدة مش متربية معايا، حاولت جذب فنجانهِ ولكنَّها لم تقو، رفعهُ لفمهِ يرتشفُ منهُ ثمَّ أشارَ إليها:

-اقعدي كلي علشان الدوا، وأنا هخرج أعمل كام تليفون..

احتضنتهُ من الخلفِ تضعُ رأسها على ظهره:

-إحنا لازم نتكلِّم، مش هتروح في حتة، من وقت ماجبتني هنا وإنتَ بتهرب منِّي ..استدارَ إليها يطالعها بعيونٍ متسائلة:

جذبت فنجانَ قهوتهِ ووضعتهُ على الطاولةِ ثمَّ سحبت كفِّه وتحرَّكت بهِ للخارج: 

-مش عايز تقولِّي حاجة ياإلياس، ليه مش عايز تقولِّي مين اللي خطفني، وعايزين إيه؟..

رفعَ ذقنها يسبحُ بعينيها:

-عارف إنِّك بتحبيني، ومقدرشِ أمنعك عن حلمك وحياتك،  بس أنا مش مرتاح لشغلك دا، ياأما تغيَّري القسم، اكتبي في حاجة تانية بلاش السياسة..


حاوطت عنقهِ ترفعُ نفسها ثمَّ طبعت قبلةً سريعةً على خاصته:

-خايف عليَّا ولَّا خايف على اسمِ إلياس السيوفي؟.. 

-إنتِ شايفة الاتنين يفرقوا ياميرال..هوَّ إيه ميرال و إيه إلياس إنتِ مراتي يعني شايلة اسمي.. 

تراجعت للخلفِ تهزُّ رأسها: 

-أيوة صح الاتنين زي بعض..رفعت رأسها وغرزت عيناها بمقلتيه: 

-بدل الاتنين زي بعض يبقى لازم لميرال كيان زي إلياس مش كدا ولَّا إيه، ينفع أقولَّك سيب شغلك علشان خايفة يعملوا فيك حاجة، مش دول اللي كنت بتحقَّق معاهم وحوَّلتهم السجن العادي علشان تعرف تخطَّط حلو، الواد كان مذنب أو بمعنى أصح دخل لعبة غصب عنُّه ومن قلِّة خبرتُه اتمسك، تقوم تعمل إيه علشان توقَّعهم تنقلُه سجن عادي فيحصل زيارات وتعرف توصل هوَّ وراه مين، رغم إنَّك برَّأته من تهم السياسة بس تفكيرك في حاجة تانية.. 

نظراتٌ مذهولةٌ لما ألقتهُ عليه، كيف علمت بما يخطِّطُ له ..اقتربت منهُ بعدما لمحت ذهوله: 

-متفاجئ ليه ياحضرةِ الظابط، دا الطبيعي اللي في دماغ إلياس السيوفي، ماهو مش معقول من يوم وليلة الواد يطلع مظلوم لا وكمان حضرتك تخِّلي أبوه يقابله وتعتذر، إنتَ شايف إن إلياس فيه الحركة دي، حتى لو غلط.. 

جذبها من خصرها وأفلتَ ضحكةً عاليةً رغمَ ما مرَّ به إلا أنها أخرجته ببراعتها 

-لا ذكية ياميرال هانم 

-أكيد مش مرات حضرتك لازم اكون ذكية، انا متجوزة اي حد 

مرَّرَ أناملهِ على وجهها ثمَّ انحنى يطبعُ قبلةً بجانبِ ثغرها: 

-لا اتجنني ولازم أخدك تحت فريقي ..طالعتهُ برفعِ حاجبٍ تشيرُ إلى نفسها بتكبُّر:

-تحت فريقك، أنا فريقك كلُّه ياحبيبي، يعني كلِّ إلياس السيوفي ليَّا لوحدي ماهو مش هتحمِّل أحضانه المؤذية ببلاش.. 

دفنَ رأسهِ بعنقها وبانفاسهِ الحارَّة همس: 

-كلِّي ملكك ياحياة إلياس كلَّها ..لفَّت ذراعها حولَ خصرهِ وشعرت بالسعادةِ من مجردِ كلماتٍ تهمسُ له:

-جعانة وعايزة آكل سمك وأسهر معاك..

رفعَ رأسهِ محتضنًا وجهها:

-أنا هنا علشان إنتِ تكوني سعيدة وبس، كلِّ اللي نفسك فيه أطلبيه وهتلاقيه متنفِّذ.

-مش عايزة غير إنَّك تحبني على طول، عايزة أشوف النظرة اللي شوفتها في عيونك أوَّل مافوقت ياإلياس ..حسيت وقتها إنِّي أهم مخلوق عندك.. 

أومأ لها وأشارَ إلى ملابسها: 

-تمام غيَّري علشان نخرج الجو متقلب،  متنسيش إننا لسة في الشتا، وشرم غير القاهرة، فيه هدوم في الشنطة إلبسي كويس


بمكتب اسحاق 

-ودول ممكن يكونوا مين، مين اللي عايز يأذيه كدا 

نفث سجائره وتراجع بجسده

-معرفش لو اعرف كنت قولت لك ..استمع الى رنين هاتفه 

-أيوة ياملوكة ...على الجانب الآخر تقف بشرفتها

-وحشتني انت فين، مش قولت هتيجي الخميس والنهاردة الجمعة، لازم تيجي بقى يااما تيجي تاخدني اعيش معاك 

-حاضر حبيبتي، هكلم غرام واشوفها لو فاضية هنيحي 

تحركت وتحدثت بحدة

-ايه اكلم غرام دي، هو انت بتاخد موافقتها علشان تيجي، انا بقولك وحشتني 

-اقفلي علشان لو انت قدامي مش عارف هعمل ايه ..قالها واغلق الهاتف 

رفع اسحاق رأسه متسائلًا:

-مالها دي كمان ..توقف يجمع اشيائه

-قولت لك مليون مرة ياعمو ملك مش عجباني حياتها، نٓانٓا مدلعها بطريقة اوفر، بس على مين والله لاجبها واظبطها

هب من مكانه يشير إليه 

-ماترحش عند جدتك سمعتني..توقف مستديرا 

-ليه، ايه اللي مخبيه يااسحاق ..اقترب منه وحاوط ذراعيه 

-اللي مخبيه اني بحبك اكتر من اي حاجة في الدنيا 

-كذاب يابن احلام، شوية وهتقولي هات حضن، روح لمراتك يااخويا مش ناقص تلزيق رجالة فاضية ..قالها وتحرك مغادرا..نظر إلى مغادرته بذهول 

-يخربيتك، الواد قال ايه ..قالها ثم أطلق ضحكاته، متجهًا إلى هاتفه ليحادث زوجته 


عند راجح بمكتبه وضع الرجل بعض الصور

-دي البنت اللي طلبنا منها أنها توقعه، بس البنت رفضت، وهددتنا تقوله، لولا هددنا أننا هنقتله، شكله معجب بيها بس بيداري، كانت في ملجأ وهربت وهي عندها خمس سنين وهو اتولاها، اخدها عند والدته لحد ماتمت 18 سنة ودخلت الجامعة، جبلها بيت وخدم، كانت بتحب معيد في الجامعة بس المعيد مرتبط وشكلها مزقوقة بحبه، ضحك عليها بورقة عرفي بس إلياس عرف ومسكتش وراح للمعيد وخلاه يكتب عليها غصب عنه وبعدها طلقها، المشكلة أنه ماسكتش ونزل صوره معاه وأثبت للجامعة أنها بتجري وراه كتحدي لالياس، بس إلياس عزله من وظيفته بفضيحة بوضع مخل 

-ايه الواد القادر دا، دا ابن فريدة مستحيل ..تابع حديثه 

-وصل لصاحب البيت اللي كنا خاطفين فيه مراته واشتراه وولع فيه ياباشا 

-نعم يااخويا .قالها مزمجرا ودفع المقعد..تراجع للخلف مطأطأ رأسه للخلف 

-مش بس كدا ياباشا، انتظر حديثه فتمتم الرجل بتقطع 

-وصل للسواق وطبعا الراجل خاف لنقتله مرديش يتكلم رغم تهديده، فقطع لسانه، وقاله علشان ماتتكلمش خالص، ودلوقتي بيدور على الراجل التاني 

-اطلع برة ياعطوة بدل مااموتك، بررررة ..بدأ يتحرك بالغرفة وفقد السيطرة على نفسه، ثم رفع هاتفه

-أنا ماليش دعوة الواد دا عايز اتخلص منه، سامعني، لو فيه رقاب، وزي ماقالت رانيا هقلب عاليها واطيها 


عند يزن يجلس على جهازه، قام باختراق شركة راجح، رفع هاتفه وتحدث

-كدا الجهاز اخترق، عايزك تدخل الشركة بحجة وتعمل في الأجهزة الحسابية زي ماهقولك بالظبط 

-تؤمر ياباشمهندس..اغلق الهاتف ونقر على مكتبه 

-اهبل ياطارق مفكرني هخاف منكم يالا، بس اللي مش فاهمه ليه الواد دا سافر فجأة بعد ماكان المفروض هيتجوز..دلفت ايمان تعقد ذراعيها

-مها برة وعايزة تشوفك

-تشوفني انا ليه؟!

-معرفش!!..نهض مقتربا منها 

-مالك يابت بتكلميني كدا ليه 

أشار إليه بسبباتها:

-والله لو ناوي ترجعلها هسبلك البيت وامشي ..امسك سبابتها وغمز إليها 

-طيب بلاش الصلاه دا ممكن تهددي بالصباع التاني ..افلتت ضحكة تلكمه بصدره 

ابتسم يحاوط جسدها وتحرك بها للخارج


عند إلياس 


بعدَ فترةٍ كانا يجلسان بالمطعمِ يتناولانِ الطعام ..رفعت نظرها بعدما وجدتهُ صامتًا ولم يتناول شيئا:

-مش بتاكل ليه، طيب إنتَ بتحبِّ الأسماك ..تراجعَ بظهرهِ يهزُّ رأسه: 

-شبعان كلي إنتِ..تركت الشوكةَ والسكينَ وتناولت محرمةَ الطعامِ قائلة:

-وأنا شبعت خلاص..نظرَ للطعامِ ثمَّ رفعَ عينهِ إليها:

-بس مأكلتيش حاجة ..ابتعدت بنظرها متمتمة:

-شبعت ..اقتربَ يجذبُ السكينَ وبدأ يقطعُ لها الأسماك ويضعها أمامها: 

-طيب ياله كلي، وهاكل معاكي أهو، اتَّجهت إليه: 

-يعني طفل علشان أتحايل عليك علشان تاكل ياإلياس، بقالك يومين ماأكلتش حاجة، هتفضل كدا.. 

بدأ يتناولُ الطعامَ بهدوءٍ محاولًا ألَّا يتعصَّبَ عليها، أشارَ بعينيهِ إلى طعامها: 

-طيِّب كلي علشان عاملِّك مفاجأة.. 

ابتسمت كالطفلةِ متسائلة:

-إيه هيَّ حبيبي..توقَّفَ عن الطعامِ بعدَ نطقها بتلكَ الكلمة التي تجعلُ قلبهِ معذوفةٌ موسيقية..أشارَ للطعامِ ولمعت عيناهُ بالسعادة: 

-طيِّب كلي، هيَّ تبقى مفاجأة إزاي؟!

بدأ يتناولُ الطعامَ مع حديثها في مختلفِ الأحاديث حتى ينهي طعامه، نظرت إلى الطعامِ الذي تناولَ معظمهِ فابتسمت قائلة:

-أكلت أهو، كنت عايز بس اللي يفتح نفسك علشان تاكل وطبعًا دا مش هتلاقيه غير عندي.. 

بسطَ كفَّيهِ يحتضنُ أناملها ثمَّ توقَّفَ يسحبها إلى ساحةِ الرقص، تلفَّتت حولها: 

-إنتَ حاجز المطعم كلُّه..لفَّ ذراعيهِ يحاوطُ خصرها ثمَّ أومأ برأسه:

-مش قولتي عايزة تكوني أهمِّ واحدة عندي ..ارتعشَ فؤادها بدقَّاتهِ تومئُ برأسها ولمعت عينيها بنجومها: 

-بس مش قصدي دا، طالعها بعيونٍ ساحرةٍ كغيماتِ المطرِ التي حجبت الضوءَ يتراقصُ على أنغامِ الموسيقى.. 

-فاهم قصدك كويس، وبحاول أترجمه بكلِّ الطرق اللي بتحبِّيها، مكان على البحر وإنتِ في حضنِ حبيبك، وموسيقى بتحبيها وشموع حواليكي.. 

انحنى بصوتهِ الأجشِّ يهمسُ لها:

-مفيش أغلى منِّك صدَّقيني، وتأكدي حبِّي مش بيترجم بالكلمات، مفيش في قاموس الحب اللي يعبَّر عن اللي بحسه وإنتِ في حضني.. 


-إلياس قولِّي مش بحلم، ولا كابوس وحياتي..

اقتربَ بخاصتهِ من وجهها الذي يشعُّ بهاءً ونبضاتهِ التي تخترقُ داخلَ صدره.. 

"أنتِ نبضةُ عشقٍ امتلكت قلبي، حتى أصبحتي بكلِّ حرفٍ أكتبه وكلِّ نفسٍ أتنفسه، فبعدكِ الشوقُ يقتلني والحنينُ يمزِّقني وأشعرُ بوهجٍ يعتصرُ فؤادي، فلا تبتعدي عن محيَّاي"


تلاشت قدماها حتى أصبحت كالهلامِ ليرفعها ويدورُ بها وضحكاتها بالارتفاعِ وهي تعانقهُ وتهمسُ كلمةً من أربعةِ حروفٍ فقط ولكنَّها تزنُ بقلبهِ الآلاف ثقلَ الجبال:

"بحبَّك..بحبَّك"


مرَّ أسبوعينِ حتى نجحَ في إخراجها مما مرَّت به، وتناست ماشقَّ صدره.. 

وصلَ إلى القاهرةِ ودلفَ بسيارتهِ بصحبةِ إسلام إلى ساحةِ الفيلا، كانت فريدة تنتظرُهما بلهفة، هرولت إليها تضمُّها بحنانٍ أمومي:

-عاملة إيه ياروح ماما؟..

-كويسة حبيبتي، استدارت إليه: 

-مش هتدخل..لوَّحَ بيديه: 

-عندي شغل، ادخلي ارتاحي من السفر، وكلِّميني لمَّا تفوقي..

أومأت فتحرَّكَ مغادرًا، كانت فريدة عيناها خلفهِ تنظرُ إليهِ بحزنٍ على شعورها بالندمِ من حديثها القاسي معه..


وصلَ بعد قليلٍ إلى مكتبه، تحرَّكَ فريقهِ خلفهِ متَّجهينَ إلى غرفةِ الاجتماعات بناءً على طلبه: 

-إيه أخر الأخبار..فتحَ جهازهِ وأشارَ لأحدهم بالحديث: 

-بعد الولدِ مااتقتل مالهمشِ صوت، وكمان عملنا كذا حملة على الأماكنِ المشبوهة..

-أبو الولد إيه أخباره؟..

تحدَّثَ شريف:

-مش عارف ياإلياس، بس تصدَّق بعد موت ابنه بأسبوع سافر مع مراته لبنان.. 

-سافر..قالها وهو ينقرُ فوقَ مكتبه: 

-تمام، العيال التانية طلبت ينقلوهم عندنا، ممنوع مخلوق يشوفهم، ولا يشوفوا نور ربنا، أشارَ لأحدهم:

-كلِّ تليفونات أبو الولد تتراقب، وأخوه، وخليك وراهم عايزين نعرف ليه عايزين يخلصوا من المهندس..

وإنتَ، شركةِ العامري يكون فيها عين لينا هناك، لازم أعرف الناس دي بتخطَّط لإيه..

-معقول تكون شاكك في العمري ..نهضَ من مكانهِ وتحرَّكَ إلى ثلاجته: 

-مش العمري بالظبط، الناس اللي دخَّلهم راجح حاسس أنُّهم واجهة مش أكتر، وخصوصًا بعد مابنته استلمت الشركة، البنت معندهاش خبرة، عايزين نعرف بيخطَّطوا لإيه، مش يمكن تمويل إرهابي..

مطَّ شفتيهِ يهزُّ أكتافه: 

-ممكن كلِّ شيئ جائز ..انتهى الاجتماع ثمَّ اتَّجهَ إلى مكتبهِ فأوقفهُ شريف:

-جالك استدعى تاني من النيابة، مش هتروح ..نظرَ بساعةِ يدهِ يومئُ له:

-هعمل كام حاجة وأعدي عليهم، بس مش غريبة عايزيني في إيه؟!.. 

-ممكن علشان خطف مدام ميرال.. 

أشعلَ سيجارتهِ يهزُّ رأسهِ بالنفي: 

-استدعاء نيابة يبقى لازم بلاغ، وأنا مابلَّغتش، على العموم هعرف..

بعدَ فترةٍ اتَّجهَ إلى مكتبِ راكان، توقَّفَ  أمامَ مكتبهِ يتحدَّثُ مع مسؤوله: 

-عندي ميعاد مع سيادةِ المستشار.

دلفًَ العسكري وخرجَ بعدَ لحظاتٍ يأذنُ لهُ بالدخول، دلفَ ملقيًا التحيةَ ثمَّ اقتربَ من مكتبه: 

-أهلًا بحضرتك..أومأ راكان مشيرًا إليهِ بالجلوسِ ثمَّ أردف:

-راكان البنداري..ابتسمَ إلياس وأجابه:

-عارف حضرتك مش محتاج تعرَّف عن نفسك..

تراجعَ راكان يتلاعبُ بقلمهِ وعينيهِ عليهِ ثمَّ تمتم:

-بس من طبيعة عملي لازم أعرَّف عن نفسي للي قدَّامي حتى لو متَّهم..

شعرَ إلياس بغرورِ حديثه، وكأنَّهُ يلقيهِ  بحديثٍ ذاتَ مغذى: 

-سامع حضرتك، عرفت إنِّ حضرتك طلبت تقابلني..

اقتربَ راكان يستندُ على مكتبه: 

-حمدالله على سلامةِ المدام، مش المدام كانت مخطوفة ليومين بلياليهم ولَّا إيه..


دقيقة استغرقها ليستوعبَ معنى حديثه، حتى اشتعلَ داخلهِ بنيرانٍ حارقةٍ اتَّقدت كالبنزينِ الذي يزيدُ اشتعالًا، ورغمَ ذلك حدقهُ بنظرةٍ ثابتة، وحاولَ النطقَ بصعوبة:

-دا محصلش..

ثارت أعينُ راكان بلهيبِ الغضبِ والعجزِ معًا:

-يعني إيه، فيه بلاغ متقدِّم إن مرات حضرتك كانت مخطوفة ليومين.. 


كان جامدًا صلبًا كالجبلِ أمامه، ورغمَ ذلك رفعَ عينيهِ وأجابهُ بنبرةٍ ثابتة:

-وأنا جوزها وبقولَّك محصلش، وكنَّا بنتفسَّح، وحضرتك وكيل نيابة وتعرف أنا كنت فين بقالي أسبوعين..


دقَّقَ راكان النظرَ بعينيهِ الجامدةِ وصفعتهُ الذكرياتِ العاتيةِ ليتراجعَ بنبرةٍ لينة: 

-عارف إن حياتنا بتكون على المحك، لو سمحت ساعدني علشان نجيب حق مراتك..

نهضَ من مكانهِ يغلقُ حلَّتهِ السوداءَ وأجابهُ بحزم:

-شايف إن حضرتك بضيَّع وقت..

هاجت جيوشُ غضبِه الذي تجلَّى بعينيه، فألقاهُ بنبرةٍ ساخطة:

-إنتَ هنا مش ظابط، إنتَ هنا جوز المجني عليها..انحنى إلياس وثبَّتَ عينيهِ بحدقيته:

-مفيش مجني عليها، وأنا شايف إنِّ فيه قضايا أهم المفروض تهتمّ أكتر بيها، يعني لمَّا اتنين يموتوا في أسبوع واحد في قضايا مهمَّة وهمَّا تحت الضبطة الأمنية دا نهتمِّ بيه أكتر من انشغال حضرتك بمشاكل خاصة..

فتحَ راكان فاههِ ليوبخههُ إلَّا أنَّهُ لم يعطيه الفرصة قائلًا:

-لمَّا آجي لحضرتك وأشتكي يبقى من حقَّك تسألني، غير كدا محدش له الحق يستجوبتي أنا هنا مش متَّهم، ومراتي في بيتي، أمَّا سوء الفهم دا فأنا بعتذر لحضرتك عليه، وشكرًا لانشغال معاليك..

-بعد إذنك ...قالها واستدارَ للخروجِ بدخولِ جاسر الذي أومأ لإلياس ثمَّ

رفعَ نظرهِ إلى راكان ينظرُ إليه متسائلًا بعدما وجدهُ عيناهُ تلاحقُ إلياس الذي توقَّفَ على بابِ مكتبه:

-عندي حفلة بكرة هكون سعيد لو حضرتك نوَّرتنا، بس أهمِّ حاجة عندي حاليًا تعرف سبب الاتنين اللي ماتوا في قضايا تمسِّ أمنِ البلد وآسف لحضرتك مرَّة تانية ..قالها وغادرَ مغلقًا البابَ خلفه.. 

زفرةٌ حادةٌ خرجت من جوفه:

-مالك فيه إيه وماله ابنِ السيوفي، مش دا ابنِ السيوفي، شوفته مرَّة مع والده.. 

مسحَ على وجههِ بغضب: 

-الواد دا لازم تراقبُه أربعة وعشرين ساعة، شكلُه مش ناوي على خير، مراته تتخطف، ياخدها فسحة وبعد كدا جاي يعمل حفلة، شكله مش مريَّحني غير أنُّه متهوِّر زيك..

-نعم ياأخويا، هو علشان ابنِ السيوفي حرق دمَّك تاخدني في طريقه، أنا مالي ومالكم إنتَ ودانك بطلَّع نار منُّه. 

أنا مالي أنا..جزَّ على شفتيهِ ينظرُ إليهِ بغضب:

-الواد  دا واخد في نفسه مقلب..

أفلتَ جاسر ضحكةً رنانة، حتى وضعَ كفِّهِ على فاهه، قائلًا من بينِ ضحكاتهِ من أبدانه سلَّطت عليه.

-يعني إيه ياستِّ أمِّ عزة..

توسَّعت عيناهُ يشيرُ إلى نفسه: 

-أنا الستِّ أمِّ عزة، وإنتِ إيه تيتا أمِّ عزة ..توقَّفَ من مكانهِ يجمعُ أشيائهِ يتمتمُ بغضب:

-لا وبيعزمني ابنِ السيوفي على حفلة، واللهِ نفسي أروح أدفنه في حفلته دي..

أطلقَ جاسر ضحكاتٍ مرتفعةٍ يصفعُ كفَّيهِ ببعضهما: 

-لا دا شكله مضايقك أوي ياكبير..


بعدَ عدَّةِ ساعاتٍ على طاولةِ العشاءِ بفيلا السيوفي:

-مين اللي عمل بلاغ بخطفِ ميرال؟..

ارتجفَ جسدها تنظرُ إلى مصطفى الذي أشارَ بعينيهِ إليها، فتحت فاهها للتحدُّثِ إلَّا أنَّ مصطفى أوقفها: 

-أنا ..استدارَ يرمقُ والدهِ بصمت، ثم تراجعَ بجسدهِ وجذبَ محرمةَ الطعامِ يمسحُ فمهِ قائلًا:

-ماهو الظابط رؤوف قالِّي باباك جه عمل بلاغ بس مصدَّقتش..

زاغت أبصارُ مصطفى وعلمَ أنَّهُ يراوده، فأومأ بصمت..توقَّفَ إلياس بعدما ألقى محرمتهِ هاتفًا بنبرةٍ حادة: 

-حياتي انا ومراتي مش مسموح لحد يدخَّل فيها، أنا عارف إنَّها بنتك وحضرتك خايفة عليها بس أكيد مش قدي، ياريت تفكري كويس قبل ماتعملي حاجة ..ثمَّ اتَّجهَ إلى والده: 

-فيه حفلة بكرة انا كلَّمت المنظمين، وكمان الطقم الخاص بالإعلام علشان ينشروا الخبر، ودعوات للناس المهمَّة 

لازم أغطي على اللي عملته مدام فريدة، قالها وتحرَّكَ للأعلى.. 

تابعتهُ بعينيها فأشارت إليها: 

-قومي ورا جوزك..نهضت من مكانها وصعدت خلفه..


عند يزن 

دلفَ إلى مكتبِ رحيل ووضعَ ورقة ثمَّ أشارَ إليها: 

-امضي، دي استقالتي ومش هقعد ولا لحظة بعد كدا في الشركة ..قالها وتحرَّكَ سريعًا متَّجهًا إلى دراجتهِ البخارية واستقلَّها بعدما هاتفَ كريم: 

-هستناك في القهوة، عايزك ضروري.. 


وصلَ بعد قليلٍ جلسَ بمقابلته: 

-خير قلقتني..أخرجَ صورة فريدة ووضعها أمامه: 

-الظابط اللي بتكلِّمه عايزك تسأله عن الستِّ دي، لازم أوصلها.. 


بمنزلِ إسحاق كانت تغفو على الأريكة، استمعت إلى رنينِ الباب،تحرَّكت ببطءٍ بعدما رحلت الخادمة، فتحت الباب وإذ بها تتوقَّفُ متسمِّرة تهتفُ بهمس:

-مدام احلام ..دفعتها بقوة ودلفت للداخل 

-اسمي أحلام هانم يابت، طافت بعينيها على المنزلِ فابتسمت بسخرية: 

-مفكَّر لمَّا ياخدلك بيت بعيد مش هعرف، لا وكمان مفكَّر نفسه ذكي ..سقطَ بصرها على بطنها البارزة فتوسَّعت عيناها بغلٍّ متسائلة:

-إنتِ حامل من مين إسحاق !!

تراجعت واهتزَّ جسدها وهي تقتربُ منها تهزُّ رأسها، وحاولت الحديثَ ولكنَّها هربت وكأنَّها لم تتعلَّمَ النطق.  

اقتربت منها تجذبها من خصلاتها: 

-بقى أنا ياحيوانة بعتاكي تتجسِّسي عليه، مش تتجوِّزيه وتحملي منُّه، لا وكمان شريلك بيت، طيب واللهِ لأحسَّرك  عليه، قالتها وهي تدفعها بقوةٍ حتى سقطت على ظهرها تصرخُ بذهولٍ وهي تحتضنُ أحشائها، جنَّت أحلام كلَّما تذكَّرت أنَّ ابنها سيُرزقُ بمولودٍ من تلكَ الشمطاءَ كما ادَّعت..

-دا إنتِ يابت مأجَّراكي تلعبي عليه، تقومي ترفعي عينك على سيدك..قالتها وهي تركلها ببطنها.. 


مساء اليومَ التالي: 

دارَ حولَ نفسهِ كالمجنونِ وبدأ يحطُّمُ كلَّ ما يقابله.. 

-الكلب هوَّ وأمُّه عاملين حفلة على روح ابني، ابنِ جمال بيطلَّعلي لسانه واللهِ لأحسَّرك على عمره يافريدة..

توقَّفَ أحدُ الرجالِ أمامه: 

-راجح اهدى علشان متغلطشِ وتدفَّعنا كتير، خليه يفرح، المهم مين اللي يضحك في الآخر..

استدارَ إليه: 

-إنتَ عارف بتقول إيه، يعني إنتَ تسفَّر رانيا علشان متغلطشِ وجاي بتقولِّي أهدى، قتلوا ابني وخطفوا بنتي وأهدى 

راجح اخرس، لازم تفكَّر دلوقتي إزاي ننفِّذ العملية، عمليتنا هيَّ الأهم مش ابنك بس اللي مات ودفع التمن..


بفيلَّا السيوفي دلفَ إلى غرفتهما وجدها تنهي زينتها أمامَ المرآة..اقتربَ يعانقها بعينيه، ثمَّ حاوطَ خصرها وانحنى يطبعُ قبلةً فوقَ رأسها:

-إيه الجمال دا، أمنعك من النزول..ابتسمت لهُ وطالعتهُ من خلالِ انعكاسِ صورتهما: 

-ميرسي، أخيرًا شكرت فيَّا..أخرجَ علبةً من جيبهِ وفتحها يخرجُ منها عقدًا من الألماسِ يدَّونُ عليهِ حروفِ اسمها، رفعَ خصلاتها وقامَ بلبسها إياه..

-الهدية دي غالية عليَّا أوي أتمنَّى مش تخلعيها أبدًا، على فكرة مش غالية.. 

-يعني إيه غالية عليك ..تراجعَ يشيرُ إلى حجابها: 

-البسي ياله علشان منتأخَّرش، تحرَّكَ إلى النافذةِ ينظرُ إلى الجمعِ بالأسفلِ ثمَّ تحدَّث:

-رؤى وصديقتها هيحضروا مش عايزك تزعلي..توقَّفت عمَّا تفعلُه وطالعتهُ بعتابٍ قائلة:

-البنت دي مبحبَّهاش..اقتربَ منها، ثمَّ احتضنَ وجهها: 

-ميرال بلاش شغل الأطفال دا، أنا جوزك إنتِ وإنتِ مراتي، وبدل قولت بحبِّك عايزك تثقي في الكلمة اللي قولتها مش مجرَّد حروف وخلاص، دنى من ثغرها ولمسهُ بخاصتهِ هامسًا:

-وبعدين انا مش شايف غيرك، ولا في قلبي غيرك، مستحيل أفكَّر في حدِّ تاني.. يعني أسيب الجمال دا كلُّه وأروح أبص برَّة، طيب ماكنت اتجوِّزت من زمان يابايرة ..ضحكت متراجعة: 

-طيِّب وسَّع ياحضرةِ الظابط علشان ننزل..بعدَ دقائقَ تحرَّكَ بها للأسفلِ واتَّجهَ إلى أرسلان يشيرُ إليها:

-تعالي أعرَّفك على سلفتك الجديدة.. 

سلفتي ..أومأ وهو يجذبها من خصرها متَّجهًا إلى أرسلان: 

-سبيهم يتعرَّفوا على بعض وتعالَ معايا ..كانت فريدة تتابعهم بنظراتها.. تنهَّدت بعدما اختفوا فتحرَّكت متَّجهةً إلى ميرال: 

-مين دي ياميرال تسائلت بها فريدة 

ابتسمت تشيرُ إلى غرام: 

-مرات الأستاذ أرسلان ياماما..دي ماما، وبتكون مرات عمُّو مصطفى أبو الياس..

-أهلًا بحضرتك ..توقَّفت فريدة تنظرُ إليها بتدقيق: 

-مرات مين ..جمال..قالتها هامسةً لتسألها ميرال: 

-ماما مش هتسلِّمي على غرام ..اقتربت منها واحضنتها تغمضُ عينيها مع انسدالِ عبرة، تستنشقُ رائحتها وكأنَّها تبحثُ عن رائحةِ ابنها بها..


بعدَ فترةٍ ليست بالقليلة..انتهى الحفل الذي غابَ به إلياس لمدَّةِ ساعتين مع اعتذارهِ بإصابةِ أرسلان لوعكةٍ صحيةٍ فاتَّجهَ للمشفى:

كانت تجلسُ أمامَ المرآةِ تتذكَّرُ اقترابهم وضحكاتهم مع بعضهما وكأنهما يعرفانِ بعضهما منذُ سنوات، فردت المرطبَ على كفَّيها ونظرت بشرودٍ مبتسمةٍ على اقترابِهما دونَ علمهما بهويِّتهما الحقيقة..استمعت إلى هاتفها، رفعتهُ تنظرُ إلى  الاسمَ الذي لم يظهر فأجابت 

-أيوة مين؟..

-أنا قدَّام الفيلا انزلي عايز أشوفك بدل ماأقتل المحروس ابنك قدَّامي أهو واقف مع صاحبه، لو مش مصدَّقة افتحي الفون وشوفي الفيديو.. 

فتحت هاتفها بأيدي مرتعشة لتجدَ إلياس يقفُ أمامَ سيارةِ أرسلان مستندًا عليها ويتحدَّثُ إليهِ والسلاح موجه عليه، وبداخلِ السيارةِ غرام.. 

-إياك تقرَّب منه ياراجح هموِّتك بإيدي.. 

-انزلي من غير كلام، وهاتي الفيديو معاكي ولو عليه مش يهمِّني يافريدة، ابني مات مقتول في السجن وابنك اللي قتله يعني أموِّته وما يرفليش جفن.. 

-جاية إياك تلمسُه..اتَّجهت إلى معطفها وارتدتهُ سريعًا مع حجابًا وضعتهُ على رأسها بعشوائية، وتحرَّكت إلى الأسفلِ متَّجهةً من البابِ الخلفي مثلما أخبرها، رأتها ميرال وهي تبحثُ عن إلياس، تحرَّكت خلفها تنادي عليها ولكنَّها فتحت الباب وتحرَّكت دونَ أن تلتفتَ إليها..

-ميرال..قالها مصطفى مقتربًا منها: 

-رايحة فين ..ابتلعت ريقها قائلة: 

-بدَّور على إلياس ..أشارَ إلى الحديقةِ قائلا:

-واقف برَّة..قالها وصعدَ إلى غرفته، تحرَّكت ميرال خلفَ فريدة تنادي عليها 

وجدتها تقفُ أمامَ سيارةٍ سوداء، تحرَّكت إلى أن وصلت إليها: 

-ماما..التفتت فريدة إليها منتفضة، تطالعها بصدمة: 

-ميرال ارجعي على البيت جوزك زمانه بيسأل عليكي.. 

تؤتؤ..مش عيب يافريدة تبعدي البنت عنِّي، مش تعرَّفيها عليَّا..

ارتجفَ جسدها وانهمرت دموعها تقفُ أمامه: 

-مش هتقرَّب منها ياراجح سمعتني، موتني الأوِّل.. بنتي محدش هياخدها منِّي..جذبها بقوةٍ يدفعها لتسقطَ على الأرضِ واقتربَ من ميرال التي صرخت باسمِ والدتها بعدما وجدتها ملقيةً على الأرض..

-ماما ..

الفصل الرابع عشر من هنا

تعليقات



×