رواية سجينة جبل العامري الفصل الثاني عشر 12 بقلم ندا حسن


رواية سجينة جبل العامري الفصل الثاني عشر بقلم ندا حسن

الشعور بالانكسار قد يكون أبشع شعور على الإطلاق، أن تكون شخص يشعر بأن هناك من يقف خلفك يشجعك على الاستمرار ويكن العون إليك.. والسند الذي تبغاه ثم فجأة تقف أمام ذئاب متوحشة في صحراء جرداء وحدك دون الحامي لك فتشعر أنك مجرد حتى من ملابسك.. فهذا انكسار!.. وهناك غيره أنواع متعددة..


حاولت رفع يدها الاثنين لتدفعه للخلف على الرغم من أنها تعلم أن المدية في جانبها ولكنها لا تطيق تلك الرائحة القريبة للغاية منها في أثناء محاولته لتقبيلها ولكنه شعر بها فوغزها بطرف المدية مهددًا إياها بقسوة وغلظة:


-اثبتي.. قولتلك الموضوع كله مش واخد وقت 


كانت دمعاتها تتهاوى على وجنتيها بغزارة تقف مربطة بجسد مُتشنج تستند إلى ظهر السور تحاول دفعه للخلف لتبتعد عنه وهي تقول بتعلثم:


-أنت عايز مني ايه 


عاد للخلف برأسه ومازال يقف أمامها مباشرة يحاوطها بيد والأخرى في جانبها بالمدية ينظر إليها قائلًا بخبث ومكر:


-واحدة قمر زيك كده هيتعاز منها ايه... غير كل خير 


انسابت دمعاتها أكثر وهي تنظر إليه بقهر تشعر بمدى قذارته ودنائه نظراته نحوها فقالت برجاء وهي تبكي:


-أبعد عني أنا معملتش فيك حاجه 


حرك رأسه يمينًا ويسارًا يرفض حديثها وهو يقترب من وجهها للغاية يتحدث أمام شفتيها قائلًا:


-لأ عملتي.. بس يمكن وأنتي مش واخده بالك 


سألته وهي تبتلع غصة حادة وقفت في جوفها وارتجاف جسدها مازال مُستمر ولكن تحاول أن تلهيه عن تقبيلها والإقتراب منها بهذه الطريقة:


-عملت ايه طيب 


غمزها بعينه الوقحة التي جردتها من ملابسها وهو ينظر إليها من الأعلى إلى الأسفل ووقف على شفتيها بعيناه:


-قربتي.. وحبيتي.. وعاندتي 


حركت رأسها هي الأخرى يمينًا ويسارًا بعدم فهم تخرج منها شهقات متتالية برعب وذعر شديد تشعر به كلما شاهدت نظرته نحوها:


-أنا.. أنا مش فاهمه 


ابتسم وهو يرفع يده التي على الحائط إليها يضعها فوق ذراعها يسير عليه برفق ورقة وهو يتحسسه قائلًا ببرود ومكر:


-لأ أنتي فاهمه كويس وأنتي اللي عملتي في نفسك كده.. مش أنتي اللي قربتي بردو ولا أنا جيت من نفسي 


شعرت أنه يتمادى وهو يُسير بيده عليها فدفعت يده وحاولت أن تستجمع نفسها وقالت من بين بكائها وشهقاتها المُستمرة بتعلثم وضعف شديد:


-أبعد عني والله ممكن اصرخ وألم القصر عليك 


ابتسم بسخرية وهو يعود بيده مرة أخرى إلى الحائط كي يحاصرها وأقترب برأسه منها أكثر وكأنه بوضع حميمي معها لكنه قال بثقة دون رحمة:


-اصرخي وأنا هدب المطوة دي هنا ونخلص بعدها ونقول واحد نط من على السور زي اللي حاول يقتل جبل كده 


اعتصرت عيناها وهي تبكي نادمة على كل شيء مر عليها هنا سواء كان فرح أو حزن جيد أو سيء وقالت وهي ترتعش:


-أبعد عني يا..


قاطعها سريعًا وابتسامته تتسع أكثر قائلًا اسمه:


-عاصم.. ولا نسيتي الاسم 


صرخت به بانفعال وهي على وشك الانهيار والوقوع إلى الهاوية:


-أنت مجنون.. حرام عليك أبعد أنا معملتش حاجه 


عاد للخلف وأخفى المدية بيده وهو يأخذها إلى جيبه سريعًا وقال بسخرية ضاحكًا:


-هبعد.. أنا بس كنت بهزر معاكي بس عارفه لما أبعد لو فتحتي بوقك لحد مش هسمي عليكي


أومأت إليه برأسها سريعًا عدة مرات بقوة وقالت من بين بكائها الذي حاولت السيطرة عليه:


-مش هتكلم أبعد بقى


عاد للخلف أكثر وأفسح لها المجال للعبور وقال مرة أخرى محذرًا إياها:


-أنا حذرتك.. أي حد 


تعود ثانية تومأ له برأسها بهستيرية وهي تنظر إلى ابتعاده عنها وأبصرته ينخفض إلى الأسفل يأتي إليها بهاتفها ثم أعطاه لها وهو ينظر إليها مُبتسمًا بسخرية وتهكم لم تعطي إليه الفرصة لفعل شيء أخر، أخذته منه ثم سريعًا دفعته بيدها وذهبت راكضة إلى الأمام تاركة تلك المنطقة المشؤومة وهي تبكي بقوة وصوت بكائها يرتفع كلما ابتعدت عنه فصاح بصوت عالٍ يحذرها:


-هــا


انخفض صوتها وهي تركض ورأها تضع يدها على فمها كي تكتم شهقاتها وصوت بكائها الذي خرج منها بفعل تلك الخضة والشعور بالخوف والذعر الذي مرت به معه..


أبتعد هو يعود إلى مكانه مرة أخرى وعلى وجهه ابتسامة خبيثة تظهر للأعمى وتوضح أنه شخص قذر..


بعدما أبتعد عن خلف القصر وذهب إلى الأمام تعالت ضحكات آخرى تأتي من الأعلى.. لم تكن سوى "فرح" التي كانت تقف في الشرفة أعلاهم تتمسك بالهاتف وتقوم بتسجيل كل ما حدث لحظة بلحظة.. كل فعل ومعه رد الفعل الخاص به ولكن من أي زاوية وكيف كان المشهد بالهاتف!.. فهذا هي فقط ما تعرفه..


ابتسمت بانتصار وتحركت تدلف للداخل وقلبها خالي من الغيرة تجاهها في فترة لحظية فقط لأن قلبها ينشغل الآن بالسعادة لأجل ما حدث منذ لحظات، ينشغل بفرحة الإنتصار لأنها ظهرت بالوقت المناسب لتسجل ما حدث بينهم ويكن ذلك السيف بين يدها لتتخلص منها وتبعدها عنه إلى الأبد..


كان مخطئ للغاية عندما وقف أمامها وتحداها.. إنها "فرح العامري" من فرع العامري وامتداد العائلة الكريمة والتي لم ترى كرم يومًا.. إنها من امتداد عائلةت تجارة السـ ـلاح وغيره..


ذهبت الأخرى باكية بقهر وحرقة ولكنها محت دمعاتها عندما دلفت القصر وصعدت إلى الأعلى دون أن يراها أحد، ولجت إلى الغرفة وأغلقت بابها خلفها عليها من الداخل ثم ألقت نفسها على الفراش وأخذت تبكي بقوة وصوت بكائها يعلو للغاية.. استمعت جدران الغرفة والأبواب إلى بكائها وشاهد الطلاء حزنها وكسرتها.. وكل ركن شهد على كل شهقة خوف ورهبة خرجت منها ومن أعماقها..


لقد شعرت بالذل والمهانة وهو يقترب منها بهذه الطريقة القذرة يقبل عنقها ويضع يده عليها يتحسسها كما يريد، شعرت بالانكسار والضعف وهي تقف مكتفة الأيدي خائفة من تطاولة عليها بتلك المدية التي كانت معه..


يا لها من لحظات بشعة قهرية مرت عليها وحطمت ما بها، لقد وقع قلبها على الأرض ولم تعد تدري أين هو فقد أشعرها بالخوف المميت وهو يقترب منها إلى هذا الحد ويقول كلمات لم تفهم منها شيء ولم تعرف السبب الذي جعله يفعل بها هكذا!..


شهقت بعنف وهي تبتلع غصة مريرة شعرت بها تعبر جوفها وارتجف جسدها أكثر وهي تفكر في أن هذه كانت البداية منه فقط فما الذي سيفعله أن رآها مرة أخرى وما الذي يريده منها ولما فعل ذلك ولما تركها..


أسئلة كثيرة تدور داخل رأسها تحاول أن ترى لها أي إجابة من أي إتجاه ولكن لا يوجد.. لا يوجد سوى الشعور بالخوف وعدم الأمان والرهبة..


إنها كانت هناك فقط لرؤيته ذلك الذي أرهب قلبها وجعلها تشعر بالحب تجاهه، كانت تتقدم للبحث عنه والنظر إلى وجهه والاستمتاع بقربه هو الوحيد فقط هنا الذي اكتسبته واكتسبت معرفته وقربه.. وحبه لها.. ولكنها لم تكن تتوقع أبدًا أن تقابل لحظة مصيرية فارقة في حياتها أما كانت تكتمل أو تنتهي كما بدأت مثلما حدث منذ لحظات..


توقفت عن البكاء واعتدلت على الفراش تنظر أمامها بعمق تضيق عينيها بتفكير.. لما فعل هذا في لحظات وتركها! كان يريد أن يرهبها فقط؟ أم هناك سبب آخر لا تستطيع الوصول إليه!..


❈-❈-❈


جلست ابنة عمها وصديقتها التي كانت مقربة إليها للغاية قبل أن ترحل وتترك الجزيرة.. بقيت أمامها على الفراش تجلس مُعتدلة تنظر إليها بعمق ثم سألتها بجدية مُستفسرة:


-قوليلي يا فرح.. جبل وزينة اتجوزوا إزاي


تركت "فرح" الهاتف من يدها واعتدلت هي الأخرى تنظر إليها بجدية وقالت بعدما زفرت الهواء من رئتيها:


-دي حكاية 


تعمقت الأخرى في النظر إليها والاستماع إلى حديثها بجدية تامة وقالت بحماس:


-احكيهالي بقى


غمزتها "فرح" بعيناها السوداء وهي تتابعها تحاول أن تفهم ما الذي تريد الوصول إليه بعد أن أتت إلى هنا مرة أخرى:


-جاية ترجعيه؟ قوليلي ولا هتخبي عني 


استنكرت جملتها ثم أبعدت وجهها وهي تتحدث بضيق:


-أنا اخبي عنك؟ بس خايفة تكوني زي أخوكي ومرات عمي اللي اتشقلب حالهم 


رفعت الأخرى أحد حاجبيها تأنبها على تركها لكل شيء خلف ظهرها فقط لأنها فكرت بنفسها بأنانية:


-ما أنتي اللي خايبة مشيتي وسيبتي كل ده يروح من ايدك ولما رجعتي لقتيه فعلًا راح


أومأت برأسها وهي توضح لها أنها أخطأت وتريد الصلاح ولكن ذهولها منه تحكم في نبرتها:


-واديني عايزة ارجعه واتعلمت من غلطي بس ازاي ده جبل كأنه واحد تاني.. ده كأنه محبنيش يوم 


فهمت شقيقته أنها تود أن تلقي باللوم عليه بعد أن تأكد خطأها قائلة بأنه لم يحبها من الأساس ولكنها عارضت حديثها وواجهتها بحقارتها:


-لأ حبك يا تمارا متضحكيش على نفسك علشان تبرري عملتك جبل حبك واتهز لما مشيتي وسيبتيه في الوقت اللي كان محتاجك فيه.. وبقى دلوقتي زي ما أنتي شايفه 


سألتها بقلة حيلة مستنكرة حديثه مع زوجته:


-طب أعمل ايه علشان يرجع وأبعد زينة دي عنه.. أنا مش فاهمه هو بيحبها ولا ايه بس بيعاملها كويس أوي ده بيقولها حبيبتي اللي عمره ما قلهالي طول عمره ناشف مالوش في الكلام ده


ضحكت على حديثها ثم نظرت إليها بقوة قائلة بسخرية:


-لأ يا حلوة ده بيغيظك ولا بيقول حبيبتي ولا غير حبيبتي أنتي أصلًا مش فاهمه اتجوزوا إزاي ولا حتى زينة جت هنا ليه 


زفرت الأخرى بضيق قائلة:


-ما تقولي الله 


بدأت تسرد لها ما حدث بهدوء:


-زينة جت هنا علشان عايزة ورثها من يونس أخويا.. لكن لما جت وقعت في المصيدة أمي عايزة وعد بنت يونس تفضل هنا ومتطلعش من الجزيرة فقالت لجبل يتجوزها..


أكملت تحت نظرات "تمارا" التي تبتسم وتزداد ابتسامتها اتساعًا وهي تستمع إليها:


-جبل رفض وقالها أنه هيحاول بأي طريقة تانية وأنتي عارفه طرقه كتير بس زينة حليت في عينه فجأة ووقفت قصاده في كل كلامه لحد ما طلبها للجواز.. رفضت بردو وحاولت تهرب واتنازلت عن كل حاجه في سبيل أنها تمشي لكن جبل مسمحلهاش


استردت وهي تعود بظهرها للخلف:


-عجبته أوي وقال مش هيحلها لحد ما اتجوزها زي ما أنتي شايفه بعد كده اللي بيحصل بينهم محدش يعرفه إن كان حقيقي ولا كدب 


سألتها باستغراب فكل ما قالته يبدو جيد للغاية بالنسبة إليها وما أوضحه إليها فهمت مقصده منه:


-اشمعنى 


تهكمت عليها "فرح" وهي تنظر إليها بسخافة:


-علشان مش قدامنا يا ناصحة بيحصل في اوضة النوم 


ابتسمت "تمارا" باتساع وهي تضرب بيدها على ركبتيها بفرحة كبيرة تسألها:


-بس المهم أنه ولا كان عايزها ولا هي طيقاه.. صح


أومأت إليها الأخرى مستغربة سعادتها:


-صح 


أكملت تسألها مرة أخرى بابتسامة أكثر اتساعًا من السابقة:


-وكانت عايزة تهرب وتسيبه 


مرة أخرى تأكد لها:


-آه 


أبعدت وجهها للناحية الأخرى وهي تحدث نفسها بصوت مرتفع يبدو عليه السعادة:


-كده اتحلت خالص وسهلة خالص


استغربتها ابنة عمها فعادت للأمام ثانيةً تنظر إليها مستفسرة عن حديثها الذي لم تفهمه:


-هي ايه دي اللي سهلة 


حركت وجهها إليها ونظرت داخل عينيها وهي تقول بسعادة خالصة وكأنها حصلت على حبل لغزه لتستطيع العودة إليه:


-إني أرجع جبل 


حركت "فرح" رأسها تسألها باستفهام مضيقة عينيها عليها بجدية شديدة:


-إزاي؟


رفعت حاجبيها وحركت إصبعها أمامها وهي تقول بقوة متأكدة من حديثها وبدأت الفكرة أن تلعب داخل رأسها:


-لأ دي بتاعتي خليها ليا أنا واقولهالك بعدين بس بقولك ايه أنتي في ضهري لو عوزت أي حاجه معايا ماشي 


أومأت إليها بثقة فهي حتى لو لم تساعدها لأجلها ستساعد نفسها فـ أيًا كان ما الذي ستفعله "تمارا" مع "زينة" فهو سيعود عليها بالنفع عندما ترحل من هنا وتأخذ شقيقتها معها..


-طبعًا معاكي هو أنا هحبها أكتر من بنت عمي 


ابتسمت لها بسعادة:


-فرح بصحيح 


ومن هنا بدأت اللعبة معها على حق، علمت كيف ولما تزوج من زوجة شقيقه.. لقد كانت تائهة بينهم ولكن الآن أصبحت تعلم أين المرسى وما الذي ستفعله معهم لتسترد ما كان لها.. ولتعد البلاد إلى حاكمها..


❈-❈-❈


كان عاصم يقف داخل غرفة الحراسة ما كاد إلا أن يخرج هاتفه لمحادثها إلا أنه وجده يصدر رنينا عاليًا.. أخرجه من جيبه ونظر إليه ليجد "طاهر" يحادثه..


أجاب عليه قائلًا باستغراب مضيقًا عينيه:


-بتكلمني ليه 


أجابه الآخر باستهزاء وتهكم وصل إليه من خلال نبرة صوته:


-هو عيب لما أكلمك ولا ايه


زفر الهواء من رئتيه بنفاذ صبر قبل أن تبدأ المحادثة بينهم حتى وصاح قائلًا:


-عايز ايه يا طاهر انجز 


تخللت نبرته السخرية وهو يقول مُجيبًا إياه:


-واحشني يا جدع قولت أمسي عليك 


سأله يبادله سخريته وهو يضغط على الهاتف بيده بقوة:


-ومسيت؟


بمنتهى البرود أجابه "طاهر":


-لأ لسه


صاح به بنفاذ صبر وهو يتحرك بالغرفة بعصبية:


-انجز 


تنهد بصوت مرتفع وقال له بجدية بعد أن اعتدلت نبرة صوته:


-مش ناوي تكمل المسيرة بتاعتك وتبقى أوفى راجل عرفه جبل 


سأله "عاصم" مضيقًا ما بين حاجبيه:


-اومال أنا ايه يا طاهر 


ضحك بصوتٍ مرتفع ضحكات متفرقة بسخرية مُستهزأ به ومتهكمًا عليه وأكمل حديثه بجدية ذات مغزى:


-اوفى راجل بس من ناحية تانية.. جالي أخبار كده إنك وقعت ومحدش سما عليك.. سما زرقا وشعر أصفر 


اعتدل "عاصم" وثبت في وقفته ولم يتحرك فمرت هي كالهفوة على عقله عندما استمع إلى حديثه ولكنه أردف:


-أنت قصدك ايه


لم يكذب عليه بل أفصح عن قصده بلا مبالاة:


-هيكون قصدي ايه غير الجمال التركي النادر


على صوت "عاصم" بغضب صارخًا باسمه:


-طاهر...


أخذ الآخر ما يريد فابتسم وهو يعود لتهدئته:


-اهدى بس على نفسك بالراحة دا أنا حتى كنت هباركلك.. متبقاش حمقي كده 


لم يعطي إليه الفرصة للتحدث أكثر من ذلك وصرخ مرة أخرى وصبره ينفذ حقًا:


-بقولك عايز ايه 


سأله بخبث ومكر:


-مش ناوي ترجع الملاعب.. علشان نوقف كل اللي بيتدربوا 


وقف شامخًا وأجابه بتأكيد وثقة:


-أنا موقفهم كده كده يا طاهر وأنت عارفني كويس 


ضغط "طاهر" على أسنانه بقوة وأردف بتهديد واضح بعد أن أدلى برفضه لحديثه:


-مش لوي دراع يا عاصم.. فاضلك عندي تكه واحدة


لم يعير حديثه أي اهتمام بل أكمل عليه ساخرًا:


-اعتبرها مش موجودة ووريني أخرك..


سأله بقوة وهو يتوعد له:


-أنت شايف كده؟ بايع يعني 


أومأ برأسه وأدلت بالكلمات شفتيه وارتفع صوته وهو يقول بغضب:


-آه بايع يا معلم ويلا في داهية 


استمع إلى صوته الذي يهدد إياه:


-طب متبقاش تزعل 


ضحك بسخرية يردها إليه ثم صاح بقوة يذكره بتاريخه معهم:


-أنت هتعملهم عليا إحنا عارفين من فينا اللي كل يوم والتاني زعلان.. غور بقى 


أغلق الهاتف بعصبية بعد أن عكر ذلك الحيوان صفوه وهو الذي كان في مزاج جيد للغاية، وعلى بُعد لحظة واحدة من الوصول إلى تلك الغريبة الغبية.. الطفلة المزاجية والتي تتحول كل ثانية.. الذي اخترق معها كل القواعد وتعدى الخطوط الحمراء وابتعد عن مساره الصحيح وأبحر داخل محيط ليس به مرسى وليس به مكان للنجاة.. لقد أغرق نفسه بنفسه وهو يركض من هنا إلى هناك خلف هواجس غريبة تخللت وسارت داخل عقله وأثبتت إليه أشياء لم يكن يعرف لها معنى ولم يكن يدري بوجودها.. 


نظر إلى الهاتف وأعاده مكانه مرة أخرى وهو يزفر بضيق فقد كان يود أن يتسلى قليلاً بذلك العبث الذي يفعله بها..


عاد إليه عقله مبتعدًا عن التفكير بها وللحظة تذكر حديث "طاهر" كيف علم عن أصولها التركية؟ كيف علم بمظهرها! خصلاتها الصفراء وعينيها الزرقاء ومن أخبره أنه وقع بحبها أو حتى الإعجاب بها!!.. الخائن بيس على الجزيرة بل هو من داخل القصر.. من حراس القصر!


اخرج الهاتف مرة أخرى وهو يقرر أن يفعل ما أراد بعد أن اخترق عقله كثير من الأفكار ولكن استوقفه ما أرسلته إليه "فرح" عبر تطبيق الواتساب.. فولج إليه ليرى ما الذي ارستله وليته لم يدلف..


نظرات عينيه الحمراء يخرج منها غضب بركان وحممه تتساقط وهي تنظر إلى الشاشة وترى ما كان يحدث خلف السور.. 


صقر طائر وقع جريح وهو الجارح.. كيف لها أن تفعل ذلك؟ كيف لها أن تسمح لنفسها..


وكيف يحدث هذا! غضبه لا يدري أهو منه نفسه أو منها أو من "فرح" تلك الغبية الحقيرة التي سيكون لها عقاب لم تشهده سابقًا ولكن صبرًا


لقد أوقعته وفعلت ما أرادت ولكنه لن يجعلها تفرح كثيرًا ولن يترك أي شخص اشترك بهذه الفعلة الدنيئة.. 


نظر أمامه بنظرات حادة غاضبة.. غضبها جامح ورفقها غير موجود.. والتفكير يعبث برأسه والحرب دائرة داخله..


❈-❈-❈


جلس "جبل" على الفراش ومعه بيده بعض الأوراق والملفات المهمة الذي أخرجها للتو من خزنته الخاصة بدأ في النظر إليها واحدة تلو الأخرى وهو يعمل ويعيد ترتيبهم مرة أخرى


تركت المقعد الذي كانت تجلس عليه وذهبت لتجلس جواره على الفراش ثم خرجت الكلمات من بين شفتيها دون حساب:


-مش ناوي تفتحلي قلبك؟


رفع بصره إليها باستغراب شديد وعيناه تتابعها ثم ابتسم فجأة وهو يقول ساخرًا:


-الكلمتين اللي اتكلمتهم معاكي ادوكي دفعة شجاعة علشان تقولي تفتحلي قلبك مرة واحدة


أومأت إليه برأسها وهي تعتدل لتكن مقابلة له وقالت الحقيقة بجدية:


-آه.. خلوني أفكر أكتر 


أعاد نظره إلى الأوراق بيده وسألها:


-في ايه بقى 


ببساطة شديدة تحدثت عنه:


-فيك


سألها مرة أخرى بجدية وهو يود حقًا أن يعلم ما الذي تفكر به:


-إزاي


أردفت بجدية وصدق فحقًا الحديث معه في المرة السابقة كان كالسهل الممتنع وتفكيرها المستمر دائمًا ابحر أكثر من السابق وأرهقها:


-يعني.. خلوني أشوفك بطريقة تانية وأحس أنك إنسان عادي زينا وممكن التعامل معاك يبقى أسهل لو فهمتك وفهمت حياتك كانت إزاي وليه بقت كده 


عاود يسألها ببرود ولا مبالاة:


-وأنتي كنتي شيفاني إزاي


عبثت ملامحها وضغطت على أسنانها وحروف كلماتها وهي تتحدث بغل:


-كنت شيفاك ديب من ديابة الغابة بتاعتكم


ضحك بقوة وعبث بالأوراق وهو يستشعر طريقتها وتخيل ملامحها بعد الاستماع لصوتها لأنه لم يحظى برؤيتها وهي تقول ذلك:


-للدرجة دي 


أومأت إليه وهي توضح له برفق:


-وأكتر كمان ولحد دلوقتي أنت لسه زي ما أنت أنا بس بحاول اتأقلم أكتر 


رفع بصره إليها ينظر إلى ملامحها ثم هتف مستغربًا:


-مش قولتي خلاص اتعودتي على سجنك معايا 


تابعته وهي تنظر إليه أيضًا ولكنها الآن في مرحلة لم تمر عليها من قبل معه إلا مرة واحدة، تتحدث معه برفق ولين وهو سهل بسيط للغاية فحاولت استدراجه وهي تقول:


-سجن.. ليه ميتحولش لتأقلم عادي وبالرضا 


سألها مضيقًا عينه عليها:


-وده ينفع؟


حركت كتفيها بهدوء تعاود هي نفس السؤال:


-ماينفعش ليه؟


ابتسم باتساع لأنه يدرك جيدًا أن هذه ليست المرأة التي تتحول هكذا بين ليلة وضحاها فقال يوضح لها مدى ذكائه الذي رأته سابقًا ولكن يبدو لا تعترف به:


-علشان اللي أعرفه إنك مش بالساهل تتغيري كده.. يمكن بتحاولي تستهبليني علشان احكيلك اللي أنتي عايزاه 


سبته داخلها لأنه يدرك جيدًا ما الذي تريد الوصول إليه ولكنها تصنعت ذلك بحرافية وهي تقول بمكر:


-بالعكس أنا بفكر بجد أنه ليه مقعدش هنا بالرضا بدل الغصب خصوصًا إنك محتاج كده الفترة دي


استغرب قائلًا: 


-وده ليه بقى 


أجابته بعقلانية لأنه أراد أن يظهر لابنة عمه أنه الأفضل على الإطلاق ومعه زوجته وابنته، لعبت على ذلك تعبث به:


-علشان تمارا مثلًا.. مش ممكن نحسن علاقتنا وتبان أنها حقيقية أكتر قدامها 


ابتسم أكثر وعاد بعينه بعيدًا عنها قائلًا بعدم اقتناع:


-مش داخل عليا كلامك ولا هيدخل يا غزال 


سألته بضيق:


-للدرجة دي؟


أجاب سؤالها بهدوء وجدية موضحًا لها أنه يفهمها جيدًا ويعلم أنها تريد العبث به ليس إلا:


-مش أنتي اللي تستسلمي بسهولة وحتى لو استسلمتي مش هيبقى بالطريقة الراغبة فيا دي


تحدثت وهي تتحرك على الفراش تبتعد للخلف تظهر ثقتها بنفسها أكثر وتظهر له أن حديثها حقيقي بعدما تراجعت وتحدثت بعدم اهتمام:


-مين قال إني رغباك.. أنا عايزة نعيش مع بعض وإحنا راضيين طالما خلاص اتحكم علينا بده وده في مصلحتك ومصلحتي


تفوه مستغربًا من حديثها:


-مصلحتي وعرفناها.. مصلحتك ليه بقى


عادت المسافة التي ابتعدتها مرة أخرى وقالت بجدية وصدق نابع من قلبها وعقلها الذي قتله التفكير:


-أولًا علشان بنتي.. ثانيًا علشان أنا تعبت منك وتعبت من تفكيري فيك أنت شخص كويس ولا لا ومحتاجه أفهم بجد وارتاح 


ترك ما بيده تمامًا واعتدل في جلسته عندما طرح عقله عليه هذا السؤال بعد حديثها الذي استشعر به الصدق فقال دون مقدمات:


-لو طلعت شخص كويس مش زي ما أنتي شايفه هتعملي ايه.. هتفضلي معايا ولا هاتمشي


نظرت إليه للحظة ثم عدلت عليه:


-أنت سألت السؤال غلط 


حرك رأسه يسألها وعيناه تتابع كل حركة تصدر عنها:


-وايه الصح 


نظرت إليه بعمق وبقوة ثم خرجت الكلمات من بين شفتيها تعدل سؤاله ليكون عقلاني أكثر:


-لو طلعت شخص كويس مش زي ما أنتي شايفه هتغيري نظرتك السابقة فيا وتنسي اللي عملته فيكي ولا لأ


ظل ينظر إليها دون حديث فأكملت هي قائلة:


-من هنا نقدر نسأل ولو هغير نظرتي وانسى تسأل بعدها هتتقبليني ولا لأ وبعدها هتقعدي ولا لأ


لا يدري لما أصبح ينظر إليها كل هذه المدة دون حديث وهي تتابع عيناه دون كلل أو ملل بل وقف الحديث على طرفي لسان كل منهما ولكنه في لحظة ما خرجت منه الكلمات بعفوية تامة:


-لو نسيتي وغيرتي رأيك فيا.. هتحبيني؟


كررت نفس الكلمة باستغراب تام وذهول أحاط عقلها بعد أن ارتجف جسدها من أثرها عليها:


-أحبك!


بقيت تنظر إليه دون إجابة وهي ترى عيناه وملامحه تترقبها وتنتظر منها إجابة.. أهو حقًا ينتظر منها أن تحبه؟ أهو يتخيل أن الأمر بهذه السهولة؟ أو هو تغيرت مشاعره تجاهها ليقول هذا الحديث مرة واحدة.. أهو مختل؟ لقد قفز مرة واحدة في العلاقة بينهم وهي لا تستطيع تحديد أي مرسى تقف عليه الآن معه؟ أنها فقط أرادت التحدث ليس أكثر


شاهد تعابير ملامحها التي تتغير كل لحظة والأخرى وكأنها تحدث نفسها قال:


-ايه صعب؟


حاولت الهرب من حديثه لتعود إلى ما أرادت وقالت بضيق وانزعاج:


-أنت بتغير الموضوع وبتهرب بردو 


نفى ما قالته وهو يوجه لها نفس الإتهام بالهرب:


-أنتي دلوقتي اللي بتهربي 


تابعته قائلة بامتعاض:


-بس أنا اللي سألت الأول


استاء من حديثها لأنه على علم تام بما تريد وفجأة أراد أن يبدل الأدوار وراقت له اللعبة:


-معلش مش في حضانة إحنا


وجدها تسأله بضيق شديد يظهر على ملامحها:


-أنت إزاي كده


لوى شفتيه قائلًا:


-كده ايه


خرجت الكلمات منها بنفعال بعد أن احتارت في وصفة.. بكل أريحية يجلس الآن ينظر إليها بعينيه الخضراء الصافية يخفي نظرته المخيفة عنها وكأن لم يكن هناك أي شيء سيء فعله معها:


-مبقتش فاهمه أي حاجه منك بجد.. عصبي ودبش، قاسي وعنيف، ولا حنين وطيب، عادل وحكيم لأ وبتتكلم معايا دلوقتي عادي كده من غير ما عينك تبصلي البصة اللي بتخوف دي 


ارتفعت ضحكاته التي لم تخرج مؤخرًا إلا معها هي بسبب تلك العفوية الغريبة التي تستدرجه إليها بكامل إرادته:


-أنا عيني بتخوف؟


أومأت إليه دون خوف مؤكدة:


-آه


صمت وهو ينظر إليها ومازال يضحك فابعدت الضحكات عنه وهي تقول بضعف وحزن ظهر عليها:


-جبل.. احكيلي 


تنهد بعمق وهو ينظر إلى ضعفها ويشعر بمدى المعاناة التي تمر بها خصوصًا أنها امراة حرة فضولية تريد أن تكون على علم بكل شيء، أردف بجدية شديدة:


-ماينفعش.. جبل اللي أنتي عرفتيه ماينفعش يتهز ولازم يفضل زي ما هو.. وكلمة مني يا غزال طالما أنتي عايزة نبقى كويسين هبقى كويس معاكي بس طول ما أنتي مش بتغلطي 


احتارت وهي تقترب منه تشير إليه بيدها على مدى الإرهاق التي تشعر به كلما فكرت به أو بشيء يخصه، تدلي إليه بعذابها في الأيام السابقة وسعادتها بأن الطريق فتح بينهم:


-لو اتكلمت معايا هتريحني.. أنت مش فاهم دماغي فيها ايه.. أنا ما صدقت بقى في كلام بينا لأن أنت الوحيد اللي ممكن يريحني.. طول الوقت دماغي كانت مش بتفصل تفكير وتسأل أسئلة مش لاقيه ليها إجابة


لمعت عينيها بغرابة وهي تحاول بكل الطرق أن تجعله يدلي إليها بكل شيء بحياته ويعترف بأسراره:


-طول الوقت مش فاهمه أنت ايه ولا عارفه أهرب منك إزاي لكن مرة في مرة حسيتك حد تاني ودي الفرصة اللي سرقتها علشان تتكلم.. أنا مستعدة انسى اللي حصل دلوقتي بس تريحني 


تفوه مستغربًا من طريقتها التي تحولت وكأنها مدمنة تريد الخلاص وهو بيده فقط:


-اريحك إزاي


وضعت يدها على يده تتمسك به قائلة وعينيها متعلقة به:


-قولي أنت فعلًا تاجر سـ ـلاح؟ 


وجدت الصمت عنوانه لم يدلي إليها بأي حديث فأكملت مرة أخرى تسأل:


-طب أنت قتـ ـلت فعلًا؟


الإجابة الصمت كالسابق فتابعت تضغط على يده تتأمل أن يجيبها:


-طب أنت راجل ظالم ومجرم؟ 


أبعدت يدها عنه وأصبحت تُشير بها وهي تتحدث بصدق موضحة له أنها لا تستطع العيش مع رجل مجرم مثله أما أن يتركها تذهب أو يعترف بالحقيقة:


-جاوبني.. أنا مقدرش أعيش معاك وأنا عارفه أنك كده مقدرش أعيش في نفس المكان حتى لو أنت بعيد عني.. جبل لو أنت فعلًا كده أرجوك خليني أمشي أنا مش هعوز منك أي حاجه وأقسملك إني مش هبلغ 


ابتسم بسخرية شديدة قائلًا:


-هو أنتي فاهمه إني خايف تبلغي؟ يبقى لسه معرفتنيش فعلًا 


أومأت إليه تؤكد ما قال ورأسها تكاد تنفجر من كثرة التفكير والحديث الذي لم يأتي بنتيجة معه:


-دي حقيقة أنا مش عرفاك.. دي تاني مرة نتكلم مع بعض بجد كل اللي شوفته منك أفعال كلها بتناقض بعضها بسببها دماغي بقت متلغبطة 


تنهد وهو ينظر إليها بعمق وقال بثقة وتأكيد:


-كل اللي أقدر اقولهولك ارتاحي يا زينة 


استغربت نطقة لاسمها بهذه الطريقة فرددته باستنكار:


-زينة!


ضرب على يده وهو يضحك ساخرًا قائلًا بتهكم:


-أنتي محسساني إني لما بقول زينة كده بقول اسم واحدة تانية.. هو مش ده اسمك بردو 


ابتسمت على حديثه وعيناها تلمع بطريقة غريبة، كنجم لامع بقوة بين ظلام السماء، قالت برفق وهدوء تنظر إليه:


-تصدق غزال أحلى


ظل ينظر إليها للحظات والأخرى يتابع نظراتها نحوه وحديثها معه كل هذا الوقت وليست المرة الأولى، لهذه الدرجة هي امرأة فريدة من نوعها كي تجعله يجلس هكذا ويتحدث معها ويضحك أيضًا..


-شايف لمعة غريبة في عينك.. يمكن هتحبيني!


كانت تنظر إلى عيناه مباشرة واخترقت الكلمة قلبها مرة أخرى غير الأولى، لكنها تحدثت تجيبه بقوة تنظر إلى داخل عيناه دون خوف تقول ما لم يستمع إليه سابقًا.. تذكره أنه من كسرها بكامل إرادته الحرة، وتعلمه بأن ما صدر منها ما كان إلا ضعف:


-بتتكلم عن الحب كأنه حاجه سهلة أوي بأيدينا.. حتى لو سهلة وتنفع معاك متنفعش أنا مستحيل انسى اللي عملته فيا.. كله كوم وكسرتك ليا كوم لأنك عملت كده وأنت عارف إنك بتكسرني وبتذلني ولو فاكر إني لما سبتلك نفسي كده خلاص فلا.. دي كانت لحظة ضعف مني وندمت عليها لأنها مكانتش المفروض تحصل 


تابع نظراته نحوها، يشعر بكل كلمة خرجت من داخل قلبها ليس فمها أو شفتيها تدلف إلى قلبه مع تلك الأسهم الذي تخرج من عينيها تلقي إياه بها بعنف..


-مبتردش ليه


قال وهو يبعد وجهه عنها:


-كفاية كلام 


سألته تحاول أن تنظر إليه وترى ملامحه بعد حديثها:


-ليه؟ علشان قولت الحقيقة ولا يمكن تكون وجعتك


وقف على قدميه بعد أن ارهقه الحديث معها فهو جميعه يحتاج إلى تحليلات يرفعها إلى نفسه ثم إن كانت تجوز أن يدلى بها تعبر من بين شفتيه وتخرج وهو لم يعتد على ذلك أبدًا.. أبتعد وهو يقول بنفاذ صبر:


-علشان كلامك كله بيحتاج تبريرات أنا مقدرش أقولها.. وكله استدراج ليا علشان أتكلم معاكي وافتحلك قلبي زي ما قولتي.. زينة أنا وأنتي اخرنا قعدة صافية زي دي أكلمك فيها كلمتين زي دول أكتر من كده لأ.. لأن دي أسرار وآه أنا تاجر سـ ـلاح وقـ ـاتل ومجرم 


كذبته وهي تقف تتقدم منه تقول بمنتهى الثقة ما الذي تشعر به تجاة رجل حكيم عادل لا يصلح أن يكون غير ذلك:


-مش حاسه بده.. تصرفاتك الأخيرة وكل الكلام اللي حوليا خلاني أعيد حساباتي وأفكاري فيك.. مافيش مجرم بيعمل كده.. أنت نفس الشخص اللي قالي أن قلبه مافيهوش رحمة...


أشارت إلى نفسها وهي تعترف بأنه رجل لا يوجد به إلا كل الخير:


-أنا زينة مختار بقولك أن قلبك مافيهوش غير رحمة وبس.. والقسوة دي معرفش سببها ولا جات منين بس أنا عندي فضول هيموتني علشان أعرف أصل الحكاية 


أشار إليها بيده مستنكرًا وعيناه تجوب وجهها بذهول:


-بردو الفضول ده.. أنتي مش بتحرمي أبدًا 


أكمل بقسوة تعود إلى موضعها الأصلي تخرج منه بصرامة وعنف وعيناه بدأت في التحول:


-حاولي متمشيش ورا فضولك علشان ممكن يوقعك في غلط أكبر مني ومنك.. وقتها هتنوري في الجبل ومش هسمي عليكي 


استدارت تعطيه ظهرها تزفر بضيق لأنه يعود معها إلى نقطة الصفر بعد أن أيقنت أنها إن استمرت معه هكذا سيكون كتاب مفتوح لها إن لم تخطئ:


-رجعنا للغرور والتكبر والكلام الزفت اللي زيك 


شعر بها وبما جال بخاطرها فعاد يقص عليها ما قاله يطمئنها بأنه لن يعود ذلك الشخص القاسي مرة أخرى:


-بعرفك بس.. متزعليش أوي كده أنا مش برجع في كلمتي قولتلك خلاص هنتعامل كويس 


عادت تنظر إليه وقالت بفضول قاتل:


-ماشي بس ايه الغلط اللي ممكن يكون أكبر منك 


ضغط على شفتيه بقوة بعدما انفعل بسبب فضولها الزائد عن حده فهي لا تترك الكلمة تمر مرور الكرام، قال بضيق:


-أنتي مش بتهمدي..


رن هاتفه على الفراش فتقدم يأخذه نظر إلى شاشته وعاد إليها قائلًا:


-معايا تلفون مهم 


ذهب إلى الشرفة بعد أن فتح الهاتف ودلف ليتحدث به وترك الأوراق على الفراش كما هي.. 


جلست هي مرة أخرى تنتظره تفكر في حديثهم المتناقض ونظراتهم الغريبة.. حديثه عن الحب بطريقة غريبة مبالغ فيها، هروبه منها وعدم إجابته على أي من أسئلتها بإجابة واضحة مريحة.. 


طريقة تواصلهم الذي اختلفت كثيرًا وهي التي لم تعد تفهم شيء أكثر من السابق حتى لم تفهم نفسها!.. ما الذي يحدث معهم!..


حركت رأسها بقوة وهي تشعر بالصداع يداهمها من كثرة الأفكار وحاولت طردهم إلى أن تنهي النقاش معه لتبدأ بالصداع وهي تفكر بعد انتهاء الحديث ليكن مرة واحدة..


نظرت إلى أوراقه الذي كان مهتم بها للغاية ثم عادت بنظرها إليه لتراه يقف في الشرفة يتحدث في الهاتف يعطي إليها ظهره..


انتهزت الفرصة عندما أدركت أنه مشغول عنها وهذه الأوراق شغلته أكثر أثناء الحديث فازاد فضولها نحوها وتقدمت منها وهي جالسة على الفراش تضغط على شفتيها بحدة وهي تتمسك ببعض منهم..


رفعت الأوراق أمام وجهها وأخذت تقرأ محتواها وهي تبدل من ورقة إلى الاخرى ثم وقفت بعينيها على حين غرة ودققت النظر وعينيها تتسع بصدمة وذهول..


ألقت ما بيدها وأخذت من بقية الأوراق على الفراش وعينيها تتسع أكثر وأكثر، لم تستطع أن تبتلع تلك الغصة التي وقفت بحلقها وهي تقرأ ما كتب على الأوراق وتلك التواقيع أسفله!!..


كل الأوراق تنص على الإجرام الكامل! كل الأوراق تقتل البشر، كل ما كتب ينص على قتل النفس والتحريض على ذلك.. حقائق وأسرار بشعة تنظر إليها بعنيها ولا تصدق ما تراه.. وكأن الآية انقلبت!.


رفعت وجهها عنهم مُحركة شفتيها ناطقة بارتجاف:


-إزاي.. معقول!؟


حقيقة أخرى تحل عليها من المساء بطريقة غير معقولة وكأن الله يبعث إليها الحقائق واحدة تلو الأخرى لتستطيع التفريق ومعرفة البشر وما يفعلون من حولها..


احتلت الصدمة كيانها وارتجف جسدها والشريط المار على عقلها لا يتوقف بكل ذكرى راحلة منذ البداية إلى الآن!..


رأته يدلف من الشرفة ينظر إليها والأوراق بيدها، تابع نظراته ببرود تام ووقف شامخًا أمامها يعود لعصره بعدما علم أن فضولها ساقها إلى تلك الأوراق وعلمت محتواها!..


لكنها كانت في حالة أخرى بعيدة كل البعد عن التفكير به.. بل كانت تفكر بحياتها الضائعة سابقًا والآن!..

الفصل الثالث عشر من هنا

تعليقات



×