في منزل العمدة حسين
كان الجو في بيت العمدة مليئًا بالهدوء، لكنه يحمل ثقل القرارات التي ستُتخذ قريبًا. جلس العمدة حسين في صالة المنزل الواسعة، يتأمل الأمور التي دارت مؤخرًا. قطعت نادية الصمت بخطواتها الثابتة، واقتربت منه بحزم.
نادية (بحزم): أنا لازم أنزل مصر، أطمن على أخويا وعلى ولاد المرحوم مصطفى.
حسين (بنبرة جادة): حاضر من عيني، إنتِ عارفة غلاوة الحاج سليم عندي. جهزي نفسك، وأنا هبلغ نجوى ما تطلعش من البيت لحد ما نرجع.
ترك حسين الصالة متجهًا إلى غرفة أخته نجوى، التي كانت منشغلة بترتيب بعض الأمور الخاصة بها.
حسين (وهو يدخل الغرفة): يا نجوى، إحنا إن شاء الله نازلين مصر أنا وعمتك نادية، عشان نطمن على عمك الحج سليم، ونشوف إيه اللي حصل مع ولاد المرحوم مصطفى.
نجوى (بتردد): زين يا خوي، هاجي معاكم.
حسين (بحزم): لا يا خايتي. الأصول بتقول طول ما إنتِ زعلانة من جوزك وقاعدة هنا، ما تخرجيش من البيت. وإنتِ سيد من يعرف الأصول.
نجوى (بتنهيدة): حاضر يا خوي، بس كان نفسي أطمن عليهم.
حسين (مطمئنًا): خدي المحمول ده. لما نوصل مصر، هخليهم يكلموكي فيديو تطمني عليهم براحتك. وأنا هخلي ناهد تيجي تقعد معاكي، والغفر برّه بيحرسوا البيت. مش هنبنه عليكي تاني ما تخرجيش، وما تتحدديش مع فؤاد.
نجوى: حاضر يا خوي.
حسين: وعايزك تجهزي زيارة زينة ناخدها معانا.
نجوى (بتأكيد): عيني يا خوي.
بدأت نجوى في تجهيز ما طلبه منها أخوها، بينما عاد حسين إلى نادية ..
حسين (بصوت مرتفع): يلا يا حاجة، اجهزي. عايزين نلحق الليل ونصبح في مصر.
---------------------
الصباح في القاهرة - منزل الجد سليم العمري في المعادي
في صباح هادئ بالقاهرة، وصلت سيارة حسين ونادية إلى منزل الجد سليم في المعادي. كان الجد واقفًا في حديقة المنزل، يتكئ على عصاه ثم يجد عتمان البواب يخبره ان اخته والعمده قد وصلوا .
الجد سليم (مبتسمًا): أهلاً يا صاحبي، نورت الدنيا يا أخويا.
حسين (بنبرة عتاب): لو كنت أخوك وصاحبك كنت خبرتني باللي حصل.
نادية (مقاطعة): لا، ما إحنا دايمًا كده، آخر من يعلم.
الجد سليم (بهدوء): ما تخدونيش في الكلام. تعالوا بس ارتاحوا من السفر، وسلّموا على اللي في البيت، وأنا هرسيكم على كل حاجة.
دلف الثلاثة إلى المنزل، لتستقبلهم صباح بابتسامتها العريضة وصوتها المميز.
صباح (بحماس): يا مرحب يا مرحب بالغالين! نورتوا الدنيا كلها. اتوحشتكم جوي. أخبار الصعيد إيه وناسها؟ ونجوى عاملة إيه بالأمانة؟
الجد سليم (مازحًا): إيه يا صباح؟ بلعتِ راديو؟ هاتي لنا الأول حاجة نشربها.
صباح (مبتسمة): معلش يا عمي، شفت الحبايب نسيتني.
الجد سليم: نادي على بستان تسلّم على عمتها والعمدة.
بعد لحظات دخلت بستان بخطوات سريعة مليئة بالحماس.
بستان (بفرحة): أنا جيت أهو يا جدو.
نادية (بحب): إزيك يا غالية يا بنت الغالين؟ كيف يحصل كل ده وما تبلغينيش؟ وفين فريد لما أشوف وشه؟
بستان (بخجل): لا، يا عمتي، فريد بقى كويس أوي، وفي حاجة كده أنا حساها، هقولك عليها بيني وبينك.
الجد سليم (ضاحكًا): والله عال يا ست بستان! بتخبي عليّ كمان؟
دخلت صباح تحمل القهوة وتقدمها للجميع.
صباح: اتفضلوا القهوة يا جماعة.
نادية: أومال فين عمر؟
صباح: راح يشوف موضوع نقله، وجده قاله لو اتأخر ياخد إجازة. انتِ عارفة، من يوم ما اتعيّن وهو ما أخدش إجازات. بس، نجوى عاملة إيه بالامانه ؟
نادية: والله يا بتي، زينة ورايقة، وبتسلّم عليكوا. لما ييجوا عمر وفريد، هنكلموها في التليفون ونشوفو بعضينا.
الجد سليم: بستان، كلمي سليم خليه يجيني ضروري.
بستان: حاضر يا جدو.
تنهض بستان لتجري اتصالًا بسليم، وقبل أن تغادر المكان، توقفت نادية ممسكة بيدها.
نادية (بابتسامة): خدي يا بستان، عايزاكي. بعد إذنكم يا جماعة، هنطلع الجنينة.
تجلس نادية مع بستان تحت ظل شجرة كبيرة في حديقة المنزل.
نادية: قوليلي يا بستان، إيه رأيك في سليم ولد عمك؟
بستان (مترددة): زين ومؤدب وحنين أوي، يا عمتي.
نادية (ضاحكة): وه وه، كل ده معلوم. سليم زينة شباب العمرية، كيف جده في شبابه... صح، أومال فين فريد؟
بستان: سليم خدّه معاه الشركة بتاعت المواد الغذائية. انتِ ناسية إنه مهندس زراعي؟ قاله: "تعالَ سلي وقتك معايا."
نادية (بحب): ربنا يهديلكم حالكم يا بتي، ويريّح قلوبكم. أنا مخلفتش صبيان، لكن والله بعتبر كل ولاد العيلة عيالي.
بستان (بابتسامة): ربنا يخليكي يا عمتي. يوه، نستيني! هروح أتصل بسليم.
نادية (مازحة): اتصلي، ياختي. تلاقيكي إنتِ اللي نفسك تشوفيه، مش جدك . فاكرة يا بستان لما سليم جيه الصعيد زمان؟ كنتِ واقفة على التوتة بتجيبي توت، ووقعتِ وقعدتي تبكي. وسليم خدّك، مسحلك إيدك، وقالك: "ما تبكيش، إنتِ هتبقي مرات سليم العمري." ولما أنا جيت، قلتله: "بتقول ايه يا ولدي؟ إنتو لسه صغيرين!" قالي: "بستان بنت عمي، وأنا أحق واحد بيها. خلي بالك من عروستي، يا عمتي."
بستان (مندهشة): إمتى ده؟ والله ما فاكرة.
نادية (بثقة): لا، أنا فاكرة. خلّصي اتصلي، وأنا هخش للجماعة.
تتصل بستان بسليم، ويرد عليها سريعًا.
سليم (بحماس): أهلاً أهلاً يا بوسي، عاملة إيه يا قمر؟
بستان (بجديّة مصطنعة): سليم، جدي عايزك ضروري، وكمان عمتي هنا هي وعمي العمدة.
سليم (مازحًا): هو إيه يا بوسي؟ هو أنا موحشتكيش ولا إيه؟
بستان (بخجل): بس بقى يا سليم.
سليم (ضاحكًا): يا خراشي على كسوفك! أحلى "سليم" سمعتها في حياتي.
بستان (بحرج): يوه يا سليم، خلّص بقى.
سليم (بضحك): ماشي ماشي هتروحي مني فين؟
يغلق سليم الهاتف وينادي على فريد، الذي كان مشغولًا ببعض الأوراق.
سليم: فريد، يلا بينا يا بطل. هنروح لجدك، عشان عمتك وعمك العمدة جم من البلد.
فريد (بتوتر): مش عارف هوري وشي لعمتي إزاي.
سليم: خلاص بقى يا فريد، ما إحنا قولنا اتغيرنا. بس متنساش بعد ما نسلم عليهم تروح تطمّن على الجنينة اللي هنشتري محصولها، ولو عجبتك خلّص فيها.
فريد (ممتن): مش عارف أقولك إيه على الثقة الغالية دي.
سليم: بتقول إيه، يا بني؟ إنت أخويا، وهتبقى خال العيال.
فريد (ضاحكًا): والله شكلك اتعاديت من عمر.
----------------------
بعد ما وصل سليم وفريد إلى الفيلا، رحبوا بالضيوف وأمضوا وقتًا ممتعًا أثناء تناول الغداء في جو هادئ، بعد أن انتهوا من الطعام، الجد سليم قال بصوت جاد:
الجد سليم: "تعالوا يا سليم، والحجة ناديه والعمدة في المكتب، عايزكم ضروري، محدش يخش علينا."
بستان بضحك : "بقى كده يا جدو، في أسرار بتخبيها عني؟"
الجد سليم ابتسم ابتسامة خفيفة وقال: "بعدين يا بستان." ثم نظر إلى صباح وقال: "وابعتلنا الشاي يا صباح."
اتجهوا جميعًا إلى المكتب. في المكتب، كانت الحجة ناديه جالسة على الكرسي وعينها مليئة بالقلق، فقالت:
ناديه: "فهمني يا أخوي، في إيه؟ إزاي فؤاد يعمل كده من غير علمك؟"
العمدة، الذي كان قاعد جنبها ووجهه يظهر عليه الغ ضب، قال: "كيف تسكتله يا حج سليم على اللي عمله ده؟"
الجد سليم نظر إليهم بهدوء وقال: "استهدوا بالله، وهتفهموا كل حاجة." ثم التفت إلى سليم وقال: "يا سليم، عملت اللي قولتلك عليه يا ولدي؟"
سليم رد بثقة وقال: "تمام يا جدي، الورق كله جاهز."
ثم نظر إلى الجميع وقال: "صلوا على النبي، واللي هتسمعوه ميطلعش برانا."
كانت الغرفة مليئة بالترقب، والجميع كانوا في حالة من الحيرة والانتظار لما سيحدث بعد ذلك.