رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الثانى عشر 12بقلم سيلا وليد


 رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الثانى عشر بقلم سيلا وليد


"اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك "


أميرتي الصغيرة ..

عانقيني بنظرات عينيكِ ..


دعيني أتأمل جمال الروح في محرابكِ 

أتنهد هدوء النسمات من أنفاسكِ ..


أرتشف زوبعة الحب من فنجان الشفاه 

ثم أحملك بأجنحتي فوق وسادة القمر ..


كالفراشة ترفرف بين أحضان الزهور ..

فإن سألوكِ يوماً ،،،

عن موطن الياسمين ،،،

فقولي :

بين شفاه من نطقوا عشقًا فكانوا له أوفياء ..

#إلياس_السيوفي


دلفَ للداخلِ يبحثُ عنها، استمعَ إلى حركةٍ بغرفةِ الملابس، دفعَ البابَ وجدها تقومُ بتبديلِ ثيابها، أغلقت سحَّابَ فستانها، ثمَّ رفعت عينيها إليه.. سحبت نفسًا قويًا حينما شعرت أنَّها أوشكت على البكاء، تعلمُ أنَّها أخطأت ووضعتهُ بموضعٍ خجل، اقتربت منهُ بعدما وجدت نظراتهِ الغاضبة: 

-عارفة مهما أتأسِف مش هقدر أقلِّل من غلطي الشنيع، بس واللهِ كنت مفكَّراك لوحدَك، أنا مستحيل أكون بالطريقة البشعة دي..


التوى زاويةَ فمهِ بعبثٍ يشيرُ إليها باستهزاء:

- لو معملتيش كدا هشُك يكون فيكي حاجة، عارف ومتأكد إنِّك متقصديش، علشان لو قصدتي أنا ممكن أموِّتك من غير مايرفِلي جفن، اقتربَ منها وشيَّعها بنظرةٍ مهينة، يضغطُ على ذراعها بقوَّةٍ آلمتها:


-لو أنتِ عاقلة وبتفكَّري قبلِ ماتتهوَّري مكنتيش حطتيني وحطيتي نفسِك في موقف زي دا..أنا خلاص زهقت منِّك ومن تهورِك...قالها ثمَّ دفعها بعيدًا وكأنَّها عدوى، ثمَّ أشارَ بإبهامه:

-متخلنيش أتعامِل معاكي بتعامُل إلياس الظابط، دا آخر تنبيه ليكي...

قالها وتحرَّكَ سريعًا للخارجِ يأكلُ الأرضَ بخطواتِه..مرَّت دقائقَ وهي متوقفة تنظرُ إلى خروجهِ بقلبٍ يئنُّ وجعًا تتمتمُ بخفوت:

-أنا فعلًا أستاهل ياإلياس علشان بتهاوِن في أغلاطك..

-وايه اللي يجبرك تتحمل واحدة زيي ياالياس باشا..

تسمر بمكانه بعدما استمع إليها..استدار إليها وتشابك بعيناها 

-مش يمكن علشان اهبل ولسة بحبك..قالها وخرج سريعًا.. دقائق متوقفة بمكانها لا تعرف أتبكي ام تحزن من كلماته، كل ما فعلته رددت لنفسها "وانا كمان بحبك"


بفيلَّا الجارحي:

دلفت أحلام تطالعُهم باشمئزاز، وهدرت قائلة:

-عروسة مين دي إن شاءالله، عروسة الواد اللي هناك دا، أهي شبهُه.. 

ارتفعت أنفاسُ فاروق ينظرُ إلى اسحاق الذي وقفَ متجمِّدًا كيف وصلت إلى هنا دونَ إخبارِه، وصلَ إلى والدتهِ مع صوتِ أرسلان:

-إيه اللي حضرتِك بتقوليه دا ياجدتي؟!..

-اخرس يالا، انحنى إسحاق يقبضُ على كفِّها يقبلُه:

-جدتك بتدلَّع عليك ياأرسو، زعلانة علشان معملتِش فرح يليق بأهلِ الجارحي وعزمتهُم..مش كدا ياماما ..انحنى يهمسُ لها:

-أنا مش بهدِّد بس لو اتكلمتي بحرف يقهُر الولد وحياة رحمة أبويا هنسى إنِّك أمي ياستِ أحلام هانم..قالها وتراجع..ولكن كانت هناكَ أعين تراقبُ مايحدث، فاقتربَ بعدما تركَ كفَّ زوجته:

-كنت بتقولًَها إيه ياعمُّو؟..ثمَّ رفعَ عينيهِ إلى جدته:

-هو حضرتِك زعلانة فعلًا، ولَّا إسحاقو بيحاول يخبِّي حاجة..

رسمت قناعًا باردًا رغمَ خوفها من نظراتِ إسحاق أردفت:

-أه زعلانة..اتكأَ إسحاق على كتفِها مبتسمًا يوزِّعُ نظراتهِ بين الجميع: 

-أمي بتحب تتدلَّع علينا..ابتعدت وهزَّت رأسها متراجعةً إلى المقعد: 

-كمِّلوا احتفالكو بالعروسة، أنا فعلًا مضايقة علشان الواد دا كان المفروض يعرَف هو تبع عيلة مين، وكمان نزل لمستوى متدنِّي، زي غيره، قالتها تنظر إلى صفية بشماتة، ثم استأنفت 

- فين بنات العائلات..

-تيتا لو سمحت..ابتعدت بنظرِها قائلة:

-قولِّي أحلام هانم أنا مش كبيرة أوي على تيتا دي، هتلعب معايا ولَّا إيه..

ضيَّقَ أرسلان عينيهِ يُطالعها بشك، ثمَّ ردَّد:

-هو ليه حضرتِك بتحسِّسيني إنِّي واحد من الشارع…

حاوطهُ إسحاق وأطلقَ ضحكاتٍ مرتفعة، يجذبهُ لأحضانه:

-الواد دا مشكلة، لازم يرُد كلمة بكلمة..ابتعدَ أرسلان وتسرَّبَ الشكُّ داخله، وعينيهِ على أسحاق مرَّة وعلى فاروق..ظلَّ الوضعُ على صفيحٍ ساخنٍ بينهم بعضَ الوقت.. إلى أن افتتحت الحفلة برقصةِ أرسلان وزوجتهِ ببدايةِ الأمر…

حاوطَ خصرها وتحرَّكَ مبتعدًا بها، رفضت في بدايةِ الأمرِ ولكنَّها وافقت مجبرةً بعد إصراره.. 

بسطَ كفَّيهِ لتعانقَ يديها واحتضنها بعينيهِ الحنونةِ لتبعثَ بداخلها قشعريرةً قويةً تسربت لعمودها الفقري، ابتعدت بنظرِها خجلةً تنظرُ بكافَّةِ الأرجاءنظرت ليديه تفرك بكفيها تهمسُ له:

-مبعرفشِ أرقص ياأرسلان، عمري مارقصت..

-حبيبتي إيدي وجعتني والكلّ عمَّال يبُص علينا، هفضَل مُنتظر كتير…

رفعت نظرها إليهِ ولمعت عينيها بخطٍّ من الطبقةِ الكرستالية:

-مبعرفشِ خايفة يضحكوا عليَّا..

-مش واثقة فيَّا...دنت ُمنه ووضعت كفَّيها بين يديه، ليحاوطَ خصرها يقرِّبها إليه، قفلت جفونها بشدَّة، وهي تحاولُ أن تسيطرَ على تلك العاصفةِ التي اجتاحت جسدها من قربهِ المهلك،

بلَّلت حلقها الذي شعرت بجفافه:

-أرسلان هعمِل إيه، خايفة..

-ارفعي راسِك وبوصيلي وبس، واتحرَّكي مع الموسيقى..

هزَّت رأسها بالنفي وتمتمت بتقطُّع:

-مش هقدر صدَّقني، هدوس على رجلَك..قهقهَ عليها وبدأ يتحرَّكُ مع الموسيقى وذراعهِ يحاوطُها يتحدَّثُ معها حتى يسحبُ رهبتها: 

-ماقولتيش إيه رأيك في العيلة، من وقتِ ماجينا هنا أمي استفردِت بيكي..

ابتسمت بخجلٍ مردفة:

-اسمها أمَّك، اللي يسمع أرسلان باشا مايشوفشِ المستوى الاجتماعي..

انكمشت ملامحهِ باعتراضٍ قائلًا:

-ليه بقى إن شاءالله!!

مازالت ابتسامتها تنيرُ وجهها وتناست أنَّها ترقصُ بين ذراعيه لتردف:

-متوقعتِش تبقى غني أوي كدا، كنت مفكَّرة إنَّك من الطبقة المخملية بس الهاي كلاس دي استبعدتها.. 

قرَّبها إليهِ حتى اختلطت أنفاسهما وكادَ  أن يلمسَ ثغرها لتبتعدَ متلفِّتةً حولها بخجلٍ من حركاتِه:

-يابنتي اثبتي أنا كنت هجاوبِك بس، لكن إنتِ اللي دماغِك شمال..

-أرسلان بس بقى والله هعيط..توقَّفت الموسيقى مع تصفيقِ إسحاق لينتبهوا للجميع..حمحمَ وسحبها متَّجهًا إلى والدتِه: 

-إيه رأيك في مرات ابنِك ياصفية خانوم..سحبتها صفية وعيناها على أحلام خوفًا من انقلابِ فرحتها، ثمَّ أجلستها بجوارِها:

-أحلى عروسة ياحبيبي، ربنا يسعدُكم يارب، وأشوف ولادُكم قريب.

انحنى يقبِّلُ يدَ والدتهِ ثمَّ رأسها، رفعت رأسها تطالعهُ بذهولٍ تهمسُ لنفسها:

-هل حقًّا هذا الشخصَ هو المتجبِّر زوجها، هذا المتكبِّر الذي لا يتحمَّلُ أحد إفراضَ رأي عليه..ظل الحفل لبعض الوقت إلى أن همسَ إلى والدته: 

-أنا ماليش في جوِّ العيلة الخنيق دا، كلُّهم عرفوا إنِّي اتجوزت أهو، وشايف أحلام عايزة تموِّتني معرفشِ ليه، فأنا هروح بيتي سامحيني..مش هقدَر أبات هنا ووعد زي مااتفقت كلِّ خميس هنيجي نبات معاكي، وأيِّ سفر ليَّا هجيب غرام لحضرتِك.

ربتت على كتفهِ متنهِّدةً أخيرًا فهي تريدُ أن يذهبَ قبلَ أن تتفوَّهَ أحلام، فلولا وجودِ إسحاق لانقلبت حياتهق

-خُد بالك من نفسك ومن مراتك، التفتت إلى غرام:

-خلِّي بالِك منُّه حبيبتي..توقَّفت مبتسمةً تنظرُ إلى أرسلان وهمست:

-حاضر ..سحبَ كفَّها يلوِّحُ إلى والدهِ وإسحاق الذي تنفَّسَ أخيرًا بحريَّةٍ يجذبُ فاروق إلى المكتبِ حتى يطمئنهُ خوفًا أن يصيبهُ مكروه..

هوى على المقعدِ يفتحُ ربطةَ عنقهِ يتنفَّسُ بتثاقلٍ مع دخولِ أحلام بعدَ استدعاءِ إسحاق إليها مع الخادمةِ.. دلفت كالجبروتِ تجلسُ تطالعُهم بغضبٍ وهدرت معنِّفةً إياهم:

-متفكَّروش سكتّ علشان حاجة، ممكن أخرج أفضحك يافاروق برَّة إلَّا إذا وافقت على شروطي..

-أملاكك كلَّها تتكتِب باسمِ ملك، مراتَك وابنِ الشوارع دا ماياخدوش ولا مليم

جلسَ إسحاق يشعلُ سيجارتهِ يشيرُ بعينيهِ لفاروق على أن يهدأ ثمَّ سحبَ نفسًا من تبغهِ ينفثهُ بهدوءٍ وعينيهِ على والدتهِ متمتمًا: 

-أنا صبرت عليكي كتير، ودا مش حبًّا فيكي، دا علشان اسمِ العيلة اللي وعدت أبويا إننا نحافظ عليه، معرفشِ بأيِّ حق جاية تتكلِّمي، هوَّ مش حضرتِك اتبريتي منِّنا وروحتي اتجوِّزتي، راجعة وعايزة إيه..فتحت فاهها للحديث، إلَّا أنَّهُ نصبَ عودهِ بتكبُّر واقتربَ منها ثمَّ انحنى يحاوطُ مقعدها بذراعيه:

-الماضي لسة قدَّام عيوني ياأحلام هانم، ياريت نهدى ونتلَّم كدا، أنا عن نفسي متبرِّي منِّك وبحاول أضغط على نفسي وأتقبَّلك قدَّام المجتمع علشان فاروق مش أكتر، إنَّما إنتِ متهمنيش ولو حتى خطوة للباب دا، أقسم بربِّ العزة لو نطقتي كلمة واحدة قدَّام أرسلان لأطلعلِك إسحاق القديم أظن فكراه كويس ..المرة اللي فاتت فاروق أنقذِك من تحتِ إيدي، المرَّة دي مش هرحمِك، لمِّي الدور وارجعي لجوزِك وعيالُه، حقِّك وأخدتيه جاية لعندنا ليه..

-إسحاق اتجنِّنت، إنتَ ناسي بتكلِّم أمَّك..

اعتدلَ يطالعهُ بتهكُّم:

-لا مش امي ..قالها وخرجَ يشيُّعها بنظرةٍ تحملُ الكثيرَ من البُغض..

نهضت من مكانها تشيرُ على خروجه:

-شايف أخوك، شوفت بيعاملني إزاي..

-ماما إسحاق ومش هيتغيَّر، والبركة في حضرتِك..

-ليه مش من حقِّي أعيش حياتي ..نهضَ من مكانه: 

-مش كلِّ مرَّة نتكلِّم في الموضوع دا..


بسيارةِ أرسلان، جلست بجوارهِ بالخلف، كان يتحدَّثُ مع أحدهم: 

-لا بكرة هكون خارج القاهرة، تمام،خلِّيك وراه واعرف الواد دا آخرُه إيه..أنا هقفِل الفون أيِّ حاجة كلِّم سيادةِ العقيد وبلَّغه بالجديد..

قالها وأغلقَ الهاتفَ يتطلَّعُ للتي تنظرُ للخارجِ بشرود، تُراجعُ ذكريات منذُ أيامٍ بعدما أخذها من منزلهما متَّجهينَ إلى الفيلَّا الخاصة بالعائلة..ترجَّلَ من السيارةِ ثمَّ بسطَ يدهِ يساعدُها بالنزولِ من السيارة، تلفَّتت حولها: 

-إحنا فين؟..حاوطَ كفَّها وتحرَّكَ لداخلِ الفيلَّا بعدما وقفت السيارةُ أمامَ البابَ الداخلي:

-دا بيتنا..توقَّفت متسمِّرةً وازدادَ توترُها 

تسائلهُ بتقطُّع:

-يعني إيه، وليه جايبني هنا؟!.. 

تحرَّكَ بعدما سحبها من كفَّها:

-جه الوقت اللي الكل لازم يعرف مين هيَّ غرام الجارحي.

-أرسلان لو سمحت..استدارَ ينظرُ إليها بصمتٍ يستمعُ اليها، تركت كفِّهِ وتمتمت بتقطُّع:

-أنا مش جاهزة.. إزاي تجبني من غير ماتقولِّي، إمتى هتشاركني قراراتك..

لفَّ ذراعيهِ حولَ جسدها ونظرَ لوجهها مردفًا دونَ نقاش:

-اسمعيني علشان مش هكرَّر الكلام تاني، إنتِ مراتي وكان لازم من زمان تكوني هنا، بس أنا اللي كنت بأجِّل لأتأكد من مشاعري، إنَّما آخد رأيك ليه في موضوع محسوم، وياستي لو قلقانة مفيش غير ماما اللي موجودة، وبابا على وصول والراجل مش هياكلِك هوَّ عارف أصلًا إنِّي متجوِّز هوَّ وأمي..

-إيه!! إزاي..أومال ليه مخبِّي ومين اللي ميعرفش؟..

أشارَ إلى الحديقةِ وأردف: 

-إيه رأيك نفرش ونقعد هنا ونحكي ليه أنا معرَّفتش البقية، ادخلي حبيبتي ربنا يهديكي، مش كلِّ حاجة ينفع أحكيها..

تحرَّكت بجوارهِ بصمت، بعدما لمَّحَ لها ببعضِ الإشاراتِ عن هويتِه.. 


دلفَ للداخلِ قابلتهُ الخادمة:

-أهلًا ياباشا..نزعَ معطفها وناولهُ للخادمة، ثمَّ فعل مثلها متسائلًا:

-ماما فين؟!..أشارت إلى غرفةِ  الموسيقى قائلة:

-الهانم جوا، ملك هانم لسة واصلة من شوية..سحبَ كفَّها وتحرَّكَ للداخل ..طرقَ البابَ رفعت ملك عينيها  تنظرُ للذي دلفَ وبجوارهِ إحدى الفتيات، 

هبَّت من مكانِها تهرولُ إليه:

-أبيه أرسلان..وحشتني، قالتها وهي تعانقه، رفعها يضمُّها باشتياقٍ مقبِّلًا وجنتيها:

-ملوكة حمدالله على السلامة..

ابتسمت لهُ تطبعُ قبلةً على وجنتيه:

-الله يبارك فيك ياحبيبي، لاحت بنظرها إلى غرام التي كانت تنظرُ إلى صفية برهبة، اقتربَ أرسلان من والدته:

-صفية هانم الدراملي وحشاني..قالها وهو ينحني يطبعُ قبلةً فوقَ رأسها..

ربتت على ظهره:

-حمدالله على السلامة حبيبي، قالتها وعينيها على غرام التي وقفت منكمشة، أشارت عليها متسائلة:

-الجميلة دي مراتك..بسطَ يدهِ إليها قائلًا:

-تعالي ياغرام، دي ماما ..ثمَّ اتَّجهَ لوالدته: 

-المدام خايفة منِّك..قالها وهو يحاوطُ جسدها..تورَّدت وجنتيها تهمسُ بتقطُّع

-إزي حضرتِك..أشارت صفية إليها بالقرب..اقتربت منها وعينيها على أرسلان الذي أومأ لها ..أجلستها بجوارها ثمَّ ضمَّتها لأحضانها:

-ماشاء الله مراتك حلوة ياأرسو..قالتها صفية وهي تلمسُ وجنتيها..

جلسَ بجوارِها من الجانبِ الآخر، ثمَّ حاوطَ أكتافها غامزًا لصفية: 

-دي غرام الجارحي ياصفية يعني لازم تكون ملكة جمال..

اتَّجهت تطالعهُ بغضب طفولي..ضحكَ عليها يغمزُ بطرفِ عينيه..

-إيه ياغرام مكسوفة من ماما..كانت تقفُ بعيدًا ببعضَ الخطواتِ ولكنَّها لا تعلمُ لماذا شعرت بالغضبِ من احتضانهِ لتلكَ الفتاة، رفعَ عينيهِ إليها:

-دي ملاكي الصغير ياغرام، أختي بس من بابا.. اقتربت ملك ثمَّ دفعت غرام وجلست بأحضانِه.. 

-حبيبي ياأبيه، ربِّنا يخليك ليَّا ياأحسن أخ، وطبعًا هفضل ملاكك طول العمر، أنا وبس مش كدا ولَّا إيه؟..

رفعَ حاجبهِ ساخرًا:

-إيه يابت هتصاحبيني ولَّا إيه، علشان بهزَّر معاكي..اعتدلت تلكمهُ بصدرهِ وكأنَّهُ يحدِّثها بجدية، ونهضت باكية:

-أنا زعلانة منَّك...

ضحكت صفية وطالعتهُ بعتاب:

-الحقها دي مجنونة، ثمَّ نظرت إلى غرام:

-حبيبتي قرَّبي تعالي، متزعليش من ملك، هيَّ بتغير على أرسلان شوية..

أومأت لها:

-شكلها بتحبُه أوي..شردت صفية تهزُّ رأسها: 

-وهوَّ كمان روحه فيها، حاولي متزعليش منها.. 

-هزَّت رأسها مبتسمة:

-بالعكس مش زعلانة، وبعدين دي أختُه..تذكَّرت صفية تمارا فطالعتها بتدقيق:

-وكمان له بنت عمته بيعاملها كأنَّها أخته، بس أديكي شايفة جيل التكنولوجيا بيعمل إيه، عايزين أخواتهم ليهم لوحدهم..خرجت من شرودها عندما لمسَ كفَّها:

-سرحانة في إيه بقالي فترة بكلِّمك..

استدارت تطالعهُ بنظراتها العاشقة:

-شكرًا على الليلة الحلوة دي..رفعَ كفَّها وقبله: 

-بتشكريني على إيه دا حقِّك حبيبتي وأكتر من كدا كمان.. 

لفَّ ذراعيهِ وضمَّها لأحضانهِ مطبقَ الجفنينِ يستنشقُ رائحتها بوله:

-غرام عايزك دايمًا فرحانة، والابتسامة متفارقشِ وشِّك.. 

رفعت رأسها وهتفت:

-طول ماإنتَ جنبي أكيد هكون فرحانة..

طبعَ قبلةً فوقَ جبينها ثمَّ فتحَ بابَ السيارةِ التي توقَّفت أمامَ بابِ منزله..ترجَّلت متحرِّكةً بجوارهِ إلى أن وصلَ إلى بابِ المنزل.. 

-غمَّضي عيونِك، ماتفتحيش غير لمَّا أطلب منِّك..

فعلت مثلما طلبَ منها، فتحَ البابَ وانحنى يحملُها فتعلَّقت بعنقهِ تصرخ..

-أمم قولت إيه ماتفتحيش غير لمَّا أقولِّك..أنزلها أمامَ كعكةٍ متعددةُ الأدوار، وقامَ بإشعالِ الشموعِ مع إغلاقِ الإضاءة، وفتحَ موسيقى أجنبية هادئة..


-كدا كتير ياأرسلان، هفتح عيوني والله..حاوطَ جسدها من الخلف بعدما أزالَ حجابها مع غطاءِ فستانها الخارجي، لينسابَ إلى أسفلِ قدميها وتصبحَ أمامهِ بفستانٍ أبيضَ بحمَّالاتهِ الرفيعة، وطولهِ الذي يعلو الركبة، فلقد اختارهُ لها بعنايةٍ لتصبحَ عروسهِ مستعدِّةً لتلكَ اللحظة.. 


رجفةٌ أثارت جسدها عندما استمعت إلى همسهِ لتشعر ببرودةِ جسدها:

-دلوقتي غرامي تفتح عيونها الجميلة لحبيبها..فتحت عينيها تنظرُ لتلكَ الكعكةِ المجهَّزة، والشقَّةُ المزينة، التي من يراها يزعمُ أنَّها للعروسينِ ليلةِ زفافهما، تذكَّرت ذاكَ الجناحِ الذي استقرُّوا بهِ بعضَ الأيامِ بفرنسا..ارتخت ساقيها حتى أصبحت كالهلامِ وهي تشعرُ بيديهِ على جسدها المكشوفِ من الفستان ..استندت عليهِ وتحدَّثت بنبرةٍ أثارته:

-دا كله ليَّا أنا معقول المفاجأة دي حبيبي..

آآه عاشقة بنبضِ قلبهِ المتزاحمِ بصدره، رفعت يديها لتحاوطَ عنقهِ يهمسُ بجوارِ أذنها:

-إيه رأيك في المفاجأة..رفرفرت بأهدابِها الكثيفةِ تحاولُ السيطرةَ على ارتعاشةِ دواخلها، تومئ له..رفعَ ذقنها يلمسُ وجنتيها الناعمة: 

-مش هنقطَّع التورتة..أومأت تهربُ من نظراته..وضعَ كفِّهِ فوقَ كفها، وأمسكَ السكينَ ليقطعا جزءًا من الكعكة، حملت الطبقَ بيدٍ مرتعشةٍ تحاولُ أن تضعَ بعضًا له..اقتربَ يبعدُ يديها وحملهُ مكانها، وبدأ يقطِّعُ جزءًا منها يضعهُ بالطبقِ الذي بيديه، وعينيهِ عليها، أشارَ إليها: 

-مين هيدوَّق التاني..أمسكَ الشوكةَ وقطعَ جزءًا صغيرًا يقرِّبهُ إلى فمها.. 

تورَّدت وجنتيها وهو يقرِّبها من شفتيها، لحظاتِ ولم تشعر بشيئٍ سوى اختطافهِ لتلكَ القطعةِ بطريقةٍ انهارت على خلفيتها قلاعها الحصينة، من جرأتهِ الغير المعهودة، لم يرحم ضَعفها وبخفَّةٍ حملها ومازال يعقدُ مع ثغرها علاقتهِ المنفردةِ ليتوِّجَ هذا المساءَ بنيةِ عزيمتهِ لتصبحَ زوجته، سحبها للداخلِ خاطفًا أنفاسها وروحها وهو يسكبُ لها من ترانيمِ عشقهِ ما يجعلها ملكةً متوَّجةً على قلبه، لتصبحَ زوجتهِ قولًا وفعلًا..بعدَ فترةٍ كان يداعبُ خصلاتها وهي تدفنُ وجهها خجلًا منهُ على ماصارَ منذُ قليل..ابتسمَ بحنانٍ على خجلها، دعا بسريرتهِ أن يؤلفَ اللهُ بينهم بالمودةِ والرحمةِ ويملأ حياتهما سعادةً لا تنتهي، طالبًا من المولى عز وجل أن يرزقهما بالذريةِ الصالحة..انحنى يطبعُ قبلةً حنونةً فوقَ جبينها متمتمًا بصوتٍ هامس:

-مبرووك غرامي، دلوقتي بقيتي مدام غرام أرسلان الجارحي..


عندَ يزن بقسمِ الشرطة: 

دلفت إلى مكتبِ وكيلِ النيابة، وأردفت متسائلةً بعد السماحِ لها:

-ممكن أعرف يزن السوهاجي هنابتهمة إيه؟..

-حضرتِك مين..تساءلَ بها بدخولِ والدها بجوارِ آدم.. 

-أهلًا راكان باشا..توقَّفَ راكان يرحبُ بمالك العمري..أشارَ مالك إلى آدم:

-دكتور آدم ابنِ أختي ..ثمَّ اتَّجهَ إلى راكان: 

-راكان البنداري..وكيل النيابة اللي حولوله القضية.

ابتسمَ راكان وهو يطلبُ من المسؤولِ عن مكتبه: 

-تشرَب إيه ياباشمهندس؟..

-مفيش داعي لحضرتَك..إحنا بس عايزين نعرف يزن السوهاجي بتهمة إيه في القضية دي؟..

-أنا لسة واصل، والملف يادوب بفتحُه،  إديني لبكرة وأقولَّك..

هبَّت من مكانها:

-لا طبعا، أكيد مظلوم ومستحيل يبات هنا، حضرتَك لازم تخرَّجُه.. 

اتَّجهَ بنظرهِ إلى مالك متمتمًا:

-آسف ياباشمهندس، بس دي إجراءت قانونية، مينفعشِ أخلي سبيله.،

تحرَّكت بغضبٍ للخارجِ قائلة:

-أنا لازم أقوِّم له محامي، مينفعشِ يبات هنا..

نهضَ مالك معتذرًا عن عصبيةِ ابنته:

-آسف ياراكان باشا، أصلُهم أصدقاء، وأنا بضمَن يزن على كفالتي الشخصية، هنتظر حضرتَك برَّة وتشوف موضوع القضية دي إيه..


خرجَ ينظرُ لابنتهِ بغضب

-اتجننتي دا وكيل نيابة إيه اللي عملتيه دا..

اقتربت من والدها وشعرت بدوارٍ يضربُ رأسها من كثرةِ عصبيتها:

-بابا يزن مظلوم، لازم تخرَّجه.. 

زفرَ بغضبٍ وأمسكَ هاتفهِ وقامَ ببعضِ المكالمات ، حتى جلسَ قائلًا:

-القضية عند راكان ومستحيل يخرَّجُه من غير مايدرسها ويحقَّق فيها كويس، كلِّ ماحد يعرف إنَّها مع راكان رافض يساعدني، علشان دا سكِّتُه معروفة مالوش في الواسطة.. 

-طيِّب مادا كويس ياخالو، يعني هيساعدنا ونعرف نخرَّجُه لو كان مظلوم ..توقَّفَ ينظرُ لابنته: 

-الموضوع مش بالسهولة دي، دي قضية قتل، وكمان العربية هو اللي صلَّحها معرفشِ إيه اللخبطة دي..


بالداخلِ عند راكان وهو يتطلعُ على أوراقِ القضية، واستدعاءِ يزن ..توقَّفَ على بعضِ النقاط، بدلوفِ يزن إليهِ 

بعد فترةٍ من التحقيقات..


قصَّ لهُ يزن ماصار، بدايةً من وصولِ الشخصِ الذي يُدعى بياسر وحديثهِ بالكامل،وبفطنةِ راكان وخبرته  ..أمرَ بإعادةِ تشريحِ الجثمان وفحصِ كاميراتِ چراجِ السيارات..مع حبسِ المتَّهم أربعةَ أيامٍ على ذمةِ القضية، قالها بدخولِ جاسر الألفي..

-مساء الخير يابوص..جلسَ بمقابلتهِ مع انشغالهِ بمراجعةِ الأوراقِ التي أمامه..توقَّفَ جاسر متَّجهًا إليه: 

-في حاجة ولَّا إيه؟..رفعَ رأسهِ ثمَّ نزعَ نظارتهِ الطبية: 

-القضية الغبية اللي حضرتك قبضت فيها على المهندس، دا ملفِّق غبي.. 

-يعني إيه..دلفَ العاملُ بقهوةِ جاسر وراكان، صمتَ راكان إلى أن خرجَ ثمَّ أردف:

جاسر انت قولت دا مهندس سيارات، ومن تحقيقاتك قولت أنه عايز بيحب البنت، وانا لاحظت فعلًا البنت بتحبه

-طيب كويس، يبقى ممكن يكون عايز ينتقم زي مالتحقيقات قالت

توقف راكان يهز رأسه بالرفض غير مقتنع ثم أردف:


-إيه رأيك في واحد عايز يدَّخل واحد السجن أو ينتقم منُّه Whatever يعني هوَّ عايز منُّه إيه، بس فكَّر بغباء وتخلُّف..

ارتشفَ جاسر من قهوتهِ يستمعُ إليهِ بتركيز: 

-يعني واحد راح لمهندس ميكانيكا يصلَّح عربية في حيِّ شعبي مع إن العربية دي لمالك شركة، وبعد كدا ياخُد العربية مسافة 20 كيلو وبعد كدا يركنها في چراچ لحد ما المتوفِّي ركبها وفجأة الفرامل ملعوب فيها وهوَّ كمان شارب، الموضوع أهبل بتاع عيل أهبل…


-تقصُد إيه من كدا ..نقرَ على مكتبهِ بتفكير: 

-المهندس دا ياإما حد عايز يتخلَّص منُّه، ياإما كان مالك المقصود وجت في اللي مات…

-أوبااا كدا مش عيل أهبل زي ما بتقول ياحضرةِ الوكيل..

مطَّ شفتيهِ للأمام يهزُّ رأسهِ بالموافقةِ على رأيه..

-دا للأسف اللي بحاوِل استنتجُه، بس في الأوِّل والآخِر المهندس دا مظلوم ليه حبستُه؟.. 

-نهضَ يجمعُ أشيائه.. 

-مينفعشِ أخرَّجُه هوَّ المتهم الأوَّل قدَّام القانون، بعد ماللوا ابن المتوفي متهمه، وكمان عايز أعمل خدعة حلوة علشان أعرف إيه الهدف ..بس دا بعد مايشرَّحوا الجُثة لو جه اللي في بالي صح يبقى كدا مالك نفسُه المقصود..

-بس دي مش عربية مالك، دي خاصة والاجتماعات ووكلاء الشركة وكدا 

-بس مالك بيركبها لما يكون فيه اجتماع خارج الشركة، ركز عربية صاحب شركة تتصلح في ورشة بحارة 

المهم الواد اللي اسمه ياسر دا حافظ عليه كويس، الواد دا أساس القضية، ودا عايزك تحقق معاه تاني بطريقة تخليه يطفح اكله 

قهقه جاسر متحركًا بجواره:

-قلبي ضعيف يابني انت عارفني 

توقف يرمقه بسخرية ثم هز رأسه:

-أيوة عارف بدليل الواد اللي قطعت صوابعه انت وياسين دا انتوا غلابة ياجدع ..ارتفعت ضحكاته 

-قلبك اسود يابن البنداري، الله يرحم عمايلك يااخويا، متمريش الناس بطوب وانت بيتك من قزاز ..تحرك الصديقان ومازالت ضحكاتهم على وجوههم ليشير راكان لنفسه

-أنا بيتي من قزاز، لا ياحبيبي بيتي غالي من الالماس 

-اوووبا عليك ياحضرة المستشار..اقترب هامسًا

-راكان البنداري معاك واديني كام يوم لو مااثبتش المهندس دا برئ يبقى قعدني على عربية طماطم 

-دي قضية واحد فلتت من دماغه برج الذكاء، بس على مين 

أممم لا فعلًا دماغ ياراكي باشا..

قهقهَ راكان ثمَّ ربتَ على كتفه: 

-يابني انا يتعملِّي كتاب ويدرَّس منُه.. 

اومأ جاسر برأسه:

-ليك الغرور ياحضرةِ المستشار، ماقولتِش على فين السهرة النهاردة؟.، 

نظرَ بساعةِ يدهِ قائلًا:

-النهاردة عيد ميلاد كيان ودي لو محضرتِش بتقوِّم الدنيا في البيت، خلِّيها لبكرة.. 

-أوكيه، كلِّ سنة وهيَّ طيبة، وأكيد أحسن هدية منِّي لكوكي توصل على البيت ..توقَّفَ أمامهِ قائلًا:

-إيه رأيَك تجيب الولاد يقضُّوا عيد الميلاد مع بعض؟.. 

هزَّ رأسهِ وأردف:

-مش هنا عند عمِّتهُم باسكندرية من امبارح، عيد ميلاد سفيان ابنِ بيجاد هوَّ كمان، هيَّ إيه العيال الرزلة اللي كل ِّشوية ليهم أعياد ميلاد دي..

ابتسمَ راكان بمحبةٍ قائلًا:

-ياسيدي ربِّنا يبارك فيهم ويحتفلوا، المهم الصبح الاقيك محقق مع الواد دا وتعرف تطلعي بحاجة

-تكرم عيونك، توقف جاسر بعدما لاحظ شيئا

-أنما نسيت اسألك مين اللي رشحك للقضية دي، يعني كنا مع بعض امبارح وبحكي لك وماقولتش حاجة..فتح باب السيارة محاولا التذكر، ثم أردف 

-معرفش مش متذكر، بس انت عارف مش شرط حد رشحني، أيوة حسن قالي اللواء مصطفى السيوفي اللي انتقل هنا من كام شهر..اومأ له واتجه إلى السيارة 

-تمام بكرة هيكون عندك تحقيق كامل، انا كنت سايبها للولاد في المكتب، بس حضرتك أمرت يبقى على الأمر والطاعة، خلاص على تليفون تمام ياصاحبي..

أومأ وهو يتحرَّكُ إلى سيارتهِ ملُّوحًا بيده.. 


باليومِ التالي بعد مطالبةِ راكان بتغييرِ الطبيبِ الشرعي..وصلَ الأمرُ إلى المشفى الذي يعملُ بها آدم وكان هو الطبيبُ الموكَّل بتشريحِ الجثة، دلفَ إلياس إلى المستشفى يسألُ بالاستعلامات: 

-دكتور آدم الرفاعي فين لو سمحتي؟.. 

أجابتهُ قائلة:

-آخر غرفة بالدورِ التاني يافندم..تحرَّكَ سريعًا إليهِ حتى وصلَ باستعدادِ آدم للذهابِ إلى المستشفى المحجوزة بها الجثة ..توقَّفَ أمامهِ وأخرجَ بطاقته: 

-عايزك خمس دقايق ..

أومأ آدم لهُ وجلسَ يستمعُ إليه:

-طبعًا القضية دي مش تبع جهازي، بس  لازم أعرف إيه سبب الوفاة، من فضلك عايز أعرف هل بسببِ الموادِ المخدرة فعلًا ولَّا حاجة تانية؟..

-آسف يافندم مقدرشِ أخون وظيفتي وأقول لحضرتَك بدل مش الجهة المسؤولة.. 

رغمَ إعجابِ إلياس به ووصولهِ إليهِ حتى يعلمُ مابداخله، استندَ على المكتب:

-طيِّب لو قولتلَك اللي حضرتَك تطلبه،  المهم التقرير يكون عندي قبلِ مايوصل النيابة..

هبَّ آدمُ من مكانهِ وجمعَ أشيائهِ قائلًا بنبرةٍ حادةٍ إلى ٍحدٍّ


هبَّ آدمُ من مكانهِ وجمعَ أشيائهِ قائلًا بنبرةٍ حادةٍ إلى ٍحدٍّ ما:

-مش علشان حضرتَك ظابط تطلُب منِّي أخالف ضميري المهني، النيابة الوحيدة اللي ليها الحق تعرَف، معنديش تفاصيل بالباقي عايز تعرَف تروح النيابة وحضرتَك ظابط مش هيكون صعب عليك إنَّك تعرَف..


بعدَ فترةٍ أنهى آدم من تشريحَ الجثمانِ للمرَّةِ الثانيةِ، مرت عدة أيام حتى ظهر التقرير الذي أثبتَ خلوِ الجسدِ من أيِّ موادٍ مخدِّرة، وسببَ الوفاةِ ضربةً حادةً بالرأسِ بسببِ حادثِ سيارة ..

فحصَ راكان التقريرَ الذي وصلهُ بعدَ عدَّةِ أيام ..أومأ مبتسمًا بسخرية: 

-كنت شاكك والله، مش معقول شاب بيصلي وأخلاقُه عالية هيكون مدمن.. 


بناءً عليهِ قرَّرَ خروجَ يزن من السجنِ بمحلِّ إقامتهِ إلى أن تنتهي القضية..


بمكتبِ إلياس: 

منهمكًا بعملهِ في بعضِ القضايا التي تمسُّ أمنَ البلد، لاحَ بصرهِ لملفٍّ لأحدِ الشبابِ ذاتِ الجنسيةِ الأوروبية، فتحهُ وبدأ يقرأُ مابداخلِه، إذ بهِ يتراجعُ على مقعدهِ وذهنهِ شارد، متذكر مكالمة أحدا من فريقه:


قضية الباشمهندس مازن يافندم

مالها !! قالها وهو يشعلُ سيجارته، ليجيبهُ الآخر: 

-تقرير الطبِّ الشرعي بيقول أنُّه كان شارب، والعربية كمان كان ملعوب فيها.. 

-طيِّب الظابط اللي ماسك القضية دي مش قالَّك حاجة؟.. 

هزَّ الرجلُ رأسهِ بالنفي ثمَّ استطردَ موضحًا:

-طبعًا أنا بحاول أتلقَّط الأخبار من بعيد زي ما حضرتَك عارف، بس اللي عرفتُه أنُّهم متهمين المهندس اللي اتعيِّن جديد ودا اللي حضرتَك قولت طارق بيراقبُه ليه، بس حضرةِ اللواء مش مُعترف بالتقرير وغيَّروا وكيلِ النيابة

ولسة التحقيقات شغالة ..خرج من شروده على رنين هاتفه:

-أيوة ..ايه الاخبار 


زي ما حضرتك توقعت وفعلًا الباشمهندس موتُه حادثة مكنشِ متعاطي، ودلوقتي أفرجوا على المهندسِ المتَّهم بمحلِّ إقامتُه..


-تمام ياعزيز، تعالَ على مكتبي ..نقرَ بقلمهِ على المكتبِ وعينيهِ على شاشةِ العرضِ يتمتم:


-بردو ياراجح بتيجي قدَّامي، ياترى إيه علاقتك بالواد دا..رفعَ هاتفهِ استدعى صديقهِ بالعملِ مع وصولِ عزيز، 

جلسَ الثلاثة مع فتحِ شاشةِ العرضِ التي تتناولُ صورَ ذاكَ الشاب:

-الواد دا دخل مصر بعدِ الثورة بكام يوم معاه جنسيات عديدة، شغلُه في شركةِ استيراد وتصدير لإحدى شركات الصين.. وبيتعامِل مع كذا شركة هنا في مصر، من ضُمنهم شركةِ الشافعي.. 

قالها إلياس وهو ينظرُ إلى شريف وعزيز ..اتَّجهَ شريف يطالعُه:

-وليه شاكك فيه، مايمكن الموضوع فعلًا أنُّه شغل ...قامَ بتقليبِ بعضِ الصُّور لذاكَ الشاب في أماكنَ مختلفةِ 

لأماكنَ حيويةٍ يقومُ بتصويرها كسائح.. 

-طيب مايمكن بيصوَّر عادي ..نهضَ إلياس يشيرُ إلى عزيز: 

- قول لشريف باشا إيه علاقتُه بالقضية.. 

نهضَ عزيز وقامَ بقصِّ ما وصلَ إليه: 

-الواد دا كان بيراقب اللواء خيري اللي ابنُه مات في حادثةِ العربية من كام يوم، إحنا لحدِّ دلوقتي منعرفشِ إذا كان هوَّ المقصود ولَّا حدِّ تاني.. 

-مش فاهم..قالها شريف ..نفثَ إلياس سيجارتهِ واقتربَ من الشاشةِ يشيرُ بيدهِ  على ذاكَ الشابِّ في بعضِ الأماكنِ حتى توصَّلَ إلى جلوسهِ بأحدِ النوادي واقترابِ أحد الأشخاص منهُ لدقائقَ ثمَّ اختفائه..

-اللوا دا في الجيش، ليه كان بيراقبُه، وبعدين فيه حاجة مش مفهومة إيه علاقتُه بياسر دا، شوف التلاتة هنا قاعدين، بعدها بيوم الواد ياخُد عربية من عربيات انتظارِ الشركة ، لمكان شعبي وبعد كدا تتحجِز في الجراج لحدِّ ما المهندس ابنِ اللوا دا يركبها ليه، وليه العربية دي الوحيدة اللي ماخرجتش؟!..

-أمم فعلًا كدا الموضوع فيه شك، بس إنتَ بتقول العربية تبع طقم عربيات الشركة يعني إيه اللي يخليه ياخدها ورشة عادية وهو مالوش في الشغلِ دا وفين المسؤول؟.. 

أشارَ إلياس بيديهِ مستطردًا: 

-هنا مربط الفرس بقى ياعمِّ شريف، ياإما هددوا اللواء بابنُه وعملوا لفَّة طويلة، ياإما حدِّ تاني مقصود من الليلة دي، أنا شاكك في المهندس اللي صلَّح العربية، بس ليه، دا واحد غلبان ولسة متعيِّن بقالُه كام شهر..

قاطعهُ شريف:

-مش قولت طارق كان خطيب بنتِ مالك، ودلوقتي خروجها مع المهندس دا..يمكن الموضوع دا السبب نكاية يتخلَّصوا منُّه، رفعَ إلياس رأسه: 

-طيِّب وابنِ اللوا إيه دخله، المهم الموضوع دلوقتي في إيد النيابة، بس الواد دا عايزَك تراقبوه كويس حاسُّه تبع منظَّمة، مش ناقصين دوشة.. 

توقَّفَ شريف قائلًا:

-تمام هنشوف أنا وعزيز الوضع ..

أومأَ لهم يشيرُ إليهم بالخروجِ ثمَّ رفعَ هاتفِه: 

-مدام ميرال خرجت من البيت؟..

-أيوة ياباشا خرجت وراحت الشغل، وأنا واقف تحت مُنتظرها..

-تمام مش هقولَّك تاخد بالك كويس، مش عايز حد يئذيها بكلمة، اطلع فوق لرئيسِ التحرير وعرَّفُه الوضع، المكان جديد عليها، ولو سألك قولُّ مدير مصطفى السيوفي مش عايز اسمي..


مرَّ اسبوعٌ كاملٌ والعلاقةُ مازالت بينهما بجمود، مساءً ملبدًا بالغيومِ وكثرةِ الأمطار.. عادَ من عملهِ وجدها تجلسُ بالحديقةِ أمامَ المسبحِ تنظرُ بشرودٍ وكأنَّها الغائبةُ الحاضرةُ بالمكان، توقَّفَ يطالُعها باشتياقٍ لدقائقَ وعينيهِ تخترقُ سكونها الغير معهود، وصلت إليها غادة تحملُ كوبينِ من المشروباتِ الساخنةِ وجلست بجوارِها قائلة:

-الجو برد، وبدأ يمطَّر ادخلي جوا أنا بردت ..احتضنت كوبها ومازالت نظراتها على المسبح تجيبها:

-ادخلي إنتِ حبيبتي أنا عايزة أفضل لوحدي شوية، بفكَّر في مقال صحفي هينزل بكرة..انحنت تقبِّلها على وجنتيها ثمَّ نهضت ودلفت للداخلِ ولم ترَ ذاك الذي مازالَ متوقفًا يراقبُ سكونها..خطا بعضَ الخطواتِ للداخلِ متجاهلًا صراخَ قلبهِ ومطالبتهِ باحتضانها في التَّو والحال وإشباعِ روحهِ الضائعة من ابتعادها عنه..توقَّفَ بعدما عاندهُ قلبهِ ليتنفسَ بعمقٍ مستديرًا إليها وخطا إلى مكانِ جلوسها ..توقَّفَ خلفها شعرت بوقوفه من رائحتهِ التي تسلَّلت إلى رئتيها، ظلَّت كما هي ترتشفُ مشروبها دونَ أن تعيرهُ اهتمام ..جذبَ المقعدَ وجلسَ بمقابلتها متسائلًا:

-عاملة إيه ؟! 

-كويسة..إجابة بسيطة دون أن تنظرَ إليه..استندَ على الطاولةِ أمامهِ ثمَّ طالعها ينظرُ لوجهها الذي بهت قائلًا:

-ليه خرجتي النهاردة للسجن مش قولت خلِّي معاكي حد يغطي الأخبار اللي برَّة الجريدة..التفتت إليهِ بعينيها الحزينة:

-دا شغلي ومش مسموح لحدِّ مهما كان يتدخَّل فيه، وزي ماأنا مش بدَّخل في شُغلك إنتَ كمان ابعد عن شغلي، عارفة إنَّك تتمنى تسحبُه منِّي.. لولا عمُّو مصطفى كنت خطفت منِّي الحاجة اللي بحبَّها ولاقية نفسي فيها.. 

جذبَ الكوبَ من يديها وبدأَ يرتشفُ منهُ وتركها تتفوَّهُ كلماتها الساذجة كما ادعى..رفعت حاجبها تطالعهُ بذهولٍ على فعلته: 

-هوَّ أنا عزمت عليك بالقهوة، بتاخد الفنجان منِّي ليه!..

-بعد شوية فيه ديزاينر هتيجيلِك لو عايزة موديل معيَّن ولو مش مرتاحة في الدريسات اللي جبتها قوليلها اللي إنتِ محتاجاه، بس ممنوع الضيق زي مااتفقنا، قالها وتوقَّفَ يضعُ الكوبَ بعدما أنهى أكثرَ من نصفهِ يشيرُ إليها: 

-كمِّليه بعدي بقى علشان أحبِّك أكتر..قالها واستدار ..أغمضت عينيها بعدما تحرَّكَ بجمودِ من أمامها كأنَّهُ يعاقبُها بأشدِّ العقابِ لأيِّ امرأةٍ مهمَّشةٍ أمامهِ سوى مايربطُ اسمهِ وكيانهِ فقط، ذهبت ببصرها لذاكَ الكوبِ الذي ارتشفَ معظمهِ ثمَّ دفعتهُ بكفِّها ليهوى متساقطًا على الأرضيةِ ليصدرَ صوتًا التفًّت إليها سريعًا ظنًّا أنَّهُ أصابها مكروه، وجدها تضعُ يديها على وجهها وكأنَّها تبكي، اتَّجهَ ببصرهِ للكوبِ الملقى على الأرضية ..نهضت تزيلُ عبراتها بقسوةٍ ثمَّ جمعت أشياءها وتحرَّكت للداخل، دونَ أن تعيرَ وقوفهِ أهميةً إلى أن وصلت إلى أحدِ الخدم: 

-اعمليلي كوباية ينسون وهاتيها أوضتي، وكمان حاجة للصُداع، أومأت الخادمةُ بطاعةٍ قائلة:

-تحتِ أمرك يامدام ..خطت إلى غرفتها مع مراقبتهِ لتحرُّكها حتى اختفت من أمامِه..وصلت الخادمة إليه: 

-الستِّ فريدة طلبت نعمل عشا لضيفة حضرتَك ياباشا فيه حاجة معينة..هنا فهم ما يدورُ بعقلها، فأشارَ إليها: 

-أيِّ حاجة ..تحرَّكت فأوقفها، اطلعي للمدام واسأليها لو عايزة حاجة معينة، واهتمِّي بيها

-تحت أمرك ياباشا..

بالأعلى بغرفتها دارت بغضبٍ في الغرفة،  فكلَّما تذكَّرت حديثَ فريدة بوجودِ رؤى على العشاءِ اليوم وهي تشعرُ بالجنون، قلبها يؤلمها حتى كادَ يمزِّقُ ضلوعها من شدَّةِ ماتشعرُ به ..سحبت قدرًا كبيرًا من الهواءِ عندما شعرت باختفاء الهواءِ حولها.. استمعت إلى طرقاتٍ على بابِ غرفتها أذنت بالدخول ..دلفت الخادمة: 

-مدام حضرتِك عايزة حاجة معينة على العشا ..مسحت على وجهها بغضبٍ فهي في حالةٍ تريدُ أن تحرقَ كلَّ من يقتربُ منها، أشارت لها بالخروج: 

-اطلعي برَّة مش عايزة أتنيِّل آكل..قالتها بغضبٍ وصوتٍ مرتفعٍ ورغمَ ارتفاعهِ إلَّا أنَّهُ مختنقٌ بكمِّ الألمِ الذي تشعرُ به..استمعَ إلى صرخاتها على الخادمة، فتحرَّكَ متَّجهًا إليها يشيرُ إلى الخادمة: 

-اعملي الأكل اللي بتحبُّه واعملي حسابي معاها ..ابتلعت ريقها تردِّدُ بخفوتٍ خوفًا من ردَّةِ فعله: 

-هي بتحبِّ المحشي، حضرتَك هتاكل محشي يافندم..توقَّفَ متسمِّرًا يردِّدُ بينهِ وبينَ نفسهِ بذهول "محشي"

أغمضَ عينيهِ يهزُّ رأسهِ ثمَّ أشارَ إليها بالحركة..وصلت فريدة إليه: 

-إلياس أنا اتكلِّمت مع ميرال وفهمتها الوضع بس هي مش مُتقبلة، اقتربت منهُ تمسكُ ذراعه:

-مش هقولَّك علشان خاطري، علشان خاطرها ياإلياس كفاية توجعها يابني، مراتك تعبانة أنا بضغط عليها بس خايفة يحصلَّها حاجة.. 

أومأَ متفهِّمًا ثمَّ تحدَّث:

-مفيش حاجة بيني وبين رؤى، بس البنت يتيمة ومش عايز أتخلى عنها وحضرتِك عارفة العلاقة بينا إزاي، وكمان هيَّ عارفة..

-بس الوضع اختلف بعد ماكنت ناوي تتجوزها ياإلياس، مش دي اللي كسرت ميرال وكانت هتموت بسببها، متعملشِ لنفسَك أعذار..

تجمَّدَ بوقفتهِ ورمقها بنظرةٍ غاضبة:

-وأنا قولت الموضوع انتهى ليه بنقلِّب فيه.. 

تعاظمَ الغضبُ بداخلِ فريدة وهدرت معنِّفةً إياه: 

-إيه هوَّ جرح في إيدها ياحضرةِ الظابط، حضرتَك جبتِ واحدة وكنت ناوي تتجوِّز قدَّامها وتقهرها، هيَّ دي حاجة سهلة على الست..

-ماما فريدة لو سمحتِ متدَّخليش بيني وبين مراتي، أنا قولت رؤى هتيجي يبقى خلصنا، ومش معنى أنا طلبت منِّك تمهدي علشان متتهورشِ كعادتها يبقى تدخَّلي بينا ..

انكمشَت ملامحها مستنكرةً حديثهِ بغضبٍ جمّ قفزَ بعينيها ثمَّ استطردت بنبرةٍ موَّبخةٍ إياه:

-وأنا مش هتفرَّج على بنتي وإنتَ بتقهرها، الحب مش كدا ياحضرةِ الظابط وأنا لو مش متأكدة من حبَّك ليها صدَّقني كنت خليتك تطلَّقها من وقتها،فاعقل كدا وخُد مراتك في حُضنك بدل مافي يوم ماتلاقيهاش فعلًا، ربِّنا إدالك فرصة تصلَّح أغلاطك مش تمشي بمبدأ أنا وبس..

قالتها وتحرَّكت من أمامهِ سريعًا قبلَ أن تفقدَ أعصابها عليه.. 

وصلت للخارجِ وقامت بمهاتفةِ أحدهم:

-وصلت لإيه يابني؟.. 

-اسمه أرسلان الجارحي، من عيلة كبيرة أوي يامدام، فاتح نادي رياضي، وشغَّال في شركة والدُه، هوَّ مهندس الكترونيات، لُه عم عقيد في الشرطة اسمه إسحاق، وعمة ليها بنت وولد، جدتُه كانت عايشة برَّة بس رجعت من كام يوم، عرفت أنُّه متجوِّز من فترة بنت من حيِّ شعبي ومكنشِ حد يعرَف من أهلُه غير عمُّه، عملوا حفلة من أسبوع على شرفها..


تمام يابني ..قالتها وصعدت إلى سيارتها تشيرُ للسائقِ بالمغادرةِ إلى وجهتها.

بالأعلى بغرفتها: 

حاولت ألَّا تنساقَ إلى غضبها وتفعلُ شيئًا تندمُ عليه ..ظلَّت تفكِّرُ لبعضِ الوقتِ فيما ستفعلهُ حتى تسيرَ هذه الليلة على مايرام ..

بعدَ عدَّةِ ساعاتٍ هبطت درجاتِ السلَّم، تتأنَّقُ بفستانٍ باللونِ الأحمر، ضيِّقٌ من الخصرِ ينزلُ باتساعٍ للكاحل، بحجابٍ باللونِ الأبيض..لأوَّلِ مرَّةٍ يراها بتلكَ الهيئةِ عن قرب ..ظلَّت عيناهُ تتابعها إلى أن وصلت إلى مائدةِ الطعامِ وألقت تحيةَ المساءِ بهدوء، ثمَّ جذبت المقعدَ لتجلسَ عليهِ إلَّا أنَّهُ قاطعها:

-هتقعدي بعيد عنِّي ولَّا إيه ؟!

شيَّعتهُ بنظرةٍ سريعةٍ ثمَّ التفتت بنظرِها إلى رؤى التي تجلسُ بالجانبِ الآخرِ قائلة:

-هنا هكون مرتاحة أكتر..لم تعطيهِ فرصةً للحديثِ لتتابعَ حديثها مع مصطفى وإسلام:

-وحشتوني أخيرًا شفتكُم..ابتسمَ مصطفى بحنانٍ أبوي قائلًا:

-معلشِ حبيبتي مشغوليات، أنا بسأل والدتِك عليكي دايمًا، أومأت مبتسمة: 

-تسلملي ياعمُّو..قاطعها إسلام:

-مبرووك الشغل في الجريدة الجديدة ياميرو.

-شكرًا ياإسلام، لسة بحاول أتأقلِم عليها،  إنتَ عامل إيه في الجامعة؟..

بدأ يتناولُ طعامهِ ويتحدَّثُ معها، متجاهلةً الحديثَ معه..توقَّفت فجأةً عن الحديثِ على صوتِ رؤى:

-أنا جاية أوضَّح سوء الفهم اللي حصل بس، أنا كنت في مشكلة كبيرة وأبيه إلياس حاول يساعدني علشان كدا كنَّا عاملين موضوع كتب الكتاب دا، بس واللهِ مكنشِ زي ما أنتوا متخيِّلين، أنا عارفة حدودي كويس..التفتت إلى إلياس واستطردت: 

-إلياس أخويا وهيفضل أخويا العمر كلُّه، ومقدرشِ أنكر فضلُه هوَّ وعمُّو مصطفى، لولاهم كنت زماني بنت من بناتِ الشوارع.. 

اهتزَّت حدقتيها تتابعُ ميرال التي أمسكت الشوكةَ وبدأت تتناولُ الطعامَ ولم تهتم لحديثها، تحدَّثت فريدة بعدما رفعت نظراتها إلى ميرال:

-الموضوع انتهى زي ما إلياس قال يارؤى، وأنا متأكدة إن إلياس مستحيل يتجوِّز على مراتُه أو يفكَّر في غيرها، قالتها وهي تغرزُ عينيها بأعينِ إلياس الذي التوى ثغرهِ بابتسامةٍ قائلًا:

-مدام فريدة شايفِك بتدافعي عنِّي مش كدا ولَّا إيه..

أكيد ياإلياس لازم أدافِع عن جوز بنتي، يعني بتحاول تسعدها وأزعلَّك.. 

رفعَ حاجبهِ بعدما لمحَ نبرةَ التهكُّمِ بصوتها، غرزَ الشوكةَ بصحنِ المحشي 

وبدأ يتذوِّقهِ وعينيهِ على ميرال التي تأكلُ بصمتٍ إلى أن هتفت فريدة بصوتٍ انتبهَ الجميعُ إليه: 

-طعمُه حلو ياإلياس أوَّل مرَّة أشوفك بتاكل محشي مش خير ولَّا إيه؟..

زمَّ شفتيهِ وعلمَ أنَّها تتلاعبُ به، رفعَ كوبَ المياهِ وارتشفَ بعضهِ ثمَّ اتَّجهَ بنظرهِ إلى ميرال التي نظرت إلى طعامهِ بذهولٍ ثمَّ أردف:

-بحاول أحب حاجة مراتي بتحبَّها مش دي من بنودِ السعادة الزوجية يامدام فريدة.. 

شرِقت غادة التي توقَّفَ الطعامُ بفمها، تبتلعهُ بصعوبةٍ حتى أدمعت عيناها تنظرُ إليهِ بذهول..

بينما أفلتَ إسلام ضحكة:

-البت هتموت من صباع محشي أكلتُه ياأبيه..بدأ الجميعُ بالضحكِ على غادة التي ضربت إسلام بخفَّة..بينما هو كان ينظرُ إلى ميرال بصمت، نهضت متوقِّفةً بعدما أردفت:

-شبعت ..عشا سعيد، نوَّرتي البيت يارؤى، بس مش معنى قعدت معاكي على السفرة متقبلاكي، أبدًا أنا قعدت علشان عمُّو مصطفى وماما طلبوا منِّي كدا، إنَّما إنتِ في نظري خُنتي العيش والملح، ودا جوزي ميختلفشِ المعنى عليه، أنا شايفة أنُّه خاين زيك بالظبط..

توسَّعت العيونُ بصدمةٍ من كلماتِها التي كانت كالرصاص إليهما ثمَّ استدارت وتحرَّكت للأعلى وكأنَّها لم تقل شيئًا..صمتٌ مشحونٌ بأنفاسهِ المرتفعة، حتى توقَّفَ من مكانه، هبَّت فريدة بمقابلتِه:

-منتظر منها إيه، تصقفلك، جايب واحدة من شهرين كنت ناوي تتجوِّزها وأصريت تقعد معاها على سفرة واحدة، دنت منهُ ترفعُ سبباتها بتهديدٍ واضح: 

-بقولَّك قدَّام أبوك أهو، أيِّ غلط جهة بنتي مش هسكتلَك ياإلياس، وزي ماجوزناكم بالغصب نطلَّقكم بالغصب، إيه يامصطفى هصبر على عمايلُه لحدِّ ماتموِّت نفسها، إنتَ مش شايف حالتها ، دي ميرال اللي كان ضحكاتها بترنّ في البيت، ياأما قافلة على نفسها ياأما في الشغل..


كان واقعُ كلماتِ فريدة على مسامعهِ كصدى رعدٍ أصابهُ بالصمم، فتحرَّكَ للأعلى دونَ حديث..حاولت إيقافهِ ولكنَّها أخرجت جيوشَ غضبهِ ونيرانٌ متقدةٌ تخرجُ من مقلتيه، صعدَ للأعلى ورغبةٌ ملحِّةٌ تضربُ قلبهِ من الاقترابِ إليها وضمَّها إلى أحضانِه.. 


بدونِ مقدماتٍ دفعَ البابَ ودلفَ يبحثُ عنها بلهفة، وجدها جالسةً على الأرضيةِ تحتضنُ ركبتيها وتضعُ كفَّيها على فمها تمنعُ شهقاتها ودموعها تسيلُ فوق وجنتيها بغزارةٍ حتى كادت وجنتيها أن  تختفي خلفها..

وقف يتأمَّلُ مظهرها ببؤسٍ مزَّقَ روحهِ المحترقةِ لأشلاء، فهو يعشقُها حدَّ الجنون ولكن عنادها وتكبُرهِ أضاعَ مابينهما.. 

كتمَ صرخةً مهتاجةً جاشت بصدرهِ وأقبلَ عليها بخطواتٍ هادئة، 

انحنى ليسحبها من خصرِها ويحتجزُ جسدها بينَ ذراعيه..ليضمُّها بقوَّةِ الاشتياقِ الذي ينبضُ بالقلوب..أزاحت يديهِ التي تعتقلُ خصرها وتراجعت تزيلُ دموعها: 

-إيه اللي جابك، انزل علشان ضيوفَك مايزعلوش..

صكَّ على أسنانهِ من حديثها اللاذعِ 

وبعدهالِك أنا جيت وراكي أهو، عايزة إيه..قفلت جفونها بقوَّةٍ حينما تسرَّبت الغيرةُ بداخلها كنيرانٍ تحرقُ أوردتها لتدفعهُ بعيدًا عنها بعدما شعرت بأنفاسهِ الحارةِ على وجنتيها:

-وليه جاي  ورايا مكنشِ فيه داعي،  متحسِّسنيش إنَّك مهتم.. 

حاول معها ببدايةِ الأمرِ بأعصابٍ باردةٍ ولكنَّها أخرجتهُ عن البرودِ وهتفَ بفظاظتهِ المعهودة: 

-وإنتِ متحسِّسنيش إنِّك ملاك بريئ..


اقترب عاجزًا حائرًا، يريد أن يعاقبها ولكنه لا يتحمل حزنها، فمن يطرق باب العشق عليه أن يتحمل آلامه، جاهد في  إخفاء حزنه ..رفعت عيناها الباكية إليه 


انسابت عبراتها وارتجفَ جسدها تشيرُ بيدها وتمتمت:

-قولِّي هتفضل لحدِّ إمتى توجع فيَّا ياإلياس، ليه مُصر إنَّك تموتني بالبطيئ، عايزني أتزلل لك وأقولَّك مقدرشِ أعيش من غيرَك، ماهو من غير ماأتذلِّل وإنتَ عارف ومتأكد، ورغم كدا بدوس على قلبي.. 

شعرَ وأنَّها تثيرُ أعصابِه، ولكنَّهُ حاولَ السيطرةَ على نفسهِ وتركها تخرجُ قيحَ آلامها،

زفرت بيأسٍ تدورُ حولَ نفسها، بقيت أتعصَّب من أقلِّ كلمة، رغم مش دي شخصيتي، معرفشِ حاسة مبعملشِ غير الغلط وبس، ندمي لنفسي أكتر من تعظيمها، أنا تعبت وزهقت ومبقتشِ متحمِّلة، بحاول أعيش دور واحدة ساذجة بعد مالغيت شخصيتي علشان أرضي معالي الباشا..

كان مشدوهًا لما يسمعه، حتى توقف ملجم اللسان ولم يستطع التفوه، لم تحيد بصرها تطالعه بملامح جامدة:

-عايزة اعيش حياتي بشخصيتي، ليه انا بقيت كدا، فين ميرال من حياة إلياس، كل اللي بتعمله في حياتي هو العقاب وبس 


قاطعها قبلَ أن تتمَّ كلماتها:

-لأنِّك طايشة ومتهورة، وبتحكِّمي لسانِك قبلِ عقلِك، نفسي تفكَّري قبل جنانِك، أنا مش مصدَّق إنِّك واحدة عاقلة وصحفية، مش إنتِ اللي تعبتي، أنا كمان زهقت من تهوِّرك، اقتربَ خطوةً يضغطُ على أسنانهٍ بغضبٍ حتى لا يُخرجهُ بها: 

-هروب من المستشفى ، وقميص نوم قدَّام راجل غريب، أجيب عقل منين، قوليلي أجيب عقل منين يتحكِّم في اللي عملتيه، لو شايفة أنا السبب في استهتارِك دا وعد منِّي هخلي نفسي من حياتِك خالص، بس في مقابل أشوف ميرال بتاعة زمان اللي كانت بتسفزِّني بكلِّ برود أعصاب منها، مش واحدة مجنونة بتتعامِل كطفلة عندها عشر سنين..


اكتسى وجهها معالمَ الوجعِ والخزي بنفسِ الوقت، رفعت عينيها بعدمِ رضا عن حديثه:

-ليه دايما أنا الغلط وإنتَ الصَّح..

-علشان دي الحقيقة ..قالها مزمجرًا، ثمَّ ثم تابع بنفاذ صبر هادرًا بها:

-فوقي من هبلِك دا، إحنا مش صغيرين، عايزة توصلي لإيه، أنا مش من النوع اللي بيطبطب لأنِّك مش عيلة بضفاير، افتكري لولا الحادثة كان زمان هيبقى عندنا أطفال وهتكوني أم..


تجهَّمت ملامحها واشتعلت عينيها بغضبٍ من قسوةِ حديثه: 

-بس أنا من حقِّي أحسِّ إن ليَّا قيمة عندَك، إنتَ كلِّ حياتك أوامر وبس، حتى أبسط حقوقي منعتها عنِّي..

قالتها بصوتٍ باكي مبتعدةً عنهُ وتابعت حديثها:

-كرامتَك ورجولتَك فوق كلِّ حاجة، أي كلمة أقولها تعتبرها مسخ ويوم ماأغلط تنصب لي محكمة، أمَّا الباشا لمَّا يغلط معذور لازم يدافِع عن نفسُه.

-ميرال ..صاح بها بغضب، ثمَّ دنا بخطواتهِ إليها يجذُبها من خصرها بقوَّة:

-طلاق مش هطلَّق متلفيش وتدوري عليَّا، أنا مش هطلَّقِك حتى لو عملتي إيه، فبلاش دور أمينة رزق..

رفعت عينيها تنظر إليه بذدراء : 

-وأنا مش عايزة أطلَّق، أنا عايزة أحس إنَّك باقي عليَّا، عايزة أحس بحبُّك مش قسوتَك ياإلياس، رفعت كفَّيها على وجههِ ونظرت بداخلِ مقلتيه: 

-عايزة أحس إنِّي حبيبتَك في كلِّ وقت مش وقت ماتقرَّب منِّي بس، دا كتير عليَّا...قالتها وعيناها تحاورُ عيناهُ برجاءٍ ثمَّ دنت تضعُ جبينها فوقَ جبينهِ تهمسُ بأنفاسِها الباكية:

-حسِّسني إنِّي مراتَك مش سلعة ياإلياس، بلاش تحجُر عليَّا بالقسوة لو سمحت..


رغمَ أنَّها كلمات ولكن اخترقت صدرهِ كالخنجرِ المسموم، ليشعرَ بتمزُّقِ روحه.. 

ربتَ على ظهرها ثمَّ ابتعدَ وغادرَ الغرفةَ في محاولةٍ لتهدئةِ أنفاسهِ التي شعرَ بانسحابها، جلست تبكي بشهقاتٍ بعد خروجه حتى استمعَ إلى صوتِ بكائها، توقَّفَ عاجزًا لم يعد لديهِ القدرة عن صمتهِ بعذابهما، كيف يكونُ الحبُّ بهذه القسوة، كلِّ واحد منهما يريدُ أن يؤذي الآخر وإهدار كرامته بطريقته..فكَّرَ متردِّدًا لما يفعلهُ وقلبٌ ينبضُ بجنونٍ من آلامِها وعقلٍ ينكرُ حماقةَ تصرفاتها، أحاسيس مختلفة وحربًا شعواء بداخله، استدارَ إليها مرَّةً أخرى واتَّجهَ إليها: 


اقتربَ منها وضمَّها لصدره:

-خلاص اهدي، وهعملِّك اللي إنتِ عايزاه، بطَّلي عياط ، لو متأكد الطلاق هيريَّحِك كنت طلَّقتِك، مشكلتِك عايزة توجعيني وخلاص.. 

تملمت بأحضانهِ تلكمهُ بصدره: 

-إنتَ اللي عايز تنتقِم منِّي وخلاص، علشان كنت رافض الجواز، وعمُّو مصطفى اللي ضغط عليك علشان تحميني من عمِّي صح ..اتحطيت قدَّام الأمرِ الواقع، وطبعًا الفرصة جاتلَك توجعني براحتك وتنتقم منِّي ومن ماما..قولت تتجوِّز عليَّا وزي ماقولت تتمتَّع شوية وبعدين تتطلَّقني ،قالتها مع ازديادِ بكائها.. 


تصنَّمَ جسدهِ يطالعُها مذهولًا يتمزَّقُ بين قلَّةِ حيلتهِ وثباتهِ على انفعالاتهِ الهوجاء واتهاماتها الشنعاء؛ مازال يرمقها بغضب محموم اندلع من حدقتاه

هزَّت رأسها وعينيها تحاورُه:

-عايز توجعني وبس ياإلياس صح، كلِّ تفكيرَك تقهر بنت الستِّ اللي قتلت مامتك زي مابتقول، المهم تقهرني وخلاص..علشان كدا رايح تعزم البنت اللي بسببها كنت زماني ميتة، ثبتت عيناها بمقلتيه وزمجرت بحزن اخنق صوتها 

-ياريتني موت، اهو موت ساعة ولا كل ساعة ..قالتها بنبرة مشتتة وعينان تائهة مع قلبًا يتفتت من الألم 

اغتيال عنيف هزَّ داخله، كيفَ تتَّهمهُ بتلكَ التُهم وهو الذي يموتُ بها عشقًا.. 


احتضنَ وجهها وأزالَ عبراتها، فلقد وصلت إلى مرحلةِ الجنونِ بما ألقته: 

-إشش اهدي وبطَّلي كلامِك الأهبل دا، إيه اللي بتقوليه دا !…

رفعت رأسها بدموعِ عينيها:

-بس أنا فعلًا موجوعة ومش قادرة أتحمِّل طريقتَك معايا. 

رفعَ ذقنها ينظرُ لعينيها الجميلة:

-قوليلي إنتِ عايزة تجننيني ياميرال، اللي بتعمليه دا مفيش منُّه غير إنِّك عايزة تجننيني، مش إنتِ اللي طلبتي نبعد، وكنتي عايزة تطلَّقي، ليه دلوقتي بتقولي كدا..

-تقوم تسمَع كلامي، وكمان تقهرني  ترجع تكمِّل في جوازة الحيوانة اللي اسمها رؤى، مُصر إنَّك تدبحني علشان طلبت الطلاق ولَّا عايز توجعني وخلاص..

حاولَ إخفاءِ ابتسامتهِ ولكنَّهُ فشل،

لمعت عيناها باذراء بعدما رأت ابتسامته رغم إهانته لها، وحرق روحها

-بتضحك، فرحان فيّا صح

-فيه حد يفرح وروحه مجروحة، نطق اسمها بنبرة غلبت عشقها لها 

-ميرال انا مش عايز اخسرك، افهمي بقى، بلاش نضيع حياتنا في الخناقات والعند 

-وأنا والله نفسي اعيش حياة طبيعة معاك، إلياس لو هنفضل كدا يبقى ننفصل، انا تعبت بجد مبقاش فيا حيل كل شوية اوجع قلبي 

أطلق زفرة ملتاعة بنيران تكوي كالحمم البركانية من حديثها المهلك، ثم سحب نفسًا واقترب منها قائلًا:

-مفيش طلاق ياميرال، لو بتحبيني زي ما بتقولي اثبتي 

تآذر نبض قلبها تهمس بخفوت

-بحبك والله بس مش قادرة الحب مش كل حاجة ..

حاوطَ جسدها وتحرَّكَ بها إلى الأريكة،

-لا حبيبي الحب كل حاجة، مش عايز أخرج عن شعوري صدقيني بحاول اتلاشى كلماتك دي، جلسَ وأشارَ إليها أن تجلسَ بجوارِه، ولكنَّها دفعت ذراعيه وجلست بأحضانهِ تتمتم:

- مش الحب كل حاجة، يبقى دا مكاني لوحدي، أنا مش أختك علشان تقعَّدني جنبَك، وبدل حكمت على إنِّنا نكمِّل جوازنا يبقى أعمل معاك اللي أنا عايزاه وإيَّاك تعترض..لا يعلم لماذا شعرَ بالسعادةِ من كلماتها، وبدأ يتقبل أي شيئا انحنى يلفُّ ذراعيهِ حولَ جسدها يضعُ ذقنهِ على كتفها: 

ميرال واللهِ أنا كدا هتجنِّن منِّك، انا مطلبتش تبعدي عني، انت اللي طلبتي 

لوَّحت بيديها وهي بأحضانه: 

-أه وحضرتَك ماصدَّقت..

اتَّسعت حدقتيهِ باندهاشٍ وأقسمَ بداخلِه:

-واللهِ البنتِ دي هتاخُد حقِّ السنين دي كلَّها، تراجعت بجسدِها عليهِ مردفة:

-عايزة حقِّي منَّك ومش هتنازل عن أيِّ حق من حقوقي..

-وأنا تحت أمرِك أهو، شوفي عايزة إيه وأنا أعملوهلِك..

رفعت رأسها للأعلى تنظرُ لوجهه: 

-أي حاجة أي حاجة..داعبَ أنفها وابتسمَ على طفولتها:

-إنتِ عندِك كام سنة؟..استدارت تطالعهُ باستفهامٍ وأردفت بصوتٍ مرتفع: 

-ليه التريقة بقى، جذبها إليهِ مرَّةً أخرى: 

-وليه سميتها تريقة، أنا بقول عندِك كام سنة علشان كلامِك كلام أطفال، حبيبتي إنتِ كبرتي مبقتيش صغيرة.. 

تمدَّدت تتوسَّدُ ساقيهِ وأغمضت عينيها 

تتمتم:

-معرفشِ مالي بقيت متهوِّرة أوي ليه، حتى في شُغلي مبقاش عندي صبر، أنا مضايقة أوي من نفسي ياإلياس، حاسة بتعامِل مع شخصية مش شخصيتي..


خلَّلَ أناملهِ بخصلاتِها يستمعُ إليها باهتمام، ثمَّ تحدَّث: 

-احكي لي إيه اللي حصل معاكي، يمكن فيه حاجة وصلتِك لكدا..

اعتدلت وسكنت هُنيهة تستجمعُ رباطةَ جأشها واستطردت بهدوء:

-إنتَ، إنتَ اللي وصَّلتني لكدا، فقدت الثقة في نفسي، حتى من قبلِ العملية، دايما بتحسسني إنِّي فاشلة وماليش شخصية..قالتها بمرارةٍ والدمعُ يتساقطُ من محجريها وتابعت بصوتِ بكائها:

-كنت مفكَّرة بعد جوازنا هستقوى بيك، لكن للأسف ضعفت وانهرت، بحاول أراضيك حتى على حساب نفسي، قولت دا حبيبِك ولازم أتأقلم مع شخصيتُه، رفعت عينيها التي أصبحت كالشلال وهمست بضعفٍ مسترسلةً من ثنايا قلبها الذي يحترقُ ألمًا:

-حاولت واللهِ بس فشلت، حاولت صدَّقني..كان يستمعُ إليها بذهولٍ وملامحَ تحطَّمت كالبلورِ من فظاعةِ حديثها واتهاماتها الشعواء التي مازالت تُلقيها بها دونَ وجهِ حق كما ظن، دنا بجسدهِ وانحنى يحتضنُ وجهها بين راحتيه:

-أنا عملت دا كلُّه فيكي، أنا!..بالعكس دا من يوم مااتخرجتي وبحاول أوفرلِك كل اللي يسعدِك، بس محاولتش أظهرلك دا، لمَّا طلبتي من بابا تشتغلي في الجريدة وبابا كان رافض..أنا اللي أصريت عليه بس بشروط إنِّي أختار المكان اللي يقدر يأهلِك ويعملِك إنسانة ناجحة، ودا وصلتي له، ليه بتقولي كدا، لو قصدِك حبُّك ليَّا اللي عمل فيكي كدا أنا كمان ضعفت، مرَّرَ أناملهِ على وجهها ورسمَ ابتسامةً رغمَ أنينهِ الداخلي: 

-بس أحسن ضعف، وراضي بيه، بس إنتِ ربنا يهديكي ..توسَّعت عيناها تطالعهُ بذهول، رفعت كفَّيها على جبينه:

-إنتَ سُخن ولَّا حاجة ..قهقهَ عليها يجذُبها لأحضانهِ ثمَّ دفنَ رأسهِ بحنايا عنقها: 

-أوي أوي..وعايز أتعالج ..ارتجفَ جسدها من نبرتهِ المبحوحة، ومغزى حديثه، أغمضت عينيها تحاوطُ خصرهِ متناسيةً كلَّ مامرَّ بهما..ابتسمَ على حركاتها، ظلَّ الصمتُ يعمُّ المكانَ لدقائقَ وهما يحتضنُ بعضَهما البعض، اعتدلَ بعدما استمعَ إلى هاتفِه..ابتعدت عنهُ وشعرت بحمرةِ وجنتيها من نظراتهِ إليها، توقفَّفَ قائلًا:

-هرد وراجعلِك ..أومأت مبتسمةً تفركُ بأناملها ..وصلَ إلى النافذة: 

-أيوة فيه إيه؟،.

--مبرووك ياباشا البيوتي سنتر بقى كوم رماد، ومفيش تأمين متخافش..

-كمِّل بقى، مش عايز غلطة ..قالها وأغلقَ الهاتفَ ليشعرَ بها تحاوطُ خصرهِ من الخلفِ تضعُ رأسها على ظهره، احتضنَ كفَّيها:

-سمعت انك اخدتي اجازة، ليه، قالها ومازالَ ينظرُ للخارج ..اعتدلت وتوقَّفت أمامه: 

-مش عارفة، ماليش مزاج.. 

جذبَ عُنقها لصدرهِ وضمَّها بحنان: 

-لا ..لازم تنزلي شُغلك وتكمِّلي طموحك، بس زي مااتفقنا عجبني لبسك وحجابك،..لو سمحتي دي فريضة، أنا عارف ماما فريدة حاولت معاكي، بس ليه كنتي  رافضة معرفش.. !!

كانت تنظرُ إليهِ والسعادة تنبثقُ من عينيها بعدما أردفَ بكلمةِ ماما فريدة، لا تعلمَ أيقصدُها أم أنَّهُ أخطأ في النُّطق ..ضيَّقَ عينيهِ متسائلًا: 

-مالك بتبصي ليَّ كدا ليه؟!..

أوَّل مرَّة تقول قدامي ماما فريدة.. معرفشِ إنَّك قولتها غلط ولَّا ..وضعَ أناملهِ على شفتيها ونظرَ لعينيها:

-أنا وعدتها لو قومتي بالسلامة مش هزعلها تاني.. 

شهقت تضعُ كفَّيها على فمها تنظرُ إليهِ غيرَ مصدٍّقةً ماتفوَّهَ به..

-معقولة!!..معقولة كانت حياتي مهمَّة كدا!.. 


تحرَّرَ من صدرهِ زفرةً قويةً يخلِّلُ أناملهِ بأناملِها ثمَّ رفعها وطبعَ قبلةً بداخلها:

-حاولت أفهِّمك بس إنتِ حكمتي وخلاص، حاوطت عنقهِ تقتحمُ أحضانهِ وتشدِّدُ منها مردِّدة: 

-أنا بحبَّك أوي، واللهِ بحبَّك وكلِّ كلامي من ورا قلبي..ضمَّها بقوَّةٍ وكأنَّهُ آخرُ أحضانها: 

-عارف ومتأكد من كدا، لو مش متأكِّد مكنتش قرَّبتلِك،رفعها من خصرها يدفنُ رأسهِ بعنقها: 

-مجنونة بس بحبِّك..ارتفعت ضحكاتها بشقاوتها قائلة:

-لا كدا كتير إنتَ مش سُخن بس لا شكلك ناوي لي على مصيبة..ألقاها على الفراشِ وحاوطها بين ذراعيه

-عدِّي نص ساعة من غير لسانِك دا..


شردت بضحكاتهِ ووجههِ الذي أُنير، عاتبت نفسها عن الأيامِ التي تُسرقُ من حياتهما، من كان يظنُّ أنَّ هذا الشخصَ إلياس ..طالعها بتدقيقٍ بعدما وجدها شاردة ..رفعَ إبهامهِ يداعبُ أنفها، ممَّا جعلها تلمسُ وجههِ لتتقابلَ العيونُ بحديثِ العاشقين، حتى دنت دقَّاتُ القلوبَ لتتعانقَ حينما انحنى واحتضنُ خاصتها ينثرُ عليها ترانيمَ عشقهِ وكانت الأكثرُ ترحيبًا بذلك، قاطعهم دلوفُ غادة وهي تهتفُ بغضب:

-إنتِ يازفتة، واللهِ لو إلياس عرف إنِّي اللي ساعدتِك..بترت حديثها متراجعةً للخلف، تشعرُ ببرودةٍ اقتحمت جسدها وكأنَّ أحدهم سكبَ عليها دلوًا من المياهِ الباردة..ابتلعت ريقها بصعوبةٍ تهمهم

-أنا آسفة واللهِ ياأبيه فكَّرتها ..أصلِ مكُنتش..اعتدلَ واستدارَ إليها يطالُعها بتدقيق، شعرت هنا بحرارةِ جسدها مرَّةً واحدةً من اقترابهِ ونظراتهِ الاختراقية، وصلَ إلى وقوفِها ومازال يطالُعها ينظرُ لكفَّيها اللذانِ احمرَّ لونهما من كثرةِ فركهما، وعيناها الزائغة:

-يعني إنتِ كنتي عارفة هيَّ فين؟!..

-أه..لأ، قصدي يعني، نهضت ميرال من مكانِها واتَّجهت إليهِ محاولةً امتصاصَ غضبه:

-لا مكنتشِ تعرف، بس أنا اتَّصلت وعرَّفتها بعد ماوصلت..استدارَ يرمُقها بالصمت، كانت عيناهُ لهيبًا يريدُ إحراقَ أخته، اقتربَ يمسكها من ذراعيها يطبقُ عليها بغضبٍ جم:

-بتشاركيها تبعد عن أخوكي، بتشاركيها الغلط ياغادة؟!..هزَّت رأسها بالنفي وتكوَّرت الدموعُ بعيونها، تهمسُ بتقطُع: 

-أبدً والله، أنا معرفتِش غير لمَّا مشيت..


توقَّفت ميرال بينهما تدفعهُ بعيدًا عن غادة:

-إلياس اهدى، واللهِ هيَّ فعلًا معرفتش، ووقت ماإنتَ كنت عندي كنت لسة بكلِّمها وبعرَّفها..

-بس ياكدَّابة..قالها بصوتٍ ارتجفت إليهِ جدرانَ المنزل ..دفعهما سويًا وتحرَّكَ يهدُر:

-عيال، شوية عيال بيلعبوا بيَّا..

زفرت بتنهيدةٍ مرتفعةٍ تنظرُ إلى غادة بحزنٍ عندما وجدت دموعها، ضمَّتها تربتُ على ظهرها:

-آسفة مكنشِ قصدي أسبب لك مُشكلة، رفعت عيناها إليها:

-هيعرَف البيت بتاع صاحبتي ياميرال، وقتها مش هيسامحني، ياريتني حكيت له من وقتها، إنتِ عارفة لمَّا بيقلب بيكون إزاي..فركت جبهتها فهي تعرفُ غضبه، 

حاولت التفكيرَ بشكلٍ متَّزن، ثمَّ سحبت كفَّيها وأجلستها:

-اهدي واسمعي هقولِّك إيه..ظلَّت تستمعُ إليها..

-إنتِ مجنونة!..دا إلياس، عشر دقايق وهتلاقيه عرف كلِّ حاجة، مش لسة هنروح نتفق ونشتري البيت..

نهضت /

-بصي هو لو عايز يعرف كان عرف، الموضوع فات عليه وقت، وانت غبية اللي خلاكي تقولي كدا، معرفش ماما فريدة لما عرفت قالتلي ممكن تقولي لإلياس ..ربت على كتفها وزفرت قائلة:

-أنا هتصرَّف، لازم أعرَّف عمُّو مصطفى. 

هرولت خلفها تتشبَّثُ بها:

-لا والنبي، بلاش بابا يعرف، كدا كدا زمان إلياس عرف

حدجتها بنظرةٍ متجاهلة: 

-يعني إيه؟..دنت قائلة:

-زمانُه عمل اتصالاتُه وعرف، أنا ونصيبي بقى ..


بمنزلِ إرسلان..توقَّفت تُنهي زينتها لمقابلةِ زوجها الذي غابَ عن المنزلِ منذُ أسبوع..وضعت وشاحًا خفيفًا فوقَ أكتافها بعدما استمعت إلى صوتِ الباب، تحرَّكت للخارح، ألقى مفاتيحهِ يبحثُ عنها..التقطها بعينيهِ وهي تهبطُ درجاتَ السلَّم، ابتسمَ يفتحُ ذراعيهِ إليها لتلاقيها بصدرٍ رحبٍ وهي تُلقي نفسها بأحضانِه: 

-أخيرًا ..أطلقَ ضحكاتهِ وهو يرفعُها من خصرِها يدورُ بها ثمَّ أنزلها يدفنُ رأسهِ بعنقِها..

-وحشتيني..حاوطت خصرهِ تضعُ رأسها بصدرِه: 

-زعلانة منَّك قولت يومين تلاتة مش أسبوع، سحبَ كفَّها وصعدَ إلى غرفتهما:

-آسف حبيبي جالي كام سفرية داخل مصر كدا ومكنشِ ينفع أرجع غير لمَّا أخلَّص اللي عايزُه..فتحَ البابَ ودلفَ للداخلِ ثمَّ توقَّفَ ينظرُ لسحرِها الخاطفَ لقلبه، مرَّرَ أناملهِ على وجهها بعدما أزاحَ ذاكَ الوشاحَ ليتساقطَ أسفلَ قدميها.. وتظلُّ أمامهِ بذاكَ الرداءِ الشفَّاف..رفعَ ذقنها يسبحُ بجمالِ عينيها..

-رجعتي إمتى من عند ماما..

طأطأت رأسها للأسفلِ تفركُ كفَّيها تهمسُ بخفوت: 

-أكيد عارف، مش السواق قالَّك ولَّا إيه..

جذبها إلى أحضانهِ متراجعًا على الفراش:

-مش يمكن عايز أسمع مراتي وهيَّ بتحكي..رفرفت بأهدابِها:

-إنتَ هتفضل تسافر كتير كدا، تمدَّدَ على الفراشِ يسحبُها لأحضانه:

-حبيبتي أنا تعبان من السفر، وجاي بالعربية يعني هلكان وعايز أنام ممكن نتكلِّم بعد ماأفوق، علشان فيه مفاجأة لمَّا أصحى..استندت على صدرهِ متسائلة:

-مفاجأة إيه دي، أوعى تقولِّي نروح الفيلَّا، أنا مش هروح في أيِّ حتة سمعتني مش بعد غيابِ أسبوع، صمتت بعدما اختنقَ صوتها بالبكاءِ ليعتدلَ ينظرُ إليها بعينيهِ العاشقةِ ثمَّ جذبها من عنقها ليذيقها من العشقِ مايشعرُ به.. 


بشقَّةِ آدم..كانت مشغولةٌ على جهازها، استمعت إلى طرقاتٍ على بابِ الغرفة ثمَّ دلفَ يحملُ كوبًا من القهوةِ ووضعهُ أمامها متسائلًا:

-محتاجة مساعدة؟.. 

هزَّت رأسها بالنفي، ثمَّ أردفت:

-باقي حاجة بسيطة وأخلص مش محتاجة شكرًا..جذبَ المقعدَ وجلسَ بمقابلتِها يراقبُها بعيونهِ وهي تعملُ بصمتٍ إلى أن قطعَ الصمت: 

-ناوية تتخصَّصي إيه، رفعت القهوةَ ترتشفُ بعضها ثمَّ أجابته: 

-أورام..ضيَّقَ عينيهِ مستفهمًا:

-ليه أورام ..هنا ارتعشَ جسدها متذكِّرةً معاناةَ والدتها ثمَّ رفعت عينيها إليه: 

-علشان أقدر أخفِّف بعضِ الألم من المرض دا على الناس، ماما اتعذِّبت أوي منُّه، حبيبتي مكنتشِ بتنام خالص وكانت تقعُد تُصرخ من شدِّة وجعُه..انسابت عبراتها تحرقُ وجنتيها وتابعت بصوتها المفعمِ بالبكاء:

-كان نفسي أساعدها أوي ياآدم بس مش عارفة إزاي، كنت بعيَّط لمَّا أشوفها ..اقتربَ منها وحاوطَ جسدها يضمُّها إلى أحضانهِ باحتواء:

-اهدي خلاص ربنا يرحمها، ادعيلَها حبيبتي..مسحت دموعها وابتعدت عنه..


تجهَّمت ملامحهِ مرَّةً أخرى فنهضَ من مكانهِ حتى لا يتعصَّبَ عليها ويخسرها للأبد..تنهَّدت بحزنٍ وذهبت بذاكرتِها لذاكَ اليومَ بعدما عادَ من عمله، وكانت تتراقص..أغلقَ البابَ بالمفتاحِ خلفهِ

فلاش باك

واقتربَ يحاوطُ جسدها لتهبَّ فزعةً تدفعهُ بعنف: 

-اتجنِّنت إزاي تدُخل عليَّا من غير إذن..

جذبها بقوَّةٍ لأحضانه: 

-أه اتجنِّنت بدل حضرتَك مش مدَّياني فرصة، إيلين أنا لسة مُصر على إنِّنا نكمِّل حياتنا مع بعض..

نزعت نفسها بقوَّةٍ من أحضانهِ وهدرت مستحقرةً إياه:

-واحد أناني مش شايف غير نفسُه، أنا مستحيل أكمِّل حياتي مع واحد غدر وخان..توقَّفَ مذهولًا يقاتلُ بضرواةٍ ألمها القاتل الذي يخترقُ روحه.. 

-يعني مابقتيش تحبيني ياإيلين..استفهامٌ انبثقَ من بين شفتيهِ بألمِ روحهِ الساكنة، لترفعَ عينيها إليهِ بكلِّ جبروتِ أنثى غُدرَ بها وهتفت بصوتٍ مرتفع:

-رميتَك من زمان يابنِ خالي، من أوَّل يوم جواز، ومبفكرشِ غير في حياتي وبس، عايزة أبني الدكتورة إيلين بعيد عن أيِّ راجل..دنت منهُ حتى اختلطت أنفاسهما تنظرُ بحدقتيه:

-أنا كرهتَك ياآدم، كرهتَك كحبيب بس إنتَ مهما يطول الزمن هتفضَل ابنِ خالي، فلو سمحت بلاش تكرَّهني في صلةِ الدم اللي بينا.. 

نجحت وبجدارةٍ أن تذيقَ قلبهِ أنواعَ العذابِ ومرارةِ العشق.. 

-يعني إيه..استدارت تمسحُ دموعها: 

-يعني لو عايز تساعدني بجد، ساعدني لحدِّ ماأخلَّص جامعتي، استحمل وجودي معاك يادكتور، وأنا مش هسبِّب لحضرتَك ضرر متخافش، حتى لمَّا مراتك تيجي ممكن تعرَّفها على إنِّي أختك.. 

انهالت صدماتهِ تضربهُ بعنفٍ وهو يرى أنَّها تعلمُ بخبرِ وصولِ زوجتهِ الأخرى..  

-إنتِ إيه اللي عرَّفك..عقدت ذراعيها: 

-ممكن تطلَع برَّة تعبت وعايزة أنام، وياريت تحترم رغبتي.. 

استدارَ وغادرَ الغرفةَ سريعًا بخطواتٍ تأكلُ الأرض.. 

خرجت من شرودها على رنينِ هاتفها: 

-أيوة ياخديجة..

-ابعتيه كدا لو معرفتوش هخلِّي آدم يشوفُه.. 

ظلت لفترة وهي تتفحَّصُ بعضَ الأشياءِ التي أرسلتها، مساءً بعدما شعرت بانهاك جسدها، نهضت متَّجهةً إلى غرفته، طرقت البابَ ودلفت تبحثُ عنهُ   بخروجهِ من الحمَّامِ يلفُّ نفسهِ بمنشفةٍ وبيدهِ منشفةٍ يجفُّفُ خصلاته..توقَّفت تنظرُ إليهِ بصدمة، بينما هو تصنَّمَ بوقوفهِ وتوقَّفَ متسمرًا بمكانهِ بوجودها بغرفتهِ لأوَّلِ مرَّة..اقتربَ منها فتراجعت تشيرُ إلى الخارجِ وتلعثمت بالحديث:

-كان فيه، أصل..حاوطَ جسدها بينهُ وبينَ الجدار: 

-إيه القطة أكلت لسانك..ابتلعت ريقها بصعوبةٍ من رائحتهِ التي أضعفت كيانها لتهمسَ بخفوت: 

-آدم ابعد لو سمحت، 

لحدِّ إمتى ياإيلين هبعد، بحاول أضغط بس مش قادر، إيلين واللهِ بحبِّك، ارحمي قلبي، أنا مقربتِش لحد، واللهِ ماقدرت.. كان حبُّك سد لأيِّ حاجة.. 

لمسَ وجنتيها بخاصتهِ لتنهارَ بين ذراعيهِ بضعفِ قلبها ..محاولًُا أن يقتحمَ حصونها المستميتة.. 

رفرفت بأهدابِها تطالعهُ بضعفٍ هامسة:

-آدم مش هقدر.. ولكنَّهُ لم يدع لها أن تكملَ حديثها ليسحبَ باقي حديثها في لحظاتِ سكونٍ وضعفٍ سوى من نبضِ القلوبِ ليتذوَّقَ لأوَّلِ مرَّةٍ عالمها الساحرَ المليئَ بالعشقِ الذي لا ينكرهُ قلبًا ولا عقلًا بتلك اللحظات..نهضت بعدَ فترةٍ ليست بالقليلةِ ودموعها كأمطارٍ رعدية، تلملم ثيابهاو تتحرَّكَ إلى غرفتها تجرُّ أقدامها بصعوبة، ولم تهتمَّ لملابسها التي لا تعلم كيف أرتدت بعضها وهي تسبُّ نفسها  لذاكَ الضعفِ والمهانة.. 

مسحَ على وجههِ بغضب، وبدأَ يحطِّمُ كلَّ ما يقابلهُ على ماتوصلَّت إليهِ بسببِ قربه، لماذا تفعلُ ذلكَ وهي تعشقُه، نعم تعشقهُ بكلِّ جنونِ العشقِ الموجودِ بالقلوب..جلسَ بالشرفةِ وبدأ يدخنُ سجائرهِ بشراسةٍ كلَّما تذكَّرَ حالتها، تخرجُ أنفاسهِ بلهيبٍ مستعر، أغمضَ عينيهِ وابتسامةٍ لاحت على وجههِ وهو يتذكّّرُ لحظاتَ الجنةِ وهي بأحضانهِ تهمسُ بعشقه..دفعَ المقعدَ بقدمهِ وهرولَ إليها يقسمُ بداخلهِ أنَّهُ لن يتخلَّى عنها مهما كلَّفهُ الأمر..دفعَ البابَ ودلفَ للداخلِ ولكنَّهُ توقَّفَ جاحظَ العينَينِ لما رآه..


بشقةِ يزن وخاصةً بمكتبه: 

-وبعدين ناوي على إيه، تسائءلَ بها كريم..كان ينظرُ إلى جهازهِ يربطُ الأحداثَ ببعضِها البعض، ثمَّ نهضَ واتَّجهَ إلى سجائره: 

-كلِّ خير..اتَّجهَ يطالعهُ بغموض: 

-يزن أوعى تكون ناوي تعمل حاجة..مسحَ على شعرهِ ثمَّ التفتَ إليه: 

-إنتَ بتحبِّ أختي ياله من إمتى؟!

ركلهُ بقدمهِ وجزَّ على أسنانه:

-متوَّهشِ يابنِ السوهاجي، إنتَ ناوي على إيه..استندَ على جدارِ الشرفةِ ينفثُ سيجارته: 

-هيَّ القضية لسة شغالة، بس عرفت وكيل النيابة دا عُقر ونضيف، ودا اللي يخلِّيني أبعد لفترة، هقعد وأتفرَّج علشان بردو معرفشِ مين وليه.. 

-كدا أقنعتني يعني ..ربتَ على كتفه:

-صدَّقني حاليًا مش بإيدي حاجة أعملها، بس فيه خطة أظبَّطها وأقولَّك عليها.. علشان هحتاجك ياجوز أختي.. 

توسَّعت عيناهُ بذهول: 

-احلف يعني إنتَ موافق ..احتضنهُ بحبّ: 

-أيوة هلاقي أحسن منَّك، علشان لو حصلِّي حاجة تاخُد بالك من معاذ ياله، مش موافق عليك جدعنة..

ارتفعت ضحكاتُ كريم مردِّدًا:

-واطي واطي ياصاحبي ..صخبَ الضحكَ حتى وصلَ إلى غرفتها لتزيلَ عبراتها بأناملِها الناعمةِ تمسِّدُ على رأسِ أخيها الصغير وهو يغفو متذكِّرةً تلك الأيامِ الصعبةِ بسجنِ يزن، لا تعلم لولا وجودِ كريم ماذا كانت ستفعل، شهقةٌ خرجت من فمها تهمسُ لنفسها:

-يزن ..خرجت شهقةٌ من فمها حينما تذكَّرت حياتها من غيره..ظلَّت لوقتٍ تبكي بصمتٍ إلى أن استمعت إلى إغلاقِ الباب، حينها علمت بمغادرةِ كريم، استمعت إلى صوته:

-إيمي حبيبتي تعالي اعمليلي شاي..

مسحت دموعها وتحرَّكت للخارج.. 

-حاضر حبيبي، أجبلك كيك ولَّا قراقيش ..

كان يتفحَّصها بحدقتيهِ ثمَّ أردفَ من خلفها:

-عملتي إيه الأسبوع اللي مكنتِش موجود فيه..سقطَ الكوبُ من يديها وأجهشت بالبكاءِ ثمَّ استدارت إليها تهرولُ لأحضانهِ تبكي بصوتٍ مرتفع:

-أوعى تعملها تاني، أنا كنت بموت في بُعدك يايزن، إياك تغلط مع حد علشان مش يبعدوك عننا.. 

حاوطها بذراعيهِ يربتُ على ظهرها، واختنقَ حلقهِ بغصَّةٍ يقسمُ بداخلهِ لدموعها أن يذيقهُم من دموعها ماتشتهيهِ الأعين.. 

صباح اليوم التالي توجه إلى مكتب راكان، دلف بعد السماح له ، وزع نظراته بينه وبين جاسر ..أشار إليه راكان بالجلوس 

-بعت لك بشكل شخصي، القضية لسة شغالة، عندي كام سؤال 

اومأ يزن قائلاً:

-اتفضل حضرتك..نقر راكان وعيناه على جاسر الذي اومأ له 

-ايه علاقتك بطارق الشافعي، وليه طارق بيراقبك، ثم أخرج صورة ميرال وأشار له 

-تعرف دي ..رفع الصورة يدقق بملامحها ثم هز رأسه بالنفي 

-لا ، بس ليه طارق باشا هيراقبني..استند راكان على المكتب يطالعه بتدقيق

-ياسر اتقتل في السجن، انت عارف معنى الكلام دا ايه 


بفيلا السيوفي وخاصةبغرفةِ ميرال: 

كانت تجلسُ فوقَ فراشها تُنهي مقالها الذي تعملُ عليه منذُ عدَّةِ أيام ..دلفَ للداخل، توقَّفَ يعقدُ ذراعيه، يراقبها بعيونٍ مبتسمة، فمنذ ذلك اليوم لم يراها، يأتي ليلا ليطمئن عليها ثم يغادر خفيًا،اقترب منها محمحمًا، رفعت عينيها إليهِ ترمقهُ بصمتٍ ثمَّ اتَّجهت إلى جهازها دونَ حديث..جلسَ بجوارِها متسائلًا: 

-بتعملي إيه..

-كنت بعمِل مقال عن الولد اللي الكلّ خايف يعمِل معاه حوار دا..

أمسكَ الورقَ يقلِّبُ به، ثمَّ نهضَ من مكانهِ يردِّدُ الاسمَ وتساءل: 

-إيه اللي وصَّلك للواد دا..جذبت منهُ الأوراقَ قائلة:

-قولت مليون مرَّة دا شغلي لو سمحت متدَّخلشِ فيه.. 

تأفَّفَ بجزعٍ ثمَّ انحنى بجسدهِ يحاوطُها: 

-انسي المقال دا، عايزك تبعدي عن القضية دي..

تراجعت بعيدًا عنهُ تتلاعبُ بقلمِها ثمَّ اقتربت من وجههِ والتوى ثغرها بابتسامة:

-ليه مش دا ابنِ الراجل اللي حاول يضرَب علينا نار ويومها اتصبت..

-ميرال ..قالها من تحتِ أسنانه، لتستندَ على كتفهِ تداعبُ وجهه: 

-روح ميرال ..كظمَ غيظهِ من أسلوبها المستفزّ فأردف:

-الواد دا تبعدي عنُّه سمعتيني ومش عايز المقال دا ينزِل..استنشقت رائحتهِ المختلفة ثمَّ دفعتهُ بعيدًا عنها:

-إيه الريحة دي..إنتَ غيَّرت البيرفيوم بتاعك؟!.. 

اعتدلَ بعدما تملَّكهُ الغضبَ الجارفَ من حديثها ثمَّ تحرَّكَ للخارجِ يسبُّها..ظلَّت تجزُّ على يديها بعدَ خروجه، دقائقَ وهي تستثيرُ غضبًا حتى نهضت، متجهة اليه 

دفعت الباب ودلفت وجدتهُ جالسًا على فراشهِ يحادثُ أحدهم..ظلَّت إلى أن انتهى من مكالمته، ثمَّ اتَّجهت إلى خزانةِ عطوره، وهو يتابعها بهدوءٍ إلى أن توقَّفت أمامهِ وألقتهم جميعهم على الأرضية لتتناثرَ شظاياهُم، ومضت عيناها بلمعةِ تحدِّي مما جعلتهُ يقفُ يشيرُ إلى مافعلته، اشتعلت نيرانُ الغيرةَ بداخلها: 

-إيه زعلان على هدايا الزفتة بتاعتك، واللهِ أموِّتك وأموِّتها، اسمعني.. أه أنا ممكن أبعد عنَّك بمزاجي وغصبِ عنِّي كمان، بس حدِّ يقرَّب منَّك أدبحك وأدبحها معاك، حتى لو كانت الحيوانة دي، والبنتِ دي مش عايزة أشوفها تاني..ارتفعت دقَّاتُ قلبهِ من حالتها وهو ينظرُ إلى صدرها الذي يعلو ويهبطُ بسببِ حالتها  الانفعالية، أقسمَ بداخلهِ أنَّها وحدها التي يجبُ أن يهتزَّ الكونُ كلِّهِ لأجلها، دنا منها وهي تتراجعُ ظنًّا أنَّهُ سيوبِّخها، ولكنَّها أذابت كلَّ الآلامِ التي بداخله، ليجذبها بقوَّةٍ إلى صدرهِ ولم يترك لها المجال وهو يضمُّها بقوَّة:

-إشش اهدي البرفيوم دا أنا اللي جايبُه، مفيش حدِّ تاني، من إمتى وأنا باخُد حاجة من حد..

-يعني ايه..ابتسم ينظر لشفتيها يشير إليها لتقبله

-اخد حاجة حلوة واقولك..ابتسمت قائلة:

-اتغيرت ياالياس ..وضع جبينه فوق خاصتها:

-عرفتي انك مهمة ارتفعَ رنينَ هاتفهِ ليخرجهُما من لحظتهما، ذهبت ببصرها إلى فونهِ لتبتعدَ سريعًا عنه، ثمَّ استدارت مغادرةً الغرفة..أمسكَ هاتفهِ متنهِّدًا:

-أيوة يارؤى..استمعَ إلى بكا ئها بالهاتفِ 

لتقصَّ لهُ ماصار..

-طيِّب خلاص انا هتصرَّف وبكرة هبلَّغك، بعدَ فترةٍ ليست بالقليلة، نهضَ متَّجهًا إليها، وجدها تغفو فوقَ فراشها.. 

أمالَ بجسدهِ يحاوطُ نومها، فتحت عينيها تهمس: 


إيه اللي جابك أوضتي في وقتُ متأخَّر كدا، روح كمل مكالمتك الغرامية ابتسمَ بخفَّةٍ عليها، ورغمَ معرفتهِ بدلالِها وبما تفكِّرُ به إلَّا أنَّهُ سايرها، ليدنو منها يهمسُ بصوتهِ الأجشِّ الذي سحبَ أنفاسها:

-مش يمكن حبيبي وحشني وعايز حُضن يريَّحني..رعشةٌ لذيذةٌ أصابت جسدها، لترفعَ أناملها تمرِّرُها على وجههِ وبصوتٍ ناعس: حياتنا هتفضل كدا لحدِّ إمتى ياإلياس عجبَك كدا كلِّ اللي بنعملُه إزاي كلِّ واحد فينا بيقتَّص من التاني.. 


نبرةُ الألمِ في صوتها وحدقتيها التي تخترقُه، جعلهُ لم يشعر بنفسهِ سوى وهو يضمُّها بقوَّةٍ يرفعها لأحضانه…

تنهيدةٌ حارةٌ من لهيبِ الاشتياقِ أحرقت ضلوعَ كلَّا منهما..وضعت رأسها بصدرهِ تختبئُ وكأنَّهُ سيترُكها مرَّةً أخرى ..مسَّدَ على خصلاتها والصمتُ يعمُّ الغرفة، سوى من نبضاتِ قلوبهم التي تصمُّ الآذان..رفعَ رأسهِ ليزدادَ بريقُ العشقِ بعينيهِ وهو يفترسُ وجهها باشتياقٍ ثمَّ أردفَ بنبرةٍ مبحوحةٍ من كثرةِ شعورِ الاشتياقِ بداخله: 

-وحشتيني فوق ماقلبِك يتخيَّل، مسَّدَ على وجهها بظهرِ كفِّهِ واخترقَ عينيها بحدقيته:

-لمَّا قولتلِك بحبِّك مكنتش بهزَّر أو بنتقم، علشان بجد إنتِ دمَّرتِ كلِّ الحصون والقلاع ولو كنت بحبِّك قبلِ الجواز فدلوقتي حبِّي عدَّى مراحل كتيرة..كانت تستمعُ إلى نبرتهِ الحانيةِ بلمعةٍ من عيونِها لشعورِها بالسعادة، نظرَ إلى ثغرها الذي يمثُّلُ أُكسيدَ الحياة، ليجذُبها من عنقها يقرِّبها إليه، ويخبرُها بأسلوبهِ أنَّ العشقَ لها وحدها وليسَ سواها من يتجرَّاُ بالقربِ منه.. 


لم يشعرا بالوقتِ الذي يغوصان في نهرِ العشقِ اللامتناهي لتذوبَ في حضنهِ وتستمتعُ بتذوُّقِ قربه، بعدَ فترةٍ اعتصرَ جسدها بينَ ذراعيهِ القوية لتصبحَ داخلَ حصنهِ المنيع ..تغمضُ عينيها والسعادةُ ترفرفُ بها كنبضاتِ قلبها ، مسحَ على شعرها وأطلقَ تنهيدةً جياشةً بعدما شعرَ أنَّها أصبحت كجرعةِ مخدِّرٍ ليستطعَ العيش، ولا تحلو لهُ الحياةَ سوى بقربِها ..رفعت رأسها وجدتهُ مغلقَ العينينِ وابتسامةً على وجهه، حاولت التملُّصَ من أحضانهِ إلَّا أنُّهُ منعها..

-نامي حبيبي علشان أعرف أنام..

هتبات هنا..فتحَ عينيه، ثمَّ اعتدلَ مردِّدًا:

-أنا إزاي نسيت صح، شعرت بالحزن، كانت تظنُّ أنَّهُ سيقضي ليلتهِ بأحضانِها، ابتعدت بنظرِها عنه، إلى أن شعرت أنَّها تطيرُ بالهواء، حيثُ رفعها متَّجهًا إلى غرفتهما..

-دي مش أوضتنا، علشان نبات فيها، قالها وهو يدفعُ البابَ بقدمهِ ويتحرَّكُ بها إلى الفراشِ يضعها بهدوءٍ ينظرُ إليها بابتسامةٍ لعوب:

-حلوة الملاية دي، قالها وهو ينزعها عنها لتدفعهُ صارخة.. قهقهاتٌ صاخبةٌ وكأنَّهما لم يذوقا العذابَ منذُ فترة، ظلَّت ضحكاتهما تعلو بالغرفةِ إلى أن توقَّفَ عن الضحكِ يضمُّها ويمسِّدُ على خصلاتها: 

-آسف..رفعت عينيها إليه: 

-أنا كمان آسفة، بس طالبة منَّك حاجة.. 

رفعَ ذقنها منتظرًا حديثها: 

-مش عايزاك تقرَّب من رؤى تاني لو بتحبِّني بجد..صمتَ وعينيهِ ترمقُها بصمتٍ إلى أن هزَّ رأسهِ وتمدَّدَ يجذُبها لأحضانه. 


بعدَ أسبوعٍ خرجَ من مكتبهِ على رنينِ هاتفِ رؤى: 

-ليه كدا ياإلياس مكنشِ لُه لزوم إنَّك تفضحني كدا..

على الجانبِ الآخرِ استقلَّ السيارةَ وأجابها بحدَّة:

-مش عايز كلام كتير، كان لازم يعرف إنِّك مش وحيدة.. 

-بس إنتَ فضحتني، شوفت الجامعة كلَّها بتتكلِّم عنِّي إزاي صوري بقت في كلِّ مكان..صاحَ بغضب: 

-لأنِّك حيوانة وتستاهلي، حذَّرتك بس إنتِ اللي هبلة يارب تكوني مبسوطة كدا..

بكت بشهقاتٍ قائلة:

-أنا حبيتُه ياإلياس..

-اخرسي علشان مجيش أموِّتِك ياحيوانة، رخَّصتي نفسِك لحيوان افرحي بقى.. 

شهقةٌ خرجت منها تتمتمُ بضياع: 

-عندَك حق الرخيص مالوش العيشة.. 


بفيلَّا الشافعي جلسَ الرجلُ أمامهما:

-البنت رفضت تمسَح المقال ياباشا، ودي مش هنعرف نقرَّبلها، دي مرات ابنِ السيوفي..

حدجهُ بنظرةٍ مميتة: 

-واللهِ لأحسَّرُه عليها زي ماحسَّروني على ابني..البنتِ دي تراقبوها مع جوزها وكلِّ الأخبار عندي.. 


دلفت رانيا إليهما هوت على المقعدِ دونَ حديث، ثمَّ جذبت سيجارة: 

-مفيش تأمين ولا زفت، نفسي أعرف مين اللي ورا الخسارة دي كلَّها..


بعدَ عدَّةِ ساعاتٍ ارتفعَ هاتفَ راجح: 

-حضرةِ الظابط في شقَّةِ البنت اللي كلَّمناها ياباشا..والبنتِ الصحفية وراها جيش حراسة وراجعة على البيت


ظلَّ لدقائقَ يفكِّرُ ثمَّ أردف: 

-كلِّم البنت وقولَّها جوزِك بيخونِك، وكلِّم البنت واتفِق معاها، بس ياباشا..قاطعهُ:

-مش مهم بيعمِل إيه.. المهمّ البنت توصَل لوحدها في وضعِ مش كويس وإنتَ الباقي عارفُه.. 


بسيارةِ ميرال ظلَّت تنظرُ للهاتفِ تنتظرُ مكالمته، رفعت الهاتف، استمرَّت تهاتفهُ لبعضِ اللحظاتِ ولكن لا يوجدُ رد، ترجَّلَ من سيارتهِ ودلفَ للداخل، توقَّفت:

-لو جاي تضايقني بالكلام يبقى أرجع..دفعها ودلفَ للداخل: 

-لا أنا مابتكلِّمش، هتُدخلي زي الكلبة وتلمِّي هدومِك وتيجي معايا.. 

توقَّفت متخصِّرةً قائلة:

-ومين هيسمَع الكلام دا إن شاءالله..قبضَ على خصلاتِها وهمسَ بهسيس:

-هقطع لسانِك يابت، إنتِ مالكيش رأي، دفعها بقوَّةٍ حتى سقطت متأوهةً وارتفعَ بكاؤها ..

بسيارةِ ميرال استمعت إلى رنينِ هاتفها،  أجابت سريعًا دونَ أن تنظر:

-حبيبي فينَك..تحدَّثَ الرجل: 

-حبيبِك بيخونِك ولو مش مصدَّقة هبعتلِك العنوان ..

لحظاتٍ ووصلَ إليها العنوان، علمت أنَّهُ عندَ رؤى..تنفَّست بعمقٍ ورفعت الهاتفَ تهاتفهُ مرَّةً بعدَ مرَّة ولكنَّهُ لم يجب عليها، ازدادت نيرانُ الغيرة بداخلها كالشيطانِ الذي يقتنصُ صلاةَ مؤمن.. 

تحدَّثت إلى السائق: 

-روح على شقَّة أستاذة رؤى ..كان صدرها يعلو ويهبطُ من شدَّةِ توترها..

ترجَّلت من السيارةِ بخطواتٍ واسعة، ورغمَ أنَّها تتحركُ بخفَّةٍ إلَّا أنَّها تشعرُ بتثاقلِ أنفاسها ..طرقاتٍ على البابِ لتفتحَ الخادمة، تدفعها..

دلفت للداخلِ وجدتهُ جالسًا بجوارها وكأنَّها بأحضانه، اقتربت منهُ وهي تسحبُ نفسًا عميقًا حتى لا تبكي بضعفِها أمامِه.. 

شعرَ بدخولِ أحدهِم.. رفعَ نظرهِ وجدها أمامه، توقَّفَ متسائلًا: 

-إنتِ إيه جابِك هنا؟!..نظرت لتلكَ التي تلملمِ خصلاتَها بصمتٍ ثمَّ اتَّجهت إليه:

-إيه قطعت القعدة الحلوة ..انكمشت ملامحهِ مستفسرًا 

-يعني ايه !!ثمَّ اقتربَ إليها ، لتتراجعَ للخلف:

-إياك تقرَّب منِّي، روح كمِّل قعدتَك الحلوة.. لينا بيت نتكلِّم فيه..قالتها واستدارت متحرِّكة..هي تقصد ايه ، قالها وتحرَّكَ خلفها سريعًا ولكنَّهُ توقَّفَ على رنينِ هاتفه:

-إنتَ فين أنا مستنيك بقالي نُص ساعة يابني..ضربَ على رأسهِ متذكِّرًا ميعاده، فاتَّجهَ لسيارتهِ بعدما أشارَ لحارسه:

-واقف ليه الحقها..

-المدام رفضت ياباشا.

اتحرَّك يامتخلِّف وراها..


وصلَ بعد قليلٍ إلى المقهى الذي ينتظرهُ بهِ أرسلان، دلفَ للداخل ..توقَّفَ أرسلان يشيرُ إلى القهوة:

-شريت تلاتة قهوة ياأخي..رسمَ ابتسامةً متأسفًا: 

-آسف نسيت، المهمّ وصلِت لحاجة؟.. 

جلسَ وأخرجَ لهُ بعضَ الأوراق والتسجيلات: 

-الست مظلومة فعلًا، شوف الورق دا، بس فيه ناس خايفة تتكلِّم إيه السبب لسة بدوَّر، وصلت للستِّ بتاعةِ العين السُخنة وفعلًا زي ماقولت ليها ولدين اتخطفوا، مش باعتهم، بس ليه اتجوزت اخو جوزها معرفش، هي ماوضحتش، فيه حاجة كمان، هي مخلفتش من اخو جوزها 

-ايه يعني ايه، دي معاها بنت 

-هز رأسه بدون علم، ثم أكمل 

-مش عايز اظلمها بس فيه ناس كبيرة في السن بيزموها ياالياس وفيه ناس مش فاكرة الحادثة خالص..كوَّرَ قبضتهِ حتى ابيضَّت يستمعُ إليهِ بصمت، ورغمَ صمتهِ إلَّا أنَّ أنيابَ الندمِ تحرقُ أحشائه..

-ليه راجح دا شاغلك اوي كدا،

ارتشف قهوته واجابه

-عرفت أنه شغال شمال، بس محدش عارف يوقعه ..ظل يتحادثان فترة إلى أن تسائل عن فريدة 

-والدتك عاملة ايه

-كويسة..قالها بنبرة باردة ، ليتابع ارسلان


تعرف.. حبِّيت والدتك معرفشِ فيها حاجة شدِّتني يمكن علشان تشبَه ماما.. 

ضغطَ على شفتيهِ بغضبٍ مبتعدًا بنظرهِ عنه، يرتشفُ من قهوتِه: 

حمحمَ معتذرًا:

-هوَّ أنا قولت حاجة تزعلَّك..وضعَ الفنجانَ يهزُّ رأسِه: 

-لا أبدًا، المهمّ كنت عايزني ليه؟.. 

أخرجَ هاتفهِ ووضعهُ أمامه:

-عايزك توصَّلني بالشخصِ دا بس بطريقة غير مباشرة، على إنِّي محتاجه في النادي عندي..

رفعَ الهاتفَ يدقِّقُ النظرَ به:

-مين دا ؟!.

تراجعَ للخلفِ قائلًا:

-دا المهندس اللي صلَّح العربية..

بترَ حديثُهم اتصالَ إسحاق:

-أرسلان مرات إلياس السيوفي اتخطفِت 

حاول تتعامِل مع الوضع من قبلِ مايعرف، هبعتلَك رقم العربية..  

نهضَ من مكانهِ وجمعَ أشيائه:

-تمام يافندم مسافة السكة، نظرَ إلى إلياس وتحدَّثَ معتذرًا:

-لازم أمشي حالًا..أومأ لهُ دونَ حديث، غادرَ المكان ونظراتُ إلياس تلاحقهُ مع رنينِ هاتفِ إلياس: 

-إلياس باشا فيه عربية خطفِت مدام ميرال..لقينا عربيِّتها في الطريق ومفتوحة.. 

شحبت روحهِ قبلَ جسدهِ ليتوقَّفَ يردِّدُ كلماته: 

-إنتَ بتقول إيه ؟!..

أيامٌ عدَّت كثقلِ الجبالِ وهو يبحثُ كالمجنونِ عليها، إلى أن استمعَ إلى رنينِ هاتفِه: 

-إلياس عرفت مكانها..هبَّ من مكانهِ يجمعُ أشيائهِ مهرولًا للأسفل:

-ابعتلي اللوكيشن بسرعة..

تمام..بس الجوِّ برَّة صعب فيه مطر شديد والمكان بعيد جدًا، دي في قرية في ...قاطعهُ بنبرةٍ لا تقبلُ النقاش:

-أنا قولت عايز العنوان وبس ..قابلتهُ فريدة:

-عرفت حاجة؟..تحرَّكَ يهزُّ رأسه: 

-أيوة، رايحلَها..

-إلياس..قالتها فريدة وهي تقتربُ منه..توقَّفَ بمكانهِ يواليها ظهره، وصلت إليهِ وتوقَّفت أمامه: 

-فيه موضوع مهم لازم تعرفُه

أزاحها بهدوء: 

-مفيش أهمّ من مراتي دلوقتي، لو سمحتي بلاش نكرَّر الغلط تاني ..قالها وتحرَّكَ سريعًا، هرولت خلفهِ إلَّا أنَّ مصطفى عرقلَ تحرُّكها:

-بطَّلي جنان يافريدة، اللي ناوية عليه جنون، استدارت متحرِّكةً وأردفت: 

-عملت التحليل يامصطفى والنتيجة ظهرت..أرسلان أخو إلياس والاتنين لازم يعرفوا في أقرب وقت، قدَّامك يومين تجمع ولادي وتعرَّفهم أنُّهم أخوات..

جحظت عيناهُ واتَّجهَ إليها:

-تحليل مين...

أخدت عيِّنة من أرسلان يامصطفى وعملتها من فترة والنتيجة ظهرت من يومين، ولازم إلياس يعرف الشخص اللي بيجيلُه كلِّ يوم بيكون أخوه..

أطبقَ مصطفى على ذراعيها بقوَّةٍ يهدرُ بعنف: 

-إياكي تغلطي يافريدة، سمعتيني، الموضوع مش سهل علشان كلمتين هيسمعوهم، وزي ما الدكتور قالِّك لازم نهيَّئلُه، أنا مش مُستعد أخسر ابني.. 

نزعت يديها بغضبٍ وصرخت بوجهه: 

أنا عايزة ولادي وبس، دلوقتي هوَّ راح يرجَّع مراتُه أنا أجِّلت لمَّا ميرال ترجع بس دلوقتي مش هسكت تاني، ياأما تقولُّه ياأنا أقولُّه.. 

قالتها وصعدت للأعلى ، بعد فترة ليست بالقليلة وهي تحاول مهاتفة إلياس ولكنه لم يجيبها، أتجهت مرة أخرى إلى  هاتفها تهاتفُ أرسلان:

-اسفة يابني بس عرفت انك مع إلياس قولي يابني وصلتوا لميرال ..أجابها سريعًا وهو يصلُ إلى المكانِ الذي تُحجزُ به:

-أيوة حضرتِك، لازم أقفل، قالها وأغلقَ الهاتفَ بنزولِ إلياس من سيارتهِ مع فريقهِ الأمني ..أشارَ للمبنى: 

-ممكن تهدى علشان ممكن يكون فيه خطر على حياتها ..دفعَ البابَ ودخلَ لذاكَ المكانِ المهجور، بحثَ الجميعُ عنها، هرولَ للداخلِ يبحثُ عنها كالمجنون، وقفَ كالذي سُحبت أنفاسهِ وهو يراها ملقيةً على الأرضِ فاقدةً للوعي ووجهها شاحبٌ كالأمواتِ بملابسها الممزقة..خطا بخطواتٍ ثقيلةٍ وجسدٍ منتفضٍ حتى جثا أمامها يضعُ أناملهِ بارتعاشٍ على عنقها ليرى نبضها إذا كانت على قيدِ الحياة أم لا..


اقتربَ أرسلان منهُ بعدما وصلَ إليها، شهقةٌ خرجت من فمهِ حينما وجدها بتلكَ الحالة، رفعها إلياس بين ذراعيهِ بعدما خلعَ جاكيتِهِ ووضعهُ على جسدها، ذهبَ أرسلان ببصرهِ إلى فمها. 

-ممكن تكون مسمومة ياإلياس لازم توصَل بيها المستشفى بسرعة، لم يستمعْ إليها وكأنَّهُ  لا يشعرُ بما يدورُ حولها، حملها واتَّجهَ إلى المشفى في صمتٍ مميت.. 


بعدَ يومين كانت تجلسُ على سجادتها تدعي ربَّها بالشفاءِ الى ابنتها، رفعت عينيها إلى الذي يجلسُ بجوارِها وعينهِ عليها ..استمعت إلى رنينِ هاتفها التقطتهُ من حقيبتها، فتحتهُ لتستمعَ إلى قهقهاتٍ مرتفعة: 

-بنتِك غلطت لمَّا شوهت سُمعة ابني، وأهي أخدت جزاتها، إنَّما فين جوزِك وابنُه يامدام فريدة..قالها وتوقَّفَ يزأرُ كالأسدِ ويهتفُ بجحود:

-دا علشان تعرفي إنِّ راجح لسة زي ماهوَّ، متفكَّريش سيادةِ اللواء الحنيِّن اللي دمَّرني زمان وأنا ضعيف يقدر عليَّا لمَّا قويت، أنا قويت أوي يافريدة، وهجيبِك راكعة بعد ماأموِّتلِك سيادةِ اللوا، أه متبقيش ذكية بكلِّمك مكالمة عبر القمر الصناعي..قالها وظلَّ يقهقهُ كالأجدب، ثمّّ استمعت إلى صوتِ الموسيقى ليردفَ بفحيح:

-عامل حفلة على روح بنتِك، بقى راجح تضحكي عليه وتقولي استأصلتي الرحم علشان متجبيش منُّه عيال، وحياتِك لأخلِّي أيامِك سواد يافريدة


ظلَّت بمكانِها بعد إغلاقهِ الهاتف، وكأنَّها لم تستمعْ إلى شيئ، عيناها على ميرال التي أصبحت كالجُثة..دلفَ إسلام وغادة إليها:

-ماما فريدة قومي ارتاحي شوية، وإحنا هنفضَل هنا..أومأت تنهضُ من مكانِها ثمَّ خطت إلى ميرال وانحنت تطبعُ قبلةً على جبينها ثمَّ رفعت عينيها عليه: 

-قوم صلِّي وأخواتَك عندها، وأنا هوصل البيت أجبلها شوية هدوم، الدكتور طمَّنا، والحمدُلله مفيش سم في جسمها دلوقتي..كانت عيناهُ عليها فقط لا يريدُ الحديثَ مع أحد، فاستدارت مغادرةً المكان..

وصلت بعدَ قليلٍ إلى فيلَّا الشافعي التي تزيِّنها الأنوارُ الملوَّنةُ وكأنَّهم يحتفلونَ بزفافِ أحدهم ..دلفت تبحثُ بعينيها عنهُ وجدتهُ يقفُ بيديهِ كأسًا من الخمر، ابتسامةٌ ساخرةٌ إلى أن وصلت إليه:

جيت احتفل معاك ياراجح، مش انت عزمتتي، شوفت انا سبت بنتك في المستشفى علشان اشاركك احتفالك ازاي...توقفت الموسيقى على صوتها، دارت حول رانيا مرة ثم راجح مرة إلى أن توقفت نظراتها على طارق 

-دا بقى ابن سمية الغلبانة، اللي قهرتها على ابنها، ضيقت عيناها تلوح بيديها 

-مراتك التالتة كان اسمها ايه، مش مهم اكيد انت فاكر انت والحيوانة اللي جنبك..اقتربت رانيا تضحك بصوت مرتفع ..بعدما أشارت للجميع بالخروج 

-عارفة قلبك محروق على بنتك، كانت بتتحايل عليا علشان ارحمها وانا بحقنها، شوفتي انا كريمة ازاي ماخلتش غيري انا وطارق يقرب منها، همست بجوار أذنها 

-البنت زي القمر مكنش خسارة في طارق يدوق جمال قريبته

شعرت فريدة بالقهر، بنيران تحرق جسدها بالكامل، ابتسمت رانيا بعدما شعرت بنشوة الانتصار


-مش تحكي لطنط فريدة ياطارق على جمال مرات ابنها ..لعق طارق لسانه 

-قشطة..هنا انهمرت دموعها، بعدما اقنعوها بما شق صدرها على ابنها وزوجته، أقسمت أن تقهر روحهما، لتستدير توزع نظرات مشمئزة عليهما 

-ابنك اغتصب البنت ياراجح 

قهقه راجح بفخر، وهو يشير الى طارق 

-ابن راجح يافريدة واكيد انت مجرباه، والبت شبه امها حلوة لو تنفعني مكنتش ...بترت حديثه تصرخ 

-اخررررررص..انت ايه شيطان، ربنا يحرق قلبك على اغلى ماعندك ياراجح 

تهكم يرفع كاسه يشير إلى رانيا

-كاس لمدام فريدة يبرد أعصابها يارانيا علشان تعيش معانا اللحظة وتحتفل ..بثقت بوجهه ثم هدرت بصوت ارتجت له جدران المنزل  

افرح ياراجح، البنت اللي بعت ابنك يغتصبها و يموُّتوها بنتَك، اضحك كمان، ثمَّ التفتت إلى رانيا: 


-إيه يامدام رانيا ماتكمِّلي احتفال، وقَّفتي ليه..دارت حولهُم تطالعهُم بشماتة:

-دايمًا الخسَّة والندالة في دمُّكم، ظلمتوا وافتريتوا، ونسيتوا إن فيه رب المظلومين، حبيتوا تقهروني، خطفتوا ولادي الاتنين، وبعدتوهم عن حُضني، بس يشاءُ ربُّ العالمين، أرَّبي ابني من غير ماأعرف أنُّه ابني، ويوم ماأعرف يكون متجوِّز بنتِ أكبر عدوّ لأمُّه، ياترى إلياس لمَّا يعرَف إنّّك عمُّه هيعمِل فيك إيه ياراجح، ولمَّا يعرَف إنَّك السبب في اللي وصل لمراتُه، أوعى تفكَّر موضوع إنَّها بنتَك هيشفعلَك، للمرَّة التالتة على التوالي وإنتَ بتحاول تقهرني بأولادي..فرحان ياراجح، رمقت رانيا 

-ايه يامدام رانيا، كنتي بتقولي ايه بتتزل لك، وانت يابن راجح، استبحت جسم اختك، وعجباك اوي..هز رأسه بنفي سريعا متذكرًا رجائها 

-أنا مقربتش والله، انا بس ..صرخ راجح يجذب فريدة بعنف 

-إنت بتقولي ايه، بنت مين، البنت دي بنتك، اكيد بتلعبي بيا

دفعته بغضب وهدرت تجز على أسنانها

-أنا اللي زورت التقرير اللي بعتته مدام رانيا، علشان اللحظة دي، أيوة بنتك، ولو مش مصدق اكيد عندكم حاجة ليها خدوها وعلى معامل العالم كله واعمل تحليل..دنت منه تهمس بفحيح 

-مبرووك ياراجح باشا موت بنتك بيدك ويمكرون والله خير الماكرين، ولسة اقعد واتفرج على نهايتك، انا بقول تحفر قبرك أرحم لك، نسيت اقول لمدام رانيا حاجة 

-أنا فرحانة فيكي فوق ماعقلك الزبالة دا يهيألك..ثم التفتت إلى راجح تغرزُ عينيها بمقلتيه:

-حقيقي لازم أشكرَك، لولا خطفكو لأولادي مكنوش عاشوا بالمستوى دا، واحد ظابط أمنِ دولة والتاني مخابرات، إيه رأيك ياراجح…

أخرجت صوتًا اعتراضيًا:

-إيه دا هوَّ أنا نسيت أقولِّك، مش أنا لقيت جمال، وطلع ظابط مخابرات، شوفت نِعم ربنا ياراجح، رمتوه في الشارع وهوَّ لسة ابنِ شهور، وتلفِّ السنين وترجعوا تقهروني على ميرال  مفكَّرينها بنتي، ولكن ربَّك عادل ياراجح باشا..وبإيدك دي بنتَك إنتَ بين الحيا والموت، الوقت اللي خسرت فيه بنتك رجع لي ولادي ، بس وحياة رقدتها بالمستشفى بين الحيا والموت لآخُد حقَّها وحق و

الفصل الثالث عشر من هنا

تعليقات



×