رواية معذب قلبى فى اسرائيل الفصل الحادى عشر بقلم شريهان سماحة
هبطت خديجة على الفور الى الأستقبال قائلة لموظفية بلهفة وأستعجال :
- الحاله فين
- الحاله طلعت يادكتورة غرفة 607 ﻹن لقيناه ظابط أصيب أثناء عرض مهم
- طب أوكي أنا طلعه أشوفه ولا حد ماسكه
- لا يادكتورة أكتر اﻹطباء مشغولين فى العمليات والباقى كل واحد فى حالته
- طب تمام هاتلى التقرير الخاص ببياناته
غادرت خديجة مسرعة لداخل المصعد لتصعد للطابق الذى تقتن به الغرفة المنشودة
فى ذلك اﻷثناء كان يوسف يتأوه من الألم المزمن الناتج عن السقوط وحمزة يجلس أمامه يكاد يكتم ضحكاته ولكن تهرب أكثرها لتأخذ حريتها
أستشاط يوسف من صوت ضحكاته مرددا بغيظ قاطعا تأوه :
- ماخلاص ياأخ شايف فيلم من 6ل 9 قدامك !
قال حمزة وهو ينهى نوبة ضحكه :
- بصراحه حاجه غير متوقعه بالمرة
ثم أردف ونوبة ضحكه تعود إلية مرة أخرى عند تذكره مشهد سقوطه
- ولا شكلك وانت بتقع مسخره لما طول بعرض يقع كده
قال يوسف وهو يكز على أسنانه مستشيط :
- أرحم ياعم بقا ..كفايه اللى أنا فيه
ثم رخى صوته قليلا وهو يكمل حديثة بإهتمام قائلا :
- حمزة .. تفتكر الكاميرات ولا البنات الموجوده فى المدرج لقطت لحظة وقوعى أصل خايف تأثير جذبيتى يقل ويتأثر المستوى العاطفى بتاعى
أتسع مقلتي حمزة على أخر حدودها مندهش فيما يفكر به صديقه الأن فهو تركا عرضا مهما وقدمه لايعلم مابها واﻷلم الناتج عنها وكل مايقلقه هو صورته أمام الفتيات .. اﻹمر الذى دفعه ليكز علي إسنانه غاضبا وهو يهب واقفا متحدثا وهو يسير بأتجاة الباب ويدير وجه له :
- لا أنا أطلع أحسن بدل ما صبرى ينفذ عليك ورجلك الشمال تحصل اليمين على أيدى دى والمرادى أنا إللى هصورها وأنزلها على اليوتيو....
لم يكمل جملته ﻹنصدمه بشئ فألتفت برأسه ليري جسد فتاة محجبة رائحتها ذكية بين أحضانه لم يفصل بينهما سوى دفتر ملاحظات بيدها تنتهى رأسها عند فمه شعر بشئ ليس معتاد عليه نهائيا وشعور أجتاحه بألا تبتعد ! ... نظف حنجرته التى تسيطر عليها تفاحة أدم نافيا تفكيره ومستغفر ربه داخليا ..
عبير عطره راود أنفها جعل صدرها يعلو ويهبط فهى تعرف هذه الرائحة جيدا بل صارت أكسجينها الخاص برئتيها منذ أن عرفتها ، توترت وهى تستوعب ماخطر فى بالها أهى حقا الأن بعد تلك السنوات أمامه بل باﻹحرى بين يديه وفى أحضانه ! هل تحلم ككل مره تحلم به أم ..أم ...حقيقة ؛ أغمضت عينيها وفتحتها لتتذكر قرأتها للتقرير المبدئى للمريض أثناء دخولها ثم أنصدامها بشخص ما أذا لا تحلم ..هى لاتحلم عند هذه النقطه أنتفضت وسارت ترتعش وشعرت بيداه المحيطه بمنتصف جسدها أرتبكت وتملصت من بينها مبتعده وهى منخفضة الوجه فهى ليست جريئة بالقدر الكافى لرفعه...
تملصت من بين يداه لتبتعد تدارى وجهها تترنح ومرتبكه فكادت تسقط للخلف فأسرع يلتقطها بين يديه مره أخرى لترفع هذه الفتاة وجهها الذى يشع نورا بحمرة خجل شديدة تكاد تفلت من خدودها الحمراء أو من شفتاها الكرزيه المنتفخه أما عيناها فهى حكاية أخرى بلونها الزيتونى يكاد مجلد بمئة ورقة يكفي ليروى عن جمالها ، فتلك العيون كالمغماطيس تجذب المعادن الرسخه خلفها ..
إلا إن هذا الوجه تصلب فجأة ولون اﻹحمرار تبخر وتحول لشحوب تام مبتعده عنه بالكامل وهى تسيطر على أرتباكها الواضح
نظف حمزة حنجرته مرة أخرى قائلا بتأثر :
- أسف مأخدتش بالى
أومات خديجة برأسها بعدم أستيعاب فهو حمزة حقا ! تخطته للداخل بأرجل تكاد تروضها لعدم السقوط من هول المفجأة ليلتفت حمزة نصف ألتفاته برأسه على طيف مغادرتها لايستطيع أن يستدرج الهواء داخل رئته ولا يعلم لما
- الله ماصلي علي النبي .. هو فى كده !!!
قالها يوسف بأعجاب عند رؤيته للفتاة التى أنصدمت بصديقة فى مدخل الغرفة
لم تنتبه خديجة لما قاله يوسف فحالة اﻷرتباك وعدم الأتزان لرؤيا حمزة أمامها مازالت مسيطرة عليها
أما حمزة فأنتبه لكلمته واضحه المعنى فأستشاطت غضبا وأتجه مباشرة اليه يقف بجواره يحذره بعينيه بألا يتمادى
تذكرت فى حالتها تلك أنها طبيبه تؤدى واجبها ، فلا داعى لهذه المشاعر فى عملها ... وعملها بالذات ففى أيديها توضع أروح ، فيجب الحفاظ عليها أمام الله
عند هذه النقطه بدأت تسيطر على جسدها بعض الشئ يكفى لمزاولة عملها بأتقان أنتبهت للمريض الجالس فوق الفراش وحمزة يقف بجانبه يداه فى جيب بنطاله العسكرى
توجهت وهى تبلع ريقها وتنظر مرة أخرى فى دفترها لتعرف أسمه المعطى لأستقبال المستشفى عند دخوله
- أستاذ يوسف صح
نظر لها يوسف غير مستعوب جمالها الربانى متحدثا ببلاها :
- هما بيقولولى كده بس لو عوزه تغيريه أنا مش هعترض خالص
أستغربت خديجة حديثه الملفت للأنتباه فقالت بأستعجاب وهى تستعيد قواها :
- أفندم !!!
خجل حمزة ونفذ صبره من تصرفات يوسف الفاضحه فالتقط يداه ضاغطا عليها يعتصرها قائلا وهو يبتسم أبتسامه مصتنعه له ثم يلتفت لخديجة :
- أه ..قصده هو يوسف بشحمه ولحمه
- طب تقدر تورينى مكان أصابتك فين بالظبط
نفض يوسف يده من كف حمزة وهو يظهر ضيقه بعينيه له ثم نظر الى خديجة قائلا بتغزل واضح :
- في إى مكان تحبيه
أدركت خديجة أن المريض الذى أمامها ماهو إلا شخص لعوب وسيغلبها إلى أن يتم علاجه فقالت بنفاذ صبر :
- أستاذ يوسف أحنا كده مش هنعرف نشتغل فياريت تساعدنى علشان أساعدك وأكتبلك العلاج المناسب أذا مكنش فى قصور لأن رجلك بدأت تورم بعض الشئ
تذكر يوسف ألمه فجأة كأنه كان معطا له تخدير ما قبل ثوانى .. فأخد يتأوه بصوت عالى ولا يفصله نهائيا
تنهدت خديجة وأستعادت ضبط هيئتها قائله برحمة طبيب لتألمه أمامها :
- طيب ورينى مكان ألمك علشان أكتبلك على مسكن
أستشاط صدر حمزة فجأة قائلا لنفسه
" هتشوف أيه هى بتستعبط دى رجله هتلمس رجله !!!! "
أشار يوسف على مكان سقوطه وهو يتلوى متألما
أرتدت خديجة قفازات طبيه وفحصته الأمر الذى حاز على أعجاب حمزة داخليا بعض الشئ وجعله يهدأ قليلا وهو مستغربا حالته تلك ..
فحصته خديجة ألى أن قالت بعد اﻷنتهاء :
- هتأخد قرص من المسكن ده دلوقتى وواحد من التمريض هيجى يأخدك لقسم اﻷشاعة علشان نعملك أشاعة على رجلك ونشوف السقوط أدى الى شرخ أو كسر ونعمل اللازم بعدها ..
أوما حمزة لها قائلا :
- شكر يادكتورة تعبناكى معنا
أنتبهت خديجة له كأنها تناست وجوده فى كونها طبيبه تمارس مهنتها أجفلت عيونها فى ألم يجتاحها فهو لم يتعرف عليها أذا لا يهتم لها ولا يكن لها أيت مشاعر!! أنتفضت داخليا عند هذه الحقيقه الأمر الذى جعلها تحاول جاهده باﻹ تدمع عيونها أمامه قائلة وهى تهم سريعا للخروج :
- دا واجبى .. عن أذنكم
خرجت ودمعه تفر من عيونها لم تستطع ترويضها
هرولت تسرع لدورة المياه قبل أن يراها أحد لتواجه تلك الحقيقه المؤلمه وهى تضع كف يداها على فمها تمنع شهقات بكائها المتتاليه
ذهب يوسف لقسم اﻷشاعة لعمل تصوير دقيق للجزء المتضرر لمعرفة الى أى صوره تضرر وتم إعادته للغرفة مره أخرى لحين ظهور النتيجة وأخبار بها الطبيب المختص لحالته
أستعادة خديجة ضبط ذاتها بنسبه تكفى لتكمل باقى يومها وتغادر لأحضان شقيتها تبث لها حزنها حتى لو كان صوتيا ..
طرقت بعض الطرقات الخفيفه على باب الغرفة تنتظر دعوتها للدخول ألا أنها تفاجأت به يفتح بسرعه فائقه وحمزة يقف أمامها كأنه كان ينتظرها بهئيتة التى طالما عشقتها أبتلعت ريقها وهو يدعوها للدخول مبتسما
همت تدخل وهى تحاول الاستعانه بقوتها الداخليه لكى لا تضعف وتنهار ثانيا
أتجهت ليوسف وعلى ملامحها يرتسم الحزن قائلة له وهى تنظر لﻹشاعه التى بيداها :
- نتيجة اﻷشاعه ظهرت ياأستاذ يوسف والحمدلله مفيش كسر بس فى شرخ بنسبه كبيرة
ثم أكملت مردده :
- دلوقتى هجبس رجلك علشان أحافظ على الشرخ ومقيلبش لكسر ومع العلاج أن شاء الله هيلتأم ونحافظ على شرب اللبن وأكل البيض بنسبه كبيره خلال العلاج وأكيد طبعا عدم الضغط عليها نهائيا والمتابعة مهمه عليها فى المستشفى كل فترة
قال حمزة بقلق نسبيا :
- طب هى هتتجبس فترة قد أيه يادكتورة علشان شغله وكده
جاوبت خديجة وهى تشغل نفسها فى كتابة العلاج المناسب ليوسف على عدم النظر له عن قصد :
- والله حضرتك مابين الشهرين للشهرين ونص لأن ده شرخ مش هين ويتعامل معاملة الكسر ، وبالنسبة للشغل أنا هكتب كل اللى قولته فى تقرير وأمضى عليه وأرفعه لمدير المستشفى وهو بالتالى هيبلغ القيادت الخاصه بسلاحكم
ألتفتت على بعض الطرقات على الباب ودخول ممرضتان بأدوات التجبيس الازمه
أنهت عملها ببراعه تامه ثم همت تنزع قفازاتها قائلة :
- حضرتك هتستريح فى المستشفى لبكره إن شاء الله وبعد كده تتفضل تكمل علاجك عادى فى البيت
ثم أبتسمت أبتسامه مصتنعه لا تعبر عما بداخلها من حزن قائلة وهى تستعد للخروج
- ألف سلامة لحضرتك مرة تانيه ياأستاذ يوسف .. عن أذنكم
نظر يوسف وحمزة لطيف خروجها
فتحدث يوسف قائلا وهو يغمز بأحدى عينيه لحمزة :
- أيه الحكايه ياعم تخبطوا فى بعض وانت متبت فيها وقولنا ماشى أما اللى مش ماشى أنك تتلهف أول ماتسمع الباب بيخبط وكأنك منتظرها وكمان عينك متشلتش من عليها طول ماهى هنا
ثم أردف مرددا وهو يبتسم أبتسامه بلهاء على وجه :
- أنا شايف بشاره حلوه جايه وركبه طياره
ضم حمزة حاجباه بأستغراب قائلا له :
- أنت فاهم غلط على فكره وبعدين أنت بدارى على عمايلك المهببه وكسفوفنا قدامها وبعدين بشاره أيه دى اللى راكبه طياره أنت بتخرف تقول ايه !
ضحك يوسف قائلا بنبرة مرحه :
- بشاره بنت عم السوسه اللى بتخرم تجمدت ملامح حمزة قائلا وهو لم يستوعب مقصد صديقه :
- سوسة مين ! أنا مش فاهم حاجه
أبتسم يوسف ولم يعقب علي كلامه وهو ينظر له نظره ذات معنى قائلا لنفسه " السوسه اللى بتمشى تخرم فى القلب والعقل "
تجلس بهدوء تام داخل المكان المخصص ﻹلقاء محاضرة دكتورها المتعجرف كما تسميه بين نفسها تنوى داخليا باﻹ تتكتب ، باﻹ تتكلم ، حتى باﻹ تتحرك وذلك لتتجنب إنفجار بركان غضبه الساكن مؤقتا ومجهول السبب من جانبها
فى غير المتوقع جلس بجانبها شابا ما .. عندما أنتبهت لذلك أبتعدت قليلا عنه لتترك فراغ يفصل بينهما فأقترب مره أخرى وهو يحدثها بتعلثم قائلا :
- أنا عارف أن الوقت والمكان مش مناسبين لكلامى بس كمان عارف أنك هترفضى طلبى أننا نخرج نتكلم بره فى أى كوفى شوب
نظرت أمامها بأندهاش بأعين جاحظه وهى تحدث ذاتها "عن أى لقاء يتحدث هذا الوقح "
إلا إن أتها صوته مره أخرى يتحدث قائلا : - أنا شوفتك فى محاضرة من أسبوع لما كنت جاى لصديق ليا هنا .. أنا مازن من رابعه أداب ومعجب بيكى جدا فحابب أتعرف عليكى أكتر و...
لم يكمل كلمته لأنها نظرت له مباشرة بأعين تفتك بمن أمامها قائلة :
- أنا لابتعرف ولا عوزه أتعرف على حد ولا من النوع ده أصلا فياريت تسحب نفسك بهدوء بدل ما أعمل تصرف مش هيعجبنى ولا هيعجبك
كادت تنهى جملتها حتى لاحظت دخول ذاك المتعجرف كما تسميه فأعتدلت فى جلستها وهى تنظر أمامها بينما أنسحب الشاب عند رؤيته وهو يدخل
دخل وهو لا يدرك أنه ينظر لمكان جلوسها الدائم فى كل مره
فرأى أحد الطلاب يجلس بالقرب منها وهو يتودد لها وهى تحادثه ، نعم تحادثه بطريقه منفعله ولكن فى النهاية تتحدث معه .. فلابد أنهم علي علاقه عاطفيه وغاضبه منه لموقف ما ..
اﻷمر الذى جعله يغضب ويريد أن يفرغ غضبه بها وبه أيضا إلا أن الندل هرب فلم يشعر بنفسه إلا وهو يتجه لمكتبه على منصة قاعة المحاضرات يمسك بمكبر الصوت قائلا فيه وهو ينظر فى إتجاهها بصوت هادر:
- ياريت أى وحده مش محترمه متقاعدش جمبها أى زميل ليها ..وعاوز فى ظرف ربع ساعه يكون قاعة تجارة بالكامل جانبين جانب بنات وجانب ولاد
فعلها ! ... تلك النار التى أجتاحت فى صدره فجأه والتى لم يعرف سببها جعلته يفعل المستحيل ..
يبدو بل أكيد هذا الكلام موجه لها ﻹنها رأته أثناء دخوله وهى تحدث ذاك الشاب الوقح عينيه تضخ غضب جامح فى إتجاهها ..ويتكلم اﻵن وهو ينظر لها ويكاد يمسك نفسه عنها ، الامر الذى جعلها تحزن فى داخلها بشده ولم تشعر بهبوط دموعها لا أراديا فلا أحد تحدث معها بهذا الشكل من قبل
تحول لهيب صدره الى قلبه وبشده عند رؤيتها تبكى فأرتبك ولم يستطع تجميع جمله واحده.. اﻹمر الذى جعله يقدم أعتذار على عدم ألقاء المحاضره وهما ذاهبا ...