رواية شظايا قلوب محترقة الفصل التاسع بقلم سيلا وليد
أتدري ماهوَ الخُذلان؟..
الخُذلانُ أن يأتيَكَ الرُمحُ من داخلِ سورِ قلعتِكَ وأن تُهزمَ من جيشِكَ الأوَّل..
كطفلٍ هرولَ إلى أمُّهِ باكيًا…فتلقَّى صفعةً ليكُفَّ عن البُكاء..
واللهِ إنَّهم لم يُخطِئوا بانشغالهِم عنَّا…
بل نحنُ من أخطأنا عندما انتظرناهُم ..
اشتقتُكَ بقوَّةٍ تذيبُ قلبي عِشقاً وحَنيناً..
اشتقتُكَ بلهفةٍ لم أعرِفُها إلَّا معَك..
لذلكَ تَستحقُّ بعضَ المشاعرَ أن تُدفنَ بالأعماقِ كي لايُهانُ القلبُ بها ...
صرخت وصرخت تضمُّهُ بانهيار ..وصلَ أرسلان مع أحدِ أفرادِ الأمنِ وقاما بحملهِ متَّجهينَ إلى السيارة..ساعدها أرسلان بالوقوف:
لو سمحتي يامدام ساعديني علشان ننقذُه مش وقتِ بُكى...
تحرَّكَت بجوارهِ وعيناها تتابعُه، إلى أن جلست بجوارهِ بالسيارةِ تضمُّ رأسهِ وتملِّسُ على وجهِه.. انحنت تضعُ رأسها فوقَ جبينهِ تهمسُ ببكاء:
إلياس افتح عيونَك، حبيبي متعقبنيش كدا...قادَ أرسلان السيارةَ بسرعةٍ مهولة، وقامَ بمهاتفةِ إسحاق:
عمُّو..إلياس السيوفي مضروب بالنار، غرفة عمليات جاهزة بسرعة رصاصة بالصدر، رقم العربية هبعتهولَك، تعرَف تبع مين، حرَّك الجهة المسؤولة تبعنا عايز العيال دي قبلِ خروجُه من العملية ياعمُّو..
تمام ..هوَّ عامل إيه إصابتُه خطيرة؟..
نظرَ لانعكاسِ صورتهِ بالمرآة، وتعلَّقت عيناهُ للحظاتٍ بميرال مردفًا:
خير إن شاءالله..قالها وأغلقَ الهاتف.
عندَ فريدة:
استيقظت من نومِها فزعةً وضعت كفَّها على صدرها تستعيذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيم، نفضت نفسها ونهضت متَّجهةً إلى غرفةِ ميرال، قابلتها غادة تحملُ كوبَ قهوتها، توقَّفت بعدما وجدتها بتلكَ الحالة، حافيةَ القدمين، ومنامةً تصلُ إلى الرُكبة، لأوَّلِ مرَّة تخرجُ خارجَ غرفتها بمثلِ تلكَ الثياب…
ماما فريدة!!..التفتت إليها تتساءلُ بنغزةٍ تخترقُ قلبها:
ميرال كلِّمتِك، عملت إيه هيَّ وإلياس؟..
تحرَّكت تسحبُ كفَّها:
إهدي حبيبتي، أكيد زمانها قابلتُه، مسحت على وجهها، تنظرُ إلى غادة:
قلبي وجعني يابنتي، خايفة إلياس فعلًا يطلَّقها ودي مجنونة بحبُّه يعني ممكن تعمل حاجة في نفسها..
أومأت موافقةً ثمَّ أردفت:
إلياس سكوتُه مش مريحني، وخصوصًا بعدِ ماساب البيت، تفتكري ناوي ياخدها هناك علشان يعاتبها ياماما؟..أنا خايفة يقسى عليها..
تنهَّدت بآلامِ قلبها تمسِّدُ على صدرها:
هوَّ من جهة هيقسى فهيقسى فعلًا، ومش بس قسوة راجل مجروح في رجولتُه، راجل عايز ينتقم ..ربِّنا يُستر..رفعت رأسها إلى غادة ورسمت ابتسامةً حزينةً قائلة:
عارفة…رغم عارفة أنُّه هيقسي عليها بس متأكدة أنُّه هيحميها ومش هيقدَر يقسى كتير، هوَّ ممكن درس صُغنَّن..
ضحكت غادة تضربُ كفَّيها ببعضهما:
إيه ياستِّ ماما ماترسي على حل هيقسى ولَّا لأ، بس متزعليش بنتِك تستاهِل…
تغضَّنَ وجهها رافضةً حديثها:
بُصي..ميرال غلطانة على الطلاق، بس إلياس ميتوصَّاش في قلبتها..
ضحكت بصوتٍ مرتفعِ قائلة:
ياحبيبي ياخويا، حماتَك بتحبَّك ..ملَّست على خصلاتِها تضمُّها لأحضانِها:
وبحبِّك إنتِ كمان، أنتوا النور اللي جاني بعد سنين ظلام وقهر..اعتدلت غادة تمسحُ دموعها وهتفت:
طيِّب بتعيَّطي ليه دلوقتي؟!..واللهِ أنا بحبِّك أوي، حتى بحبِّك أكتر من البتِّ ميرال..
ابتسمت بحنانٍ أمومي:
بكَّاشة أوي يادودي..
واللهِ أبدًا ياماما، أنا بعتبرِك أمي أصلًا، إيه إنتي مش معتبراني زي ميرال ولَّا إيه؟..
قبَّلت جبينها واحتضنت وجهها:
مين يقدَر يقول غير كدا ياقلبي، إنتِ بنتي مش إنتِ بس وإسلام وإلياس.
إلياس !!
رغم اللي عملُه فيكي وفي ميرال لسة بتعتبريه ابنك!..
دا قلبي وروحي ياغادة، أجمل نعمة ربِّنا رزقني بيها، عمري ماأزعل منُّه يابنتي، ربنا يباركلِي فيه ويحفظُه ويبعد عنُّه كلِّ سوء.
أوبااا دا كلُّه لإلياس وأنا نو دعوة حتى دعوة أنام شوية قبلِ نكد ميرال مايوصَل..
إزاي بقى دا إنتِ روحي ياصغنَّنة، اتصلي بأخوكي كدا وشوفيه فين..
هزَّت رأسها بالموافقةِ وقامت بمهاتفتِه، ولكن لا يوجد رد ..
مابيرُدش ..طيِّب اتصلي بميرال طَّمني قلبي وجعني ربِّنا يستر..
قامت بمهاتفتِها مرَّةَ أخرى ولكن كالعادة لا يوجد رد..
ذهبت بشرودِها تهمسُ لنفسها:
ياترى ناوي على إيه يابنِ جمال، ممكن تطلَّقها فعلًا ولَّا قلبَك هيعاندَك وتتراجع
أتمنَّى تتراجِع ياإلياس علشان متخسرهاش..
وصلَ مصطفى إليهما:
فريدة صحيتي إمتى، نهضت متَّجهةً إليه:
لسة من شوية حبيبي..ابتسمَ إلى غادة ثمَّ حاوطَ أكتافها وتحرَّكَ بها إلى غرفتهما:
تعالي ارتاحي، ضغطِك كان عالي تعالي نشوفُه نزل ولَّا لسة..
جلست على الفراشِ واحتضنت ذراعهِ تجذبهُ ليجلسَ بجوارِها:
أنا كويسة، إنتَ عامل إيه دلوقتي؟..
تمدَّدَ على الفراشِ وسحبها لأحضانه:
إيه رأيِك نسافر حجّ السنة دي، كلِّ سنة بنأجِّل، يمكن لمَّا نروح هناك وندعي لولادنا ربِّنا يهديهُم..
أغمضت عينيها تهمسُ بنبرةٍ حزينة:
عايزة ابني يرضى عنِّي وبس يا مصطفى، نفسي أخدُه في حضني أوي..
اعتدلت تنظرُ إليهِ وتابعت قائلة:
إلياس موجوع أوي يامصطفى، قلبي حاسس بيه، بس مش قادرة أهوِّن عليه، مشفتوش وهو هيتجنِّن عليها، بيحبِّ البنتِ أوي بس أنا عقَّدتُه، نفسي يعرَف الحقيقة..
مسَّدَ على وجهها وهتفَ بصوتٍ حاني:
إن شاءالله هحاول أمهدلُه، المهمّ فين ميرال، الجريدة الجديدة دي مش حلوة ولازم تستقيل منها، شغَّالين أخبار صفرة..
يعني إيه؟!
ربتَ على كفِّها وتحدَّثَ بنبرةٍ مُطمئنة:
متقلقيش أوي كدا، يعني أخبار كاذبة، مش عايزها تدخل في صدام مع إلياس، أنا بحاول أضغط عليه علشان يقولِّي إيه اللي حصل بينُه وبين ميرال ومرجَّعه بالطريقة دي..
مصطفى إلياس اتصل بميرال علشان يطَّلقوا، أنا عندي أمل يغيَّر رأيُه..
إنتِ بتقولي إيه، اتجنِّن دا، أنا سايبهُم قولتِ مستحيل يعمِل حاجة..قاطعهم رنينَ هاتفه:
أيوة ..على الجانبِ الآخر:
شهقاتٌ مرتفعةٌ ولم تستطع السيطرة على بكائِها، عمُّو إلياس ، إلياس ..قالتها بانهيارٍ تام ..ابتعدَ مصطفى عن فريدة وقلبهِ اشتعلَ من الخوفِ مردِّدًا بتقطُّع:
مالُه إلياس حبيبتي، عمل فيكي حاجة؟..
هزَّت رأسها مع ارتفاعِ شهقاتها:
إلياس بيموت ضربوه بالنار..
أُصيبَ جسدهِ بهزَّةٍ عنيفةٍ حتى لم يستطعَ الوقوف، فجلسَ على المقعدِ يردفُ بتقطُّع:
بتقولي إيه، إلياس انضرب بالنار!..
هبَّت فزعةً من مكانِها مقتربةً منهُ بجسدٍ ينتفضُ رعبًا:
مالُه إلياس يامصطفى..ابني ماله؟..رفعَ عينيهِ إليها وتجمَّعت سحبُ عينيهِ تحتَ أهدابه، نظراتٌ بضعفِ النبضِ حتى صلبَ جسدهِ متوقِّفًا بصعوبة، وأشارَ إليها:
البسي لازم نروح المستشفى حالًا..
أطبقت على ذراعيهِ تنظرُ بمقلتيه:
ابني عايش يامصطفى، قولِّي وريَّح قلبي ..احتضنَ رأسها ودمغَ جبينها بقبلة:
إن شاء الله حبيبتي، إن شاءالله عايش..
بالمشفى من أمامِ غرفةِ العمليات، جلست على المقعدِ تنظرُ بشرودٍ بنقطةٍ وهمية، اتَّجهَ إليها بعدما وجدَ حالتها:
مدام، إن شاءالله هيكون كويس، مازالت على وضعها لا تسمعُ لاترى لا تتحدَّث، وصلَ مصطفى بوقوفِ أرسلان بجوارِها، فين وإيه اللي حصل، بينما فريدة التي استندت على الجدارِ وهي تراهُم يُخرجونَهُ من غرفةِ العملياتِ متَّجهينَ بهِ للعناية، تحرَّكَ فراشهِ وهو كالجُثَّةِ الهامدةِ لا حولَ لهُ ولا قوَّة، همست بتقطُّع:ابني..قالتها ثمَّ هوت على الأرضية، ليصرخَ مصطفى باسمِها، مع هرولةِ أرسلان إليها الذي قامَ بحملِها بوصولِ أحدِ المسعفين، وتمَّ نقلها إلى غرفةٍ لفحصها…
تحرَّكَ مصطفى سريعًا إلى الطبيبِ بعدما وجدَ عدمَ تحرُّكِ ميرال من مكانها رغم ماحدثَ لوالدتِها، اقتربَ منها أولًا يشيرُ إلى الممرضة:
إعطيها مهدِئ يابنتي، أو أيِّ حاجة تفوَّقها، رفعَ نظرهِ إلى أرسلان المتوقِّفِ مع الطبيب، فتحرَّكَ إليهما:
ابني عامل إيه يادكتور ؟..
كويس الحمدلله، الرصاصة بعيدة عن الأعضاء الحيوية، نحمد ربِّنا وخاصَّةً أنُّه بكلية واحدة..
ردَّدَ مصطفى قائلًا:
الحمدُلله، الحمدُلله أنَّها بعدت عن القلب، المهم حالتُه كويسة يادكتور؟..
إحنا عملنا الِّلي علينا، لسَّة قايل لحضرتُه، الإصابة مش مميتة، بس برضو خطيرة إلى حدٍّ ما، إحنا نقلناه العناية بعيدًا عن أيِّ مخاطر سلبية، بس كعملية نجحت الحمدُلله..
بعدَ عدَّةِ ساعاتٍ وصلت غادة وإسلام، تزاحمَ المشفى من الأصدقاءِ والأقارب، بانتظارِ الإفاقة..
بغرفةِ فريدة توقَّفَ بجوارِ الطبيب:
من الأفضل تفضَل شوية في العناية، الصدمة كبيرة عليها، مقدرتشِ تستوعبها، الحمدُلله بعدنا عن الذبحة الصدرية، بس حالةِ النبضِ ضعيفة، علشان كدا بقول لحضرتَك الأفضل تفضَل بالعناية، لحدِّ ماالنبضِ يتظبَّط، وكمان الضغط ضعيف جدًا..
أومأَ متفهِّمًا ...اللي تشوفه صح يادكتور إعملُه، المهمِّ تكون كويسة..
سلامتها إن شاءالله...قالها وتحرَّكَ، بينما جلسَ مصطفى بجوارِها يحتضنُ كفَّها:
ألفِ سلامة عليكي يارفيقةِ الدرب، قلبي مش متحمِّل خسارتِك يافريدة كفاية عليَّا غادة، والمرَّة دي هتكون أصعب وأصعب، أكتر من خمس وعشرين سنة يافريدة..لثمَ باطنَ كفَّها:
وعد منِّي أحافظ عليكي وعلى ابنِك حتى لو التمن روحي ...اقتربَ منها ثمَّ انحنى يلثمُ جبينها وتحرَّكَ للخارج، يشيرُ إلى غادة التي تجلسُ تحتضنُ ميرال الحاضرة الغائبة..
نهضت مقتربةً منه..
حبيبتي أدخلي لماما مش تسبيها وأنا هشوف أخوكي..انسابت عبراتها:
بابا إلياس هيكون كويس..
ضمَّها من أكتافِها وتحرَّكَ بها لداخلِ غرفةِ فريدة:
إن شاء الله، الدكتور طمِّني، المهم ماما خدي بالِك منها.
بالخارجِ عندَ ميرال، انحنى إسلام ورفعها متَّجهًا إلى الغرفة، ساعدها بالتمدُّدِ على الفراش..احتضنت نفسها تهمسُ بخفوت:
قولُّه بحبُّه ياإسلام، بحبُّه أوي، قالتها وذهبت بنومِها بسببِ المهدِّئ..
مسَّدَ على شعرها وخفضَ رأسهِ يهمسُ لعقلها الباطن:
وهوَّ بيعشقِك بس بيكابر، خلِّيكي وراه، بس يفوق ..قالها وتحرَّكَ للخارج، وجدَ أرسلان يتحدَّثُ بالهاتف، جلسَ إلى أن انتهى، تحرَّكَ إليهِ متسائلًا:
إنتَ إسلام أخو إلياس؟..أومأَ لهُ وهو يدقِّقُ النظرَ بملامحه، ثمَّ باغتهُ بسؤال:
إنتَ مين؟!..
بسطَ أرسلان كفُّه:
أرسلان الجارحي صديق إلياس..حيَّاهُ إسلام ومازالت عيناهُ عليهِ فتساءل:
ابنِ رجلِ الأعمال فاروق الجارحي..قالها بوصولِ والدهِ الذي استمعَ إليه:
جلسَ مصطفى بجواره:
احكي لي يابني إيه الِّلي حصل؟..قصَّ لهُ أرسلان ما رآه ..ثمَّ تابعَ مستطردًا:
كلَّمت ظابط يتابع العربية، وبدل رقمها موجود هنوصلَّها..
قولت عربية رباعية مصفَّحة وعربية ملَّاكي..صمتَ مضيِّقًا عينيهِ وتساءل:
ودول ليه يموِّتوا إلياس، يعني بسبب شغله؟..
هزَّ أكتافهِ بعدمِ معرفة ثمَّ استرسل:
بص حضرتَك عارف إن إلياس وظيفتُه بتحتِّم عليه أعداء كتيرة، بس الموضوع هنا مش لوظيفة، بدليل أنُّهم مش ساوموه على حاجة، لا..دول مصرِّين على قتلُه، ودول ناس خبيرة جدًا وعارفة بتعمل إيه..
هزَّ رأسهِ ثمَّ نهضَ وأمسكَ هاتفه، يهاتفُ أحدَ أصدقائه:
عايز تجيب العيال اللي ضربت إلياس من تحتِ الأرض ..قالها وأغلقَ الهاتف.
بعدَ عدَّةِ ساعاتٍ بغرفةِ العنايةِ كانت تجلسُ تخلِّلُ أناملهِ بكفٍّ والآخرُ تضعهُ تحتَ وجنتيها تغلقُ عينيها، همسَ بتألُّم:
ميرال...كرَّرها عدَّةِ مرَّات، فتحت عينيها وكأنَّها تحلَم ولكنَّها استمعت إلى صوتهِ مرَّةً أخرى ..ابتسمت تقبِّلُ كفِّه:
حبيب ميرال أنا هنا..رفرفَ بأهدابهِ للحظاتِ ثمَّ غفا مرَّةً أخرى..دنت منهُ تطبعُ قبلةً بجوارِ خاصَّتهِ تملِّسِ على وجنته:
إلياس افتح عيونَك حبيبي، طمِّن قلبي، قلبي محروق عليك، إلياس كرَّرتها لعدَّةِ مرَّات، ابتسمت تضعُ رأسها بجوارِ رأسهِ متمتمة:
هفضل جنبك العمرِ كلُّه ياحبيب ميرال..
مرَّت عدَّةِ دقائقَ أخرى ليفتحَ عيناهُ بتململٍ بسببِ الإضاءة، شعرَ بكفِّهِ
المحبوسِ بين كفِّها، ذهبَ ببصرهِ إلى نومها بجواره، واحتضانِ كفِّه..
أغمضَ عينيهِ متذكِّرًا ما صار، دلفت الممرضةُ وابتسمت:
حمدالله على السلامة ياحضرةِ الظابط..أومأَ لها يشيرُ إلى ميرال:
صحِّيها..أيقظتها الممرضة لتهبَّ فزعًا:
إلياس ..ضغطَ على كفِّها المتشبثة به:
أنا كويس، نايمة كدا ليه وفين بابا
انحنت بجسدِها تمسِّدُ على رأسهِ وأردفت بنبرةٍ متقطِّعة وعيونٍ دامعة:
حمدالله على سلامتَك، حاسس بإيه، دلفَ الطبيبُ بعد إخبارِ الممرضة:
حمدالله على السلامة يابطل ..
أومأَ لهُ دونَ حديث..تمَّ فحصهِ بالكامل:
عال العال ...ألفِ سلامة ومُعافى إن شاءالله..
قالها وخرجَ بعدما أمرَ الممرضةَ بالاهتمامِ به، ونقلهِ إلى غرفةٍ عادية.
بعد نقله للغرفته..
وصلَ إسلام:
حمدالله على سلامتَك ياأبيه ..قالها بأعينٍ حزينة..بسطَ كفِّهِ يشيرُ إليه..
خطا إلى أن وصلَ إليه، ضمَّهُ بحنانٍ أخوي يربتُ على ظهره:
مش عيب راجل يعيَّط كدا، إنتَ لسة صغير لكدا..
رفعَ رأسهِ من أحضانِ أخيه:
خوفت عليك أوي ياإلياس، إنتَ مش مجرَّد أخ، إنتَ أبويا وكلِّ حاجة.
ابتسمَ إلياس يداعبُ خصلاته:
رغم إنَّك كبَّرتني بس أحسن ابنِ في الدنيا كلَّها..كانت تتابعهُم بابتسامة، دلفت غادة بشقاوتها:
إلياسو حبيب أختُه فاق، قالتها وهي تهرولُ إليهِ لتُلقي نفسها بأحضانهِ حتى شعرَ بآلامه..
تراجعت متأسفة:
آسفة حبيبي، بس أصلَك نمت كام ساعة ووحشتني..
حمدالله على السلامة...وزَّعَ نظراتهِ بينهما متسائلًا:
بابا فين؟!..وضعت غادة رأسها على كتفه:
ماما تعبانة واتحجزِت بالعناية، حبيبتي ماتحمِّلتشِ خبر إصابتَك..
في العناية بسببي!..تساءلَ بها بذهول..
سحبَ إسلام كفَّ أختهِ بعدما وجدَ وقوفُ ميرال بركنٍ كالمنبوذة، فهتفَ قائلًا:
تعالي حبيبتي خلِّي أخوكي يرتاح ...طبعت قبلةً فوقَ جبينهِ وتحرَّكت للخارج..
ذهبَ ببصرهِ للواقفةِ بصمتٍ وعيناها تبحرُ فوقَ ملامحهِ بطبقةٍ كرستالية، ابتعدَ بنظرهِ يغمضُ عينيه، خطت إلى أن وصلت إليهِ ثمَّ جذبت مقعدًا وجلست بجوارِه، سحبت كفِّهِ تملِّسُ عليهِ متسائلة:
حاسس بأيه، موجوع ...مازالَ على حاله، بل سحبَ كفِّهِ وتمتم:
عايز أرتاح ممكن تُخرجي برَّة، مش محتاجِك..اقتربت بجسدِها منهُ تهمسُ بخفوت:
بس أنا محتاجاك..
أنا قولت برَّة مش عايز أشوفِك قدَّامي...
إلياس..حدجها بغضبٍ تجلَّى بعينيهِ وأشارَ بكفِّهِ للبابِ متناسيًا آلامه:
وأنا كرهت اسمِ إلياس اطلعي برَّة مش عايز أشوفِك قدَّامي ..اطلعي..
قاطعهُم دخولُ مصطفى، اتَّجهَ إليهِ بلهفةِ أبٍ مكلومٍ على ولدِه:
حبيبي حمدالله على سلامتَك..
أطبقَ على جفنيهِ من شدَّةِ آلامه يهزُّ رأسهِ بعدما فقدَ الحديث..
مسحَ على رأسه:
حبيبي مالَك، حاسس بإيه..
تنفَّسَ بتثاقلٍ وحاولَ الحديث، ولكنَّهُ لم يقو من شدَّةِ آلامه..
انحنت ترفعُ جسدهِ بعدما شحبَ وجهه:
ارتاح بالنوم كدا علشان تعرَف تتنفَّس كويس...قالتها بدلوفِ الطبيب ِبعدما استدعاهُ مصطفى، فحصهُ الطبيبُ يهزُّ رأسهِ معترضًا:
إزاي الجرحِ فتح، إنتَ اتحرَّكَت من مكانَك؟..أتمَّ ضمادةِ جرحهِ وتحدَّثَ محذرًا إياه:
ممنوع الحركة إنتَ لسة خارج من عملية من ساعات، عارف صعوبة تحكُّم الظباط في انفعالاتهم، لكن لازم تحافِظ على صحتَك، لو سمحت ياحضرةِ الظابط خاف على نفسَك، ممكن يكون فيه مضاعفات، الرصاصة قريبة من الكلية، وطبعًا مش هفكَّرك إنَّك بكلية واحدة، حاول تهدى لحدِّ ماتخف ..
أومأَ لهُ دونَ حديث، جلسَ مصطفى بجواره:
حبيبي إيه اللي قومَك من مكانَك بس..
عايز أنام يابابا، روح شوف مدام فريدة وخُد بنتها معاك..قالها بصوت اقرب للهمس
طالعهُ بصدمةٍ يهتفُ بذهول:
إيه اللي بتقولُه دا ياإلياس!..
ابتعدَ للجهةِ الأخرى، تنهَّدَ مصطفى بحزنٍ ثمَّ نهضَ من مكانهِ متَّجهًا إلى ميرال:
تعالي معايا حبيبتي..اتَّجهت إليهِ وجلست على المقعد:
أنا مش هسيب جوزي ياعمُّو، يقول اللي يقوله، مش هخرج..
نظرَ إليهِ مصطفى وجدهُ مُغلقَ العينين..ظلَّ لعدَّةِ لحظاتٍ مثبتًا نظراتهِ عليه..
تحرَّكَ للخارجِ متَّجهًا إلى فريدة، بينما ظلَّت ميرال بمكانِها تطالعهُ بعينينٍ هالكتينِ من الحزنِ والندم، ذهبَ بنومهِ بسببِ الأدوية، اقتربت برأسها تضعها بجوارِ رأسهِ ورفعت ذراعها تحاوطُ جسدهِ لتذهب بنومها بقربهِ بعدَ مرورِ ساعاتٍ عصيبةٍ عاشتها وهي تكادُ تموتُ رعبًا عليه ..بعدَ فترةٍ تململت بسببِ نومتها، ابتسمت بعدما وجدتهُ استدارَ بوجههِ إليها، رفعت كفَّها تمرِّرُ أناملها على وجهه ثمَّ دنت تبعثرُ شهدَ حياتِها على خاصتِه، ومازالت ابتسامتها تُزينُ وجهها لتهمس:
بتكون زي الأطفال وإنتَ نايم، كان نفسي في طفل يكون شبهَك أوي، بس محصلشِ نصيب...مازالت تملِّسُ على وجههِ حتى اقتربت تهمسُ له:
آسفة عارفة إنَّك مضَّايق منِّي، بس غصبِ عنِّي، إنتَ جرحتني أوي ياإلياس، بس تأكَد كلُّه كان من ورا قلبي، مفيش حد في الدنيا دي كلَّها ممكن يملي عيوني غيرَك حبيبي،
أنا بس كنت محروقة من الكلامِ اللي سمعتُه منَّك، أفلتت ضحكةً ناعمةً قائلة:
مش أنا قرأت أمواجك المتلاطمة، طلع عندَك أسرار ياحضرةِ الظابط، بس فيه حاجات كتيرة مفهمتهاش، مفهمتش غير حبَّك ليَّا وبس، ودا اللي يهمِّني، أنا آسفة على غبائي بتمنَّى تسامحني ..استمعت إلى طرقاتٍ على بابِ الغرفة، دلفَ أرسلان:
مساء الخير..نهضت من مكانِها مبتسمة:
اتفضل، هوَّ فاق الحمدلله..اقتربَ وعينيهِ على جسدهِ ثمَّ اتَّجهَ إليها:
الدكتور قالِّي، وكمان سيادةِ اللوا، قولت أشوفُه..
استدارت بنظرِها إليهِ قائلة:
ممكن يصحى بعد شوية، اتفضل..نظرَ إلى ملابسها التي مازالت ملطخة بآثارِ الدماء:
ممكن تروحي تغيَّري وأنا هفضل معاه، وكمان أخوه برَّة..
هزَّت رأسها بالنفي ثمَّ اقتربت تمسِّدُ على رأسه:
مش مهم، المهم يفوق ويكون كويس..رفرفَ بأهدابهِ عدَّةَ مرَّاتٍ حتى استيقظَ متأوِهًا:
ياهلا ياهلا..قالها أرسلان بابتسامة، رفعَ عينيهِ ينظرُ إليه:
حمدالله على السلامة ياوحش، كدا شوية عيال تلعب معانا وتنضرِب..حاولَ الاعتدالَ ولكنَّها انحنت سريعًا:
استنَّى هرفعلَك السرير، ماتتحرَّكش،
أومأَ لها ثمَّ تشبَّث بذراعها متألِّمًا، إلى أن اعتدلَ بنومهِ بالكامل، نظرَ إليها ورسمَ ابتسامةً أمامَ أرسلان:
شكرًا حبيبتي...لمعت عيناها بالسعادةِ بعدما نطقَ تلكَ الحروفِ البسيطة، ورغمَ بساطتها إلَّا أنَّها توحي لديها بالكثير…
مين دول ياإلياس وكانوا عايزين يقتلوك ليه؟!..تساءلَ بها أرسلان..
رفعَ نظرهِ إلى ميرال:
روحي شوفي ماما فريدة، وابعتيلي إسلام..أومأت لهُ وتحرَّكت دونَ حديث..
شريف هتروحلُه وتقولُّه عايز ملف هيثم الشافعي..
مالُه دا؟..
الواد دا عايزَك تجيب عيلتُه كلَّها من أوَّل ماأبوه اتولَد لحدِّ الوقتِ دا،
يعني بسبب شُغلَك؟..ابتعدَ عنهُ وأردفَ بشرود:
هيبان كلُّه هيبان، اتَّجهَ إليهِ مرَّةً أخرى:
أنا من فترة بعت حد يجيب أخبارُه، بس فيه حاجات مش راكبة على بعضها، فيه حاجة مش مظبوطة ولازم أتأكِّد منها..
نهضَ أرسلان من مكانهِ بعدَ دلوفِ مصطفى مع أحدِ أصدقائهِ وأجابه:
تمام ..أشارَ إلياس إلى مصطفى:
أرسلان الجارحي هو الِّلي أنقذنا..
ابتسمَ مصطفى وشكرهُ بعرفان:
تسلَم ياحبيبي، ربِّنا يبارك فيك، هوَّ إنتَ ظابط ولَّا إيه؟..
قطعَ إلياس حديثَ والده:
ماما فريدة عاملة إيه؟..قالها وعينيهِ على أرسلان الذي تحرَّكَ بعدما استأذن..
عندَ فريدة فتحت عينيها تهمسُ اسمه:
إلياس، هرولت غادة إليها:
ماما حمدالله على سلامتِك حبيبة قلبي..أخذت تنظرُ حولها وحاولت الاعتدال إلَّا أنَّ تلكَ الإِبر المغروزة بكفِّها:
أنا فين؟!..
انحنت ميرال تقبُّلُ جبينها:
حمدالله على سلامتِك ياماما، كدا تخوِّفيني عليكي..
إلياس، إلياس عامل إيه؟..
ابتسمت وجلست بجوارِها تحاوطُ كتفها:
كويس وفاق كمان، وسأل عليكي..
نزلت بساقيها المرتجفةِ بعدما نزعت الإبر:
عايزة أشوفُه، ودُّوني لعندُه..أوقفتها ميرال تنظرُ إليها بصدمة:
حبيبتي مينفعشِ إنتِ تعبانة، بكت بشهقاتٍ كالأطفال:
ودِّيني عندِ جوزِك ياميرال عايزة أطمن قلبي يابنتي، طمني قلب أمُّه ياحبيبتي..تحرَّكت بتأرجحٍ لخطوةٍ وكادت أن تسقطَ لولا ذراعِ ميرال الذي حاوطها ترجعُ بها إلى الفراش..
حبيبتي اهدي هتوقعي، بينما هرولت غادة إلى والدها، دفعت البابَ سريعًا:
بابا ماما فريدة صحيت ومصرِّة تيجي تشوف إلياس ومش قادرين عليها، وقعِت منِّنا..هبَّ من مكانهِ سريعًا واتَّجهَ إليها، ظلَّت نظراتهِ على والدهِ الذي اختفى من أمامه بلحظة، اتَّجهَ لصديقهِ بذهنٍ شاردٍ وهو لا يعلمَ ماذا يقول، ظلَّ لدقائقَ وغادر..
رفعَ رأسهُ إلى إسلام:
مالها مدام فريدة ..طالعهُ بصمتٍ للحظاتٍ ثمَّ تحدَّث:
يهمَّك ياإلياس؟..
تصلَّبت تعابيرُ وجههِ ورسمَ البرودَ قائلًا:
عادي مهما كان دي أمُّكم وبتهتمِّ بيكُم، والحق يتقال بتخاف عليكُم أكتر من روحها..قالها وهو يتطلَّعُ أمامِه، وصلت بجوارهِم ومصطفى يحاوطُ جسدها بعدَ إصرارِها على رؤيتِه، ولكنَّها توقَّفت لدى البابِ عندما استمعت ماشقَّ صدرها..فكانت كلماتهٍ كأشواكٍ تخربشُ صدرها..
وإنتَ لأ، يعني مش هتزعل لو حصلَّها حاجة؟..أشارت إلى مصطفى بالتوقُّفِ وهي تنتظرُ ردِّهِ بلهفة..
أكيد هزعل عليها، مهما كان دي أكتر واحدة اعتنِت بينا، ابتسامةً شقَّت ثغرها وهي تستمعُ إليه.. إلى أن اختتمَ حديثهِ الذي سحبَ أنفاسها:
كانت في وقتِ من الأوقاتِ زي أمُّي، اختلافنا بالطريقة، بس لو بخاف عليها وبحترمها علشان خوفها عليكُم وحبَّها ليكمُ مش أكتر، أمَّا وجودها من عدمُه مش فارق معايا..
ترنَّحَ جسدها فدفعَ مصطفى البابَ ينظرُ إليهِ بنظراتِ عتاب، بينما هي طالعتهُ بلهفةِ أم، تجوَّلت بأنظارِها على جسدهِ كالأمِّ التي تفتِّشُ بجسدِ رضيعها عن إصابتهِ بمكروه..وصلت إليهِ وانحنت دونَ مقدِّماتٍ تحتضنُ وجههِ وقبلةً حنونةً فوقَ جبينهِ تهمسُ بأنفاسٍ متقطِّعة:
حمدالله على السلامة يانور عيني، كانت متوقفة بجوارِ غادة تنظرُ إليهِ بحزنٍ وقهرٍ على والدتها بعدما استمعت إلى حديثه، فهربت للخارجِ ودموعها تفترشُ طريقها، بينما جلست فريدة بجوارهِ على الفراشِ تحتضنُ أكتافهِ وتضعُ رأسها عليه، دمعةً انسابت من عيونها وأناملها ترفعُ كفَّيهِ وتطبعُ قبلةً عليهما..
اعتدلت تنظرُ إليه:
حاسس بإيه حبيبي موجوع ..كانت نظراتهِ إليها ضائعة، فمنذُ زمنٍ لم تحتضنهُ بتلكَ الطريقة، ناهيكَ عن أفعالها المؤذية لقلبه، نظراتها ولهفتها وبكائها جعلتهُ كالتائهَ بصحراءٍ خاويةٍ من البشر.
ماما أنا كويس..قالها دونَ وعي، لتتَّجهَ إليهِ بدموعها وشهقةً خرجت من أعماقِ قلبها تضمُّهُ بقوةٍ لأحضانها:
قلب ماما وحياتها فداك ياحبيبي..ارتعشَ قلبُ مصطفى ينظرُ إلى إسلام بخوفٍ من ردَّةِ فعلِ إلياس…
دقائقَ وهي تضمُّهُ بأحضانهِا تريدُ أن ينتهي العالم على ذلكَ الحضنِ وتلكَ الكلمةِ التي نزلت على قلبها كنسمةِ ربيعٍ بيومٍ شديدِ الحرارة، بكت بصوتٍ مرتفع ..وظلَّت تردِّد:
حبيب ماما إنتَ يابني، رفعَ ذراعيهِ يحاوطُ جسدها بعدما فقدَ السيطرةَ عن إبعادها وهناكَ شعورٌ يجذبهُ للربطِ على قلبها الحزين..
أنا كويس بطَّلي عياط، اعتدلت تحتضنُ وجههِ وقبلةً مطوَّلةً مرَّةً أخرى على جبينهِ ثمَّ نظرت إلى عينيهِ وابتسمت:
بعد كلمة ماما النهاردة مش محتاجة حاجة تانية صدَّقني، ربِّنا يسعدَك يابني يارب…
تراجعَ بجسدهِ بعدما تحكَّمَ بسيطرتهِ ليهتفَ بتقطُّع:
بس أنا مش ابنِك، أنا قولتها عادي..خرجت منِّي كدا..
هزَّت رأسها رغمَ حزنها من كلماته:
مش مهم، المهم إنَّك قولتها وبطَّل بقى هتفضل تعاندني لحدِّ إمتى يا ..قاطعها مصطفى سريعًا:
فريدة اطَّمنتي على إلياس ممكن نسيب إلياس يرتاح، إلياس عايز الراحة ..كأنَّ تكرارهِ لكلمةِ إلياس أعادها لأرضِ الواقعِ لتنهضَ بتثاقُل تومئُ برأسها:
حاضر يامصطفى هسيبُه يرتاح شوية، بحثت بعينيها عن ميرال:
فين ميرال؟..
بحثَ عنها يشيرُ إلى إسلام:
شوفها فين وخلِّي بالَك منها لحدِّ مانشوف مين اللي كان عايز يقتلنا..
التفتت إليه سريعًا:
يقتلكوا، وليه ومين دا ؟!..
تمدَّدَ وأغلقَ عينيه ..سحبها مصطفى:
تعالي ارتاحي حبيبتي..
بعدَ عدَّةِ أيامٍ وهو اليوم المقرَّرُ لخروجه، ساعدتهُ بالجلوسِ بالسيارة، ثمَّ استدارت إليه:
إنتَ كويس، تراجعَ برأسهِ يستندُ على المقعد:
قولي للسواق يودِّيني فيلَّا الشافعي..
فيلَّا الشافعي، فين دي؟..
هوَّ عارف..جلست بجوارهِ وتحرَّكت بهما السيارة إلى وجهتها..
تعاظمَ الوجعُ بداخلها وهي تراهُ يبتعدُ عنها...بسطت كفَّها تحتضنُ كفِّه، فتحَ عينيهِ ينظرُ إليها، دنت برأسها منه:
خوفت عليك أوي، مكنتش أعرف إنِّي بحبَّك أوي كدا..
لاحت ابتسامةً ساخرةً على وجهه، فأردف:
كتَّر خيرِك، ودا اكتشفتيه فجأة؟..
إلياس…وضعَ إصبعهِ على شفتيها لتغمضَ عينيها وتنسابُ عبرةً على وجنتيها..مرَّرَ إبهامهِ يمسحها قائلًا:
مبقاش فيه إلياس ياميرال، أوصل البيت وهكلِّم المحامي وأوثَّق طلاقنا أبدي، علشان ماتفكَّريش ناوي أرجَّعِك…
بترت حديثهِ تقبِّلهُ وتهمس:
مش عايزة أطلَّق، مش هقدر أعيش بعيد عنَّك..
أنا تعبان ومش قادر اتكلِّم، ممكن تبعدي شوية، عايز أتنفس وريحتِك بتخنقني..
أخنقَك!..استدارَ برأسهِ إلى النافذة واستأنف:
فوق ماتتخيَّلي، مبقتشِ طايقِك..
ابتعدت تنظرُ من النافذةِ الأخرى إلى أن وصلوا إلى فيلَّا الشافعي..
عندَ أرسلان:
دلفَ شقتهِ وهو على الاريكة، يدورُ بعينيهِ بأرجاءِ الشقةِ بحثًا عنها، زفرةً حادةً أخرجها من جوفه، ثمَّ ألقى بجسدهِ يضعُ كفَّيهِ تحتَ رأسهِ وذهبَ بذاكرتهِ منذُ عدَّةِ أيام..
فلاش باك:
وصلَ إلى المنزلِ الذي اتخذهُ لنفسهِ بأحدِ الأحياءِ الراقية، ترجَّلَ من سيارتهِ ينظرُ إلى والدته:
انزلي ياستِّ الكل، دلوقتي هعرَّفِك على أجمل بنت في الدنيا..
بنت، معاك بنت فوق يابنِ صفية
قهقهَ عليها واحتضنَ ذراعها متحرِّكًا إلى داخلِ المنزل:
شوفتي ظلمتيني إزاي من قبلِ حتى ماتعرفي حاجة، معرفشِ ياصفية ليه دائمًا ظلماني..
قهقهت عليهِ تلكزُه:
إنتَ يابنِ صفية تتظلِم..فتحَ بابَ المنزل وأشارَ إليها للداخل:
ادخلي ياصافي وسمِّي الله، علشان متحسديش مرات ابنِك.
توقَّفت ترمقهُ بصدمة:
إنتَ اتجوِّزت!!
صاحَ بصوتهِ عليها وجذبَ والدته:
اتجوزِت بس في ظروف غامضة، نمت وقومت لقيت نفسي متجوِّز إزاي اسألي إسحاق، بس أحسن جوازة ياصفصف..
غرام...قالها وهو يُلقي مفاتيحه على الطاولة..ثمَّ دلفَ للداخلِ يبحثُ عنها بكافَّةِ أرجاءِ الشقة، توقَّفَ يهمسُ لنفسه:
راحت فين دي، معقولة نزلت تشتري حاجة من تحت، إزاي من غير ماتقولِّي!..
نهضت صفية واتَّجهت إليه:
أرسلان مالك فين مراتك؟..هيَّ اسمها غرام أصلك كنت بتنادي بغرام.
رفعَ هاتفهِ وقامَ بالاتصال، استمعَ إلى صوتِ الهاتفِ بالداخل، خطا إليهِ وجدهُ على الكومدينو..
وبعدين بقى في القلق دا..خطا إلى جهازه وقامَ بفتحه، ضربَ بقوةٍ على الطاولة، ثمَّ ركلها بقوَّةٍ حتى تهشَّمت..
هاجَ كالوحشِ الكاسرِ ولم يتمالك نفسهُ وهو يركلُ كل مايقابلهُ ويزأر مما فعلته..
حاولت والدتهِ تهدئته:
ممكن تهدى، وليه الزفتة طمطم دي تجيلها ..حملَ أشيائه:
آسف ياماما بس لازم أخرج..أمسكتهُ من رسغه:
أرسلان ممكن تهدى، تمارا استفزِّتها بالكلام وطبيعي ياحبيبي يكون ردِّ فعلها كدا..
ماما هتيجي أوصَّلِك ولَّا اسيبِك وأمشي ..نظرت إليه بحنوٍّ تربتُ على ظهره:
أعذرها حبيبي، إيه رأيَك نروحلَها..إنتَ مش عارف عنوانها؟..
يالَّه ياماما علشان أوصَّلِك..حاولت معارضتهِ إلَّا أنَّهُ اعترض:
لو سمحتي مش عايز أسمع كلام تاني.
بعدَ فترةٍ وصلَ إلى منزلِ عمَّته، دلفَ للداخلِ وجدها تتسطَّحُ على الفراشِ لعملِ جلسةِ مسَّاج..
وصلَ إليها بخطوةٍ ورفعها من خصلاتِها أمامَ والدتها:
مش مرات أرسلان الجارحي اللي تنطرِد من بيتها ياتمارا، سكتلِك كتير، بس لحدِّ مراتي وهعمل وشِّك دا بلياتشو، رفعها وهي تلفُّ أحدَ الشراشفَ على جسدها مع صرخاتِ والدتها به، جذبها يجرُّها إلى غرفةِ نومها، ثمَّ دفعها بقوَّةٍ على الأرضية:
دقيقة واحدة وتكوني لابسة ..اقتربَ منها وعينيهِ ترمقها بنظراتٍ نارية:
يالَّه...صرخَ بها حتى انتفضت من مكانها تهزُّ رأسها خوفًا من حالتِه:
نزلَ للأسفلِ واقتربَ من عمَّتِه:
بنتِك دخلت بيتي بغيابي وأهانِت مراتي، أنا مش هعاقبها المرَّة دي إكرامًا لصلةِ الدم، بس أيِّ غلط تاني هنسفها من على وشِّ الأرض..
تغيرَّت ملامحها تهمسُ بتقطُّع:
إنتَ اتجوزت، إمتى؟..تحرَّكَ للخارج:
مُنتظرها بالعربية وعلى الله تتأخَّر..
بعدَ فترةٍ وصلَ إلى منزلِ غرام، أشارَ إلي المنزل:
انزلي اعتذريلها وتعالي أنا مستنيكي..
ترجَّلت بجسدٍ مرتجفٍ دونَ حديث، بينما ظلَّ هو على حاله..
فتحَ زياد البابَ يطالُعها باستفهام:
مين إنت؟..خرجت غرام ظنًّا أنَّهُ زوجها، وجدتها تقفُ على بابِ المنزل، اقتربت منها تطالُعها بأعينٍ استفهامية ثمَّ أردفت:
فيه حاجة نسيتي تقوليها ولَّا إيه؟..
أنا آسفة، بس قولتلِك كدا من غيظي من أرسلان، لأنُّه واعدني بالزواج وخلي بيَّا، اضيِّقت وخاصةً إنِّك مش بمستواه، حبيت أعمل معروف معاكي وأنبِّهك..ممكن الطريقة تكون غلط، بس مكنشِ قصدي أهينِك، ودلوقتي فيكي ترجعي بيتك..
قالتها واستدارت مغادرة، تحرَّكت غرام خلفها وجدتهُ جالسًا بالسيارة، رمقها بنظرةٍ ثمَّ نظرَ إلى السائقِ بعدما ركبت تمارا:
ارجع على بيت عمِّتي...تحرَّكت السيارة وغادرت المكانَ بالكاملِ ومازالت متوقِّفة بمكانها مصدومة، تنظرُ إلى مغادرةِ السيارةِ تحدِّثُ نفسها:
كان معاها ومنزِلش، حتى مقلِّيش كلمة، وسابني ومشي، معقول مبقاش عايزني..
عرفتي إنِّك غلطِّي، قولتلِك مكنشِ المفروض تُخرجي من بيتُه قبلِ ما يرجَع، البنتِ دي شكلها رامية نفسها عليه..
استدارت إلى أخيها تطالعهُ بشرود:
بس يجي لحدِّ هنا ويمشي من غير ولا كلمة..
بشقةِ آدم:
دلفَ للداخلِ يبحثُ عنها بعدَ غيابها عن محاضرتهِ اليوم، وجدها تغفو فوقَ الأريكةِ ووجهها يغزوه العرق، اقتربَ منها بلهفة:
إيلين مالِك..فتحت عينيها بوهنٍ تهمسُ بتقطُّع:
آدم بطني ...انحنى وحملها إلى الداخل، وضعها بهدوءٍ على الفراش:
إيلين حبيبتي مالِك، أكلتي حاجة وحشة..
أغمضت عينيها ولم تقو على التفوُّه، ماذا ستخبره ..ازدادَ الألمُ مع ازديادِ عرقها تهمس:
عايزة أرَّجع، قالتها وهي تعتدلُ على الفراش، قامَ بإسنادها بعد رفضها بحملها، هوت بعدما فقدت التوازن، ليحملِها ويضمُّها لصدرهِ كالطفلِ الرضيع:
اهدي حبيبتي، هساعدِك، لم تتحمَّل آلامَ معدتها وقامت بالتقيؤ رغمًا عنها،
أمسكها باحتوائِها من خصرها، وقامَ بغسلِ وجهها..
واخدة برد شديد في معدتِك، ينفع كدا، قولتلِك مليون مرة بلاش درجة التكييف العالية دي.
وضعت رأسها على صدرهِ بوهن:
بردانة ياآدم ..اتَّجهَ بها إلى غرفتهما وقامَ بتغطيتها..
ارتاحي هعملِّك حاجة سُخنة..
أغمضت عينيها وهي تحتضنُ بطنها:
عايزة مسكِّن مش قادرة أتحمِّل الألم
مسَّدَ على خصلاتِها:
هشوفلِك حاجة لألمِ المعدة، شوية وراجعلِك..ضغطت على كفِّه:
ابعتلي مريم، عايزاها..انحنى لمستواها متسائلًا:
عايزة إيه وأنا أعملُه..ابتعدت بنظرِها قائلة:
عايزة مريم ...بعدَ فترةٍ ساعدتها على الجلوس:
اشربي دا سُخن وهيريَّحك، وجبتلِك مسكِّن، خُديه ونامي، ومليون مرَّة أقولِّك حالتِك النفسية بتأثَّر في كلِّ حاجة، وطبيعي عصبيِّتك الزايدة تأثَّر على البريود، وألم المعدة ساعات بيكون من العصبية، متنسيش حضرتِك بتشتكي من القولون العصبي..
استمعَ إلى حديثهما بدلوفهِ إليهما:
أحلى ساندوتش لأحلى دكتورة، توقَّفت مريم مبتسمة:
هنزِل أنا علشان زمان أدهم معذِّب ماما تحت ..لو احتاجتي حاجة كلِّميني حبيبتي..
جلسَ بجوارِها وهي تحتسي مشروبَ الأعشاب..
لسة تعبانة؟..
ارتدت قناعَ البرودِ قائلة:
كويسة شكرًا..أمالَ بجسدهِ متكئًا على الوسادةِ حتى أصبحَ قريبًا منها ينظرُ بداخلِ مقلتيها:
إيه اللي بيوجعِك..تورَّدت وجنتاها، لترتجفَ عيناها:
مفيش إنتَ قولت شوية برد في المعدة..اقتربَ بيديهِ يضعها على بطنها، لتشعرَ بقشعريرةٍ تسري بعمودها الفقري من لمستهِ الحانيةِ ونظرَ لعينيها:
هي المعدة نزلت هنا..
علمت أنَّهُ فهمَ ما يُصيبها، دفعت يدهِ بعيدًا عنها:
أنا مأذنتِش إنَّك تلمسني، وياريت تخلِّي فيه حدود بينا لو سمحت..
أخذَ نفسًا عميقًا وزفرهُ على مراحل ثمَّ نهضَ قائلًا:
على العموم عايز أفهِّمك المضاد الحيوي بيضُر في الحالات دي، ياريت تقلِّلي منُّه أو تمنعيه خالص..ومفيش داعي للكسوف أنا جوزك..
وأنا مش مُعترفة بيك ...قالتها سريعًا تشيرُ إلى بابِ الغرفة:
اطلع برَّة عايزة أرتاح، ومش معنى إنَّك ساعدتني يبقى سامحتَك، عمري ماهسامحك ياآدم مهما حصل، وعلاقتي بيك ما إلَّا مصلحة وبس..
خيَّمَ الحزنُ على وجهه، فانحنى يحاوطُ جلوسها بذراعيه:
إيلين مش طالب منِّك غير فُرصة واحدة.
معنديش فرص يادكتور..واتفضَّل أنا تعبانة وعايزة أرتاح.
باليومِ التالي:
نهضَ من فوقِ فراشهِ على صوتِ المكنسةِ الكهربائية، اعتدلَ يسبُّها بسرِّه ..ثمَّ جذبَ كنزتهِ وارتداها متَّجهًا للخارج ..وجدها تدندنُ مع الأغنية:
طب ليه بيداري كدا ولا يداري..
ركلَ المقعدَ بقدمه:
بتعملي إيه يابت؟..
نفثت بصدرها قائلة:
بسم الله الرحمن الرحيم ، بيطلعوا إمتى، خضِّتني..
اقتربَ منها يرمُقها بنظراتٍ كالطلقاتِ الناريةِ ثمَّ جذبَ منها المكنسة يركلُها بقدمهِ بقوَّة:
فيه ست محترمة تكنس الساعة تلاتة الفجر ..
أه لمَّا تبقى في كلية طب وعندها دكتور مفتري طالب منها أبحاث عشرين طالب، مُنتظر منِّي إيه بعدِ سبع ساعات متواصلة وأنا ببحث في أبحاثِ المفتري، إلهي ياربِّ ماينام شهرين..
جزَّ على أسنانهِ يشيرُ بسبباته:
متخرَّجيش عفاريتي عليكي..
إيه دا هوَّ إنتَ جوَّاك عفاريت، مش عيب تبقى دكتور طويل عريض ويبقى عندَك عفريت ..كدا الطلبة يخافوا منَّك يادكتور ..نظرت إلى المكنسةِ الكهربائيةِ وأشارت مستخفِّة:
كدا بوَّظتِ جهازي اللي أبويا مدفعشِ فيه غير إنِّي أتجوِّز واحد مغرور زيك.
بت بقولِّك ..تحرَّكت قائلة؛
مفيش بت هنا، مفيش غير دكتورة زي القمر قدَّامَك ودكتور زي الحيطة، معتقدتشِ اللي بتنادي عليها موجودة ..قالتها وتحرَّكت لداخلِ الغرفة وهي تدندنُ أغنيتها..
استمعت إلى التحطيمِ بالخارج،
فهوت بجسدِها على الفراشِ مبتسمة:
ولسة يادكتور الجثث، لو مخلتَكشِ تعمل مغادرة من مصر مايبقاش أنا الدكتورة إيلين.
عندَ أرسلان:
دلفَ إلى مكتبِ إسحاق وجدهُ منكبًّا على جهازه:
بتعمل إيه ياإسحاقو، وخير مبقتشِ أرتحلَك..أشارَ لهُ بالجلوس، ثمَّ أدارَ الجهاز:
احفظ الاشكال دي كويس..قطبَ جبينه:
اتحفظوا.. ليه؟..فتحَ أحدَ أدراجه، أعطاهُ فلاشة قائلًا:
المطلوب عندَك، مش عايز غلطة..
تمام..المهمة فين ياترى؟..
أسوان..
أووووه أسوان، ليه يامعلِّم..
لمَّا تشوف الفيديو هتعرف.
حكَّ ذقنهِ ينظرُ إليهِ بتفكير:
لو تهريب مش شُغلنا، ولو سرقة يبقى مش شُغلنا برضو..
ولا…مبحبِّش الرغي، الجواز علِّمك الرغي طلَّق وخلاص مش ناقص صُداع..
جواز مين ياسيدي قلبك أبيض هيَّ الأخبار ماوصلِتش من طمطم ولَّا إيه..
أخبار إيه يانابغة عصرَك؟..
ضيَّقَ عينيهِ مستفهمًا عمَّا يرميهِ من معنى، ثمَّ هتفَ متسائلًا:
تُقصد إيه يالا..قصَّ لهُ ماصار..
طرقَ بقوِّةٍ على المكتبِ يرفعُ كفَّيهِ يلطُمهما ببعض:
يخربيت عقلها، يبقى سمعتني وأنا بتكلِّم مع باباك، وأخدتُه من ميدالية مفاتيحي، أنا فكَّرتك إنتَ اللي أخدتُه، وقولت يمكن اتكسفتِ منِّي ومردتشِ تقولِّي.
إيه اللي عرَّفها بحوارِ غرام ياعمُّو؟..
هزَّ كتفهِ بعدمِ معرفة قائلًا:
هيَّ سمعتني بقول لباباك عن عنوانِ الشقة، وإنَّك اتجوِّزت ومُفتاحك معايا علشان سفرياتك وخُوفك على مراتك، بس مش مُتأكد إنَّها سمعت ولَّا لأ، علشان بعدها بكام يوم جاتلي..
فلاش باك:
دلفت تدفعُ البابَ وعينيها كاللهبِ المشتعل:
فين أرسلان؟..
نقرَ على سطحِ مكتبهِ يُطالِعها لبعضِ اللحظاتِ ثمَّ نصبَ عودهِ وتوقَّفَ متَّجهًا إليها:
بيقضِّي شهرِ العسل..
برقت عيناها وكأنَّهُ ألقى عليها دلوًا من الماءِ المثلَّج، ليرتجفَ جسدها، حاولت السيطرةَ على حُزنها ،اقتربت منه:
إنتَ مضَّايق منِّي وعايز تضايقني مش كدا ياخالو…
ابتسمَ بتهكُّم ثمَّ تراجعَ على مقعده:
وأنا هضَّايق منِّك ليه يابت، شيفاني عيل علشان ألعب معاكي..
لو مش مصدَّقة كلِّميه.
انسدلت عبراتها رغمًا عنها تهزُّ رأسها بعنف:
مابيرُدش..
أشعلَ سيجارتهِ وبدأ ينفثُها كأنَّهُ يحرقُ وقوفها، اقتربت منه تستعطفهُ ببكائها:
خالو علشان خاطري قولِّي مخبِّي أرسلان منِّي فين؟..
ارتفعت ضحكاتهِ يضربُ كفَّيهِ ببعضهما:
إنتِ عبيطة يابنتي!.. إنتِ مين علشان أخبيه ولَّا مفكَّراه علبة جبنة رومي هخبيها منِّك، روحي حبيبتي ربِّنا يهديكي..الموضوع مش ناقص غباوة.
استندت على مكتبهِ بعدما فقدت أعصابها، وهدرت بغضب:
طب اسمعني كدا ياحضرةِ العقيد ووصلُّه كلامي، انا مش هرحمه لو لقيتُه بيلعب بديلُه..
أخرجَ صوتًا من بينِ شفتيهِ يهزُّ رأسهِ وضحكاتهِ التي صمَّت أذنيها:
طب ماكان من الأوِّل ياتحية كاريوكا، ليه شُغل أمينة رزق دا ..
على العموم حبيبِك مع حبيبتُه في شهرِ عسل اشربي من البحرِ بقى..
ضربت أقدامها بالأرضِ وتحرَّكت للخارجِ تسبُّهُ بصوتٍ مرتفع..
ظلَّت نظراتهِ عليها إلى أن أغلقت البابَ خلفها..زفرةً حارقةً يمسحُ على وجههِ بغضب متمتمًا:
تافهة، معرفشِ الحلوف عايز منِّك إيه، رفعَ هاتفهِ ماهي الَّا لحظاتٍ وأجابه:
إنتَ فين يامتخلِّف بقالي يومين مش عارف أكلِّمك؟..
نهضَ معتدلًا من الفراش:
خير فيه حاجة، بابا كويس، خرجت من المستشفى وسافرت علشان أعرف هدخل إزاي..
مسحَ على وجههِ بغضبٍ وأردف:
طمطم كانت هنا وقرِّيت عليك.
عادي هوَّ إنتَ أوِّل مرَّة تعملها، ياترى من أوَّل قلم ولَّا من أوَّل دمعة ..قهقهَ إسحاق قائلًا:
مالي مركزك دايمًا ياصقورة.
عندك شك ..هزَّ رأسه:
أبدًا طول عمرَك أسد..طيِّب غرام معاك ولَّا لوحدَك؟..
اتَّجهَ بنظرهِ للفراشِ وجدها تغفو كالملاك، ابتسمَ قائلًا:
معايا، وهنرجع القاهرة الصُبح علشان بابا هيخرج من المستشفى.
طيِّب حبيبي خُد بالك من نفسك، وتيجي طيران بلاش سواقة علشان عارفك هطير بالعربية..
خايف عليَّا إسحاقو..
لا، ياحليتها خايف على عجلِ العربية مش هعرف أجيب بديله..
تصدَّق صح، والعجلِ غالي، بعد ارتفاعِ الدولار، هنفكَّر إسحاقو نغيَّر العجل بإيه..
تصدَّق حلال عليك طمطم يالا، واللهِ البتِّ دي تستاهِل حلوف زيك.
تشكرات إسحاقو، ولا يهمَّك حبِّي..
خرجَ من شرودهِ وقصَّ عليهِ ماصار..
نقرَ على المكتبِ عدَّةِ مرَّاتٍ ثمَّ توقَّف:
خلاص عرفت هعمل إيه، سلام..
ناوي على إيه؟..
على كلِّ خير، أجُرَّها لبيتِ الطاعة علشان تتعلِّم الأدب.
أُقف يالا إنتَ مجنون، عايز ترجَّع مراتك بالطريقة دي!..
لوَّحَ بكفِّهِ وتحرَّك.
باليومِ التالي بمنزلِ والدِ غرام، كانت تجلسُ أمامَ التلفاز، تقلِّبُ بهاتِفها، تنظرُ إليهِ وتتمنَّى أن يقومَ بمهاتفتها، تنهيدةٍ بأعماقها الحزينة:
كدا ياأرسلان، هُونت عليك أسبوع كامل، حتى مفيش تليفون، طيِّب يابنِ الحسب والنسب ...استمعت إلى طرقاتٍ على بابِ منزلها، جذبت وشاحها، وتحرَّكَت للخارج:
نعم عايز مين؟..
نظرَ الرجلُ للورقةِ التي بيده:
غرام محمود الزهيري
أيوة ..بسطَ كفِّهِ بالورقة:
جوزِك طالبِك في بيتِ الطاعة يامدام، ولازم تتحرَّكي معانا.
إيه بيت طاعة!..خلاص يابني روح إنتَ وأنا هتصرَّف..
استدارَ الرجلُ متسائلًا:
حضرتَك مين...أخرجَ الكارت الخاصَّ به، فاستأذنَ الرجلُ معتذرًا بعدما أردفَ إسحاق:
البنت بنتي، وأنا هوصَّلها لجوزها..
توقَّفت تُطالعهُ بأعينٍ دامعة:
أرسلان عايز ياخُدني بالطريقة دي!..
زمَّ شفتيهِ ثمَّ رفعَ كفِّهِ يمسحُ على رأسه:
مشاكلِك مع جوزِك تبقى مع جوزك وبس يابنتي، نصيحة اتعاملي على إنِّك مرات أرسلان الجارحي..
أشارَ بسبَّباتهِ وتحدَّثَ بنبرةٍ حازمة:
غلطٍّي يابنتِ الناس، وغلطِك مع شخصية زي أرسلان مش مُرحَّب بيه، يالَّه علشان أرجَّعك بيت جُوزك..
عقدت ذراعيها وهتفت بحدَّة:
وأنا مش عايزة أرسلان ابنِ الحسب والنسب، خلاص فضِّيناها، وكلِّ الحكاية أنُّه اتجوِّزني علشان مهمِّتُه والمهمَّة خلصت..اقتربَ خطوةً وعينيهِ تُحاورها ثمَّ أردفَ بهسيس:
خمس دقايق بس وألاقيكي في العربية، أنا اتصلت بوالدِك وأخدتِ إذنه، وكمان هوَّ في الشُغل مالكيش حجَّة، أنا جيتلِك يبقى خلاص كلِّ حاجة ترجع لأصلها، ولولا شايف تعلُّق الولد بيكي الله في سماه ماكنت قرَّبتِ منِّك..قالها واستدارَ متحرِّكًا للخارج..
عندَ إلياس:
ترجَّلَ من السيارةِ حاولت أن تساعدُه، ولكنَّهُ أوقفها بحركةٍ من يديه:
شكرًا مش عايز مساعدة، تحرَّكت بجوارهِ بقلبٍ مهشَّم، عيناها عليهِ خوفًا أن يترنَّح..توقَّفَ يتنفَّسُ بهدوء، اقتربت منهُ وهمهمت بنبرةٍ عتابية:
معرفشِ ليه مش عايزني أساعدك..
مش عايز آثاري تكتر عليكي ومتعرفيش تزيليها كويس...قالها وتحرَّكَ يضعُ كفِّهِ موضعَ آلامه ...دلفَ للداخلِ وجدَ مصطفى بانتظاره:
اتأخرت ليه يابني..خطا بوهنٍ يهمسُ بصوتٍ خافت:
كان عندي مشوار..تلفَّتَ يبحثُ عنها، ثمَّ جلسَ وتجلَّت على ملامحهِ الألم:
إسلام مرجِعش..تساءلَ بها وهو مُطبقُ الجفنين...جلسَ بجوارهِ ولفَّ ذراعهِ حول كتفهِ يجذبهُ لأحضانه:
ربِّنا مايحرمني منَّك ياحبيبي..فتحَ عينيهِ ينظرُ لوالدهِ بصمت، ثمَّ أردف:
كنت دائمًا أسمعك بتقول كدا لماما وأهي ماتت وعيشت حياتك ونسيتها..
ابتسمَ مصطفى وطبعَ قبلةً على رأسه:
غيران على أمَّك ياإلياس..
استفهمَ باستهجان:
مش من حقَّها ولَّا إيه ياحضرةِ اللوا، سمعت في مرَّة أنُّكم واخدين بعض على حب..والحبِّ اندفن معاها واتولد مع حدِّ تاني يمكن مايتساهِلش..
لوَّحت أعينُ مصطفى بالغضب، قائلًا:
هتفضل لحدِّ إمتى يابني واخد الموقف العدائي دا، رفعَ نظرهِ إلى ميرال التي دلفت للتوِّ بعد وقوفها بالخارجِ تتحدَّثُ بالهاتف..وصلت إليهم ثمَّ جلست بجواره:
أخلِّيهم يعملولك حاجة تاكُلها ..تشابكت عيناه بعينيها إلى أن لاحظَ مصطفى ذلكَ فهتفَ قائلًا:
كنت رايح تطلَّق مراتك، دي الأمانة اللي أمِّنتك عليها!!
أنا، أبدًا حتى اسألها، هي اللي حبِّت تغيَّر الصنف..
رمقهُ مصطفى بنظرةٍ استفهامية:
يعني إيه ؟!..
يعني أنا مش عايز أطلَّق، دا أنا بحبَّها أكتر من حبِّي للمحشي، بس هيَّ اللي مُصرَّة، بدليل رفعت قضية طلاق وحضرتَك لو مش مصدَّقني اتِّصل بالمحامي، معرفشِ ليه دايمًا واخدين الفكرة الوحشة عنِّي، ماتسألوا رشيدة هانم ..برَّقت عينيها:
أنا رشيدة..نهضَ من مكانهِ يضعُ كفِّهِ على جرحهِ حتى وصلَ إليها:
أحلى رشيدة في الدنيا ياحبِّي، انحنى وطبعَ قبلةً بجانبِ ثغرها..
وحشتيني...قالها غامزًا ثمَّ صعدَ للأعلى..شحبَ وجهها تهزُّ رأسها:
حبِّي وبيحبِّني، ووحشتيني، الراجل دا عندُه انفصام واللهِ العظيم ابنَك ناويلي على مصيبة...قهقهَ مصطفى يشيرُ إليها بالاقتراب..ألقت نفسها بأحضانهِ ولم تشعر سوى ببكائها:
أنا بحبُّه أوي ياعمُّو، عارفة إنِّي غلطت بس واللهِ غصبِ عنِّي..اللي سمعتُه منُّه كتير...أخرجها من أحضانه، محتضنًا وجهها:
ميرو حبيبتي، عارف إنِّك بتحبيه
لازم تستحمليه شوية ومش عايز نغمةِ الطلاق دي تاني..
ابتلعت جمراتها التي تكوي قلبها قبلَ جوفها متمتمة:
ليه إلياس بيكره ماما كدا، وهيفضل لحدِّ إمتى يكرهها ياعمِّو، أنا أمِّي متستهلشِ المعاملة دي..
أزالَ عبراتها وأردفَ بنبرةٍ حنون:
متخافيش بكرة يحبَّها قومي اطلعي ورا جوزك متسِبهوش لوحدُه..
فركت كفَّيها وشردت بنظراتِها بكافَّةِ الأرجاء:
تفتكِر هيسامح ويتقبَّلني تاني..
ربتَ على كتفها وباغتها بابتسامة:
إنتِ وشطارتِك ياميرو، هتستني من الراجل العجوز يقولِّك إيه..
أومأت له، ثمَّ نهضت مردفة:
عندَك حق ابنك دا عايز مراوغة وأنا بحبِّ المرواغة..
بالأعلى انتهى من تبديلِ ملابسهِ بعدَ معاناة، ثمَّ اتَّجهَ إلى فراشه، توقَّفَ ينظرُ إلى الفراشِ للحظاتٍ فمنذُ آخرَ حديثٍ بينهما وطلبها الطلاقَ لم ينم عليه، ذهبَ ببصرهِ إلى الأريكةِ وخطا الى أن وصلَ إليها مع دولفها، تطلَّعت عليهِ ثمَّ نظرت إلى الفراش، خطت الى أن وصلت إليه:
هتنام هنا ولَّا إيه؟!.،
تمدَّدَ دونَ أن يعيرها أيَّ اهتمام..جلست بجواره:
ممكن نتكلِّم..
قومي من جنبي عايز أرتاح..
نزلت بساقيها واستندت بركبتيها مقتربةً منه:
بس أنا عايزة أتكلِّم معاك.. أغمضَ عينيهِ وأردف:
سامعِك... رفعت كفَّها تمسِّدُ على خصلاته:
ليه قولت لماما عليَّا كدا وإنتَ بتحبِّني، هوَّ فيه حد بيحبِّ حد يتكلِّم عليه بالطريقةِ البشعة دي..
صمتَ لثواني وعجزَ عن الرد.. اقتربت من وجههِ تهمسُ بجوارِ أذنه:
أنا عرفت كلِّ حاجة.. قرأت مذكَّراتك..
فتحَ عينيهِ سريعًا، وهاجت ضرباتُ قلبه حتى شعرَ بآلامِ صدره، قُبلةً سريعةً اقتطفتها مبتسمةً بعدما وجدت ردَّةِ فعله..
ابتعدَ برأسهِ عنها مع ارتفاعِ أنفاسهِ قائلًا بنبرةٍ جافة:
متقرَّبيش منِّي تاني، ويالَّه اطلعي برَّة روحي أوضتك، إزاي أصلًا جيتي..إيه نسيتي إنِّنا انفصلنا..
حاولت إخفاءَ حزنها من كلماته، وأخذت نفسًا عميقًا، ثمَّ أدارت وجههِ إليها:
تعرَف لو كان حصلَّك حاجة أنا كنت ممكن أموت.
ابتسمَ ساخرًا، وزمَّ شفتيهِ قائلًا:
ليه الرجالة خلصت..
تفتكِر أنا ممكن أشوف راجل تاني غيرَك.. قالتها بخفوت..
رغمَ القبضةَ التي اعتصرت فؤادهِ إلَّا أنَّهُ رمقها بنظرةٍ قاسية، ودفعها بعيدًا عنه..
كفاية بقى عايزة منِّي إيه، قومي اطلعي برَّة.. قالها بنبرةٍ مخيفة، حتى تحجَّرت ملامحها الجميلةِ حزنًا وألمًا وانسابت عبراتها، لتنهضَ من مكانها وتهرولُ للخارج..
زفرةً حارقةً أخرجها يريدُ أن يحرقَ بها نفسهِ بعد ماتذكَّرَ دفتره.. نهض بهدوء واعتدلَ يبحثُ عنه، دلفَ إلى مكتبه... لمسَ أشياءها الموضوعةِ يبدو أنَّها تناستها..جذبَ ربطةَ خصلاتِها وقرَّبها إلى أنفهِ يستنشقُ رائحتها بولهٍ مغمضَ العينين، تمنَّى لو يضمُّها لأحضانهِ لتعودَ روحهِ الضائعة، ولكنَّهُ فتحَ عينيهِ متذكِّرًا كلماتها التي ذبحتهُ دونَ رحمة..
هتجوِّز أيِّ راجل يمسَح آثارك المقرِفة،إنتَ مش راجل..كلماتٍ خلفَ كلماتٍ ليلقي مابيدهِ بالارضِ ثمَّ أزاحَ بيديهِ كلَّ مايُوضعُ على مكتبه..ارتفعت وتيرةُ أنفاسهِ كمتسابق، حتى فقدَ اتِّزانهِ وهوى على مقعدِ مكتبه، محاولًا أخذَ عدَّةِ أنفاسٍ بعدما شعرَ بانسحابها ..تراجعَ بجسدهِ وذكرياتهِ المؤلمةِ معها شقَّت صدره، حتى نزلت دمعةً رُغمًا عنهُ ليجزَّ على يديهِ معنِّفًا إيَّاه:
مشيت ورا قلبَك، حسَّرتك على نفسك، تستاهِل كنت مُنتظر إيه، رُد على نفسك وقول كنت مُنتظِر منها إيه، واحدة طعنِتَك برجولتَك، افرح بالحب..
أطبقَ على جفنيهِ ينهرُ قلبهِ الذي ضاعَ بغيباتِ الجبِّ بعدما شعرَ بالاشتياقِ إليها، كوَّرَ قبضتهِ يضربُ بها فوقَ مكتبه..
فوق يابنِ السيوفي، حتة بنت كسرِتَك، رُد كرامتَك الِّلي داست عليها ، ذهبَ ببصرهِ لذاكَ الدفترَ الذي يدَّوِنُ بهُ قِصة حبِّه..جذبهُ ثمَّ نهضَ متَّجهًا إلى سلَّةِ القُمامةِ وقامَ بإشعالِ قدَّاحتهِ لتلتهمَ النيرانُ كلَّ ماخطَّهُ قلبهِ قبلَ أنامله.. ألقاهُ بالسلةِ وظلَّ ينظرُ لتلكَ النيرانِ التي التهمت كلَّ ذكرياته..
ظلَّ لدقائقَ ينظرُ إليها ثمَّ خرجَ إلى غرفتِه..
عندَ يزن وخاصةً بغرفتِه:
جالسًا على مكتبهِ وأمامهِ بعضَ أوراقٍ للتصميمِ يرسمُ عليها بعضَ الرسومات، ورغمَ أنَّهُ مهندسًا إلَّا أنَّ رسوماتهِ اليومَ لا توحي لعمله، نظرَ إلى الأوراقِ بعُمقٍ ثمَّ حرَّكَ قلمهِ على كلِّ رسمةٍ على حدا..
هناكَ ورقةٌ يرسمُ بمنتصفها راجح وحولهِ طارق ابنهِ ورحيل وزين وآدم..
وهناكَ رسمٌ آخر يُدَّونُ عليهِ
فريدة وعلامةِ استفهامٍ كبيرة..ظلَّ ينظرُ لرسماتهِ مرَّة، لصورهِم مرَّة ..واحتضنَ وجنتيهِ بكفَّيهِ يتساءلُ بهمس:
ياترى إنتِ فين يامرات عمِّي، وليه مظهرتيش في الصورة، معقولة تكون اتجوِّزت تاني ..ظلَّ ينقرُ على مكتبه ..ثمَّ زفرَ بغضب، وقامَ بجمعِ الورق، وتراجعَ بجسدهِ رافعًا ساقيهِ على المكتبِ ينظرُ لصورهِم جميعًا، يشيرُ بيدِه:
راجح الشافعي، ظابط متقاعد..
رانيا ...اتجوِّزت راجل متجوِّز ومخلِّف علشان تعانِد في أخوه اللي حب بنتِ عمَّها، اللي انتقمِت منَّها وخطفِت ولادَها وعذِّبتها..شكلِك راس الأفعى الكبيرة يامرات أبويا...قالها بتهكُّم..
اتَّجهَ إلى دفترِ والدتِه، وظلَّ يقلِّبُ بهِ إلى أن وصلَ إلى كلماتِها عن فريدة:
دي بقى مرات عمَّك المرحوم جمال، دي هيَّ الوحيدة اللي وقفِت معايا بعد ماجدَّك مات، عايزة أقولَّك ياحبيبي دي اللي نجدتني من أبوك، وصلَ بيها الحال إنَّها تبيع حلقْها علشان تدِّيني فلوسُه وتهرَّبني من جحيمِ راجح الشافعي بعد ماجُوزها مات، خافت عليَّا وعليك بعد ماعرفت نيِّة مرات أبوك، آخر مرَّة شوفتها لمَّا رُحت معاها نبلَّغ عن الولد اللي اتخطف، حبيبتي اتخطف ولادها الاتنين ومعرفتشِ توصلُّهم ...هرَّبتني بعد ماعرفِت إنِّ راجح هياخدَك منِّي، ماهي رانيا بعد تسقيطها كام مرَّة الدكاترة قالوا عندها مشكلة ربَّنا بيخلَّص حقوق بحقوق..
عرفِت كمان من فريدة بعد ماهربت إنَّها أخدت ابنِ راجح من زهرة اللي عذَّبها..
سامحني يايزن علشان خبيت عليك كنت خايفة عليك، أوعى تاخُد أخواتَك بذنبي حبيبي، أبوك ابراهيم راجل ولا كلِّ الرجالة، كوَّرَ قبضتهِ حتى انكمشت الأوراقَ بيده، ونفرت عروقهِ ناهيكَ عن عينيهِ التي لمعت بخطٍّ من الطبقةِ الكرستالية..
راجح ...راجح، ياويلَك منِّي، وحياة دموع أمِّي وعذاب مرات عمِّي لأدفَّعك غالي، اصبِر عليَّا لو مخلتَكشِ تندم مابقاش يزن إبراهيم السوهاجي..
بفيلَّا السيوفي:
رفرفت بأهدابِها إلى أن فتحت عينيها، اعتدلت على الفراشِ تنظرُ بالساعة، ثمَّ هبَّت من مكانِها تهمسُ بتقطُّع:
يوسف زمانُه رجع من المستشفى..خطت بجسدٍ واهن، قابلها مصطفى على الباب:
رايحة فين يافريدة مش الدكتور قال الراحة..
ابني يامصطفى عايزة اطَّمِن عليه..حاوطَ جسدها يجذُبها إلى الغرفةِ وتمتم:
إلياس نام وصل من فترة، وبعتلُه ميرال، يعني زمانهم ناموا ..تعالي ارتاحي..سحبت نفسها مبتعدةً عنه:
لا، لازم اطَّمِن عليه، هبُص عليه من بعيد، مش هدخُل جوا، أمسكَ كفَّها:
حبيبتي بقولِّك ميرال عندُه ..استمعَ إلى صوتِ ميرال:
ماما كنت جاية اطَّمِن عليكي..خطت إليها مبتسمةً وكأنَّها طوقَ النجاةِ لكي تصلَ لابنها..
حبيبتي جوزِك عامل إيه نايم؟..
أومأت تبتعدُ عن مرمى بصرها تهمس:
أيوة كويس...ارتاحي لو سمحتي..
تركت يديها وساقتها قدميها مع لهفةِ قلبِها إليه:
أرتاح ..أرتاح ازاي وهو مش مرتاح، قالتها بصوتٍ ممزوجٍ بالبكاء..دلفت بهدوءٍ تُغلقُ البابَ خلفها، بينما بالخارجِ توقَّفَ مصطفى يطالعُ ميرال:
ليه مش مع جوزِك، ينفع تسيبيه في الظروف دي..
إلياس مُصر على الطلاق ياعمُّو...قالتها وتحرَّكت إلى غرفتها.
تضجَّرت ملامحهِ بالغضبِ يُردف:
وبعدهالَك يابنِ فريدة، طالع عِنَدي لمين..استمعَ إلى رنينِ هاتفه:
أيوة عملت إيه؟…
مسكنا الولد ياباشا، واتحجَز، بس فيه حاجة لحظناها معاه..
هتنقَّطني بالكلام ماتتكلِّم بسرعة..
صورة مدام ميرال وعليها إكس بالقلمِ الأحمر.
أنا جاي أوعى حد يحقَّق معاه لَّما أوصَل..
بالداخلِ بغرفةِ إلياس ..وصلت إلى الأريكةِ التي يغفو عليها، جلست على الأرضِ بجوارِه، رفعت كفَّها على خصلاتهِ وانسابت عبراتها تهمسُ بخفوت:
ألفِ سلامة عليك يانور عيني، ياريتني مكانَك يابني، ياريت آخُد كلِّ آلامك..انحنت وطبعت قُبلةً مطوَّلةً فوقَ جبينه، لمعت عيناها بابتسامةٍ لأوَّلِ مرَّةٍ تراهُ وهو نائمًا بعدما بلغَ مرحلةَ الشباب.
ياااااه .أخرجتها من حرقةِ قلبها تمِّسدُ على خصلاتِه..
سنين ياإلياس مشفتكشِ كدا، تعرف كأنّ سنين الوجع دي ماعَدتشِ عليَّا بعد ماربِّنا ربط على قلبي وخلَّاني أربِّيك وأنا معرفشِ إنَّك ابني أوِّل فرحة لقلبي..
انحنت تضعُ رأسها بالقربِ منهُ تستنشقُ رائحتهِ وآاااه وكم من آهاتٍ وحسراتٍ أخرجتها متحسِّرة على سنينٍ كان بها قريبًا من العينِ بعيدًا عن القلب..شهقةٌ خرجت رُغمًا عنها، ممَّا جعلها تضعُ كفَّها على فمِها حتى لا يفيقَ ولكن كيفَ لهُ أن يظلَّ مُستغرقًا بعدَ شعورهِ بدموعِها على وجهه، ورُغمَ مفعولُ أدويتهِ القوي إلَّا أنَّهُ استيقظ ..فتحَ عينيهِ ينظرُ لقُربها منه،
حاولَ الاعتدالَ بعدما وجدَ بكاءها ..أطبقت على ذراعيه:
خلِّيك مرتاح ياحبيبي..نهضَ مُتحاملًا على نفسهِ وتساءل:
بتعيَطي ليه ميرال فيها حاجة..ابتسمت بعيونٍ دامعة، تهزُّ رأسها عاجزةً عن الرَّد..كيفَ تشكو لهُ ظلامَ قلبها بمنعُها بالتفوُّهِ عمَّا يُؤلمُ روحها..شهقةٌ ماهي إلَّا شهقةٌ خرجت من جوفِها حتى انتفضَ رعبًا من حالتِها التي تمادت كمَّا ظن، أنزلَ ساقيهِ وبسطَ كفِّهِ وهو يحاوطُ بطنهِ بكفِّهِ الآخر..
قومي من على الأرض، قاعدة كدا ليه؟..
نهضت بسعادةِ طفلةٍ بعدما رأت حنانَ عينيهِ ولهفتهِ بالخوفِ عليها.
جلست بجوارهِ وعينيها ترسمهُ بحنانِ أمومي، لم تشعر بنفسها وهي تضعُ كفَّها على وجههِ تتأمَّلُ ملامحهِ بكلِّ تفاصيلها وكأنَّها ترسمُه..
باغتها بنظرةٍ مطوَّلةٍ ثمَّ أبعدَ رأسِه:
مش عايز أزعلِّك صدَّقيني، بس شايف أفورة مش مريَّحاني، يعني تتعبي بسببي مش شايفة إنَّها أوفر شوية، ولَّا بترسمي على حاجة تانية، لو تُقصدي الطلاق، فالموضوع مُنتهي أنا وبنتِك زي الشمس والقمر، مايتجمَّعوش..بيستافدوا بس من بعض..
تنهَّدت بمرارةٍ ويبدو أنَّ الماضي ماتزالُ آثارهِ محفورةً بقلبِه..
إيه رأيَك نفتَح صفحة جديدة، اعتبرني والدتَك..
ابتسامةً ساخرةً مع نظرةٍ متهكِّمة، ثمَّ نهضَ متَّجهًا إلى سجائره:
الطُّموح حلو برضو يامدام فريدة..توقَّفت وخطت بخطواتٍ مترنِّحةٍ إليه محاولةً جذبَ سيجارتِه:
بلاش سجاير وإنتَ تعبان ياحبيبي..
توسَّعت عيناهُ بوميضٍ غاضب، وتجمَّعت سحبُ الألمِ والحزنِ بعينيهِ يرمُقها بنظرةٍ تعني الكثيرَ من الكُره:
متنسيش نفسِك، إيه اللي مدخَّلِك أوضتي، بنتِك في أوضتها روحي لعندها، وياريت تقنعيها تفضَل مُتمسِّكة بالطلاق، دا لو بنتِك حبيبتِك بتسمَع كلامِك، أنا مش عايز أخسر أبويا كفاية خسارتي لأمِّي يامدام..
هتفضَل تعاملني كدا ياإلياس على إنِّي عدوِّتَك الأولى ..استفهامًا مؤلمًا لقلبها قبلَ قلبهِ انبثقَ من شفتيها، اقتربَ منها بعدما نفثَ تبغه:
أسامحِك!..تعالي نرجَع بالزمن للورا كدا
أنا كنت بقولِّك ياماما، شوفتي.. كنت بقولِّك ياماما، يعني كنتي غالية عليَّا أوي، عملتي إيه، ضحكتي علينا كلِّنا، بوشِّك البريئ دا عرفتي تتلاعبي علينا كلِّنا.
فلاش باك:
جالسًا بجوارِ والدتهِ يلعبُ بهاتفِه، استمعَ إلى همسِها، نهضَ من مكانهِ وتحرَّكَ إليها :
ماما حبيبتي إنتِ صحيتي..ضغطت على كفِّهِ الصغير تهمسُ بأنين:
إلياس ناديلي بابا ياحبيبي..هرولَ الصغيرُ إلى غرفةِ والدهِ بعدما تمَّ عقدُ قرانهِ على فريدة..
قبلَ قليلٍ جلسَ بجوارِها:
فريدة عايز أفَّهمِك حاجة مهمَّة لولا إصرار غادة على الجواز أنا كنت مستحيل أتجوِّز عليها مهما كان..كانت مطأطأةُ الرأسِ تفركُ بكفَّيها:
عارفة يابيه..
أطلقَ ضحكةً يهزُّ رأسهِ وتحدَّثَ بمشاكسة:
بيه، فيه واحدة تقول لجوزها بيه!..
رفعت عينيها الممتلئةِ بالدموع،
عايزة أعرَّفك إنِّي فهمت جوازنا هيكون صوري علشان الولاد وعارفة إنِّ كلِّ واحد لُه حياتُه الخاصة، صدَّقني عُمري ماهتخطى حدودي معاك..
نهضَ من مكانهِ واتَّجهَ إلى النافذةِ ينظرُ بالخارجِ وأردف:
مش أنا اللي أغضِب ربِّنا يافريدة، ربنا ماأمرشِ بكدا، حقوقِك هتاخديها بالكامل، ربِّنا أعلم بس الظروف اللي بتحتِّم علينا نعمل حاجات خارج إرادتنا، علشان كدا لازم تفهمي حاجة مهمَّة..إنتِ من وقتِ ما كتبت عليكي بقيتي جُزء من حياتي، أولادي ولادِك وبنتِك بنتي يعني هعاملِك بما يُرضي الله، ومش عايزِك تشيلي أمرِ غادة، غادة ماهيَّ إلَّا أيام وأكيد سمعتي كلام الدكاترة، أنا ماحبِّتشِ أزعلَّها في آخرِ أيامها، كلِّ اللي طالبُه منِّك تسامحيني في حقِّك الأيام دي مش هقدر أقرَّب منِّك وأدِّيلك حقوقِك الشرعية ومراتي على فراشِ الموت، غادة مش مُجرَّد زوجة وأم ولادي بس، غادة كلِّ حاجة حلوة في حياة مصطفى..
أومأت لهُ ثمَّ رفعت عينيها تنظرُ لمقلتيه:
حضرتَك شخص مُحترم وأنا سعيدة بوجودَك بحياتي أنا وميرال، بس فيه موضوع مهمّ لازم تعرفُه قبلِ مانبدأ حياتنا مع بعض، أنا حاولت أتكلِّم بس مدام غادة هيَّ اللي رفضِت، خافِت من ردِّة فعلَك معايا لكن حقيقي مش هقدر أنام جنبَك وأنا مخبيَّة حاجات عنَّك..
كان يستمعُ إليها بتمعُّن ..حتى اتَّجهَ إلى الأريكةِ وجلسَ يشيرُ إليها بالجلوس:
سامعِك، شكلِ الموضوع مش مقبول اللي يخلِّي غادة تخبِّيه..
فركت كفَّيها وانسابت عبراتها تتمتمُ بتقطُّع:
ميرال مش بنتي ..توسَّعت عينيهِ بذهولٍ حتى انتفضَ من مكانِه:
يعني إيه مش بنتِك..ارتفعت شهقاتها تقصُّ لهُ معاناتها مع راجح..
شعرَ بانسحابِ الأرضِ من تحتِ أقدامِه، ليهوى على الأريكةِ بدخولِ إلياس:
بابي ..بابي ..مامي عايزاك، قالتلي أناديك..
اطلع برَّة دلوقتي ياإلياس، شوية وجاي ..
أومأَ الصغيرُ وتحرَّكَ للخارجِ بعدما استمعَ إلى بكاءِ فريدة، أغلقَ البابَ خلفهِ فاستمعَ إلى صرخاتِ والدهِ بالداخل:
بقى إنتِ تضحكي على مصطفى السيوفي وتخلِّيه يزوَّر، إنتِ إيه ياشخية حيَّة، إزاي ورا وشِّك البريئ دا شيطان، تخطفي البنتِ وتنسبيها لجوزِك الميت..أنا أنسب بنت لراجل تاني قالها وهو يدفعُ المقعدَ بقدمه..
تحرَّكَ إلياس متراجعًا عن البابِ بعدما استمعَ إلى الحوار:
ماما فريدة كذابة، استمعَ إلى صوتِ ميرال خلفِه:
إلياسو تعالَ إلعب معايا..قالتها الطفلةُ وهي تحملُ ألعابها ..هزَّ رأسهِ قائلًا:
روحي لأنطي هدى ياميرو، مامي تعبانة هستنى بابي لحدِّ ما يجي يشوفها..
أوووف أنا مبحبِّش ألعب لوحدي..قالتها وتحرَّكت ..استمعَ إلى بكاءِ فريدة بالداخل:
كنت عايزني أعمل إيه، لازم أحرق قلبُه زي ماحرق قلبي، واللهِ لأدَّمرُه هوَّ ومراتُه..
اخرسي بقى إنتِ إيه مصدَّقة نفسِك، إنتِ دلوقتي مراتي تفتكري هرضى إنِّك تروحي لراجل واطي زي دا، صدمتيني يافريدة، وليه جايَّة تقولي دلوقتي ليه ماقولتيش قبلِ الجواز، كنتي عايزة تضمني جوازي منِّك؟..أطبقَ على ذراعها يهزُّها كالمجنون..
رُدِّي عليَّا إنتِ اللي ضغطي على غادة علشان تخلِّيها تضغط عليَّا وأقبل أتجوِّزِك، مراتي بتموت ياهانم وإنتِ اشتغلتي بدورِ الحنيَّة والخوف على الولاد صح..
هزَّت رأسها بالنفي..هرولَ الطفلُ إلى والدتهِ يقصُّ لها
مامي مامي شوفتي طنط فريدة طلعت كذَّابة ووحشة..كانت تلفظُ أنفاسها الأخيرةَ تهمسُ باسمِ زوجها مرَّةً وباسمِ فريدة مرَّة..مسحَ عرقها وهو لا يدري ماذا يصيبُها:
مامي مالِك، ليه عرقتي كدا..وضعَ أذنهِ بجانبِ فمِها ليستمعَ إلى كلماتَها المتقطِّعة:
مصطفى إسلام، غادة..مصطفى، بكى الطفلُ على حالةِ والدتهِ ..ظل لبعض الوقت فتحرَّكَ سريعًا إلى والدهِ بعد تأخره دفعَ الباب:
بابا ماما عايزاك دلوقتي حالًا..
إنتَ إزاي تُدخل بالطريقةِ دي ياحيوان اطلَع برَّة حالًا..
اتَّجهَ بنظرهِ إلى فريدة التي يضمُّها والدهِ إلى أحضانهِ لتنسابَ دموعهِ رغمًا عنه..نهضَ مصطفى بعدما وجدَ دموعهِ واقتربَ منه:
حبيبي متزعلشِ منِّي، تعالَ معايا..أمسكت ذراعهِ تجذُبه:
مصطفى ..قالتها ببكاءٍ تنظرُ إلى وجههِ المتجهِّمَ حتى ترى هل سامحها أم لا..
استدارَ يحتضنُ وجهها يُزيلُ دموعَها:
خلاص نكمِّل كلامنا بعدين..هزَّت رأسها رافضةً وأكملت بشهقات:
لازم تسمعني..اتَّجهَ إلى ابنهِ يداعبُ خصلاتِه:
أنا جاي حبيبي..هقول لماما فريدة حاجة وجاي.
خرجَ بذيولِ الخيبةِ للمرَّةِ الثالثةِ على التوالي، طفلًا لم يتعدَّ الثانيةَ عشرَ من عُمره، توقَّفَ لدى البابِ ينظرُ لوالدهِ الذي ضمَّها يُربتُ على ظهرها:
خلاص بطَّلي عياط، خطا الطفلُ ودموعهِ تفترشُ طريقهِ إلى أن قابلَ مربيتهِ تبكي وهي تحملُ أختهِ الرضيعةِ التي لم تتعدَّى الشهر ..توقَّفت أمامِه:
باباك فين ياإلياس...قالتها بدموعٍ كالشلال، نظرَ إلى أختهِ التي ارتفعَ بكاؤها وكأنَّها شعرت بوفاةِ والدتها..رفعَ ذراعيهِ إليها:
هاتيها أخُدها لمامي هتفرَح بيها، قطعَ حديثهِ صوتُ الخادمةِ وهي تبكي وتردِّدُ اسمَ غادة، تحرَّكَ سريعًا إلى أن دفعَ بابَ والدتهِ وهو يرى الخادمةُ تحتضنُها وتبكي، فكانت جميلةُ الخُلقِ وحسنةَ المعاملة، الجميعُ يعشقُها لمعاملتِها ..هرولَ يبكي ويدفعُ الخادمة:
ماما حبيبتي فوقي بابا جي، ماما فوقي ..انحنى بجسدهِ يدفنُ نفسهِ بأحضانها يبكي بشهقات:
ماما فوقي بابا جي يسمعِك..دلفَ مصطفى على بكاءِ إلياس..توقَّفَ شاحبًا وكأنَّ روحهِ هي التي خرجت لبارئِها يهمسُ باسمها مذهولًا، هل زوجتهِ توفَّاها الله، هل لم يعدْ يراها..تحرَّكَ بجسدٍ منتفضٍ وقلبًا هزمهُ الألمَ والحزن..
إلياس ..رفعَ الصغيرُ رأسهِ يطالعهُ بدموعهِ ثمَّ اتَّجهَ بنظرهِ إلى فريدة المتوقِّفةِ على بابِ الغرفةِ تبكي بصمت..
نفضَ ذراعهِ من كفِّ والدهِ وابتعدَ عنهُ مهرولًا للخارجِ وهو يصرُخ:
أنا عايز ماما، أنطي هدى اتِّصلي بالدكتور، ماما عايزة الدكتور..
خرجَ من شرودهِ ووجههِ اختفى خلفَ شلَّالِ دموعهِ ينظرُ إلى فريدة:
مكنتُش عايزة غير بابا لحظات بس، بس إنتِ استكترتي عليها اللحظات دي، رغم إنَّها السبب في إنِّك مرات مصطفى السيوفي.. انحنى بجسدهِ رغمَ تألُمه:
رغم اللي عملتيه كنت بحُطِّلِك أعذار، لحدِّ ماعرفت حقيقتِك السُّودة، واحدة هربِت من جوزها وبعتتلُه ناس يضربوه علشان يطلَّقها بعد ماكشف خيانتها وياريت توقف على كدا، دا إنتِ بعتي ولادِك علشان اللي يدفع للمدام أكتر، لازم حياة الرفاهية ماحترمتيش جوزِك اللي مات ولعبتي على أخوه لحدِّ مااتجوزِّك على مراتُه، المدام تسكُت.. لا، تحسَّرُه بعد ماتخلِّف منُّه،ماهو شبهها اشتغل في الممنوع،تصدَّقي كان لايق عليكي،هل هروبِك بميرال علشان لو ملقتيش راجل لُقطة تضغطي عليه ببنتُه، بس اللي مش قادر أفهمُه لحدِّ دلوقتي ليه راجح بعد ماوصلِّك ماطلبشِ يشوف بنتُه وليه مراتُه بتراقب ميرال ومخبية عن جوزها..
نهضت من مكانِها تجرُّ قدميها بصعوبةٍ بعدما حطَّمَ قلبها باتهاماتهِ الشنعاء،
تفاجأ بضعفِ حركتها وجسدها الذي ارتجفَ مردِّدَةً بتقطُع:
أنا مظلومة والله يابني مظلومة.. قالتها حتى هوت على الأرضيةِ بجسدٍ شاحبٍ كشحوبِ الموتى..
تجمَّدت الدماء، وانحبست أنفاسِه، ليرتجفَ جسدهِ بعدما ازرقَّت شفتيها، هرولَ يجثو أمامها مردِّدًا:
ماما فريدة.. قالها بدلوفِ مصطفى إليهما بعد غيابها... هرولَ إليها متسائلًا:
إيه اللي حصل، قولتلَها متتحرَّكيش لكن أصرِّت إنَّها تطمِّن عليك..
أطبقَ على جفنيهِ متذكِّرًا قساوةِ حديثهِ إليها..
باليومِ التالي.. وخاصةً بغرفتهِ فتحت غادة الباب:
شوف مين اللي جِه عندنا يشوفَك، دلفت رؤى برأسِها:
ممكن أدخل ياسيادةِ الظابطِ العظيم؟..
أطلقَ ضحكةً رنَّانةً يشيرُ إليها:
تعالي ياأمِّ لسانين.. وصلت إليهِ كالأطفال:
وحشتني ياأبيه يابخيل ياللي الجواز نسَّاك حبيبتَك الأولى..
صفعها بخفَّةٍ على مؤخرةِ رأسها:
بطَّلي غلبة يابت وقوليلي إيه اللي فكَّرِك بيَّا.. احتضنت كفِّه:
كدا تتعّب من غير ماأعرف، دا وعدَك ليَّا..
ضمَّ رأسها وقُبلةً مطوَّلةً فوقَ حجابها:
آسف عارف انشغلت عليكي. دلفت ميرال تنظرُ إليهما بصمتٍ ثمَّ وضعت طعامِه:
عملتلَك شوربة خضار..
زوى مابين جبينه:
ليه هو أنا مريض، شيلي الأكلِ دا.
مفيش غيرُه قالتها وهي ترمقهُ بنظراتٍ نارية، رفعت رؤى طبقَ الشوربة:
طيب دوقُه الأوَّل..إيه رأيَك أكلِّك زي زمان..
عقدت ميرال ذراعيها وأردفت متهكِّمة:
أه ياريت ياسي رميو خلِّيها تأكلَّك زي زمان..
توقَّفت معتذرة:
مش قصدي والله ياميرال، خُدي الطبق وأكِّليه..
أرسلتهُ بعينانٍ تلتهبُ بنيرانِ الغيرةِ ثمَّ أردفت بخفوت:
مفيش داعي البيه صحتُه حديد وعندُه إيد ماشاءالله يعرَف يأكِّل نفسُه كويس..
جذبَ كفَّ رؤى وأجلسها بجواره:
أنا متعوِّد على إيد رؤى.. شوفي وراكي ايه أه المحامي أكِّدي ميعادُه..
نظراتٍ موجعةٍ كادت أن تهزمها لتسحبَ نفسها متحرِّكةً للخارج..
وضعت رؤى الطبق:
مش لاقي إلَّا ميرال وتوقّّعني معاها دي لو طايلة تموِّتني من زمان كانت عملتها، بتغير عليك بجنون ياعم..
ارتسمت ابتسامةٌ ساخرةٌ على ملامحه:
تموتي وتعرفي إيه اللي حصل صح؟..
أومأت تضحكُ ثمَّ تساءلت:
أنتو زعلانيين.. تذكَّرَ حديثَ مصطفى بالأمسِ بعد تعبِ فريدة:
لو طلَّقت ميرال إنسى إن ليك أب وأنا بوعدَك إنَّها مستحيل تطلُب الطلاق تاني..
بس أنا مش عايزها..
مش بكيفَك يابنِ مصطفى، عايز تفضح أبوك روح طلَّقها وانساني..
فاقَ من شروده؛
شوفت سيف عمل إيه؟..
ضيَّقَ عينيهِ متسائلًا:
عمل إيه؟!
حظر رقمي.. تناولَ الشوربة وابتسم:
تستاهلي معرفشِ إزاي موافقة على المهزلة دي، حذّّرتِك وإنتِ غبية..
طالعتهُ وهو يتناولُ الشوربة:
متقولشِ كدا قلوبنا مش بإيدينا.. توقَّفَ مرَّةً واحدة:
رؤى تتجوزيني.. قهقهت بصوتٍ مرتفع:
أيوة ومالُه ياحبيبي، عايز الفرح بعدِ كام ساعة؟..
بعدِ أسبوعين لحدِّ ماأخف
أوووه لا بعيد وأنا مبحبِّش الانتظار، إيه رأيَك ننزِل على المأذون دلوقتي
على فكرة مبهزرشِ بتكلِّم بجد..
إزاي يعني ياإلياس عايز تتجوِّزني بجد؟..
وأنا عُمري هزَّرت؟..
الحقيقة لا.. طالعها بغموضٍ وتابعَ حديثِه:
طيب إيه رأيِك؟..
رأيي في إيه... توافقي تتجوزيني
عايزني أتجوِّز واحد متجوِّز!..
التوت شفتيهِ يرمُقها:
على أساس البنتِ بتحبِّ واحد مش خاطِب..نهضت من مكانِها ومازالت الصدمةُ تصفعُها حتى توقَّفت الكلماتُ على أعتابِ شفتيها لترفعَ عينيها إليه:
بس بينا قصة حب..
من إمتى.. مش دا اللي رماكي وراح خطب وطردِك من المحاضرة..
إلياس أنا متأكِّدة إنِّ سيف بيحبِّني..
أشعلَ سيجارة
بتكدبي على نفسِك.. أشارت على نفسها تتحدَّثُ بضياع:
عايز تتجوِّز واحدة تربية ملجأ بتعطِف عليها ليه، وإنتَ لسة متجوِّز من كام شهر بس.
ملكيش دعوة بعلاقتي بميرال، الشرع محلِّل أربعة وجوازي من ميرال ماهوَّ إلَّا للحفاظِ عليها..ليه بعدين أقولِّك بس اللي عايز تتأكدي منُّه يُعتبر جوازنا صوري تقدري تقولي بالمعنى الأصح جواز مصلحة..
مصلحة!! زفرَ باختناق:
وبعدين بقى اسمعيني أنا مش هغصبِك على حاجة، فكَّري ورُدي عليَّا..
إنتَ بتتكلِّم جد!.
نفثَ سيجارتهِ ينظرُ لمقلتيها:
جد جدًا جدًا.. ومتنسيش ياصُغيرَة إن إلياس الحبِّ الأوَّل ولَّا يكون الدكتور سيف مسحني من حياتِك..
نظرت إليهِ بتوهانٍ فلقد ألقاها بغيباتِ الجُّب..
مرَّ أسبوعينِ إلى أن جاءَ ماحطَّمَ القلوبَ التي لن تغفرَ لمن أحرقها..
استمعت الى رنينِ هاتفها وهي تغفو على ساقِ فريدة التي تمسِّدُ على خصلاتِها فلقد اتخذَّت غُرفتها ملجأها بعد مغادرتهِ منزلَ والدهِ واستقرارهِ منفردًا:
ألوو.. قالتها بنبرةِ متألِّمة..
العربية تحت إنزلي وتعاليلي هبَّت من مكانِها:
إنتَ تعبان.. كان يقفُ أمامَ صورتها ليتابعَ حديثهِ معها:
لا.. أنا كويس بس وحشتيني وعايز أشوفِك فيه موضوع لازم نتكلِّم فيه.،
تمام.. قالتها ونهضت من فوقِ فراشها
تقبِّلُ والدتها..هروح لإلياس
رسمت ابتسامةً تومئُ لها ثمَّ تمتمت:
خلِّي بالِك من نفسِك.
بعدَ فترةِ قُبيلَ المغربِ دلفت إلى المنزلِ المزيَّنِ بطريقةٍ هادئة.. من يراهُ يظنُّهُ احتفالًا لأحدِ العشَّاق.. دلفت للداخلِ قابلتها الخادمة:
البيه مستنيكي فوق.. صعدت اليهِ وقلبها كطبولِ حربٍ وجسدها الذي يرتعشُ من حلوِ الِّلقاءِ فمنذُ أسبوعينِ تتعذَّبُ بلهيبِ الشوق.. طرقت الخادمةُ البابَ لتشيرَ إليها بالدخولِ اليه.. وجدتهُ واقفًا أمامَ النافذةِ ينظرُ للخارج.. اقتربت تهمسُ اسمِه.. استدارَ بهدوئهِ الذي جعلها كفراشةٍ تريدُ أن تطيرَ بأجنحتِها الناعمةِ لتصلَ لأحضانه.. فتحَ ذراعيهِ إليها، لتهرولَ تُلقي نفسها بأحضانهِ، همسَ بنبرتهِ الرخيمة:
وحشتيني.. رفعت رأسها تحاوطُ عنقهِ تسبحُ ببحرِ عينيهِ لتستشفَّ كذبهِ مرَّرَ أناملهِ على وجنتيها الناعمةِ لتسري قشعريرةً لكلٍّ منهما..
عايزة تطلَّقي، أنا معاكي في القرار اللي إنت..توقَّفَ عن الحديثِ عندما وضعت أناملها على شفتيه، ودنت تبعثرُ شهدَ عشقها بجانبِ شفتيهِ تهمسُ له:
مش عايزة غير حُضنَك وبس، إنسى أي حاجة قولتها في وقتِ غضبي منَّك، واعذرني مكنتُش أعرف إنَّك بتحبِّني أوي كدا..
وياترى شوية الحبرِ اللي قرأتيهم همَّا الِّلي عرَّفوكي بحبُّي؟..
رفعت أكتافها بعجزٍ عن الرَّد..ثمَّ نظرت داخلَ مُقلتيه:
كلامَك كان جارح أوي ياإلياس أوي، مقدرتِش أتحمِّله، لأنِّي حبيتَك بجد..
دا كلُّه ومحستيش بحبُّي، بعد اللحظات اللي عشناها مع بعض ماعرفتيش أدِّ إيه بحبِّك..
بتحبِّني ياااه أخيرًا قولتها..كُنت فقدت الأمل..
احترقَ داخلهِ من تأثيرها القوي.. كيفَ يتحمَّلُ إهدارها لكرامتهِ ورجولتِه، صراعٌ بين العقلِ والقلبِ إلى أن حكمَ القلبُ ليصفعَ العقل، يسحبُها من كفَّيها يفتحُ الخزانة، يشيرُ إلى ثيابها:
بعت جِبت شوية هدوم من بتوعِك، لو وافقتي تكمِّلي حياتِك معايا يبقى إنتِ تروحي تجيبي الباقي، أو تشتري غيرهُم..
أممم يعني بتحاوِل تستفزِّني؟..
أبدًا..قلَّبَ بيديهِ بين الملابسِ إلى أن تذكَّرَ خروجها بذاكَ الفستان..
الذي خرجت به..فستانًا أقلُّ ما يقالُ عنهُ برأيهِ أنَّهُ ماهو إلَّا قميصًا للنوم..
قبضَ عليهِ بكفِّهِ يجذبهُ يريدُ أن يمزقَهُ كلَّما تخيَّلَ أن أحدًا غيرهُ رأى مفاتنها ..تراجعَ خطوةَ ينظرُ إلى مفاتِنها بوقاحةٍ قائلًا:
عايز أشوف الجمال دا بالفستان.،
عايزني ألبس الفستان دا..لا متهزرشِ أكيد إنتَ سُخن..
رسمَ ابتسامةً مقتربًا منها ثمَّ جذبها من خصرِها بقوَّةٍ لتصطدمَ بصدره:
ليه هيَّ المدام مش واخدة بالها إنَّها علشان تعاندني كشفِت جسمها للكلّ..
إلياس..بترَ حديثها وهو يطبقُ على ثغرها بخاصتهِ يمنعها بالتفوُّهِ عندما فقدَ السيطرةَ على غضبِه..لحظاتٍ ربما دقائقَ وهو ينفثُ غضبهِ بها إلى أن اختنقت ليتركَها ويتحرَّكَ للخارج..
اجهزي عملِك مفاجأة هتعجبِك.
بعدَ فترةٍ انتهت من زينتها، توقَّفت أمامَ المرآةِ تنظرُ إلى نفسها، ابتسمت بعدما تورَّدَ وجهها مرَّةً أخرى، لتهمسَ لنفسها:
كنتي مجنونة ياميرال عايزة تبعدي عنُّه، دا أسبوعين موتي واندفنتي فيهُم..ذهبت ببصرِها على قميصهِ الموضوعِ على الفراشِ لترفعهُ وتستنشقَ رائحتهِ باشتياق..وضعتهُ بهدوءٍ وتحرَّكت للخارج..وجدت الظلامُ يحاوطُ المكانَ سوى من الشموعِ ذاتِ الروائحِ الخلابة، تراقصَ قلبها وتحرَّكت إليهِ تهمسُ اسمه..
نهضَ من فوقِ المقعدِ بعدما أطفأ سيجارتهِ واقتربَ متوقِّفًا أمامَ الدرج..كان ينتظرُها كعريسٍ ليلةَ زفافهِ ببذلتهِ السوداءَ وقميصهُ الأبيضَ من يراهُ يظنُّ أنَّهُ عريسٌ ينتظرُ عروسه..
وصلت إليهِ بطلّّتها الخاطفةِ للقلبِ قبل العقل..بسطَ كفَّيهِ إليها لتحتضنَ كفَّيها وتتحرَّكُ على الموسيقى متَّجهةً إلى الطاولةِ التي يُوضعُ عليها المشروبات.
توقَّفَ أمامها يحتضنُ وجهها ثمَّ طبعَ قبلةً مطوَّلةً على جبينها، ثمَّ رفعَ ذقنها بأناملهِ ينظرُ لجمالِ عينيها قائلًا:
من أوَّل ماارتبطنا ونفسي أرقُص معاكي تانجو.
جحظت عيناها بصدمةٍ تشيرُ إلى نفسها:
أرقُص تانجو إزاي معرفش...لحظاتٍ واستمعت إلى الموسيقى وكأنَّهُ أعدَّ نظامًا لحفلتهِ الخاصة، ليسحبَ كفَّيها متحرِّكًا بها قائلًا:
اتحرَّكي زي ماهعمِل، بجد نفسي أرقُص معاكي الرقصة دي، علشان لو جد في الأمور أمور يبقى فيه حاجة تفتكريني بيها..
تحرَّكت مع الموسيقى برشاقةٍ وحركاتِ ساقيهِ التي أبهرتها لتتناسى كلَّ شيئٍ سوى أنَّها بين أحضانه...خطواتٍ مدروسةٍ مع الموسيقى أشعرتها وكأنَّها تلمسُ نجمًا من السماء..
وصلَ لإحدى المقطوعاتِ الموسيقيةِ وهي تقتربُ من وجههِ ولم يفصُل بينهما شيئًا..ليهمسَ بصوتهِ الأجشِّ لأوَّلِ مرَّةٍ ليسحبَ أنفاسها:
بحبِّك ياميرال أكتر من أيِّ حاجة في الدنيا...ترقرقت الدموعُ بعيونِها وهي تفردُ ذراعيها لينسابَ كفَّها على وجنتيهِ لتكملةِ الرقصة، ليسحبها إلى أحضانهِ متراجعًا للخلفِ وعينيها تعانقُ عيناه:
بتحبِّني؟..
أكيد وكان لازم تعرفي إنِّ الحب مش مجرَّد كلمات ...قالها وهو يحملُها يدورُ بها على الموسيقى ثمَّ أنزلها بهدوءٍ ويديهِ تعانقُ خصرها، ليحرِّكها بسرعةٍ يرفعها مرَّةً أخرى ثمَّ ينحني بجسدهِ لتصبحَ بأحضانِه، وعينيها تعانقُ عيناهُ متمتمة:
ميرال بتعشَقك ياإلياس..اعتدلَ يضمُّها إلى صدرهِ مع انتهاءِ الرقصةِ يهمسُ لها:
فاكرة قولتلِك إيه عن بُعدنا..
تراجعت تنظرُ إليهِ تهزُّ رأسها بالموافقة:
مش هتبعد عنِّي إلَّا إذا أنا بعدت..
عانقَ أناملِها بأناملهِ وتحرَّكَ إلى الطاولة، يشيرُ للخادمة، هاتي حاجة للمدام تلبسَها علشان عندنا ضيوف
طالعتهُ باستفهام:
ضيوف..وصلت الخادمةُ بوشاحٍ يغطِّي جسدها بالكاملِ وهو ينظرُ للخادمةِ للتحرُّكِ للخارجِ بدخولِ المأذونِ بجوارِ إسلام ورؤى.
طالعتهُ باندهاشٍ وهتفت:
مأذون ليه...استدارَ وتوقَّفَ أمامها:
وأنا عند وعدي..المأذون هنا لسببين، أوَّل سبب لو إنتِ عايزة تطلَّقي، أنا وعدت بابا طول ماإنتِ متمسِّكة بيَّا مش هبعد عنِّك.
بس أنا مش عايزة أطلَّق أنا اعتذرتلِك..دلفت رؤى وتوقَّفت بجوارهِ بفستانِها الأبيض..تجمَّعت الدموعُ رغمًا عنها تتساءلُ بقلبٍ مفطور:
هوَّ فيه إيه، ممكن تعرَّفني ...اقتربَ منها وحاوطَ خصرها منحنيًا لمستواها:
هتجوِّز ياميرال ، علشان أمسح آثارك من عليَّا، أصلها وجعاني أوي..
صمتًا مميتًا بالمكانِ سوى حبسِ الأنفاسِ ِوهي تنظر لعيناه وعيناها تفيض من الألمِ مايغطِّي الكون، وآه حارقة بخفوتٍ انبثقت من بين شفتيها تمنَّت من اللهِ أن تلفظَ أنفاسها لبارئها، وهو يتراجعُ يشيرُ على الطاولةِ المعدَّةِ لعقدِ القران ..مازالت متوقَّفة تنظرُ إلى جلوسِهم..عيناها عليهِ فقط، نظراتٌ ماهي سوى نظرات ولكن ليتها كانت رصاصاتٍ لتخلَّصت منهُ للأبد.