رواية لم تكن خطيئتي الفصل التاسع9 بقلم سهام صادق


 رواية لم تكن خطيئتي الفصل التاسع بقلم سهام صادق


الصدمه كانت مرتسمة فوق ملامحها لا تُصدق انه أتي لعرض الزواج عليها... لم تشعر بأغلاق خالها لباب الشقة بعدما ودع شهاب يُخبره ان ينتظر رداً منه خلال أيام

 - عروستنا سرحانه ف ايه

رفعت عيناها نحوه تستنكر تلك العباره... فأي عروسً يتحدث عنها خالها

-  عروسه ايه ياخالي... الراجل شكله عايز يتجوزني عشان ابن اخوه ميروحش في داهيه 

 - لا عروسه ياقدر... والراجل طلب ايدك وانا مبدئياً موافق ديه فرصه ياعبيطه متتعوضش

 - فرصه !

تنهد منير وهو يجلس جوارها

- ايوه فرصه... راجل مقتدر ودوغري ودخل البيت من بابه ويعتبر من العيله.. وانتي جميله والف واحد يتمناكي

 - ياخالي انت مش فاهم حاجه

نهضت من جواره تجلب كأس الماء الموضوع فوق الطاوله ترتشف منه القليل

فأتجها منير نحوها يربت فوق كتفيها 

 - فكري ياقدر كويس في طلبه.. واه تحمي نفسك من شر ابن اخوه

****************************************

شرد في أفكاره وماهو مقبل عليه.. لا يعرف أكان قرار صائب ام خطأً سيندم عليه فيما بعد... لا ينكر انها جميله وهادئه وانه لم يخطط لهذا الطلب فقد خانه عقله قبل لسانه ليندفع يطلب يدها دون تخطيط.. 

زفر أنفاسه وهو يشعر بالتخبط فعودة شيرين لمحيطه جعله يتخذ قرار الزواج ثانية وكأنه يهرب من لحظة احتمال رجوعهما...

 تشتت وضياع كان يغمره فمسح فوق وجهه ينتبه لصوت سائقه 

-  تليفونك يابيه بيرن بقاله فتره 

اطلق تنهيده قويه من اعماقه وهو يخرج هاتفه من جيب سترته ينظر لرقم المتصل 

 - ايوه يا أدهم... كتب كتاب مين انت بتقول ايه 

********************************************

كل شئ صار كما تم ترتيبه.. زيجة رغم ان لا مفر منها لباقي العمر الا انها أعطته جميع الصلاحيات ولكن هي لم يكن الا خلاصاً وحمايه لها.. وأدت أحلامها في طي النسيان فلم يبقى لها إلا حلم استكمال دراستها 

اقترب منها بملامح لا يظهر بها شئ

 - مبروك 

قبضت فوق قماش فستانها تخفض عيناها نحو كفوفها المضمومه 

 - أنتي اكيد فاهمه وعرفه سبب جوازنا

اماءت برأسها دون النظر اليه ليتنهد أدهم بسأم من صمتها 

-  بكره هنسافر القاهره... وتعليمك وهتكمليه وكده اكون عملت المطلوب مني 

القي بكلماته وكأنه يحفظهم بترتيب لينصرف بعدها يتركها في دوامة أفكارها 

***************************************

تفاجئ الحج محمود مما يخبره به شقيقه.. غير مصدقاً انه سيتزوج والاغرب كان بالنسبة له العروس

-  عاصم السبب مش كده ياخوي 

اقترب شهاب من مكان جلوسه يجلس جواره 

 - عاصم السبب اني اشوفها لكن اتجوزها اكيد لاء 

تبدلت ملامح الحج محمود وهو يستمع لجواب شقيقه الذي استحسنه يدب بعصاه فوق ارضيه الغرفه 

-  اظاهر ان عيلة الدكتور نسبنا منهم بيكبر... على بركة الله

*************************************

كان يعرف تماماً أين سيجده ولم يخيب حسه.. طالعه وهو يقف شارداً يداعب فرسه.. اقترب منه يربت فوق كتفه يزفر أنفاسه 

 - انا عارف انك سمعتنا 

رمقة عاصم بنظرات ساخره وعاد يداعب فرسه

-  هتتجوزها عشان تحميها مني.. اول مره تعمل خطوه مش مدروسه ياشهاب بيه انا كده كده كنت بدأت ازهق 

وتجمدت ملامحه وهو ينظر للمساحه الواسعه من الأراضي التي أمامه وملك للعائلة

 - لتاني مره بتكسروني قدام الدكتور... هيفضل العار ديما قدام عيني وشايفه في نظراته 

-  قولتلك ان عمر ميعرفش حاجه ياعاصم 

-  قولتلك كان عارف... ليه مش مصدق.. كان خايف مني هددته بكل حاجه ممكن يخاف عليها.. لكن في الآخر انتوا عملتوا ايه كسرتوني 

واشتعلت عيناه غصباً وهو ينظر اليه 

 - انت بالذات كسرتني لأنك عارف.. عارف انا ليه بعمل كده... مفيش مبرر قدمهم غير اني قاسي.. بس القاسي ده عاره كل يوم بيشوفه قدام عينه 

 - عاصم انا... 

دفعه بقوة لم يقصدها مما جعل شهاب ينبطح أرضاً

 - الدكتور كان عارف ان مراتي في حضن صحبه.. مراتي اللي مكنتش لقيه معايا احساس بالكمال... مراتي اللي شوفتها في حضنه عريانه... بنت اخوك اللي ربيتها وعلمتها في مدارس اجنبيه ياشهاب بيه.. بنت اخوك اللي استكبرت عليا ازاي خديجه هانم تتجوز عاصم اللي اخد الدبلوم بالعافيه وأيده خشنه من الأرض وعقله عقل الجاموس 

انهار دون اراده منه يجثي بركبتيه بجوار شهاب الذي سقطت دموعه رغماً عنه...

 كان يعلم تماماً ان عاصم يخبئ الكثيرعن علاقته بخديجه حتى أنه ترك للجميع رؤيته بأنه الزوج الذي اطفئ زهرة شباب زوجته فاراحها الموت من زوجها القاسي

 - كنت شايفها انها زهره عمري... الهديه اللي ادتوهاني ... لبست البدله وكرهت جهلي عشان اعجبها 

وضحك ساخراً وهو يتذكر كيف كان يقف امام المرآة لساعات حتي يُنسق الوان ملابسه ويُغير تسريحة شعره من أجلها 

-  قدامكم كنت عاصم القاسي اللي بيداري ناقصه ... ما انا هكون ايه وسطكم... مفلحتش في التعليم قولتوا هو ده اللي هيناسب الأرض ويفضل هنا يراعي مصالحنا 

 - كفايه ياعاصم... خديجه والدكتور ماتوا وانت اخدت حقك... عايز ايه تاني شرفك وأخدته ومحدش عارف خديجه ماتت ازاي ولا اهل الدكتور 

التمعت عيناه لينفجر بعدها ضاحكاً بقوه 

 - الدكتور عارف... عمر عارف اني اقتلتهم مش قولتلك انت السبب 

اغمض شهاب عيناه فلم يشك للحظه ان عمر يعرف بشئ... ولكن من ماذا سيخافون فالقضيه كانت قضية شرف وانتهى أمرها بالستر دون فضيحه...

-  عمر لو كان عايز يفضحك كان فضحك من زمان وبدل ما انت كنت بتهدده وبتدوس عليه فضل ساكت ومفهم الكل ان سبب عدائكم رفضك للنسب وابن عمها طالب ايدها من زمان 

نهض شهاب من رقدته ينفض ثيابه وعيناه عالقه بنظراته الساهمه وانفاسه المتسارعة 

 - فكر ياعاصم بهدوء... انت اللي بتخلق عداوة وبتنبش في الماضي لا أدهم ولا أبوك هيتحملوا يعرفوا الحقيقه ولو كنت انا اتحملتها فكل ده عشانك وعشان ذكراها وسيرتها تفضل طول العمر طيبه  

واردف بحسرة وهي يتذكر كيف كانت غالية على قلبه 

 - اللي ماتت كانت بنت اخويا قبل ما تكون مراتك... انا سلمتها ليك ورده مفتحه كلها حياه لكن انت بقسوتك خليتها تدور على حد تلاقي معاه الحنان

وانصرف بعد كلماته الاخيره يلتقط أنفاسه بصعوبه لا يقوي على السير

وبعزم قوته طرق عاصم فوق التراب يصرخ من قهره ..وقف شهاب يغمض عيناه بقوه يتمنى لو لم يعش كل منهما هذا الآلم 

ففاجعة موت طفله جاءت بعد أشهر من موت خديجة ليشعر بالتحطم وهاهي الذكرى السابعه تقترب ولم يتركه الماضي للحظه يهنأ

***************************************

ارتجف جسدها وهي تسمع صراخه على زوجته ليغلق باب غرفته بعنف متجهاً لخارج المنزل... توارت بجسدها خلف الجدار تحمل كأس الماء تغمض عينيها بقوه 

ولكن عندما تحركت من مكانها وجدته قد عاد مجدداً لتتقابل عيناهم يسألها بخشونه وهو يتحاشا النظر إليها 

 - صاحيه ليه لحد دلوقتي 

تمسكت بكأس الماء تبتلع لعابها 

 - انا همشي خلاص من هنا وهريحك من شوفتي 

تنهد حامد بغضب يبعد انظاره عنها يخشى النظر إليها فيري فيروز في عينيها

 - هيكون احسن لينا كلنا... وجودك من البدايه مكنش مرحب بي يابنت فيروز 

 - انا بنت إبراهيم العزيزي مش بنت فيروز مش بنت الرقاصه 

صرخت دون اراده فقد سأمت من هذا النداء ومن كرهه.. احتدت نظرات حامد وهو يرمقها

 - محدش اتظلم في الحكايه غيري انا... اتربيت يتيمة وانا ليا اب

واردفت بحسره ..فالسنوات عاشت تري نفسها انها ابنة راقصه والراقصه لا تنجب الا راقصه 

-  الكل بقى شايفني اني هكون زيها... شيلتوني ذنب معملتهوش..

واغمضت عينيها تتذكر عبارات زوج خالتها الجارحه 

 - رمتني لخالتي عشان مقفش قدام مستقبلها... مفتكرتنيش غير قبل ما تموت زي ما هو برضوه افتكرني في مرضه 

اهتزت شفتي حامد يلجم لسانه حتى لا يعترف لها بالحقيقه  فهو لا يكرهها انما يكره فيرو ولكن كبرياءه وقسوه قلبه اغلقت كل شئ.. ليعطيها ظهره راحلاً من أمامها 

******************************************

التقط منير منها الهاتف وقد ملّ من شرحها لشقيقها سبب طلاقها 

-  مش وقت شرح ولوم اللي حصل حصل وانا هنا موجود معاها 

هدأت ثورة عمر اخيراً وداخله شعور قوي بالندم من اهماله لها واتصالاته التي تأتي كل فترات بعيدة 

 - اسمعني كويس ياعمر 

اتسعت عينيها خوفاً مما هو قدم...ونظرت له برجاء وهي تهمس 

 - اوعي تقوله حاجه ياخالي 

تعلقت نظرات منير بها ورغم تصميمه من قبل لابلاغه عما فعله عاصم معها وتهديده لها إلا أنه تراجع بعد عرض الزواج الذي قدمه شهاب وقد نال الرجل استحسانه 

 - عم مراتك طلب ايدها للجواز... ايوه شهاب بيه متفاجئ ليه 

-  عرفنا ازاي... الراجل ياسيدي جيه يسأل عننا فشافها وعجبته.. مش بينا قرابه ولا ايه 

واردف منير وقد ضاق صدره من كثر تساؤلاته

 - اختك مش موافقه على الراجل... فتقنعها لا الا انتوا لا  ولاد اختي ولا اعرفكم 

جحظت عين قدر وهي تسمع اخر حديث خالها فالأول مره يتهم لأمر شئ يخصهم لتلك الدرجه... القى الهاتف لها بعدما ضجر

-  خدي كلمي اخوكي... الواحد زهق من غباوتكم 

ورحل صافعاً الباب خلفه تحت نظراتها المصدومه

*******************************************

-  معقوله ياعمر... عمي شهاب هيتجوز قدر 

تسألت لبنى وهي تقترب منه وقد أصبحت شديده النحول وارهقها الحمل بشده 

 - مش مستوعب اللي بيحصل... وليه شهاب بيه مبلغنيش 

قطبت حاجبيها لتضرب جبهتها متذكره مشاغلهم بعرس أدهم الذي اتي فجأة

 - اكيد فرح أدهم والمشاغل نسته حاليا... بس انت عارف عمي يعرف الأصول اد ايه 

اماء برأسه زافراً أنفاسه فهو بالفعل يقدر هذا الرجل ويعرف مدى تقديره للاصول 

 - شهاب بيه وقف جانبي كتير وعمري ما هنسي انه هو وادهم كانوا سبب جوازنا وانا مش هلاقي حد احسن منه اسلمه اختي وانا مطمن بعد عملت الحقير كريم 

واشتغل الغضب داخله 

 - انا دلوقتي عرفت ليه مبيردش على اتصالاتي

 - اهدي ياحبيبي ومتزعلش نفسك واهي قدر ربنا عوضها... وعمي شهاب بكره بالكتير وهتلاقي بيكلمك 

ضمها اليه بحب.. ورغم عدم تقبل لبنى البعد عن أهلها الا انها مازالت تخفي مشاعرها وحزنها...لو كان قديما خشي من زواجهم الا انه اليوم أصبح يحمد الله انها أصبحت من نصيبه

******************************************

انتهى العرس الذي استعجب البعض سرعة إتمامه وتوقيته

اقتربت منها لطيفة بعدما حان وقت خروجها من غرفتها وقد انتهت المزينة من تزينها ، ترمقها بشماته تنظر لفستانها الذي تولت هي احضاره وقد احضرته بكل محبه 

 - قمر ياعروسه... بس ياريت تعجبي العريس لأحسن ده مكمل علامه بره ومهندس اد الدنيا

تجنبتها عهد قدر استطاعتها فقد حان وقت الرحيل وانتهاء تلك المحطه بحياتها والله اعلم بحالها وكيف ستكون محطتها الجديده

لطمت لطيفه ذراعها بعدما ضجرت من صمتها

 - مبترديش عليا ليه... كده ازعل منك وانتي كلها فتره وهتشرفينا تاني فأتعدلي كده

قبضت فوق كتفيها تنظر لعينيها المكحله بحقد

 - بنت الرقاصه متنفعش تعيش وسط الاكبار... وبكره البشمهندس يعرف انه ادبس فيكي

ولوت شفتيها وهي تستنكر تلك الزيجة التي لا يعلم خبايها الا الحج محمود وابراهيم 

 - قال عحبتيه من اول نظره... بقى البشمهندس بعد ما كان هيتجوز لبنى بنت العز يتجوزك انتي

 - كفايه بقي

تخلصت من حصارها تدفعها بعيداً عنها لتنظر إليها لطيفة بتهكم

 - اقطع دراعي لو مكنش خطه من الحج ابراهيم... راجل زي القطط بسبع ترواح

وانصرفت بشماته تُحرك جسدها بدلال واسوارها الذهبيه تعزف بسنفونية مُحببة لقلبها

اغمضت عهد عينيها تقاوم ذرف دموعها... فالكل يبيع ويشتري فيها وماعليها الا الصمت وسماع الاهانه... ففي نهايه كما يدعونها ابنة الراقصه وابنة الراقصه لا حق لها

هكذا خاطبت نفسها ليُفتح الباب ويدلف الحج ابراهيم وهو يتكأ على عصاه وحامد بجانبه يسنده

فتح لها ذراعيه 

 - انا عملت كده لمصلحتك يابنتي...ارفعي راسك ديما انتي بنت إبراهيم العزيزي

ارتجف جسد حامد تأثراً بالمشهد ينهر قلبه على ضعفه في تلك اللحظه يخاطب قلبه

" ابنه فيروز ليست من دماءك"

****************************************

انتهى العرس أخيراً الذي بدء في الظهيره لينتهي قبيل المغرب 

ربت الحج محمود فوق كتفي شهاب قبل أن يصعد سيارته ويغادر البلده خلف سياره أدهم التي يقودها سائقه 

 - خد بالك من نفسك وطمني اول ما توصل... انا مش عارف ليه مصمم على السفر ما تريح الليله ديه 

ابتسم شهاب وهو يحتضن شقيقه ويقبل رأسه

- ربنا يخليك لينا ياحج... انت عارف المشاغل وبقالي يومين هنا 

داعبه الحج محمود بمزاح بعدما فتح باب سيارته 

 - ولا شكلك مستعجل على العروسه

تصنع في رسم ابتسامته حتى يظهر لشقيقه انه بالفعل سعيد... ولكن الحقيقه التي كان يعيشها ضياع وتخبط من قراره الذي اتخذه بعجلة دون دراسه كما اعتاد دوماً

 - انا مسافر هولندا اسبوع كده وعلى ما ارجع هبلغك بالميعاد 

 - ماشي ياعريس 

رمقه شهاب بعينيه ممتعضاً فلم يعد ينقصه الا ان يُذاع خبر زيجته بالبلد

 ضحك الحج محمود مودعاً له يتمنى له السلامه 

 - ربنا يسعدك ياخوي واشوف عوضك 

***************************************

رفعت عيناها نحو ارجاء المكان بعدما تخطاها وأشعل الإضاءة من حولها... الشقه كانت شديده الرقي بأثاثها العصري الانيق 

انغلاق الباب وحده ما افاقها من شرودها وانها لم تعد بمدخل الشقه بل أصبحت تقف في البهو الواسع تضم قبضتي يديها نحو فستانها الذي لا يناسبها وتطرق رأسها أرضاً

 - ارفعي راسك  

صوته الحاد جعلها تغمض عينيها ..ليتقدم منها ولم يعد يفصلها عنه الا خطوة واحده 

 - بصيلي ياعهد 

رفعت عيناها نحوه بعدما لانت نبرة صوته تفرك يديها ببعضهما 

 - أنتي اكيد عارفه سببب جوازنا 

اماءت برأسها تتحاشا النظر إليه 

 - اللهم طولك ياروح... ما تردي 

 - ايوه عارفه 

هتفت بخوف ليغمض عيناه متمتماً بنفاذ صبر

 - لم اكلمك تبصيلي... سامعه

الفصل العاشر من هنا

تعليقات



×