رواية آصرة العزايزة الفصل التاسع9 بقلم نهال مصطفى


 رواية آصرة العزايزة الفصل التاسع بقلم نهال مصطفى



يبدو أن الحُب جمد قلب نزار ومنحه القوة الكافية لكي يطلق وصفه الشعري على حبيبته عندما أقر معترفًا  :
"-إن كان كُل إمراة أحببتها صارت هي القانون."

سبغ عليها وصف القانون كناية عن إنه لا يتبع غيرها بعمره هي جهته ووجهته وخارطة دربه  .. أمـا عن هارون ؛ هل سيتبع نهج نزار ويسلك دوربها مُتبعًا قانون قلبه الذي دق بالحب لأول مرة  ، وسيضرب الأعراف بسيف هذا القانون لأجلها !! أم سيضرب ذلك السيف قلبه ويبتر آخر أمانيـه ورجاءه ليحيـا بهذا العشق المحكوم عليه بالموت قبل أن يولد !! 

#نهال_مصطفى 🍒
••••••••••••••••

هُناك ضربـة واحدة تأتيك بربيع عمـرك تجعلك بروح شيخًا بائسًا منتظر الموت وأنت بالصِغر ، تُضيف عشرات السنوات لعمرك العشريني؛ تتورم عينيك كما تورم قلبك وفاض ألمًا ، ينعقد حزنها بتجاعيد عينيها المنكمشة ، و بضبابـة سوداء تحتهما .. يحفر الدمع وديانًا على معالم وجهها المتشققة .. تجلس " نغـم " بساقيها المضمومة لصدرها تاركة جسدها فريسها للحزن .. اليـوم اغتالت كُل أحلامها التي تجمعها مع الرجل الذي لم تكتب إلا اسمه بدفترها وحروف اسمه المتفرقة التي كانت تحفرها على الورق .. 

يدها التي اعتادت أن تنقش حروفه على كُل مكان .. حيث كانت الهاء هدوء روحها عند رؤيته .. والألف الأمان الذي لم تشعر به إلا معه .. والراء رائحة عطره التي تجذبها من ياقة قلبها ولو عن بُعد أميال .. والواو ذلك الوعد الذي أخذته على عينيه أن لا يكون إلا لغيرها .. والنون تلك التي يبدأ بـ اسمها وينتهي باسمه ليكون بدايتها ونهايتها .. كُل الادلة  كانت توحي بإنك لي بأننا خُلقنا لبعضٍ ؛ ماذا حدث ؟! من لعب بعداد الأقدار لتختار واحدة غيري وغير قلبي الذي أحبك !! بربك أخبرني كيف سأتحمل رؤيتك مع إمراة لم تكن أنا .. 

تذكرت تلك السنوات الماضية التي كان يُرافقها فيها للجامعة ، كانت فتاة بأول سنتها الدراسية وكان هو ينهى دراسته العُليا بالجامعة ومُعيدًا بها ، ظلت تتذكر تفاصيل عامين لم يفترقا فيها أبدًا ، كان يُعاملها كأخت له ولكن قلبها المُغرم كان له رؤية ثانيـة .. 

كفكفت عِبراتها بأناملها المرتعشة وأخرجت صورته الصغيرة من دفترها السري ، تلك الصورة التي اختلستها قبل ستة أعوام من ملف تقديمه بالجامعـة .. تأملت ملامحه الشبابيـة بعمر العشرين وهي تُعاتب القدر الذي فرقهما :
-يعني خلاص !! كُل أحلامي معك كانت أحلام وبس !! طب قول لي أعمل ايه في قلبي اللي حَبك يا وِلد خالتي !! دا أنا حتى تربية يدك وعارفة اللي يضايقك قبل اللي يسعدك !! هعيش وأشوفك في الكوشة مع واحدة تانية ! طب ليه حبيتك من اللول وأنتَ مش من نصيبي !!!! أهون عليّ الموت ولا أشوف اليوم ديه يا هارون .. 

•••••••••••

حل الليـل وعّم الهدوء على أرجاء البلدة رغـم صخب قلوبهـا .. تجلس رُقيـة مع أمها أمام التلفاز في ساعة صفـا يتناولون بعض المقرمشات التي أحضرتها معها من أسيوط فلاحظت الأم شرود ابنتها وصمتها الطويـل وعلى ملامحها انكماشة غضب .. فتدخلت صفاء متسائلة بفضول :

-ايه اللي شاغل بالك يا بت بطني .. ؟!

توقفت حبة الفول السوداني على ثغرها المزموم وطالعت أمها متحيرة :

-ولا حاچة ياما ، بس بفكِر في وِلد خليفة العزايزي ، أنتِ عارفة هيثم مش إكده !

أشادت صفاء بشهامة هيثم :
-طبعًا ؛ وهو فيه فـ مرجلة وجدعنة هيثم ، مش بيعدي أسبوع غير لما يفوت عليّ ويشوفني عاوزة حاچة ولا لا .. 

ثم أكملت مدح بأولاد الخليفة :
-شهادة لله أحلام وصفية مربيين أربع رچالة كيف الورد .. يا ريت كل العزايزة زيهم .

اعتدلت رقية في جلستها لتبدأ بفتح الحوار مع أمهـا :
-تعرفي هِلال !! أنا أول مرة شوفته الصبح .

ضاقت عيني صفاء باستنكار :
-معرفش غير هيثم و هارون ، هما اللي على طول في البلد وأخوهم الظابط ديه مش عيجي من أصلو ؛و هِلال ديه أمام الجامع بستنى خُطبته من الچِمعـة للچِمعة … 

أرجعت خصلة ناعمة من شعرها وراء أذنها وهي تقول بإنزعاج منه :
-شخص غريب قوي يا ماا ، تصوري مكنش راضي يركبني عَربيته عشان مبخرها !!والله في حاچة في عقله . 

ثم ختمت جُملتهـا بضحكة ساخرة وأكملت :
-وطول الطريق هو وهاجر ناقر ونقير .. كله حرام وغلط وممنوع ؛ هو مين فهمه أن الدين بالعسر ديه !! حقيقي الله يعينه على راسه الجابسة دي … 

لم توافقها صفاء الرأي :
-بس الحق هو مُحترم ، ومحدش قال في حقـه كلمة ، هيثم أخوه مجلع هبابة ؛ لكن الباقيين محدش بيقول عليهم كلمة مش زينـة يابتي .. 

ثم غمغمت بحسـرة :
-لولا الملامة كان نفسي ربنا يرزقك بواحد منيهم ، بس أنتِ خابرة أكمنك وحيـدة اتكتب عليكِ قدر تاني .

حكمت رُقية رأيها:
-وانا مش هتجوز بكر ياما ؛ شالله أفضل چارك بايرة ولا يجمعني ببكر ديه فرشة واحدة … 

هنـا صدح صوت قدرها المعاكس للهوى ، نادراً ما يأتي مُصاحب للقلب ، صوت طرق عنيف على الباب قطع حديث الأم وابنتهـا ، شدت رُقية الوشاح المُعلق برقبتها وغطت رأسها بفزع :

-مين چايلنـا السـاعة دي ياما !! خير يا رب .. خليكِ ياما هفتح أنا . 

ارتدت نعالها البلاستيكي بسرعة وهرولت نحو الباب لعدم صبر الطارق:
-چايـة ؛ قولت چاية هو مفيش صبر !!

فتحت الباب الخشبي وتوارت من الخلف فظهر عزرائيل قلبها الذي لا يأتي بموعد وهو يغازلها قائلًا :

-شوفتي الدار نور كيف برجعتك ، ما كفياكي علام وأقعدي چار أمك .

تأففت بامتعاض :
-عايز أيه الساعة دي يا بكر !! أنت چاي لاتنين ولايه بعد العشية تعمل أيه ..؟!

تمسك بشاله الصوف المُلقى على كتفيـه وقـال هائمًا:
-چاي أخبر مراة عمي وأقولهـا أنا وأمي چايين بكرة العشية نُطلبـوا القُرب … 

-أنتَ غاوي تهزيق !! يعني متكيفتش الصبح راچع تكمـل قلة قيمة اخر اليوم  .. 

ثم احتدت نظراتها التحذيرية:
-ومن غير يمين يا بكر ؛ لو چبت أمك وچيت لهطردكم قصاد الخلق ولا هيهمني حد .. سامع ؛ وأنتَ خابر رقية بت أبو الفضل لما تهدد عتنفذ .. 

ختمت جُملتها وهي تقفل الباب بوجهه مستغفرة ربها ثم صاحت :
-تلقيح الجتت ده مش هنخلصو منيـه !!!

ركل بكر البـاب بقدمه معنفًا :
-أنت ليّ بالشرع والقانون ومحدش هيقدر يأخدك مني .. سامعة يا رقية بالذوق بالعافية مش هتچوز غيرك ويا أنا يا أنتي .. وبكرة چايين ووريني هترفضيني كييف … 

صرخت له وهي ترتمي بحزن بحضن أمها :
-موتي أهون يا بكر …

••••••••••••

~ببيت خليـفة العزايـزي .

اجتمعن نسوة البيت كلهن بغُرفة الجهاز الخاصـة بهيـام .. شرعت صفية بفرز ملابسها لترى ما ينقصهـا مع نجـاة التي كانت تساعدها بالأمر ، فرغت من عـد العباءات قائلة :
-٥٥ عباءية يا عمتي !! 

تنهدت صفية بضيقٍ :
-قليـلين يا نجاة يا بتي لو كانت تطاوعني بس وتندلى نشتروا ، أقلها ٦٠ عباية حماتها هتاكل وشنا .. والبشاكير طلعوا كام ؟!

-٧٠ بشكير بالتمام والكمال .. والمفارش ٥٠ ،  شوفي الناقص نندلى نجيبوه الصبح ..

زفرت صفية بحنق :
-دي بت صديق داخلة بـ١٠٠ بشكير ، وأنا بتي مش أقل من حد .. اكتبي يا نجاة يابتي عندك ..

تدخلت ليلـة التي تستمع لحوارهم بذهول :
-هي الأعداد دي بجد !! هي هتتجوز ولا هتفتح محل . 

أيدتها هيام :
-قوليلهم ؛ أهو حتى ضيفتنا مش عاجبها الكلام ، ياما زانين كبري مُخك عاد .. 

فتدخلت هاجر بحديثهم ساخرة :
-وتبقى أقل من بت صديق !! لا مرضهاش لاختي .. اكتبي يا نجاة ناقص ٣٠ بشكير الصبح يتجابوا ..

وبختها هيام :
-حتى أنتِ هتعومي على عومهم .. ما تقولي حاچة يا ليـلة .. 

تأرجحت عيني ليلة بدهشة :
-بصراحة مش عارفـة ، أنا ومامي كُنا بنشتري الحاجات ونوديها الشقـة على طول ، يعني على أد مساحة الدولاب والناقص بس .. لكن مش بالأعداد دي ..

ثم أكملت :
-مامي بتقول أن مش لازم نشتري كتير لان الموضة بتتغيـر ولازم نجدد كُل فترة  .

فتدخلت هاچر بفضولها :
-هو أنتِ مخطوبة !! 

انكمش وجهها بامتعاض عندما تذكرت تلك النقطة السوداء بحياتها :
-كُنت ..

ثم اتسعت ابتسامتها بتهيدة الحُرية :
-بس خلاص فركشت الحمد لله ..

شهقت هاجر بفضـول :
-لالا دا أنتِ تحكي لي ، سبتوا بعض ليه !

غمغمت بانشكاح :
-البركة فـ أخوكي .. هو السبب .

تدخلت زينـة في حوارهم لتأخذ الصورة من اهتمامهم المبالغ فيه لليلة وأنها فجأة الكُل يُعاملها كصاحبة مكان ، تمسكت بقطعة من ملابس النوم الخاصة بالعروس وهي تفرزها بغنج :

-سيبك من العِيبي والمفارش يا عمـة ؛ وركزي على الهشتكة والدلع هو ديه اللي بيمشي الجوازة مش البشاكير ..

ثم فتحت قطعة حريرية أخرى باللون الأصفر وأكملت :
-أهي حتة من دي هتدوخة وتوقع الراچل من طوله .. 

ثم نظرت بغل لليلة التي تعاملها بقسوة والغيرة تلتهب بصدرها منها وأتبعت بدلال :

-ده أنا چايبة شوية حاچات لهارون على عجب العين والقلب ، لما يشوفهم عليّ هيتخوت ..

قطعتها صفية مدافعة عن ابنها :
-خوتة لما تخوتك بعد الشر على ولدي ، شالله أنتِ يا بت صالح .. 

عّم ضحك النسوة بالمكـان حتى وبختها أحلام :
-يابت خليكي تقيلـة هبابة ، الرچل ما عيحبش البت الواقعة .. 

-عحبه يا عمتي ، عحبه وريداه ومش عاوزه غير من الدنِيا .. 

وثبت زينة من مكانها باندفاع وهي تضع تلك القطعة على جسدها وتتدلل أمامهم على أطراف أقدامها ؛ وفي تلك اللحظة جاء هارون الواقف أمام البـاب الموارب ليستمع لها وهي تقول بمياعة :
-يعني بذمتك يا عمة لما ألبس لهارون حتة من دول وارقص له إكده هيضل فيه عقل !! إكده يبقى خدت العقل والقلب لحسابي ..

ثم تنهدت بتمنى :
-ميتى بس يا هارون نتجمعوا تحت سقف واحد .. وأنا هوريك العجب والدلع .

أردفت ليلة على سجيتها ولا تعى أن سبب تلك الجملة شرارة الغيرة بقلبها وقالت ببراءة :

-مش المفروض الحاجات دي سيكريت وعيب نتكلم فيها قدام حد كده !! دي أسرار بينك وبين شريك حياتك وبس . 

أحمر وجه ليلة خجلًا من جُرأة زينة الزائدة فلاحظت هاجر كسوفها فبدالتها الابتسامة الهادئة التي تعتذر لها عما بدّ من زينة وأنها لم تتغير أبدًا، وضعت زينة كفيها بخصرها :

-نعم يادلاعدي ، ليه هو مش هيبقى چوزي وحلالي !! ولا هو اللي عقوله ما ينفعش وأمشي اتشعبط في يده قصاد العالم هو اللي ينفع !

نهرتها صفية معنفة كي تصمت وتتراجع عن أوهامها السخيفة التي أقنعتها بصعوبة أن تتناسها ؛ فانفجرت زينة مغلولة :

-سيبيني أفضفض يا عمة دانا مقهورة وعلى آخري من كُهن البنات ديه … 

بنظرات مغلفة بالحماقة تراقبهم ليلة كشخص أطرش في زفة عرس لا يدرك صخب ما حوله ؛هنا اقتحمهم صوت حمحمة هارون الذي توقد غضبًا من تعبيرات زينة التي لم ترق له ، طرق على البـاب هاتفًا :
-يا ساتر .. 

ندات أحلام عليه :
-تعالى يا حبيبي ؛ مفيش حد .. 

فتح هارون الباب الموارب وطل منه وهو يرمق زينة بنظرة حادة مردفًا  بعدها وهو يستشط غضبًا :
-خفي حديت ماسخ وبطلي قِلة حيـا … 

لم يمهلها الفـرصة للدفاع عن نفسها ثم أشار لليلة الجالسة بجوار أختـه بإيجاز :
-تعالى عاوزك …… 

انتابت زينة عاصفـة شديدة من الانفعال والغضب وقفت بمنتصف الغُرفة بأعين متسعة تتنقل يمينًا ويسـارًا تحول ضيقها من ليلة لغضب يأكل كل شيء ولا ينطفئ أبدًا .. بطرف عينيـه ألقى نظرة أخيرة وهو يفحصها من رأسها للكاحل وكأنه يواجه قلبـه بتلك الحقيقة المُرة التي يسلكها بكامل إرادته ، يواجه قلبـه بإنه يومًا ما سيكون معهـا تحت سقفٍ واحد كما سردت لهم ، ولكن ما أشعل غضبـه وأخجله أكثر كيف تتكلم عن حياتهم المُستقبلية الخاصة على الملأ ليكون حديث النسوة والألسـن .. ولى ظهره وغادر بدون كلمة إضافيـة فلحقـت به ليلة بدهشة تملأها .. حملت هاتفها وتابعت خُطاه كالقطـة الهاربة من وادي الذئاب .. ولت زينة لعمتها بكل غضبها :

-شايفة الهم اللي أنا فيه ياعمتي !! يعني يوم ما يقول يا جواز تيچي دي وتفقع مرارتي.

حدجتها أحلام بنبرة لا تقبل كلمـة زائدة :

-ما تقعدي وتتهتي إكده !! ضيفته وبيناتهم شُغل راسك مسوحاكي ليـه !! يا تساعدينا بِسكات يا تتكلي على بيتكم مش ناقصين خوتة .. 

تمتمت بضيق وهي تشد وشاح رأسها :
-تُشكري يا أحلام ، أنا ماشية بدل حرقة الدم دي .. 

هـنا مالت صفية على آذان فردوس الجالسة بجوارها :
-فردوس عينك متندلاش من عليهم ، يلا قُومي شوفيهم هيروحوا فين … 

وفي نفس اللحظة التي تتأهب فيها فردوس للمغادرة لمراقبة ليلة وهارون ، جاءها نداء هاجر التي رن هاتفها :
-خُديني معاكي يا فـردوس … 

~بالحديقـة الخليفـة .

-هفضل أجري وراك كده زي الطفلة !!
أردفت بحنق إثر خطواته السريعة وكلماته الشحيحة معها وهي لا تفهم لِم جاء بها لهنا ، رد باختصار وهو يواصل سيره :
-قربنـا نوصلـوا .. 

تابعت نفس خطواته ركضًا على مضضٍ وهي تتمتم سرًا وتذم في جفاءه ولم تكُف عن اتهامه بقلة ذوقه ؛ وصل الثنائي لغُرفة خشبيـة أشبه بالكوخ يحاوطه سورًا خشبيًا ويبعد قليـلًا عن منزلهم .. فتح الباب الصغير ثم قطع درجتين من السُلم الخشبي ليقف أمام البـاب الرئيسي للبيت الصغير .. أخرج مفتاح من جيبـه وهي تقف خلفه تتفقد المكان بعيونها المُتحيـرة ؛ فتح الباب ثم امتدت يده لاشعال الأنواع ، دلف للداخل متمهلًا وهي يزيح الباب فصدر منه صوت صريره ، اتبعت خُطاه متسائلة :
-أحنا هنـا هنعمل أيه .. ؟!

ما دلفت أكثر وفعت جفـونها لتتفقد المكـان ففوجئت بمكتبـة ضخمة تشغل جانبين من الغرفة ومنضدة متوسطة الحجم بمنتصفها ، وفراش صغير في أحد الزوايـا وبجواره كمود وبأبأجورة صغيرة ذات طراز قديم .. وعلى يسارها وبطول الحائط طاولة مستطيلة تسد فارغ المكان عليـها معدات القهـوة والشاي .. تفوهت بإعجاب :

-المكان في راحة نفسيـة متتوصفش ، الله بجـد ! 

أشعل كافـة الأنوار وونظر لها ليشرح لها تفاصيل المكتبة :

-دي المكتبة بتاعتي فيها أغلب الكُتب اللي هتحتاجيها القسم ديه خاص بالقانون ، واللي جنبه بالدين .. أما ده كله عن التاريخ من يوم نشأة الأرض لحد اليوم ..وفي قسم للجغرافيا . 

تقاسم الانبهار معالم وجهها وهي تمرر اناملها على مُجلدات الكُتب وسألته بتلقائية مشيرة للطاولة التي تتوسط الغرفة :
-وده مكتبك ، كُنت بتذاكر هنـا .. 

انكمش حاجبيـه باندهاش ؛ فأجاب مسايسًا :
-أيوة كُنت عذاكر إهنـه من ثانوي .. 

دارت نصف دورة بالمكان ثم أردفت بسؤالها الأكثر حماقة عن الذي يسبقه :
-جينا هنـا ليه بقا … ؟! 

غمغم بتكبد وهو يستعين بالصبر كي يمنحه صبرًا عن صبره ليتحملها وقال :
-يا صبـر الصـبر .. 

-أي قولت حاجة مش لازم أقولها !! 

تأفف بضيقٍ :
-أقعدي إهنه واقري وشوفي الموضوع اللي يعجبك وذاكريه واتكلمي عنه .. خلينا نخلصوا من الحدوتة دي .

عاتبـه باستهزاء :
-وأنا سايبة مكتبة الاسكندرية وكل الدنيا دي عشان أجي عندك هنا أقرا !! مين قال لك إني بحب القراءة أصلاً ..

رفع حاجبه كحركته الاعتراضيـة المعتـادة متلقيًا سُخريتها بسعة صدر :
-والله هو ده اللي عندي ، واللي أقدر اساعدك بيه !

-والحل ؟!

رد بسخافة :
-اتعبي روحك هبابة وأقري .. واتعلمي لك كلمتين ينفعوكي بدل ما أنت على الله إكده .. 

-طيب ساعدني .

-لا … 

غرست سبابتها بعضلة ذراعه مندهشـة بوقاحته وتلميحاته السخيفة :
-أنا ليلة الجوهري ؛ أنتَ ازاي تكلمني كده ؟!! انا مش بشحت منك .

-كانت ليـلة منيلة على راس اللي چابوني يوم ما شوفتك .. 

صرخت بوجهه مفرغة آخر ذرة من صبرها :
-افهمني أنا لا عايزة اقرا كتب ولا حاجة ؛ كُل اللي عايزاه مكان مميـز محدش يعرفه هنا نصوره واحكي قصته للناس وبس شكرًا زي فكرة الدحيح أو الخيميائي وبدل ما هو برنامج على اليوتيوب يكون على التليفزيون والكُل يستفاد ، أنا مش جاية اذاكر وامتحن عند سيادتك.. 

ثم دنت منه خطوة إضافة وهي تُشير له بسبابتها التي يُزينها خاتم رقيق وأكملت :
-ولآخر مرة أنا هسمح لك تكلمني بالطريقة السخيفة دي .. أنا مش خطيبتك اللي اسمها ايه دي ومش هقبل أي إهانة منك . 

ثم أشاحت بيعينها بعيدًا عنه وغمغمت :
-أنا مش عارفة هي فرحانة بيك على أيه أصلًا .. دي واخدة أكبر مقلب في حياتها !!

-عـتفهـم ..وعندِها نظر. 
قال جُملتـه بعد ما هضم غضبه منها بتلك الابتسامة التي لا تتناسب مع الموقف ولكن هناك شيء ما رضى به غروره عندما أشعل نيران الغضب برأسها ؛ لوحت بيدها وهي تستعد لفرز الكُتب وتمتمت :

-أنا من ساعة ما جيت هنـا ماقابلتش حد بيفهم غير طنت أحلام ، والباقي كله كله غريب ..

ثم دارت لعنده كإنها تذكرت شيء ما وشرعت أن تشكو منه  :
-دي حتى مامتك ، كل شوية تبص لي بصات غريبة وتتضحك لي ، ومرة تمسك شعري ومرة تقولي عينيكي حلوين ، وبعدين هي مضايقة ليه استر دراعاتي ولا لا !! أنا حُرة .. وأخوك ده أبو دقن كل ما يشوفني يبص الناحية التانية ويستغفر ربنا !! هو جاي يتوب عندي !! 

ثم نزعت شالها الصوف بغل ووضعت على ظهر المقعد وأكملت :
-الغلط عندكم وجايين تدبسوني فيه .. هي ناقصـة جنان !! عيلة غريبة وكلها غلط في غلط .. 

تمتم لنفسه سراً وهو يحك ذقنه :
-أنتِ وقعتي مع صفية !!

تجاهل كُل ثرثرتها و رد بنفس النبرة الباردة التي يملكها والتي لا تتزايد إلا بوجودها :
-أقري على مهلـك وأنا هروح أقعد مع الرچالة برة .. ولو عوزتي حاچة رني .

ثم تحمحم ململمًا شتات أمره الذي تبعثر على يدها وبثرثرتها بوجهه التي لم يضع لها حدًا بل كانت ترضي غرور ما بداخلـه ، ما كاد أن يخطو خطوة ثم أوقفته منادية :
-استنى هنا .. 

تقدمت خطوة لعنده بفتور :
-هـ رن ازاي وأنا مش معايا رقمك !! 

سحب الهاتف من يدهـا وكتب رقـمه لم تمهلة الفرصة ليكتب الاسم فشدته منه وضغطت على زر اتصال ، رن هاتفه بجيبه ثم قالت بنبرة حاسمة :
-سجله ..

رد بلا مبالاة :
-ربنا يسهل ..

-ياربي !! وانا بشحت منك .. اتفضل سجله ووريني هتسجله أيه ، معلش أصل الحاجات دي تهمني . 

على مضض لبى طلبهـا وأخرج هاتفـه وشرع بتسجيله ، فوجئ بها تغرس أعينها بشاشة الهاتف لترى ما الاسم الذي سيسجلها به ، غمغم متحيرًا حول تسميته على هاتفها مكتفيًا باسم " الاستاذة " .. خيم الاعتراض على ملامحها رافضة الاسم وهي تعبث بهاتفها لتسجل اسمه  :

-الإعلامية ليلة الجوهري … سجله كده ، إيه استاذة دي إحنا مش في فصـل !. 

طاوعها بنفس الابتسامة التي لم تفارقه منذ إن ظلل عليهم سقف واحد متناسيًا امر السقف البغيض الذي سيجمعه بزينـه ، امتدت أنظاره لشاشتها فوجدها أيضًا متحيرة في التسمية ، دنى منها خطوة وملامحه المشدوهة أدرف مثلها :
-العُمدة هارون العزايزي .. سجليـه  .

بعدت شاشة هاتفها عنه كي لا يراه وقالت بعتب :
-متبصش في تليفوني ، وبعدين ايه الاسم ده كُله انا هطلع لك بطاقة .. هو كفاية " العمدة "

-هو حلال ليكِ وحرام عليّ!! 

أيدها موافقًا ومعاملًا بالمثل مغيرًا الاسم ومكتفيًا بلقبها:
-الاستاذة ..

خطت اناملها بعناد :
-العُمدة ….

غادر المكان وهو يضرب كف على الأخر حتى لمحت عيناه فردوس التي تتجسس عليهما حيث صاح غضبانًا وموبخًا :
-مش كبرنا على دق العصافير ديه يا فردوس !! 

احتجت بوجه آذانها الحديدية التي تسمع خطوة النملة وقالت :
-عتقول أيه يا هارون بيه ، مش سامعاك السمع بعافية ..

زفر ممتعضًا :
-روحي نامي يا فردوس وقولي لصفية نامي واتغطي زين …

••••••••••
تجوب " هاجر " ذهابًا وإيابا تحت الشجرة وهي تتحدث مع رُقية المنهارة من البكاء ، حاولت ان تهون على رفيقتها :

-طب هدي روحك وانا هقول لهارون يوقفه عند حده ، هو فاكرها سايبة ملهاش حاكم ولا رابط .. 

جففت رقية عِبراتها مستأذنه إثر نداء أمها :
-هشوف أمي يا هاچر وأرجع أكلمك .. 

-هاجر ..

دارت هاجر ملبية نداء أخيها هلال الذي يترقبها من بعيد بأعين متوترة .. حائرة بين ضميره وبين ربه .. نظرت لها والضيق يتلبس بملامحها :
-خير يا حبيبي ؟!

حك ذقنه كعادته عندما يرتبك بالأمر وقال بإذلال:
-أريد الاعتراف بشيء .. 

حانت منها نظرة متعجبة :
-ليّ أنا .. أنت متوكد ؟! فوق أنا هاجر ماعيتبلش على لسانها فولة ؟!

رد بأسف :
-أعلم وهذه مصيبة أخرى .. ولكن لابد من الاعتراف ..

-طب قول .. تحب أحلف لك ماقولش لحد ؟!

رد ساخرا :
-على كل حال ستتحدثين .. لا داعي من القسم ..

ضحكت بفخر والفضول يتقاذف بمقلتيها :
-اعترف يلا سامعاك ..

-بخصوص الأخت رُقية .. أريد تقديم اعتذاري لها ..

أصدرت ايماءة طويلة وبأعينها المتخابثة تلاعبت على أوتاره المرتبكة :
-الأخت رقية .. قولت لي .. وياترى اعتذر عن أيه ولا أيه دي أنت خليت رقبتي كد السمسمة .

عاد لفرك ذقنه وهو يقول بخجل :
-لانني كذبت .. وطلبت منها تُغير مكانها بسبب صورتها المنعكسة بالمرآة ولست بسبب العجلة ..

أحمر وجهه من شد الخجل وعيناه لم تتزحزح عن الأرض :
-تعلمين لا يحق إطالة النظر بإمراة أجنبية ..

-إمراة أجنبية جميلة .. ورقية سبحان من صورها يا مولانا .. صُح !!ولا ليك راي تاني ؟

كانت جملتها تلعب على أوتاره المتذبذبة متعمدة مداعبته مثلما اعتادت فعل هذا مع هاشم وهيثم ويبدو أنها وجدت طرف الخيط الذي ستجر به قلب أخيها هلال .. برقت عيناه بدهشة لوقاحتها فلم يتقبل جرأتها أو على الأغلب لم يتقبل أنها يصير مفضوحا أمامها لهذا الحد :
-تأدبي يا هاجر .. عيب .

كتمت الضحك براحة كفها :
-تأدبت .. والمطلوب ؟!

-اعتذري للأخت رقية وقول لها بأنني لست معقد أو متشدد بالدين لأنها اتهمتني بالتطرف ..بالكاد لم تنم الليلة من قسوتي معها.

-لا ملهاش حق الصراحة .. وهي فعلا مش هتنام الليلة بسبب البئف بكر .. هي مش فاكراك أصلا ونسيت مصايبك اطمن ..

عاد للهجته الصعيدية التي لا يتجرد منها المرء مهما ذهب :
-قصدك أيه يعني ؟؟ 

-ياخي خلي البساط أحمدي .. وفكك أكده رقية دي جامدة معاك بس لكن هي أغلب من الغلب ومش هتسيب بكر ولد عمها اللي مطفحها الدم وهتزكر معاك يا أبو أكذوبة ..

-هاجر .. تأدبي.. 

أدخلت يدها بمعصمه كعريس وعروسة وسار الاثنان معا بحديقة منزلهم وهي تروي له قصة رقية :
-والله زي ما عقولك .. هحكي لك ... أصلو بكر ده عيل غتت ولازق لها بغيرة وهي مش عايزاه ..ما تساعدي يا هلال نوقفوه عند حده البت ملهاش حد ..

سحب ذراعه منها مستردا هيبته متجاهلا أمرها ومخالفا فضوله بأكذوبة جديدة  :
-صديقتك لاتهمني ، كُل راعٍ مسؤول عن رعيته .. اذهبي لأخيكِ العمدة ليحل لها الأمر .

-ماشي ياهلال .. أنا هروح لهيثم وهو هيساعدها خليك أنت على إكده .. ومش هعتذرلها ..

انضم لهم هثيم الذي كان ينهي علاقته مع رحاب وهو يسبها علنا وقال :
-أنا سمعت اسمي .. مين عيقول هيثم ..

لم يكمل جملته فقاطعه صوت رنين هاتفه باسم رحاب الذي غير مجرى الحديث قائلا وهو يرفض اتصالها :
-ماشوفتش في رطك .. زن زن متفضيها سيرة عاد يا رحاب..

استغفر هلال ربه ثم رفع يده واعظا :
-ياخي ياخي لديك أخوات بنات .. تأدب لوجه الله كي لا يتوه قلبك وسط الزحام ..

كاد أن يجيبه فقطعه جرس هاتفه مرة أخرى فسبها قائلا بانفعال ورافضا حكمة أخيه :
-أحب على رأسك لو شوفتي يوم تايه في الزحام .. سيبني واعتقني لوجه الله عشان أنا أصلا طفشان منك .

ثم لوح بيده :
-أقولك أنا رايح أقعد جار هاشم وهارون .. متجيش ورانا .. أحنا شِلة الأُنس مش طالبة حكم ومواعظ .. 

~بغرفة هيام ..

بأقذر أنواع الشتائم التي ذكر فيها أخيها وأبيها معًا وهو يلعنهم بالهاتف مما جعلها تنفجر بوجهه مرة أخري :
-اقطم يا ضيا .. علشان انت زوذتها على الأخير وأنا هروح أقول لأخوي هارون وهو يتصرف معاك ومع قلة ادبك ..

-فكرك هخاف يعني بالمدعوك هارون .. لما أرن عليكي الف مرة وماعترديش .. ايه بمزاجك أنا ..ديه تسميه أيه ..
قال جملته وهو يجلس على بأحد المقاهي الليلية بعد ما شد نفسا طويلا من لفافة تبغه المحشية مما جعلته يثرثر بدون وعي مما جعلها تتساءل :
-ضيا أنت مبلبع أيه ؟!

-مبلبع المُر اللي هطفحهولك لو متعدلتيش معاي يا هيام .

قالت بغل وهي تتوعد له وتضرب على فخذها :
-تصدق أنا غلطانة إني هاودتك طول المدة دي ؟! ورب الكعبة لأوريك يا ضيا .

*********
~في العاشـرة مساءً .

تجمع الأخوة مع بعضهم حول بؤرة النيران المشتعلة للتدفأة ، أرسل هارون لهاشم أخيه صورة لأحد التماثيـل الفرعونية التي عثروا عليا العُمال بالمحجر وقال له :
-عايزين نصرفوا دي يا هاشم .. العيال وهما عيكحتوا لقيوها 

فتح الصورة المُرسلة له وكبـر الصورة وتأمل تفاصيل القطعة الأثرية :
-جات في وقتها، كُنت محتاج فلوس اليومين دول .. 

-خيـر !! محتاچ كام ويكونوا عندك الصبح .

تأمل رأس التمثال بحرافيـة وقال دون النظر إليه :
-قَصادي بيت في مرسى علم عايز أجيبـه ، واهو فلوسه ادبرت .. 

-ابعتها لحبايبك وشوف الدِنيا ، هي عندك في العربية قوم شوفها  .. والله فكرتني عايز اشيلها من الشنطة ..

قفل هاتفه ورماه بجوار هيثم ومد يده فوق النيران للتدفأة :
-عال ، عال … الصبح نشوفها .

تدخل هارون مُتسائلًا :
-وايه أخبار الشغل  ؟!

-والله يا هارون ما عارف أقول لك أيه ، بس ربك يسترها ، ولاد الـ*** مزودينها وكل يوم يهجموا على كمين وفي حركة تنقلات جديدة وشامم ريحة سينا عتناديني . 

-طب ما تقولش إكده قصاد صفية ولا أحلام هينصبولك الصوان .

-أقولهم اي !! دي مش هطلعني من قنا لو عرفت..
مال ليشعل لفافة تبغه من النيران المتقدة فتدخل هيثم متسائلًا بفضول حول ليلة : 
-عامل أيه مع الكراميلا !! 

رد هارون عليه بسخرية :
-هتجيب لي السُكر .. 

فتدخل هاشم متسائلًا :
-أيه حكايتها البت دي يا هارون .. قلبي مش مطمن عليها وشامم ريحة تشبه ريحة سينا !! 

قهقهه هيثم ممازحًا :
-دي ريحة المـ.وت .. تصدق يا هاشم وأنا كمان ما مطمن ، حاسس في حاچة كبيرة من تحت راسها ايه هي مش عارف .. بس البت حِلوة . 

تبادل الثلاثـة الضـحك فجـاء صوت رنيـن هاتف هاشم بمكالمة من رغد المسجلة عنده باسم " البكباشي " ، وقع الاسم تحت أنظار هيثم وقال ساخرًا :

-قابل يا عم البكباشي بيتصل ، شكل سينا چات على السيرة ..

خطف هاشم هاتفه من جانب هيثم باهتمام ولهفة وعلى محياه تلك الابتسامة التي لا تُفارقه لمجرد رؤيته  لاسمها يسطع بشاشته ، رد متحاميًا بنبرته الرسمية المستخدمة للعمل :

-معالي الباشـا ، اتفضل .

جلست أمام التسريحة وهي تضع القليل من الحُمرة على وجهها وتحدثه بتلك النبرة التي تتراقص حافية على عرش قلبه فتُشعله بالحب أكثر  :

-وحشتني أوي .. 

مازال محافظًا على نبرته الجادة بإصرار :

-لا اله الا الله؛ وإحنا لحقنـا يا فندم !! 

-ومكنتش هكلمك ، بس قول لي أعمل أيه في قلبي !!

رمق أخوته الجالس معهم بحذر ومازالت ملامحه منكمشة بجدية مزيفة  :

-العمل عمل ربنـا يافندم ؛ اللي معاليـك تأمر بيه يتنفذ . 

راقت لها اللعبة لتتمادى بالأمر وهي تتدلل عليه ؛ طالبة :
-صالحني حالًا .. 

-دِلوق يا فندم !! ماينفعش نهائي.. الأمن مش مستتب . 

-طيب قول لي بحبك يا رغود .. 

تحمحم وهو بقمة الثبات الانفعالي وكأنه يحارب لوحده جيش من الأسود بداخله : 
-كُلنا بنحب مصر يا فنـدم ..

انفجرت بتلك الضحكة التي رجت قلبـه بجوار أخوته فتحمحم متجمهرًا مع صوت سعال قوي أي شيء يخفي ورائه مصيبته ؛ فارقت مقعدها بغنج وبنفس النبرة الهادئة :

-كُنت طالبـة أوردر جديد ولسه واصل حالًا ، وحابة أخد رأيك .. عشان لو في حاجة مش أد كده ارجعها .

عقد حاجبيه متسائلًا :
-هو ينفع الكلام ده يا فندم !! لما أرجع واعاين المكان بنفسي قبل أي قرار ..

-طيب ما تيجي يلا .. 

-لو مصر أمرت أحنا حاضرين يا فندم .

اتكأت على وسادتها القطنية وهي تحاوره بدلع :
-يعني مبعتش الصور ومش هتقول رأيك ..؟!

سعل مرة أخرى وقال :
-لا طبعا ابعت لي يافندم كل التقارير المشتبه فيهم وانا هفرزها بمنتهى الدقة ..ولو في أمر يتطلب تدخلي من الصبح هكون عند معاليك .. 

ثم رد على ضحكتها العالية بنبرة خافتة :
-دا أحنا دايمًا في الخـدمة يا فندم .. 

كان هيثم يتابع كل كلماته بمكر حتى فاض به الأمر متسائلًا بخبث ومستغلًا انشغال هارون بمكالمة هاتفية :
-وعلى اكده حلو البكباشي ديه !!

-خليك في حالك يا بئف أنت !!
رماه هاشم بقطعة من الفحم المنطفئ هاربًا من نظرات هيثم الكاشفة له ومازالت رغد على الهاتف تتابع حديثهم بضحكٍ ؛ فوثبت هاشم جاهرًا :
-تصبح على خير يا هارون ..

صاح هيثم طالبًا بمكـر  :
-طب قوله هيثم باعت لك السلامات وحيلوة وطول وعرض وبدقن وشعر مسبسب .. 

تمتم لرغد الواقعة من الضحك بهمس :
-عيل مترباش سيبك منه ، خليكي معايا ،  أنا متربي . 
••••••••••

مع دقات الساعة الثانيـة بعد منتصف الليـل ، ظل منتظرًا منها مُكالمة واحدة لتخبـره بأي شيء حتى ولو ستثرثر على مسامعـه وتقفل مرة أخرى؛ قطع حبال فكره المتواصل وهو يقطع تلك المسافة بينه وبينها حتى لغرفته ، امتد نظره لعندها من النافذه فوجدتها كطالب يحاول لم المنهج قبل الاختبار بساعتين ، كُتب متراكمة على جانبيها ، ترتدي نظارات طبية وتتصفح الحاسوب بدمدمة غير مفهومة ممسكة بقلم بيدها وتكتب كلمات يجهلها .. يُطيل النظر لها ولا يدري بأنه يسلك ذلك الدرب الذي يُشبـه الجرح .. 

تسلل بهدوء ليطرق بابهـا الموارب بخِفة اكتفت برفع جفونها المنكسـرة لعِنده ثم عادت مرة آخرى لتمارس شغلها الذي لم تخرج منه بمعلومة واحدة .. نزع عن كتفيه عباءته البنية المُلقاة على أكتافه فظهر أمامها ولأول مرة مرتديًا " بچِامته" الرياضية السوداء ؛ اكتفت بنظرة مسددة أسهم تشتتها على ظهره ذو الأكتاف العريضة وسرعان ما أغمضت جفونها لتنهي تلك اللعبة السخيفة وتركز بعملها .. وقف ليُعد فنجانين من القهوة بسكوت لا يقطعه إلا النظرات المختلسـة .. 

انتهى من إعداد القهوة ثم وضع فنجان بجوارها وشرع في ارتشاف الأخر وهو يسألها بهـدوء :
-وصلتي لأيه !

رمت القلم من يدها بملل :
-لـ ولا حاجة طبعًا  !! 

ارتشف رشفـة أخرى من فنجان قهوته :
-ولا حاچة ولا حاچة !! 

أيده قائلة :
-ولا أي حاجة ، هارون بيـه أنا أخدت الكلية فـ٥ سنين عشان كنت بكسل أقرا الكُتب واذاكر.

-مالك فخورة بروحك ليه !! 

-لا ده اسمه تصالح مع النفس .. 
ثم ظلت تعبث بالكتب وتشير عليهم بحيرة :
-انا قريت ده ، وده .. عناوين طبعًا ، وجوجل مقالش أي حاجة وأنا بجد هعيط .. 

ثم سندت وجنتها فوق قبضة يدها وتأفف باختناق:
-انا مش عايزة أفشل المرة دي ، عشان لو فشلت مامي هتجبرني اتجوز شريف ؛ وأنا مش عايزة اتجوزه وعايزة انجح ، شوف لي حل بقى .. 

فرغ من تناول فنجانه ثم وضعه جنبًا ولملم الكُتب المبعثـرة من أمامها ورصهم بمكانهم حتى دارت نحوه متسائلة :
-أنت بتعمل كده ليه !! 

أجابها وهو يتجول بالغـرفة التي قلبتها رأسًا عن عقب :
-معابد دندرة .. طالما جيتي قِنا يبقى لازم أول حاجة تتكلمي عنيها .

تركت فنجان القهوة من يدها ووثبت حاملة على وجهها علامات الاستفهام :
-وأنتَ سايبني ٤ ساعات طالع عيني وفي الأخر عندك الحل أهو !! طيب وليه التعب من الأول ؟!

وضع الكتاب الذي يحمله بالرف وقال بثباته المعهود :
-قلت اسيبك تعتمدي على نفسك هبابة ، لكن شكلي كنت غلطان .. 

-أنتَ بتعاملني كده ليه  !! أنا هنا في بيتك ولا في إصلاحيـة للتأهيل النفسي؟! حد قال لك إني جايه اتعالج !

كان مشغولاً بالبحث عن كتاب المعالم الأثرية الخاصة بقـنا ؛ فـ رد دون أن يلتفت لها :
-محدش قال لي شُفت بنفسي .. 

-والله !! أنتَ كده جامد يعني ؟! 
سحب الكتاب من الرف العلوي ووضعـه على المنضدة الدائريـة مكتفيًا بتلك النظرة الخبيثة من طرف عينيـه مما أشعل غضبها أكثر ، شدت المقعد لتفسح لها مكانًا تقف فيه وأكملت :

-من وقت ما جيت وأنا بحاول أجمع فيك صفة واحدة تخليني أغير رأيي عنك ؛ صراحة مش لاقية ، كل كلامك شخط ونطر وبتعاملني ولا كإني شغالة عندك ، مفيش ذوقيات خالص كده !! كل حاجة فيك غريبة ومش مفهومة ، ولا حاجة فيك آدمية وحلوة . 

اكتفى بإرسال نظرة اعتراضية جعلها تبتلع كل إهانتها وهي تشد المقعد وتجلس فوقه بتوجس وترتشف بيدها المرتعشة آخر رشفة من فنجانها وتقول وهي تحت وطأة ذعره منه وقالت لتُلطف الأجواء  :

-بس بتعمل قهوة حلوة .. عجبتني . 

‏ألطف ما في خضم الحوار أن نتنقل بين المواضيع فجأة بطريقة أكثر لطفًا ، ذلك يلفت القلب بشكل أدق، وتركيز أكثف، وصورة شاعرية تُزين الكلمات والشخص نفسه ،  شبح ابتسامة طفيفة رُسمت على محيـاه اربكتها وجعلتها تنظر هنا وهناك ثم تعاود النظر له ، قطع صمت النظرات بحمحمة عاليـة وهو يفتـح الكتاب الذي بيده قائلًا :

-الصبح هاخدك ونروحوا المعبد .. لازم تعرفي كُل المعلومات عنه ، المساحة مين بناه النقوش الاثرية اللي جواه .. 

ثم أشار بيده ممارسًا مهنته الجامعية كمدرس مساعد بالكلية و التي تخلى عنها :
-تعرفي أن المعبد ده كانوا يتنبأوا فيه عن فكرة الكهربا عن طريق استخدام أشعة الشمس عموية وبزوايا معينة من خلالها المكان بيفضل منور طول اليوم من غير أي مصدر ضوء صناعي  .. و

قاطعته بتركيز شديـد وهي تسحب الحاسوب لعندها :
-استنى هدور على حاجة مهمة ،  خليك أنتَ في الكتاب اللي معاك ؛ وأنا هدور على جوجل براحتي …. 

ثم مدت له ورقة وقلم :
-اكتب هنا كُل المعلومات المهمة .. وانا كمان هعمل زيك . 

سحب منها الورقة بصمت وعاد لتنفيذ ما اقترحته وهي أيضًا شرعت في البحث عما دار برأسها سكوت رهيب كل منهما منغمسًا بعمله لا يقطعه إلا صوت همهماتها التي قطعتها عندما تذكرت أقراصها المهدئه فنهضت على الفور أخذت جرعتها من الدواء وعادت مرة آخرى لمكانها ..

 مرت قرابـة السـاعتين  فرفع جفونه لعندها وجدها غارقـة بالنـوم ، ذراعيها المثنية فوق الطاولة ورأسها التي تتوسطهما .. جفونها النائمة والتي تشبه جناحين مضمونين لفراشة سُكرت من رحيق زهرة الياسمين .. تلك الخصلة العنيدة التي تنتصف ملامحها فلم تسمح له بتأمل ملامحها بدقة .. فارق مقعده وأشعل المدفأة النارية بالمكان ثم تعمد أن يترك باب الغُرفة مفتوحًا .. عاد مرة آخرى لعندها حاملًا عباءته التي ألقاها فوق ظهرها المائل ثم عاد بهدوء ليواصل عمله الذي كلفته به .. 

ما فرغ من قراءة أول سطر وجدتها فقدت قدرتها على الثبات وأوشكت ان تسقط من فوق المقعد .. نهض بلهفة محاولًا إفاقتها بحرص دون أي يلمسها فقال بتردد حول اسمها :

-يا ليلــى .. قومي .. هتتكفي على بوزك يا بت الناس .. 

كانت بعالم آخر تحت تأثير أدويتها المهدئـة ، زفر بضيق محاولًا افاقتها من جديد لكن بدون جدوى ؛ لم يجد أمامـه حلًا سوى حملها ووضعها على فراشه الصغير .. رفع عباءته من عليها ومسكها بيده كي لا ينفـرد بلمس جسدها مباشـرة .. تسلل ذراعه المُغطى كُليًا بالقماش لتحت رُكبتيها وبذراعـه الأخر المُغطى التف حول ظهرها وحملها بحرص شديد منه وهو يسب نفسه سرًا :

-طلعتِلي منين أنتِ بس !! استغفر الله العظيم من كل ذنب .. 

تعلقت تلك النائمة بعنقـه كما اعتادت على حمل أبيها لهـا وهي تغمغم بكلمات غير مفهومـة حاول أن يُترجمها ولكنه فشل ، انحنى بحذر وهو يضعها بفراشـه حتى سمعها تهذي :
-بابي أنتَ جيت ، أنا مستنياك ليا كتيـر ..

امتزجت انفاسـه الغاضبة بأنفاسها النائمة إثر المسافـة القصيرة التي بينهم والتي يكاد ألا تُذكر .

تراقصت أمام عينيه الحائرة روعة الحياة 
‏اختصرت جمال الكون في  نظرة لها عن قُرب
‏لمح ظل أجنحة أحلامه تُرفرف على وجهها مما جعله يتساءل ؛ عما جاء بهم لهـنا ، ربما أنهم أجتمعوا على فُتات خُبز الحب الذي سيجمعهما مستقبلًا !! داعبت رائحة عطرها قلبـه فروضتـه على مشاعر جديدة لم تزوره من قبل ، فدق ناقوس قلبه متلهفًا لمُضغه فـ دبت بكيانه فطرته الذكورية التي خُلق عليها ودومًا ما تعمد قتلها بالتجاهل  !! أغرق في بحور الدهشة وهو يلقى نظرة على ساقيها المثنية فضاع بصره بين الجمال والبراءة !! سحب ذراعيه ببطء من تحتهما وكفكفت يداه جبهته المتصببة بعرقٍ لا يعلم مصدره .. شد فوقها الغطاء ودار وجهه سريعًا وهو ينفض غبار تلك الهواجس التي انتابته فجأة ويشمر أكمامه متأهبًا للوضوء الذي يخمد تلك الثورة التي اندلعت ببدنه ولا يدرك سببها !! ظل يهلل بتسبيحات صاحب الحوت وهو يفتح باب الحمام الصغير ليستعد لقيام لصلاة الفجر ، وربما كان يستعد لتقديم تكفيـره عن ذنبه الذي اقترفه للتو :

-سبحان الله وبحمده ، لا حول ولا قوة إلا بالله .. استغفر الله العظيم الأعظم واتوب إليه … 

فرغ هارون من أداء صلاته متحاشيًا النظر لها تمـامًا ، لف نفسه بعباءته الثقيلة وحمل المقعد الخشبي والكتاب الذي يقرأه وغادر الغُرفة كي لا تخونه عينيه بالنظر لواحدة آمنت على نفسها معه .. جلس بمحاذاة البـاب وهو يتعمق بالكتاب أكثر وأكثر وكل ما يزوره طيفها يقتله بالاستغفار متبعًا نصيحة هلال أخيـه ، ذكر الله يغسل القلب والعقل ..

مع تفتح قرص الشمس تفتحت جفونها لتجد نفسـها بفراشه وبغرفته ، وثبت تتفقد المكان الخالي منه بعيونها الحائرة حول من جاء بها لهنا .. تفقد ساقيها فمازالت مرتدية حذائها الرياضي .. لململت شعرها المتدلى وفارقت السرير وهي تجوب بتوتر بالغرفة حتى امتدت خطواتها للباب الموارب ولم تتوقع وجوده أمامه ، ما خطت خطوة فـ ثارت شاهقة :

-أحيــه!! أنتَ لسه هنا !!

لقد غلبه النوم لساعة قبل شروق الشمس ، استرد وعيه على الفور متمتمًا :
-يا فتاح يا عليم ، يا رزاق يا كريم.. 

بررت قائلة :
-دي أنا متتخضش .. صباح الخير . 

رتب عباءته ووثب قائمًا فرفعت جفونها لمستوى الطول الفارق بينهما ، ألقى نظرة بساعة يده  :
-زين إنك صحتيني .. يلا جهزي نفسك عشان نخلصوا مشوارك ، وراي شغل بعد الضهر .. 

أومأت بطاعة :
-أنا جاهزة ، هغسل وشي بس ونخرج .. 

ما كادت أن تخطو خطوة فتراجعت بامتنان :
-هارون بيه ، من كل قلبي شُكرًا ليك بجد .. أنا تعبتك معايا .

تحمحم منزعجًا دون النظر لها متلبسًا بثوب هارون العزايزي :
-على الله يطمر بس .. هغير وادور العربية واستناكي .. 

ضربت الأرض بنفاذ صبر :
-ياربي منه !! قلة الذوق بتجري في دمه…… 

•••••••••

~بالمطبخ ..

-بقول لك قفشني يا ست صفية وقال لي مش كبرنا على دق العصافير ديه يا فردوس .. 

أردفت فردوس جملتها وهي تعد في زيارة بيت صالح وتشكو من هارون لأمه التي ضربت كف على الأخر :

-قلبي متوغوش يا فردوس ، أنا شغالة انوم في زينة ، بس قلبي مش مطمن ؛ البت نغشة وحلوة وتزغلل العين ومتجلعة .. وتوقع أجدعها شنب ..

-بس هارون عاقل يا ست صفية ..

-بس الشيطان شاطر يا فردوس .. بقولك ايه ؛ قراية فاتحته على زينـة الليلة ، خلي قلبي يطمن والبت دي ترچع بلدهم .. 

~بالسيـارة.. 

فارق هارون منزلهم بسيارته السوداء حيث كانت تجلس بجواره وأول شيءٍ فعلته تناول قرص مهدئ حسب تعليمات أمها ، نظر لها من طرف عينه معارضًا :

-ما كفاياكي بلبعة ، عتبلبعي أيه على الصبح .

ردت بتصالح مع نفسها :
-ده علاج ، ولازم يتاخد بمواعيـد..

-ياستي سيبيها على الله ، الدوا ده بيمرض أكتر ما بيعالج .. أنتِ زي الفل .

خفق قلبها لشعاع الأمل الذي بثه بقلبه إثر جملته العادية ؛ ظلت عينياها تتأرجح متحيرة حوله حتى قطع حبل نظراتها قائلًا :
-الورقة دي احفظي اللي فيها لحد ما نوصلوا .. كتبت لك كل حاجة چواها .

تفحصت الورقـة بسخط وهي تتطلع عما بها وقالت باستنكار :
-ايه الكلام بتاع مدرسين التاريخ ده !! مين قال لك أنا هقول كده !! 

ثم اعتدلت في جلستها لتدور بجسدها كله نحوه وأكملت متجاهلة نظرته الغاضبه :
-اسمع الجديد اللي عندي .. لما بحثت إمبارح عنه ، طلع مشهور بإنه إله الجمال والحُب والأمومة .. 

ثم ثنت تلك الورقة التي بيدها لنصفين وأتبعت بحماس :
-ومن أشهر الأساطير حولين المكان ده إنه لو واحدة مثلًا مش حلوة وعايزة جوزها يشوفها حلوة كانت تروح المعبد وبتقدم قرابين لإله الجمال ويجي الكاهن يحط على وشها زي حجاب كده وبيتقري عليها تعويذة تحت ضوء الشمس ، تعرف بيحصل أيه !

ألتوى ثغره ساخرًا ومستهزءًا بخرافاتها:
-ايه بيلاقيها زبيدة ثروت !! 

-بصرف النظر عن انك بتتريق بس فعلًا جوزها بيشوفها حلوة وعلاقتهم بتستمر .. وحاجة كمان .. لو واحدة مش بتخلف وعايزة تبقى أم بتعمل نفس الطقوس قُدام إله الامومة وفعلًا كانت بتخلف على طول .

دار بمقود السيارة أقصي اليمين وهو يردف بسخرية :
-ياستي وحدي الله وبطلي تخاريف… 

-اسمها اساطير ، وانت حر تصدقها ولا لا … 

امتدت أنظاره للأمام فانكمشت ملامح وجهه قائلًا:
-طب اربطي الحزام ، في كمين .. 

هدأ من سرعة السيارة تدريجيًا وهو يدخل على اللجنة التي قطعت طريقه .. صف سيارته فتأرجحت عيني ليلة بخوف:
-ده شريف !! ربنا يستر ..

-ولا يهزك .. أجمدي أنتِ مع هارون العزايزي..
قال جملته وهو يفتح نافذة السيارة حيث طلب منه الضابط المساعد:

-رخصك ..

مد له هارون البطاقات وقال بفضول :
-أول مرة يبقى في كمين إهنه !! في ايه ؟!

رد الضابط وهو يعطي له البطاقات  :
-تعليمات يا عمدة .. 

جاء شريف من الأمام وهو ينزع نظارته عندما لمحه ، وما كان يتأهب هارون للذهاب فأوقفه نداء شريف على العسكري :
-فتشوا العربية .. 
ثم أشار له بنظرات انتقاميـة :
-انزل وافتح الشنطة ..

غمغم هارون بضيق:
-أهي كملت .. كانت ناقصاك .

رمقته ليلة بخوف وهو يمنحها مفتاح سيارته حيث شرع العساكر بتفتيش العربة وقال لها :
-الشنطة فيها آثار وشريف مش هيعديها .. تاخدي المفاتيح وترجعي البيت ، هتعرفي .

وضعت كفيها على فمها وبأعينها المبرقة :
-أحيه !! أنت تاجر آثار .. والله كنت حاسة .

طل شريف من النافذة وهو يكشف القطعة الأثرية أمامـه وقال بشماته :
-وريني المرة دي هتطلع منها ازاي يا هارون بيه .. انزل لي ..

حدج ليلة بنظرة لا تقبل الجدال:
-سمعتي قولت ايه !! يلا انزلي .

هبطت من السيارة معه وركضت نحو شريف الذي يتوقد غضبًا فتدخل هارون بمنتهى الهدوء:
-سيبها تروح وأحنا هنحلوا مشاكلنا في القسـم ..

رمقها شريف بلوم :
-هو ده اللي انتِ ماشية معاه !!

ألقت نظرت عتاب لهارون وهي تقول بثبات محتفظة بجميله معها :
-على فكرة الآثار دي بتاعتنا إحنا الاتنين ..

ثم نظرت لهارون بحسمٍ:
-أنا هاجي معاك .. 

خرج عن هدوئه
-ياستي هي رحلة.!!

جهر شريف بصوته المُرعد:
-ليلة اسمعي الكلام وأمشي .

لم تنصت له بل نظرت للضابط الأخر كي يضع الحديد بيدها متعمدة إثاره غيرة شريف ببسالة :
-أنا مش هسيبك تروح معاه لوحدك …..

تعليقات



×