رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الثامن8 بقلم سيلا وليد


 رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الثامن بقلم سيلا وليد


اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك 


عندَ الفُراق ...

يرحَلُ أحدُهم مُمتلِئًا بالأسئِلة .

و يرحلُ الآخرُ هاربًا بالأجوِبة .

الأوَّلُ لم يَطرْحها…لكنَّهُ فهِمَها بعدَ الرَّحيل ...

و الثَّاني لم يُجِب..لكنَّهُ بعدَ زمنٍ امتلأَ ندمًا بنفسِ الأسئِلة…

الأوَّلُ فهمَ فـأغلقَ سُطورَ الحكاية ..

و الثَّاني سَيفتحُ سُطورَها في كلِّ مرَّةٍ يطالهُ تأنيبَ الضَّمير .

هكذا هيَ الحكاياتُ الغيرُ عاااادِلة ...

نهايتُها مُبكِّرة…لكنَّها دائمًا لصالحِ منَ  عاشَ الوجعَ أولًا…

كانت أيَّامًا بحوااافٍّ زجاجيَّة..

في كلِّ رُكنٍ منها يُوجدُ جَرحٌ و ضَمَّادة…

جَرحُ الرُوحِ لهُ وجَعين..يُبكي القلبَ قبلَ العين ..

لكنَّنا نُحبُّ هَزائمَنا مِنْ مَنْ نُحِب !! 🥀

فتعالَي لأُخبُركِ بعدَ كُلِّ هذا الوجعِ كيفَ ينهارَ سقفُ قلبي حينَ تَضحَكين ..


صرخةً من غادة باسمها وهي تتدحرجُ على الدرجِ حتى وصلت لآخره، آه خفيضة خرجت من بينِ شفتيها وهي تضعُ يديها على أحشائها متألمةً وغمامةٍ سوداء تحاوطها لتهمس:

"يارب اموت "

التفتَ سريعًا على صوتِ أختهِ باسمها، ارتعشَ جسدهِ بالكاملِ حتى اهتزَّ من قوةِ الصدمةِ التي تلقَّاها وهو يراها بتلكَ الحالة، لم يعرف كيفَ وصلَ إليها…

جثا على رُكبتيهِ يرفعها سريعًا، يهتفُ بتقطُّع:

ميرال…هزَّ جسدها ولكنَّها كانت بينَ يديهِ كالتي فقدت الحياة، نهضَ وهو يضمُّها لصدرهِ بتملُّك يصرخُ بأخته:

هاتيلَها لبس بسرعة، بينما فريدة التي توقَّفت وكأنَّها أُصيبت بشللٍ في خلايا جسدِها وهي ترى الدماء التي لطَّخت ملابسَ ميرال، همست:

ميرال حامل..تحرَّكَ بها لبعضِ الخطواتِ إلَّا أنَّها أوقفته:

إلياس ..توقَّفَ محاولًا السيطرةَ على ثباتهِ حتى لا يسقطَ بها بسببِ اضطرابهِ رغمَ برودهِ الذي تتميَّزُ به شخصيتهِ، لكن هنا انهارت جميعَ حصونهِ ببرودهِ وتجمُّدهِ ليهمسَ بتقطُّع:

هاخدها المستشفى..وصلت إليهِ تنظرُ إلى ميرال التي بينَ يديهِ برعبٍ تجلَّى بعينيها، ثمَّ إليه: 

ميرال حامل؟..رجفةً تخلَّلت جسدهِ ينظرُ لفريدة بذهولٍ وعيونٍ متسعةً يهزُّ رأسه: 

لا لا ..أكيد مش حامل، وصلت غادة بإسدالها مع خروجهِ سريعًا إلى السيارةِ يضعها بهدوءٍ عكسَ نبضاتِ قلبهِ التي تُقرعُ كطبولِ حربٍ من الخوف. 

جذبَ إسدالها وألبسها إياه ولم ينتبه للدماءِ الملطَّخة بيده ..فتحت فريدة بابَ السيارةِ وجلست بجوارِها، رفعها يضعُها بأحضانِ فريدة:

ضمِّيها خلِّي بالِك منها لتوقَع ..قالها برجاءٍ انبثقَ من عينيه واتَّجهَ للقيادةِ يقودُ سيارتهِ بسرعةٍ كبيرةٍ كعاصفةٍ رعديةٍ  غزيرةَ الأمطار، وصلَ إلى المشفى بدقائقَ معدودة، حملها ودلفَ للداخل، وقلبهِ يسبقهُ حتى وصلَ إلى الطبيبِ ووضعها..

تفحَّصها الطبيبُ ينظرُ إليه:

دكتور نسا يشوفها، شكلها حامل وممكن يكون الحمل سقط..هزَّةٌ عنيفةٌ كرعدٍ أصابَ طفلٍ ليهبَّ فزعًا من مكانه:

حامل..أشارَ الطبيبُ إلى يديهِ وثيابه:

مش أخدت بالَك من الدم..نظرَ بتوهانٍ ليديهِ التي تلطَّخت بالدماء، سحبها المسعفون باتِّجاهِ كشفِ النساء، وظلَّت  عيناهُ تتابعها، احتضنت فريدة ذراعهِ  بعدما وجدت حالته،رغمَ ماقالهُ إليها ولكن حالتهِ الآن توحي الكثير والكثير، توقَّفَ ينظرُ إلى دخولها بتوهانِ طفلٍ أضاعَ أبويه، نظرت إليهِ بحنوٍّ أمومي، وعينيها تتابعُ وجعهِ الذي يخفيهِ بملامحهِ الجامدة، أطبقَ على جفينيهِ بعدما أُغلق البابَ ليشعرَ ببرودةٍ تجتاحُ جسده، تمنَّت لو تحتضنهُ وتربتُ على ظهرهِ كي تخفِّفَ عنه، ظلَّ متجمِّدًا  بمكانهِ محاولًا أن يستوعبَ ماحدث..لم تقوَ على أن تراهُ ضعيفًا لأوَّلِ مرَّةٍ بتلكَ الحالة، وأقسمت بداخلها أنَّ حديثهِ ماهو إلَّا هُراء..جذبتهُ من ذراعهِ وتحرَّكت  بهِ إلى غرفةِ الطبيب، تحرَّكَ معها دونَ حديثٍ وكأنَّ الصدمةَ جعلتهُ فاقدًا الوعي ولايشعر بمايدورُ حوله، دلفَ للداخلِ لتقابلَهُ  الممرضة:

إجهاض، هتدخل عمليات، بس الموضوع بسيط لأنُّه لسة ثمان أسابيع، ترنَّحَ جسدهِ محاولًا السيطرةَ على نفسه، حاوطت فريدة خصرهِ  تنظرُ إلى الممرضة:

هيَّ كويسة أخبارها إيه، والإجهاض دا هيأثَّر على صحتها؟..

الدكتور معاها لسة يافندم، هنا فاقَ من صدمتهِ يبتعدُ عن فريدة وانحنى يُمسكُ رسغَ الممرضة يحدجُها بنظرةٍ مرعبةٍ قائلًا:

شوفيلي دكتورة، لو راجل دخل على مراتي هولَّع في المستشفى، يالَّه بسرعة، متخلِّيش راجل يلمس مراتي.. 

تحرَّكت الممرضة للداخل، بينما ظلَّ كما هو يتابعها بعينه ..

إلياس ..ردَّدتها فريدة، استدارَ إليها متسائلًا: 

الإجهاض دا هيئذيها؟..ابتسمت بداخلها وأحبَّت أن تلعبَ على مشاعره:

زعلان عليها ولَّا على وريثِ إلياس السيوفي..عليها طبعًا قالها سريعًا ولم ينتبه لما تفوَّهَ به، ابتسمَ داخلها وتابعت حديثها وضغطت بكلماتِها وهي تتابعُ ملامحَ وجهه:


أكيد، فيه ستَّات بتموت وفي اللي تفقُد الحمل طول العُمر..وفيه اللي بتكون كويسة.. 

أشارَ لها قائلًا:

هيَّ هتكون كويسة، أيوة هتكون كويسة 

جلست على المقعدِ ترمقهُ بنظرةٍ معاتبة:

وكان لازمتُه إيه الكلام اللي قولتُه، علشان تدبحني وخلاص ..أحكمَ قبضتهِ يكوِّرُها بغضبٍ فهو في حالةٍ لا تُجدي النقاش..بعد فترةٍ دلفَ إلى الغرفةِ وجدها متسطِّحةٍ على الفراش، دلفت فريدة خلفِه، ثمَّ اقتربت منها وانحنت تطبعُ قبلةً على جبينها: 

ميرو سلامتِك حبيبة ماما، ابتعدَ إلى النافذةِ يضغطُ على نفسهِ حتى لا يقتربَ منها ويسحقها بين ذراعيهِ يستنشقُ رائحتها ليطمئنَّ أنَّها بخير..تحرَّكت إليهِ فريدة تُربتُ على ظهره:

مراتَك كويسة ياحضرةِ الظابط، يارب تكون مرتاح بعد ماقولتِ كلام دبحها، إنتَ كنت عايز توجعني بس غبي وجعتها هيَّ، خلِّيك كدا لحد ماتخسرها، قالتها وتحرَّكت من الغرفةِ لأنَّها تعلمُ أنَّهُ لن يقتربَ منها سوى بخروجها، استدارَ مقتربًا منها ولم يتحمَّل احتراقَ العشق، لتسحبهُ أقدامهِ وعينيهِ تتأمَّلُ تفاصيلها بعناية، يدعو ربِّهِ بسريرتهِ أن لا يصيبها أذى، يكفي فقدانَ جنينهم..

ردَّدها بينهُ وبينَ نفسه، جنين، ذهبَ ببصرهِ إلى بطنها وبسطَ كفِّهِ الذي ارتعشَ وهو يعضُّ كفِّهِ الآخر ندمًا على ماقاله، كيفَ ستغفرُ لهُ إذا استمعت لحديثهما، يعشقُها حدَّ الجنون، ولكن كبريائهِ وكرامتهِ فوقَ قلبه، ملسَ على بطنها بحنانٍ ثمَّ انحنى يضمُّها إلى صدرهِ لتنسابَ دمعةً رغمًا عنه، طبعَ قبلةً فوقَ رأسها:

آسف، سامحيني، ياريت الزمن يرجع بيَّا  مكنتش وافقت على جوازنا، سنين وأنا بضغط على نفسي لحدِّ مابقتشِ قادر، خوفت تكوني لغيري، وآدي النتيجة، لمسَ عنقُها الذي مازالت آثارُ قبلاتهِ عليه..انحنى يدفنُ رأسهِ وأغمضَ عينيه: 

حُبِّي بيدمَّرِك أكتر مابيسعدِك، صدَّقيني بضغط على نفسي علشان أصلَّح منها بس عندِك مابعرفشِ أسيطر، إنتِ مش مجرَّد بنت أُعجبتُ بيها ياميرال إنتِ حياة إلياس كلَّها، من الطفولة للشباب حتى المشيخ، رفعَ رأسهِ ينظرُ لوجهها الذي انطفأَ بريقه، وحرَّكَ أناملهِ على وجهها إلى أن وصلَ لشفتيها التي يعتبرها شهدَ الحياة، أغمضَ عينيهِ ولحظاتهم الجميلة تمرُّ أمامَ عينيه، ابتسامةً حزينةً وهو يتذكَّرُ شقاوتها بين أحضانهِ ليهمسَ دونَ وعي:

وأنا أموت من غيرِك، ..قاطعهُ رنينَ هاتفهِ الذي لم ينقطع، أخرجهُ لكي يغلقهُ ولكن وجدَ رقمَ شريف:

أيوة ياشريف..قاطعهُ قائلًا: 

إلياس باباك عمل حادثة واتنقل للمستشفى..هبَّ من مكانه:

إنتَ بتقول إيه، طيِّب أنا جاي..تحرَّكَ خطوةً فتراجعَ بعدما تذكَّرَ أمرَ معشوقته، انحنى يدمغُ جبينها بقبلةٍ قائلًا بصوتٍ خافت:

هروح أشوف بابا وراجعلِك، ظلَّت نظراتهِ عليها للحظاتِ إلى أن طبعَ قبلةً فوقَ شفتيها يهمسُ لها:

ربِّنا يصبَّرني عليكي لمَّا تفوقي  ..نصبَ عودهِ واعتدلَ متَّجهًا للخارج ..وجدَ فريدة تجلسُ تحاوطُ رأسها، اقتربَ منها قائلًا:

أدخلي عندها متسبيهاش وأنا عندي مشوار مهم وراجع..

نهضت تطالعهُ بذهول: 

إنتَ إيه ياأخي جبروت، أنا كذِّبتِ كلامَك ليَّا من بعدِ ماشوفت لهفتَك عليها، وقولت دا عايز يحرَق دمي وبس، مستحيل يكون بيكرهها وهيموت عليها..

انحنى ينظرُ بعينِ فريدة:

أه كذبتِ عليكي علشان اللي جوَّا دي أغلى من روحي ارتحتي كدا، خلِّيكي معاها لحدِّ ماأرجع هيَّ مش بنتك..قالها واستدارَ للمغادرة، أطبقت على ذراعه:

طيِّب لمَّا إنتَ بتحبَّها كدا ليه يابني بتعمل معاها كدا..نظرَ لكفِّها الذي يتشبثُ بذراعهِ ثمَّ إليها:

وبعدهالِك ليه مصرَّة تخلِّيني أوجعِك بالكلام، إبعدي عنِّي لو سمحتي كفاية اللي حصل لمراتي، وابني اللي حتى معرفتش بوجوده، عايزة منِّي إيه؟..

عايزة إلياس الطفل البرئ اللي أوِّل مرَّة  شوفته فيها:

استدارَ بكاملِ جسدهِ وغرزَ عيناهُ بها:

اندفن يوم ماضحكتي عليَّا أنا وبابا وماما بإيدك دي دفنتيه، خلِّتيني مأمِّنشِ لأي ست، أشارَ على بابِ غرفةِ ميرال:

شوفي بنفسِك، أُدخلي وشوفي نتيجة كُرهي ليكي، دنا خطوةً ومازالت عيناهُ تحرقها..

حاولت آذيها وأبعد عنَّها ومقدرتِش، حاولت آذيكي وبرضو مقدرتِش معرفشِ ليه بعد ماأبقى مُصر أدمَّرِك واقف عاجز ومقدرش، عرفت بموضوع عمِّ ميرال من سنين ورغم كدا ماحاولتش حتى أخلِّيه يقرَّب منَّها، ليه يامدام يافريدة، يمكن حبِّك ليَّا في الأوِّل دا اللي بيشفعلِك، ولَّا  يمكن علشان ميرال، يمكن خُفت ياخدُها منِّك، حقيقي معرفش..

لمست وجنتيهِ وانسابت عبراتها: 

بتحبَّها أوي كدا..قالتها وهي تهزُّ رأسها..

ابتعدَ كالملسوعِ يهزُّ رأسهِ وتحرَّكَ قائلًا:

مراتي أمانة عندِك يامدام فريدة..توقَّفَ  واستدارَ إليها:

رُدي الجميل اللي عملتُه معاكي ..بعدَ فترةٍ وصلَ إلى المشفى، وجدَ شريف بالخارجِ يتحدَّثُ مع الطبيب:

فين بابا وحادثة إيه دي؟..

سحبَ كفِّهِ ودلفَ للداخلِ بعدما وجدَ لهفتهِ وخوفه:

أهو نايم، كويس، بس مصاب في دراعه،  الطلقة الحمدلله ماصابتوش..

طلقة، ليه بابا مضروب بالنار ولَّا حادثة!..

ابتعدَ بنظراتهِ هامسًا: 


مضروب بالنار، وقبل ماتقول حاجة عربية الحراسة أنقذتُه بصعوبة، حدِّ كان عايز يموتُه.

إيه ..يموتُه، أبويا..ليه ومين له مصلحة في قتلِ لوا شرطة ..بابا حد يموِّته طيِّب إزاي ..اتَّجهَ إليهِ يملِّسُ على خصلاته وانحنى طابعًا قبلةً فوقَ جبينه:

ألف سلامة عليك ياحبيبي..رفرفَ بأهدابهِ يهمسُ اسمه: 

إلياس ..جذبَ المقعدَ وجلسَ محتضنًا يديه:

أنا هنا جنبَك ياحبيبي..أغمضَ عينيهِ مرَّةً  أخرى ثم همسَ مابينَ النومِ واليقظة:

خلِّي بالك من فريدة ياإلياس عايزين يحرقوا قلبها بيك ..قالها وذهبَ بنومهِ مرَّةً أخرى:

أرجعَ ظهره متكئًا على المقعدِ يردِّدُ  حديثَ والده: 

يوجعوها بيَّا، ليه، ياترى بابا يُقصد إيه؟..نهضَ من مكانهِ فجأةً واتَّجهَ إلى النافذة:

شريف عايز أعرف مين اللي ورا حادثة بابا، وإبعت لمعتصم ملف ابنِ راجح الشافعي، خلِّيه يرجعوهلنا تاني.


نظرَ لخارجِ النافذة:

فريدة وراجح ..وأنا وبابا، راجح عايز يوقَّع بابا علشان فريدة بعد زيارتي، طيب أنا اللي هدِّدتُه..استمعَ إلى طرقٍ على الباب ثمَّ دلفَ إسلام بلهفةٍ وخوف:

بابا..استدارَ ثمَّ اتَّجهَ إليه:

إهدى حبيبي بابا كويس، هوَّ  نايم بس..ضمَّ كفَّيه وقبَّلهُ ونزلت دمعةً من عينيه:

حبيبي مين عايز يبعدَك عنِّنا..ربتَ إلياس على كتفه: 

خلِّي بالَك منُّه عندي مشوار مهم، وزي مافهِّمتَك في التليفون متقولشِ لغادة وطنط فريدة على إصابة بابا..

همَّ بالمغادرة:


إلياس رايح فين وسايب بابا ..استدارَ وتابع دموعهِ مستغفرًا ربَّه:

إسلام إنتَ مش صغير علشان تبكي، بقولَّك بابا كويس، أومال أسيب إيه لغادة، إنشف كدا إنتَ ابنِ اللوا مصطفى السيوفي لازم تكون قوي، عندي مشوار لازم أروحه حالًا.

طيِّب لازم ماما فريدة تعرَف هتزعَل أوي..


زفرةً حارقةً ألهبت جوفهِ فاقتربَ منه:

يابني إنتَ مش عايز تكبر، بابا قدَّامك كويس، ليه نقلقها على الفاضي، وكمان هيَّ مع بنتها في المستشفى..

قصدَك مراتَك ياحضرةِ الظابط.

أووف ..قالها وتحرَّكَ دونَ حديث..وصلَ بعدَ قليلٍ إلى فيلَّا الشافعي، دلفَ من البوابةِ الرئيسية بسيارته دون أن الاذن مع هرولة الحرس خلفه، توقف، ترجل من سيارته يشير اليهم ببطاقة تعريفه

-مش عايز اشوف حد فيكم هنا، امشو من قدامي، قالها واتَّجهَ إلى الداخل 

قابلته الخادمة ..خلع نظارته وتحرك للداخل راجح الشافعي عايز أقابلُه الاقي في انهي مذبلة هنا..قطبت جبينها ، دفعها وتحرك للداخل أسرعت خلفه:

نقولُّه مين يافندم؟..

قوليلُه قدرَك ...قالها وهو يدفعُها ودلفَ للداخل، وجدهُ على طاولةِ الطعام يتناولُ الطعامَ برفقةِ رانيا وطارق، هبَّ من مكانهِ حينما استمعَ إلى صوته::

هاتيلي طبق يابنتي، شكلكُم عاملين غدا يفتَح النفس..قالها وهو يجذبُ المقعدَ بجوارِ رانيا ثم رمقها متسائلًا:

مدام رانيا جيت لحدِّ عندِك مكنشِ فيه داعي تروحي تسألي عنِّي.. كان تليفون صغير وأجيلِك، حضرتِك غالية، 

زوت مابين جبينها متسائلة:

حضرتَك مين؟،،،،

رفعَ كوبَ عصيرِ راجح الذي مازالَ متوقِفًا  يطالعهُ برهبةٍ شديدةٍ والخوفُ يتملَّكهُ بأنَّهُ علمَ بأمرٍ مصطفى..

نظرَ إلى كوبِ العصيرِ ثمَّ رفع نظرهِ إلى راجح 

العصير المسكَّر بيجيب السكر وخاصةً للناسِ اللي بلاويها كتيرة، قالها وهو يُفلتهُ من يديهِ ليسقطَ فوقَ الطاولة، ثمَّ توقَّفّ يستندُ بكفَّيهِ على الطاولةِ يطالعهُ بنظراتٍ مستهزئة:

لعب العيال اللي بتحاول تعملُه مع عيلة السيوفي إنتَ والمدام بتاع تنضيف بشرةِ الستات ومسح كعوبهم دي تلعبوها هناك في السويس مع شوية قطاعين الطرق..

إنتَ مين ياجدع ماتحترم نفسك، قالها طارق بغضب، وهو يقترب منه، بينما توقَّفت رانيا:

إنتَ مجنون إزاي تدخل بالهمجية دي!..

التفتَ إليها يحدجُها بنظرةٍ جحيمية:

صوتِك يامدام، أنا مش راجح الشافعي علشان تنسي نفسِك وتعلِّي صوتِك، ثمَّ رمقَ طارق:

وإنتَ ياله يابتاعِ البنات مسمعشِ صوتَك، تقعد زي الكرسي اللي إنتَ عليه..اقتربَ طارق يدفعه:

دا إنتَ قليل الأدب وعايز تتربَّى، أطبقَ على عنقهِ يدفعهُ على طاولةِ الطعام:

مبحبِّش كلام العيال الشمَّامة يالا، مش قولت إخرس..

قالها وهو يضعُ رأسهِ بطبقِ السلطة ثمَّ رفعَ عينهِ إلى راجح وهو مازال يضغط على عنق طارق:

وحياة أبويا اللي في المستشفى علشان جلسة استجمام لصحتُه ماهو الصراحة لازم أشكرَك بس أتأكد إنَّك السبب في أنه يسمَع كلامي يعمل تشييك على صحته، جاي أشكرَك، لحدِّ دلوقتي بشكرَك بوق، بس طبعًا لمَّا أتاكِّد لازم أهاديك، ثمَّ التفتَ إلى رانيا:

وإنتِ لمِّي شوية العيال اللي بيراقبوا مراتي أصلًا قسمًا عظمًا أعمل معاكي الغلط، والغلط عندي مش تقدري عليه..

إنتَ إلياس السيوفي..رفعَ رأسَ طارق:

أكلت سلطة ياحيلة أمَّك حلوة صح ومفيدة على الصحة، المرة الجاية هحط راسَك في الشوربة المغلية، يوم ماتعمل راجل إعملُه مع البنات اللي بتحشش معاهم يالا مش مع أسيادَك، قالها ودفعهُ ليسقطَ على المقعد، ثمَّ اقتربَ من رانيا التي ارتجفَ جسدها من هيئته، إلى أن وصلت تختبئُ خلفَ راجح ، ارتفعت ضحكاتُ إلياس يهزُّ رأسهِ:

خبيها حلو ياراجح باشا، وياريت تتخبَّى معاها قبلِ مارجع أشكرَك تاني..

قالها ينظرُ للطعامِ ثمَّ اتَّجهَ إليه:

أكلكُم ريحتُه وحشة يمكن من ظلمِ الناس، خطا خطوةً أخرى وغرزَ عيناهُ بأعينِ راجح:

ماما فريدة هربت منَّك ليه ياراجح ياشافعي..توسَّعت أعينُ رانيا وارتفعت دقَّاتها بعنف ..

إسألها مش هي أمَّك مش المفروض تسألها، قولَّها ليه قتلتي بنتي، وليه بيعتي ولادِك، مش يمكن بتخطَّط علشان توصل لأبوك..

أطبقَ على عنقهِ واحمرَّت عيناه: 

ياويلَك منِّي لو قرَّبت منها تاني، همحيك من على وشِّ الأرض، أنا زي نفسك، ماما فريدة خط أحمر بالنسبالي لو قرَّبتِ منها كأنَّك خرَّجت شياطيني عليك..أفلتَ يديهِ  يرمقهُ باحتقارٍ ثمَّ اتَّجهَ بنظرهِ إلى طارق وتحرَّكَ مغادرًا يقطعُ المكانَ بخطواتهِ  الثابتة من يراهُ يظنُّ أنَّهُ حاكمَ الكرةِ الأرضية.

هوت رانيا على المقعدِ تشيرُ لسرابِ خروجه: 

مين دا، دا اللي أسمه إلياس، يعني دا اللي فريدة مربياه..

جلسَ راجح بعدما فقدَ اتزانهِ يردِّد: 

لو وصل لحاجة هروح في داهية..

إنتَ عملت إيه يابابا؟..نهضَ من مكانهِ سريعًا وأمسكَ هاتفه:

إنتَ فين ياحيوان، مصطفى السيوفي لسة عايش وأنا مش قولتلَك الاتنين يكونوا في نفسِ الوقت، ليه مضربتِش إلياس؟..

أجابهُ الآخر:

ياباشا دا محاوطُه جيش من الأمن، غير أنُّه مش سهل عربيتُه مصفَّحة، أمَّا مصطفى الأمن بتاعُه قوي، إحنا يادوب عرفنا نخترِق العربية وكنَّا خلاص هنوصل لولا الظابط اللي اسمه شريف دا عرف أنُّه  هيموت ولحقُه معرفشِ مين اللي بلَّغه..

يعني إيه مين اللي بلَّغُه، أوعى تقولِّي فيه خاين...آااااه صرخَ بها وهو يُلقي الهاتف ليتهشَّمَ وصلت إليهِ رانيا:

إنتَ كنت عايز تموتهم، إنتَ اتجننت ياراجح،دا ظابط أمنِ دولة، عارف يعني إيه، ضربت على ركبتيها: 

يالهوي ابني هيضيع في السجن بسبَبك ياراجح ليه دا كله علشان إيه، أيوة فريدة هنرجع لفريدة تاني..

إخرسي بقى أيوة علشانها، إنتِ نسيتي عملت إيه، دي خلِّت سُمعتي زي اللبانة، ضربت كفيَّها:

لا ياراجح اللي واقفة قدَّامك دي رانيا مش حد غريب، إنتَ نسيت اللي عملناه  فيها..

دفعها بقوِّةٍ يصرخُ فيها:

إخرسي مش عايز أسمع صوتِك، أنا بعمل كدا علشان أعرف أوصل لبنتنا، فريدة طول ماهيَّ قوية مش هنعرف مكان بنتنا.

مسحت على وجهها بغضبٍ تضعُ أناملها فوقَ جبينها تدورُ كالمجنونة: 

دا ابنِ جوزها عامل زي التنين، إنتَ مش شايف دخل البيت إزاي وسط الأمن ومحدِّش قدر يوقفه، أومال جوزها هيكون عامل إزاي…

نفثَ سيجارتهِ بغضب:

أسكتي لازم نفكَّر بطريقة نخلص من الواد قبلِ مايوصلُّه، دا لو عرف إحنا ورا ضربه مش هيرحمنا.

إحنا، إحنا مين.. إنتَ ليه بتجمعنا، شيل شيلتك أنا ماليش دعوة ..تذكَّرَ راجح شيئًا  فتوقَّفَ متسائلًا:

إنتِ كنتي بتراقبي مراتُه ليه؟.. 

جلست بقهرٍ وأجابته:

قولت يمكن تكون مروة بنتنا، وقولت أعمل أي فيلم علشان آخد منها أي حاجة وأعمل تحليل ..جحظت عيناهُ بصدمةٍ فاقتربَ متسائلًا: 


مروة، وإيه اللي خلَّاكي تقولي كدا؟.. 

ابتلعت غضبها تطالعه: 

حسِّيت من الشبه، واخدة منَّك ومن جمال..أطبقَ على كفيها:

لو جبتي إسمه هموتِك، حقيرة..قالها وتحرَّكَ للخارجِ وهو يصرخُ بأمنه..


عندَ إلياس ..وصلَ إلى المشفى التي بها أبيه وجدهُ استيقظَ وبجوارهِ إسلام وأحدِ  أصدقائه، ألقى تحيةَ السلام، وقامَ بالترحيبِ لصديقه، ثم تساءلَ:

وصلتم لحاجة، الكاميرا لقطت حاجة؟..

فيه ظابط متابع وكمان شريف ياسيدي على الخطوة، لمُّوا ظباطكم ياإلياس، ليكم شغلُكم ولينا شغلنا قالها بمزاح، اقتربَ من والدهِ يطبعُ قبلةً فوقَ رأسه:

حاسس بإيه حبيبي؟..

أومأَ مبتسمًا :

كويس يابابا..استأذنَ صديقه وتحرَّكَ


بينما جذبَ مقعدًا وجلسَ بجوارِ فراشه:

الحادثة حصلت إزاي ..أغمضَ عينيهِ متراجعًا على الوسادة:

معرفشِ فجأة عربية دخلت بين الحرس وبين العربية، وضربوا نار على السواق، وحاولوا يفجَّروا عربيتي، لولا الحراسة كنت زمانَك دفنت أبوك.

ابتسمَ يربتُ على كتفه: 

ألفِ سلامة عليك ياحبيبي، لسة في العمر بقية ياسيادةِ اللوا، مش مجرَّد الحرس..

فين فريدة إنتَ معرَّفتهاش؟..

هزَّ رأسهِ بالنفي قائلًا:

مرضتشِ أقولَّها، محبتشِ تقلق وتخاف على الفاضي.

هزَّ مصطفى رأسه:

عين العقل ياحبيبي، شوف الدكتور علشان نخرُج ..دلفَ إسلام بجوارٍ غادة الباكية:

بابا..قالتها بلهفةٍ ورعبٍ وهي تُلقي نفسها بأحضانهِ وارتفعت شهقاتها..

مسَّدَ على خصلاتها متألِّمًا:

حبيبتي أنا كويس إهدي مفيش حاجة.

توقَّفَ إلياس يطالعُها باستفهام:

دودي عرفتِ منين، قالها وعيناهُ لإسلام الذي رفعَ كتفهِ ينفي إخبارها.

رفعت رأسها من أحضانِ والدها تُزيلُ دموعها كالأطفال:

شوفت الخبر وأنا رايحة لميرال وماما في التليفون، كلِّمت حارس بابا قالِّي إنَّك هنا معرفشِ إن إلياس يعرَف فكَّرته عند ميرال.

اعتدلَ مصطفى: ليه هيَّ ميرال فين؟..

توقََفَ ينظرُ بساعته: 

هشوف الدكتور قالها وهمَّ بالمغادرة إلى أن أوقفهُ مصطفى: 

مراتَك مالها وفين؟..صمتَ وابتعدَ عن نظراتِ والده، طرقاتُ الباب أخرجتهم عن الحوار، ودلوفِ بعضَ أصدقاءِ مصطفى للأطمئنانِ عليه،  

تحرَّكَ للخارجِ يرفعُ هاتفه: 

إيه الأخبار:

مفيش جديد يافندم، اللي أسمه طارق دا خرج من شوية..

تمام أيِّ جديد عرًَفني..خرجَ للحديقةِ وبدأ ينفثُ سيجارتهِ يهمسُ بصوتٍ خافت:

ليه راجح مسألشِ عن ميرال، دي بنته اللي مراتُه هربت منُّه...زفرَ وهو يضعُ مبرِّراتٍ غيرُ مقنعة، احتضنَ رأسهِ وسيجارتهِ بيديه حتى انتهى رمادها ولم يشعر بها سوى على صوتِ إسلام:

الدكتور رفض بابا يخرُج الليلة، وبابا عايز ماما فريدة، بيقولَّك روح لمراتَك وأنا هجيب ماما فريدة..

نصبَ عودهٍ وتوقَّف: 

تمام بس خلٍّيك جنبُه كمان، متنفعش لوحدها

وصلَ بعد قليلٍ إلى المشفى، توقَّفَ لدى البابِ على صوتِ بكائها: 

عملت إيه ياماما علشان يعمِل معايا كدا، دا أنا حبِّيتُه أكتر من نفسي، ليه يدبحني ياماما..

ضمَّتها فريدة تمسِّدُ على خصلاتها:

إهدي حبيبتي، الكلام اللي سمعتيه مش حقيقي، هوَّ كمان بيحبِّك. 

صرخت تهزُّ رأسها رافضةً حديثها: 

كدب كلُّه كدب، طلع كدَّاب وواطي..

إشش إهدي حبيبة ماما، فيه حد يقول على حبيبُه وجوزُه واطي، عيب ياقلبي 

ضربت على صدرها تبكي:

قلبي موجوع ياماما، أنا بتحرِق، حبيبي اللي بقالي سنين مش شايفة غيرُه دبحني بسكينة باردة، طلع بيرسِم عليَّا ياماما أنا بكرهُه..

احتضنت فريدة وجهها:

ميرو قلبي، والله إلياس بيعشقِك يابنتي هوَّ تارُه معايا مش معاكي..

تراجعت على الفراشِ وارتفعت شهقاتها تحضنُ نفسها:

أنا كرهتُه، بكرهُه مش عايزة أشوفُه، طلَّقيني منه زي ماجوِّزتيني، مستحيل أفضل على ذمِّة البني آدم دا لحظة واحدة ..طلَّقيني منُّه ..قالتها صارخةً فدفعَ البابَ وتوقَّفَ فجأةً أمامها، رفعت عينيها وتعلَّقت الأعينُ بحربِ النظراتِ 

هتفَ قائلًا:

إسلام مستنيكي في العربية، هياخدِك لبابا قالها وعيناهُ على ميرال التي تطالعهُ بنفور، وكم شعرَ باحتراقِ روحهِ من نظراتها ..اقتربت فريدة منُّه: 

ليه باباك فين يابني ..استدارَ برأسهِ إليها:

عمل حادثة وهوَّ في المستشفى..شهقةً خرجت من فمها وهرولت إلى حقيبتها:

لازم أروح أشوفُه، لسة جاي تقولِّي دلوقتي إنتَ إيه ياأخي ..سحبَ نفسًا  وزفرُه: 

أنا مكنُتش هعرَّفك بس هوَّ اللي أصر إنِّك  تروحيلُه..زحفت ميرال على الفراشِ تتوقَّفُ هامسةً بخفوتٍ عكسَ صياحها منذ قليل:

عايزة أروح معاكي خُديني، التفتت إليها:

مينفعشِ ياقلبي لازم ترتاحي، اقتربت فريدة منها تجمعُ خصلاتِها على جنب:

روحي ارتاحي، وأنا مش هتأخَّر عليكي، هطَّمن على عمُّو وأجيلِك ..شعرت بالدورانِ فجلست تهمس:

ابعتيلي غادة ياماما ولَّا إسلام يوصَّلوني، مش عايزة البني آدم دا

التفتت فريدة إلى إلياس اتصِل بإسلام يوصلَّها وأنا هروح مع السواق..

اتأخرتي يامدام فريدة ..قالها واقتربَ يعدِّلُ وضعيتها على الفراش:

نامي وارتاحي، مفيش خروج لمَّا الدكتورة تشوفِك ..دفعت يديه: 

إبعد عنِّي إيَّاك تلمسني، رفعَ رأسهِ إلى فريدة التي تطالعُهم بصمت..تحرَّكت  للخارجِ بعدما وجدت نظراتَ إلياس: 

حاسة بإيه فيه حاجة بتوجعِك؟..

بأنفاسٍ غيرُ منتظمةٍ من قربهِ وذراعهِ الذي يحاوطُ جسدها بهِ هدرت باقتضاب:

حاسة بخنقة من قُربَك، إبعد عنِّي مش طيقاك..

ضمَّ رأسها إلى صدرهِ وتحكَّمَ بحركاتها القويةِ محاولةً التملصَ من أحضانهِ 

بنفاذِ صبرٍ.. محاولًا السيطرةَ على مشاعرِ الغضبِ التي نفرت عروقِه، ضمَّها بقوَّةٍ حتى رفعها من فوقِ الفراشِ لتصبحَ بأحضانهِ بكاملِ جسدها:

إهدي بقى، خُلقي ضيَّق ..لكزتهُ بصدره:

إبعد بقولَّك ..قالتها بصراخ، عايز منِّي إيه لسة ناوي تدبَح فيَّا لحدِّ إمتى، مخادع ياإلياس ..أطبقَ بخاصتهِ على شفتيها حتى تصمتَ ويُطفئَ لهيبَ اشتياقه، حاولت التحرُّرَ ولكنَّهُ كانَ الأقوى ليقبِّلها بقبلاتٍ عنيفةٍ كسابقتها، ابتلعَ دموعها التي جعلت صدرهِ كتلةً نارية، ورغمَ ماشعرَ بهِ أخنقها بقبلاتهِ لعدَّةِ دقائقَ كادت أن تسحبَ أنفاسها، ابتعدَ عنها يحرِّرُ كرزيتها ولكنَّهُ مازال يستحوذُ على جسدها بأحضانه، انحنى يهمسُ بجوارِ أذنها يلمسُ بخاصتهِ أذنها:

أكتر كلمتين بكرهُهم وأتمنَّى ما أسمعهُمش منِّك"بكرهَك وطلَّقني" دول إبعدي عنهم دا لو خايفة على نفسِك سمعتيني ...قالها وابتعدَ يسندُ بذقنهِ على كتفها يضمُّها باحتواءٍ لأحضانهِ وكفِّهِ يتحرَّكُ بحريةٍ على بطنها قائلًا بخفوت:

هنا كان فيه ابننا وضاع، ابننا ياميرو، فاهمة معنى الكلمة، ممكن الكلمة تكون بسيطة بالنسبالِك، بس بالنسبالي أهمِّ حاجة في الدنيا..

لكزتهُ بصدرهِ بقوَّةٍ وهدرت بغضب:

علشان تعاقبني بيه، علشان تحسَّرني عليه، ولَّا علشان تفضَل تدوس على أمي ...قبلةً مطوَّلةً على وجنتيها:

علشان كان هيكون ابني وابنِك، ابني اللي عمري مااتمنِّيت من الدنيا حاجة غير إنِّك تكوني أمُّه وبس..

هزَّت رأسها تنظرُ بازدراءٍ وتلكزهُ حتى شعرَ بانكسارِ ضلوعهِ من شدَّةِ ثورانها:

جاحد ياإلياس بس ربنا قالَّك إنزل بغرورَك ياسيادةِ المغرور،ربنا كسر غرورَك  وعرف قدِّ إيه إنَّك ظالم وواطي فحرمَك من ابنَك حتى قبلِ ماتفرح بخبرُه، شوفت كُره من ربِّنا أكتر من كدا ..اختتمت حديثها وهي تلكزهُ بقوَّةٍ أكبر بصدرهِ ليشعرَ وكأنَّها كسرت عضلاتِ صدره بالكامل ليته من ضرباتها ولكن من كلماتها التي أصبحت كالرصاص..ابتعدت مستديرةً وبعيونٍ مملوءةٍ بالنفورِ والإشمئزاز:

ربِّنا أخد حق امي و حقِّي منَّك، كان عارف قدِّ إيه نفسَك في البيبي فحرمَك منُّه قدَّام عيونَك وبايدك دي قتلته..انحنت بجسدها وهمست بهسيس مرعب

-إنت السبب في موت ابنك، وان شاء الله مش هتشوفه تاني 

لمس وجهها ينظر إليها 

-طيب اهدي، علشان ماتتعبيش 

هاجت عيناها وفقدت تحكُّمها مقتربةً منهُ تنقضُّ عليهِ تدفعهُ بجبروتِ غضبها منهُ على الفراش:

بكرهَك وبكره نفسي وبكره كلِّ حاجة ربطتني بيك، بكرهَك ياحضرةِ المغرور اللي مفكَّر نفسُه ملك الكون، ربنا ياخدَك وأرتاح منَّك...حقيييير 

صرخت بهِ بعدما شعرت بتمزُّقِ قلبها الملعونِ الذي مازال ينبضُ باسمه..

تجمَّدَ جسدهِ وهناكَ نيرانٌ داخلهِ تريدُ أن تحرقَ المكان، شعرَ بالقهرِ من نظراتها ونفورها وحديثها الذي مزَّقهُ لأشلاء ..ظلَّت نظراتهِ جافيةً على غضبها ..أُنهكَ كاملَ جسدها حتى هوت على الفراشِ أمامهِ تبكي بمرارِ ماتشعرُ به ...انحنى وجذبها يضعها على الفراشِ يمسِّدُ على خصلاتها يهدِّئُها بصوتهِ الحنونِ لأوَّلِ مرَّة: 

بطَّلي عياط، راضي الحمدلله إن ربِّنا عاقبني بحرماني من الولد، المهم تكوني بخير


إبعد إيَّاك تلمسني، إمشي اطلع برة، مش عايزة أشوف وشَّك قدَّامي..أكتر بني آدم بكرهُه ومش عايزة أشوفُه قدَّامي.

استندَ على الفراشِ يلمسُ وجنتيها: 

من قلبِك ياميرال، رغمَ رعشةِ قلبها منهُ ولكن كلَّما تذكَّرت حديثهِ انشطرَ قلبها، رفعت عيناها: 

من أعماقِ قلبي ياإلياس، رفعت رأسها ونظرت إلى عينيهِ بجبروتٍ بل دنت من شفتيهِ تلمسُها بخاصتها مما جعلتهُ يُغلقُ عينيهِ متأثرًا من لمستها لتهمس:

قلبي دلوقتي بيكرهَك أكتر واحد في الدنيا...فتحَ عينيهِ التي تحوَّلت لِلَّونِ الأحمرِ بسببِ تلاعبِها بمشاعره، هبَّ من مكانهِ مبتعدًا ثمَّ أعدلَ من وضعيةِ ثيابهِ من لكماتها وهجومها عليه، وضغطَ على الزرِّ الذي يُوجدُ بفراشها..

وصلت الممرضة:

نعم يافندم ...أشارَ إليها:

شوفي المدام هنخرج، وياريت تساعديها لحدِّ العربية، قالها وارتدى نظارتهِ متحرِّكاًا للخارج..


بشقَّةِ أرسلان:

دفعتها ودلفت للداخلِ وجدتهُ نائمًا على الأريكة، طالعتهُ غاضبةً تشيرُ إليها:

سيدِك نايم هنا ليه، انحنت تلمسُ وجنتيه، ثمَّ انحنت تطبعُ قبلةً عليها وهو غارقًا بنومه:

راسو حبيبي ..أنا جيت..

فتحَ عينيهِ بتملُّلٍ ظنًّ أنَّها زوجته، ابتسمَ  بنومهِ ولكنَّهُ هبَّ من مكانهِ حينما استمعَ إلى صوتها:

طمطم!..إنتِ إيه اللي جابِك؟!.. 

دفنت رأسها بصدرهِ تهمس:

وحشتني أوي حبيبي كدا ماتجيش تشوف حبيبتَك…

كانت تقفُ بعيونٍ مترقرقةٍ على ذاكَ المشهدِ الذي أحرقَ روحها..

استدارت للمغادرةِ ولكنَّها توقَّفت حينما استمعت إليها:

جهِّزي الحمَّام لسيدِك يابت..هنا فاقَ من نومهِ كاملًا، ظنًّا أنَّهُ يحلُم، رفع عينيهِ  سريعًا ينظرُ إلى غرام التي تجمَّعت الدموعُ بعينيها، فتحَ فاههِ يشيرُ إليها إلَّا أنَّها قاطعته:

حاضر ياهانم هحضَّر الحمَّام لسيدي وأجهزلُه الغدا، ولو عايزة حضرتِك أعمل حسابِك معنديش مانع، بس إنتِ تؤمري.. أحضَّره في أوضةِ النوم؟..

قالتها وهي تحدجهُ بنظراتٍ ساخرة..


رفعَ حاجبهِ ساخرًا ثمَّ تحدَّثَ:

غدا وأوضة نوم أنا وطمطم، أدارت وجههِ تنظرُ إليهِ بسعادة:

قولِّي إنَّك عاملِّي مفاجأة والشقة دي اللي هنتجوز فيها؟..

كانت مازالت نظراتهِ على تلكَ التي دلفت للداخلِ دونَ حديث..دفعَ تمارا بعيدًا عنهُ وتحدَّثَ بهسيسٍ مرعب:

إنتِ مجنونة، شقة إيه اللي هنتجوِّز فيها..مش عايزة تعقلي خالص، وبعدين تعالي مين قالِّك على العنوان؟..

خالو إسحاق، قالِّي إنَّك مستنيني هنا.

إسحاااااق...قالها وهو يكورُ قبضتهِ بعنف..ثمَّ استدارَ إليها:

تمارا ممكن تنتظريني تحت، هاخد شاور وأغير وأنزلِك ...جلست على الأريكة:

لا حبيبي هستناك هنا، أُدخل خُد شاور، ولَّا أقولَّك هقوم أشوف إيه ناقص الشقة علشان أقول للمهندس عليها، قالتها وتحرَّكت للداخلِ دونَ أن تنتظرَ حديثه،  

رفعَ هاتفهِ وهتفَ اسحاق صارخًا:

إنتَ بتلعب معايا ياعمُّو، بعتلي طمطم في الشقة مع غرام..

توقَّفَ يشيرُ إلى الطبيب:

هيَّ جتلَك ولَّا إيه، أرجعَ خصلاتهِ للخلفِ بعنف:

جت ومشغَّلة نغمة جوزي وشقِّتنا..

أنا مقولتلهاش حاجة إزاي عرفت عنوان الشقة؟..

إيه يعني هيَّ بتضحَك عليَّا، طيب عرفت إزاي عنوان الشقة، تمام..فيه جديد عن حالة بابا؟..

ابتسمَ إسحاق يضعُ كفَّيهِ بجيبِ بنطالهِ ونظرَ من الشرفة:

باباك فاق وسأل عليك، تعال شوفُه علشان كلِّ  شوية مفيش غير البغل ارسلان

لمعت عيناهُ قائلًا:

عشر دقايق وأكون عندَك ...قالها وهرولَ للداخلِ متناسيًا وجودَ تمارا ابنةِ عمَّته، دفعَ البابَ وجدها تستلقي بظهرها على الفراش تحملُ صورتِه ..اقتربَ منها كالمجنون:

إنتِ يابت مجنونة بتعملي إيه؟!..

ملَّست على الفراشِ ومازالت بوضِعها:

السرير حلو ومريح هنرتاح عليه... تحرَّكَ  إليها يجذبُها بعنفٍ بوقوفِ غرام على بابِ الغرفة:

الغدا جاهز يابيه، قالتها وغادرت دونَ إضافةِ شيئٍ آخر.

رفعها من خصلاتها:

دقيقة واحدة لو لقيتِك هنا هدبحك، سمعتيني..

أرسو ليه بتعاملني كدا دا أنا بحبَّك..

جزَّ  على أسنانهِ يصرخ:

ياربي أموتها ..سحبها من كفها وتحرَّكَ  بها للخارج، ثمَّ فتحَ بابَ الشقةِ يشيرُ للأسفل:

ياله حبيبتي إنزلي وأنا جاي وراكي، علشان احبك اكتر كمان..قالها وأغلقَ البابَ يقفُ خلفهِ يزفرُ بغضب:

بت ثقيلة، ثكلتكِ أمك ياشيخة..


تحرَّكَ للداخلِ يبحثُ عن تلكَ الغبية، وجدها تضعُ بقيةِ الطعامِ على المائدة.

إنتِ بتعملي إيه ..رفعت عينيها إليهِ ثمَّ اتَّجهت لما تفعلُه: 

بحضرلَك الغدا يابيه إنتَ والمدام بتاعتَك..

مدام بتاعتي!..ارتفعت أنفاسهِ وتحرَّكَ  للداخلِ بعدما دفعَ المقعدَ بغضبٍ حتى سقط..

نقصني جنان، فعلًا ستات هبلة، قالها وهو يصفعُ بابَ الحمَّامِ خلفهِ بقوَّةٍ وقامَ بتحطيمِ كلَّ مايقابلُه..

جلست وامتلأت عيناها بسحُبِ الحزنِ تهمسُ لنفسها:

إحنا الاتنين مختلفين للأسف ياأرسلان ..شكلنا مش هنكمِّل مع بعض..نهضت متَّجهةً إلى غرفتهِ تُخرجُ ثيابهِ كما تعوَّدت بالأيامِ السابقة، وضعت ملابسهِ بانتظامٍ ودِقةٍ كما تعوَّد، ذهبت ببصرها موضعَ نومِ تمارا، شعرت بقبضةٍ تعتصرُ روحها هامسةً بتساؤلٍ خرجَ من آلام قلبها: 

معقول يكون متجوِّز وبيضحك عليَّا؟..

أه..ومخلِّف والعيال بتلعَب برَّة، أجيبهم علشان يقولولِك يامرات بابا، ولَّا ياأنطي؟..

قالها واقتربَ بخطواتهِ منها، وهو يكادُ يحرِقها بنظراتهِ الغاضبة، تراجعت بعدما وجدتهُ بتلكَ الهيئة، خروجهِ بالمنشفة وخصلاتهِ النديةِ بالماء، ناهيكَ عن قطراتِ المياهِ التي تحاوطُ أكتافهِ وصدرهِ العاري ..استندت على الجدارِ خلفها تبتلعُ ريقها بصعوبةٍ مع رعشةٍ تسلَّلت لقلبها:

أرسلان ..قالتها بدموعٍ تزحفُ فوق وجنتيها ..زفرَ بغضبٍ ثمَّ ضمَّها لصدره: 

طيِّب بتعيطي ليه.. فيه واحدة عاقلة تعمل اللي عملتيه، إنتِ مرات أرسلان الجارحي، فاهمة يعني إيه، يعني تتعاملي على الأساس دا، مش شغالة ياغرام…

كانت لا تعي ماذا يقول، ولا تشعرُ بشيئٍ  سوى نبضاتِ قلبها التي تخترقُ ضلوعها من قربهِ المهلك، تمنَّت أن تضعَ رأسها على صدرهِ وتُغمضَ عينيها لتعرفَ كيفَ يكونُ شعورها وهي بينَ أحضانه...وجدَ صمتها، فرفعَ وجهها ينظرُ لبكائها:

بطَّلي عياط، دموعِك غالية نزِّليها على حاجة تستاهل..

إنتَ متجوِّزها فعلًا؟..

رسمت عيناهُ ملامحها البريئة، وداعبَ وجنتيها بابتسامةٍ شغوف:

هوَّ إنتِ مش سألتيني وقولتلِك لا، ليه راجعة تسألي تاني..

طأطأت رأسها تهمسُ بتقطُّع:

أصلها بتقول مراتَك..

رفعَ ذقنها وهمسَ بصوتهِ الأجش الرخيم:

أيِّ واحدة تقولِّك جوزي هتصدقيها..

تلاقت الأعينُ بدموعها تهزُّ أكتافها، وأخرجت كلمةً قطعت نياطَ قلبه:

معرفشِ...أنا معرفكشِ لسة، ولا فيه حاجة بتربطنا…

لفَّ ذراعيهِ حولَ جسدها يضمُّها بقوَّةٍ إلى أحضانهِ قائلًا:

غرام أنا متجوزتش غير مرَّة واحدة وكان لشغل برضو..ابتعدت كالملسوعة تطالعهُ بصدمة:

كنت متجوِّز، يعني اتجوزت وطلَّقتها 

وبعدين معاكي إنتِ مش مدياني فرصة أتكلِم، ممكن تسمعيني…

معقول أكون زيي زيها ...تسائلت بها..فلماذا جعلها زوجتهِ بالسر إلَّا إذا كانَ لغرضٍ ما..ابتعدت عنهُ قائلة:

هدومَك على السرير، هروح أجهزلَّك الغدا.

غرام لازم نتكلِّم...

مفيش كلام ياسعادةِ البيه...قالتها وغادرت الغرفة.

عندَ يزن:

منشغلًا بإحدى السيارات، استمعَ إلى صوتِ حذائِها ..رفعَ رأسهِ ثمَّ توقَّف: 

أووه وأنا بقول المعرض نوَّر ليه.

عامل إيه، وأخبارِ الشغل؟..

أشارَ إلى المعرضِ قائلًا: 

إنتِ شايفة إيه؟..تحرَّكَ إلى إحدى السياراتِ التي وصلت بالأمس:

إيه رأيِك في دي، نوعها حلو وكمان الطلب عليها مقبول، بعت زي مامالك بيه قالِّي، والدنيا تمام..

كانت تطالعهُ بنظراتِ إعجاب، اقتربت مستندةً على السيارةِ أمامه: 

إيه رأيَك تيجي معايا الشركة، وسيبَك من المعرض دا ..جذبَ سجائرهِ ورمقها بنظرةٍ صامتة، ثمَّ خطا إلى وقوفها:

عايزة منِّي إيه أستاذة رحيل؟..مابحبِّش الَّلف والدوران، يعني حاسس إنِّك بتلفِّي على حاجة معينة وبتعملي مقدمات مالهاش داعي..

ثبَّتت عينيها عليهِ ثمَّ اقتربت منه:

عايزة راجل معايا في الشغل، وقبلِ ماتعترض عندي مشاكل شخصية.

مشاكل شخصية!!

تساءلَ بها وهو يرسمُها بعينيه ..

تآذر قلبها الألم الذي تجلَّى بملامحها: 

خطيبي بيطاردني، قصدي اللي كان خطيبي، رغمَ أنُّه خطب وعاش حياتُه بس برضو مش سايبني وبيعاملني كأنِّي ملكية خاصة..

إنتِ كنتي مخطوبة..هزَّت رأسها وتابعت حديثها:

طارق ابنِ خالتو، اتخطبنا فترة، بس تركنا لمَّا عرفت أنه بيشرَب وبتاع بنات..

أخرجت آلامها من خلالِ زفراتها واستطردت قائلة:

كلُّه علشان الفلوس، ماكذبشِ عليك من وقتِ الحفلة وأنا بفكَّر في شهامتك وكمان حسَّاك شخص يُعتمد عليه، علشان كدا قولت أكلِّمك والرأي اللي يريَّحك..


كان يجاهدُ الكثيرَ والكثيرَ بداخله، ممَّا استمعَ إليهِ حتى تحوَّلت أنفاسهِ إلى نيران تريدُ إحراقَ كلِّ ما يذكِّره بالماضي..

سحبَ نفسًا وجاهدَ أن يسيطرَ على أعصابه كلما تذكر علاقته بطارق:


أنا مليش في شغلِ الشركات، مابحبِّش أشتغل في حاجة مابفهمهشِ فيها..

هعلِّمَك..توقَّفَ بجوارِها يستندُ على السيارة:

أتعلِّم في مجالي أفيد غيري، إنَّما أتعلِّم بمجال غيري ليه؟..

معادلة مش مظبوطة ياحضرةِ المهندسِ العظيم ...قاطعهُم دلوفَ كريم ملقيًا  السلام:

عديت عليك، إيمان قالتلي إنَّك لسة في الشغل..

أشارَ إلى رحيل وهو يحاوطُ كتفه:

كريم صديقي الوحيد وأخويا الروحي..

أخوك الروحي ..إزاي مش فاهمة؟..

ابتسمَ كريم متسائلًا:

رحيل العمري أكيد ..أومأت بابتسامةٍ ناعمةٍ وأجابته:

مشهورة ولَّا إيه..أشارَ إلى يزن قائلًا:

عرفتِك من وصفِ يزن، ذاتَ الشعرِ الأشقر..

أفلتت ضحكةً تهزُّ رأسها ثمَّ أشارت:

شعري أشقر يايزن؟..

ألجمهُ عن الرد وهو يشيِّعهُ بنظرةٍ غاضبة، كانت تتابعُ حربَ النظراتِ فأردفت:

المهم فكَّر في اللي قولتُه أنا لازم أمشي عندي ميتينج ..تحرَّكَ معها إلى سيارتها إلى أن غادرت.

جلسَ كريم ينتظرُه، وصلَ إليهِ وتعاظمَ بداخلهِ الغضب:

إنتَ أهبل يابني، دلوقتي تقول عليَّا إيه بجيب في سيرتها…

ظلَّ يطالعهُ بنظراتٍ مبهمةٍ ثمَّ توقَّفَ  مقتربًا منه:

رحيل تعرَف إنَّك ابنِ جوز خالتها 

تجمَّدت الكلماتُ على شفتيه، وشعرَ بتخبُّطٍ يراودُ روحه، اقتربَ إلى المقعدِ وجلسَ عليهِ بهدوئهِ المعتاد، ثمَّ أردف:

كريم أنا العيلة دي معرفهاش، ولا عايز أعرفها، هفضل لآ خر يوم في عُمري يزن السوهاجي، أبويا اللي ربَّاني وعلِّمني، مش اللي كان بيعذِّب أمي..

توقَّفَ واقتربَ منهُ بنظراتٍ عميقةٍ كعمقِ البحرِ يتجوَّلُ بها على ملامحه:

بس اللي حاسه غير كدا يايزن، عندي إحساس إنَّك ناوي على حاجة..

سحبَ بصرهِ مبتعدًا عن مرمى عينيهِ  ونفثَ سيجارتهِ وأردفَ بشرود:

مش ناوي على حاجة طول ماهمَّا بعيد عنِّي، إنَّما لو حاولوا يقرَّبوا منِّي، يبقى بيفتحوا القبر على أمي بذكرياتها..

يعني إيه وليه يقرَّبوا منَّك؟.. 

نهضَ مع دخولِ أحدِ الزبائن، ثمَّ ربتَ على كتفه:

ولا حاجة بعدين نتكلِّم، هشوف الأستاذ.


بالجامعةِ عندَ إيلين:

وصلت منذُ قليلٍ تبحثُ عن صديقتها الوحيدةِ خديجة، وجدتها تقفُ أمامَ بابِ القاعةِ تنتظرُها، نظرت بساعةِ يدها تهزُّ  رأسها باعتراضٍ تجلَّى على ملامحها:

قولتي نُص ساعة مش ساعة ونص يادكتورة، كنتي بتعملي إيه دا كلُّه…

تحرَّكت الفتاتانِ إلى القاعةِ وهتفت:

لقيت مراجع كتير حبيت استغلَّها، صوَّرتِ بعضها والبعض بعتُّه على الداتا بتاعتي..

توقَّفت خديجة تطالعُها بذهول:

أكيد بتهزَّري، يعني جوزِك دكتور ورايحة تصوَّري مراجع ياهبلة!..

استدارت إليها سريعًا، ترمقُها بنظرةٍ متألِّمة:

أنا مش متجوزة ياخديجة سمعتيني، دا مجرَّد وقت لحدِّ ما اأخلَّص الكلية وأسافر..

أمسكتها من رسغها تعاتبُها بنظراتها:

معقول ياإيلين، هتتنازلي عن حبيب عمرِك، هوت على المقعد، وشعرت بطعنةٍ غادرةٍ حينما تذكَّرت عشقها لمن استباحَ نبضَ قلبها، وتهاونَ بدقاته، نهضت تنظر من النافذة و رفعت عيناها المتجمِّعة بسحُبها الحزينة، كسُحبِ الشتاءِ السوداءِ لتُلقي بأمطارها الرعدية، لم تتحمَّل كبتَ آلامها، وآآه شقت صدرها، فسمحت لعينيها بالتحرُّر، لتتلاشى ضغوطُ مآساتها و تردفَ بتقطُّع لصديقتها التي جاورتها بالوقوف:

حبيب عمري دلوقتي عقلي اللي لازم أشغلُه إزاي أبني حياة خاصة بإيلين دونَ ألقاب..

استمعوا إلى بعضِ الهمساتِ بدلوفِ أستاذهم الجديد، كانت تواليهِ ظهرها، عرفها من ثيابها ووقوفها الطاغي بأنوثتها..


صباح الخير: 

استدارت سريعًا تنظر إليه بذهول، استندت على المقعد بعدما فشلت بالسيطرة على رجفة جسدها، لتهوى متجمدة تطالعه بأعين مغروقة بدموعها.. ابتعد عن مرمى نظراتها التي جعلته متخبط بحديثه ليردف:


كلِّ عام وأنتم بخير ..وعام دراسي سعيد ..معاكم دكتور آدم الرفاعي 

دكتور....human anatomy

تهكَّمت تبتعدُ بأنظارِها بعيدًا عنهُ  وأردفت بصوتٍ خافتٍ وصلَ لمسامعِ صديقتها:

"زادنا الشرف يادكتور الجثث"

أفلتت خديجة ضحكةً تلكزُها:

أسكتي يادكتور خلِّي اليوم يعدِّي..

ابتسامةً ساخرةً تجلَّت على وجهها:

الجامعة كلَّها مفهاش غير دكتور الجثث دا علشان يدِّرسلنا، أنا هعتزِل الطب خلاص..


ممكن أعرف الأستاذة اللي ورا بتتكلِّم في إيه وأنا بتكلِّم؟..

قالها آدم بنبرةٍ يشوبها الغضب.


رفعت حاجبها ساخرةً ثمَّ توقَّفت:

أهلًا بحضرتَك يادكتور، حقيقي زادنا الشرف إنِّ حضرتَك هتعلِّمنا إزاي نقطَّع الجثث، أمَّا أنا دكتورة والله مش أستاذة أبدًا، حضرتَك إحنا في كليةِ الطب..

استمعَ إلى بعضِ الضحكات، تسلَّطت عيناهُ عليها وكأنَّها أُضرِمت بهما نيرانُ غضبهِ فارتفعَ صوتهِ وهتف:

لمَّا أتكلِّم ممنوع كلام جانبي، وأنا عارف إنِّ حضرتِك لسة عيِّلة في كلية طب، ودا مايدنيش الحق أقولِّك يادكتور، وقتِ لمَّا تستلمي امتيازِك يبقى أصفقلِك ياحضرةِ الطالبة ذاتَ اللسانِ السليط، 

وإيه تقطيع الجُثث ..إنتِ متأكدة إنِّك طالبة تَصلُح للطب..


برقت عيناها بغضبٍ عندما ألقاها بوابلِ الكلماتِ التي أشعلت فتيلَ غضبها، ممَّا جعلها .....


ظلَّ لفترةِ يشرحُ بطريقةٍ سلسةٍ جعلت كلَّ من بالقاعةِ يشيدُ بوصولِ المعلومةِ بطريقةٍ مبسَّطة..


وبنهايةِ المحاضرة طلبَ من الطُّلابِ بعملِ بعضِ الأبحاثِ عن الطبِ التشريحي ...لملمت أشياءها بعدَ انتهاءهِ ووقوفِ بعضِ الطالباتِ لمناقشتهِ في بعضِ النقاط..كانت عيناهُ عليها، نظراتها الحزينة ووجهها الذي انطفأَ بريقهِ،  ناهيكَ عن عينيها التي أصبحت الدموعُ ملاذها..كم شعرَ بالأنينِ وكأنَّ أحدَهم غرزَ بصدرهِ طعنةً بسكينٍ بارد..جمعت أشياءها وتحرَّكت ولم تعيره حتى بنظرة، ظلَّ يتابُعها بنظراتهِ مع استماعهِ لطلابه، إلى أن خرجت وأغلقت البابَ خلفها، وكأنَّها هنا أغلقت عليهِ قبره..جمعَ أشيائهِ وتحرَّكَ معتذرًا:

نكمِّل المحاضرة الجاية يادكاترة..

تحرَّكَ يبحثُ عنها بعينيهِ إلى أن التقطها متوقفةً مع أحدهم، ثارت جيوشُ غضبهِ وهو يراها تبتسمُ له..أومأت لهُ وتحرَّكت بجوارِ صديقتها لتخرجَ من الحرمِ الجامعي بالكامل...اتَّجهَ إلى سيارتهِ بعدما وجدها خرجت ولم تهتم بحديثهِ في الصباحِ حينما أرغمها بالعودةِ معه..


بالخارجِ توقَّفت الفتاتانِ بانتظارِ سيارةِ الأجرة ..تحرَّكَ بالسيارةِ إلى أن وصلَ إليها ومع ضغطهِ لبوقِ السيارةِ حتى لاحت نظرةً إليه ولكنَّها عادت تنظرُ إلى الطريق وأوقفت سيارةَ الأجرةِ وغادرت مع صديقتها..


بعدَ فترةٍ عادَ يبحثُ عنها، دفعَ بابَ الغرفةِ بغضبٍ بخروجها من الحمَّامِ بالبورنس..توقَّفت بجسدٍ مرتجف، كانت تظنُّ أنه سيظلُّ مع صديقهِ الذي وصلَ إلى منزلِ خالها بالأسفل..


اقتربَ منها وعينيهِ تخترقُ جسدها بأنفاسٍ متسارعة، أحكمت فتحةَ روبها وتراجعت للخلفِ محاولةً الحديث:

إن. ت إزاي تدخُل من غيرِ استئذان، إيه..قعدتَك برَّك نسِتك الأصول يابنِ خالي؟…

حاوطَ جسدها بينهُ وبينَ الحائط، وعينيهِ تُبحرُ فوقَ جسدها، حبسَ أنفاسهِ داخلَ صدره، يتجوَّلُ بعينيهِ بدايةً من فتحةِ الروبِ وشعرها الذي تنسابُ منهُ قطراتُ الماءِ لتنسدلَ على عنقها، مرورًا بساقيها الناعمة ..أغمضَ عيناهُ مقتربًا يستنشقُ رائحتها يهمسُ بخفوتٍ يحرقهما:

مقدرتِش أخدعك صدَّقيني، عارف قسيت عليكي، ومهما تعملي أنا قابلُه..

رفعَ ذقنها وحاوطَ وجهها وأردفَ بصوتهِ الأجش:

متوجعيش قلبي عليكي لوسمحتي، مش عايز أخسرِك..

طالعتهُ بأعينٍ مرتجفةٍ، لأوَّلِ مرَّةٍ تكونُ قريبةً منهُ لهذا الحد، لمسَ وجنتيها الناعمةِ واقتربَ حتى اختلطت أنفاسهما وأردفَ بصوتٍ أشبهُ للخفوت:

آسف..نظرةُ ضياعٍ أسقطتها في بئرِ ظلامِ حبِّهِ لا محالة، حاوطَ جسدها لترتفعَ دقاتُ قلبها وتشعرَ وكأنَّها مكبلةُ الأيدي أو كأنَّهُ سحبَ منها قُدرتها عن إبعاده ...لمسَ وجنتيها بخاصته، لتهبَّ فزعةً حينما شعرت بسخونةِ شفتيهِ فوقَ وجنتيها، ثمَّ لكمتهُ بقوَّةٍ بكفَّيها الاثنينِ وصرخت حينما شعرت بضعفها أمامه:

إبعد عنِّي إياك تقرَّب منِّي..قالتها وتحرَّكت للغرفةِ الأخرى وأغلقت البابَ خلفها، هوت تزحفُ بساقيها مع شهقاتها التي أصمَّت أذنيه، ضربت على صدرها بقوَّةٍ  تكتمُ شهقاتها:

لسة بتحنِّي لُه، دا واحد خاين، خان حبِّي  وخان قلبي، خان عمري وأيامنا الحلوة..نهضت وبدأت تُحطِّمُ كلَّ ما يقابلُها تصرخُ بجنون:

أنا بكرهُه، لازم أكرهُه وأحرق قلبي اللي حبَّك ياآدم، بكرهَك وبكره كلِّ ذكرى ربطتني بيك..

دفعَ البابَ ودلفَ إليها، توقَّفَ متجمدًا  على حالتها التي من يرآها يظنُّ إصابتها بمسِ جنِّي.. 


خطا إلى أن وصلَ إليها وجذبها بقوَّةٍ لأحضانه، محاولًا السيطرةَ عليها، ظلَّت  تبكي إلى أن أُنهكَت لتهوى بين يديه، انحنى يحملُها بلهفةٍ ويضمُّها إلى صدره، متَّجهًا إلى فراشهما، وضعها بهدوءٍ وحقنها بمهدئٍ لتذهبَ بسباتٍ بعدها..جلسَ أمامها على ركبتيه، يمرِّرُ  أناملهِ بحنانٍ على وجهها ثمَّ وضعَ رأسهِ بالقربِ من رأسها ورفعَ كفِّهِ فوقَ وجهها يغمضُ عينيه:

سامحيني، عارف ظلمتِك معايا، مقدرتش أرفض حبِّك اللي حسيته، عارف إنِّي أناني، غصب عني من وقتِ ما رجعت وشوفتِك تاني صحِّيتي الحب اللي اندفن..دنا إلى ثغرها وأغمضَ عينيه: 

هتتعبيني معاكي، بس أنا نفسي طويل أوي يابنتِ عمتي، مستحيل أتخلَّى عنِّك...قالها ليطبعَ قبلةً سطحيةً فوقَ شفتيها ثمَّ نهضَ من مكانهِ وغادرَ الغرفةَ بعدما فقدَ قدرته..


عندَ أرسلان:

ارتدى حلَّتهِ السوداء، وتوقَّفَ يصفِّفُ  خصلاته، استمعَ إلى طرقاتٍ على بابِ الغرفةِ نظرَ لانعكاسِ صورتها بالمرآة 

اقتربت منهُ هامسة:

عايزة أروح أزور بابا، من وقتِ مارجعنا مازُرتهمش..


ارتدى ساعةَ يدهِ واستدارَ قائلًا:

لمَّا أرجع، لازم أنزل دلوقتي..توقَّفت أمامهِ معترضةً طريقه:


بس أنا عايزة أروح دلوقتي، معلش هأخَّرك شوية عن الستِ هانم.


تجهَّمت تعابيرُ وجههِ، بسطَ يدهِ يُزيحها من أمامه:

لازم أروح المستشفى دلوقتي، ساعتين وهرجع، مش عايز كلام كتير، نفسي كلامي يتسمِع من أوِّل مرَّة.. 


انتزعَ فتيلَ غضبها لتصيحَ بوجهه:

لا، طبعًا أنا أستناك ليه، إنتَ صدَّقتِ نفسك ولَّا إيه..جوازنا كان لمهمة وخلصت، وانت متعود على كدا، دلوقتي إنتَ من طريق وأنا من طريق، اقتربَ إلى أن التصقَ بجسدها، ثمَّ رفعَ كفِّهِ على خصلاتها وقرَّبها إليهِ يهمسُ بجوارِ أذنها:

كلمة كمان وهنسى إنِّك مراتي، ميغُرِكيش الطيبة اللي شيفاها على وشي، لمَّا بقلِب بحرق اللي قدَّامي..

قالها ثمَّ دفعها بعنفٍ على الفراش، استدارَ وتحرَّكَ بعضَ الخطواتِ ثمَّ توقَّفَ  يشيرُ إلى السرير:

الليلة هتباتي معايا هنا، مفيش حاجة في الجواز إسمها ناخد على بعض، إجهزي لجوزِك الليلة ياأستاذة يابتاعة قالَ الله وقالَ الرسول..قالها وتحرَّكَ دونَ إضافةِ المزيد..ظلَّت نظراتها على خروجهِ إلى أن استمعت إلى إغلاقِ البابِ بعنفٍ لينتفضَ جسدها بقوَّة.


بفيلَّا الشافعي:

سحبتهُ ودلفت للداخلِ تُغلقُ البابَ خلفها: 

طارق اسمعني كويس، إحنا لازم نخلَص من الظابط دا، شوفت عمل إيه في هيثم أخوك، أوِّل حاجة عملها وممكن كمان يعمل الأسوأ لمَّا يعرَف إن باباك حاول يقتل أبوه..

ضيَّقَ عينيهٍ متسائلًا: 

وليه بابا عايز يموِّت أبوه...جلست تضعُ ساقًا فوقَ الأخرى وأردفت:

مرات عمَّك فضحت أبوك زمان وهربت منُّه عايز ينتقم منها، سيبَك من ليه، إنتَ عارف مرات عمك دي هتورث قدِّ إيه، لازم نشوف خطَّة محبوكة ونخلص من إلياس، دا لو خلصنا منُّه هنعرف نتخلَّص من أبوه..


جلسَ ينفثُ سيحارتهِ ليختفي خلفَ رمادها، ثمَّ ابتسمَ بخُبث:

عندي اللي يخلَّص، بس عايز فلوس كتيرة..والمهم خطَّة كويسة، مش تبقى زي بابا..


نهضت من مكانِها واقتربت منهُ تهمسُ لهُ كالحرباءِ المتلوِّنة:

اسمعني اللي يوجِع زي إلياس دا غرورُه ورجولتُه، دارت حولهُ ومازالت تبخُّ سمَّها كالأفعى: 

اللي يكسَر رجولتُه ويجنِّنه مراتُه، هنسحبه هناك في الوقت اللي إنتَ تبقى مرتِّب إزاي ندعيلُه بالرحمة…


نفثَ سيجارتهِ بفخرٍ وهو يضحك:

اعتبريه حصل، إديني يومين ونترحَّم عليه ..

عندَ إلياس: وصلَ إلى الفيلا، وتوقَّفَ يشيرُ إليها:

إنزلي ..فتحت البابَ وترجَّلت من السيارةِ دونَ أن تلتفتَ إليه، ترنَّحت بحركاتها، نزلَ سريعًا واتَّجهَ إليها ودونَ حديثٍ حملها وصعدَ بها إلى الأعلى مع معارضتها وصياحها، نظرَ أمامهِ قائلًا بنبرةٍ باردة:

صوتِك، الأمن بيبُص علينا، خطا بها إلى غرفتهما ووضعها على الفراش.

دفعتهُ صارخة:

ماتلمسنيش تاني سمعت…انحنى لمستواها وأردفَ بصوتٍ أجفلها:

ميرال خُدي بالِك من كلامِك، بتغلطي، أنا جوزِك..تراجعت ترمقهُ بنظراتٍ مشمئزَّة:

وأنا بكرهَك ياجوزي إيه رأيك بقى..

رسمَ قناعًا باردًا فوقَ ملامحه، رغمَ نيرانِ صدرهِ المشتعلةِ بكلماتهِا ثمَّ دنا بجسدهِ منها:

هخليكي تحبِّيني ماتشغليش بالِك إنتِ، المهم إهدي دلوقتي وبعدين نتكلِّم، علشان منخسرشِ بعض..

شعرت بقلبِها يتآكلُ من برودهِ وحديثهِ الذي يحرقُ روحها، رفعت عينيها حتى تلاقت بعينيهِ الباردة وأردفت:

طلَّقني ياإلياس، أنا مش عايزاك..

احترقَ قلبهِ من كلماتها، ليتنهَّدَ بألمٍ  محاولًا الثباتَ والسيطرةَ أمامَ غضبها، جلسَ على الفراشِ وجذبَ جسدها يحتويها بين ذراعيه:

طيِّب ممكن تأجِّلي أي كلام دلوقتي، نتكلِّم ونتعاتب بعدين ياميرال عندي شوية شغل، أخلَّصهم ونخرج لأي مكان تشاوري عليها ووعد هنتكلِّم وأقولِّك على كلِّ حاجة.

طالعتهُ لبرهةٍ وبقلبٍ تهشَّمَ بسببهِ وعيونٍ ماتت بها الحياة وأصبحت خاوية من دفءِ أحضانهِ هتفت دونَ جدال:

مبقاش ينفع، جوازنا من الأوَّل كان غلط، إنتَ عندك حق، ليه تتغصب وتتجوِّز واحدة رامية نفسها عليك، أنا بحلَّك من أي وعد وأي حقوق، مش عايزة غير إنِّي أتحرَّر منَّك وبس.


تطلَّعَ إليها بخيبةِ أمل، نهضَ من مكانهِ إلَّا أنَّها تشبثت بذراعه: 

طلَّقني، إرمي عليَّا اليمين وحالًا  ياإلياس ..طلقن...قطعَ حديثها مبتلعًا كلماتَها التي أصبحت كنصلِ سكينٍ تمزَّقَ  فؤاده، حاولت التحرُّرَ من بينِ يديهِ إلَّا أنَّهُ  كانَ المتحكِّمَ والمسيطِر، ضعفت للحظاتِ تحاوطُ خصرهِ بعدما شعرت باشتياقها لهُ من خلالِ قبلاتهِ التي بعثرها على ثغرها..

ضمَّها بقوَّةٍ يريدُ أن يُدخلَها لصدرهِ ليُثبتَ لها أنَّها وحدها من لهُ الحقَّ أن يتربعَ على عرشِ قلبه، همسَ بضعفٍ لأوَّلِ مرَّة: 

بلاش تهدمي حياتنا، زي ماقولتلِك قبلِ كدا عُمري مافكرت أوجَعك..

انتحبت بأحضانهِ وارتجفَ جسدها بالبكاءِ تريدُ أن تبتعدَ ولكنَّها لم تستطع، كيف يكونُ قاضيها وجلَّادها بنفسِ الوقت، تعشقهُ بجنونٍ حدَّ الثمالة، ولكَّنهُ أحرقها بنيرانِ الانتقام، دفنَ رأسهِ بحنايا عنُقها وآاااه حارقة شعرت بها على عنُقها مردفًا:

آسف، سامحيني..فكَّت حصارهِ وتراجعت:

أسفك مش مقبول ...اطلع برَّة..

توقَّفَ متردِّدًا يريدُ أن يصلَ إليها ويصفعها على وجهها على ماتلفَّظت به، ولكنَّهُ أجبرَ ساقيهِ أن تتحرَّكَ قبلَ أن يفعلَ شيئًا لا يُحمدُ عقباه..


مرَّ أسبوعًا هادئًا إلى حدٍّ ما على أبطالنا..

بفيلَّا الجارحي: 

عادَ فاروق إلى منزلهِ بعدَ رفضهِ المكوثَ بالمشفى، دلفَ لوالدهِ ببشاشتهِ المعتادة:

نوَّرت بيتي ياباشا..رفعَ نظرهِ إليهِ بابتسامةٍ حزينةٍ مردِّدًا:

بيتَك، واللهِ.. يعني أبوك مالوش حاجة؟..

جلسَ بجوارهِ يقبِّلُ كتفه: 

حبيبي إنتَ ياأبو الفوارق، يالَّه شدِّ حيلَك  علشان أجوِّزك..قالها بدلوفِ والدتهِ تجرُّ طاولةَ الطعام:

عايز تجوِّز بابا ياأرسلان، طيِّب أنا زعلانة منَّك، ويالَّه روح لإسحاق خلِّيه ينفعَك..نهضَ يفتحُ ذراعيه:

يالهوي صفية هانم الدراملي أقدر أزعلَّها طيب يارب أموت لو زعلتِك، 

ضمتهُ بقوَّةٍ تمسحُ على ظهرهِ متمتمةً بنبرةٍ غاضبة:

بعدِ الشرِّ عليك ياحبيبي، أوعى تقول كدا تاني ..خرجَ من أحضانِ والدتهِ يرفعُ كفَّيها ويلثمها قائلًا:

ربنا يخلِّيكي ليَّا ياماما يارب، المهم كنت عايزِك تروحي معايا مشوار مهم

زوت مابين حاجبيها:

مشوار فين وبابا تعبان كدا !..

روحي معاه ياصفية، مشواره هيفرَّحِك وهيخليكي تجي من هناك جري..

اتَّجهت لزوجها بنظراتٍ مستفهمة:

هوَّ مش عندِ إسحاق ولَّا إيه!..

سحبَ كفَّها لخارجِ الغرفةِ قائلًا:

ماما إجهزي حبيبتي مشوار هيفرحك متخافيش، مش هخطفك ياصفية..


عند يزن 

جلس أمامها بإحدى الكافيهات 

-فكرت وموافق، بس بشرط..احتوت كوبها بين راحتيها ترتشف منه وعيناها عليه

-أنا هدخل بنسبة على قد ماأقدر، وزي ماقولت قبل كدا، انا مابشتغلش عند حد، دي حاجة الحاجة التانية مش عايز وجود لطارق الشافعي في حياتك مهما كانت صلة القرابة 

اومأت بأمتنان تجلى بملامحها، استندت على الطاولة تتعمق بالنظر إليه: 

-يزن انت لسة بتحب خطيبتك..تراجع بظهره واجابها بشبه ابتسامة ساخرة

-أنا نسيت اصلًا اني كنت خاطب..استمعت إلى رنين هاتفها رفعته: 

-ايوة يابابا... حبيبتي طارق اتخانق مع ظابط مرور علشان خاطر بابا كلمي الظابط يخرجه

تأففت بضجر واجابته:

-كالعادة سايق وهو بيشرب..تمام يابابا

رفعت نظرها إلى يزن

-لازم امشي دلوقتي، طارق متخانق مع ظابط..

نهض من مكانه بملامح منكمشة متسائلًا:

-وأنتِ مالك مايروح في داهية

باغتته بنظرة صامتة، ظننًا أن خطيبته السابقة سبب عداوته مع طارق ، تحركت إلى سيارتها متمتمة بخفوت:

-مينفعش اسيبه دا يضرنا اكتر مايضره

عمو راجح له نسبة في الشركة


فتح باب السيارة وأشار إليها بالركوب

طيب وصليني في طريقك، عايز اخد رأيك في حاجة...تنهدت بحزن متمتمة

-آسفة يايزن !!

هز رأسه وهو يستقل السيارة بجوارها

-اسفك مش مقبول إلا إذا وصلتيني 

انشرح قلبها ورقت لهجتها إليه 

-احسن توصيلة لأحسن مهندس


بعد فترة وصل إلى مسكنه


ترجل من سيارة راحيل لتتوقف أمامه مها تصرخ به 

-أنت عايز مني إيه يايزن، انسى أنا مش هرجعلك حتى ..جمرات حارقة اشعلتها، حاول السيطرة على غضبه فرفع كفيه يشير إليها بالصمت واردف بنبرة يشوبها الاستهزاء:

- مش واخد بالي من الأستاذة، انت واخدة مقلب في نفسك هوى، اقترب خطوة مع ترجل رحيل من السيارة قائلًا:

-أنا حتى مش فاكر انتِ مين، وزعت رحيل نظرها عليهما ثم تحدثت:

يزن فيه حاجة ؟!..

استدار يغمز لها بطرف عينيه

-لا حبيبي..دي بتسأل عن خطيبها قوليلها تزوره في السجن، شكله عامل مصيبة..انحنى ينظر بعمق عيناها 

-لو وقفتي قدامي تاني مرة هقل منك وانتِ مش ناقصة يابنت اعتماد ام كرش ..قالها وتحرك إلى منزله بعدما لوح بكفيه لرحيل يطلق صفيرا

ابتسمت على حركاته اللطيفة، ظلت تتابعه بنظراتها، تذكرت كلمة حبيبي التي ذكرها بها دون وعي..

طالعتها مها بنظرة مستخفة، لتقترب منها:

-بيضحك عليكي عايز ينتقم مني، اصلك متعرفيش بيبحني قد ايه، اقتربت منها ورفعت نفسها تهمس بخفوت بالقرب من أذنيها:

-حب سبع سنين وكنا بنقرب من بعض،فاهمة طبعًا الحب وأفعاله، تخيلي سبع سنين يتنسوا بسهولة من راجل زي يزن لما يحب بجد 

قالتها وتحركت دون حديث آخر


بشقة ارسلان 

جمعت ملابسها بالحقيبة تبكي بانهيار تسبه مرة وتدعي عليه أخرى 

-غبية ياغرام كنتي مفكرة هيحبك شوفتي ياهبلة عمل إيه، اهو اللي كنت شاكة فيه حصل، خرجت تسحب حقيبتها وجدتها تجلس تضع ساقًا فوق الأخرى:

-برة مش عايزة اشوف وشك تاني، توقفتواقتربت منها تقبض على أكتافها:

-لو شوفتك تاني هقتلك، خافي على نفسك، ولو مش خايفة خافي على اخوكي الحليوة، 


تأرجحت عيناها بالقسوة والنفور:

-سكت على نزواته لأنها كانت تستاهل، أما ينزل لمستوى الخدامين...اييييه ازاي نزل للمستوى الزبالة دا، لو كان عرفني أنه مزاجه المرة دي على بيئة زيك كنت استنضفت، ضغطت على فكيها تهمس بهسيس

-مش ارسلان الجارحي اللي يقرب من بيئة زيك ياحلوة..

دفعتها بقوة حتى سقطت على الأرضية، وانحنت تحدجها بنظرات مميتة

-أنا مراته ياحقيرة، اللي مش عجباكي دي مراته، وانا مش ماشية علشان إنت طلبتي، لأ، ماشية علشان يعرف الزبالة اللي زيك حدودها، لازم يجلي راكع علشان اقبل ارجع له، لانه سمح باللي ذيك تدخل بيتي وعلشان المفتاح اللي في ايدك دا ..


جرت حقيبتها وتحركت مغادرة الشقة بالكامل


بفيلَّا السيوفي:

حانت الشمسُ وقد هلَّت بشائرها وأيقظَ الفجرُ نورهِ الفضِّي، ليوقظَ عبادهِ بالذكرِ والصلاةِ على نبي الأمة ..فتحَ عينيهِ على صوتِ صلاةِ هاتفه، أغلقهُ ومازالَ على الفراش..

بسطَ كفِّهِ على مكانها الباردَ بجواره، 

شعرَ ببرودةٍ تجتاحهُ كلَّما تذكَّرَ حديثها عن الانفصال، كيفَ لهُ أن يهدأَ وهي التي جعلتهُ لا يُتقنُ فنونَ العشقِ سوى بأحضانِها وهمساتِها، أصبحَ بداخلهِ شغفُ الحبِّ الذي لايهدأ، وموجٌ متلاطمٌ يريدُ أن يثورَ ليُغرقَ ضفافَ شواطئ، كيفَ تحمَّلت ذاكَ الأسبوعِ الكئيبِ دونَ أن تتنعَّمَ بأحضانه، هل حقًا تريدُ الانفصال، أم تريدُ أن تردَّ كرامتها التي بعثرها بكلِّ جبروت، ذهبَ بذاكرتهِ لتلكَ الأيامِ التي أصبحت ذكرياته لجنَّة دنياه..

فلاش باك: 

خرجت من البحرِ تتعلَّقُ بعنقهِ ليحملُها بينَ ذراعيهِ قائلًا:

كدا مرتاحة يعني ..دفنت رأسها بصدره:

وماليش راحة غير هنا ياإلياس..مرَّرت كفَّها على صدره: 

دا بيت راحتي، وإعمل حسابَك مهما نزعل من بعض إياك تحرمني من حُضنك مش هسمحلَك ياحضرةِ الظابط.

رفعها إليهِ ليقبِّلها ويدفنُ وجههِ بوجهها:

ولا أنا هسمحلِك تبعدي، إبعدي وشوفي هعمل فيكي إيه..وصلَ إلى المنزلِ وأنزلها بهدوءٍ ومازالت تتعلَّقُ بعنقهِ ترفعُ نفسها وتنظرُ لعينيهِ متسائلةً بهمس:

هتعمل إيه لو بعدت..حاوطَ خصرها ودلفَ لداخلِ الحمَّامِ يزيلُ عنها ملابسَ الغطسِ تراجعت للخلفِ تشيرُ بيديها:

باااس هنا وشكرًا ياسيادةِ الظابطِ القمر، دنا بخطواتهِ منها وعينيهِ تعانقُ جسدها بالكامل:

واللهِ مايحصَل، لازم أكمِّل مش هتعرفي صدَّقيني، تراجعت تضحكُ بصوتٍ مرتفعٍ تهزُّ رأسها كطفلةٍ ذاتِ السبعِ أعوام:

إلياس إبعد بقى، أنا هتصرف، وصلَ إليها ليجذبها بقوَّةٍ تصطدمُ بصدره، يلفُّ ذراعيهِ حولَ جسدها:

كنتي بتسألي هعمل إيه لو بعدت ..لمست وجنتيه: 

أنا مش هقدر أعيش بعيد عنَّك ياإلياس، انحنى يطبعُ قبلةً على جبينها:

لو قولتي كدا قبلِ جوازنا كنت هقولِّك  عادي مع الوقتِ هتنسي، بس دلوقتي مش هسمحلِك أصلًا، بلاش ترسمي خيال حتى ياميرو..

رفرفت بأهدابِها وهو يهمسُ بجوارِ أذنها، اتعودتِ على حضنِك وشقاوتِك المجنونة يابنتِ طنطِ فريدة..

نعم يعني إيه بقى الكلام دا..

قبلةً سريعةً على شفتيها وتحرَّكَ للخارجِ دونَ حديثٍ آخر .


خرجَ من شرودهِ على صوتِ إقامةِ الصلاة، نفضَ نفسهِ واعتدلَ متَّجهًا إلى الحمَّام، ليقيمَ صلاةَ الفجر..

استيقظَ بعد فترة على رنينِ هاتفه: 

إلياس باشا مدام ميرال رافعة على حضرتَك قضية طلاق.

أغمضَ عينيهِ يهمسُ بين النومِ واليقظة: 

إقبل القضية يامتر وطلَّقها، وأتعابك عندي..قالها وأغلقَ الهاتفَ ليذهبَ بنومهِ مرَّةً أخرى ..

بالغرفةِ المجاورةِ تدورُ بالغرفةِ منتظرةً مهاتفةَ المحامي، لحظاتٍ واستمعت إلى رنينِ الهاتف:

أيوة يامتر عرَّفته؟..

أجابها على الجانب الآخر 

قالِّي أطلقِك يامدام ...

إيه…أجابها : نعم فيه حاجة؟! أبعتلُه إعلان؟..

تمام ..قالتها وأغلقت الهاتفَ لتجلسَ على الفراشِ بعدما شعرت بدورانِ الغرفةِ بها:

الراجل دا إيه جبروت، جزَّت بأسنانها على أناملها غيظًا، إلى أن هبَّت من مكانها وغادرت المكان.

بعدَ فترةٍ خرجَ من حمَّامه، توقَّفَ يرتدي ثيابهِ مع رنينَ هاتفهِ مرَّةً أخرى:

أيوة فيه إيه؟!

مدام ميرال عايزة تقابل المسجون ياباشا وبتقول معاها تصريح بكدا..

خلِّيها تقابلُه، واعملَّها قهوتها كمان، ولو عايزة تاخدلُه صور خلِّيها تعمل اللي هيَّ عايزاه محدِّش يتعرضلها، إيَّاك حدِّ يقرَّب منها، وخلِّي بالَك من المتَّهم ليهجُم عليها دا مريض نفسي..أغلقَ الهاتفَ وتوقَّفَ أمامَ المرآةِ يُغلقُ زرَّ قميصهِ ووجههِ لوحةٌ من الجمودِ والبرودِ ينظرُ لنفسه:

عايزة إيه يابنتِ فريدة، تطلَّقي مع السلامة، مفكَّرة هموت عليكي..


جلسَ وشعرَ باختناقهِ وعدمَ تنفسهِ وكأنَّ  جدرانَ الغرفةِ تُطبقُ على صدره، ظلَّ لعدَّةِ دقائقَ يسحبُ أنفاسًا يزفرُها إلى أن هدأ 

-بتلعبي معايا ياميرال، نهض يكمل ثيابه ثمَّ ذهبَ إلى عمله…


وصل إلى مقر عمله وجدها أنهت عملها، دلف للداخل ينزع سترته، ويطيق اكمامه كما تعود رافعًا عيناه للمسؤل عن المكتب:

-قهوتي، ومش عايز حد يدخلي غير لما اقولك ...خرج الرجل وظل يتابع عمله إلى أن دفعت الباب ودلفت للداخل رغم اعتراض العسكري 

أشار للرجل بالخروج، ثم رجع بجسده يطالعها لبعض اللحظات بصمت، اقتربت منه قائلة:

-رفعت قضية طلاق عليك يارب تكون مستعد، نقر بالقلم فوق المكتب وظل كما هو..حتى وصلت إليه 

-طلبت منك ننفصل بهدوء بس انت اللي رفضت، ماترجعش تلومني 

-لو خلصتي كلامك اطلعي برة

-خارجة متحسسنيش اني في الجنة، اكتر مكتب بكرهه

أشار بكفيه على الباب:

-روحي للي بتحبيه..


عادَ مساءَ اليومِ وصعدَ إلى غرفتهِ رغمَ انتظارها له..أوقفتهُ على الدرج:

لازم نتكلِّم..

مش فاضي..قالها وصعدَ الغرفةَ، أصابه الجمود بعدما وجد انقلاب الغرفة، واخلاء الغرفة من اشيائها الخاصة


بغرفتها ظلت جالسة على الفراش لبعض الوقت تحاول أن تضغط على نفسها حتى لا تذهب إليه، تذكرت كلماته، أطبقت على جفنيها وترقرت دموعها، تضع كفيها على نبضها

-حرقت قلبي ياإلياس، حرفته لحد مابقاش ينبض..فتحت هاتفها تنظر إلى صورهما متذكرة جنونه معها، تهمس لنفسها

-معقول النظرات دي مكنتش بتحب، معقول دا كان كذب...ملست بيديها على صورته وهو يضحك

-مستحيل تكون بتلعب بيا، ازاي وكنت بسمع دقات قلبك، لا مستحيل العيون ونبض القلب يكذبوا...ألقت الهاتف بعيدًا تضم نفسها ودموعها تنساب بصمت تهمس لنفسها:

-هحرقك ياالياس زي ماحرقتني..


بغرفته ظل جالسًا لبعضِ الوقتِ ثمَّ قامَ بمهاتفةِ الخادمة:

هدى جهِّزي كوباية لبن لمدام ميرال وتعاليلي ..


مرَّت ساعةً ثمَّ تحرَّكَ متَّجهًا إلى غرفتها، دلفَ إلى الغرفةِ وجدها تغطُّ بنومٍ عميق، اقتربَ منها ينظرُ إليها بإشتياقٍ انبثقَ من عينيه، أمالَ بجسدهِ وطبعَ قبلةً أعلى رأسها:

دلوقتي هقولِّك جاهز..قالها وهو يحملُها يضمُّها إلى صدرهِ وخرجَ بها من الغرفة..


لازم نقعُد نتكلِّم مش هينفع نفضَل كدا كتيير، فوقي بس وبعدين لازم نحاسِب بعض ..خطى بها إلى أن وصلَ إلى بابِ الفيلَّا، توقَّفَ إسلام أمامه: 

رايح بيها فين ياأبيه، ماما فريدة مش هتسكُت..

خلِّي بالَك من بابا لمَّا أرجع، قالها وتحرَّكَ بها إلى أن وصلَ إلى سيارته، وضعها بهدوءٍ واستدارَ للقيادةِ وتحرَّك.. 

بعدَ ساعتينِ من القيادة، وصلَ إلى ذاكَ المنزلِ الذي ابتاعهُ منذُ أسبوع، بإحدى المناطقِ التي تطلُّ على النيل مباشرة، ترجَّلَ يحملُها ودلفَ بها للداخل، كانت تنتظرهُ إحدى الخدمِ لمراعاتها أثناءَ غيابه، وضعها بهدوءٍ على الفراش، وانحنى يطبعُ قبلةً فوقَ جبينها يمسِّدُ على خصلاتها فتحت عيناها تهمسُ بخفوت: 

إلياس ..ابتسمَ ثمَّ انحنى يطبعُ قبلةً على وجنتيها:

أخيرًا فوقتي، شكلِ المنوِّم كان تقيل، شعرت بثقلٍ برأسها، غفت مرَّةً أخرى، ظلَّ يمسِّدُ على خصلاتها واشتياقهِ إليها كجمرةٍ ناريةٍ تحرقُ داخله، رفرفت بأهدابها مرَّةً أخرى..انحنى يهمسُ لها:

فوقيلي ياروحي..

اعتدلت برأسها المتثاقلةِ وكأنَّها في حالةٍ بينَ الوعي واللاوعي، رفعت رأسها لهُ حينما أردف:


رافعة قضية طلاق على حبيبِك..

عايزة تطلَّقي، هنا فاقت من خمولِها لتعتدلَ تطالعهُ بذهول:

إنتَ!! تجوَّلت بالمكانِ حينما ارتعبَ داخلها:

فين ماما ..أخرجَ منامةً من الحقيبة، ينظرُ إليها:

مش بطالة حلوة، انحنى إليها..

أنا فين وإنتَ بتعمل إيه ..تسائلت بها بأنفاسٍ متقطِّعة..

جلسَ يفتحُ أزرارَ كنزتها:

إنتِ فين، إنتِ هنا قدَّامي، بعمل إيه، جاي علشان أطلَّقك، مش إنتِ عايزة تطَّلقي ياروحي، قالها بعيونٍ متوهجة، لتتراجعَ إلى الخلفِ تشيرُ إليهِ بتهديد:

لو قرَّبتِ منِّي هصوَّت وألمِّ عليك الناس..أشارَ على النافذة قائلًا:

اطلعي عند الشباك، هنا محدِّش هيسمعك، ولَّا أقولِك اطلعي برَّة البيت..نهضت وتحرَّكت جهةَ البابِ بينما ظلَّ بمكانهِ يتابعُ تحرُّكها قائلًا:

ميرال..تصنَّمَ جسدها فتوقَّفت تواليهِ ظهرها، نهضَ من مكانهِ واقتربَ منها بخُطى دبُّت الرعبَ لقلبها، وصلَ خلفها وأردف:

فرحانة من جواكي علشان رفعتي عليَّا قضية طلاق ..ارتجفَ جسدها من نبرتهِ ورغمَ ذلكَ استدارت تحدجهُ بنظراتٍ ساخرةٍ ثمَّ استدارت مقتربةً منه:

-آه فرحانة ولا كنتِ منتظر منِّي أبعتلَك دعوة فسحة للمالديف، إيه رأيَك، دنا منها والتوى ثغرهِ بشبهِ ابتسامةٍ ساخرة:

شكلِ الرحلة كانت عجباكي أوي..

أومال، مش معاك لازم تعجبني، أصلَك اتكلِّفتِ كتير، والصراحة أنا أستاهل..، مش الفسح معايا تستاهل برضو، وضعت إبهامها على شفتيها بعلامةِ تفكيرٍ ثمَّ غرزت عينيها بعينيه:

مشروع حلو ياإلياسو، يعني بعد ماتطلَّقني أه ماهو إنتَ هتطلَّقني غصبِ عنَّك برضاك المهم هتطلَّقني ليه بقى ياحضرةِ الظابط..

اقتربت خطوةً أخرى حتى اختلطت أنفاسهما وتعلَّقت الأعينَ بنظراتِ الكبرياء:

عجبني عرضَك أوي، ليه لأ..أجرَّب مع غيرَك، بس المرَّة الجاية هحُط شروطي، يعني اللي يدفَع أكتر، أشارت على نفسها وتمتمت بقهر اذاب ضلوعها من الألم 

-أنا استاهل، انت مجرب وعارف اني استاهل ولا ايه، ولا حبيت تستمتع تاني متخافشِ هعملَك ...لم تُكمل حديثها عندما ثارت شيطاينهِ ليطبقَ على عنقها، يهمسُ بفحيحٍ أعمى:

هقطع لسانِك دا لو سمعت صوتِك، نفس تاني وهمو.  تِك سمعتي يابت..

شحبَ وجهها وكادت روحها أن تذهبَ لخالِقها إلَّا أنَّهُ تركها تسعلُ وتضعُ كفَّيها حولَ عنقها تطالعهُ بدموعٍ قائلة:

-مفكر لما تعمل كدا هخاف منك..لم تهتم لحالته الجنونية التي أصبح بها، لتقترب منه فاليوم أعلنته عدوها، ودفنت حبها لتطعنه بجبروت انثى حطم كبريائها قائلة:

إنتَ مش راجل يابنِ السيوفي، نزلت من نظري سمعتني، مش راجل ياإلياس ياسيوفي، ولو معتبِر نفسَك راجل طلَّقني.

لحظاتٍ جحيميةٍ كادت أن تزهقَ روحهِ من حديثها، أنفاسٍ كالنيرانِ تلتهمُ رئتيه، نفرت عروقهِ وعينيهِ التي تحوَّلت شُعيراتها للونِ الأحمر، مع تكوُّرِ عبراتهِ لأوَّلِ مرَّةٍ تحتَ أهدابه، طالعها ورجفةٌ بكاملِ جسدهِ يهمسُ بتقطُّع:

أنا مش راجل ياميرال 

أاااه..صرخت بها، واتقد النفور من قلبها الذي مازال ينبض له..غرزت نيران عيناها المشتعلة وهتفت بنبرة مصبوغة بالقوة لتحطميه:

-مش راجل، فين الرجولة فيك وإنتَ بتنتقِم من أمي فيَّا، فين الرجولة وكلِّ ليلة وأنا في حُضنك وفرحانة بدقاتِ قلبَك وإنتَ بتخطَّط إزاي تقهرني، اقتربت ورمقتهُ بنظراتٍ مشمئزَّة:

فين الرجولة وإنتَ بتتشطَّر على ست وبنتها، ليه الانتقام دا كلُّه، علشان إيه؟..

أوعى تدِّي لنفسَك العُذر ياحضرةِ الظابط..لأن عُذرَك ماهوَّ إلَّا إدانة، إنتَ في نظري إنسان ظالم مستبد عايز الكون يلف حواليه، إنسان مغرور متكبِر معرفشِ على إيه..

لكمتهُ بصدرهِ بقوَّةٍ وصاحت بقهر:

أنا بحمِد ربِّنا إنِّي بقيت أكرهك، وبحمِد ربِّنا أنُّي اتخلَّصت من الجنين علشان مفيش حاجة تُربطنا ببعض


أصابها الجنونَ وبكت بشهقاتٍ مرتفعة:

كرَّهتني فيك ياإلياس، خلِّتني أكره أكتر شخص حبيتُه في الدنيا..ظلَّت تدفعهُ وتبكي إلى أن أُنهكت لتهوى على الأرضية، طلِعت كدبة، وأنا بقول هي كلمة بحبِّك تقيلة على لسانُه، أتاريه متجوِّزني علشان ينتقِم من أمي، أشارت على نفسها ودارت بنظراتٍ ضائعةٍ وقلبٍ مهشَّم،  

متجوِّزني مُتعة، عايز تتمتَّع وتنتقِم، علشان رامية نفسي عليك..ضربت بكفَّيها على الأرضيةِ وصرخت حتى فقدت أحبالها الصوتية:

ربِّنا ينتقِم منَّك ياإلياس، ربِّنا يُقهر قلبك زي ماقهرتني..نهضت واتَّجهت إليهِ تدفعهُ بقوَّةٍ ليرتدَّ للخلفِ صامتًا على ماتفعلُه، ظلَّ واقفًا بقلبٍ ينزفُ على حالتها لايعلمُ أيُعاقبُها على حديثها أم يعاقبُ نفسه..حاولَ أن يضمَّها ليهدِّئها ولكن كيف وهي التي سُحبت قواه ليصبح كالقلاعٍ الواهيةٍ من الرمال ..شعرَ بدورانِ الأرضِ به من طلقاتِ كلماتها الناريةِ التي مازالت ترميها وكأنَّهُ عدوها الأَّول والأخير..

هطلَّق منَّك ومش بس كدا هتجوِّز أي واحد قدَّامي علشان ينسِّيني أي لمسة من واحد حقير زيَّك،

نظرت إليه بعيونًا هالكة وتمتمت بجبروت:


والله لأحرَق روحَك  زي ماحرقتِ روحي يابنِ مصطفى السيوفي..وصلت إلى جلوسهِ وابتسمت على وجههِ الذي شُحبَ بالكاملِ وغرزت عينيها بعمقِ عينيه:

عارفة إنَّك بتحبِّني وأوي كمان ، حركت كفيها على صدره تلكزه بقوة

-متأكدة من نبضه ليا، ماهي القلوب عند بعضها، علشان كدا هوقف نبضه للأبدوهتجوِّز غيرَك هخليه يمسح آثارك المُقرفة من عليَّا يابنِ السيوفي، لأنِّي قرفانة من نفسي كلِّ ما أفكَّر إنَّك..صمتت عن الحديثِ بعدما توقَّفَ وترنُّح وقشعريرة انتابت جسده كخروج الروح من الجسد، جاهد بإخفاء اعتصار اضلعه أمامها، ولكن كيف وهي التي طعنته باقسى الطعنات، ابتلع جمرات حديثها الذي ألجمه وشعره بالضعف والعجز، وخطى كالمخمور منسحبًا من المكانِ بل من المنزلِ بالكامل ..قادَ سيارتهِ بسرعةٍ جنونيةٍ يفتح زرَّ قميصهِ عندما شعرَ بانسحابِ أنفاسه، كلماتٍ داميةٍ بل طعناتٍ تدبحهُ بكلِّ جبروت ..ظلَّ يتحرَّكُ بالسيارةِ دونَ هدواة ..توقَّفَ فجأةً بالسيارةِ لتدورَ بسرعةٍ كادت أن تنقلبَ بهِ لولا تلكَ الصخرةِ التي اصطدمت بها.. دقائقَ يدعو من اللهِ أن يسحبَ أنفاسهِ إلى بارئها ..وضعَ رأسهِ على القيادةِ وأطبقَ على جفنيهِ محاولًا استجماعَ ذاتهِ التي ضاعت بسببِ ذاكَ القلبِ الضعيف، وكلماتها القاسية تضربه كالصاعقة، شعر وكأن أحدهم يطبق على عنقه، يود أن يصرخ من أعماقه بكل ما أوتي من قوة من شدة آلام مايشعر به، دقائقَ خلفَ دقائقَ إلى أن أقسمَ بداخلهِ أن ينتزعَ قلبهِ ويُلقيهِ خارجَ صدره..

أرجعَ ظهرهِ للوراءِ وقامَ بتشغيلِ موسيقى هادئة، وأغمضَ عينيهِ لفترةٍ إلى أن هدأَ ثمَّ رفعَ هاتفهِ إلى إسلام وأخبره قائلاً:

إسلام إبعت السواق على العنوان اللي هبعتهولَك، أو روح إنتَ رجَّع بنتِ مدام فريدة..

نهضَ إسلام من مكانهِ ورسمَ ابتسامةً أمامَ والديه: 

بنتِ مدام فريدة!!.

إيه الِّلي حصل..اسمع الكلام وبس، قالها وأغلقَ الهاتفَ ثمَّ تحرَّكَ بالسيارة..

صباحَ اليومِ التالي:

خرجت من غرفتها بخروجهِ من غرفتهِ يتحدَّثُ بهاتفه، قابلتها غادة تنظرُ إلى ثيابها القصيرة معترضة:

إيه اللي إنتِ لبساه دا ياميرال وترجعي تقولي أخوكي وأخوكي..

أزاحتها وتحدثَّت بصوتٍ مرتفعٍ لكي يصلَ إليه:

أنا حُرَّة محدِّش لُه كلام عليَّا، حرِّة نفسي أعمِل اللي يعجبني واللي مش عاجبُه  يشرَب من البحر..

هبطَ إلى الأسفلِ وكأنَّهُ لم يستمع إليها، 

ألقى تحيةَ الصباحِ على والدِه: 

رفع مصطفى بصره وأجابه بفخر:

-صباح الخير ياحبيبي، مبروك عرفت إنَّك اترَقيت لسة اللواء محسن قايلِّي..

شكرًا يابابا..هرولت غادة تقبِّلهُ على وجنتيه:

أشطر ظابط أخويا أنا، لازم حفلة بقى يابابا..رفعَ الجريدةَ ولم يهتم بحديثِ غادة، كان مصطفى يراقبُ ميرال التي وصلت وجذبت المقعدَ بجوارِ إسلام قائلة:

عمُّو أنا نقلت من الجريدة مش مرتاحة فيها، بعرَّفك بس علشان مترجعشِ تقول آخر من يعلم..

أومأَ لها دونَ حديثٍ وهو يتابعُ إلياس…

إلياس ..رفعَ نظرهِ لوالدهِ وهو يرتشفُ قهوته..

ليه طلبتِ نقلَك السويس؟..

اتَّجهَ بنظرهِ مرَّةً أخرى للجريدة: 

مكُنتِش طالب السويس، بس جت فيها أيِّ مكان مش مشكلة، عايز أغيَّر الروتين المملّ شوية يابابا مش أكتر، القاهرة بقت ضيَّقة عليَّا عايز مكان أعرف أتنفِّس فيه..

شعرت بالحزنِ من نبرتهِ التي يحاولُ أن يخرجها ثابتة، وصلت فريدة إليها وهدرت بغضب:


إنتِ رفعتي قضية طلاق على جوزِك؟!..

رفعت كوبَ عصيرَها بأيدي مرتجفةٍ  تطالعهُ وهمست بسُحبِ عينيها المتكوِّرةِ تحتَ جفنيها: 

أيوة ياماما..لوَّحت أعينُ فريدة بالغضبِ وهدرت معنِّفةً إياها:

اتصلي فورًا بالمحامي ووقَّفي المهزلة، نهضَ ينظرُ إلى إسلام:

بعد ساعتين السواق هيجي ينقِل حاجاتي  الخاصة، خلِّيك معاه..

ثمَّ رفعَ نظرهِ إلى فريدة:

أتمنَّى ماتدَّخليش في حياتها وهيَّ حرَّة..حتى لو سحبت القضية وجَت اعتذرِت مليون اعتذار، بنتِك مابقتشِ تلزَمني، ورقتِك هتكون عندِك بالليل يامدام، وفَّري أتعاب المحاماة واعرفي قيمة اسمِ العيلة..

قالها وارتدى نظارتهِ متحرِّكًا بعنفوانهِ وخطواتهِ الواثقة وكأنَّهُ لم يكن ذاكَ الذي كانَ منذُ ساعاتٍ قليلة ...

أمَّا مصطفى الذي نظرَ إليها بذهولٍ وكأنَّ أحدَهم سكبَ عليهِ دلوًا من الماءِ المثلج: 

إيه اللي سمعتُه دا!..طلاق على إلياس 

إنتِ اتجنِّنتي ولَّا إيه..نهضت تحملُ حقيبتها وهربت من أمامهم دونَ أن تتحدَّثَ بحرفٍ واحد، فيكفي ماتشعرُ به منذُ الأمس، لقد انتزعَ قلبها وأخذهُ ورحل، شعرت بفداحةِ ماقالتهُ لهُ ولكن ماذا سيفيدُ البكاءُ على اللبنِ المسكوب…


مساءَ اليومِ قامَ بمهاتفتها:

قابليني في العنوان اللي هبعتهولِك، بعربية الحراسة، متخرجيش من غيرها

ارتجفَ قلبها بالسعادة، هبَّت من فوقِ فراشها فرحًا، فمنذُ خروجهِ بعدَ حديثهِ بإتمامِ الطلاقِ وهي تشعرُ بالمرضِ يتخلَّلُ جسدها بالكامل ..همست بفرحةٍ وهي تُخرجُ أحدِ فساتينها:

هنروح فين علشان بس أعرف نوع الفستان اللي هلبسُه..

إلبسي فستان أبيض وياريت لو فستان فرح علشان النهاردة فرحتِك هتكمَل وتطلَّقي من أقذر شخص ربطِّي اسمِك بيه وبالتلاتة ..قالها وأغلقَ الهاتف.. 

شهقةٌ خرجت من فمها لتهوى على الأرضِ بعدما فقدت سيقانها حملها، بكت بصوتٍ مرتفعٍ حتى تحوَّلَ بكاؤها لصراخٍ وهي تهمسُ لنفسها:

مش عايزة أطلَّق، تراجعت بجسدها تستندُ على الجدارِ تحتضنُ ركبتيها..

دلفت والدتها بجوارِ غادة سريعًا بعدَ سماعِ بكائها، ألقت نفسها بأحضانها:

مش عايزة أطلَّق ياماما، قوليلُه مش عايزة أطلَّق..ربتت على ظهرها تحاولُ تهدئتها، ثمَّ أردفت بهدوءٍ رغم بكاءِ قلبها عليها:

مين اللي قال إنُّه هيطلَّق، ياهبلة دا لو عايز يطلَّق كان أقلِّ حاجة رمى يمين الطلاق عليكي، هيَّ بس حجة مش أكتر..لمعت عيناها بعدما وجدت بصيصًا من الأملِ على حديثها فنهضت من مكانِها دونَ أن تقولَ شيئًا وانتقت من فساتينها أجملها، ووضعت لمساتٍ خفيفةٍ متحرِّكةً للخارجِ مع مراقبةِ والدتها إليها بحزن، احتضنت رأسها:

يارب يهديك ياإلياس ومتعملشِ حاجة تندم عليها العمرِ كلُّه.


وصلت بعدَ قليلٍ إلى شارعٍ هادئٍ إلى حدٍّ ما بأحدِ الأماكنِ الراقية، على العنوانِ الذي أرسلُه، ترجلَّت من السيارةِ وهاتفتهُ تدورُ حولها:

أنا وصلت..كانَ بسيارتهِ يتابعُها بعينيه، فأجابها:

شوفتِك..قالها وترجَّلَ مع نزولها تتلفَّتُ   بالمكان، إلى أن وقعت عيناها على تلكَ اللوحةِ التي يُدوَّنُ فوقها:

"مأذون شرعي"..أغلقت البابَ واستندت على السيارة، قام بمهاتفة حراستها

-انتوا فين يابني، ازاي المدام تخرج من غيركم

-رفضت ياباشا..سبه  صارخًا به 

-خمس دقايق وتكون في العنوان اللي هبعته، اغلق الهاتف مع اتصال ارسلان 

-إلياس أنا في المكتب، انت فين 

اجابه:

-عندي مشوار مهم ربع ساعة وأكون عندك...قالها مع لمحه لسيارة سوداء رباعية تقترب بجوارِها لتفتحَ البابَ وتحاولَ أن تجذُبها، صرخت باسمِ إلياس الذي كان يتحدَّثُ بهاتفِه مع ارسلان..تحرك سريعًا على ذاكَ المشهدِ الذي سحبَ أنفاسِه، لحظةً من الصمتِ المميتِ للعقلِ وكأنَّ عقلهِ توقَّفَ عن التصرُّفِ وهم يحاولونَ جذبها بعنفٍ للسيارة، أخرجُ سلاحهِ من السيارة، مع سماع ارسلان لصوته 

-ميرال قالها وهو يهرول، مع إطلاقِ الأعيرةِ النارية، تبادلت الطلقات بوصولِ أمنِ ميرال الذي وصل للتو بأمرٍ من إلياس..وصلَ إليها  

جذبها يدفعُها للخلفِ بعدَ وصولِ سيارةٍ أخرى من هؤلاءِ الخارجينَ عن القانون:

روحي على عربيتي بسرعة ..قالها وهو يحاصرُها بجسده، وأخرجَ هاتفهِ لمساندتهِ من أطرافِ الأمنِ الخاص به،  وجدَ أرسلان يهاتفه:

فيه ناس بتحاول تقتلني، كلِّم شريف يبعتلي دعم بسرعة، قالها وأغلقَ الهاتفَ يجذبُ ميرال محاولًا الخروجَ من ذلكَ  المكانِ بعدما وجدَ استماتتِهم بموتهما، تراجعَ للخلفِ ليصلَ لسيارتهِ المصفَّحة ليضعها بها، كان يحاصرُها بجسدهِ كي لا تصاب..تشبَّثت بملابسهِ من الخلفِ بعدما سقطَ معظمِ الأمنِ الذي يقومُ بحمايتها..

ميرال على العربية ..قالها بعدَ محاصرتهِ من بعضِ الأشخاص.. 

ارتجفَ جسدها وهي تراهُ يحاولُ جاهدًا  الخروجَ من ذلكَ المكانِ الذي أُغلقَ عليهم وكأنَّ الذي خطَّطَ على درايةٍ تامةٍ بما سيفعلُه..نفذَ سلاحهِ من الطلقات، استدارَ إليها سريعًا يضمُّها لأحضانهِ يشيرُ إلى ذلكَ المنزل: 

ميرال إعملي زي ماهقولِّك تمام ..هزّت  رأسها بالموافقةِ مع دموعها التي أصبحت كالشلَّال ..أشارَ إلى المنزل:  

أدخلي هنا وأنا هحصلِّك،  

بعد ماألهيهم، ممعيش رصاص ولازم أوصل العربية، ماشي 

مش هسيبَك ياإلياس..

ميرال مبقاش معايا غير رصاصة واحدة لازم نخرُج من هنا حبيبتي..

احتضنتهُ من الخلف تبكي تهزُّ رأسها بالرفض:

مش هسيبَك سمعتني، جذبها وتحرَّكَ سريعًا يضعها خلفَ جسدهِ واختبأَ بالداخلِ منتظرًا الدعم، استمعَ إلى صعودِ أحدِهم على الدرج ..وضعَ كفِّهِ  على فمها يشيرُ إليها بالصمت، دخلَ يبحثُ عنهما وهو يوجِّهُ السلاحَ بالمكان، جذبهُ يجرُّهُ إليه، وبحركةٍ خفيفةٍ جذبَ السلاحَ وأطلقَ رصاصته، 


ثمَّ استدارَ إليها بعدما صرخت تضعُ كفَّيها على أذنها..ضمَّها لأحضانه:

خلاص إهدي، تحرَّكَ بحذرٍ ومازالَ محاوطًا جسدها، خرجَ من المنزلِ ولكنَّ هناكَ من ينتظرهُ بالخارج.. طلقاتٍ ناريةٍ مصوَّبةً عليهما، حاوطها بجسدهِ إلى أن اخترقت أحدُ الرصاصاتِ جسده، مع وصولِ أرسلان بالدعم، ليهربَ المجرمينَ ويهوى على الأرضيةِ أمامها غارقًا بدمائه، صرخةً شقَّت صدرها باسمهِ وهي تجثو تحتضنُ رأسهِ وتهزُّ رأسها بعنف:

لا لا ..إلياس انحنت برأسها تضمُّهُ تبكي بهستريا:

افتح عيونَك حبيبي، إياك تسبني إلياس.. حبيبي أنا غلطانة آسفة أنا السبب، صرخت وصرخت وهي تضمُّهُ بجنونٍ وكأنَّهُ سيفارقها، رفعَ كفِّهِ ببطئٍ يحتضنُ كفَّها وحاولَ الحديثَ ولكنَّهُ لم يقو ...انحنت تقبِّلهُ وتبكي بهستريا " إلياس"وصلَ أرسلان بعدما أنهى على الجميع وجدهُ يحاولُ أن يفتحَ عينيهِ  فحصَ نبضِه: 

لازم نتحرَّك فورًا النبضِ ضعيف، هجيب العربية..

بكت تصرخُ تضمُّهُ مرَّةً وتقبِّلهُ مرَّة كالتي  فقدت عقلها ..ضغطَ على كفِّها بضعفٍ ينظرُ لدموعِها التي تساقطت على وجههِ ثمَّ ابتسمَ ليغلقَ عينيهِ بعدها.

الفصل التاسع من هنا

تعليقات



×