رواية فى رحالها قلبي الفصل السابع7 بقلم اية العربى


 رواية فى رحالها قلبي الفصل السابع بقلم اية العربى



لا تقترب ولا تبتعد  ،  فقط قف لحظة وفكر جيدًا  . 


وقفت تطالعه ببلاهة تحولت إلى طاقة هجومية وهي تطالعه شزرا وتردف بحدة : 


- أي ابن ؟ ، ليس لك أبناء هنا ، مع السلامة . 


تمسكت بالباب لتغلقه ولكنه وضع قدمه يمنعها من إغلاقه ثم طالعها بعيون حادة يردد من بين أسنانه : 


- ادخلي وأحضري لي طفلي . 


وقفت تحدق به وقد انسحبت أنفاسها وتهاوى قلبها خوفًا من كلماته وملامحه الحادة لذا تحدثت بهجوم وغيظ : 


- عن أي طفل تتحدث ؟ ، هل تقصد الصغير الذي تركته في الحاضنة وسافرت حتى قبل أن تراه ؟ ، تقصد الصغير الذي لم تحزن على وفاة والدته كأنها لم تكن زوجتك ؟ 


كاد أن يرد عليها لولا مجيء سعاد من الغرفة على صوت سارة لتتجه نحو الباب وحينما رأته تعجبت ولكن أردفت بهدوء مرحبة : 


- كيف حالك يا سيف ، تفضل يا بني . 


تنهد سيف ونظر نحو سعاد بهدوء ثم تحدث بجدية : 


- شكرًا لكِ ، أنا جئت لآخذ ابني وأغادر . 


هاجت سارة مجددًا لتردف بغيظ وشراسة ومع ذلك تحافظ على مستوى صوتها الهادئ : 


- لا تقل آخذه لأن هذا لن يحدث . 


- سيحدث 


نطقها بتحدٍ وهو يحدق بها فاغتاظت لتوقفها سعاد بنظرة محذرة ثم عادت تنظر نحو سيف قائلة بتروٍ : 


- تفضل يا بني ، ادخل لنتحدث .


أفسحت له المجال وأزاحت بيدها سارة المتسمرة لا تود أن يدخل ليطالعها بتشفي ويعبر للداخل ثم اتجه يجلس وجلست سعاد ثم رفعت أنظارها نحو سارة تردف بنبرة آمرة : 


- اذهبي يا سارة واحضري قدح قهوة سادة لسيف . 


طالعت والدتها بتعجب فهي رحبت به واستقبلته بعد كل ما فعله ولكنها في النهاية أومأت بحنق وتحركت طواعية برغم رغبتها في البقاء ولكن لتحضره وتعود سريعًا . 


نظرت سعاد إلى سيف وتحدثت بتروٍ : 


- أين كنت طوال هذه المدة يا ابني ، وكيف تترك طفلك هكذا دون سؤالٍ ؟ 


تنهد سيف ونطق بمراوغة يتقنها وهو يجلس بأريحية : 


- كنت في رحلة عمل يا سيدة سعاد ، والآن عدت وجئت لأصطحب صغيري معي ، هل هناك مانع ؟ 


قطبت سعاد جبينها تطالعه بتعجب ،، ربما يكون هذا حلًا مناسبًا كي تعود ابنتها إلى رشدها ولكن كيف ستترك الصغير يذهب معه ، هي أيضًا تعلقت به ناهيك عن مشاعر سارة وعليه أن يعلم ذلك جيدًا لذا تحدثت بتأنٍ موضحة : 


- لا يا بني ليس هناك مانع ولكن لا تنسى أننا تعلقنا بالصغير ، ثم أنك لن تستطيع مراعاته بنفسك وأنت دومًا تسافر . 


تحدث بنبرة واثقة وباردة : 


- لا تقلقي حيال ذلك ، لقد جلبت له أفضل مربية وأما عن تعلقكما به فتستطيعان رؤيته وقتما تشاءان . 


جاءت سارة تحمل القهوة وتحدثت برفضٍ قاطعٍ بعدما سمعت جملته الأخيرة : 


- لا يا سيف يا دويري ما سيحدث هو العكس ، أنت حينما تود رؤيته ستأتي وتراه هذا إذا كنت تود رؤيته حقًا ، هل تظنني غبية لأصدق أنه بعد أربعة أشهرٍ من تركك له وعدم سؤالك عنه ولا حتى رؤيته أنك فجأةً هكذا أحببته واعتبرته طفلك ؟ 


كانت تتحدث وقدح القهوة في يدها بينما هو رفع نظره يطالعها ببرود ثم ابتسم ساخرًا وتحدث : 


- نعم بالفعل أنتِ غبية . 


فرغ فاهها الذي لم يره ولكنه تخيل ملامحها من أسفل النقاب فإذا كانت عيناها ترسل شرارات لو تجسدت لحرقته ما بالك بملامحها كاملة ولكن ما كان منها إلا أن تدعي الانحناء لتضع قدح القهوة أمامه ولكن بدلًا عن ذلك سكبته عمدًا على ساقه لينتفض واقفًا بعدما شعر بالاحتراق وهو يحاول أن ينفض القهوة عنه لتنصدم سعاد وتسرع في إحضار محارمَ ورقية له بينما هي ابتسمت بخبث وتحدثت معتذرة : 


- آسفة ، لم أقصد . 


طالعها شزرًا لتعود إليه سعاد تناوله المحرمة ثم تنظر لابنتها بضيق لتطرق سارة رأسها حتى لا تميز سعاد ابتسامتها بينما حاول سيف تجفيف القهوة ولكن عبثًا لذا تحدث بنزق وهو ينظر نحو سعاد : 


- هل يمكن أن أذهب إلى الحمام ؟ 


أومأت له قائلة وهي تتقدم وتشير له نحو موقعه : 


- نعم بالتأكيد تفضل يا بني . 


تحرك نحو الحمام وغاب به لتعود سعاد نحو سارة تطالعها شزرًا قائلة : 


- سارة هل جننتي ؟ ، ما تصرفات الأطفال هذه ؟ ، عيب عليكِ ما فعلتيه ، هذا والده ويحق له أخذه في أي لحظة . 


- لا ، لا يحق له أخذه ، لا يحق له أبدًا ، هو من البداية لم يكن يريده وأنا أقنعته لإبقائه ، ثم بعد ولادته ووفاة أختي غادر في اليوم الثالث دون رؤيته ودون الحزن على من ماتت ودفنت وكأنه قال بركة يا جامع ، ويأتي الآن ليأخذه ؟ ، يأخذ من أصبح قطعة من قلبي ؟ ، لا وألف لا سأقف له بالمرصاد . 


نطقتها بقوة لتتكتف سعاد تطالعها بهدوء ثم تساءلت بترقب : 


- وكيف ستمنعينه يا ابنة بطني ؟ ، قانونيًا ورسميًا وشرعًا من حقه أخذه . 


تعالت نبرتها وهي تهز رأسها وتردف بعيون لامعة وهي على وشك البكاء من شدة الضغط الذي تتعرض له : 


- لا ليس من حقه ، لن يأخذه طوال ما أنا على قيد الحياة . 


وعلى حين غفلة تحركت تلتقط هاتفها وتهاتف علي ، لا تعلم لمَ ستفعل هذا ولكنها تحتاج إلى شخصٍ يقف له فهي تعلم جيدًا أن والدتها محقة ولكن هل فعلًا تصرفها صائبًا ؟ ، لا تعلم كل ما تعلمه الآن أنها لن تتركه يأخذ الصغير ويغادر . 


أجابها على بنبرة باردة متسائلًا : 


- أهلًا سارة ، هل أخيرًا جئت على خاطركِ . 


لم تكن تحتمل ذرة تأنيب بل كل ما تريده الآن هو حلًا سريعًا لذا تجاهلت ما قاله وقالت بنبرة مترجية مشتتة : 


- علي هل يمكن أن تأتي الآن ؟ ، أرجوك أنا بحاجتك . 


تعجب علي ولكنه أردف بقلقٍ وهو يقود سيارته : 


- ماذا حدث يا سارة طمئنيني ! 


- لا شيء ولكن فقط تعال . 


- حسنًا أنا بالقرب منكِ أساسًا ، سآتي على الفور . 


أغلقت معه وعادت إلى والدتها لتجدها تقف تتحدث مع سيف الذي خرج لتوه من الحمام ويتحدث بنفاذ صبرٍ : 


- هل يمكنكما أن تعطياني الصغير لأرحل ؟ 


لم تجد سعاد بدًا من الرفض ولكن حاولت استعطافه بطريقة أخرى لذا قالت بهدوء : 


- اسمعني يابني الصغير الآن نائم ومن المؤكد إن استيقظ ولم يجدنا سيفزع ويصرخ ، دعه أسبوعًا على الأقل وتعالى يوميًا لزيارته حتى يعتاد عليك . 


لم تحتمل سارة رضوخ والدتها له لذا تحركت تقف جوارها وأمامه وتردف بنبرة أقل حدة لعله يقتنع : 


- اسمع يا سيف ، الصغير ابني ، وصية أختي لي ، وعدتها ألا أتركه أبدًا كما طلبت مني ، لا يمكن أن تأخذه ، يمكنك زيارته وقتما تشاء أرجوك . 


قالتها بعيون لامعة فتعمق بها لثانية ثم تجاهلها تمامًا وعاد يتطلع إلى سعاد ثم تحدث كأنه لم يسمعهما : 


- الوقت تأخر ، وأنا لدي مواعيد عمل فضلًا يا سيدة سعاد أحضري الصغير . 


شعرت سعاد بالضيق والحرج لذا تحركت طواعية تجلب له الصغير متجهة إلى غرفتها وحينما رأتها سارة جن جنونها ولا تعلم ما أصابها لتصرخ في وجهه بغضب واندفاع قائلة : 


- لن تأخذه ، أقسم بربي إن لم تغادر الآن يا سيف سأتصل بالشرطة . 


وقف يتابعها بصمت بينما هي أسرعت نحو سعاد التي أتت تحمل الصغير النائم لتسرع سارة تنتزعه منها وتعانقه بقوة وتردد وهي تدفن رأسها فيه بهستيرية : 


- لن تأخذه ، هذا ابني أنا ، سأموت بدونه . 


- ماذا يحدث هنا . 


قالها علي الذي أتى من خلفهم ليلتفت له سيف يطالعه بطرف عينه بضيق وحقد ليلتفت ويتقدم نحو سارة بعدما تملك منه الغيظ ومد يده يحاول أخذ الصغير الذي استيقظ يبكي ولكنها تكبله بقوة بأحضانها وتردف بصراخ زاد من بكاء الصغير : 


- ابتعد عني ، ابتعد لا تلمسني . 


تفاقم الغضب في جسد علي الذي اشتعل ليسرع إلى سيف ويدفعه بعيدًا عن سارة فتعثر سيف للحظات قبل أن يباغته بكره ويبادله علي نفس النظرات قائلًا بشراسة : 


- ابتعد عنها . 


صرخت سعاد بقهرٍ وهي تطالعهما : 


- كفى ، كفى ، هل ستتعاكران في بيتي  ؟. 


التفتت تنظر إلى علي قائلة بعيون محذرة : 


- إجلس يا علي . 


زفر علي بقوة ثم أومأ لها واتجه يجلس لتلتفت تطالع سيف الذي يلجم غضبه بصعوبة ثم تحركت نحو ابنتها التي باتت تهدهد الصغير حتى عاد للنوم في حضنها ، نظرت لها بحزنٍ فهي تعلم جيدًا قوة تعلقها به ، وتعلم أنها ستعاني وستتألم ولكن هذا أفضل قرار كي تلتفت إلى حياتها . 


تحدثت بنبرة لينة حنونة وهي تمد يدها لها : 


- أعطني الصغير يا سارة . 


رفعت سارة نظراتها إلى والدتها تترجاها ألا تفعل وقلبها ينبض بعنف رافضًا ما يحدث برمته لتومئ لها سعاد وتردد بحزن : 


- هيا يا سارة هذا والده ما تفعلينه خاطئ يا ابنتي . 


هزت رأسها برفضٍ لتلتفت تنظر نحو علي عله ينجدها أو يدعمها ولكنه عاد يتوقف ويردف مؤيدًا لقرار سعاد : 


- أعطيه ابنه يا سارة ليأخذه ويغادر . 


هاجمها وحش الصدمة وهي تطالعه بخيبة أمل وحسرة وفجأة ارتخت قبضتها من حول الصغير فتناولته سعاد وانحنت تقبله بعمق وبكت وهي تلتفت تناوله لوالده الذي أخذه منها يتطلع عليه بتعجب ومشاعر مختلطة من الحيرة والألم والخوف والحزن والحنين . 


رفع نظره يطالع سعاد وهي تردف بنبرة حزينة : 


- اعتني به . 


أومأ لها ثم التفت يلقي نظرة أخيرة على سارة التي وقفت لا حول لها ولا قوة وعيناها مثبتة على الصغير الذي بدأ يتحرك والده به لتشعر كما لو أنّ أحدهم يسحب روحها منها . 


غادر بالصغير ليمر ثوانٍ وتسقط أرضًا فلم تعد قدماها تحملاها وانهارت تبكي وتنتحب وتنادي بأعلى نبرة صوتٍ تملكها : 


- نـــــــــــــــــــــــوح . 


❈-❈-❈


غادر به يستقل سيارته ويأمر السائق بالانطلاق وكل ما يفكر به هي وهيئتها وحالتها التي تركها عليها شاعرًا بالذنب من أجلها ولكن لقد أقسم على ألا يترك صغيره مجددًا . 


بعد وقتٍ ترجل حاملًا الصغير ودلف فيلته ينادي على العاملة التي أتت تجيبه بهدوء : 


- تفضل سيد سيف . 


تساءل وهو ينظر للصغير الذي فتح عينه يطالعه بغرابة كأنه يتعرف على هويته : 


- أين السيدة براء ؟ 


- في الأعلى سيدي ، في الغرفة التي تم تجهيزها للصغير . 


تحرك للأعلى يسرع خطواته حيث بدأ الصغير يبكي وهو لا يعلم كيف يتصرف في هذه الأمور . 


وصل للغرفة لتتجه له السيدة براء وتأخذ منه الصغير تحاول تهدئته ووقف يتطلع عليه بتعجب وحيرة من أمره  ، هذا ابنه من صلبه  ؟. 


هدأ الصغير قليلًا خاصة وأن الغرفة ألوانها هادئة وملفتة لعينيه في آنٍ واحد وممتلئة بالألعاب والكريستالات المعلقة كالنجوم والتي حدق بها يحاول استكشاف هويتها . 


❈-❈-❈


مرت ليلة عصيبة على سارة ، ليلة لم تذق فيها طعم النوم ولا الراحة . 


قلبها يتألم ورأسها تتألم وعيناها لم تتوقف لحظة عن الدموع . 


حتى برغم محاولات سعاد في مواساتها وطمأنتها ولكن عبثًا . 


لم تحتمل فقدانه ، ليس بعدما تعلقت به ، لن تخلف وعدها أبدًا . 


لذا ما إن حل النهار حتى ارتدت ملابسها ونقابها سريعًا ثم اتجهت لوالدتها النائمة تحاول إيقاظها فتململت سعاد تطالعها بتعجب لتتحدث سارة بعيون منتفخة ووجه محتقن ونبرة متحشرجة : 


- أمي سأذهب لأرى نوح . 


تطلعت عليها سعاد بحزنٍ ثم أومأت لها فهي لن ترتاح حتى تراه لذا ما إن أخذت الإذن منها حتى أسرعت خطاها تغادر نحو الأسفل وتستقل سيارتها متجهة إلى فيلا سيف . 


❈-❈-❈


على الجهة المقابلة كان الجميع مستيقظين نسبةً لبكاء هذا الصغير الذي لم يهدأ منذ ساعات إلا دقائق فقط يغفو بها ثم يستيقظ مطالبًا برؤيتها هي فقط حتى يهدأ ويشعر بالأمان الذي يفتقده في هذا المكان  . 


وهذا ما قالته السيدة براء لسيف حينما تساءل عن سبب بكائه وعدم استطاعتهم إسكاته . 


حمله بنفسه وحاول أن يهدهده كما فعلت براء أمامه ولكن الصغير يبكي ويتحشرج أمامه ليجن جنونه ولكن ما إن لامس وجنته حتى وجد حرارته عالية لذا لم يحتمل الصبر أكثر من ذلك وتحرك ينزل الدرج ويتجه نحو الخارج وهو يمد يده ليفتح الباب ولكنه تصنم حينما وجدها أمامه تنوي طرق الباب في نفس اللحظة  . 


وقفا يحدقان ببعضهما لثوانٍ قبل أن تنتبه للصغير الذي عاد يبكي ويشير إليها كي تأخذه فبرغم نقابها الذي يمنعه من رؤيتها إلا أنه يعرفها جيدًا . 


أسرعت تنتشل الصغير برقةٍ متناهية والتمعت عيناها وهي تعانقه وتقبله تحت أنظار سيف الذي ابتلع لعابه بتوتر وتركها تفعل معه ما تريد يكفيه أن يهدأ . 


ظلت تبث في الصغير الطمأنينة والأمان ليستكين قليلًا ويهدأ ولكن تحدث سيف بنبرة متوترة : 


- حرارته عالية . 


لم تنظر نحوه ولكنها تحسست جبينه لتستنتج أن حرارته تلك ليست ناتجة عن فيرس وإنما نتجت من شدة بكائه لذا طالعته شزرًا وتحدثت بنبرة تحمل اللوم والغضب : 


- هذا لأنه يبكي منذ ساعات ، هل أنت راضٍ الآن ؟ ، ماذا إن حدث له مكروه ؟ 


رفعت سبابتها في وجهه وتابعت بتحذير ووعيد : 


- حينها لن يمنعني أحد عنك . 


تعجب من جرأتها في تهديده ولكنه صب تركيزه على الصغير الذي هدأ لتعاود تتحسس وجنته ثم تردف متسائلة بنزق : 


- أريد أن أبدل له ثيابه وأطعمه ، من المؤكد أنه لم يتناول شيئًا . 


أومأ لها فهو بالفعل لم يتناول سوى القليل من الطعام نسبةً لبكائه لذا أفسح لها المجال يردف بغموض : 


- حسنًا أدخلي . 


دلفت بخطى متوترة من نظراته ثم أشار لها نحو الأعلى قائلًا : 


- غرفته على اليمين في الأعلى ، والسيدة براء ستساعدكِ في الاعتناء به . 


- لا أريد مساعدة من أحدٍ . 


نطقتها بحدة وهي تصعد الدرج لتتحرك نحو الغرفة تحت أنظاره الشاردة ليعاود عقله يفكر مجددًا في ذات الأمر الذي يراوده قبل أن يعود  ، هل يمكن أن يحدث ؟ 


❈-❈-❈


بعد وقتٍ استرخى الصغير معها بعدما أبدلت له ثيابه وحفاضته وأطعمته وناغشته كما تفعل دومًا وكما يحب أن تفعل . 


ظلت معه تدندن له وتقهقه معه حتى غفا بين يديها لتنحني تقبله قبلة هادئة ولكنها عميقة ملتاعة لذا زفرت بقوة وأبعدت وجهها عنه ثم تحركت تضعه في سريره لتتركه وتنزل كي تتحدث مع سيف في أمره ، يجب أن تجد حلًا مناسبًا فهذا الوضع لا يمكن تحمله لكليهما ومن المؤكد بعدما رأى حالة الصغير سيتنازل قليلًا . 


هكذا ظنت لذا تحركت للأسفل تبحث عنه وسألت العاملة فأخبرتها أنه في غرفة المكتب . 


تحركت صوبها ثم طرقت الباب فسمح لها لتفتح الباب على مصراعيه وتدلف تطالعه وهو يجلس يتصفح حاسوبه ويرتدي نظارته . 


تحمحمت قائلة بجدية : 


- هل يمكن أن نتحدث . 


- يُمكن . 


قالها وعينه على الحاسوب فاغتاظت ولكنها تحركت نحو المقعد تجلس عليه وتفرك كفيها بتوتر ثم تنهدت وتحدثت : 


- حينما حملت أختي في نوح وحينما أجبرتها على الإجهاض طلبت مساعدتي كي أقنعك ، وحينما جئت إليك وتحدثت معك وبعدها علمت أنك تراجعت عن قرارك سعدتُ جدًا بهذا الخبر وأيقنت أنك صاحب ضمير . 


تنهدت بقوة ثم تابعت بشرود وحزن : 


- وحينما علمت بمرض فريدة وأخبرتك وجدتك حزينًا والحق يقال لم تقصر معها في التكاليف ولكنك لم تراعِ خاطرها ومشاعرها بل اهتتمت بعملك وسفرك وصفقاتك وتركتها وهذا جعلني أبدل كلمتي بعكسها واكتشفت أنك بلا ضمير . 


تعجب مندهشًا من تصريحها لتتابع بنبرة أشد حزنًا وتأثرًا متجاهلة دهشته  : 


- قبل أن تتوفى أختي أخبرتني وصيتها بألا أترك صغيرها لك ، قالت أنك لن تهتم به ولن تراعيه ووعدتها أنني لن أتركه . 


رفعت نظرها إليه تطالعه بغضب امتزج بحزنها وتابعت : 


- وأكد لي صدقها حينما سافرت بعد وفاتها بثلاثة أيام وتركت صغيرك ، أربعة أشهر أنت لا تعلم عنه شيئًا ، أربعة أشهر تركته لي أنا من راعيته واهتتمت به ولم أفكر في نفسي أو مستقبلي أو زفافي الذي اقترب  ، لذا فأنا من أستحق حضانته وليس أنت ، أرجوك أثبت لي أنك ذلك الرجل صاحب الضمير ولا تعترض على ذلك ، دع نوح لي وتستطيع رؤيته وقتما تريد . 


انتهت تطالعه منتظرة قراره بأعصابٍ مشدودة بينما هو فقط يطالعها لثوانٍ ثم تساءل : 


- وهل يهم ؟ 


- ماذا ؟ 


تساءلت مستفهمة ليتابع موضحًا : 


- هل الأمر مهم بالنسبة لكِ إن كنت صاحب ضمير أو لا ؟ 


نظرت له بيأسٍ وتحدثت بنبرة متحشرجة وهي على وشك البكاء : 


- كل ما يهمني هو نوح ، نوح فقط . 


- لنتزوج إذًا . 


نطقها فجأة ليختفي تحشرجها وتغادر نظرة اليأس للبعيد وتحتل مكانها نظرة العدائية والشراسة وهي تنهض متحدثة بذهول : 


- ماذا ؟ ، مــــــــاذا ؟ ، أي زواج هذا يا حقير . 


- صوني لسانكِ . 


قالها محذرًا بعينين ثاقبتين ولكنها لم تبالِ حيث أطلقت العنان للسانها تردف موبخة : 


- صُن أنت العشرة والحب يا ابن الدويري ، صُن الذكريات يا منعدم الضمير والأخلاق  ، أقول لك أختي وذكرياتها وتقول لي نتزوج  ؟  . 


هب واقفًا وأردف بحدة أفزعتها : 


- كفى . 


أجفلت تطالعه بغضبٍ وصدرها يعلو ويهبط بصخب وعقلها لا يستوعب مطلبه ليتابع بجدية : 


- حاولت أن أجد لكِ حلًا كي لا تبتعدي عن الصغير حتى لو كان حلًا فوق طاقتي ولكنني صاحب ضمير لذا طرحته ، ولكن كفى الآن غادرى من هنا بلسانكِ السليط هذا . 


وجدت نفسها في وضعٍ لا تتمناه لعدوٍ لها ، التزمت الصمت وبرغم رغبتها في الفرار إلا أن قدميها التصقتا في الأرض كأنهما ترفضان مغادرتها ، تجبرانها على التروي لتجد حلًا من أجل نوح . 


تلعثمت ونطقت بهمس وقد باتت تبكي مما تتعرض له من صغطٍ وتجبر وقسوة  : 


- لمَ تفعل معي هذا ؟ ، هل أسأت لك يومًا ؟ ، ألم ترى أن الصغير يحتاجني ؟ ، أرجوك لا تبعدني عنه ولا تطلب مني الشيء المقزز هذا مرة أخرى ، ثم أنني على خطبة رجلٍ آخر فكيف تريدني أتقبل ما تقوله ، أرجوك سيف . 

نطقتها بانكسار وتذلل وهي التي لم تنكسر يومًا ولكن لم يعد يهمها نفسها بقدر اهتمامها بالصغير . 


ظل يحدق بها ويفكر ثم تابع ببرود ظاهري : 


- الصغير يحتاجكِ اليوم ولكنه لن يحتاجكِ غدًا ، هو مازال صغيرًا جدًا على تعلقه بأحدهم ، ولكن هذا الحل من أجلكِ أنتِ لتعلمي أنني لا أحمل ضغينة تجاهك ، إما أن نتزوج ويتربى نوح بيننا كعائلة وإما أن تبتعدي عنه 

الفصل الثامن من هنا

تعليقات



×