رواية وريث آل نصران الجزء الثاني الفصل الخامس والسبعون 75 بقلم فاطمه عبد المنعم




  رواية وريث آل نصران الجزء الثاني الفصل الخامس والسبعون 75 بقلم فاطمه عبد المنعم




الفصل الخامس والسبعون (ليلة دموية) 

(نهاية الجزء الثاني) 


رواية_وريث_آل_نصران


تنويه:

لو حد بيتابع وهو سنه صغير خالص بلاش الفصل ده، لأن فيه مشهد عنيف مش هيتناسب مع سنكم، ممكن تقرأوا الفصل وتعدوا مشهد ضرب شاكر مع عيسى واخواته عادي مش هيأثر🌸


يلا نبدأ 

بسم الله الرحمن الرحيم 

ربما نسيت أنت ولكنني لن أنسى 

ربما ظننت أن الحق ضاع ولكني حقا نسيت أن أخبرك أن الحق رفيقنا، واليوم يا قاتل أخي... 

أتت ليلة استرداد جزء من الحقوق... 

أتت ليلة لا تنساها ولا تنسانا معها أبدا . 


كل شيء على الوجه الأمثل، لم تجد "بيريهان" مكان مناسب لإقامة حفل زفافها أكثر من الڤيلا الخاصة بوالدها... هنا أكثر مكان آمن بالنسبة لها... بدت كالأميرات بردائها الأبيض الذي كسته لمعة جذابة، اختارته انسيابي ليساعد على راحتها في الحفل وكان له فتحة جانبية صغيرة من الأسفل أبرزت جمال حذائها العالي... وتركت خلاصتها منسابة واكتفت بوضع دبوس خاص بالشعر أخذ شكل الفراشة على جانب رأسها، كانت متألقة وظهر هذا جليا و"ندى" تقول في الغرفة الداخلية حيث تزين خبيرة التجميل ابنة عمها:

الله يا "بيري" بجد تخطفي العين. 


ابتسمت بتوتر وهي تسألها:

بجد ؟ 


هزت "ندى" رأسها مسرعة وهي تأكد على ما قالته:

طبعا بجد. 

اتجهت ندى ناحية المرآة تتأمل ثوبها الأسود اللامع، 

و خصلاتها التي عملت على تقصيرها نوعا ما، شعرت أن مساحيق التجميل لا تخفي الإجهاد الظاهر على وجهها لذا استأذنت من السيدة:

ممكن بعد ما "بيري" تخلص نظبط ال 


قطع حديثها دقات متتابعة على الباب فهرولت "ندى" ناحيته وفتحته فتحة صغيرة وجدت "شاكر" في الخارج فردعته متصنعة الجدية:

لا يا شاكر مش هينفع تشوفها.. يلا امشي. 


ضحك وهو يطلب منها أن ينتهيا سريعا:

طب يلا يا ندى خلصوا لو سمحتي... الناس كلها برا مستنيانا. 

كان يحاول استراق نظرات نحو الداخل ولكن وقفت ندى كحصن منيع قائلة باعتراض:

هو احنا مش كتبنا الكتاب امبارح، مفيش بقى لا مأذون ولا حاجة تسربعنا، سيبها بقى تجهز براحتها لفرحها. 


أنهت حديثها وأغلقت الباب، اتجهت ناحية الشرفة تلقي نظرة على الحديقة الخارجية، ابتسمت وهي ترى التزيين الذي أشرف عليه متخصصون في الأمر، فتحول المكان إلى تحفة فنية، اتسعت ابتسامتها وهي ترى اسم ابنة عمها المزين بالأضواء الملونة وجواره اسم "شاكر"... الطاولات التى انتثرت الزهور من حولها والموسيقى الصاخبة، والدة " شاكر" وشقيقته و"محسن" وقد جلسوا على طاولة مميزة...اختفت ابتسامتها حين لمحت زوجها ووالده ووالدها وقد اجتمعوا على طاولة واحدة فأغلقت النافذة بضيق وعادت للداخل لتجد المسؤولة عن تزيين ابنة عمها تخبرها بلطف:

مدام ندى أنا خلصت لو حابة تظبطي أي حاجة ممكن أعملك ده. 

ابتسمت برقة واتجهت لمقعد الجلوس كي تمارس السيدة عملها. 

انتها تماما بعد نصف ساعة حينها قالت "بيريهان" بتوتر:

استنى يا ندى متندهيش "شاكر".


_ " بيري" كفاية توتر بقى يا حبيبتي، اتأخرنا أوي على الناس. 

ردت على جملتها بسؤال سألته مرات عديدة:

طب بجد كل حاجة مظبوطه؟ 


أكدت ندى على ذلك وهي تضحك على أفعالها:

والله زي القمر... 

أضافت بحماس وهي تهرول ناحية الخارج:

يلا بقى علشان ال first look. 


من المفترض أن تجده في ساحة الانتظار الخارجية، ولكنها لم تجده، انكمش حاجبيها باستغراب، وخرجت لتبحث عنه، استغرق البحث مدة جعلت "بيريهان" تشعر بالقلق، والخوف وقبل أن تتجه للخارج وجدت ابنة عمها تعود للغرفة بوجه عبوس، تقول بقلق نهش فيها هي الاخرى:

"بيري" أنا مش لاقية "شاكر".

حلت الصدمة عليها، استندت على يد المقعد وبدون إرادة منها جلست عليه... بل الأحرى أنها وقعت، تناولت هاتفها بيد لا تكف عن الارتعاش وطلبت رقمه بعيون تدور في المكان بأكمله وقد فقدت ثباتها... انتظرت الرد على أحر من الجمر ولكن لم يأت أي رد. 


★***★***★***★***★***★***★***★


وصل " عيسى" أخيرا إلى مبتغاه، إلى اليوم الذي طال انتظاره... يوم زواج "شاكر"، كان يجلس في المكان المتفق عليه ليتم هو ومن معه ما بدأوه... أراح ظهره على أحد المقاعد بأريحية وشرد بعقله في الأيام الماضية وخاصة الحوار مع خالته.... يرى نفسه الآن في غرفته يحايل النوم ليأتي له بعد ليلة سوداء قضاها وبعد عرض الزواج على " ملك" في الأسفل وموافقتها، اقتحمت خالته عليه الغرفة قائلة بحزم:

"عيسى" لو سمحت عايزة اتكلم معاك. 


منذ أن منعها من الذهاب مع "كارم"، ثم إطلاق " كارم" عليه وإصابته وعلاقته بخالته متوترة... لذلك لم يرحب بتواجدها كعادته بل اعتدل سائلا بفتور: 

خير؟ 


اقتربت لتصبح واقفة جوار الفراش مباشرة وبدأت الحديث برفق:

"عيسى" أنا كنت بكلم "ملك" من شوية... وقالتلي إنك عرضت عليها إن الجوازة تتم وهي وافقت. 


أدار عينيه لخالته يسألها:

وايه المشكلة؟ 

تبع سؤاله بذهابه ناحية البراد الصغير المجاور للفراش وقد وضعه خصيصا من أجل مشروبه المفضل، أخرج زجاجة منه وشرع في فتحها وهو يسمع اعتراض "ميرڤت":

عيسى البنت مش مستعدة نفسيا، لما كلمتها صوتها كان باين عليه انها مش قادرة حتى تتكلم في الموضوع، بلاش يا " عيسى" دلوقتي، استنى على الأقل لأجازة الصيف الجاي. 


شرب من زجاجته وما إن أنزلها حتى ألقى على مسامع خالته قوله الساخر:

هي رحلة؟... استنى مطلعهاش دلوقتي علشان الدنيا بردت وابقى اطلعها الصيف الجاي؟ 


جلست على الفراش في مقابله وهي ترد عليه بانفعال:

عيسى أنا عارفة الأسلوب ده كويس أوي، الأسلوب ده معناه إن في حاجة في دماغك بتخططلها، ومش عايز تسمع من حد، بس أنت لازم تسمعني. 


أبدى هو أيضا انفعاله مثلها تماما وهو يرد عليها:

اسمع لحد على الأقل يكون بيسمعلي، لحد بنبهه كتير إن وجوده في علاقة مع فلان بيأذيه ويأذيني وهو متبت فيه. 


حاولت جاهدة تجاهل ما تحدث فيه وهي تطلب منه بلين:

عيسى طب علشان خاطري، استنى عليها شوية...أنا خايفة على علاقتكم، 

ٱغمضت عينيها لا تريد قول هذا أبدا ولكنها اضطرت فتابعت:

افرض جاتلك النوبة واتصرفت معاها غلط. 


وضع الزجاجة بقوة على الطاولة المجاورة واحتدت نظراته وهو يخبرها:

مفيش حاجة اسمها نوبة، ومش أي حد بيتعصب شوية هنعتبره يا حرام مش هيقدر يتحكم في نفسه تاني، لو قلقانة على ملك متقلقيش محدش هيقلق ويخاف عليها قدي أنا عمري ما هأذيها، أما بقى لو قلقانة علشان الاضطراب والحاجات اللي محدش مقتنع بيها غيرك دي فأنا معنديش كلام أقوله يا خالتو...وابقي اطفي النور لو سمحتي علشان عايز أنام. 


لم تفلح معه أبدا.... خرجت بالفعل تجر أذيال الخيبة خلفها في حين بقى هو بمفرده في الظلام، بقى يتذكر مرات انطلق فيها اضطرابه كما تدعي خالته... حين أتى بعد مقتل شقيقه، حين عرف أين تم العثور على جثمانه، ذهب إلى تلك البقعة التي علم بمقتل شقيقه فيها، الأرض الزراعية والمنزل البدائي الصغير المجاور لها وقد خلا من البشر، مجرد تخيل أن شقيقه قُتِل هنا جعل حالته تسوء، جعل كل إنش في جسده يتحفز، انفجر وأتى الانفجار على هيئة نظرات شديدة المقت للمكان من حوله، و صرخة مدوية، صرخة بها كل ألمه 

كان قد أحضر الوقود، كانت لدية نية لإحراق المكان كما توعد وأقسم ولكنه تراجع عن ذلك، أراد فقط أن يرى المكان الذي شهد مقتل شقيقه ولكن اضطرابه كان أقوى منه، وصل انفجاره ذروته وفقد كل ذرة تعقل لديه، أصبح يتصرف بعنف شديد وهو يتجه ناحية سيارته ليجذب الوقود الذي تخلى عنه مسبقا، سكبه وألقى بلفافة تبغه المشتعلة عليه، كانت النيران تحرق فيه وهو يتخيل كيف تم الغدر بشقيقه قبل أن تشتعل من حوله وما إن اشتعلت حتى بصق بكره شديد، وتحرك ناحية سيارته التي أخذها وغادر بسرعة جنونية كان من المتوقع أن تسلب منه حياته. 

فاق من شروده والدموع بعينيه، يحث نفسه دائما على الاقتناع، حتى ولو بالإجبار، لا يوجد ما تقول عنه خالته، لا يوجد أي شيء، هو ليس مريض، حتى وإن عرفها بينه وبين نفسه سيظل ينكرها دائما، ما يطلقوا هم عليه مرض قد كان معينه الوحيد لمواجهات شرسة خاضها ولم يعلم عنها أحد شيء. 


فاق من شروده وأوقف سيارته، ما حدث في الأيام الماضية كان كثيرا جدا، ومضات تأتي إلى عقله مما حدث، اتفقا على عدم إقامة زفاف بناءا على رغبة العروس، ورغبته هو أيضا ووالده ولكنهما لم يصرحا بها حتى لا يصبح تعدي على حقها، علم الجميع في القرية أن "عيسى" تزوج من ابنة "هادية" وستنتقل العروس بعد أيام لمنزل زوجها... لحوم وُزعت على أهل البلدة، و موائد أُعدت لعزيمة الجميع احتفالا بزواج الابن الأكبر لكبير البلدة.... وأمس وقبل رحيله أتت هي بناءا على رغبة والده، تلصص على والده الذي سألها بنبرة حانية:

ملك يا بنتي، لو مش عايزة قولي، لو لسه مش مستعدة قوليلي وأنا هتفاهم مع "عيسى".


بكت بشدة، ازداد نحيبها فاقترب " نصران" منها وأجلسها ثم سمعها وهي تقول من وسط شهقاتها:

أنا مش قادرة يا عمو، والله العظيم ما قادرة.... 

أنا بحب "عيسى"، بس مش قادرة.... أنا قلبي بيتقطع مية حتة، كأن حد سارق نفسي وشايفني بموت ومبصعبش عليه، 

أكملت بحرقة:

فريد مات علشاني، هو كده خيانة ليه؟ 

نظر " نصران" للدموع في مقلتيها وهي تحاول جاهدة أن تتحدث:

هو كده خيانة لما ابقى داخلة نفس البيت ده بس علشان أنا مرات عيسى مش فريد؟ 

ختمت بوجع حقيقي:

أنا مش عارفة اعمل ايه؟ 


استدار "نصران" الناحية الاخرى يمسح دموعا فرت من عينيه، ألم اعتصره على حالها وعلى فقيده وعلى "عيسى"، استدار لها وقال بوجه بشوش حاول جاهدا أن يجعله كذلك حتى تطمئن:

طالما مش مستعدة متجبريش نفسك تدخلي البيت ده، البلد كلها عرفت خلاص انك اتجوزتي ابني، وأنتِ قولتي مش عايزة فرح، مفيش حد ليه عندنا حاجة... اهدي واستعدي براحتك ووقت ما تحبي تيجي وتقدري تدخلي البيت ده على انك مرات " عيسى" تعالي... ده بيتك قبل ما يكون بيت جوزك. 


شعر بما تريد السؤال عنه، لمح التساؤل في عينيها وهي تمسح عبراتها فقال بابتسامة:

أنا عامل لكل عيل من عيالي شقة، بتاعة عيسى في الدور التالت، هي جاهزة من كله، لكن الست هادية قالت انها عايزة تفرشها على زوقك، اطلعي شوفيها وتنزلي وأنا لما عيسى يرجع هقوله انك تستني شوية عند الست هادية لحد ما نغير اللي في الشقة على ذوقك، وانك طلعتي وشوفتيها ووافقتي على رأيي. 


اتسعت ابتسامتها، ونظرات الامتنان تكسو عينيها، فربت على كتفها وأعطاها المفتاح قائلا:

المفتاح اهو اطلعي شوفيها، المفتاح ده هيفضل معاكِ علشان لما تقدري تيجي وتبقي في بيتك. 


_ شكرا يا عمو. 

ابتسم وطلب منها بحنو:

أنا أبوكي، مش عايز أكررها كتير...أي حاجة تعالي قوليلي، متشتكيش لامك، اشتكيلي أنا حتى لو من ابني وأنا هكسرلك رقبته. 

حثها بلطف:

يلا روحي شوفي شقتك. 


هي فقدت والدها منذ زمن، ولكن حين ترى هذا الرجل تشعر وكأنها لم تفقده، تشعر بأنها ابنته حقا، اتجهت كما طلب منها إلى الطابق الثالث لترى محل إقامتها الذي من المفترض أن تبقى فيه من الآن.... شعرت بالإحراج الشديد، كيف ستكون حجتها بأن الأشياء لا تعجبها هنا، المقاعد ذات الألوان الهادئة، والرقي المحيط بكل إنش تقع عيناها عليه، دلفت إلى المطبخ فضحكت حين لمحت تلك الشخصيات الكارتونية على الأرضية، والزاوية المخصصة للقهوة، لم يشرف عيسى أيضا على شيء كما علمت، كل هذا صنعه "نصران" وهل يعقل ألا تحب شيء أشرف عليه هذا الرجل الذي تقطر كلماته لطفا... سمعت صوت الباب الخارجي يُغلق فانقبض فؤادها، أصدرت صرخة عالية حين فاجئها "عيسى" بدخوله، عاتبته مسرعة:

حرام عليك يا شيخ اتخضيت. 


ضحك وهو يخبرها غامزا:

أنتِ اللي قلبك خفيف 


ابتسمت ثم أبعدت أنظارها عنه تتابع تفحصها حتى ألقى سؤاله:

إيه رأيك؟ 


توترت بشدة ولكنها حسمت أمرها ستقول ما تريد:

حلوة، بس ماما وأنا يعني.... 


_ أنا بقول نغير اللي فيها ده كله، عايز أعملها على ذوقي. 

كان هذا حديث "عيسى" الذي صدمها، فرصة ذهبية جعلتها تقول مسرعة:

أيوه أنا شايفة كده برضو. 


اقترب منها، أصبح أمامها تماما فقبل أن تتحرك التقط مرفقها بلطف طالبا منها الانتظار:

ملك ممكن تستني؟ 


تجنبت النظر في عينيه تماما، فقط اكتفت بايماءة بسيطة من رأسها وتابع هو بما أثر فيها:

أنا يمكن طلبت منك تبقي هنا، طلبت إنه مفضلش متعلق كده، بخرج معاكي بالإذن وبرجعك بميعاد، جايز ضغطتك وقولتلك إن ده لازم يحصل في وقت أنا عارف إنك ممكن متستحمليش فيه، بس عايزك تعرفي حاجة 

تنصت له وتعطيه كامل تركيزها ولكن صوت دقات فؤادها أوشك على كشف أمرها خاصة وهو يكمل:

أنا كمان زيك، صعب عليا، الوضع كله كان صعب عليا من اللحظة اللي جيت وقولتولي فيها إن أخويا راح، كلنا بنعاني على فكرة بس بطرق مختلفة يا "ملك"... 

أنا عايز أقولك حاجة واحده بس علشان شايفها في عينك لكن مقولتيهاش. 


هنا فقط طالعته، هنا نظرت لعينيه وتابع هو بابتسامة ماسحا على وجنتها:

المفروض إني أكمل كلامي وأنتِ بتبصيلي كده؟ 


ابتسمت وأكمل هو:

أنا مش عايزك تخافي، حتى لو دخلتي البيت ده وبقيتي موجودة، اعرفي انك موجودة علشان ده بيتك، علشان أنا محتاجلك جنبي، مش علشان أي حاجة تانية. 


ارتعشت بخوف، تحدث عن نقطة تؤرقها كثيرا، نقطة جعلته يلمح الخوف في عينيها فوعدها بصدق:

أقسم بالله العظيم ما هقرب ناحيتك طول ما أنتِ مش عايزة، أنا مش حيوان يا " ملك".

حديثه ونظراته الدافئة نجحا في طمأنتها خاصة وهو يكمل:

احنا قدام البلد كلها دلوقتي خلاص تممنا الجوازة، والناس فرحت وهنت ومشيت، عايزة تفضلي عند مامتك لحد ما نغير اللي مش عاجبك هنا ماشي، أنتِ حره، وخليكِ عارفة إنك لما تيجي هنا ليكِ كامل الحرية تعملي اللي عايزاه، محدش هيقدر يغصبك على حاجة، ابقي اعتبري نفسك يا ستي بتغيري جو هنا وروحي عند مامتك براحتك...حلو كده؟ 


هزت رأسها تقول بضحكة واسعة:

حلو. 


 _ طلب بقى. 

حين قال هذا انكمش حاجبيها باستغراب فأكمل ماحيا استغرابها:

ممكن تفضلي معايا النهارده؟... مش فاضل كتير على الصبح. 

راقب تعبيرات وجهها جيدا وألحق جملته بأخرى سريعا:

ولو مش عايزة بلاش عادي، هتنزلي معايا واروحك. 


_ بس ماما. 

كان هذا مبررها الذي رد عليه بغيظ:

هي ماما دي طالعالي في البخت؟... هفضل استأذن منها لحد ما ابقى جد ولا إيه؟... خلاص زمن الاستئذان خلص بقى. 


كانت ستدافع سريعا وتصر على موقفها لكنه حله بضحك:

هكلمها وأقولها إنك هتقعدي في بيتنا النهارده بس، ومن بكرا الصبح هتكوني عندها. 

كرر عليها من جديد:

لو مش عايزة يا "ملك" قولي وانزلي. 


لم تستطع الرفض، كان حديثه ألطف من أن تعترض عليه، لذا وافقت على تحقيق مطلبه، تعلم أن والدتها لن تفوت الأمر هكذا... حتى لو أصبحت زوجته أمام الجميع، لكن أمها تعلم كل الخبايا. 

ذهب لإجراء المكالمة وما إن انتهى حتى سمع دقات على الباب تبعها صوت "تيسير":

ست ملك أنتِ بخير... الحاج باعتني أشوفك. 


رد عليها " عيسى":

اه يا "تيسير" كويسة. 

ما إن سمعت صوته حتى هتفت بإحراج:

يادي الكسوف والله الحاج قالي إنها لوحدها، مكنتش أعرف إنك معاها، معلش على الإزعاج. 


_ قولي للحاج ملك هتبات في شقتها النهاردة، وبكرا تبقى ترجع للست هادية لحد ما تخلص اللي عايزة تخلصه في الشقة هنا. 


أبدت اعتراضها وهي تقول:

طب وترجع بيت أمها ليه ده حتى فال وحش... ما تقعد تحت معانا. 


وصلتها نبرته التحذيرية في الخارج:

مترغيش يا "تيسير"، ويلا على تحت. 


ما إن رحلت " تيسير" حتى عاد إليها، كانت قد غادرت المطبخ، ذهبت إلى الغرفة المخصصة للنوم، نامت على الفراش بهدوء وتدثرت بغطاء خفيف مناسب للأجواء، فثبت مكانه وهو يسألها بإنكار:

ما تقلعي الطرحة يا "ملك" هتنامي بيها؟ 


كانت تعلم أن قول كهذا ليس ببعيد عليه، خلعت حجابها بتوتر، وسريعا ما جمعت خصلاتها في رابطة الشعر وعادت للنوم من جديد، كانت تسترق النظرات له بين الحين والآخر تتلصص على ما يفعله في الخارج حتى غلبها النوم، حينها فقط نام على الفراش جوارها، نام وتصنع ألا مأوى له إلا هنا. 


فاق من شروده هذه المرة على ابتسامة واسعة، كان قد وصل للمكان المطلوب، ترك سيارته ودلفه، غرفة مظلمة بها مصدر إضاءة ضعيف، غرفة باردة، وصل "عيسى" إلى أحد المقاعد، جلس عليها في انتظار القادم، أخرج السلاح الأبيض الخاص بشقيقه ورفعه أمام عينيه يطالعه بظفر، لم يطل انتظاره حيث سمع صوت "بشير" و"طاهر" و"حسن"...سمع صوت "شاكر" العالي ، و اعتراضه وهو يسأل عن ماهية المكان... دخلوا به حتى التقت عيناه بعين "عيسى" حينها فقط صاح "شاكر" بغل:

أنت وملك اتجوزتوا؟ 

_ جاي هنا ليه؟ 

كان هذا سؤال "عيسى" الذي رد عليه "شاكر" وهو يحاول التملص منهم:

أنا مجتش أنتوا اللي جبتوني. 


طالع "طاهر" أخاه يسأله ساخرا:

هو اللي جه يا "حسن" ولا احنا اللي جبناه. 


أجاب "حسن" سريعا بضحكة متشفية:

هو اللي جه لوحده. 

أيد "بشير" قول "حسن" وهو يحكم القبض على ذراع "شاكر": 

وأنا شاهد. 


كرر " شاكر" سؤاله بانفعال:

رد عليا أنت اتجوزت "ملك"؟ 


النبرة الخطيرة التي تحدث بها " عيسى" زرعت الرعب في روح الواقف أمامه:

رد عليا أنت... فاضل قد ايه في ساعتك على نص الليل 


طالعه باستغراب وفعلها عيسى بدلا عنه قائلا بابتسامة:

فاضل عشر دقايق ونبقى في يوم جديد، يوم تاريخه محفور.... اليوم اللي غدرت فيه بأخويا. 

قال جملته الأخيرة هامسا للواقف أمامه، فشعر "شاكر" بالخطر وهو يسأل بشجاعة واهية:

أنا هنا ليه؟ 


مرر "عيسى" السلاح الأبيض أمام عينيه، اهتز الباقي من ثبات "شاكر" حين لمح اسم "فريد" على السكين فأسرع يقول:

أنت قولتلي مش هقتلك... خوفت مني ولا إيه فقولت تجيب من الآخر وتخلص مني، كده أنا الكسبان على فكرة. 


اتسعت ابتسامة "عيسى" وهو يسأله:

ايه الشياكة دي يا عريس؟... يا خسارة البدلة دي والله 


ابتلع "شاكر" ريقه بتوتر وأحكم الثلاثة القبض عليه و "عيسى" يهمس له بخطورة:

قتل ايه بس يا راجل؟... احنا جايبينك نباركلك... مش أنت عريس؟ 


أكمل "طاهر" بحقد وهو يزيد من تقييده له:

جايبينك علشان طول ما فيك نفس، اعرف إن الليلة دي كل سنة هتبقى كابوسك الأسود. 


دقت الثانية عشر تماما حينها فقط غرز "عيسى" السكين جوار معدة "شاكر" ثم أخرجه باحترافية قائلا دون أن يشفق: 

استعنا على الشقا بالله. 


صرخ "شاكر" عاليا، وسقط على الأرضية، لم يفق من الضربة الأولى، ولكنه تفاجأ بنصل السكين الحاد يترك بصمته في وجهه، وجهه هو الآخر ينزف... تأوه عاليا و "عيسى" يقول بنبرة أعلى:

لا اهدى كده يا "شاكر" يا حبيبي ده احنا لسه بنبتدي، ده الليلة فرحك. 


استطاع رؤية الألم في عيون "شاكر"، الألم الممزوج بالغل، بإرادته أن يفعل أي شيء ولكنه لا يستطيع فلقد غدروا به، ضحك " عيسى" متشفيا وهو يقول:

أنا هسيبه دقيقتين معاكم، بالراحه عليه علشان نعرف نتسلى عليه ساعتين تلاتة كده. 

استدار يسأل "حسن":

الجنزير فين يا " حسن" ؟ 


حينها فقط صرخ "شاكر":

هموتك... لو حد قرب مني تاني هموتكم كلكم. 

ركلة سددها له " بشير" في معدته أسكتته واتجه "عيسى" ناحية الزاوية التي أشار له شقيقه عليها وأحضر مطلبه وهو يقول بسخرية لهم:

بيقول هيموتنا. 


ضحك الأربعة عاليا وعلى حين غرة نزلت ضربة قوية على ساق "شاكر" و"عيسى" يخبره بتشفي:

ده عندها يا روح أمك. 

أضاف بشر:

لو فضلت عايش، هتفضل كل سنة تفكر يا ترى هنعمل فيك ايه السنادي....أنا كابوسك يا "شاكر"... بص للوش ده كويس. 

مال عليه و أكمل بنظرات مظلمة:

من سنة غدرت بواحد نسخة مني، والنهاردة وبعد سنة بتشوف الويل، بس عارف الفرق؟... هو مات راجل، أنت بقى أنا هخلي النهاردة حتى الفيران تقرف لما نشبهك بيها.

صرخة عالية صدرت من " شاكر" حين تلقى ضربة ثانية من الجنزير على ذراعه، صراخه كان أداة، أداة لإخماد نار قلوبهم.... ليلة طويلة انتهت كما تم التخطيط لها.... سيارة كبيرة فُتِح بابها في ساحة القرية التي يسكنها "شاكر" وتم إلقاء العريس المفقود منها على الأرضية، صار القميص الأبيض بيت للدماء وصاحبه ملقى على الأرض ولا حول ولا قوة له.... كان البحث عنه يعمل على قدم وساق، العروس التي حضرت من القاهرة إلى الاسكندرية للبحث عن شريكها لم تتوقع أبدا أن ينتهي بها البحث لتجده في النهاية هكذا، لا تعلم هل حي أم ميت ولكنه يشبه الأموات خامد بلا حركه والدماء تحكي كل شيء، انطلقت صرخاتها، شاهد الجميع "شاكر" عريس اليوم وهو بحالته هذه في ساحة القرية، تعالى الهمس وصرخات العروس لا تتوقف.... لا تعلم كيف ذهبوا به إلى المشفى، تشعر وكأنها مغيبة عن العالم، انهارت فرحتها وعلى وشك فقد شريكها.... تركت "ندى" المشفى وتوجهت لمكان تعلمه جيدا ولكن عند مدخل قرية "نصران" أوقفها الحارسان حتى حضر "عيسى" الذي أمر بعدم دخولها... كان نبرته باردة حين حضر وسألها:

عايزة ايه؟ 


صرخت وهي تريد منه الانكار:

أنت اللي عملت كده في شاكر؟ 


_ شاكر مين؟ 

سألها ضاحكا فردعته بدموع:

متعودة عليك صادق... أنت اللي عملت كده؟ 

أنت اللي بوظت فرحة بيريهان وقهرتها؟، أنت الليىفضحتها وسط الناس ورميته غرقان في دمه ؟

أنت لو شوفت حالتها كأنها ميتة 

صرخت بجملتها الأخيرة فردعها:

أنا مليش دعوة بحد، ولا أعرف ايه حصل لسي شاكر وعموما لو مات قولي لبنت عمك البقاء لله وإن هي الكسبانة.


_ مش أنت اللي عملتها صح؟... أنا لسه شايفة في عينك الصدق، أنا ضايعة يا "عيسى" ومش عارفة أعمل ايه. 

قالت اخر كلماتها بقهر صارخة ثم ألقت نفسها بأحضانه فتجمد هو مكانه. 


في اللحظة ذاتها كان أفراد الشرطة في كل مكان في المشفى، وجودهم بث الروح في "بيريهان"، بث الروح لتقوم وتقول بإصرار حين سألت إن كانت تشك بأحد:

عيسى نصران ....

هتفت من بين دموعها:

أنا بتهمه. 


عاشت ليلة لن تنساها أبدا لذلك كان قولها مثل ليلتها تماما... قول لا يُنسى مهما حدث. 

وتتوالى الليالي التي تُدهشنا، الليالي التي نقف أمامها عاجزين عن تصديق أي شيء... عن تصديق أننا سننساها يوم ما.. 

لأنها ليالي لا تُنسى أبدا. 


يُتبع الجزء الثالث من هنا 


تعليقات



×