رواية وريث آل نصران الجزء الثاني الفصل الرابع والسبعون 74 بقلم فاطمه عبد المنعم
الفصل الرابع والسبعون (يجبرها على القبول)
وريث_آل_نصران (الجزء الثاني)
قبل الفصل بس شكرا لكل اللي سألوا عليا لما اتأخرت المرة اللي فاتت، والناس اللي بعتولي.. أنا الحمد لله كويسة عيني بس تعباني وبسبب كده اتأخرت... شكرا لسؤالكم من قلبي والله ❤❤❤❤
يلا نبدأ
بسم الله الرحمن الرحيم
أصعب ما يمكن أن تمر به...أن يخيرك أحدهم
يخبرك أنه قرارك، ولكنك على يقين أن الاختيار رفاهية ليست من حقك، يجب عليك اختيار شيء بعينه... يقال أنك مخير ولكن هل أنت حقا كذلك أم أن قول أنت مخير هذا مجرد دعابة...
مزحة لا قيمة لها!
لم يبق أحد في المرسم سواه، كانوا هنا جميعا قبل دقائق يقومون بإتمام اتفاقهم عما سيحدث بعد عشرين يوم.
بقى "عيسى" بمفرده في مرسم شقيقه شاردا في لا شيء، ثم وقعت عيناه على أدوات الرسم الخاصة بشقيقه وأوراقه المتناثرة هنا وهناك، جذب ورقة ودون عليها باللون الأزرق اسمه، ثم تركها مكانها وشرد فيما حدث يوم خطبة "بيريهان"...اليوم الذي مر عليه الكثير حتى تبقى أيام قليلة على الزفاف، شرد ولم يحزن عليها فلقد حذرها كثيرا وفعل كل ما بوسعه كي لا تقع في مثل هذا.... تذكر حين دخل غرفتها بعد أن دق الباب، وحين سمحت له بالدخول وجدها تقف أمام المرآة تتأكد من أن كل شيء على ما يرام، تذكر الشجار الذي دار وصوته وهو يقول:
بلاش يا "بيريهان"، بلاش علشان نفسك.
تحذير " عيسى" كان صارم، هنا في الغرفة، وقبل دقائق من خروجها للاتجاه إلى حفل خطبتها...، تفاجأت به هنا وهي تضع اللمسات الأخيرة قبل المغادرة
حاولت أن ترد عليه برجاء:
علشان خاطري يا "عيسى"، بص للموضوع بنظرة تانية... صدقني الانسان ممكن يتعمي عن حاجات كتير، متخليش " ملك" تسيطر عليك حاول تقعد معاها وتخليها تصارحك.
ظهر الاستنكار جليا على وجهه ثم رفع سبابته أمام وجهها منذرا:
اللي أنتِ بتتخطبيله برا ده شيطان، عرف يوقعك وبضحك عليكِ، لا حبك ولا عمره هيحبك... واخدك كوبري
ردت عليه ساخرة وقد قاطعت حديثه:
مبيحبنيش وبيحب "ملك" صح؟...
ضحكت بغير تصديق متابعة:
مش ده اللي هي مفهمهولك؟... أنت حر يا عيسى براحتك... وأنا برضو حرة.
أشار لها بالنفي قائلا بنفاذ صبر:
لا أنتِ موهومة... أنا حقيقي مشفق عليكِ، وأنا ماشي بمبدأ اللي يصعب عليك يفقرك.
انكمش حاجبيها باستغراب من جملته الأخيرة المبهمة ولكنها سريعا ما وضحت حين قال بحزم:
من اللحظة دي أنتِ بالنسبالي مش "بيريهان ثروت" أنتِ واحدة وقفت مع "شاكر" ضدي، وإن طاله حاجة واتأذيتي مش هتصعبي عليا.
حاولت منعه من الخروج قائلة بإصرار:
استنى يا "عيسى" بس.
ابتسم بسخرية ثم أردف باستهزاء:
مبروك يا عروسة.
أخرج من جيبه أوراق نقدية وألقاها على الطاولة بإهمال متابعا وهو يشير عليها:
نقطتك اهي.
اسودت عيناه وبرز الوعيد فيها وهو يختم حديثه بقوله:
والنقطة الكبيرة استنيها يوم الفرح إن شاء الله،
هتبقى ليلة متتنسيش.
تخطاها وخرج صافعا الباب بقوة جعلتها ترتجف وهي تفكر في كل الطرق الممكنة والغير ممكنة لتأمين يوم زفافها من أي سوء.
فاق من شروده على ورقة ما بين أوراق شقيقه، انكمش حاجبيه وأخرجها من بينهم وأخذ يتفحصها جيدا، إن المرسومة "مريم"، رفع حاجبيه ناطقا بذهول:
مريم!
لقد ظهرت نتيجة اختباراتها قبل أكثر من أسبوع وعرف من " ملك" أنها اختارت كلية الفنون... نفس كلية شقيقه!
هنا فقط أدرك أنه هناك ما يحاك من ورائهم.
شعر بخطوات في الخارج فأعاد الرسمة سريعا كما كانت، واعتدل في جلسته على المقعد، تصنع العبث بهاتفه حتى قطع خلوته صوت "طاهر" يقول باقتضاب:
الحاج بيقولك قوم علشان تتغدى.
لأول مرة منذ أن عاد "عيسى" للاستقرار هنا، تستمر قطيعته مع "طاهر" كل هذا... لا يحاول أي منهما حل الأمر، الصمت هو سيد الموقف، حتى عندما استعد الجميع للاتفاق على ما سيحدث في الأيام القادمة... من أتى بطاهر هو "حسن".
ترك " عيسى" مقعده واستقام واقفا ثم قال بهدوء للواقف أمامه:
أنا عارف اني غلطت واتعصبت عليك، وبعتذر عن ده... بس أنا مكنتش مستني منك الكلام اللي قولته يا "طاهر".
_ ولا أنا كنت مستني منك اللي عملته.
كان هذا رد " طاهر" وهو يطالعه بعتاب أتبعه بقوله:
عموما أنا كمان بعتذر عن الكلام اللي قولته، مكانش المفروض أقوله...
نظر لعين عيسى وأضاف بغيظ:
كان المفروض أكسر عضمك.
هنا فقط اتسعت ضحكة "عيسى"، ذهب ناحيته واحتضنه وهو يرد على كلماته:
وأنا كان المفروض أقطع لسانك.
ضحكا معا، وقد انتهى خلافهما، يعلم " عيسى" أنه من أخطأ أولا، ولكن كلمات "طاهر" تسببت في وجعه، الوجع الذي لم يخف إلا حين علم من والده بتناول "طاهر" للمهدئات التي أثرت على ثباته الانفعالي حين أوقفها نهائيا فجأة ... علم أيضا بخطوة "طاهر" وذهابه للطبيب حتى ينظم الأمر، خطوة لم يفعلها هو ولن يفعلها هذا ما حدث به نفسه ثم ترك أخاه فتحدث "طاهر" يحثه على القدوم:
يلا تعالى علشان نتغدى.
حك مؤخرة رأسه سائلا بكسل:
هو الغدا إيه؟
_ معرفش بس لمحت طبق ورق عنب خارج كده في ايد "يزيد" ومفتكرش ان الطبق هيستنانا أكتر من كده.
وافق على الخروج معه قائلا:
لا طالما ورق عنب أنا دايس.
ابتسم "طاهر" ثم طالع "عيسى" بمكر وعلى حين غرة ضربه في ساقه وهرول ضاحكا فسمع "عيسى" الذي شتمه وهرول خلفه متوعدا له بغيظ...انتهت القطيعة بلحظات اعترف فيها كل منهما بخطأه ولكن الغفران ليس متاح دائما... ليست كل الأخطاء تُنسى ولكن الأكيد أن بينهما الود أقوى.
★***★***★***★***★***★***★***★
انتظار يرافقه الملل... كان هذا حال "جابر" وهو يجلس في المكان ذاته، نفسه الذي شاهدها مع "طاهر" من قبل فيه حسن كان هنا هو وزوجته... طلب من النادل أن يحضر له كوب إضافي من القهوة، وعقله لا يتوقف عن التفكير... يتمنى أن يكون تخمينه صحيح وأن تأتي إلى هنا، انصرف عن التفكير فيها بشروده في حوراه مع والده حين عاد من القاهرة، الحوار الذي تم منذ مدة ويتلاشى التفكير فيه... استطاع الآن أن يسمع نبرة والده واضحة وهو يقول بتهكم:
أهلا.
لم يرد فجذبه والده من مرفقه بعنف ناطقا:
كنت فين كل الأيام دي... وقافل الزفت ليه؟
_ وهرجع اعمل ايه؟... طالما عملت زي ما عملتش، وأي حاجة بعملها بالنسبالك ملهاش لزمة فخلاص متسألش عليا بقى.
هتف بهذه الكلمات بلا مبالاة جعلت والده يصيح غاضبا:
هو انت جنسك ايه أنا عايز أعرف، يا غبي كل اللي عندي ده هيجيله يوم ويبقى بتاعك... أنت ولا عايز تفهم، ولا تعمل حاجة.... نصرا....
قاطعه جابر قائلا بنبرة عالية طغى عليها الاستهزاء:
أيوه اقف هنا بقى... سيبني اسمع أنا الفيلم ده، نصران وولاد نصران اللي احسن مني ومش عارف ابقى ربعهم... وأرض نصران اللي من حقنا ولازم نرجعها زي ما اتاخدت منا زمان، علشان نرجع ندخلها وراسنا مرفوعة بعد ما اتطردنا منها زمان....
صاح بضجر مضيفا:
ارحم بقى أنا تعبت.... بعمل كل حاجة ومفيش شكر،
جبتلك لحد عندك التاجر اللي كل سنة بياخد من نصران، وخليته ياخد من حد غيره وبوظت الدنيا عنده واستنيت منك تقدير مفيش... عايزني اقعد ليه؟... اقعدلك ولا اقعد لندى هانم اللي بقى كيفها الضرب ومبتتعدلش غير لما تاكل العلقة
ضحك "منصور" بلا تصديق ورد عليه بسخرية:
لا وترجع وتشوف مصالحك ليه؟... خليك يا حبيبي، طالما لسه عيل عايز اللي يسقفلك لما تعمل حاجة صح.... خليك وسيب مصالحنا، الأرض اللي عند الساقية ولعت... عندك علم بده؟
لم يكن يعلم شيء عن الأمر فعليا بسبب غيابه فبدا الاستغراب على وجهه مما جعل والده يكمل وقد وصل غضبه للذروة:
نايم في الدرة ولا دريان باللي بيجرى... اسمع يا "جابر"
هنا احتدت نظراته وهو يتوعد:
لو الخسارة اللي خسرتها في حرق الأرض دي متردتش الضعف، هكتب كل حاجة باسم مراتك، وابقى ساعتها لف براحتك بقى.
أنهى حديثه ودخل إلى المكتب صافعا الباب خلفه بقوة، فاق "جابر" من شروده وتنهد بانزعاج، يعلم أن والده لن ينفذ ما هدد به، ولكنه يفكر في كيفية تعويض خسارتهم...شعر بالملل فالانتظار قاتل، هو منذ مدة يتردد على المكان لعله يقابلها وخاصة بعد أن تيقن من أن صورتها الأخيرة على حسابها الشخصي في هذا المكان ولكنها لم تأت هذه المرة أيضا لذا قرر الرحيل ولكن ما إن شرع في القيام حتى لمحها تدخل من البوابة، ترتدي سروال من الجينز وسترة سوداء تناثر بها بعض النجوم، تركت خصلاتها منسابة ووضعت حمرة قانية لاقت بها، وكعادتها في هذه الأيام تزيلها قبل الدخول للمنزل حتى تتجنب الشجار..
يكفي شجار والدتها معها حين تكتشف خروجها بدون علمها، لا تريد أي تشابك إضافي.
اختارت إحدى الطاولات في زاوية هادئة، ثم طلبت المثلجات وقبل أن تحضر سمعت من يقول من الخلف:
أنسة "شهد".
استدارت لترى صاحب الصوت فرفعت حاجبها الأيسر سائلة:
نعم؟
ابتسم وهو يقول أثناء جلوسه على المقعد المقابل لها:
أنا عارف إني هبقى متطفل وسخيف أوي لو قولتلك إني عايز أقعد معاكِ... بس مش مهم تشوفيني متطفل وسخيف طالما هتوافقي.
_ أنا موافقتش على فكرة.
تجاهل قولها المتهكم بسؤاله:
اومال فين الكابتن " طاهر" ؟... علطول كنت بشوفكم مع بعض.
أعطته ابتسامة صفراء وهي ترد عليه:
مش هتشوفنا تاني، ولو سمحت قوم علشان أنا عايزة اقعد لوحدي ومتضايقة من وجودك....
تابعت بنفس الابتسامة:
وبلاش تبقى من الأشكال الضالة اللي بتتحدف على الواحد في اليوم وخليك لطيف.
أتى النادل بالمثلجات وما إن غادر، حتى رد "جابر" على ما قالته ضاحكا:
أنا هعتبر نفسي مسمعتش حاجة،
أكمل غامزا:
وعلى فكرة أنا لطيف أوي وبكرا تعرفي.
قلدته قائلة بنبرة ساخرة وتعابير متهكمة:
أنا لطيف أوي وبكرا تعرفي... ايه يا عم أنت التناحة دي، قوم يابا من هنا علشان ما خليهاش ليلة سودة على دماغك دلوقتي... قوم الله يكرمك يلا.
بالفعل ترك مقعده ولكنه مال مستندا على الطاولة وهو ينبهها:
أنا متأكد إن كتير قبل كده قالولك إن لسانك عايز قطعه....فمش هكررها تاني، أنا همشي بس بمزاجي مش علشانك
كانت تطالعه بتحدي في حين يكمل هو:
واه على فكرة....
قطع جملته مما أثار غيظها وهو يقول بضحك:
ولا بلاش بقى... بكرا تبقي تعرفي برضو.
رفعت شفتها باستنكار وما إن رحل من أمامها حتى قالت بنبرة غاضبة:
ده ايه البلاوي دي.
كانت غافلة عن من تم تكليفه بمراقبة جلوسها في المكان، حيث هاتف أحد العاملين في المكان من طلب منه هذا وما إن رد حتى قال:
أيوا يا "طاهر"... هي جت النهاردة بس حصل حاجة غريبة... جابر منصور قعد معاها على الترابيزة بتاع خمس دقايق وبعدين قام بس كان واضح انها متضايقة.
كان هذا كفيل بإشعال الغضب لدى " طاهر" الذي قال لمحدثه:
خلاص اقفل يا "علي" ولو حصل حاجة تاني بلغني الله يباركلك.
أغلق الهاتف، ثم قام بإجراء اتصال للواقفين على مدخل القرية، رد عليه أحدهم سريعا فألقى عليه مطالبه قائلا:
تسمعني كويس... انسة شهد بنت الست هادية مش عايزها تطلع ولا تدخل غير لما تبلغوني بده... متحسسوهاش بحاجة لكن وقت خروجها يجيلي خبر، وبرضو وقت رجوعها.
وافقه الرجل على ما قال وأغلق هو المكالمة وكل إنش فيه ثائر من الغيرة ... لقد غار عليها ووصل الأمر لذروة اشتعاله بسبب أنه ليس معها ليجذبها من ذراعها بعيدا عن عين "جابر" كما فعل سابقا....
سب "جابر" وهو يلقي بالهاتف بغضب على الفراش، يتوقع نواياه فهو لا ينسى أبدا نظراته لها ولكن هذه النوايا تحرقه... وأكبر ما يخشاه هو هي.
★***★***★***★***★***★***★***★
يتناولوا الطعام بصمت مع والدتهم التي كررت باعتراض:
يا بنتي قومي صحي اختك تاني.
_ يا ماما نايمة ومش عايزة تقوم.
هكذا بررت "مريم" غياب شهد عن تناول العشاء... لو قالت أنها غير متواجدة سينشب عراك حاد لذلك لجأوا إلى هذه الحيلة وقد أخذت "ملك" تدعو الله ألا تعود شقيقتها إلا حين تدخل والدتها الغرفة... طرحت "هادية" سؤالها على ابنتها قائلة بغيظ:
أنا مش عارفة فنون إيه اللي عايزة تدخليها...أنا مش عاجبني الكلام ده يا مريم....شوفيلك حاجة تانية.
لم تصرح أنها لا تريدها بسبب "حسن" وحاولت "ملك" تلطيف الأجواء بقولها:
ما خلاص يا ست بقى، الكلام ده فات أوانه خلاص، الكلية كمان اسبوعين اهي.
ابتسمت "مريم" وهي تحث شقيقتها على المتابعة مردفة:
قوليلها يا "ملك" بقى.
ابتسمت والدتهم قائلة بغيظ:
اتلميتوا عليا خلاص... لا هعرف اخد معاكم لا حق ولا باطل، أنا هدخل أنام... ابقوا لموا الأطباق بقى.
وافقا على الفور، أخذا يراقبا والدتهما حتى انتهت من غسل يديها ودخلت إلى الغرفة حينها فقط أخذت مريم أنفاسها قائلة:
الحمد لله... الحمد لله.
سألتها "ملك" بانزعاج شديد:
عارفة لو ماما عرفت انها مش في البيت هتعمل فينا ايه؟
_ لو كانت رجعت وماما قاعدة، كنا هنتعمل احنا التلاتة بطاطس محمرة.
أضافت مريم بغضب:
هي سايقة فيها علشان بنداري عليها... لازم ماما تعرف انها بقت تخرج تاني من وراها.
ردت"ملك" على حديث شقيقتها بقولها:
هيتخانقوا وماما هتحبسها، وده مش هيجيب نتيجة أصلا... شهد بقت تخرج من ورا ماما علشان ماما بقت محجمة خروجها وشبه مانعاه... اختك مش بتيجي بالطريقة دي انسي.
توقفا عن الحديث وشقيقتهما تفتح الباب... كانت تفتحه بحذر شديد حتى لا يشعر أحد ولكن سمعن صوت والدتهن من الغرفة:
مين بيفتح الباب يا مريم.
هتفت "ملك" مسرعة بتوتر:
مريم يا ماما فتحته بس بتخرج الزبالة.
هرولت "شهد" إلى غرفتها هي وشقيقتها، ارتدت مسرعة قميص منزلي فوق ملابس الخروج واتجهت الفراش تتصنع النوم، خرجت "هادية" من غرفتها ترمقهما بشك وهي تقول:
فين الزبالة اللي هتخرجها؟
ابتلعت "مريم" ريقها بتوتر ثم نطقت بارتباك:
ما ملك كانت هتجبهالي يا ماما... أنا مستنياها
تركتهما واتجهت إلى غرفة "ملك" فنظرا لبعضهما بخوف... دلفت فوجدت ابنتها تنام في فراشها، وما إن أضاءت الغرفة حتى نطقت "شهد" متصنعة الانزعاج من أسفل الوسادة:
يا ملك اطفي النور بقى مش عارفة انام.
تنهدت والدتها براحة وتركت الغرفة وخرجت متجهة إلى غرفتها ونبهت على "مريم":
طلعي الزبالة وابقي تعالي علشان عايزاكي.
هزت رأسها وما إن دخلت والدتها حتى طالعتها " ملك" محذرة:
اوعي... اوعي لسانك يفلت بأي حاجة.
أنهت تحذيرها وبالفعل أخرجا القمامة ثم توجها للغرفة التي تنام بها "شهد" وقد جذبتها "مريم" بغضب:
اسمعي يا "شهد" احنا مش هنكذب على ماما تاني... عايزة تخرجي استأذنيها واخرجي... لكن كده..
قطعت حديثها وهي ترى دموع شقيقتها فسألت بصدمة حلت على وجهها:
أنتِ بتعيطي ليه؟
جلست "ملك" أمامها على الفراش وجوارها "مريم" وسألت "ملك" للمرة الثانية:
شهد مالك في ايه؟
مسحت "شهد" دموعها فنطقت "مريم":
بتعيطي علشان طاهر صح؟
هنا بكت أكثر بعد أن كانت قد أوشكت على التوقف، فربتت " ملك" على كتفها بحزن، وبدأت "شهد" الحديث ناطقة بدموع:
عارفين؟
أنصتا لها واسترسلت هي في الحديث قائلة:
أنا مش بيفرق معايا الكلام، لو كان أي حد غير "طاهر" قالي الكلام ده كان هيبقى عادي... كنت هتأثر ساعة مثلا وخلاص...
زاد نحيبها وهي تقول:
لكن اللي وجعني واللي كاسرني أوي إن اللي قاله "طاهر"... أنا مش قاسية، ازاي ابقى قاسية وهو اللي قالي إن وحشة أوي، ازاي أبقى أنا اللي قاسية وهو عايرني بأكتر حاجة قولتله إنها بتوجعني.
لمعت الدموع في عين شقيقتها وهي تتابع بحشرجة إثر البكاء:
هو اللي عمل فينا كده، أنا أكتر حاجة حبيتها فيه حبه لابنه، افتكرت إنه هيحبني زي ما بيحبه... هو أنا ينفع أسامحه بعد كل ده؟
جايز غضبه جه في لحظة، لكن السماح عمره ما هيجي في لحظة أبدا... أنا كان أهون عليا مية مرة أشوف في عينه نظرة شك لكن مسمعش منه الكلام ده.
انخرطت في نوبة بكاء، لأول مرة تصرح عن ما بداخلها، احتضنتها " مريم" ، وكذلك اقتربت "ملك" فاحتضنتها هي الاخرى قائلة بدموع:
أنتِ أحسن حد في الدنيا...
وهو عارف ده علشان كده متمسك بيكِ.
أكدت "مريم" على قول شقيقتها مردفة وهي تمسح عبراتها:
ملك عندها حق، متسامحيش طول ما أنتِ موجوعة،
اللحظة اللي تحسي فيها انك قادرة تنسي اعملي ده.
_ ولو مقدرتش؟
هتفت بألم وكان الرد على سؤالها قول "ملك":
لا هتقدري وتنسي، حتى لو مش علشان " طاهر" علشان نفسك أنتِ... علشان تعرفي تكملي حياتك كويسة.
ربتت "مريم" على كتفها طالبة برجاء:
متعيطيش بقى علشان خاطري... طب اقولكم
أكملت مقترحة:
تعالوا نغني الأغنية اللي كنتوا بتغنوهالي وأنا صغيرة.
ابتسمت "ملك" وكذلك ضحكت "شهد" من بين دموعها فبدأت "مريم" قائلة:
كان عندي كلب لولو... أبيض زي أمه وأبوه.
اتسعت ضحكة "شهد" وأكملت وهي تزيل ما أصاب وجنتيها:
سميته ميني ميني، وبحميه بالشامبو...
وبسشوره بالسشوار، وبفطره أي فطار
هنا قالت "مريم":
لكن بعد الضهرية ياكل لحمة وخضار
أتى دور " ملك" التي غنت بضحكة واسعة وهي تغير تعبيراتها حسب ما تحتاجه الكلمة:
وميني حب كرومبة...ودي كلبة شبه البومبة
مناخيرها كبيرة وفاطسة... ولا تفقه معنى الرومبة.
أكملت "شهد":
قال ايه بتتجاهله... وتعايب على أهله
وهو هيمان فيها، وده طبعا من جهله.
قاطعتهما " مريم" صارخة بغيظ:
انتوا قصدكوا ايه ها... قصدكوا ايه بجملة مناخيرها كبيرة وفاطسة دي... أنتوا تقصدوني أنا صح... قصدكوا إن مناخيري كبيرة.
طالعت "شهد" شقيقتها بصدمة ثم سريعا ما هتفت:
لا حول ولا قوة إلا بالله... مش أنتِ يا بنتي اللي قولتي نغنيها.
_ بس أنا عرفت خلاص، عرفت إنتِ وملك السوسة كنتوا بتبقوا بتضحكوا ليه زمان وأنتوا بتغنوهالي... وعلى فكرة بقى أنا مناخيري مش كبيرة.
ردت "ملك" على اعتراضها قائلة:
ماشي يا كرومبة.
تعالت ضحكات "شهد" وكذلك "ملك" وسط نظرات شقيقتهما المتذمرة وقد احتضنتها "شهد" لتشاركهما الضحك، وبداخلها يقين أن التجمع هذا خفف كثيرا من آلام روحها.
★***★***★***★***★***★***★***★
الاستعدادت على قدم وساق من أجل هذا الزفاف الذي سيشهده عدد كبير من نجوم المجتمع، عرفت "ملك" بأمر هذا الزفاف أثناء جلوسها في المحل الخاص بهم، حيث أدت الفرض ونزلت لتجلس قليلا بدلا عن والدتها.... فوصلتها رسالة على حسابها الشخصي، كانت من "بيريهان".... وجدت أمامها صورة من دعوة الفرح وأسفلها رسالة كُتِب فيها:
اتمنى نصفي أي خلافات يا "ملك"، كل واحد فيهم خد حقه من التاني بلاش تقومي النار بينهم تاني.... لو حبيتي تيجي الفرح أنتِ ووالدتك واخواتك... فأنتوا أول المعزومين .
نشطت دفاعات " ملك"، سيطر الانفعال عليها وتسارعت أنفاسها وهي تراه هكذا يعيش حياته بكل أريحية وقد دمرها من قبل... تركت الهاتف على الطاولة وحاولت إستعادة أنفاسها الطبيعية، شردت في لقائها مع "علا"...سمعت صوتها وهي تقول محذرة:
كفاية دم يا ملك، الاتنين لو فضلوا طايحين في بعض انتي هتخسري عيسى واحنا هنخسر شاكر، محدش هيطلع كسبان صدقيني
ثم سمعت فجأة صوته وقد قطع شرودها بقوله:
مساء الخير.
نظرت له فرأت ضحكته الواسعة، هذا جعلها تبتسم وأشار هو لها لتخرج له، وبالفعل خرجت سائلة:
في ايه؟
طلب منها السير معه وهو يسحب مرفقها بينما هي تعترض:
بس ماما....
_ كلمتها وقولتلها.
هذا قتل أي اعتراض لديها، ركبت معه سيارته... وطلبت هي برجاء:
طب ممكن أعرف هنروح فين؟
علمت ذلك سريعا حين توقف بسيارته أمام المكان نفسه الذي دربها فيه من قبل.... لم تهتم بالمكان بقدر ما اهتمت بتلك الرائحة التي اخترقت أنفها، رائحة لذيذة جعلتها تقول:
هو في حد بيعمل شاورما هنا؟... في ريحة جامدة أوي.
هز رأسه قائلا:
ماهو انتِ هتستنيني هنا لحد ما اجيب و ارجعلك علشان جعان.
بالفعل نزلت من السيارة وانتظرته على الدرج أمام المكان، اختفى عن أنظارها تماما.... لم يستغرق الأمر الكثير حتى عاد وأعطاها واحدا لتأكله وهو يجلس جوارها:
خدي كلي.
بالفعل أكلت فلقد أثارت الرائحة حماسها للغاية وابتسمت وهي تخبره عن رأيها بعد أن أسرها مذاقها:
في حاجة مختلفة فيها، بس طعمها جميل أوي... المهم يعني أنت مخدتش رأيي ليه قبل ما نيجي مش جايز أنا مش عايزة اتعلم النهاردة؟
ضحك وهو يقول:
والله لو مش عايزة تتعلمي أروحك، وأجيب غيرك نعلمها.
رمقته بنظرة قاتلة جعلته يقول:
لا بصي من هنا للصبح بقى.
ابتسمت وتلاشت النظر له، وضع هو الورق داخل الكيس البلاستيكي الذي أحضره وكذلك المناديل الورقية حتى لا يأتي أي شيء على يده، وما إن انتهت هي الاخرى وضع الكيس في سيارته لعدم وجود سلة قمامة حولهما وتوجه لها من جديد يناديها:
ملك.
رفعت أنظارها له، فحثها على الدخول إلى المكان، بالفعل دخلت معه وسمعته يقول وهو يفرك عنقه بتعب:
هو احنا مش جايين علشان تتعلمي بس... في حاجة عايز اديهالك .
انتبهت له فأخرج هو سوار في منتصفه قطة صغيرة، نظر ليدها فوجد السوار المعدني الذي نُقِش عليه اسم شقيقه، ذلك الذي سمح لها بأخذه... وضع الذي أحضره أسفل ما ترتديه فلمعت عيناها ثم رفعتها له تسأله:
الانسيال حلو أوي... بس ليه؟
ابتسم وهو يخبرها:
علشان شبهك.
لمع الصدق في عينيه الصافيتين... ينجح دائما في أسرها، في جعلها تقول وكأنها مسلوبة الإرادة وإرادتها بيده:
شبهي ازاي يعني؟
.
مسح على وجنتها وهو يجيب على سؤالها:
قولتلك قبل كده على فكرة، اللي يشوفك يقول دي بتغرق في شبر ماية، هادية وبريئة وبتخطفي العين، لكن لما بتتعصبي أو تخافي بتتحفزي زي القطط بالظبط... بتبقي شبهم.
حديثه هذا جعلها تبتسم، مالت تنظر للسوار بحب ثم رفعت عينيها تقول بامتنان:
شكرا على كل حاجة.
ضربت على رأسها وقد علمت ما أوقعت نفسها به وضحكت أثناء سماعه يقول:
لا شكرا دي مبتأكلش عيش... اللي عايز يشكرني يحضني.
احتضنته بسعادة، احتضنته وهي تتمنى ألا تنتهي اللحظات جواره أبدا ... ما إن سمح لها بالابتعاد حتى سألته:
افرض طلعت مستاهلش كل ده؟.... مش خايف تكون مخدوع فيا... أكون ما..
قاطعها بإصبعه الذي وضعه على فمها طالبا منها الصمت وهو يقول بابتسامة:
اللي زيك ميتخافش منه، في براءة بتخطف، في نفس بتبقى جذابة من أول لحظة... أنتِ منهم، اللي اختارتني في لحظة صعبة كان قدامها انها متختارنيش فيها ومكانتش هتتلام ميتخافش منها أبدا يا "ملك".
وكأنه يتغنى بإسمها، وكأنها تسمع اسمها للمرة الأولى، وتستشعر حلاوته لأنه فقط منه.... مرت أيام على هذا اللقاء الذي جعلها أسيرة للسوار بيدها، حتى استدعاها نصران وطلب منها الحضور ضروريا... كانت تتمنى رؤيته هناك ولكنها لم تجده، جلست مع " نصران" في مكتبه تسأل:
خير يا عمو.
سألها في البداية عن أحوالها ثم بعد ذلك وضع علبة من الحبوب أمامها قائلا:
خلي دي معاكِ يا "ملك".
قطبت حاجبيها وهي تسأله باستغراب:
ايه دي؟
_ دي حبوب هتبقى معاكِ... هتحطي لعيسى منها وهو مش هيعرف حاجة.
انكمشت تقاسيمها وهو تقول باستنكار:
حبوب ايه اللي احطهاله من وراه... لا طبعا... ده مستحيل.
بقت تحت أنظار " نصران"، لا تعلم كيف انتهى اللقاء، خرجت شاردة من مكتبه تفكر فيما قيل في الداخل، وصلت إلى الحديقة الخارجية فوقعت عيناها على "عيسى" الذي أتى من الخارج.... كانت عيناه شديدة الاحمرار... نعم دامعتين هي لم تتوهم ولكن بهما نيران متقدة لا تطفأها الدموع... وقفت أمامه مسرعة تسأله بلهفة:
مالك يا "عيسى"؟
أخبرها وكان قراره هذه المرة حازما لا يحتمل أي رجعة:
أنتِ موافقة تبقي معايا؟
توسعت عيناها وهو يتابع:
قدامك حرية الاختيار... اه ولا لا.
_ أيوه يا عيسى... أنا موافقة ومعاك.
ردها هذا جعله يقول:
يبقى فرحنا بعد سنوية فريد.... والمرة دي مش هينفع تقولي لا.
حالته هذه جعلتها تعلم أن النقاش محال لذا حاولت الهرب قائلة:
طب نتكلم بعدين يا " عيسى" .
جذبها من مرفقها ومنع رحيلها.... منعه وهو يخبرها بنبرة أثرت فيها:
أنا محتاجك معايا... محتاجك جنبي.... قولي لا دلوقتي وهسيبك وابعد... قوليها يا "ملك".
تجمعت الدموع في مقلتيها وهو يتابع:
في سنوية فريد هيبقى شاكر بيتجوز، هو عاش ومفكر إنه مموتك بالحيا...يرضيكي يحقق انتصار زي ده ؟
عايز أول ضربة ياخدها نبقى مع بعض...
هتف بإصرار محارب لمع في عينيه:
عايزك يا " ملك" .
ملك كل جديد... يخيرها الآن بينه وبين الرفض، كعادته دائما يقول أن القرار لها ولكن كيف يفعل ذلك كيف يعطيك أحقية الاختيار وهو على يقين أنك ستختاره... لم تستطع إلا أن تقول من بين دموعها:
أنا موافقة.
المرة التي لا تعلم رقمها تختاره... ولكنها خائفة، خائفة وتحتاج الأمان... تحتاج أن يقول لها يمكنك التأجيل ولكنه هذه المرة لم يتفوه بها أبدا.