رواية وريث آل نصران الجزء الثاني الفصل الثالث والسبعون 73 بقلم فاطمه عبد المنعم
الفصل الثالث والسبعون ( عشرون يوم )
رواية_وريث_آل_نصران (الجزء الثاني)
بسم الله الرحمن الرحيم
زحام و أبواق سيارات مزعجـــــة
للي يطول له رصيف.. يبقي نجـــا
لو كنت جنبي يا حبيبي أنــــــــــــا
مش كنت أشوف إن الحياة مبهجة !
(صلاح چاهين)
لم يكن تصريحا عاديا، فبعد رؤيتها له وقد أصابه عيار ناري لم تحتمل أكثر، تواصلت مع "حسن" بينما في نفس التوقيت كان الجميع يتواجد في المكان الذي دعاهم "نصران" له... مطعم مرفق بمساحة خارجية بها العديد من وسائل الترفيه، ومطلة على بقعة خضراء محببة للعين، فضلوا البقاء في الداخل واختاروا الطاولة... جلس "نصران" وعلى يمينه زوجته وعلى اليسار ابنته التي جاورتها "شهد" ثم "مريم" و والدتهما وفي المقعد المجاور لها "حسن" ... هتف "نصران" وهو يتأمل المكان من حوله:
قوم يا "حسن" كلم اخوك... شوفه مجاش هو و "ملك" ليه؟
بررت له "مريم":
هو كلم " ملك" قالها انهم يروحوا سوا، وهي راحته... أكيد جايين ممكن بس اتأخر شوية علشان الطريق.
وافق "نصران" على حديثها وكانت "رفيدة" تجلس بترقب، تخشى ما سيحدث بعد دقائق، همست بنبرة منخفضة:
بابا أنا خايفة من ردة فعل الاتنين.
_ اتصرفي عادي وزي ما اتفقنا.
كان هذا رد والدها والذي تبعه دخول "طاهر" وبيده ابنه قائلا بنبرة سمعها الجميع:
مساء الخير.
حلت الصدمة على "شهد" كذلك شقيقتها ووالدتها، ولكنها كانت الوحيدة التي احتدت عيناها وهي تطالع "رفيدة" فابتسمت الأخيرة بتوتر وكأنها لم تفعل شيء... ولم تتوقع أن تقوم "شهد" تاركة مقعدها وتقول:
قومي يا "رفيدة" عايزاكي.
أشار "نصران" لابنته بعينيه فهزت رأسها وهي تسير خلفها، بينما طرح "طاهر" سؤاله وهو يجلس في المقعد المخصص لشقيقته:
بابا مش أنت قولتلي "شهد" قالت مش جاية؟
_ واهي جت، هعمل ايه يعني هطردها؟
كان هذا همس "نصران" المتذمر له، والذي كان محاولة للهرب من أي إجابة.
فتحت "سهام" حوار حتى لا ينزعج زوجها من الصمت الذي خيم على المكان فوجهت سؤالها على مضض إلى الجالسة في مواجهتها:
نتيجتك لسه مطلعتش يا "مريم"؟
هزت " مريم" رأسها نافية وهي تقول:
لا لسه... بيحنطوها.
ضحكوا على قولها عدا "سهام" التي أعطتها ابتسامة قائلة:
ربنا يوفقك.
في نفس التوقيت خرجت "شهد" من المطعم إلى المساحة الخارجية المخصصة للترفيه ولعب الأطفال وتبعتها "رفيدة"، وما إن انفردت بها " شهد" حتى تحدثت بانزعاج:
ايه لعب العيال ده... هو ده طاهر اللي مش جاي؟
_ أنا اسفة يا "شهد" بس اضطريت أقولك كده علشان تيجي، أنا كان نفسي أوي تيجوا.
قالتها بأسف وقد استطاعت تمثيله ببراعةوهي ترفرف بأهدابها ولكن "شهد" لم تكن في حالة جيدة لتقبل هذا فهتفت بغضب:
لا تقوليلي وأنا اقرر، مش تجيبيني كده واتصدم بأخوكي داخل المكان...
خرج "طاهر" مع ابنه ليذهب به إلى الركن المخصص للأطفال حيث إحدى الألعاب، سمع صوتهم العالي بعد أن أجلس ابنه على الأرجوحة فطلب منه البقاء وتوجه ناحيتهما ثم سأل موجها السؤال لشقيقته باستغراب:
في ايه يا "رفيدة"؟
أسرعت " رفيدة" تقول بارتباك:
مفيش حاجة يا "طاهر"... هو بس
قاطعتها " شهد" وهي تسأله بانفعال:
هو أنت مالك؟... بتدخل ليه في كلام بيني وبينها؟
طالعها بنظرة ساخرة كانت كفيلة للرد على سؤالها وتحدث بعدها:
لا دي اختي يا ماما لو ناسية، ومن حقي اتدخل في أي حاجة تخصها.
صاحت بغضب وهي تتخطى شقيقته لتقف أمامه:
وده مين اللي اداك الحق ده بقى... حد ضحك عليك وقالك إنها لسه في الحضانة وأنا مش واخدة بالي.
همست "رفيدة" تحدث نفسها بحسرة:
اتعكت
طالعتهما بحذر ثم تيقنت نت قولها مكررة لنفسها:
أيوة هي اتعكت
رد "طاهر" على قول "شهد" الغاضب بكلمات ذات مغزى:
والله في عيال في الحضانة بتبقى أعقل من ناس... على الأقل بتكون فاهمة ومش طايشة.
لم تنتظر بل صوبت سهام كلماتها وهي تقول:
اه فعلا، ومبياخدوش على قفاهم ويتلعب بيهم الكورة ويرموا غيرهم بالباطل ويرجعوا يقولوا معلش.
حذرها بنظراته قبل حديثه:
شهد أنا ساكتلك بقالي شوية، وسايبك واخدة راحتك على الأخر وبقول معلش أنت غلطان وغلطت فيها، لكن أكتر من كده هتزعلي مني.
هتفت باستهزاء من حديثه:
ايه ده استنى علشان خوفت، روحي يا "رفيدة" ناديلي ماما أحسن هموت من الخوف بعد الكلمتين بتوع أخوكي.
قطع هذا الشجار العنيف "يزيد" حيث ترك الأرجوحة وهرول آتيا يسأل عن سبب لتأخر والده وهو يقول بإلحاح:
يا بابا يلا بقى علشان نلعب...
ثم أكمل بحماس:
وهات "شهد" و"رفيدة" معانا.
حذرها "طاهر" بنظراته من التفوه بأي شيء آخر، وبالفعل صمتت هي من تلقاء نفسها ما إن أتى الصغير واعتذرت له متصنعة الحزن:
معلش يا حبيبي، أنا تعبانة دلوقتي مش قادرة ألعب.
_ يوه بقى هو أنتِ علطول بقيتي تعبانة؟
هكذا تذمر الصغير بس رفضها المتكرر سواء هنا أو في زيارته لهم، ألقى عليها "طاهر" نظرة معاتبة ثم جذب ابنه من مرفقه قائلا بلطف:
امشي يا "يزيد" هنلعب سوا أنا وأنت.
بالفعل سار معه الصغير وبقت هي مع "رفيدة" وقبل أي كلمة جديدة لمحا "حسن" يهرول خارج المكان... انكمش حاجبي "رفيدة" وهرولت خلف شقيقها لتسأله ماذا حدث، وكذلك فعل "طاهر" ولكن "حسن" برر وهو يجلس أمام عجلة القيادة:
مفيش حاجة عيسى عربيته عطلت وهروح اجيبه هو وملك.
كلاهما شعر بالريبة، ولكن لم يكن هناك شيء أمامهما سوى تصديقه، عادا إلى الداخل مجددا... فتوقفت "رفيدة" وهي تشاهد "شهد" قد ذهبت لمراضاة "يزيد" ابتسمت بحنان قائلة:
حنينة والله.
ابنه وهي معا سلبا أنظاره، أجلسته "شهد" على الأرجوحة وأخذت تحركها ثم سألته ضاحكة:
لسه زعلان؟
هز الصغير رأسه نافيا ولكنه سريعا ما طلب:
أنا عندي طلب واحد بس؟
نظرت له منتظرة طلبه فتابع بحماس:
أنتِ وبابا تتصالحوا.
أعطته ابتسامة وقالت أثناء عبثها بخصلاته:
بص سيبك من بابا، المهم إن أنا وأنت صحاب،
وعمرنا ما هنتخاصم أبدا أبدا.... موافق؟
تصنع التفكير حتى اهتدى إلى قول:
هفكر.
ضحكت عاليا، ثم استدارت لتجد "طاهر" يقف خلفهما، فودعت ابنه:
أنا داخلة جوا بقى، لما تخلص لعب تعالى.
هز "يزيد" رأسه موافقا، واستدارت هي للمغادرة، وقعت عيناها في عين "طاهر" فزين ثغرها ابتسامة جانبية وهي تخبره بنبرة منخفضة لا تصل إلا له:
على فكرة يا "طاهر" أنا فكيت البلوك،
اتسعت ابتسامتها وهي تضيف:
أصل البلوك ده لاتنين زعلانين شوية ويتصالحوا... بس أنا بقى مش زعلانة منك... أنت مبقتش فارق أصلا، بس الشهادة لله لما بشوفك لسه بحس نوعا ما إني قرفانة لكن هح.....
مسك مرفقها بغضب واتجه بها بعيدا عن ابنه متحدثا بغضب:
لا أنتِ مش قرفانة، أنتِ بتفركي، أنا مش عايز أجيب أخري يا "شهد"... أنا بعيد عنك خالص أهو، بس بعمايلك دي أنتِ عايزة حد يبقى وراكي زي ضلك، علشان دي مش عمايل ناس كبيرة.
أكملت متجاهلة ما قاله وكأنها لم تسمعه بنفس ابتسامتها السابقة:
بس هحاول أتغاضى عن شعور القرف ده... علشان فعلا لو كنت بفتكرك قبل كده في اليوم تلات مرات، دلوقتي مبفتكركش أصلا غير لما بشوفك.
اتسعت ابتسامتها وهي تلوح له قائلة:
أنا داخلة يا كابتن.
تنجح دائما في قلب كيانه، تنجح ولكن نجاحها ضرره الأول عليها، لا ينكر تأثيرها به ولكنه يخشى عليها بشدة من أفعالها.
★***★***★***★***★***★***★
لم يحضر " حسن" ولا حتى "عيسى" و"ملك" ، قلق "نصران" انتقل للجميع خصوصا أن كل من الثلاثة لا يرد على الهاتف، قرر "نصران" الانصراف من هنا وقد انتقل قلقه لجميعهم وخاصة "هادية" التي لم تكف عن الاتصال بابنتها ولكنها أغلقت الهاتف، لم تكن المسافة طويلة للوصول إلى منزل "نصران" الذي أرسل "طاهر" للبحث عنهم في أنحاء القرية، وبقى ابنه... سألت "مريم" التي تحاوط "يزيد" بذراعيها بخوف:
عمو هو حضرتك عارف حاجة طيب.
نبع سؤالها من رؤيتها أنه حدث أحدهم، فصرح "نصران" بما لديه:
حسن اتكلم وقال هما اتشغلوا في مشوار، حاولت أعرف هما فين بس قفل وقفل تليفونه.
سألت "سهام" هي الاخرى:
أنت قولت لحسن على مشوار؟، هو خرج على أساس هيرد على عيسى وراجع ومرجعش... مشوار ايه اللي هيتشغلوا فيه لدلوقتي
كانت "ميرڤت" تبكي بصمت ولم تعلم "شهد" هل تتحدث أم لا ولكنها تقلق هي الآخرى لذلك أيدت حديث "رفيدة" و"طاهر":
أنا شوفته فعلا بيجري وطالع من المطعم.
بررت "رفيدة" وهي تحاول جاهدة منع وساوسها:
بس هو قالنا إن عربية "عيسى" عطلت ورايح يجيبه...
أكيد يا بابا زي ما "حسن" قالك.
كلامها لم يطمأن أحد، هذا ليس مبرر أبدا لغايبهم كل هذه الساعات، فلقد انتصف الليل مما ينذر بكارثة...
والصاعقة أنهم وجدوا "حسن" يدخل إلى المنزل وقبل السؤال عن "عيسى" وجدوه خلفه ولكن بإصابة في كتفه، إصابة ظهر جليا أنه ذهب من أجلها إلى المشفى فلقد وضحت _جبيرة الكتف_ كل شيء، هرولت "ميرڤت" ناحية "عيسى" قبل أى منهما سائلة بخوف ولهفة امتزجا بغضبها:
ايه اللي حصل بينك وبين "كارم" ؟
صُدِم الجميع، هل كانت تعلم شيء وتخفيه... أكدت ظنونهم بقولها:
اتصل بيا وبيقول انك حاولت تقتله.
رد عليها "عيسى" باستهزاء:
قام سبق هو وضرب عليا نار.
كانت اللهفة في عينيها حقيقية وهي تنظر لكتفه، نزلت دموعها وهي تكرر باستنكار:
ازاي يعمل فيك كده.
حاولت "ملك" تهدئتها حيث ربتت على كتفها، طمأنت "ملك" والدتها بنظراتها وتحدث "حسن":
بابا معلش هنسيب عيسى يرتاح شوية دلوقتي... هو طول اليوم في المستشفى وتعبان.
بدا بالفعل التعب على وجهه، ولكن " نصران" لم يحتمل... رؤية ابنه في هذه الحالة دفعته للإصرار على معرفة ما حدث....
قبل أن يصعد "عيسى" إلى غرفته هتفت "هادية":
ألف سلامة عليك يا " عيسى" .
أعطاها ابتسامة ممتنة، بالتأكيد سيذهبوا مع "طاهر" لذلك حدثته "ملك" التي مازال يقبض على كفها:
لو احتاجت حاجة كلمني، ولو فضلت صاحي منمتش كلمني.
_ أنتِ هتروحي؟
كانت نبرته حزينة، لا تريد منها الرحيل، وكأنها تطلب بقائها... فهزت "ملك" رأسها وهي تتلاشى النظر لعينيه بعد ما تفوهت به، ولكنها وعدته بصدق وابتسامة:
هجيلك بكرا إن شاء الله.
ثم حذرته هامسة بضجر:
بس متقعدش تتنطط زي الفرقع لوز واجي ملاقيكش،
اهمد شوية.
عاد "طاهر" من الخارج فهرول ابنه ناحيته ينبهه إلى "عيسى" قائلا:
بص يا بابا "عيسى".
اقترب " طاهر" من "عيسى" يسأل وهو ينظر إلى شقيقه بخوف بان في عينيه عليه:
ايه اللي حصل، وما اتصلتش بيا أنا ليه؟....
قاطعه "عيسى"، وقد أعطاه ابتسامة ساخرة وهو يقول بمرارة:
شكرا... اتصلت بأخويا، هو قام بالواجب.
أدرك " طاهر" تلميحه فطالعه بانزعاج وتحدث "نصران" بعد استئذان "هادية" للرحيل:
روح الست "هادية" يا "طاهر".
لم تعترض " هادية" فهي ترى الاضطراب الذي لا يسمح بأي اعتراض، في النهاية هي تجلس جوار "طاهر" وفتياتها في الخلف، مالت "ملك" على كتف "مريم" بتعب شديد وربتت "شهد" على كتفها مواسية:
معلش هنروح وارتاحي.
لم يستغرق وصولهم الكثير، نزلت "هادية" وشكرته باقتضاب، ثم اتجهت ناحية المنزل دلفت إلى المدخل وتبعها "مريم" التي رافقت "ملك"، وفي النهاية " شهد" ... دخلن جميعا عدا هي حيث لمحت "طاهر" يقف مستندا على السيارة، ولم يتحرك فطالعته باستغراب ثم هتفت:
خلاص يا بابا جيبتنا... يلا روح، هتقعدلنا تحت البيت ولا....
_ اقف في الحتة اللي تعجبني براحتي، الشارع مش بتاعك يا ماما.
قال جملته الأخيرة مقلدا إياها فطالعته بانزعاج، واتجهت ناحية السيارة فأدرك ما ستقوم بفعله لذا حذرها:
العربية دي لو اتخدشت انا هبيتك في المستشفى النهاردة.
قبل أن تفعل أي شيء انقطعت الكهرباء، صاحت بخوف والتصقت بذراعه، تحيط بذراعه ولا ترركه... أنفاس هاربة، وحتى الاستغاثة أمر صعب، كيف تستغيث بمن كان أحد أسباب حاجتها لإغاثة ولكنها سمعت نبرته الحانية يطمأنها:
متخافيش يا "شهد" أنا معاكِ.
ترتعد وتزيد من الالتصاق به ولم يخفف من هذا سوى ضوء هاتفه، رفعت عينيها فلمحت عيناه...تلك التي هجرتها، تجمعت الدموع في عينيها و للمرة الأولى تصرح وهي تنظر له قائلة بوجع امتزج بخوفها من الظلام، وجع فراقه وجع ما فعله:
الله يجازي القلب اللي حبك ولسه بيحبك يا شيخ.
زادت دموعها وتكاثرت مخاوفها وهي تكمل وعيناها لا تبتعد عنه:
ده أنا قولتلك على أكتر حاجة من تكسرني،
حطيت في ايدك سكينة وقولتلك دي يا "طاهر" اللي قتلوني بيها...اتحاميت فيك وقومت أنت غارزها في قلبي.
تحدث بألم نبع من روحه، استطاعت رؤية اللمعة في عينيه وهو يرد عليها:
قبل ما تتغرز في قلبك اتغرزت في روحي يا "شهد"...
هزت رأسها نافية وهي تهتف بمرارة:
لا، متفكرش إن في حد ممكن يوجع إنسان ويتوجع عليه.
سمعت صوت والدتها التي لاحظت غيابها فنزلت تناديها على ضوء الهاتف...تهتف بنبرة عالية من المدخل:
يا شهد... هو احنا مش طالعين سوا، ومش قولت متقعديش في الشارع بالليل.
لم تكن قد خرجت بعض لتراها فقال هو آخر كلماته قبل أنا تأتي والدتها، صرح بصدق نبع من قلبه، وحب بان في عيونه:
لا بيتوجع يا "شهد"، بس هو وعدك في يوم إنه مش هيسيبك، وهو فعلا مش هيسمح لده إنه يحصل،
على قد ما يقدر.
تركت ذراعه وهي ترى والدتها تخرج وقالت ساخرة بألم:
هو بقى... لكن أنا خلاص يا " طاهر" سيبته ومش عايزاه... زي ما هو سابني قبل كده.
هز رأسه نافيا بابتسامة أن يحدث ما تقول، فاعترته تحدي بينهما، ما إن أتت والدتها أسرعت تمسك بذراعها ووجهت سريعا عينيها ناحية ضوء الهاتف ليعطيها الأمان، شعرت والدتها أن هناك حديث دار بينهما ولكنها صرفته بجدية:
معلش يا "طاهر" أخرناك.
اتجه إلى سيارته قائلا بابتسامة:
ولا يهمك.
قاد سيارته مغادرا، ومسكت هي في والدتها أكثر بخوف، فأخذت تهدأ من روعها وهما يتجها سويا إلى مدخل منزلهم مجددا.
★***★***★***★***★***★***★***★
بعد يوم طويل أنهكهما سويا، جلسا في غرفة "بيريهان" يستعرضا ما ابتعاه ... سألتها "ندى" وقد ارتدت فستان أزرق ابتاعته من أجل حفل الخطبة:
ها حلو ولا ايه؟
_ دي المرة العشرين اللي أقولك فيها إنه جامد.
وقفت "ندى" أمام المرآة الكبيرة التي توسطت الغرفة وأخدت تحرك الرداء يمينا ويسارا مدندنة:
حلوة وبتحلي...
قبل أن تكمل دندنة قاطعتها "بيريهان" بغيظ:
لا مش وقته خالص، اقلعي البتاع ده بقى وتعالي علشان نرتب الحاجات الناقصة.
فكرت "بيريهان" قليلا، هل تقول أم لا ثم انتهت إلى أن تتحدث:
على فكرة يا ندى أنا اتكلمت مع بابا امبارح.
تجمدت "ندى" مكانها وهي تتطالع ابنة عمها من خلال المرآة وهي تتابع:
وقالي إن فعلا عمو طلب منه فلوس قبل كده، بس كان المبلغ كبير ومش معاه سيولة كفاية، أنا محكيتلهوش على موضوع الدين ولا على أي حاجة تانية.
اقتربت "ندى" وجلست أمام "بيريهان" على الفراش موضحة:
بيري عمو ثروت وعمو سليمان مش هيساعدوا بابا، لأن بابا وعمو ثروت وعمو سليمان بيحبوا الفلوس وعادي عندهم انهم ميقفوش جنب بعض
استنكرت "بيريهان" ما تقوله ولكنها أصرت على قولها:
هي دي الحقيقة، وبما إن أنا مضطرة اتصرف فأنا طلاقي وخلاصي من هنا، واقف على password خزنة عمو منصور.
قطبت "بيريهان" حاجبيها وهي تستفسر:
لا مش فاهمة أنتِ بتفكري في ايه؟
هتفت بإصرار لمع في عينيها:
أنا هسرق الورق اللي بابا ماضيه على نفسه.
جحظت عينا "بيريهان" بصدمة بينما في نفس اللحظة دقت الخادمة على الباب منبهة:
أستاذ جابر رجع تحت يا ست "ندى"،
وأنا قولت أبلغك.
ابتسمت ندى ساخرة... الحمقاء الواقفة في الخارج تظن أنها تبشرها ولا تعلم أن خبر كهذا ما هو إلا كابوس بالنسبة لها.
★***★***★***★***★***★***★***★
بغرفته مسترخي تماما وقد أسند ظهره على الوسادة خلفه وطمأن خالته التي ظلت تبكي دون انقطاع حتى غلبها النوم فأوصلتها " رفيدة" إلى غرفتها طالبة منها أن تستريح.... عادت له وبيدها الحامل المعدني قائلة بمزاح:
شوفت حد مضحي زيي كده؟.... بوظتلي اليوم وجايبة الأكل وجيالك اهو.
ابتسم على ما تقول ثم سألها:
حسن اداكي الحاجة؟
انكمش حاجبيها باستغراب:
حاجة ايه؟
أكملت سريعا بضحكة واسعة:
تقصد الهدية، أيوة حسن جابلي حتة عروسة حلوة أوي بجد.
هتف باستنكار:
حسن مين اللي جابلك؟
أدرك سريعا ما فعله شقيقه الذي لا يكف عن المشاغبة، أعطاها ما أحضره "عيسى" على أساس أنه منه، صرح بالحقيقة هاتفا بغيظ:
الواد ده بيشتغلك، أنا اللي جايب العروسة، وكانت معاها note book كمان شكله ضرب عليها، كنت جايبهم ليكِ واضطريت اخرج وقولتله يديهوملك.
نست كل شيء، تركت الحامل من يدها وخرجت من الغرفة تبحث عن شقيقها صارخة بغضب:
يا حسن.
ضحك "عيسى" عليها، ثم سريعا ما شرد في حديثه قبل قليل مع والده، انتقل من ذلك إلى اللقاء بكارم الذي قص بعض تفاصيله على والده، كان يجلس على الجسر وقد تطلب من "ملك" أن تأتي له لترافقه إلى المطعم، ولكنه فجأة وجده، وكأنه كان يتتبعه.... استقام "عيسى" واقفا وسأله باستهزاء:
هو أنت لسه ما رجعتش القاهرة؟... مش معاك فلوس ترجع ولا ايه؟
الحقد بادي في عيون الواقف أمامه جليا، يتحدث معه وللمرة الأولى مصارحا بما يحمل في صدره:
أنت عايز ايه تاني؟... مش عايز ترتاح ليه؟
استغرب "عيسى" هذه الأسئلة فتابع "كارم":
خسرتني فلوسي، وقفت في طريقي لحد ما بقيت على الحديدة، سعيت بكل الطرق تبوظ أي شغل ليا... علشان أفضل مذلول ليك صح؟
سأله " عيسى" ضاحكا بسخرية:
أنا اللي سعيت برضو؟
اسودت عيناه وهو يكمل بغضب:
ولا الشرب ولعب الترابيزة هما اللي سعوا.... يمكن أنا خسرتك فلوس زي ما أنت قولت بس عارف يا "كارم" أنت لو مش وسخ أنا مكنتش هعرف أخسرك حاجة.... إنما واحد بتاع رشاوي وشماله أكتر من يمينه... بذمتك مش يستاهل يخسر؟...
أضاف منبها:
الشغل على قفا من يشيل بس ده للي عايز يشتغل، مش اللي سهران في البارات وبيصرف من فلوس مراته.
_ وصلت للي أنت عايزه كده؟
صمت "عيسى" وطالعه وهو يكمل:
حققت انجاز أهو، أنا بقيت على الحديدة وبصرف من فلوسك... بس عارف رغم كل ده محدش فينا خسران غيرك.
قست تقاسيم "عيسى" أثناء سماعه:
الفلوس بتروح وتيجي، جايز في يوم ارجع اشتغل ويبقى معايا فلوس، لكن أنت مش هترتاح... هتفضل طول عمرك عايش بعقدة اللي شوفته في بيتي.. هتفضل كل ما تشوفني تفتكر الماضي الأسود
اقترب منه "عيسى" مصرحا بأريحية أجادها ببراعة:
ماضي؟... لا مش أنا، الماضي ده أنا عرفت كويس أوي امسحه، عرفت أبقى "عيسى" اللي زي ما أنت قولت كسرك وجابك الأرض وبتشحت منه دلوقتي، وفعلا يا كارم أنا مش مرتاح ومش هرتاح غير لما أسمع خبرك.
قال جملته الأخيرة بابتسامة واسعة، لايراه كارم الآن إلا شيطان، نجح في تحويل حياته إلى جحيم، نجح في إذلاله وكشف ألاعيبه، لو قتله لكان أهون، لذلك لم يتردد وهو يخرج سلاح فجأة ويطلق عيار ناري صوبه،
الحقد والشر ظهرا جليا في عينيه وهو يهتف بغل بعد ما فعل:
أنت أكتر واحد أنا بكرهه في الدنيا.
سمع خطوات قادمة، فلم يستطيع التفكير في أي شيء فقط فر هاربا وبقى "عيسى" متأثرا بإصابته... فاق "عيسى" من شروده وتذكر ما قاله لوالده، رن في أذنه جملته:
معرفش كان مبلبع ايه ولقيته جاي ورايا، شدينا مع بعض في الكلام بخصوص ميرڤت راح عامل اللي عمله ده.
فتح "عيسى" بصعوبة الدرج المجاور لفراشه، فتحه وتطلع إلى ما به بتمعن، مد يده جاذبا كيس أسود مخملي، فتحه بيده السليمة ثم أخرج منه سلاح أبيض... بدا عليه الفخامة، نُقِش على الإطار الحافظ له اسم شقيقه.... تاه بذكرياته إلى تلك اللحظات، "فريد" يجلس معه في المعرض الخاص به، لفت نظره شيء ما، جذبه ... كان سلاح أبيض نُقِش على إطاره اسم "عيسى" فأخرجه من الإطار سائلا بتعجب:
أنت بتعمل ايه بيها دي؟
ضحك "عيسى" وترك النظر من شرفة الغرفة سائلا:
المطوة؟
أضاف قبل أن يرد شقيقه:
عحبتني فاشترتها... بس خليت واحد عملي البتاع اللي انا حاططها فيه، متخافش مش هموت بيها حد.
تذمر شقيقه ناطقا بغيظ:
أنا مش هسألك شايل مطوة ليه هو أنت بلطجي؟
علشان أنا واثق من انك بلطجي بس سؤالي بقى هو أنت ناشرلنا اسمك في كل حتة ليه،
في المعرض كاتب عيسى في عربيتك معلق عيسى وعلى المطاوي كمان، محدش غيرك اتسمى "عيسى" ولا ايه؟... والله لو كان مكتوب عليها "فريد" كانت بقت أفخم.
ضحك "عيسى" عاليا وقال وهو يمازحه:
بس متزعلش نفسك ... أعملك اختها لو عايز.
بل في الزيارة التالية لهذه أحضر له مثيلتها، يتذكر حين أعطاها له قائلا وهو يغمز له:
خد علشان تبقى بلطجي زيي.
دمعت عيناه وهو يراها الآن بين يديه وقد رحل شقيقه وتركها... لكن ملأها الكره فيما ينوي بفعله بها، ستكون ليلة أسطورية بالتأكيد هي لن تكون إلا هكذا...
هذا ما أكده لنفسه، وما أجبرها على تصديق أنه لن يحدث غيره.
★***★***★***★***★***★***★***★
لم ينتظر مجيئها في الصباح، خرج مبكرا...وأثناء سيره استوقفته "هادية" حينما لمحته من المحل:
يا عيسى.
توقف لها فطالعته باستغراب سائلة:
نازل رايح فين كده يا بني، أنت المفروض ترتاح علشان اللي في دراعك ده.
_ هقضي مشوار، وأروح علطول.
قال هذا بامتنان لاهتمامها ثم سأل:
هو "ملك" فين؟
عرضت عليه بابتسامة:
ملك فوق بتعمل الفطار... تعالى افطر معانا.
هز رأسه نافيا وشكرها وهو يضحك:
لا شكرا... أنا هم...
قاطعته حين نزلت ابنتها فطلبت منها هي:
قوليله أنت يقعد يفطر يا "ملك".
ألجمتها الصدمة، ونطقت وكأنها لم تفهم شيء:
يفطر ايه؟
وكزتها والدتها بغيظ فسريعا ما أدركت ما يحدث وعرضت عليه:
تعالى يا " عيسى" .
ضحك وهو يخبرها:
بتقوليها من غير نفس... لا أنا ماشي.
مسكت ذراعه قبل أن يرحل طالبة وللمرة الأولى منذ تصريحها بحبه تنظر بعينيه طالبة:
علشان خاطري اقعد.
بعد طلبها هذا لم يرفض، أحضرت والدتها الشاي، وبعض المخبوزات الشهية ووضعتهم على طاولة صغيرة في المحل، تناول هو واحدة منهما قائلا بابتسامة:
شكلهم حلو.
_ وطعمهم كمان، ده أنا اللي عاملاهم
هكذا قالت "هادية" باعتراض وبالفعل بعدما تذوق أكد على قولها:
لا ليكِ حق.
ضحكت "ملك" ثم جذبت الكوب الخاص بها وهي تسأله:
أنت رايح فين كده؟... وبعدين مش قولنا بلاش تنطيط... ارتاح اليومين دول بس.
أخبرها أثناء قيام والدتها لقضاء طلب أحد الزبائن:
عندي مشوار عايز أعمله، علشان أبقى عملت اللي عليا للأخر.
_ عيسى هو أنا ممكن أطلب منك طلب؟
أعطاها نظره وهو يحتسي من كوب الشاي فقالت بحذر:
هو أنت ليه لما البوليس جه قولت انك متعرفش مين اللي ضرب عليك؟
رد على سؤالها وقد اختفت ضحكته تماما:
ايه الطلب يا "ملك" ؟
ابتلعت ريقها وفكرت لدقائق حتى تحدثت أخيرا:
هو أنا لو قولتلك نبعد عن "شاكر" ونبلغ وأنا هروح اشهد و...
طالعها رافعا حاجبه باستنكار وسألها:
هو أنتِ اتهبلتي؟
نظرت له فاسترسل في الحديث:
أنتِ مفكرة هتروحي تقوليلهم شاكر قتل فريد هيجيبوه؟... فين السلاح اللي قتله بيه؟... فين دليلك...
عايزاها ترسى على مشاجرة في الاخر ويطلع منها... بعد كل ده؟
أضاف غاضبا:
السجن ده للي زي شاكر راحة، حتى لو اتعدم... القتل للي زيه راحة، ده دواه انه يقعد يبني وكل ما يبني يلاقيها بتتكسر على دماغه، كل ما يقول خلاص يلاقيها مخلصتش ولا بتخلص... جاية تقوليلي بعد كل ده نبلغ؟...
نطقت بعينين دامعتين:
شاكر هيخسرني، وأنا مش عايزة اخسرك.... أنا عايزاك كويس.
أخبرها بهدوء:
لو فعلا بتحبيني زي ما قولتيلي... اعرفي إن أنا هفضل معاكِ وجنبك.
_ ولو مشيت؟
سألته بسؤال قد انقبض من مجرد تخيل الإجابة فرد عليها:
اعرفي اني موجود، اللحظة اللي هتحسي بيا فيها هتلاقينى... أكتر ناس قريبين هما الغايبين يا "ملك"، يمكن غابوا عن العين، بس القلب اللي خدوه عمرهم ما هيغيبوا عنه لحظة.
نظرت للأرضية فأخبرها هامسا:
أنا عايز أسمعها تاني.
تعلم ما يريد ولكنها لا تقوى على قولها من جديد، لذا تصنعت عدم الفهم سائلة:
هي ايه دي؟
اتسعت ضحكته الساخرة وهو يكرر خلفها:
بقى هي ايه دي؟... طب تمام يا " ملك" .
تابع بابتسامة ونبرة هادئة لكن واثقة:
بس هتيجي تاني وهتقوليها لوحدك... رجلك هتجيبك أنا عارف.
لم تعلق فقط ابتسمت فأكمل هو:
اتدربتي كويس على اللي علمتهولك.
فهمت أنه يقصد تلك الحركات الدفاعية فهزت رأسها سريعا وسألته بضحكة واسعة:
تحب أوريك؟
_ توريني ايه وأنا مكسر كده... اقعدي يا بنتي استهدي بالله.
ضحكت على كلماته عاليا فوعدها بما جعلها تبتسم بحب:
أول ما ابقى أحسن شوية هخرجك خروجة حلوة.
هزت رأسها موافقة بحماس، وأتت والدتها فاستأذن هو ليرحل وشكرها ممتنا:
تسلم ايدك .
_ أنت لحقت.
هكذا قالت "هادية" بدهشة، فرد عليها:
لا كده فل أوي... هخلص مشواري بقى علشان ألحق أروح.
لم تعترض "هادية" وخرجت ابنتها معه ترافقه، لمحت الحائط المجاور للمحل وانتبهت على الفور أن هناك ورقة جديدة التصقت به، ورقة من جريدة قديمة وقد دُوِن عليها بخط أحدهم:
ربما تائه ولكنني وجدت الطريق هنا.
لم تنتبه لهذه الورقة من قبل أبدا، متى وضعها لا تعلم... ابتسم حين علم أنها لاحظتها وحثها قائلا بضحك:
روحي يلا اقفي عند الحيطة هصورك.
_ ايه... لا... أصل
هزت رأسها سريعا رافضة وهي تبرر فقاطعها بغيظ:
يلا يا ملك يلا أصل... هتروحي وأصورك ولا أروح أقطع اللي محطوط على الحيطة ده كله.
طالعته بانزعاج ثم ذهبت بالفعل ناحية الحائط، وقفت أمامه وابتسمت برقة فالتقط الصورة، فوق رأسها تماما جملته... التقط لها واحدة اخرى وهي تضحك بشقاوة، تأملهما ضاحكا، وذهبت مسرعة لتشاهدهم ولكنه أغلق الهاتف، احتدت تعابيرها وهي تأمره:
وريني يا "عيسى" الصور بتاعتي.
تجاهلها وذهب ناحية سيارته أمام نظراتها الغاضبة، خرج من النافذة قبل أن يقود وأرسل لها قبلة قائلا بضحك:
سلام.
لم تستطع منع نفسها من الابتسام، تنهدت وهي تشعر بسعادة شديدة، سعادة قادر على صنعها ببضع دقائق فقط... لأنه هو.
★***★***★***★***★***★***★
مكان راقي في مدينة الاسكندرية تم تجهيزه لحفل الخطبة، كان "شاكر" يستعد في غرفته، وقد ارتدى قميص أبيض وسروال من اللون الأسود، كان أنيق حقا، جذب زجاجة العطر ينثر منها... رغم كل شيء، رغم كل النجاح ... لم يكن سعيد، فقط متحفز، هذه أولى خطواته في صنع "شاكر" اخر، أكثر قوة، أكثر طغيان....فتح هاتفه وخاصة حساب "عيسى" ظل يمرر حتى وصل إلى صورة قديمة بعض الشيء، صورة لعيسى معها أشارت "رفيدة" لأخاها فيها... تأمل "ملك"
تأملها بغضب وحنين وتمني، تأملها وهو يكرر على نفسه أنها حقه المسلوب... حقه الذي لن يهدأ إلا بإعادته.
_ يا دبله الخطوبة عقبالنا كلنا....
تجمد "شاكر" عند سماع هذا الصوت، إنه "عيسى"... دخل للغرفة كون استئذان، استدار بنظرات غاضبة يسأله بضجر:
هو احنا مش هنخلص بقى؟ ... وبعدين ده بيت مش زريبة علشان كل شوية داخل أوضة من غير ما تخبط.
انكمش حاجبي عيسى وهو يسأله:
اخبط عليك أنت؟....
لمح " شاكر" ذراع "عيسى" فضحك بتشفي قائلا:
لا خلاص عذرتك، مكنتش أعرف انها اتكسرت.
ابتسم "عيسى" وهو يشرب من كوب الفراولة بيده... العصير الذي طلبه من الخادمة وأحضرته له...
اقترب "عيسى" منه قائلا:
اه هي فعلا اتكسرت.
رفع ذراعه الآخر قائلا بابتسامة:
بس التانية سليمة.
تبع جملته بسكبه الكوب بأكمله على قميص "شاكر".
اتسعت ابتسامته وهو يقول غامزا:
كده أحلى يا عريس.
يعلم عيسى أن شاكر سيتقبل أي فعل، لا يريد إفساد كل شيء، لذا يبدو في مظهر من يريد إنها المشكلة
لتنطلي خدعته على زوجته المستقبلية، فيمارس
" عيسى" ضغطه أكثر.... رحل من الغرفة وتوقف حين سمع "علا" تخبر والدتها:
بيريهان فوق... هي جت علشان تاخدنا بس استأذنتني اطلعها الأوضة تظبط حاجة فوق.
وصل إلى مراده وعرف ما سيحدث تماما.
ساعات وأيام، و أسابيع... مر الكثير على هذا اليوم ، تعافى كليا.... تعافى والآن يجلس في مرسم شقيقه، ليس وحده هو و "طاهر" و"حسن" وصديقه "بشير".
ارتشف " عيسى" من زجاجة مشروبه المفضل ثم تحدث مبتسما:
فاضل بالظبط ٢٠ يوم
أكمل:
٢٠ على فرح شاكر، و ٢٠ على سنوية "فريد" ....
صمت واتسعت ابتسامته وهو يطالعهم:
طبعا كل واحد فينا عارف هو هيعمل ايه كويس علشان نهني العريس.
النظرات متبادلة، كل منهم يعلم دوره جيدا، كل منهم متأهب لوقوع الفريسة، وخاصة هو... تبادلوا الابتسامات أيضا والتحدي في عيونهم ينذر بأن القادم لا يُنسى أبدا.