رواية وريث آل نصران الجزء الثاني الفصل الثاني والسبعون 72 بقلم فاطمه عبد المنعم
الفصل الثاني والسبعون (كارم ينتقم)
رواية وريث آل نصران (الجزء الثاني)
صباح الخير الأول 🌸
في بس كلمتين كده قبل الفصل وعلشان بيتسأل السؤال ده كتير ... الرواية لحد دلوقتي ماشية بنظام جزئين، الجزء الأول كان أربعين فصل شوفناه مع بعض، والجزء التاني اللي احنا شغالين فيه حاليا... الجزء التاني ابتدى من الفصل ٤١ وهينتهى كمان تلات فصول عند الفصل (٧٥) ... هينتهي عند النقطة اللي هتاخدنا لاخر جزء وهو الجزء التالت واللي الأحداث هتتغير فيه كليا
كده الجزء الأول (٤٠) فصل، والتاني (٣٥) فصل، هنكمل التالت علطول مش هنوقف، وربنا معانا في الأحداث السودا اللي جاية بإذن الله.... التلات فصول اللي فاضلين في الجزء ده هما أهم تلات فصول الأحداث هتتقلب فيهم كليا... فتركزوا فيهم كده بالراحة علشان هيحصل مرور زمني مش صغير وكل اللي بيبعتولي علشان عايزين "ملك" وعيسى يتجوزوا متخافوش هيتجوزوا والله وبنسبة ٩٠ في المية في الجزء ده كمان حسب سير الأحداث الطبيعي 💙
حبيت بس أنبهكم علشان تبقوا معايا
كده الأول ٤٠ فصل، التاني ٣٥ فصل، الأول والتاني مع بعض هيبقوا ٧٥ وهنبدأ في التالت إن شاء الله ويارب الرواية تكون لطيفة على قلوبكم ولما تنتهي خالص تكون النهاية مرضية للجميع وشكرا ليكم ❤
بسم الله الرحمن الرحيم
ليت الأماكن تنطق فتنادي اسمك حين تغيب لأشعر بك
وليت العيون تُمنح طيفك في كل دقيقة لأشعر بك
وياليت الأرواح تنطق لتخبرك بقلبي المعذب الذي لم يفارقه عذابه إلا بك
وعلى الرغم من أمنياتي، فأنا وبلا أي شيء أشعر بك ... أنا وبالرغم من كل شيء لم أقع إلا بك.
صراخ متواصل بلا انقطاع من "كوثر" جعل ابنها يستيقظ من نومه بفزع، ويهرول إلى الأعلى لمعرفة ما يحدث، ردعت "علا" والدتها بقولها الغاضب:
بس يا ماما متصوتيش.
أنهت جملتها وطالعت الجالس على الفراش بأريحية أمامهم سائلة بانزعاج:
هو ده ينفع؟ ... هي دي أصول؟،
داخل البيت في الليل زي الحرامية ولا عامل اعتبار لحرمة أهله!
تعبير الاستغراب صنعه ببراعة وقد انكمش حاجبيه وهو يكرر خلفها:
أصول؟... ضحك عاليا بسخرية وأضاف باستهزاء:
أصول معاكم أنتم؟... طب تيجي ازاي؟
احتدت نظراته وهو يخبرها هي ووالدتها:
البيت ده بيتي، وأدخله الوقت اللي يعجبني،
ومش عاجبك المركز مش بعيد... روحي بلغي عني.
انتهى من حديثه ووجد "شاكر" يقتحم الغرفة سائلا بقلق:
في ايه يا ماما.
لم يستغرق الكثير ليعرف، فلقد استدار ووجده متربعا على الفراش مما جعله يشتعل غاضبا ويصرخ:
أنت بتعمل ايه هنا يلا... أنت اتجننت.
ترك "عيسى" الفراش وبادله النبرة العالية بنفسها وهو يقول بتحدي:
بيتي... واللي مش عاجبه..
بدأ في الإشارة على زوايا الغرفة مكملا:
دي حيطة، ودي حيطة، ودي حيطة... يختار اللي تعجبه فيهم ويخبط دماغه.
الحقد بان في عيون "شاكر"، حقد امتزج بغضبه، ظهر في نبرته وهو يقف أمام " عيسى" متوعدا:
أنا عايزك تعمل اللي أنت عايزه، كل اللي نفسك فيه اعمله، علشان لما يجي اليوم اللي تشوف فيه السواد تفتكرني.
لم يرد "شاكر" الحديث عن "ملك" خشى أن يكون الواقف أمامه يقوم بالتسجيل له للإيقاع به أمام "بيريهان" لذلك تراجع، ولكنه سمع رد "عيسى" الذي سأله بسخرية:
وهتوريني بقى السواد لوحدي ولا أنا وملك؟
_ أنتوا الاتنين لو مبعدتوش عني... أنا لا عايز منك حاجة ولا منها، أنا عايزكم تبعدوا عني، ونفضها بقى... روح قصاد روح وخلصنا... أخوك قصاد أبويا.
ابتسم "عيسى"، ابتسم وهو يتأمل برائة الواقف أمامه وقد مثلها ببراعة، ثم رد على قوله باستهزاء:
لا صايع... أنت خايف تتغفل ويتسجلك ولا ايه؟
أعطاه " شاكر" ابتسامة مماثلة ولم يعلق حيث تابع "عيسى" وهو يعود للفراش:
عموما يا "شاكر" كلامك الفاضي ده نبقى نتكلم فيه الصبح، لكن دلوقتي هتتطلعوا برا علشان أنا عايز أنام.
اعترضت "كوثر" وهي تصيح بضجر:
ما تعمل حاجة يا شاكر، يعني ايه غريب يشاركنا في البيت؟ .... وبعدين أنت دخلت ازاي؟
_ ابقي خدي التنازل وروحي للحكومة قوليلهم تعالوا يا حكومة طلعوا الغريب من البيت... لكن دلوقتي جري ابنك وبنتك وشدوا على برا يلا.
قبل أن تتفوه بحرف آخر سحبها ابنها من مرفقها وكذلك فعل مع شقيقته وهو يقول بلهجة آمرة:
يلا يا اما، يلا وسيبيه... هو عنده حق، ومالك الحاجة مبيرتاحش غير وهي في حضنه.
علم "عيسى" مقصده من الجملة الأخيرة فصححها له بضحك:
ده لو مالكها أصلا يا "شاكر"... لكن هي مكانتش ليه وهو أكتر واحد عارف إنها مش ليه.
أشعل النيران داخله، ولكنها نجح في إخفاء هذه النيران وهو يقول:
ربنا يعوض على الكل يا حبيبي.
رد له " عيسى" الدعوة ضاحكا:
ربما يقوي إيمانك يا شيخ "شاكر"... ... خد الباب في ايدك بقى.
خرجوا جميعا من الغرفة، بعد الخروج فقط اتضحت التعابير الحقيقة على وجه " شاكر" ... تقاسيمه الحادة ونظراته التي امتزجت بالغل فصارت وكأنها منه، أما عن من في الداخل فلقد اعتدل في جلسته، ليلته الأولى هنا في هذا المنزل، استطاع أن يلمح نظرات الانكسار في عيونهم جميعا على الرغم من محاولتهم إنكارها، مسك هاتفه وقرر يشغل به وقته، فهو لن يستطيع النوم هنا... كانت هي أول من خطر على تفكيره، توجه إلى تطبيق المحادثات (WhatsApp)
لم يحادثها عليه منذ أن أحضر لها الهاتف، رأى أنها نشطة فأرسل لها:
ملك...لسه منمتيش؟
هي بالفعل لم تنم بعد، جافاها النوم تماما فصارت أسيرة لهاتفها، على عكس "شهد" التي رافقها النوم في هذه الليلة من بدايتها.
أرسلت له هي الاخرى وقد اتسعت ابتسامتها:
لا أنا صاحية، مش عارفة أنام.
_ أنا برضو مش عارف أنام... بيت "مهدي" ده زي الزفت مفيهوش راحة.
انكمش حاجبيها وهي تقرأ ما أرسله ونطقت باستنكار:
بيت مهدي!... ازاي يعني بيت مهدي
أسرعت ترسل له مستفسرة:
وماله بيت عمي، هو أنت نايم هناك؟
ضحك بهدوء وهو يعلم مدى صدمتها الآن وأكد ما قالته برسالته:
اه هناك...بايت عندهم.
انقبض فؤادها، هو وشاكر بمنزل واحد، يجمعهما نفس المكان... كتبت بلهفة نبعت من خوفها عليه:
"عيسى" أنت بتهزر صح؟
فتح مسجل الصوت ورد على سؤالها بنرته المطمأنة:
لا مبهزرش، ومتخافيش مش هيقتلوني، الحاجات دي بيعملوها في المستخبي.
ردت عليه هي الاخرى بتسجيل صوتي قالت فيه برجاء:
طب علشان خاطري قوم روح.
_ ساعتين النهار يطلع وهمشي.
إجابته طمأنتها قليلا ولكنها لا ترتاح لما يفعله فسألت:
طب أنت هناك بتعمل ايه؟
أبدى اعتراضه على إلحاحها برسالته:
مترغيش بقى، وبطلي صداع.
رفعت حاجبيها بغير تصديق وهي تقرأ ما أرسله ثم حدثت نفسها بصوت عالي متوعدة له:
بقى أنا صداع.
فاقت شقيقتها، وأخذت الوسادة تضعها على رأسها هاتفة بانزعاج:
الصوت بقى يا ست ملك عايزين نتخمد.
طالعتها بضجر ثم عادت لهاتفها وأرسلت له:
أنا مش رغاية أنت اللي كلمتني، وعموما شكرا...
مع السلامة.
فتح مسجل الصوت من جديد وقد ظهر صوت ضحكاته وهو يقول:
كنت هتلغبط وأقولك أنتِ بتتقمصي ليه ايه شغل المتجوزين ده، بس افتكرت إننا المفروض متجوزين فعلا.
ما إن سمعت ضحكاته وقوله حتى ضحكت فأرسل لها:
المرة دي أنا مش شايفك بس أنا متأكد إنك بتضحكي.
ابتسمت ثم كتبت له:
أنا راحة أنام يا "عيسى"، تصبح على خير.
_ و أنتِ من أهله.
حاولت منع نفسها من إرسال رسالة ثانية ولكنها لم تستطع فكتبت راجية:
وخلي بالك من نفسك... ممكن؟
ابتسم بحنان حين قرأ رسالتها فسجل لها:
ممكن اه... ادي " ملك" بوسة بقى وقوليلها تنام كويس.
شهقت بصدمة وهي تسمع ما أرسل وحينها تذكرت حين جلسا معا في انتظار شقيقتها التي ذهبت لإحضار القهوة، لديه القدرة دائما على سلبها منها بنظراته، بدعمه، بكلماته الحانية، ولمساته اللطيفة... أغلقت الهاتف وابتسمت وهي تجذب بحرص دفترها الذي ابتاعه لها من أسفل الفراش، فتحته بالأرقام التي وضعتها حماية له، ثم جذبت القلم وبدأت في التدوين بهدوء..
_ دايما قادر إنه ياخدني مني، أنا مبسوطة بس خايفة، وزعلانة... قلبي فرحان بس فيه وجع... حاسة إني تايهة بس لما بشوفه بحس إن التوهة راحت.
أغلقت دفترها وهي تغمض عينيها وقد بدأت تتنفس بعمق، شعرت بالنوم يداعب عينيها فوضعت الدفتر مكانه أسفل الفراش، ثم تمددت واحتضنت وسادتها وعقلها لا يفكر إلا به.
★***★***★***★***★***★***★***★
_ أحلى كوباية قهوة... عملهالك من وراهم اهو، ووقفت في المطبخ علشانك... لاجل تعرف بس إن ابنك حسن ده جدع.
نطق "حسن" بهذه الكلمات لوالده الجالس على أحد المقاعد في الحديقة الخارجية، بعد أداء صلاة الفجر، جذب مقعد له مجاور لوالده ووضع القهوة على الطاولة... جلس مستنشقا نسمات الفجر الساحرة، ثم استدار لوالده ناطقا بغيظ:
لا كده مش هينفع، هتفضل زعلان كده؟... ده أنا مدلعك اخر دلع وعاملك قهوة كمان.
ابتسم "نصران" ثم استدار له يسأله:
نتيجتك امتى؟... طولت اوي.
ضرب على جبهته قائلا:
كنت عارف أقسم بالله إنك هتقول كده.
_ طلعت ومخبي... صح يا "حسن"؟
هو يعلم أن والده سيعرف بطريقة ما لذلك قال طالبا وعد منه:
بص أنا هقولك بس خليك جدع معايا، وبلاش جو بقى أنا هقعدك من التعليم، وهرميك في الشوارع، والكلام اللي بيزعلنا من بعض ده.
رد عليه والده قائلا بما عرفه:
عديت السنة وشايل مادتين مش كده؟
رفع إصبعه مؤكدا على كلمة والده الأولى:
بس عديت وده إنجاز يحسبلي... هات الحلاوة بقى.
_ قوم ياض من هنا.
قبل أن يرد " حسن" على قول والده، أتى "طاهر" للتو من الخارج وطلب بهدوء:
حسن سيبني مع بابا شوية لو سمحت.
شعر "حسن" أن هناك خطب ما، لذا قرر الذهاب لمرسمه قائلا بمزاح:
هو كده كده طردني، فهقوم بشوية من كرامتي أحسن.
اتجه "حسن" إلى مرسمه، وما إن تأكد "طاهر" من رحيله حتى مال على كف والده مقبلا وهو يقول:
حقك عليا يا بابا، متزعلش مني... والله العظيم ما عارف قولت كده ازاي، أنا روحت لدكتور علشان أهدى شوية ويقولي اعمل ايه... بس علشان خاطري متزعلش.
هو يعلم أنه لم يقصد، يدرك هذا جيدا، فسأله معاتبا:
طب وأخوك ؟
تذكر "طاهر" ما حدث، فضاق صدره، جلس في المقعد المجاور لوالده موضحا أسبابه:
بابا عيسى هو اللي غلط فيا، ودي مش أول مره يعملها ويتكلم بالأسلوب ده وبتوصل لإنه بيمد إيده، وأنا أكيد مش هقف ساكت.
_ أخوك في العادي بيعمل كده؟
يكرر عليه كلمة شقيقه، حتى يمحي أي ضغينة، حتى يذكره أنه شقيقه ولو أبى، تنهد "طاهر" ورد بهدوء:
لا، مبيعملش كده.... بس الحالة اللي هو كان فيها دي وأسلوب تعامله معايا بالطريقة دي، حصل مرة قبل كده قدامك وساعتها عديتها، وامبارح كان تاني مره... حد غير "عيسى" أنت عارف كويس إن ردي كان هيبقي أسوء من كده... أنا زعلان من "عيسى" يا بابا والكلام اللي قولته كان من زعلي منه، ومش هضحك عليك أنا شيلت منه لكن أنت أنا جاي اعتذرلك علشان غلطت في حقك.
ابتسم "نصران" بسخرية قائلا:
لا كتر خيرك، بس هو أخوك لو جه اعتذرلك هتسامحه؟
رد "طاهر" بما هو على يقين منه:
هو مش هيجي المرة دي، مش هيعتذر ... أنا عارف "عيسى".
هز " نصران" رأسه بهدوء قائلا وهو يترك مقعده:
ماشي يا "طاهر"، ماشي يا بني
هذه الكلمة جعلت " طاهر" ينظر له برجاء، واستقام يحتضنه كطفل غضب منه والده، ربت "نصران" على ظهره ولم يقل سوى:
خليك جنب "عيسى"، أخوك محتاجلك.
استغرب " طاهر" الكلمات التي يسمعها للمرة الأولى، شعر أن هناك شيء ما، ولكنه قبل أن يسأل عنه تركه والده ودخل إلى المنزل، في إشارة صريحة لامتناعه عن أي سؤال يخص الأمر.
★***★***★***★***★***★***★***★
إنه يوم اللقاء مع ذلك الذي يلح عليه منذ فترة، لم يوافق أن يتم اللقاء إلا هنا وفي مقهى القرية، سار في الظهيرة متجها نحو المقهى بعد أن غادر المنزل لدى "شاكر" وما إن غادر حتى أتاه اتصال من "محسن"، رد منتظرا ما سيقول بملل، فهتف " محسن":
أنا عملتلك كل اللي قدرت عليه، انا اللي قولتلك على جوازة شاكر، وأنا اللي عرفتك بالقعدة اللي هيعملوها وانهم هيجيبوا "ملك"، واخر حاجه عملتلك نسخة من مفاتيح البيت... كده خلصنا بقى زي ما دخلت شاكر البلد، دخلتك بيته، أنا مش هعرف أعمل حاجة تاني، شاكر صاحبي، وأنا كل اللي عملته كنت متأكد انك مش هتضره بيه، حتى لما طلبت المفتاح كنت عارف انك هتروح تهوش بس....
أكمل برجاء:
كفاية بقى ونفضها، أنا كده أرضي رجعتلي تاني.
ابتسم "عيسى" وهو يخبره:
اه يا "محسن" خلاص رجعتلك... أنا اديتك كلمة.
انشرح صدره بسماع هذا أخيرا ولكن بهت وجهه حين تابع "عيسى" بمكر:
بس لما احتاجك... هتعمل اللي أنا عايزه.
_ أنا مش هعمل حاجة تاني.
قالها "محسن" بانفعال.
فرد عليه "عيسى" ببرود:
نبقى نشوف وقتها إن شاء الله.
ثم أغلق الهاتف في وجهه ولم ينتظر باقي حديثه.... دخل المقهى ليجد "ثروت" يجلس على أحد المقاعد ومن حوله حراسته الخاصة ... تأملهم "عيسى" وهو يسمع:
_قهوة!... يعني مرضتش تيجي في الڤيلا وفي الاخر جايبني قهوة زي دي؟
هتف "ثروت" باستعلاء بهذه الكلمات وهو يطالع المكان حوله بنظرات مشمئزة، على أحد المقاعد أحدهم يدخن الأرجيلة، وهناك اخر يحتسي الشاي.
نفث "عيسى" دخان لفافة تبغه وطالع الجالس أمامه بضحكة مستهترة قائلا:
أنت هنا في بلد الحاج "نصران"، ودي بلدي والقهوة اللي مش عاجباك دي هي المكان اللي انا شوفته مناسب علشان ارضى اقابلك... ثانيا الڤيلل على قفا مين يشيل، وأنا مبحبش الروتين أصل بيت أبويا هنا بمقام تلاتة أربعه من الڤيلة بتاعتك.
نظر له " ثروت" بانزعاج لم يهتم له "عيسى" وهو يقول لصاحب المقهى:
نزل يا معلم للرجالة طقم شاي.
أشار على الحراس المرافقين لثروت ثم عاد بعينيه إلى "ثروت" يقول:
طلبت نتقابل، وادينا اتقابلنا... عايز ايه؟
_ أرض "شاكر".
صحح له " عيسى" بابتسامة:
تؤ تؤ قصدك أرض مراتي.
ضحك "ثروت" قبل أن يتفوه بـ:
مش هتفرق كتير، وعموما يا عم أنا عرفت إنها بقت أرضك أنت بعد التنازل اللي المدام هتعملهولك... يعني لا المدام ولا "شاكر".
أضاف يعرض عليه عرضه المغري:
أنا اللي هيفرق معايا، الأرض اللي على مدخل البلد، وهدفعلك فيها اللي أنت عايزه، أنا عارفك من أيام ما كنت خاطب
" ندى" وعارف إنك شاطر وهتحسبها صح.
ترك "عيسى" قهوته بعد أن احتسى منها، ثم نطق بما لم يعجب "ثروت":
لو على بنتك فأنت حر تديها لشاكر، أنا مليش حكم لا عليك ولا عليها، ولو على الأرض فلو شاكر هو اللي فهمك إني ممكن أوافق على البيع فعايزك ترجع وتقوله ده عندها.
جحظت عين " ثروت" من فرط وقاحته وحذره بغضب:
كده مش هنتفق، وأنا هزعل، وزعلي وحش.
أشاح "عيسى" بذراعه يقول بغير اهتمام:
يلا بجملة اللي زعلانين مننا.
_ حق أخوك وخدتوه، وقتلتوا أبو شاكر، راس قصاد راس وخلصنا... خليك ذكي وبص للمصلحة.
هز "عيسى" رأسه نافيا وأسرع في الرد:
حق أخويا أنا مخدتهوش، والموضوع ملهوش علاقة بالذكاء والغباء دي أصلها معايير عند كل واحد، ولو هنمشي بمعاييري فأنا من أيام خطوبتي الأولى بشوفك راجل مش مظبوط.
ضرب "ثروت" على الطاولة بكفه بعنف فوقف "عيسى" ونادى عاليا:
الشاي لرجالة معالي الوزير يا معلم.
مال ليواجه "ثروت" وقد تقابلت العيون وهو يتوعد:
زي ما قولتلك قبل كده، أنا مليش حكم لا عليك ولا على بنتك، بس طالما رضيتوا بالجوازة دي، اعرف ان طول ما في واحد اسمه "عيسى نصران" بيتنفس وقلبه بيدق مش هيسيب "شاكر".
وأضاف هامسا بخطورة:
وهتبقى بنتك اشترت التعاسة لنفسها.
اعتدل وأشار على المكان من حوله قائلا:
طب يا معالي الوزير بقى المكان مكانك، بس أنا مضطر امشي...أصل عندي سباق.
ضحك ولوح لثروت خاتما حديثه قبل أن يغادر:
ابقى ادعيلي بالتوفيق.
★***★***★***★***★***★***★***★
دقات متواصلة على باب غرفتها، سمحت للطارق بالدخول وقد انتهت من ارتداء فستانها الوردي، والحماس بداخلها لا يوصف لعزيمة والدها اليوم بمناسبة يوم مولدها.
دخل " نصران" فوقفت "رفيدة" أمامه تعرض ردائها ناطقة ببهجة:
ايه رأيك؟... ماما اللي مختاراه.
أعطاها إجابته وهو يبدي إعجابه قائلا:
أمك طول عمرها ذوقها عالي... بس أنتِ بتحلي أي حاجة تلبسيها.
ضحكت بحب واحتضنت والدها، تذكرت اللحظات التي شعرت فيها بالوحدة، تذكرت حين قبلت من "سعد" هدية سابقا وقد قال أنها بمناسبة يوم ميلادها القادم بعد شهر، قبلتها منه وفرحت باهتمامه، لم ترد أن تخبره أن أخطأ في يوم ميلادها حتى تظل تشعر بلذة الاهتمام، لكن بعد أن عرفت حقيقته ربما فعل هذا ظنا منه أنها صبحت تشك به وبصديقتها فقرر فعل شيء، يبعد الشبهات عنه، كجهله بيوم ميلادها... بالفعل كان هذا كفيل لمحو أي شك إن وجد لديها، فبما أنه اتفق مع صديقتها عليها، الأجدر أن يعرف هذا اليوم بدقة.
فاقت من ذكرياتها السيئة وهي تخبر والدها بصدق:
أنا بحبك أوي يا بابا.
قبل "نصران" رأسها وطلب منها بعد ذلك:
روحي بقى للست هادية قوليلهم يجهزوا علشان قربنا نمشي.
هرولت بحماس صارخة:
بجد... خلاص أنا هروح أهو.
ضحك "نصران" على ابنته المتسرعة دائما، ولكنه يحب حماسها المشتعل هذا كثيرا... دخلت خلف خروجها والدتها التي قالت باعتراض:
ايه لزوم هادية وبناتها يا نصران، وايه لزوم إننا نضحك عليهم ونقول طاهر مش موجود وهو هيبقي موجود.
استدار لها هاتفا بهدوء حاول جاهدا أن يحافظ عليه:
بعدين هتفهمي.
_ أنا أسفه يا نصران.
لم يتوقع هذا منها ولكنها تعلم أنه مازال حزين، يتجاهلها، بررت مسرعة تدفع عن نفسها التهم:
بس أنا فعلا مكنتش عايزة اتدخل في حياة أخويا،
أنتِ عارف إني طول عمري بسعى أبعد عن مشاكله، حاولت أساعد الست دي من بعيد مرضيتش، كانت عايزاه يعترف بيها وبابنها وهو مش راضي أنا اعمل ايه؟
قاطعها معاتبا:
تقوليلي يا سهام، كان ليا كلمة عليه، كنت اعرف ازاي أخليه يعملها، بدل ما تتظلم واحدة ويعيش ابنها العمر كله معبي كره ليكي، وميلاقيش حد يدوقك فيه اللي جرا لامه غير بنتك.
نزلت دموعها وهي تهتف من جديد:
أنا أسفة.
_ خلاص يا "سهام" اللي حصل حصل، وياريت تعرفي مرات المرحوم أخوكي لو الواد راحلها تعامله كويس هي وتشوف هو عايز ايه، أنا طردته بعد ما عرفت اللي كان ناوي يعمله...والواد ده مش هيسكت على فكرة.
التقطت كفه ناطقة بدموع:
أرجوك كفاية خصامك ليا كل الأيام اللي فاتت دي.
ربت على كفها مبتسما بحنان فاتسعت ضحكتها ومسحت دموعها وهي تخبره:
أنا هروح اجهز، اجهز انت كمان يلا علشان منتأخرش.
قالت جملتها الأخيرة بتحذير أضحكه لقد عادت إلى الأمر والنهي من جديد بعد أن فارقته لأيام طويلة.
★***★***★***★***★***★***★***★
توسطت "رفيدة" الأريكة في منزل "هادية" وجوارها "مريم" التي انتهت من ارتداء ملابسها المكونة من سروال من الجينز، و بلوزة خريفية خضراء بها نقاط من اللون الأبيض لائمت لون حجابها، أبدت "رفيدة" اعجابها قائلة:
ايه القمر ده؟
اتسعت ضحكة مريم، خرجت "شهد" من الغرفة وسمعت "رفيدة" صياح "هادية":
أقسم بالله يا شهد لو ما قلعتي الزفت ده ما هتخرجي، ويا انا يا انتِ النهاردة.
أدركت للتو سبب صياح " هادية" هذا الفستان الذي ترتديه "شهد"، ليس كبقية ملابسها، مكشوف أكثر مما ينبغي
قطع شرودها تذمر " شهد" وهي تقول بانفعال:
حاضر يا ماما هقلع الزفت.
سمعن دقات الباب فاتجهت "شهد" لفتحه لتجد أمامها "علا"... انكمش حاجبيها وهي تسألها بغضب:
و أنتِ عايزة ايه أنتِ كمان؟
خرجت " هادية" من الغرفة وتبعتها "ملك" التي لم تكن قد انتهت، فحاولت "علا" ابعاد "شهد" مردفة:
وسعي أنا مش جيالك أنتِ.
كانت ستدفعها لولا "رفيدة" التي مسكت بها تمنعها عنها وسمعت نبرتها العالية وهي تصيح مستنكرة:
أنتِ ايه يا بت أنتِ البجاحة دي، ده أنتوا معندكوش ريحة الدم.
_ بس يا شهد، عيب استني.
لم تستمع لحديث والدتها وتابعت صراخها الغاضب:
هو ايه اللي عيب، دي جاية لحد هنا وبتتكلم من تحت ضرسها.... أنتِ شكلك عايزة تتروقي يا "علا"
تحدثت "علا" بتبجح مماثل لمن تحدثها:
والله أنا نفسي أروقك يا "شهد" بس أنا مش، جيالك برضو.
أخذت "شهد" تدفع "رفيدة" لتستطيع أن تمسك بالواقفة أمامها قائلة بانفعال:
لا اوعي بقى ... اوعي خليني أكملها ربايتها الناقصة دي.
_ ملك عايزاكي في كلمتين.
كذلك قالت "علا" متجاهلة حديث "شهد" التي صرخت إثر استفزاز "علا" لها:
احنا غلطانين أصلا إننا لسه موقفينك هنا... يلا يا بت أنتِ غوري من هنا.
تحدثت "ملك" بدلا عن شقيقتها:
مفيش كلام بيني وبينك يا "علا" من فضلك روحي.
اعترضت "علا" قائلة بتحذير:
لا في يا ملك.. لمصلحتنا ولمصلحتك... وعلشان محدش يخسر.
ثم وجهت حديثها لهادية معاتبة:
سايبة بنتك تطردني؟... مش كفاية مال أبويا اللي كلتوه؟
كررت هادية خلفها باستنكار:
مال أبوكي اللي كلناه؟
استطاعت "شهد" التخلص من "رفيدة" واتجهت ناحيتها تجذبها بغل:
تعالي بقى اما اوريكي كلناه ازاي.
جذبتها "علا" من خصلاتها ولم يمنع نشوب الشجار سوى "رفيدة" التي جذبت "شهد" بعنف، و"هادية" التي أبعدت "علا" عن ابنتها... لكنها لم ترحل بل أصرت على الحديث مع "ملك" بقولها:
يلا يا "ملك" خليني امشي من هنا... عايزاكي في كلمتين لوحدنا.
كانت ستصطحبها للغرفة فاعترضت "شهد":
البت دي متدخلش أوضتي ولا تعتبها...أنا مش عارفة ايه البلاوي دي.
_ البلاوي دي متحدفتش علينا غير من يوم ما شوفناكي يا " شهد" .
بعد أن سمعت رد "علا" اشتعل غضبها فجذبت الحذاء من أمام الباب ولكن كانت "ملك" الأسرع وهي تصطحب "علا" لغرفة والدتها وشقيقتها تصيح متوعدة في الخارج:
لما تخرجي... هو أنتِ مش هتروحي يعني.
عنفتها "هادية" بغضب:
هو أنا مش قولتلك بس.
تظاهرت بالصمت بينما كان داخلها متأهب لخروج ابنة عمها من الداخل، لا زالت تتذكر ما فعلته هي ووالدتها يوم أن ذهبت مع أمها لتعزيتهم في وفاة عمها، ولا تنسى أبدا حين افتعلا الشجار معهما أمام الجميع، لقد نجحت ببراعة الآن في إشعال ثورتها.
★***★***★***★***★***★***★***★
الزمان دائما قادر على خداعنا، من يصدق أن حالنا ينقلب إلى آخر بعد ثانية... ولكنها لم تكن ثانية بل عدة ساعات، حتى أصبح المشهد كالتالي، "عيسى" وأمامه "كارم"... شجار عنيف انتهى بعيار ناري، عيار ناري فر صاحبه... ليبقى الاخر على الأرضية يتأوه بألم... ولم يكن المصاب سواه... كانت الإصابة رفيقته هذه المرة فالعيار الناري عرف طريقه جيدا إلى جسد " عيسى" ،
طلب منها أن تأتي له إلى هنا، ويذهبا سويا إلى عزومة والده، ذهبت على أمل ملاقاته على الجسر الذي اعتادا الجلوس عليه، ولكنها وجدت ما جعل عيناها تجحظ، وتشهق بعنف، حتى الهرولة كانت صعبة... هرولة امتزجت بصراخها.... تطالعه بغير تصديق، عيونها الباكية ترفض القبول بأن شر أصابه، كان يتأوه وما إن وقعت عيناه عليها أدرك سبب فرار "كارم"، قبل أن يحدثها، جلست مسرعة في منتصف الجسر جواره ومسكت الهاتف تهاتف " نصران" ... حين سمعت صوته يردعها عن الاتصال بوالده ويطلب منها الاتصال بغيره خوفا ألا يتحمل والده، كان جالس على الأرضية يضع يده أعلى كتفه موضع العيار الناري
استجابت له وهاتفت "حسن" وهي تسمعه يقول من بين أنفاسه التي يحاول التقاطها بصعوبة إثر الألم:
اهدي علشان تعرفي تتصلي بيه.
صاحت بقهر:
مش أنا قولتلك خلي بالك من نفسك... هو أنا مش قولتلك إني مش هستحمل.
السحابتان في عينيها التقا بعينيه فأمطرا فيهما.... للمرة الأولى يرى هذه النظرة صريحة لا تتخفى خلف ستار الحياء، يراها والألم يفتك به وهي تكمل:
مش هستحمل علشان أنا بحبك.
حينها فقط رد شقيقه، وحينها فقط حصل على ما سعى للحصول عليه.... حصل على القول الذي أعطاه الحياة، القول الذي أحيا الأمل ولم يأت إلا في ذروة الألم.