رواية وريث آل نصران الجزء الثاني الفصل الواحد والسبعون 71 بقلم فاطمه عبد المنعم




  رواية وريث آل نصران الجزء الثاني الفصل الواحد والسبعون 71 بقلم فاطمه عبد المنعم



الفصل الواحد والسبعون (نائم لدى ألد الأعداء) 

رواية_وريث_آل_نصران ( الجزء الثاني) 

بسم الله الرحمن الرحيم 


الأمر أصبح أصعب من كل شيء...أشبه بمن وضعك في النار وأعطاك الماء وقال قم بإنقاذك... فتحترق ولا تستطيع الإنقاذ، على الرغم من أن إنقاذك في يديك، ولكن ألم الحرق كان أقوى من أي شيء، إنه هذا الألم الذي يأكل في روحي وكلما ظننته مل، أعلم كم أنا مغفل... أعلم أنه كان يكثف جهوده... لتزداد شراسته والضحية روحي وأرواحهم. 


لم يبق أحد... لم يبق سواهما، كان الوضع في ساحة الاستقبال يخيم عليه الصمت، حيث جلس "صاوي" على مقعده، وأمامه "نصران" الذي أبعد أبناءه وانفرد بمن أتى. 

لم يقطع هذا الصمت سوى صوت "صاوي" حين قال:

كنت مفكرك مش هتعرفني... وخصوصا إننا متقابلناش قبل كده. 


تحدث "نصران" وهو يتناول كوب المياه الموضوع على الطاولة أمامه ونظراته تحيط بالجالس أمامه:

يمكن صحيح متقابلناش قبل كده، بس جدورنا اتقابلت... وأنا بحب أدرس الجدور دي كويس أوي. 


تصنع "صاوي" أنه تذكر للتو أثناء قوله:

اه، قصدك على جدك اللي كل حق جد "منصور" وحق أهلي وطلعهم من ملكهم راسهم في الأرض. 


رد "نصران" ما تم تسديده من تهم بعبارات حاسمة:

جدي مكلش حقوق، القديم الكل عارفه، تقدر تطلع برا لأي حد تسأل عنه، نصران الكبير مطلعش جد منصور وشريكه اللي هو أنت بتقول عليه أهلك غير لما افتروا.... جدك أصلا مكانش ليه فيها، اللعبة كلها كانت بين جدي وجد منصور، بس الطمع خلى جد منصور يجيبه شريك معاه، علشان ماله يكتر لما يبقى شغلهم سوا، لا وملكه أرض كمان.... محدش طلع منها غير اللي افترا وظلم... ده عدل ربنا. 


ابتسم "صاوي" وما إن انتهى حتى سأله: 

عندك حاجة تانية تقولها؟ 


هز "نصران" رأسه يرد وهو يبادله الابتسامة:

عندي. 

مال مستندا على الطاولة لتصبح نظراته مواجهة لضيفه ونطق بما يثبت عدم جهله:

أنا عارف كويس أوي إنك ميفرقش معاك القديم في حاجة، يا شيخ ده أنت تلاقيك حتى ناسي اسم جدك اللي اتطرد من هنا، شغل أنا أهلي كانوا أصحاب الأرض دي ولازم أرجعها كبير تاني علشان أرد اعتباري وشرفي بتاع منصور بس، ومبيحاربش وراه غيره... لكن أنت لا. 


_ وعرفت منين إنه لا؟ 

كان هذا سؤال "صاوي" الذي رد عليه "نصران" ضاحكا:

زي ما عرفت بالظبط إنك "صاوي" واحنا متقابلناش قبل كده، شكلك مش لماح يا "صاوي"، أنا قولتلك مش شوية مبيهمنيش قد الجدور، لازم تبقى عيني على كل اللي أحس إنه ممكن يضرني، وأنا عيني عليك من زمان وعارف إنك ملكش في سكة اللعبة القديمة دي، 

أنت راجل اشتغلت وكبرت في السياحة وبقى ليك وضعك ومبتفكرش أصلا في اللي فات... مجيتك هنا مش علشان اللي فات، لو كنت بتفكر في اللي فات كنت حاربت وراه من زمان، مش هتيجي دلوقتي بعد العمر ده كله وتحارب، هو بعد ما شاب ودوه الكُتاب.


هذه الجملة الأخيرة أدارت كفة الحديث تماما، حيث علم " صاوي" أنه واضح بالنسبة للجالس أمامه، فألقى سؤاله مبتسما بمكر:

عندك بنت يا نصران؟ 


_ عندك عريس ليها يا صاوي؟ 

كان هذا رد "نصران" فابتسم "صاوي" وتابع وكأنه لم يسمع ما قيل:

بتحبها قد ايه؟ 


ابتسم "نصران" ورد على قوله وهو يطالعه:

ضعف ما انت بتحب بنتك. 

أكمل سائلا:

بس ما قولتليش برضو... جايبلها عريس؟ 


ترك "صاوي" مقعده، واستقام واقفا، زين ثغره ابتسامة هادئة، تبعها بقوله:

أنا جيت علشان كنت محتار في حاجة... عمال افكر كتير، وكمان ده رد زيارة لعيسى أصله زارني النهاردة... أنا هعتبر كلامه برا كان كلام عيال... أما بالنسبة بقى لبنتك

أكمل وقد اتسعت ابتسامته:

قريب هفرحك بيها، قريب أوي هتفرحوا بيها كلكم. 


نداء "نصران" جعله يتوقف بعد أن كان على وشك الخروج فاستدار "صاوي" ليسمع قول "نصران":

على فكرة يا " صاوي" أنا "عيسى" حكالي على كل حاجة... خدها مني نصيحة خليك جنب بنتك أحسن ما أنت تداير تلف على حاجة مش هترجع اللي راح، 

لو حد مسؤول عن اللي جرا لبنتك فهيبقى أنت. 


ضحك ساخرا قبل أن يقول:

طالما اللعب بقى على المكشوف، هقولك كلمتين لو كان عندي احساس بالذنب ناحية ابنك واحد في المية، النهاردة راح... بعد جملة إن عينك عليا من زمان اللي أنت قولتها... أصل بما إن عينك عليا من زمان، فمستبعدش إن اللي حصل لبنتي يبقى بإرادتك، وتبقى زقيت ابنك علشان يدخل حياتها ويحصل اللي حصل... مستبعدش انك كنت بتلهيني علشان مبقاش فاضي لحاجه... حتى وأنت عارف إن القديم ناسيه واردم عليه. 


_اعقل كلامك واوزنه وبعدين ابقى قوله. 

هتف "نصران" بهذا ثم تابع:

ومش هقولك نورت، علشان أنت مدخلتش بالأصول... 

بس مش هعاتبك المرة دي على الدخلة اللي دخلتها، خليها مرة تانية. 


ارتفعت ضحكات صاوي وردد أثناء خروجه:

الجايات أكتر. 

خرج من المنزل ليجد رجاله في انتظاره، ركب سيارته وشرد فيما حدث قبل أن يأتي إلى هنا، حين عاد إلى المنزل فوجده يجلس في ساحة الاستقبال... لم يتوقعها أبدا، "عيسى" هنا... على وجهه ابتسامة وهو يقول:

ازيك كده. 


_ جاي ليه؟ 

كان هذا رده الذي تسبب في انكماش جاجبي "عيسى" وهو يسأله متصنعا العتاب:

دي مقابلة برضو؟ 

ابتسم "عيسى" وتابع:

عموما أنا جاي علشان أقولك إني مش ناسي.... 

أنزلت الخادمة "قسمت" إلى الأسفل والتي ما إن رأت "عيسى" حتى حلت الصدمة عليها، واتجهت بنظراتها سريعا لوالدها تسأله:

في ايه يا بابا؟ 


استأذن "عيسى" الخادمة، ودفع هو المقعد حتى أصبح في مكان مناسب، تستطيع منه النظر إلى كليهما وحينها سألت:

جاي ليه يا "عيسى"؟ 


نظر لوالدها وحثه على الحديث قائلا:

ما تقولها... ولا أقولها أنا؟ 


_ امشي اطلع برا. 

كان هذا قول " صاوي" الذي اعترضت عليه "قسمت" بغضب:

بابا لو سمحت... كده لا. 


هتف "صاوي" بإصرار:

أنا قولت يطلع برا. 


ردت بنفس الإصرار:

بابا عيسى لو خرج من هنا دلوقتي، أنا هخرج وأنت عارف إني أعملها. 


ابتسم "عيسى" بتشفي وهو يطالع "صاوي" فحثته "قسمت" على الحديث بقولها:

عيسى في ايه؟ 


تقدم "عيسى" من "صاوي" ملقيا اتهامه:

أنت اللي خطفت "ملك"؟ 


_ فاضي أنا بقى ليك وللبتاعة بتاعتك دي؟ 

هذا الرد الذي تلقاه أشعل غضبه، فبرز في عينيه وهو يصحح:

لا اسمها " ملك" مش بتاعة، وأنت اللي عملت كده... وحركة تاخدوا الموبايل وخاتمها علشان تبان سرقة دي كانت ممكن تاكل معايا، بس اللي كلمني وهي مخطوفة وكان في قمة فرحه وهو عمال يجبني يمين وشمال هو أنت.. 


سألت بانزعاج مقاطعة حديثه:

وبابا هيخطفها ليه يا "عيسى"؟ 


أشار عليه قائلا:

ما تسأليه. 


هتف " صاوي" بما جعل "عيسى" ينتبه له:

هي مش رجعتلك؟... طالما متحسرتش عليها اعرف إني لسه معملتش حاجة. 


هز "عيسى" رأسه موافقا ثم نطق:

تمام أوي.. أظن أنتِ سامعة يا "قسمت" أبوكي قال إيه

أكمل بنظرات متحدية:

أنا طول السنين اللي فاتت دي بعديلك أي حاجة تعملها، وبقول معلش... لكن بعد كده مفيش معلش تاني. 


اقترب منه "عيسى" مضيفا بما أثار غيظه:

روح لم الخسارة اللي عملتهالك في شغلك الأول. 


سألته مسرعة بغضب جلي:

وأنت بتخسر بابا في شغله ليه يا عيسى؟ 


صاح بغضب مشيرا على والدها:

علشان بعتلي ناس كانوا هيموتوني مثلا... علشان عمال يتمادى ومفكر إن أخرتها هتبقى غم عليا أنا بس... 

اسمع يا صاوي، لو أخرتها غم فهيبقى على الكل 

أنهى حديثه بجملة:

وأنا حذرتك. 


تجمعت الدموع في عينيها وهي ترى ما يحدث، أبت أن تظهرها، وقررت أن تنادي الخادمة لتساعدها في الوصول إلى عرفتها... لمحها "عيسى" ... الدموع في عينيها جعلته يكف عن الاسترسال في الحديث،

                                                                                        جعلته ينبهها:

أنا لحد دلوقتي يا قسمت باقي عليكِ...قوليله يسيبه مني خالص، علشان أنا لو كنت ساكت علشانك قبل كده، مش هسكت تاني علشان ناس في حياتي برضو.

_ كتر خيرك.

لم تقل إلا هذا ردا على كلماته، فخرج من منزلهم بضجر، وصفع الباب خلفه، قبل أن يقول "صاوي" أي شيء هتفت ابنته بضيق:

متتكلمش معايا لو سمحت.

بهت وجهه ثم تابعها وهي تصعد لغرفتها بمساعدة الخادمة....الغرفة التي تحولت إلى سجن، ولكنه سجن اختاره المسجون.


  ★***★***★***★***★****★***★***★


صباح جديد أتى بنسمات باردة تبشر بالطقس اللطيف اليوم، كانت "هادية" في المحل ومعها "مريم" التي وقفت ترص زجاجات الزيت على أحد الأرفف وما إن انتهت قالت لوالدتها:

استنى هصب الشاي. 

قطع حديثهما دخول "رفيدة" التي قالت بحماس:

صباح الخير. 


ابتسمت "مريم" وكذلك "هادية" التي رحبت بها مسرعة:

صباح النور يا "رفيدة"، اتفضلي ادخلي. 


دخلت بالفعل واختارت أحد المقاعد لتجلس عليه قائلة باعتذار:

أنا همشي علطول معلش، علشان ورايا مشاوير كتير جدا، بس كنت جاية أقولكم حاجه.


أنصتت لها " هادية" ، وكذلك "مريم" التي وقفت تمزج ما بالأكواب وهي تسمعها تقول:

أنا عيد ميلادي النهاردة... 


قبل أن تكمل قالت "مريم" ضاحكة:

كل سنة و أنتِ طيبة. 


هنأتها "هادية" أيضا فتابعت "رفيدة" بامتنان:

شكرا بجد، وأنتم طيبين يارب... المهم، بابا كان كل سنة بيعملي عيد ميلاد بس طبعا مش هنعمل السنة دي، أول سنة فريد ميحضرش عيد ميلاد ليا ومش هقدر أعمله، وكمان محدش في البيت هيستحمل ده فقررت أقولهم أنا كده. 


ربتت "هادية" على كتفها ناطقة بابتسامة:

الله يرحمه ويسكنه الجنة. 


تنهدت "رفيدة" بحزن، ثم أكملت ما أتت لأجله:

بابا بقى قالي إن هيعزمنا كلنا في مكان حلو ومش بعيد كمان، وبرضو علشان ملك وعيسى وكده أنتِ عارفة التوتر اللي مبيخلصش... فأنا جيت أعزمكم، وطبعا يا طنط كلكم هتيجوا مش هينفع حد ميجيش. 


سريعا ما أتى إلى ذهن "مريم" شقيقتها "شهد" لذلك أسرعت تسأل:

هو "طاهر" هيكون موجود؟ 


هزت "رفيدة" رأسها نافية وجود شقيقها، وأضافت ليصبح الرفض خيار غير موجود:

هبعت لمريم مسدج قبل ما نروح الصبح، واحنا هنيجي ناخدكم. 

استدارت لهادية، ورفرفت بأهدابها لتؤثر بها وهي تطلب برجاء:

ممكن يا طنط متقوليش لا، هيفرق معايا وجودكم أوي وهزعل لو مجيتوش.. 

تركت مكانها وانهالت على وجنتها بالقبلات قائلة بضحكة واسعة: 

موافقة صح؟ 

صدمت "هادية" التي لم تلحق الرد حيث صفقت "رفيدة" وقالت وهي تحتضن "مريم":

قالت خلاص موافقة. 


قفزت بفرح وهي تقول:

بجد يا طنط شكرا بجد

اتجهت نحو الخارج بحماس شديد وهي تلوح لهم مودعة، فعلت ضحكات " مريم" ، وضربت "هادية" الكف بالآخر وهي تقول باستغراب:

لا حول ولا قوة إلا بالله. 


فزادت ضحكات ابنتها أكثر، أما من غادرتهم منذ دقائق، أكملت طريقها حتى محل اعتادت أن تبتاع منه الاكسسوارات، انتهت وبدأت طريق عودتها إلى المنزل، ما إن مرت من أمام محل "عز" الخاص بإصلاح السيارات حتى ألقت السلام فردته والدته التي أتت له بالشاي:

وعليكم السلام يا "رفيدة"... عاملة ايه يا حبيبتي وحشتينا. 


لا تعلم، ولكنها لا ترتاح لهؤلاء أبدا، رسمت ابتسامة بالإجبار وهي ترد عليها:

الحمد لله يا طنط، أنتِ أكتر. 


حذر " عز" والدته بنظراته، فمطت شفتيها بانزعاج وتوجهت عائدة إلى المنزل دون قول شيء، كانت "رفيدة" سترحل ولكنه استوقفها قائلا:

ثواني يا أنسة "رفيدة".


وقفت، ونظرت باستغراب وهي تراه يدخل إلى المحل، ثم يخرج وبيده حقيبة صغيرة ما أثار دهشتها، أنها تنتمي إلى الحقائب التي توضع بها هدايا أعياد الميلاد 

أعطاها لها قائلا بابتسامة:

هو ممكن تاخديها؟... 

شعر بالتوتر ولكنه سريعا ما أكمل:

بمناسبة عيد ميلادك يعني... كل سنة و أنتِ طيبة. 


كان " فريد" يدعوه كل عام للقدوم في هذا اليوم ويرفض، ولكنه للمرة الأولى يفعلها... ويستطيع قولها لها. 


ابتسمت ثم نظرت له تقول بمزاح:

خلاص أنا هاخدها علشان أنت مقولتليش أستاذة المرة دي. 


اتسعت ضحكته، وخاصة وهي تكمل:

وأنت طيب يا "عز" شكرا. 

لم ترد أن تتسبب في حرجه وتردها له، واهتمامه هذا جعلها ممتنة، ابتسمت ولوحت له مودعة:

أنا همشي بقى. 

رحلت بالفعل وبقى هو على نفس وضعه، لم تكن دقات عادية بل كان سباق، سباق تم عقده في فؤاده من أجلها هي... هي فقط. 


★***★***★***★***★***★***★***★


نبرة أمه الهادئة وصوتها في أذنه وهي تناديه جعلته يستيقظ سائلا بقلق وصوت خالطه النعاس:

في حاجة يا ماما؟ 


_ قوم يا "طاهر"... لو هتودي " يزيد" التمرين. 

قول والدته جعله يفتح عينيه بصعوبة وهو يسألها بكسل:

هي الساعة كام؟ 


أخبرته بالوقت وقبل أن ترحل جذبها من يدها لتجلس أمامه على الفراش وسألها:

مالك يا ماما، أنا حاسس إنك متغيرة... أنتِ شوفتي اللي حصل اليومين اللي فاتوا و"يزيد" و "شهد" وكل ده... بس أنا حاسس إن في حاجه غير المواضيع دي بينك وبين بابا. 


طالعته بدموع وهي تقول:

ولا حاجه يا حبيبي موضوع سعد ده بس عمل مشكلة، و"نصران" زعل. 


ظنت أن "نصران" أخبره، ولكن صدمها قوله:

سعد مين؟ 


_ أنا هقوم علشان أحضرلكم الفطار 

قالت هذا لتهرب من الرد ولكنه طلب بإصرار:

استني يا ماما وقولي في ايه. 


كان قوله حازم، لذلك دار بينهما حوار لم تستطع الهرب منه، وكان نتيجته أنه ترك الغرفة غاضبا، واتجه إلى غرفة "عيسى"...ظن أنه نائم، ولكنه كان مستيقظ، ولكن تعابيره تشير إلى أن كل شيء ليس على ما يرام... جذب قميص قطني ملقى على الفراش، و شرع في استبدال ملابسه ولكن أوقفه " طاهر" حين جذب القميص من يده وألقاه على الفراش سائلا:

أنت مقولتليش ليه يوم ما روحنا نجيب "رفيدة" على اللي حصل بينك وبين الواد اللي عمل كده... مقولتليش ليه على اللي بيقوله وإنه يبقى ابن خالي. 


حاول التريث، الغثيان الذي أصابه منذ الصباح أنذره ببوادر انفجار جديد، بقى في غرفته حتى تنتهي هذه النوبة، ولكنه وجد هذا الهجوم لذلك قال وهو يجذب القميص بانفعال من جديد:

اخرج يا "طاهر" دلوقتي لو سمحت... مش عايز اتكلم 


كلماته هذه زادت من انزعاج "طاهر" مما جعله يسأله بضجر:

هو ايه اللي اخرج ومش عايز اتكلم...ما ترد عليا يا "عيسى"، ليه ما قولتليش؟ 


صاح بغضب:

بقولك اخرج برا يا طاهر دلوقتي. 


جذبه " طاهر" ليقف أمامه ويحدثه ولكن صدمه "عيسى" حين دفعه... لم تعد البوادر فقط بل أتت حالته.... فقد تعقله وتريثه وهو يقول بانفعال:

وسع بقى، ايه القرف ده يا عم. 


دفعته لطاهر أشعلت غضبه هو الأخر فدفعه مثلها ولكن هذا لا ينفع في حالة "عيسى" التي جعلته يسدد لطاهر لكمة، برزت عروقه وبدت الشراسة في عينيه وهو يستعد لضربه الثانية أمام ذهول "طاهر" الذي سريعا ما أسقط "عيسى" أرضا وهو يسأله:

طب طالما عايز تتخانق، نقلبها خناق بقى. 


لم يبق على الأرض كثيرا، ذروة انفجاره أتت الآن، استقام واقفا وأخذ يطيح بكل شيء أمامه، وهو يصرخ بنبرة أعلى من كل ما سبقوها:

قولتلك اطلع برا. 

في هذه اللحظة دخل والده... رأى حالته وما وصل له، ما أصاب فؤاده في هذه اللحظة أكبر من أي شيء، طلب من "طاهر" بهدوء:

اخرج يا "طاهر".


جذبه " عيسى" من ملابسه صائحا بتبجح:

سيبه، مش هو عايز يتخانق 

رفع يده وقبل أن يلكمه في وجهه توسطهما "نصران" الذي كرر بحزم أكبر:

اخرج يا "طاهر" وحقك عندي. 


لا يصدق، هو حقا لا يصدق أن من أمامه هو "عيسى"، 

نظرة معاتبة امتزجت بغضب " طاهر" وهو يطالع "عيسى" ويرد على قول والده:

لا حقي مش عندك يا بابا.... 

بدأ "عيسى" في الاسترخاء، هذا الشعور بأن جسده صار رخو... فجلس على الفراش، ووضع رأسه بين كفيه، أخذ يلتقط أنفاسه بهدوء وكأنه في عالم أخر عنهم... عالم لم يفق منه إلا عند قول "طاهر":

ولا ليا حق عنده على فكرة، مش هعاتبه... 

هو لو كان أخويا مكانش عمل كده من غير سبب


جملة ضربت " نصران" و"عيسى" في مقتل، جعلت "نصران" يستدير له ويعنفه:

ايه لو كان دي يا "طاهر"؟... من امتى وفي لو كان. 


صاح بإصرار بقدر حزنه وألمه منه:

لا في... أنا مليش اخوات غير " حسن" و"رفيدة" و "فريد"... هو ابن عمي... يا ع.... 

أوقفه " نصران" بنظرات مشتعلة وهو يردعه بعنف:

بس اسكت.... يا ايه... عايز تقول يا ايه؟ 

تسارعت الأنفاس وهو يتابع بغضب رافق وجعه مما كان سيقال:

عايز تقول يا عمي، لا يا حبيبي مش عمك، ما هو أنا مشقيتش وجريت وربيت علشان أطلع راجل وفي الأخر تقف تقولي أنت مش أبويا.... هو الأب بيبقى ازاي؟، يمكن قصرت معاك في حاجة تخليك تقول كده 


شملهما بنظراته مكملا باشمئزاز:

اخس... اخس على تربيتكم، أشار على "عيسى" أولا وهو يقول:

واحد كل دقيقة بحال 

ثم طالع "طاهر":

والتاني من ساعة ما وقف المهدئات اللي كان بياخدها عمال على بطال، وهو عمال يخرف بالكلام مع أي حد ويخسر في اللي حواليه. 


_ أنا أسف يا بابا. 

قالها " طاهر" بندم، وجه أسفه لنصران فقط، مال على كف والده يقبله، ما إن استطاع "عيسى" القيام... حتى شاهدا عينيه الحمراء، الدموع المحتبسة بها انكشفت لوالده، مال عيسى على رأس والده مقبلا وهو يقول باعتذار:

حقك عليا يا حاج. 


ألقى "عيسى" نظرة على "طاهر" ثم قال بوجع:

يا ريتني كنت أعرف معتبركش أخويا... كانت حاجات كتير أوي هتتغير... بس أنا مبشوفكش غير اخويا يا "طاهر".


أنهى حديثه وجذب قميص وسروال واتجه إلى المرحاض، تاركهما خلفه، أغلق الباب ثم أطلق لدموعه العنان... أطلقه ولم يبال بأي شيء سوى وجعه. 


★***★***★****★***★***★***★***★


جلسة مسائية اجتمعن فيها في النافذة الخارجية، حيث جلست كل واحدة منهن على مقعد، ومعهم والدتهم... حل الصمت الذي لم يقطعه إلا صوت

 " مريم" وهي تقول:

هاتي طبق اللب يا "شهد".


استدارت لها " شهد" فأشارت "مريم" بعينيها على "ملك"... مما دفع " شهد" لقول:

طيب لو مش هتقوليلنا مالك، فكي شوية كده... انتِ بقالك تلات أيام على الحال ده. 


_سيبيها يا "شهد".

كان هذا قول " هادية" الذي تبعته "مريم" بقول:

هو "عيسى" بقاله تلات أيام مش بنشوفه ولا بيتصل ليه؟ 


شقيقتها محقة، منذ ما حدث في معرضه، وبعد الرسائل التي قرأها، وهي لا تراه... منقطع تماما فكرت في الاتصال به ولكنها تراجعت 

فاقت على صوت "شهد" وهي تقول:

لو مبيردش اعمليله بلوك، هيجي على وشه جري 


ضحكت أخيرا، فغمزت "مريم" لشقيقتها قائلة:

ضحكت. 


لم ينته الحديث عنه... الحديث الذي قبل أن يتابعوه وجدوا اتصال ولم يكن إلا منه. 


★***★***★***★****★****★***★


اتصاله كان بغرض أن يخبرها أنها ستأتي معه في الصباح لإتمام التنازل، لم تعلم سبب اختيار هذا التوقيت... كان حديثه مقتضب ونبرته توحي بأن هناك شيء ما... قال ما أراد وأغلق المكالمة... والآن صباح جديد هي معه فيه، ليست بمفردها، لا تعلم لماذا ولكنها شعرت أنها لن تكون بخير فأتت معها "مريم"... استغرب من ذلك ولكنه لم يسأل، ركبا معه في السيارة حتى وصلا إلى وجهتهما.... أشياء كثيرة انتهت بالأوراق موضوعة أمامها والمحامي يقول بهدوء:

امضي هنا حضرتك. 


كان " عيسى" يجلس في المقعد المجاور لها، وشقيقتها على الأريكة في الخلف... مسكت القلم وهربت بنظراتها إلى "عيسى" لتجد نفس التعابير الجامدة... التعابير التي جعلتها تسأله بحذر:

عيسى هو في حاجة؟ 


هز رأسه نافيا، فتنهدت وعادت تنظر للأوراق من جديد وفي النهاية مضت. 


طلب منهم المحامي الانتظار دقائق وسيعود، وبعد خروجه قال "عيسى":

فلوس الحاجات اللي عملتي عنها تنازل هتتحط في حساب في البنك باسمك... 


_ خليها باسم ماما. 

قاطعته " ملك" لتقول هذا، فهز رأسه موافقا وهو يرد:

تمام... لما اروح هقول للحاج على ده. 


استدار يطالع "مريم" بابتسامة سائلا:

و أنتِ يا مريم أخبارك ايه؟ 


رفعت "ملك" حاجبيها بدهشة وهي ترى التعابير الجامدة قد اختفت وحل محلها أخرى في حين ردت شقيقتها بضحكة واسعة:

أنا الحمد لله كويسة. 


بادر بالاعتذار قائلا:

معلش شغلناكي معانا النهاردة، بس "ملك" بتخاف تيجي معايا لوحدها، علشان أنا من آكلي لحوم البشر. 


وضعت يدها على فمها تكتم ضحكتها، في حين بدا الاعتراض جليا على وجه "ملك" وهي تقول من أجل إثارة غيظه:

أيوه أنت منهم. 


وضعت "مريم" كفها على وجنتها وأخذت تتأمل حديثهما بضحكة واسعة جعلت "عيسى" يقول:

لا دي بتغلط فيا، مش بتقولي إنها مغرمة بيا على الضحكة دي كلها يا مريم. 


علت ضحكات "مريم" ورمقتها "ملك" بغيظ جعلها تتوقف بصعوبة عن الضحك... أتى المحامي من جديد وتم الانتهاء من كل شيء. 

نزلوا الثلاثة معا، سمع مريم التي تهمس لشقيقتها:

ما تقوليله يستنى... هو فيها ايه؟ 


طالعتها "ملك" بغضب واستدار هو يسألها:

في حاجة يا "مريم"؟ 


هزت رأسها قائلة بحماس:

أيوة، في حد هنا بيعمل قهوة حلوة أوي، هو في الشارع اللي ورا... بقول لملك تستنى لحد ما اجيب بتقولي لا، وأنا مش قادرة نبقى هنا وما اجيبش. 


_ والله لهقول لماما. 

هذا ما همست به " ملك" لها، أما هو فكان قد أخرج النقود وعرض عليها:

طب خدي، هاتيلنا احنا التلاتة، وهنقعد هنا على البحر نستناكي. 


_ لا أنا معايا. 

قالت "مريم" هذا فهز رأسه بغيظ وهو يضع النقود في يدها ناطقا:

مش أنتِ واختك.... كده كتير عليا. 


ضحكت وقبلتهم منه وقبل أن ترحل نبهها:

لو لقيتي الدنيا زحمة، ارجعي وأنا هروح أجيب. 


هزت رأسها موافقة، ثم رحلت وتركتهما... تنهد بهدوء وجلس على الأريكة الخشبية المطلة على المياه... أخذ يتأمل المياه، وداخله ثورة لا تهدأ أبدا... جلست "ملك" جواره ولكنها هذه المرة لم تسأل بل قالت ما يوجد بداخلها:

أنا حاسة إنك زعلان من حاجة، عينيك بتقول إن في حاجة، كمان مش عادتك مشوفكش بالأيام، هو أنا صح ولا هو ده العادي؟ 


_ شكل كده هو ده العادي، وإني كنت غلط لما افتكرت إنه ينفع. 

كلمات مبهمة، لم تفهم منها شيء، قالها بهدوء شديد وهو ينظر للمياه... على الرغم من هدوءه شعرت هي أن حديثه يقطر ألما... لذا تجرأت، مدت كفها تدير وجهه لها، وتحدثه وهي تنظر لمقلتيه:

لا ده مش العادي، احساسي عمره ما ضحك عليا، أنا متأكدة إن في حاجة واجعاك... بس أنا عارفة إنها مهما كانت كبيرة مش هتتغلب عليك... حاجه شبه الأفلام الأجنبي كده، البطل مش بيموت خالص، 

ضحكت وأكملت:

فأنت اعتبر نفسك بطل فيلم أجنبي، وشوف بقى هتحل الحاجة اللي تعباك ازاي علشان تورينا إنك لسه عايش. 


وكأنها بذلت مجهود عنيف، تنهدت أخيرا، وأبعدت عينيها عنه بتوتر، فنظراته مربكة...ناداها فاستدارت له... اقترب منها حيث كانت تجلس على بعد مسافة منه، ومال يقبل وجنتها فجحظت عيناها، احتضن عينيها وهو يقول بنبرة أسرتها:

قولتلك إني كنت غلط لما افتكرت إنه ينفع، بس أنا خلاص وقعت يا "ملك"، وقعت فيكِ.


شهقة مصدومة من الخلف فأسرعت " ملك" تبتعد عنه لتصبح على طرف المقعد، استدار لشقيقتها يطالعها بابتسامة صفراء فقالت بتوتر وقد بانت الحمرة على وجنتيها:

الراجل بتاع القهوة زحمة، وفي واحد قالي روحي يا حبيبتي هاتي حد كبير. 


ترك المقعد وسبقها قائلا بغيظ:

تعالي هجبلك القهوة 

تأكدت أنه لا يسمعها فقالت لشقيقتها:

وبتقوليلي أنا اللي هتقولي لماما، ده أنا اللي هقولها. 


_ يلا يا مريم. 

جملته هذه جعلتها تهرول خلفه، أما شقيقتها فما زالت تحت تأثير ما حدث قبل لحظات... تحت تأثير ما أجبر قلبها على قرع طبوله. 


★***★***★***★***★***★***★***★


ليلة باردة، زادت فيها البرودة خاصة وأن الفجر قد اقترب...مما جعل "علا" تستيقظ وتتحرك بحذر ناحية المروحة، حتى لا تستيقظ والدتها... أغلقت الزر، شعرت بحركة في الخارج فظنته "شاكر"، فتحت الباب فوجدت غرفة والدتها ووالدها التي هجرتها والدتها منذ وفاة زوجها قد قام أحدهم بتشغيل الضوء فيها، 

شعرت بالذعر وتسارعت أنفاسها... " شاكر" لا يفعل هذا أبدا، وشعرت به أكثر حين انطفأ نور الغرفة ولم يخرج أحد فهرولت "علا" ناحية أمها ونادت بنبرة منخفضة:

ماما... ماما اصحي قومي. 


استيقظت بفزع جعلها تقول:

في ايه يا بت، مالك مسروعة كده ليه؟ 


التقطت نفسها بصعوبة ثم قالت بهمس:

الأوضة بتاعتك أنتِ وأبويا... محدش دخلها من بعد موت أبويا، روقناها وسيبناها... دلوقتي لقيت النور بتاعها مولع، واتطفى ومحدش خرج. 


اعتدلت "كوثر" بفزع واستعاذت:

أعوذ بالله... ايه يا بت اللي بتقوليه ده، ما يمكن أخوكي بايت فيها. 

حديث تقوله لتطمئن نفسها ولكنها تعلم أنه عار تماما من الصحة، وأكدت ابنتها هذا بقولها:

وأخويا هيسيب أوضته ويجي يبات فيها ليه؟ 


_ طب روحي كده يا علا... شوفي "شاكر" اللي فيها ولا إيه؟ 

قالت هذا "كوثر" وقد شعرت بأن الدماء تجمدت في عروقها فاعترضت ابنتها باستنكار:

أنا اللي اروح؟... ده أنا أطب ساكتة، قومي معايا. 


قامت معها بالفعل، تشبثت كل منهما بالأخرى، وقالت "كوثر":

هاتي الطرحة ليكون أخوكي اتجنن في عقله ومبيت

 " محسن" فيها ثم تابعت متوعدة:

أقسم بالله يا " علا" لو طلع مفيش حاجه... هتاكلي حتة علقة. 


زاد ارتعادهم حين اقتربا من الباب، فتحته "كوثر" بهدوء ودخلت خلفها ابنتها بحذر، أسرعت علا تضغط على زر الضوء... وما إن ضغطت عليه حتى صرخا عاليا وتراجعا للخلف، لم يكن شاكر، ولا حتى من ظناه بها بل كان من لم يتوقعاه أبدا... لم يكن سوى "عيسى" الذي اعتدل على الفراش سائلا:

هو ايه البجاحة وقلة الأدب دي ؟ 


مازلا تحت تأثير الصدمة فتابع متحدثا بتشفي:

الواحد ميعرفش ياخد راحته وهو نايم في بيته ولا إيه ؟


ابتسم بظفر وهو يرى نظراتهم المتبادلة، النظرات المستنكرة لما يحدث، والمتفاجئة به لأنه وكعادته... 

ملك المفاجأة. 


الفصل الثاني والسبعون من هنا

تعليقات



×