رواية وريث آل نصران الجزء الثاني الفصل السبعون 70 بقلم فاطمه عبد المنعم
الفصل السبعون (أبناؤك سد منيع)
وريث_آل_نصران (الجزء الثاني)
بسم الله الرحمن الرحيم
الماضي لا يُمحى...يبقى ولا يُنسى
وأماننا سُلب... وبقينا نتأوه
حتى تلاقينا... قال الأمان: أنا آت
و ظننت قلبي مات...لكنه حي
يخبرني بضراوة... ربيع قلبك فات
رأيتك أنت... فظنتتك تُنسى
لكنك قلت ربيع قلبك آت...
ووعدك نُقِش في من بلا مأوى
أتخلف الوعد؟.... تتركني وترحل
يا عزيز قلب تاه...
إياك تفعلها فالوعد لا يُمحى..
وأنت لا تُنسى.
لم يكن يدرك أنه سيأتي اليوم ويتم وضعه في مأزق كهذا، ولكنه أدرك حين أمره "نصران":
خد ابنك يا " طاهر" وديه عند الست هادية.
كان قد انتهى من افطاره للتو، ودخل "عيسى" و "كارم" لغرفة المكتب فاستأذن "نصران" منهما وعاد لطاهر الذي رفض الأمر:
أنا هاخده أخرجه، وأنا بأي عين أروح عندها وأنا مبقتش مع بنتها... هو لازم يتعود على الوضع الجديد.
_ والوضع الجديد ده مين اللي عمله، مش أنت؟
ألقى عليه قوله بغضب وأضاف بما لم يصرح به ابنه:
أنت مش عايز تروح هناك علشان مش عايز تقابل امها مش علشان ابنك ياخد على الوضع الجديد.
تنهد "طاهر" بانزعاج وطلب برجاء:
كفاية من فضلك، أنا عارف كل الكلام اللي هيتقال، ومدرك اللي عملته، وحاولت مره واتنين أصلحه ومفيش أي استجابة... خلاص كل واحد يعمل اللي هيريحه بقى.
كرر والده حديثه:
أنا وعدت ابنك إني هوديه، بس مش هعرف،
روح ودي ابنك، علشان العيل ده مش مسؤول يستحمل عمايل أبوه.
أتى "يزيد" وقد ساعدته "رفيدة" في تبديل ملابسه لأخرى مناسبة للخروج، هتف بحماس:
أنا لبست يا جدو.
طالع "نصران" "طاهر" الذي هتف بضجر:
امشي يا يزيد.
حثه على الخروج أمامه فأوققه "نصران" بقوله:
أنت هتروح كده؟
رد "طاهر" بضيق:
مالي كده؟
كان يرتدي سروال من الجينز، وقميص من نفس الخامة أيضا، ظن أن المشكلة بهما ولكن قول والده صدمه:
من امتى وأنت يتسيب شعرك يطول كده؟
لم يكن طويل للدرجة، هو يعلم أن والده يقف له على كل صغيرة، يريد الشجار بأي طريقة حتى يعاتبه على كل ما فعل، فهو يعلم نفسه، منذ ما حدث ويأخذ جانب من الجميع فلا يستطيع أحد الانفراد به... هز رأسه وهو يأخذ يد ابنه ويرد على والده:
حاضر يا بابا، لما هرجع هنشوف موضوع شعري ده.
خرج مع ابنه على مضض، الذهاب لمحل هادية أصبح ثقيل فهو لا يريد مقابلة والدتها، هو غير مستعد الآن... قطع شروده سؤال ابنه الذي شعر وكأن شيء تغير في علاقة والده بشهد:
بابا هو أنت وشهد متخاصمين؟
تصنع الابتسامة وهو يرد عليه بهدوء:
اه متخاصمين... هتصالحنا؟
هز رأسه مسرعا وهو يوعد والده:
أيوه، أنا هصالحكم... مين فيكم اللي خاصم التاني الأول؟
ضحك على عبارات ابنه البريئة وغمز له قائلا:
يا واد يا مصلح أنت...
ضحك ابنه وقد احمرت وجنتاه ثم أضاف "طاهر":
سيبك من زعلنا، مش أنت عايز تروح هناك؟...
أنا عاصر على نفسي لمونة أهو وبوديك.
انتهى من حديثه حين وقف أمام محل " هادية"، لم يكن أحد يجلس سواها، أمامها كوب من الشاي الممزوج بالحليب قد شغلها مزج مكوناته عن الانتباه له... ل ولكنها انتبهت حين هتف بعد لحظات كانت شديدة الحرج بالنسبة له:
صباح الخير.
_ صباح النو...
بترت عبارتها وهي ترفع نظرها لتلتقي به... احتدت نظرات "هادية"، ولم يقطع هذه الحرب سوى الصغير الذي هرول ناحيتها هاتفا باشتياق:
أخيرا جيت.
أبعدت عينيها عن والده، وأعطته ابتسامة قائلة:
اقعد يا حبيبي جيالك.
أشارت له على الكوب مضيفة:
اشرب الشاي بلبن ... مش أنت بتحبه؟
هز " يزيد" رأسه بحماس وتركته هي واتجهت إلى زواية بعيدة عنه نوعا ما لتقف مع والده، أول ما هتفت "هادية" به هو:
جاي ليه يا "طاهر"؟
هتف بضيق شديد لمع في عينيه قبل حديثه:
أنا عارف إن مفيش أي حاجة هقولها هيبقى ليها معنى عندك... و خصوصا بعد اللي قولته لشهد.
ضحكت باستهزاء وهي تكرر خلفه:
شهد!... هو أنا أعرف أنت قولت إيه لشهد أصلا؟...
كل اللي عرفته إنك اتهمتها بخطف ابنك، تعملها مع بنتي أنا يا " طاهر" ؟... جيت طلبتها ليه لما أنت ممكن تشك فيها؟
عتابها يمزقه وخاصة قولها المستنكر:
رد عليا... كنت هتبني بيت ازاي مع واحدة مش واثق فيها، واحدة مع أول مطب خونتها... هي دي الأمانة؟
نظر في عينيها كصغير يستمع لتقريع والدته وهي لا تكف بل زادت بسؤالها:
هي دي شهد اللي جيتلي وقعدت تتحايل علشان أوافق على جوازكم؟... كان قدامي مية سبب علشان ارفض، أقل حاجة كنت هقولك لا، بنتي تحط نفسها ليه في مسؤولية واحد كان متجوز ومعاه عيل، كنت هقول لا علشان شغلك اللي بتغيب فيه قد كده، علشان حاجات كتير أوي... بس قولت خلاص يا بت، متوقفيش المراكب السايرة هو بيحبها وهي بتحبه، طاهر راجل وشاريها وقالي هيحطها في عينه
ازداد الغضب في عينيها وهي تقول:
مكنتش أعرف إن اللي شاريها ده هو نفسه اللي هيبيعها.
طلب منها برجاء وقد ظهر الألم في نبرته إثر ما قالت، وإثر لومه المستمر لنفسه:
ممكن تسمعيني؟
_ اسمع ايه؟، أنا من ساعة اللي حصل وأنا مبقتش عارفة شهد، رجعت تاني تعمل اللي عايزاه من ورايا... رجعت حاطه ايدي على قلبي تاني وخايفة عليها وأنا مش عارفة هي بتعمل ايه ومخبية ايه، بقت واحدة قديمة كنت علطول بتخانق معاها، ده أنا كنت بقول هديت وحالها اتصلح... بسببك برضو رجعت أخاف تاني يا "طاهر".
هتف بإصرار ردا على حديثها وعلى الرغم من وجعه:
طالما مش عايزة تسمعيني، أنا هقولك حاجة واحدة بس، أنا مش هسيب " شهد" مهما حصل، وطول ما أنا عايش شهد هتكون كويسة وبخير، متخافيش عليها
أكمل بعينين بان فيهما حبه الممزوج بألمه:
أنا مش هسيبها، مش معنى كده إني هبقى في حياتكم بالغصب، كل اللي عايز أقوله إني مش هسيبها لنفسها تأذيها، ارجعي اطمني على بنتك تاني...
مسحت هادية على وجهها بتعب وقد داهمها الحزن بسبب ما وصلا له، أزالت يدها لتجده في طريقه للمغادرة ولكنه قال:
أنا مكنتش عايز أجيب يزيد هنا، بس بابا وعده وهو شبط، واضطريت...
قاطعته مسرعة:
يزيد ملهوش دعوة بحاجة، يزيد كان بيجي هنا من قبل ما أنت وشهد تبقوا مع بعض أصلا، سيبه وأنا لو عاز يروح هروحه.
هز رأسه موافقا وغادر، فنظرت في أثره بحزن كبير، على حاله أيضا، ليس على حال ابنتها فقط، كان غضبها منه بركان ولكن بعد رؤية حالته انخفض غضبها للنصف، وأصابها الحزن عليه، ولكن في النهاية يبقى بالنسبة لها المتسبب في انهيار ابنتها، ولن تحزن عليه كحزنها على ابنتها أبدا.
ترك المحل وخرج، كان يسير شاردا ولكنه فاق حين لاحظها تقف في المنطقة المجاورة للمحل تبحث عن شيء ما في الأرضية، كانت تبحث باهتمام شديد وهتفت بتذمر:
راحت فين بس؟
دخل خلفها لم تنتبه إلا حين سأل:
بتدوري على ايه يا شهد؟
انتفضت واستدارت له وما إن رأته حتى ظهر الغضب على وجهها وهي تسأله:
وأنت مالك أنت... وجاي هنا ليه؟
ضحك وهو يخرج إحدى الرابطات القماشية الخاصة بخصلاتها من جيبه سائلا:
بتدوري على دي؟
كشفتها عيناها، عيناها التي احتضنت الرابطة وهو يتابع:
امبارح لما شوفتك في المكان اللي كنا متعودين نقعد فيه وطلعتي تجري، مشيت وراكِ وشوفتك وأنتِ بترميها... هو أنتِ مش بالمناسبة رجعتيلي كل حاجه تخصني علشان متفتكرينيش تاني؟... مرجعتيهاش ليه؟
طالعته بحدة ثم أجابت بقسوة:
نسيت، ولما افتكرت رمتها، علشان ملهاش غير انها تترمي.
تكذب وهو يعلم لذلك ضحك وهو يسأل:
وراجعة تدوري عليها ليه؟
_ مش بدور عليها.
هتفت بكبرياء ثم أضافت:
نسخة مفاتيحي ضاعت وبدور عليها.
اقترب منها فجحظت عيناها، وهي تتابع بذهول ما يحدث، وقف أمامها يقول بنبرة أثرت فيها:
متعودتش انك جبانة، متعودتش إنك بتخافي تقولي الحقيقة، خليكِ شجاعة واعترفي إنك كنتي بتدوري عليها.
ابتعدت عنه ولم ترد بل هربت بعينيها منه، و ابتسم هو ملقيا على مسامعها:
احنا مش روبوت علشان أصدقك، إنك نمتي وصحيتي مبقتيش تحبيني، عموما أنا مش عايز أسمع إجابة.
هنا رفعت عينيها تنظر له بتخبط، خاصة وهو يضع الرابطة على كتفها قائلا:
وهعتبر انك مكنتيش بتدوري عليها فعلا، بس خليها يمكن أوحشك.
ابتلعت غصة مريرة في حلقها، ابتلعت مرارة أنها تفتقده وليس هناك مجال للاحتمالات بل هي بالفعل تفتقده، وهذا أكثر ما تبغضه.... نظرت له بألم كبير بادله بمثله وهو يقول:
يزيد عند مامتك في المحل، اتصل بيكِ كتير ومردتيش.. أكمل ضاحكا بمرارة:
كنت عايز أقوله كويس إنها معملتلكش Block زيي.
تنهدت وهي تنظر للجهة الاخرى فأكمل مؤنبا:
اللي غلط فيكِ واللي وجعك أنا مش هو، ياريت ميبقاش الجنب اللي خدتيه مننا احنا الاتنين، علشان هو مش فاهم أي حاجة، وميستحقش منك ده.
نظرت له تقول بضجر:
مش أنت اللي هتقولي ابقى كويسة معاه ازاي، ومتخافش مش أنا اللي هشيل عيل صغير شيلة أبوه اللي عملها، ولا أنا ببرر ايه أصلا إذا كنت عندك بخطف عيل كمان.
قلدته قائلة:
طلعتي وحشة أوي يا "شهد"... سيب بقى الوحشة لسكتها وخلي كل واحد في طريقه، ويزيد برا كلامنا ده، أنا وهو زي ما احنا.
ضحك وتحرك مفسحا لها الطريق وأشار عليه:
شوفي سكتك أنا مش مانعك.
أثار غيظها فاشتعلت نظراتها خاصة وهو يتابع مشيرا على خصلاتها:
مش حلو خالص، كان بيبقى أحلى الأول وأنتِ رابطاه.
رفعت حاجبها بغيظ، وهو يرحل ضاحكا بخبث، جذبت هي أحد الأحجار الصغيرة من على الأرضية وألقته عليه من الخلف فأصاب ظهره، صدمته مباغتتها وتأوه فمرت هي جواره تقول بضحكة متشفية:
معلش، أنا قولت بدل ملكش دعوة علشان قولتهالك كتير... بنوعلك.
أنهت جملتها وتركته وغادرت وقد قبضت على رابطة الشعر بكفها بحرص، الآن عادت لها من جديد، حتى إذا شقت طريق نسيانه ولكنه ليس بسهولة، كان هو في الخلف يرى حركة يدها التلقائية فهتف عاليا:
لا مش مكبشة عليها كويس، كبشي أكتر.
تأففت بانزعاج وقد نجح في إشعال غيظها، فتابعت رحيلها متجاهلة ما قال بأعصاب قد احترقت، أما هو فبقى يضحك في الخلف.... يضحك وهو يشق أولى خطواته في محاولة إصلاح ما أفسده.
★***★***★***★***★***★***★***★
أحضرها " نصران" للغرفة، أصبحت شريكة لهم في جلستهم، لا ينسى نصران أبدا حين أتت تصارحه بحقيقة مرض ابنه وسألها عن سبب وصوله لحالة كهذه فكان جوابها:
الدكتور قالي بتبقى حاجات وراثية، ممكن ظروف طفولته، إنه اتعرض لتربية في بيت مكانش هادي بالشكل الكافي، عيسى كان دايما عنده مشكلة مع كارم، و كارم بطبعه عنيف وعصبي... معرفش إذا كان كارم سبب ولا لا، بس أكبر دليل إنه لا، إن عيسى وسطكم دلوقتي وبعيد عنه وحالته بتسوء أكتر.
فاق "نصران" من شروده ليرى ابنه الجالس على الأريكة يسند كفه على وجنته بملل، و "كارم" المترقب، و"ميرڤت" التي أتت للتو واختارت المقعد المقابل لمكتب "نصران".
بدأ " عيسى" الحديث أولا:
"ميرڤت" مش هتمشي، لما تبقى تخف تبقى ترجع،
لكن هي لسه تعبانة.
يضعها دائما في ضغط، ضغط الاختيار، ضغط أن ترفض ما يقوله، طالعها "عيسى" في انتظار ردها وخاصة ووالده يسأل:
إيه رأيك في الكلام ده يا ست "ميرڤت"؟
استدارت لعيسى وتحدثت برفق:
عيسى حبيبي كفاية كده، أنا بيتي وحشني،
ومش متعودة على هنا.
لمحت نظرة التشفي في عيون " كارم" فتابعت بما وأد هذه النظرة:
لكن لو عيسى عايزني أقعد تاني هقعد.
_ هو أنت بتشتغل ولا لسه عاطل؟
كان هذا سؤال "عيسى" لزوج خالته، السؤال الذي أصاب "كارم" ببوادر فقدان صبره، عن أي شيء يسأل...هو يعلم أنه لم يعد يجد أي فرصة للعمل ويسعى لإبعاده عن أي عمل حتى يظل مشرد هكذا...
أخذ "كارم" قرار الرد أخيرا وقال:
لا لسه.
سأله "عيسى" مستهزئا:
وهتبقى تنزل تشحت وتصرف عليها؟، ولا هتاخد فلوس علاجها تصرفها على اللعب والبارات؟
يبدو أن هناك الكثير مما لا يعرفه، هكذا قال نصران لنفسه... وهو يسمع رد "كارم" المنفعل:
يعني ايه الكلام ده، ما أنت عارف إني بدور ومش لاقي.
مط "عيسى" شفتيه قائلا بنبرة مستفزة:
مليش دعوة، اشتغل أي حاجة، الشغل مش عيب...
لكن طول ما مبتشتغلش ملكش مكان لا هنا، ولا في شقتكم اللي في القاهرة.
أبدى "كارم" اعتراض شديد رد عليه "عيسى":
ماهو أنت مش هتعيش على قفايا، خالتي ليها عيني، لكن أنت مش من باقي أهلي علشان أصرف عليك.
نطق " كارم" بما جعل "ميرڤت" تشعر بالإهانة:
أنا مكنتش باخد منك فلوس، اللي بتاخد خالتك، إلا إذا كنت بتعايرها باللي بتديهولها.
انتقلت "ميرڤت" بنظراتها إلى "عيسى"، هو لم يقصد هذا تماما لذلك أسرع مدافعا:
امال أنت عايش بفلوس مين وأنت مبتشتغلش؟
عايش على الطاقة الشمسية ولا إيه؟
أردفت " ميرڤت" بضيق شديد:
خلاص يا "عيسى" لو سمحت، كفاية كلام في الموضوع ده.
رد "عيسى" عليها بضجر:
هو ايه اللي كفاية، أنتِ تعبتي كده بسبب ايه؟،
مش بسبب الإهمال؟، مش بسبب إن فلوس علاجك اتصرفت على الرقاصات ولعب الترابيزة؟
قال أخر ما لديه موجها حديثه لكارم:
علشان نبقى جبنا ناهيتها، في شغل ابقى تعالى اتكلم ونشوف هتمشي معاك ولا لا... مفيش شغل متهوبش ناحية الشقة.
_ عاجبك كده يا حاج "نصران"؟
كان هذا سؤال "كارم" وقد انفجرت طاقة غضبه المكبوتة ولكن رد نصران لم يخفف من ثورانها أبدا حيث قال:
مش شايف حاجة غلط في الكلام، الحال المايل مبيعجبش حد، اعدل المايل وساعتها يبقى في كلام تاني.
سأل "كارم" زوجته بانفعال:
يعني مش هترجعي؟
قبل أن ترد قال عيسى بدلا عنها:
لا مش هترجع، والمرة دي مش قرارها.
لمح "عيسى" الرفض لما يحدث في عينيها، ولكنه لم يأبه به، وصل غضب "كارم" للذروة، غضب أعماه عن استخدام أساليبه لاستمالتها وجعلها تعود بإرادتها... لقد عايره بالحالة التي أصبح عليها، وقد كان ذات يوم صاحب أموال كثيرة ولكنها ذهبت هباء.
غادر ولكن ليست مغادرة عادية بل إعصار وقبل أن تناديه "ميرڤت" طالعها "عيسى" بانزعاج امتزج بحزنه من تصرفاتها، خاصة ووالده يقول:
متصغريش ابن اختك يا ست "ميرڤت"... ميبقاش هو مشاه، و أنتِ تندهيله.
_ أنا تعبانة وطالعه الأوضة.
قالت هذا وتركت غرفة المكتب، حين مرت جوار عيسى أثناء مغادرتها طالعها معاتبا، أراد " نصران" إخراجه من الحالة هذه فقال بعد أن غادرت:
صحيح يا "عيسى"، أنا فكرت في الموضوع اللي قولتلي عليه... موضوع العربيات بتاعك.
انتبه له وأعطاه كامل إنصاته فأردف " نصران":
أنا موافق... بس ليا شرط.
وافق على الفور ناطقا:
اشرط براحتك طبعا.
_ خد عز شغله معاك... عز دماغه حلوة في العربيات وعارف في الميكانيكا.
كان هذا شرطه، فرفع عيسى كتفيه قائلا:
أنا معنديش مشكلة، بس اشمعنا يعني؟
ابتسم له والده مردفا:
اعمل بس اللي بقولك عليه، ومتسألش كتير.
لم يرضه الرد حيث أن جعبته بها الكثير من الأسئلة الأخرى كسؤال:
هو اشمعنا المرة دي عملت كده مع "كارم"؟
اتصال جديد من " بشير" جعل "عيسى" يقول:
أنا لازم أروح القاهرة دلوقتي علشان في شغل مستعجل... بس احنا لينا كلام كتير مع بعض.
هز نصران رأسه برضا وقد أوصله للنقطة التي أرادها... أن يطلب الجلوس والتحدث، يعلم أنه سيأتي لذلك تركه وبالفعل رحل "عيسى" وفي طريقه إلى الخارج قابل "حسن" الذي سأله بضيق:
هو البيت ماله، محدش طايق التاني ليه؟.... ماما قايمة على الكل، و ميرڤت طالعة على اخرها، وطاهر ويزيد مش لاقيهم، واختك طلعت اتقلبت زي الجردل تاني، وأنت كمان شكلك خارج.
_ بقولك ايه يا "حسن" أنا عايز اسألك على حاجة صحيح، كان في شنطة سيبتها هنا امبارح لما رجعت، ومش لاقيها... مشوفتهاش؟
هتف ببراءة مصطنعة:
شنطة ايه دي بس؟
نظر "عيسى" في ساعته ثم قال لشقيقه:
طب بقولك ايه دورلي عليها لحد ما ارجع، ولو لقيتها اديها لرفيدة، قولها عيسى جايبلك دول.
_ عينيا.
قالها بضحكة ماكرة جهلها "عيسى" حيث لم يعلم ما حاكه شقيقه.
★***★***★***★***★***★***★***★
يجلسا معا أمام المنزل، في إحدى الزوايا المطلة على المساحة الخضراء، نعما بمنطقة ابتعدت عنها أشعة الشمس الشديدة وجلسا على مقعديهما وقد توسطتهما طاولة... هتفت "بيريهان" بحزن على حالة ابنة عمها:
طب أنتِ مش عايزة تحكيلي خناقتك مع جابر، ممكن اعرف هو أنتِ زعلانة من الخناقة دي ولا زعلانة من موقف "عيسى"؟
نظرت لها " ندى" بحزن فقالت "بيريهان":
متزعليش يا " ندى" ، هو فعلا كان قليل الذوق، بس أنتِ اديتيله فرصة، كنتِ المفروض تقوليله أنا بنت عمها ومن حقي اسأل.
أغمضت "ندى" عينيها بألم، وتنهدت بحرارة ناطقة بوجع:
أنا مش زعلانة إنه أحرجني... قد ما أنا زعلانة إن الكلام ده طالع منه هو، من "عيسى" اللي كان في يوم بيديني كل حاجة، أنا في نار ماسكة فيا من يوم ما شوفتهم هناك،
أكملت بدموع:
مسكته لايدها، نظراته ليها، ده مكانش راضي يقعد وكان واقف وراها زي ضلها، حتى الكلام اللي قالهولي كان علشانها... للدرجة دي هي قدرت تعمل فيه كده؟، دي مش سهلة خالص... اللي تلعب بكل دول متبقاش سهلة أبدا... اليوم ده بس ولأول مرة أحس إن "عيسى" بيحب حد أكتر ما كان بيحبني وأنا معاه... بس تفتكري هي بتحبه؟،
انهارت وهي تضيف:
أنا الأحق بيه يا "بيريهان"، محدش حبه قدي، أنا اللي حياتي لحد دلوقتي واقفة عليه...
نظرت " بيريهان" حولها بخوف حشية أن يسمعها أحد وشرعت تردعها معنفة:
بس يا "ندى" اسكتي.
وكأن هذا التعنيف حمس انهيارها كليا فصاحت بألم و دموعها في سباق، انهيار تام حل بها و"بيريهان" تسمعها:
أسكت ليه يا "بيريهان"؟... أسكت ليه؟
أنا بموت ومحدش حاسس بيا، أنا مش حمل كل ده... أنا عايزة حياتي تقف عند الوقت اللي كنت معاه فيه،
أنا مش قادرة أكمل هنا.
حاولت " بيريهان" تهدئتها، فقربت مقعدها من الخاص بابنة عمها واحتضنتها مرددة بلوم وقد أصابها الحزن على حالتها:
خلاص متكمليش، ليه مكملة غصب عنك،
اطلقي منه، و ابتدي حياة جديدة، وبكرا عيسى يعرف إنه مضحوك عليه وجايز يرجع، وحتى لو مرجعش حياتك مش هتقف يا "ندى".
_ مش هينفع أسيب " جابر" .
قالتها "ندى" بقهر وهي تبتعد عن أحضان ابنة عمها، متابعة بمزيد من الشقاء:
مش هينفع علشان عمامي الاتنين اللي منهم والدك اتخلوا عن بابا ورفضوا يسلفوه لما خسر، والنتيجة إنه لجأ لعمو منصور وماضي على نفسه مبالغ كبيرة... جابر مساومني يا "بيري"، يا اعيش خدامة في البيت ده، يا هيطلقني ويسجن أبويا.
جمدت الصدمة ابنة عمها فأضافت " ندى" سائلة بقهر:
مسألتيش نفسك بابا ازاي رجعني تاني هنا بعد العلقة الأولى، بعد ما كنت هموت تحت إيد "جابر"؟... مخدتيش بالك من موقفه السلبي بقاله شوية، بقى عاجز يا حبيبي مش قادر يعملي حاجة وهو عارف إن صباعه تحت ضرسهم، وأنا للأسف مش قادرة أواجهه باللي عرفته...
مسحت عبراتها وعادت الحديث:
مش هستحمل أشوف نظرة الانكسار في عينه،
مش هستحمل ابيعه واتطلق ويتحبس هو.... كل أملي إنه يقدر يعوض خسارته ويسدد الفلوس دي...
قاطعتها " بيريهان" مسرعة بلهفة:
لا طبعا مش ممكن عمو يتحبس، أنا هتكلم مع بابا وعمو سليمان إنهم يسلفوه اللي يقدر يسد بيه اللي ماضيه، وحتى لو معرفتش أنا محوشة فلوس هنحاول أنا وأنتِ ندبر المبلغ
لم تنتظر "ندى" بقية الحديث، كانت في حالة سيئة للغاية، حالة جعلتها تقول بمرارة وهي تنظر للأرضية:
كل أملي الزمن يرجع بيا تاني علشان اختار صح....
حياتي اللي أنا بنيتها مع أول واحد ظهر قدامي شكله حلو ومستواه الاجتماعي زيي و مفكرتش دقيقة أعرف الشخص اللي هتجوزه ده طباعه عاملة ازاي... حياتي اللي بنيتها علشان أغيظ "عيسى" و أوريه إني عديته وبتجوز واحد يستاهلني، نفسي أرجعلها تاني علشان أصلحها...
احتضنت "بيريهان" وهي تقول أخر كلماتها بوجع:
نفسي الحقها علشان خلاص بتتهد على دماغي...
ونفسي أبقى معاه تاني.
تبع هذا تنهيدة حارقة وكأنها سحبت من روحها، بكت "بيريهان" هي الأخرى على حالتها وأخذت تربت على ظهرها برفق، تناست تماما أمر فستان خطبتها الذي قررت أن تبدأ في التفكير فيه من اليوم وما شغلها هو هذا الوجع الكبير الذي فتك بابنة عمها.
★***★***★***★***★***★***★
على مشارف الوصول للقاهرة، على الرغم من بوادر فصل الخريف إلا إنها شعرت بارتفاع درجة الحرارة وعلقت على ذلك وهي تجاوره في السيارة:
الجو حر النهاردة.
_ خلاص الصيف بيخلص اهو.
قال هذا تعليقا على جملتها، عادت هي تنظر للهاتف بيدها من جديد حيث كان رفيقها طوال الطريق... فألقى "عيسى" نظرة جانبية ثم سألها:
أنتِ عملتي أكونت جديد؟
شعرت بالارتباك ولكنها في النهاية هزت رأسها بإيجاب فألقى سؤال أخر على مسامعها:
و معملتيش Add ليه هو أنا بعضك؟
لم تستطع منع ضحكتها، فهتفت بصراحة:
لا مبتعضش، بس أنا...
حسمت قرارها وقالت:
كنت مستنياك تبعت أنت بصراحة، قولت أكيد هيدور ويعرف ويبعت.
ضحك بغير تصديق، ورد على ما قالت بتذكر:
في واحد قالي مرة، محدش هيفهم الستات أبدا...
حتى لو خلد في الأرض... عرفت دلوقتي إنه عنده حق.
شعرت بالحرج الشديد، وبالفعل هربت لهاتفها مرة ثانية، حتى وصلا أمام معرض سياراته الخاص... نزل أولا ثم فتح لها باب السيارة، لم يعلق على ردائها هذه المرة، فحمدت ربها ولكن أثناء دخولهم قال لها:
حلو الزيتي.
لحظات حتى أدركت أنه يقصد ردائها التي اختارته بقماشة خفيفة مناسبة للأجواء، هو بالفعل من نفس اللون الذي يتحدث عنه...كانت سترد عليه ولكنه أكمل ضاحكا وهو يغمز لها:
بس الأحمر أحلى.
ماذا يحدث، هل كلماته تسرق أنفاسها أم هي تتوهم؟... سريعا ما تكرر في أذنها إطراءه على ردائها الأحمر قبل ذلك، وسمعته من جديد يقول وهو يشير على رباط الرداء القماشي:
وربطة الحزام بتاعتي أحلى برضو.
ابتسمت، وحمدت ربها أنهم وصلا إلى غرفة مكتبه حيث يُوجد "بشير"، ما إن دخلا حتى هلل " بشير" بغيظ:
ده ايه النور ده، الباشا كده حته واحدة، لا ومشرف عندنا كمان، وجاي يشوف شغلنا اللي سايبني ألبسه لوحدي.
_ متوجعش دماغي بقى.
هتف "عيسى" بهذا وهو يتجه للبراد لجلب زجاجة من مشروبه المفضل، ولكنه سمع صرخة "ملك" من الخلف:
عيسى ايه ده.
استدار لها مسرعا فعرف سبب صرختها، إنه الكلب، الذي دخل للتو مع أحد العمال بعد أن دق الباب، أسرعت "ملك" تختبئ خلف "عيسى"، ولكنها وجدت الكلب يهرول ناحيته ويرتفع لأعلى ويعلو صوته وكأنه يرحب به، بدأ " بشير" في إبعاده بسبب خوفها، ولكنه أبى فلقد اشتاق لصاحبه الثاني كثيرا.... تشبثت هي أكثر بقميص "عيسى" من الخلف ونطقت بذعر:
عيسى مشيه الله يخليك.
سكنت حين سمعت صوت "عيسى" يقول مطمئنا:
متخافيش يا "ملك" مش هيعملك حاجة... أخذ يمسح عليه حتى سكن تماما، وحينها جذبها، لتصبح جواره بدلا من خلفه وزاد من طمأنينتها بقوله المازح:
ده مش من فصيلة "شاكر"، ده أليف.
ضحك " بشير" على قول صاحبه، وبدأ "عيسى" في تعريفها به وهو يطلب منه بهدوء وكأنه شخص ماثل أمامه:
بص دي "ملك".
ابتعدت خوفا ولكنه بدا مسالم تماما فاقتربت من جديد بحذر ومسحت بالفعل على رأسه كما فعل
" عيسى" مما جعل "بشير" يقول بابتسامة:
كده أنتوا خلاص اتصاحبتوا.
ضحكت، وشعرت أن هناك ما يريدا التحدث فيه فسألت:
هو أنا ممكن أنزل اتفرج على المكان صح؟
_ انزلي يا "ملك"، مش محتاجة إذن،
قال " عيسى" هذا وتابع هامسا جوار أذنها:
المكان وصاحب المكان كمان، وخصوصا صاحب المكان معندوش مانع إنك تتفرجي عليه للصبح.
ابتسم "بشير" وهو يرى أفعال صديقه واتجه ناحية سخان المياه لصنع شيء يحتسيه، حمدت "ملك" ربها أنه ابتعد، حتى لا يرى حرجها الظاهر جليا والذي فرت منه بقولها للواقف أمامها:
أنت بقيت غريب، وأنا هبتدي اعتزلك.
_ تعتزليني؟... يهون عليكِ؟
قالها متصنعا البراءة فهربت منه متجهة إلى الخارج وهي تقول:
أنا نازلة اتفرج على المعرض يا "عيسى".
علا صوته وهو يقول ضاحكا:
بتضحكي ها.
بالفعل كانت مبتسمة لذلك أغلقت الباب مسرعة، وحينها قال صديقه:
عندي بقى حتة خبر، هنحط بيه على باسم حاطة نجيبه الأرض بعد الراجل اللي خده ومش هنعرف نمضي معاه.
هذا الحديث جعله في كامل انتباهه ليعرف الجديد في عمله، وخاصة الشيء الذي جعل صديقه يتحمس إلى هذه الدرجة.
★***★***★***★***★***★***★
جلس " باسم" يحتسي قهوته في منزل "صاوي" وبادر بالسؤال عن "قسمت":
امال فين " كيمي"؟
هتف "صاوي" بانزعاج:
نايمة فوق في أوضتها، المشروع اللي صرفت عليه قد كده علشان بس ترجع تاني تمارس حياتها، عملته وسايبة غيرها يديره، وهي قاعدة في أوضتها مبتخرجش ولا بتعتبه.
_ معلش... اتكلم معاها بس، طالما كان فكرتها، يبقى هتكمل متقلقش.
كان "باسم" يحاول إخماد ثورته ولكنه اصطدم بقول "صاوي":
بقولك ايه يا " باسم" ... متعرفش أخبار "عيسى" ومراته ايه؟
هتف "باسم" بنفاذ صبر:
أنا كتر سؤالك عنهم بيقلقني، وأنا مش عايز ادخل في حاجة مليش فيها وخصوصا مع "عيسى"، مش عارف أنت بترتب لإيه، ومش عايز اعرف، اعمل اللي هيريحك حتى لو هتولع فيه المهم إن أنا أكون بعيد عن أي صورة.
ضحك " صاوي" وهو يسأله:
شكلك شايل منه أوي.
لم يرد "باسم" بل أكمل احتساء قهوته وكل منهما يفكر بالشيء نفسه ألا وهو ماذا يدور بذهن الأخر.
★***★***★***★***★***★***★
بقت في المكتب بمفردها، أخبرها أنه سيذهب لقضاء شيء ما، وسيعود مسرعا، وتركها "بشير" لتكن بحريتها، حل الليل سريعا، لا تعلم لماذا ولكنها كانت تشعر بالكآبة هذه الليلة، النسمات الباردة في الليل خاصة، ومقدمات فصل الشتاء تذكرها بليلة كانت الأسوء على الإطلاق.... وقفت تنظر من النافذة الصغيرة المطلة على الطريق، تتأمل المارة... تنهدت بثقل، وعادت لهاتفها من جديد تتفحصه وهي مكانها، لاحظت أن أحدهم يريد مراسلتها، لم يكن من الأصدقاء، الحساب يحمل اسم مستعار، الشيء الوحيد الذي طمأنها أنها حظرت "شاكر" منذ أول لحظة أنشأت فيها حسابها الجديد، لذا فتحت الرسائل، كانت طمأنينتها واهية فلقد أمامها رسالة مكتوب بها:
مساء الخير يا ملوك.
شعرت بالتوجس، حتى الرد خشت أن ترده، ولكن المرسل أكمل:
اخر شهر ١١ قرب.
هنا تيقنت من أنه هو، أصابتها حالة من الذعر، هل يذكرها بالتوقيت الذي قتل فيه روحها أمامها، بدأت الأنفاس في الانسحاب تدريجيا، وكأنها أمطار ونزلت من عينيها وهي تقرأ الباقي محاولة سحب أنفاسها بصعوبة:
أوعدك إنك هتودعي حبيب القلب التاني في يوم زي ده، مش لازم السنة دي، بس عايزك تعرفي إن اليوم ده جاي سواء السنة دي أو الجاية حتى هو جاي.
علا صوت شهقاتها، تحاول سحب الأنفاس المسلوبة وقد تملك الخوف منها كليا خاصة مع اخر ما وصلها:
كان متحمس أوي الله يرحمه وهو بيقول ملك مش هتروح مع حد غيري، اهو راح لوحده وبقى الله يرحمه.
_ يا حقير.
أخذت تكرر هذه الكلمة حتى قالتها عالية بصراخ:
يا حقير.
وضعت يديها على جانبي رأسها وأغمضت عينيها بالإجبار، تحاول نسيان المشهد، ولكنه نجح في إحياءه بكلماته.
كانت ترتعد، داهمتها برودة شديدة، وجلست على الأرضية منكمشة على نفسها، تبكي بانهيار وهي
ما زالت تضع يديها على جانبي رأسها وكأن التفكير سيتوقف.
فتح "بشير" الباب فلقد سمع صراخها من الأسفل، صدمته حالتها وأسرع ناحيتها بقلق:
مالك... ايه اللي حصل؟
لم ترد عليه، بقت على حالتها وثوان وعاد من أرادت رؤيته، تسمر على الباب وهو يراها هكذا، ثم هرع ناحيتها ما إن فاق يسألها بلهفة:
في ايه يا "ملك"؟
تشبثت به بكل ما امتلكت من قوة، ارتمت في أحضانه، وشعر بارتعاشها الذي لا يتوقف، اهتزاز كل إنش في جسدها وكأنه يعترض، ولا يوجد في ذهنها إلا تهديده بأنها ستخسره هو الأخر...ضمها " عيسى" ولم يفلتها وجذب "بشير" هاتفها وقد وجده مفتوح وملقى على الأرضية.... برزت عروقه وهو يقرأ ما تم ارساله لها، واشتعل غضبه.... أما عنها فلم تسمح لعيسى بالابتعاد أبدا، وكأنه سيضيع منها... سيضيع للأبد لذلك همست لما وصل لأذنيه:
اوعى تسيبني... اوعى تعمل فيا كده أنت كمان.
جملتها الأخيرة نبعت عن وجع دمرها:
أنت الأمان الوحيد ليا يا "عيسى".
تخبره أنه أمانها، تصريحها مسؤولية إضافية، وكأنها تقرأ ما بداخله، وكأنها عرفت أن لا يهمه شيء سوى أن تبقى آمنة.
★***★***★***★***★***★***★
ساعات تمر وتسحب الكثير منا، تسحب بنفس القدر الذي تعطينا به وربما أكثر... كذلك مر الكثير من الساعات حتى شعر " طاهر" وهو في غرفته بأعيرة نارية يتم إطلاقها في الخارج، لم يكن الصوت قريب جدا ولكنه ليس ببعيد، وكأنه على البوابة الخارجية، فلم تفده النافذة بشيء، سحب سلاحه مسرعا، وكذلك تبعه "حسن" الذي قابله على الدرج وسط الهرج الذي عم المنزل بعد ما سمعوه، سقط قلب "ميرڤت" التي خرجت من غرفتها تهتف بخوف:
هو عيسى فين... في حد بيضرب نار برا.
لم تقل حالة "سهام" سوء عنها، فلقد شعرت بالخطر يحلق.... خرج "نصران" من مكتبه وبيده سلاحه، وأمامه أولاده، وقد صرخت "سهام" معترضة على خروجهم... ولكن "حسن" ردعهم من ملاحقتهم بقوله:
اياك حد يخرج ورانا.
أغلق الباب ووصل هو وشقيقه ووالده إلى بوابة المنزل الخارجية، وجدوا الحارسين مكانهم، ولكن أمامهم أربع رجال لكل منهم بنية متماسكة ضخمة... ووقف في منتصفهم رجل في نفس عمر نصران تقريبا، يرتدي حلة سوداء تجعلك تشعر أن خرج من مقابلة رسمية للتو... الأهم أن بيد كل منهم سلاح فعرفوا مصدر الأعيرة النارية.... هتف الرجل الذي أتى بصحبة من استأجرهم:
أنا قولت أرحب بيك على طريقتكوا، مش أنتوا بترحبوا بضرب النار برضو؟
وقف "طاهر" وشقيقه كحاجز منيع أمام والدهم، وانتبه الجميع للسيارة التي توقفت ونزل منها "عيسى" مسرعا وهو يرى ما يحدث لينضم إلى "طاهر" و "حسن" وهو يقول بغضب:
بتعمل ايه يا "صاوي" هنا؟
وقفوا ثلاثتهم أمامه وخلفهم والدهم، مما جعل "صاوي" يقول ضاحكا:
لا ربيت... رجالة صحيح.
كان يقترب فدفعه "طاهر" بكفه:
ابعد بس كده.
وهنا تحدث "حسن" للواقف أمامهم:
احنا مبنرحبش بضرب نار، أصل دي نمر رخيصة مش بتاعتنا
أكمل ساخرا:
ولا مؤاخذة النمرة اللي أنت عملتها دي قلت منك أوي.
أكمل "عيسى" بنظرات متحدية:
وبما إنهم بيقولوا إنك قليت من نفسك، فمش هعتبرك ضيف... أنا...
انتظر "صاوي" باقي حديثه، فأخبره "عيسى" غامزا:
هقل منك مره كمان.
وهنا فقط نطق "نصران" بابتسامة متشفية:
أهلا يا "صاوي".
أولاده الثلاثة أمامه، وهو في الخلف و أمامهم هؤلاء الشيء الوحيد المتبادل في هذا التجمع الذي يحدث تحت أستار الليل هو نظرات التحدي، والكراهية، الإصرار على الظفر... الظفر فقط.