رواية وريث آل نصران الجزء الثاني الفصل السابع والستون 67 بقلم فاطمه عبد المنعم



 رواية وريث آل نصران الجزء الثاني الفصل السابع والستون 67 بقلم فاطمه عبد المنعم



الفصل السابع والستون (ملحمة نارية) 

رواية_وريث_آل_نصران 

بسم الله الرحمن الرحيم 


ألم أكررها عليكِ؟ 

ألم أخبرك أن القلوب إذا صفت رأت؟ 

وكذلك قلبي الذي لم يجد سكينته إلا في كنفك... 

كذلك قلبي الذي حفظها لكِ وبخل بها على سواكِ.. حفظ كلمات العشق ويوم أن صفا ...

كانت رؤيته أنتِ.


هناك اعترافات تصيبنا بالعجز، كذلك كانت حالتها تماما حين سمعت تصريحه بالحب... كان يحتضنها وهو يقولها، ثلاثة كلمات كانت كافية لتغيير حالها كليا... ظل صدى الكلمات يتردد في أذنها، تستمع من جديد إلى قوله:

أنا بحبك يا "ملك".


ما إن أدركت ما قاله حتى ابتعدت مسرعة، من يرى ابتعادها يقسم أنه تم صعقها بالكهرباء... طالعته بغير تصديق والدموع في عينيها، تصريح الحب هذا تسمعه للمرة الثانية في حياتها، تسمعه من شخص يشبه في ملامحه اخر تعلقت به روحها، ولكنها تستطيع معرفة الفرق جيدا... تستطيع الإحساس بالمتحدث أمامها، كانت على وشك أن تخبره أن مشاعرهما متبادلة، أنها تشعر بما يشعر به، ولكن ردها كان:

أنا تايهة ومش عارفة أقول إيه. 


يدرك موقفها جيدا، يدرك الضجة التي أحدثها بكلماته داخلها الآن، لذلك قال ما طمأنها:

مش محتاجة تقولي حاجه يا " ملك"، 

رفع كفه يمسح دموعها التي تتابعت على وجنتيها وهو يكمل:

ومش مستاهلة الدموع دي كمان.

أعطاها ابتسامة وتبعها بقوله:

لحد ما ترسي على بر، وتحسي إنك مش تايهة، 

اعتبري إني مقولتش حاجه. 


انكمش حاجبيها بحزن وهي تراه يخرج من الدكان عائدا إلى دراجته البخارية، تصريحه أربكها، جعلها تفقد صوابها... لم تخرج خلفه لتودعه ككل مرة، بقت في الداخل وتحركت ناحية النافذة الصغيرة في الجانب تراقبه من الفراغات المتواجدة بها و دموعها في سباق، أما عنه فركب دراجته والتفت ناحية النافذة، وكأنه يعلم أنها خلفها، ارتبكت فأخذت تبتعد عنها، بينما في اللحظة نفسها مسح هو عينيه وقاد دراجته عائدا إلى مكان يريد الذهاب إليه الآن وبشدة. 


★***★***★***★***★***★***★***★


جلس "طاهر" جوار قبر "فريد"، بشرت النسمات الباردة في هذه الأمسية بقرب انتهاء الصيف، لكنه لم يكن فرحا كعادته في هذا التوقيت بل رافقه الحزن والاكتئاب... استرجع أحداث اليوم بضيق بداية من الصفعة التي تلقاها من " شهد" حتى ذهابه إلى "فريدة".... شرد في هذا اللقاء، حين ذهب إلى منزلها، نسى تريثه وتعقله وقرر الذهاب لمعرفة كل شيء، ما إن دق على بابها حتى فتحت له ولكن حلت الصدمة على وجهها، لم تتوقع أبدا مجيئه، لقد كانت غافية واستيقظت على دقاته، لم تنتبه إلى أي شيء سواه حين لمحته من فتحة الباب الداخلية، هرولت إلى المرحاض تغسل وجهها مسرعة، ثم اتجهت إلى المشط وعدلت من خصلاتها وهي تحث على الانتظار:

ثواني ياللي على الباب

ما إن انتهت حتى أسرعت تفتح له ثم رحبت به:

أهلا يا " طاهر" اتفضل. 


لم تشعر بالارتياح، هي لم تحدث "حورية" منذ أن أخبرتها أنه رأى صور "شهد" على هاتفها... هل نجح مخططها إلى درجة أن يأتي إلى منزلها!، هل شعر بخطأه حين تركها واختار غيرها... أسئلة كثيرة ترددت على ذهنها ولكنها تركتها وهي ترحب به في غرفة الاستقبال وتسأل بلطف:

تحب تشرب ايه؟ 


_ ولا حاجه. 

كلماته المختصرة هذه زادت من قلقها، فجلست على المقعد المقابل للأريكة الجالس عليها وهي تستفسر:

خير قلقتني... جاي ليه؟ 


الطريقة التي تتعامل بها توحي أنها لا تعرف شيء مطلقا، هل لم تخبرها "حورية" بعد بلقائها مع "عيسى"، تيقنت ظنونه حين خرجت ابنتها بوجه ناعس، تقول بصوت ظهر فيه أثر نومها:

مامي طنط "حورية" بتتصل بيكِ كتير أوي. 


شعرت بالخطر يداهمها، خاصة حين قال برفق للصغيرة:

دخلي يا حبيبتي الموبايل، وكملي نومك، وسيبيني مع ماما شوية. 


ما إن انتبهت له الصغيرة حتى هرولت ناحيته صارخة بفرح:

طاهر... وحشتني أوي أوي. 


احتضن ابنة زوجته السابقة بابتسامة واسعة، وبادلها وهو يسمح على خصلاتها:

أنتِ كمان يا حبيبتي وحشتيني.


لم يكن في حاله تسمح له بالاسترسال في الحديث معها، فمال على أذنها هامسا:

ممكن تدخلي تكملي نوم دلوقتي، وأنا هبقى اكلمك على whattsap ونتفق واخدك يوم افسحك مع "يزيد".


_ موافقة طبعا. 

قالتها صارخة بحماس وهي تهرول ناحية غرفتها من جديد وبيدها هاتف والدتها، علمت " فريدة" أن ظنها صحيح حين لم يعلق على اتصال "حورية" بها، علمت أن هناك خطب ما، وسمعته وهو يقول قاصدا صغيرتها:

عمري ما عاملتها على انها بنتك بس، مشوفتهاش غير بنتي، ولحد دلوقتي على فكرة ورغم كل اللي حصل... ومع ذلك استحملت منك القسوة على ابني وأنا بقول جايز دي طريقتها في التربية، نبهتك مرة واتنين وتلاتة والنتيجة واحدة.... 


قاطعته تسأله بانزعاج:

نتيجة ايه اللي واحدة، ابنك كنت بهتم بيه على حساب بنتي يا "طاهر"، كان من حقي زي أي ست يبقالي وقت لوحدي، أنت كنت طول الوقت، يزيد، يزيد، يزيد... لدرجة خلتني أحس إنه ضرتي مش عيل بربيه.


قاطعها معترضا:

لا لا... متقلبيش الترابيزة واهدي كده... يزيد مين ده اللي كان ضرتك؟، يزيد اللي البيت كله كان بيشتكي من عصبيتك معاه؟... أنا مش واخدك دايبين في بعض، يوم ما اتجوزنا كان اتفاقنا ان كل واحد فينا هيعوض الناقص عند التاني، أنا هبقى أب لبنتك، وأنتِ أم لابني. 

سرد عليها كل المميزات التي نعمت بها:

كنتي بتتعاملي أحسن واحده في البيت، عملت كل اللي يريحك حتى اللي جه على راحتي، حتى الحب حبيتك واستحملت كتير منك بسبب اللي شايلهولك في قلبي. 


هاجمت الدموع عينيها وهي تكرر خلفه باستنكار:

حبتني!... غريبة أوي الكلمة دي يا " طاهر" ، لا أنت محبتنيش، الحب ده خليه للبت اللي لففتك وراها السبع لفات وجابتك على وشك. 


_ البت اللي اتفقتي مع "حورية" انها هتوقع بيني وبينها مقابل "يزيد" يبقى معاها؟ 

علمت أنه عرف كل شيء، لم تهابه، ولم تسأل حتى ماذا حدث وكيف علم بل انفجرت فيه بقدر انهيارها الداخلي، تحدثت والدموع تسبقها:

أنت عارف أنا محروقة ازاي؟... النار اللي جوايا عمرك يا "طاهر" ما هتحس بيها، النار اللي ولعت فيا لما سيبتني علشانها، أنت عمرك ما حبتني، لو كنت بس حبتني... 

اختنق حديثها إثر غصة مريرة، ولكنها تابعت رغم كل شيء:

لو كنت حبتني كنت هتديني فرصة تانية وأنا عماله ألف وراك زي الكلبة، لما بقى ناقص أوطي على رجلك أبوسها علشان ترجعلي، أنت خدت ابنك حجه علشان شوفتلك شوفة، علشان هي عجبتك. 


صمت تام خيم عليه وهو يطالعها ويتابع استرسالها في الحديث، حيث بدا الحقد في عينيها جليا وهي تهتف:

يوم ما جيت لحد بيتك وقولت للحاج إني عايزة أرجع، وهعملك اللي أنت عايزه، وأنت رفضت... حلفت ما ههنيك عليها يا "طاهر"، لا عليها ولا على ابنك.... وكلمت " حورية" علشان عارفة انها هتتجنن وتاخد "يزيد" واتفقت معاها اني هساعدها في ده، مقابل خدمة بسيطة، انها تتعرف عليها علشان لما الولد يروحلها أنت تفتكر ان شهد كانت موافقة على ان الواد يروح لخالته والدليل انهم اصحاب، لكن الحقيقة غير كده... الحقيقة اني كنت مدبرالها حاجه تانية خالص. 

أكملت تذكر مخططها دون خوف:

كنت بصورهم هما الاتنين، علشان لما الولد يتخطف اجيلك واوريك اللي انت سيبتني علشانها بتعمل ايه من ورا ضهرك، كنت عايزاها تلبس ليلة ان الواد راح لخالته كلها مش انها بس موافقة، وكنت هعرف ازاي اسكت حورية بطريقتي ... كان نفسي اتشفى فيك أوي... طلعت هبلة يا طاهر مش جامدة زي ما كانت مصدرة، أنا وحورية لعبنا بيها الكورة. 


هنا فقط صاح بانفعال حقيقي، انفعال امتزج بالندم والألم وهو يضرب على الطاولة:

أنا بسببك خسرتها للأبد. 


_ وأنا بسببها خسرتك. 

كان هذا ردها، الذي تبعته بقول: 

أنت متعرفش أنا فرحانة ازاي دلوقتي لما قولت انك خسرتها 

اقتربت منه وأكملت بألم حقيقي:

لازم تدوق شوية من اللي دوقتهولي، عارف أنا دلوقتي مش عايزة اوهمك انها وحشة لا... أنا فرحانة فيك كده، طالما بتقول خسرتها يبقى عكيت وأنا بقولك اهو يا "طاهر" هي بريئة والحوار ده أنا اللي مفصلاه على مقاسها، وكنت هكمله لولا انك شوفت صورها مع حورية على تليفون حورية... اشرب بقى. 

قالت جملتها الأخيرة بتشفي واضح، فلقد أخبرها للتو أن ما خططت له نجح، لقد خسرها. 


حاولت أن تهدأ ومسكت كفه تطلب بدموع:

طاهر احنا ملناش غير بعض، تعالى نرجع، وانا هتغاضى وهعتبر علاقتك بيها كانت لعب عيال، وأنت انسى كل حاجه ونرجع. 


نفض يدها ناطقا باشمئزاز:

أرجعلك ايه يا "فريدة"... أنتِ معجونة بحقد وغل، أنا أول مره اتأكد النهارده إنك مش سوية نفسيا... أنتِ محتاجة تتعالجي، محتاجة تفوقي أنا عمري ما بيعتك علشان حد زي ما خيالك وهمك.. 

أضاف يذكرها بأفعالها السيئة:

أنتِ استغليتي حبي ليكِ، بقيتي تضغطي عليا بيه، يا نسيب يزيد لمامتك وناخد بيت لوحدنا يا تطلقني، عصبية وقرف بتطلعيهم على عيل مكملش ست سنين... كل ما تحبي تضغطي عليا تقوليلي يا كذا يا تطلقني... هو أنتِ شايفاني ايه قدامك علشان أرمي ابني؟ 


جلست على الأريكة، تبكي وهي تستمع لحديثه فصاح بغضب:

ردي عليا... أنا يوم ما طلقتك كان طلبك أنتِ، كانت المره اللي معرفش عددها اللي تقوليلي فيها طلقني، الانسان طاقة يا شيخة وأنا طاقتي خلصت من المساومات، والمقارنة، طاقتي خلصت من كتر ما استحملتك 

أكمل وقد ضاق صدره، وقد شعر بالوجع بعد أن عرف أنه ظلم من لا ذنب لها:

حتى بعد ما شهد دخلت حياتي، كنت لسه بفكر فيكِ وبفكر أرجعلك، بس عارفة مرجعتش ليه؟ 

اقترب منها وعينه في عينيها الباكيتين يُلقي على مسامعها صنع يديها:

مرجعتش لما شوفت الخوف في عين ابني وأنا بقوله اني ممكن ارجعك تاني، مرجعتش لما سمعت شكوته، وسمعت ازاي كنتي بتعاملي عيل صغير شايفك أمه، مرجعتش لما سمعت منه سؤال هي ليه مش بتحبني يا بابا، لما شوفت المقارنة في كلامه وهو بيقارن معاملتك مع بنتك ومعاملتك معاه، عايزاني ارجع علشان تكملي اللي بدأتيه وتعملي منه واحد تاني مشوه نفسيا؟... افتكرتي انك هتضغطي عليا وهتطلقي وهجيلك واقولك ارجعي وهنفذ طلباتك؟... 

ضحك ساخرا بألم:

يبقى معرفتينيش يا فريدة، معرفتينيش قد "شهد" اللي عرفتني في فترة متجيش ربع اللي عاشرتيني فيها... عارفة الفرق بينك وبينها ايه؟ 


وضعت يدها على فمها تحاول كتم نحيبها وهو يقول بوجع:

هي حبت "طاهر" بجد، وقبلت " طاهر" بكل حاجه... ويوم ما جت الحاجه اللي هتكسرها كنت أنا... لكن أنتِ وهمتي نفسك انك بتحبيني لكن الحقيقة انك بتحبي نفسك وبس 

ورفع كفيه يصفق لها قائلا بابتسامة:

وشابو يا "فريدة"، أنتِ كسبتي واتشفيتي، وأنا خسرت البني آدمة، اللي حسيت معاها يعني ايه إنسان ممكن يتطمن، يعني ايه ممكن يرجع يشوف الحياة بنظرة تانية بعد ما كانت بالنسباله كلها ملل وروتين... بس عارفة جايز انتِ كسبتي دلوقتي... 

طالعها بقرف وهو يلقي على مسامعها اخر كلماته:

لكن بمرضك ده أنتِ خلاص بتخسري كل حاجه، حتى نفسك، و هتفضلي تخسري لحد ما يجي اليوم اللي تندمي فيه. 


_ كفاية. 

قالتها من وسط نحيبها، قالتها بانهيار لكنه لم يهتم سوى بقول:

ابقى قولي لحورية، صاحبتك في خطتك الجامدة... إن يزيد مش هتشوفه تاني غير لما تشوف حلمة ودنها... علشان اللي زيكم ميتأمنش على عيل صغير زي ده.. لا أنتوا اللي زيكم ميتأمنش على حاجه أصلا. 

قال جملته الأخيرة ساخرا ثم خرج وصفق الباب خلفه بعنف بث فيه كامل عضبه وألمه. 

فاق من شروده ونظر حوله، فأدرك أنه مازال هنا أمام قبر شقيقه، مسح دمعه ساخنة فرت من عينه، ورسم ابتسامة وهو يحدثه وكأنه أمامه:

أخوك اتشلوح خالص يا " فريد".

ضحك بمرارة متابعا:

عيسى عنده حق، أنا حمار فعلا... بس سيبك أنت،

 أنت وحشتني أوي، وعارف إني مقصر معاك بس أنا عارف برضو إن الحاج نصران مبيفارقكش خالص... كل يوم يعدي عليك. 


ابتسم بحنان وهو يقول:

أنت كنت تستاهل الراحه يا حبيبي، سلملي على اللي عندك كلهم. 

كان سيهم بالرحيل ولكن منعه قدوم "عيسى"، انكمش حاجبيه باستغراب وهو يسأله:

أنت بتراقبني؟ 


أزاحه ليجلس هو الاخر مردفا بتذمر:

اراقبك ايه هو احنا متجوزين.. وسع كده خليني اقعد مش ناقصاك. 


رأى " طاهر" الحزن البادي على وجه أخيه فسأله:

مالك أنت كمان؟ 


_ مفيش حاجه. 

لم يقل إلا هذا وهو ينظر لقبر شقيقه بحزن، ماذا يقول له... هل يخبره أن سبب ضيقه والدته، المرأة التي يحبها حبا جما هل يخبره أنه يشعر في لحظات أنه يرغب لو قتلها... لن يجدي شيء، سيخسره بالتأكيد ولكنه سمع صوت "طاهر" يقول من جديد:

مفيش حاجه وأنت متكدر كده؟...ما تقول يا بني مالك وتخلص. 


طالعه بانزعاج وهو يطلب منه بضجر:

خلي كل واحد في خيبته الله يباركلك. 

لقد صدق فلكل منهما شيء يحزنه، ضحك "طاهر" ساخرا على قوله، وتركه وعاد للتأمل من جديد، في حين شرد "عيسى" فيما يحزنه، فيما رغب أن يقصه عليه ولكنه لن يفهم، عاد للحظات التي سبقت ذهابه إلى أرض "منصور"... حين ذهب إلى منزل " سهام" كما طلبت منه الخادمة تنفيذا لرغبة والده الذي ترك رسالته بأنه ينتظره هناك. 


ذهب ولكن لم يجد والده، لم يجد سوى "سهام"... أثار هذا استغرابه، ولكنه دخل لينتظر والده في الداخل، جلس على مقعده ملتزما الصمت وهو يتابع هاتفه فلفتت انتباهه بقولها:

تحب اجيبلك حاجه تشربها؟... في هنا bubble tea 


_ مش عايز حاجه. 

كان هذا رده المختصر، وعاد إلى هاتفه من جديد فجلست على المقعد المقابل له تسأله:

مسألتنيش يعني، ايه اللي حصل يوم ما جه " سعد" ؟ 


ترك الهاتف على الطاولة، وهو يطالعها بملل سائلا:

أنتِ عايزه ايه؟ 


بدأت في التبرير والدفاع عن نفسها:

عيسى أنا مليش ذنب، ليه مصايب أخويا أنا اللي اشيلها... فعلا والدة سعد لجأتلي وكان معاها الولد، واتكلمت معاه والله ورفض يعترف بالجوازة وبابنه، كنت اعمل ايه مكانش في ايدي حاجه اعملها والله العظيم... وخصوصا إني مكنتش عايزه مشاكله تدخل حياتي. 


تابعت برجاء حقيقي وهي تتناول كفه وعيناها تتوسل:

علشان خاطري انسى، مش طالبه منك تعتبرني أي حاجه... طالبه بس انك تنسى. 

نزلت دموعها وهي تضيف:

عارف نصران لما عرف بموضوع سعد... عاتبني وقامت خناقة بيننا، قالي على الاقل كنت قولتله كان قدر يتصرف، مكناش وصلنا انه يفكر ينتقم مني في بنتي... علشان كده انا قاعده هنا، بس نصران هيسامحني مش هيقعد طول عمره يعاقبني بغلطة مش بتاعتي. 


أبعد "عيسى" كفها وهو يطالعها باشمئزاز مردفا:

قصدك انه عاز يعمل في بنتك اللي اتعمل في انه، كان هياخد بنتك غدر، وفكر انك هتروحي تبوسي رجله يتجوزها ويقولك لا زي ما انتِ زمان مرضتيش تساعدي امه وتخلي اخوكي يعلن جوازه منها 

هز رأسه نافيا وهو يضيف مسددا لها الاتهامات:

أنتِ مش ضحية لا، أنتِ لو دورتي ورا كل مصيبة هتلاقي لنفسك دور، وصحيح ابويا هيسامحك على غلطة ابن اخوكي، بس مفتكرش انه هيسامحك على سكوتك عن موت مراته... ولا أنتِ شايفه انه هيسامحك؟ 

سألها بضحكة ساخرة جعلتها ترد بانهيار صارخة:

كفاية بقى يا "عيسى"، كفاية بقى حرام عليك يا أخي... أكتر من عشرين سنه مش كفاية إني مبعرفش أنام بسبب نظرة عينك دي؟ 


ضحك ساخرا وهو يعلق على ما تقول:

بجد؟... مكنتش أعرف إن عينيا معبرة للدرجادي... بس سؤال بجد والله هو أنا بعملك ايه علشان تقوليلي كفاية عليه؟... كفاية من ايه بالظبط، أنا لو عاملتك باللي في قلبي يا مرات أبويا كان زمانك مرمية برا. 


سألته بعينين دامعتين وعقلها رافض التصديق:

ياه، للدرجادي بتكرهني، مفيش حاجه واحده من الكويسه اللي عملتها طول عشرتي مع أبوك شفعتلي عندك؟ 


أتلفت أعصابه، فترك مقعده وهو يسأل منفعلا:

حاجة ايه اللي هتشفعلك عندي؟ 

تابع صائحا بغضب:

ردي عليا حاجة ايه اللي تشفعلك، اشفعلك ايه بالظبط .... هو في حد بيشفع لحد انه خلاه يتيم؟ 

قال جملته الأخيرة بوجع حقيقي لم تقدر أمامه إلا على الصراخ وهي تقول:

مش أنا اللي خليتك يتيم يا " عيسى" ، مش أنا. 


لمع الإصرار في عينيها الدامعتين وهو تقرر الإفصاح عن كل ما أخفته:

لو عايز تحاسب حد، يبقى مش أنا... حاسب اللي وذ على كده من الأول. 


بدا حديثها غريبا فانكمش حاجبيه وهو يردف:

وضحي كلامك ده. 


أكملت وكأنها لم تسمعه:

عمك.. جوزي الأولاني الله يرحمه، لما مات طلع كاتبلي أرض... جدك كان موزع اللي عنده على عياله، بس كلنا عارفين عرف البلد هنا... محدش بيبيع الأرض. 


تنهدت وتابعت وهو ينصت لها جيدا:

عمك عصى كلام أبوه، وحب يكتبلي أرض علشان يربطني بيها، وأفضل عايشة في وسطكم وأربي "طاهر" هنا وما امشيش... كان حاسس انه هيجراله حاجه، وجدك الله يرحمه مكانش ظالم بس عندي ظلم، قالي يا تاخدي فلوس الأرض وتمشي وهتسيبي "طاهر" هنا... يا تاخدي الفلوس وتتجوزي "نصران" وتعيشي جنب ابنك. 


ابتلعت غصة مريرة في حلقها وهي تقترب منه تسأله:

كنت عايزني اعمل ايه؟، كنت عايزني أسيب ابني؟... نصران مكانش ليه حكم علشان يعصي كلام أبوه... جدك كان شديد، أشد من أبوك بكتير ومكنتش هعرف اخد "طاهر" مهما عملت. 


_ أنتِ كدابة وطماعة... أنتِ لما وافقتي، وافقتي علشان بصيتي للي اكتر من الأرض، أصل الأرض دي كده كده فلوسها شوية وهتخلص، لكن جوازك من ابويا هيخليكِ مرات الكبير تاني، هيخليكي متخسريش مكانتك بعد موت عمي، هيخلي الفلوس تحت رجلك... علشان كده بتكرهي "ملك" علشان حاسه انها جاية تاخد مكانك.

لم يكذب في حرف، ربما بالفعل فكرت في ذلك ولم تنكر هي حيث ردت عليه:

مين فينا ميفكرش في مستقبله؟...أنا مش طماعة، أنا بصيت لقدام عيشة كويسه مع ابني وابقى مرات الكبير زي ما انت ما قولت، ولا امشي واشوفلي اي شقة اقعد فيها، ويترميلي قرشين، وابقي اجي اشوف ابني زيارات، وتربي ابني واحده غيري وأنا على وش، الدنيا؟ ... أنا كان عندي استعداد على فكرة امشي لو هاخد "طاهر"، وليه امشي ليه ما خدش الأرض وطاهر... هو مش ده حقي؟... ليه اخده فلوس وانا مش عايزة واتحرم من ابني؟ 

أخبرته بصدق حديثه حين أكدت على:

و أيوه أنا مبحبش "ملك"، علشان انت يوم ما اختارتها.. كان كيد فيا، كان علشان تقولي الزمن هيتعاد تاني واللي هتطيرك وتاخد مكانك اهي... نصران هيجي اليوم وهيديكم كل حاجه وهيبقي بس بيتابعكم... كنت عايز تقولي ان هيجي اليوم اللي يبقى مليش لزمة فيه... بس عارف يا " عيسى" أنا هفضل ليا وجود 

لمع غضبها في عينيها وهي تخبره:

هفضل ليا وجود علشان طاهر، علشان حسن، علشان رفيدة... علشان ولادي اللي لو حتى عرفوا عني مية حاجه وحشة هينسوها ويفتكروا إن أنا أمهم... أنا زرعت فيهم وفي "فريد" الله يرحمه كتير... عارف ليه؟ 


جاوبها ضاحكا بوجع:

علشان تحصديهم يوم ما تقفي قدامي، علشان تقوليلي أنت الخسران وتطلعيلي لسانك... علشان جاحدة. 


تغاضت عن إهانته لها، وردت بكل قوتها تدافع عن نفسها:

الجاحد اللي بجد مش أنا، الجاحد هو "منصور".


رمقها باستغراب فأكملت تقص عليه كل شيء:

أخويا كان صاحب منصور، وقال قدامه على موضوع الأرض اللي مكتوبالي واني هاخد بدالها فلوس علشان مينفعش اخد ارض... وأنت عارف بقى شبر في بلد " نصران" بالنسبة ل منصور وأهله بمقام الدنيا كلها، الشبر ده هيخليهم يرجعوا يحطوا رجليهم هنا تاني، يرجعوا اصحاب الأرض دي وكبارها بعد ما اتطردوا منها مذلولين... هو أنت مفكر أمك لما شافت اخويا كان بيسرق فلوس ؟ 


حقائق ولكنها سوداء... تسقط على رأسه الواحده تلو الاخرى وهي تتابع وقد طفح كيلها:

لا يا عيسى مكانش بيسرق فلوس، منصور استغل طمعه، قاله اسرقلي العقود اللي مكتوبة لاختك، وسيبك انت واختك منهم، وتعالى هنا وتبيعلي بتلات أضعاف اللي هتاخده منهم، وهيفضل ابنها معاها، وهتجوزها وهتفضل مرات الكبير زي ماهي، عارف ايه اللي طمع اخويا اكتر؟... إنه وعده بمبلغ معتبر لو نفذ كل حاجه، أنا كنت من عيلة فقيرة يا عيسى، عيلة معدومة، بس كنا راضيين، إلا أخويا عمره ما رضي علطول طماع، بس في الأخر أخويا. 


هوى على الأريكة يستمع لبقية حديثها الذي يعلم أنه سيشغل النار داخله


_ في الوقت ده كانت امك تعبانة، وكنت أنا اللي شايلاها، والله العظيم كنت بخدمها بعيني، أنا كنت عايزة أعيش مكنتش عايزة أكيد في حد ولا اخد مكان حد، اه كنت بغير، علشان بعد ما كنت لوحدي بقيت شريكة واحده في راجل... بس أقسم بالله عمري ما فكرت أقتلها.... 

مسحت على وجهها بإرهاق وهي تتابع:

كان معروف مفيش ورقة بتخرج برا مكتب جدك 

..ولو في عقود هتبقى في المكتب ده... حتى نضافته كانت متحرمه على أي حد إلا أمك...اخويا جه قالي على اللي اتقاله وساعتها زعقت و اتخانقت معاه، بس مسمعليش... وحاول يدخل ودخل فعلا المكتب واستغل انه مفتوح، بس أمك الله يرحمها شافته... كانت مصيبة بالنسبالي وجالي وعملت كل اللي اقدر عليه علشان اخليه ميزورنيش في بيتي تاني... لما التعب اشتد على المرحومة وقالي انه عايز يقتلها كنت عارفة ان ده مش كلامه، وفعلا ده كان كلام منصور اللي قاله... قاله يخلص منها لو وقفت في طريقه تاني هي كده كده كان كله بيقول انها بتودع، وقاله على الطريقة كمان... حقنة هوا. 


وصل إلى أذنها سبه لهم، رأت حالته التي تنذر بانفجار فأسرعت تقول اخر ما لديها وهو يصرخ بها:

كملي. 


_ خاف تقول لنصران، فنصران يقطع رجله من هنا، وهو كان شبه عايش على قفانا، فوداها الحقنة 

انهارت تماما ونزلت دموعها وكأنه سباق وهي تجلس على الأرضية أمامه تنطق من بين دموعها:

والله العظيم طردته، وما دخلته بيتي تاني... مكنش في ايدي حاجه غير دي يا عيسى، أنا عيشت بذنبها كل السنين دي، عيشت أكفر عنه وأنا بربي فريد وبعتبره ابني، فريد كان حتة من روحي، عيشت بتعذب بذنبها لما شوفتك وأنت فاقد النطق لما سمعت اخويا... لما شوفتك هاجر بيتك ومش عايزه.... لما كنت بشوف نظرتك ليا لما بتنزل.... وحتى لما كبرت انا بقيت اخاف من نظرتك...بخاف من اللي بتفكر فيه وانا مش عارفاه. 

رجاء من جديد وهي تستعطفه:

بالله عليك خلاص، نفتح صفحة جديدة مع بعض.... 

أنا متذليتش لحد في حياتي قد ما اتذليت ليك... مش أنت قولتلي مره إن اللي خلاك صبرت عليا اخواتك، سامحني علشان خاطرهم. 


أصاب كفه الرعشة، و شعر بالغثيان، طالعها بمقت لا يرى دموع في عينيها، بل يرى دماء والدته.. صرخ بكل ما امتلك من قوة وهو ينهض عن مقعده:

ابعدي عني... اياكِ تقربي مني تاني، لو باقية على روحك متجيش تطلبي مني أي حاجة تاني. 


تركها وفر من هنا، ركب دراجته البخارية وبسبب الحالة التي تمكنت منه قادها بسرعة جنونية حتى فعل ما فعله، أشعل النيران بأحدى أراضي "منصور"... وصل انفجاره للذروة وهو يتخيل أن والدته قُتِلت من أجل قطعة زراعية، من أجل صراع قديم لم ينسه هؤلاء. 

ثم عاد وقد بدأت حالته تتركه لينتهي أخيرا عند

 " ملك" . 


فاق من شروده على دموعه الهاربة التي فرت من عينيه فلاحظ "طاهر" ذلك مما جعله ينتبه له بقلق:

عيسى أنت مبتعيطش علشان "فريد"... أنت في حاجه مضايقاك... قولي مالك. 


مسح دموعه وتصنع ضحكة رغما عنه وهو يسأله مازحا:

خايف عليا اوي؟ 


_ أنت أهبل... طبعا أخاف عليك، هو احنا لينا مين غير بعض... قولي ايه اللي مضايقك؟ 

ضحك " عيسى" وهو يسأله:

هو انا مش قولتلك كل واحد يخليه في خيبته؟ 


رمقه بتوعد وهو يقول:

أنا غلطان علشان بعبرك.

رد عيسى عليه بضحك:

وبما اني عارف خيبتك ايه، فأحب أقولك ان اللي بوظته بإيدك... مفك غيرك مش هيصلحهولك... دور على المفك وصلح بقى. 


_ مفك!... ايه يلا الكلام ده هو احنا في ورشة. 

تبادلا الضحك وكل منهما لديه ما يمنعه عن الضحك ضهرا، ولكنهما تبادلاه لأنهما فقط سويا. 


★***★***★***★***★***★***★***★


اجتمعن جميعا في غرفة "شهد"، يحاولن المواساة بكل الطرق، وخاصة " هادية" التي تخشى ابنتها كثيرا، تخشى الغضب والتهور الناتجين عن حزنها... ولا تعلم حتى الآن ما حدث كيف سيكون تأثيره عليها. 

فابنتها تبدو وكأن شيء لم يحدث أبدا... تأملتها "هادية" وهي تسحب الهاتف من يد "ملك" قائلة بضحك: 

يا بنت اللعيبة... مش ده اللي مكنتيش عايزه تبعتيله ادد، جايبلك تليفون علشان مش قادر يستحمل تقعدي يومين متكلميهوش. 


كانت ما زالت تحت صدمة اعترافه فلم تعلق، وفتحت "شهد" الهاتف تنشأ لشقيقتها حساب على موقع التواصل الاجتماعي.... قطعت جلستهم "مريم" التي دخلت للتو فقالت "هادية":

من الصبح وأنتِ بتقولي ان في حاجه حلوه بمناسبة انك خلصتي، جايبالنا ايه بقى ؟ 


وضعت الحامل المعدني ليظهر ما عليه وهي تقول بحماس: 

جيلي فراولة. 


رفعت والدتها حاجبها وهي تكرر باستنكار: 

چيلي!... بقى مسهراني لحد دلوقتي علشان طبق چيلي؟ 


_ بقولكم ايه اللي هيقلب وشه على الچيلي بتاعي هزعله... يلا كل واحد ياخد طبق كده وتشكروني بعد الأكل. 

ضحكن وكل واحده منهن تجذب طبق، ووكزت 

" هادية" ابنتها التي جلست جوارها، فنطقت "مريم" على مضض:

مش هتقولي برضو يا "شهد" طاهر قالك ايه يوم ما رجعتي زعلانه؟ 


_كبروا دماغكوا بقى... بلا "طاهر" بلا قرف، 

مش كل شويه نفتح في الموضوع ده. 

رفعت "مريم" حاجبيها بصدمة وهي تسألها:

طاهر اللي كنتي بتقعدي تفركي اليوم كله لو ما اتصلش بقى قرف؟ 


هزت رأسها بالإيجاب، لكن الحقيقة داخلها غير ذلك... الحقيقة التي وأدتها أنها لم تحب أحد كما تحبه... غيرت "مريم" الموضوع بأخر بقولها:

أنا حاسه إن "شاكر" بيعمل مصيبة، محدش سامعله حس اليومين دول خالص، تفتكروا اتهد؟ 


_ ما بلاش السيرة الزفت دي، الله لا يجعلنا نشوفه يا شيخة لو صدفة. 

قالت "هادية" هذا وهي ترى التغير الذي طرأ على وجه "ملك" بمجرد ذكر اسمه، فأبعدته "مريم" سريعا بقولها الضاحك:

فاكرين "كوثر"؟ 

بدأت في تقليدها قائلة:

شاكر ابني ده مفيش منه... شاكر ابني ده باتمان... 

شاكر ده سيد الرجالة كلهم... 

قالت الجملة الأخيرة مازحة:

ده من كتر فلاحته هنفتحله فرنة فينو. 


ضحكن بشدة على ما تقول وقد نست كل منهن للحظات ما كان يؤرقها ... وما سيعود حين تعود بمفردها من جديد. 


★***★***★***★***★***★***★


بيت صغير استأجرته بعد أن أنهت مهمتها، لا يتردد عليه إلا واحد فقط، اعتادت تردده الدائم، سمعت

 " رزان" دقات متواصلة على الباب فذهبت لتفتحه وهي تعلم أنه لا أحد غيره، اتسعت ضحكتها ما إن رأته واحتضنته قائلة بحب:

وحشتني أوي يا جابر. 


★***★***★***★***★***★


تحمل لنا الأيام الكثير، كذلك حمل لها هذا اليوم، حين توقفت "بيريهان" بسيارتها في هذه الأمسية أمام محل "هادية"... استغربت " هادية" بينما تعرفت عليها "ملك" فلقد التقا من قبل، تركت والدتها وخرجت لها تقول بترحيب:

مساء الخير... ازيك يا "بيريهان".


_ الله يسلمك يا " ملك" ، ممكن أطلب منك طلب؟


انكمش حاجبيها باستغراب وهي تسألها:

طلب ايه؟ 

ردت عليها بابتسامة:

مشوار صغير وهنرجع علطول...المشوار ده هيفرق معايا جدا، مش هأخرك متقلقيش. 


أزاح "عيسى" زوجته، لم تعلم من أين أتى، ولا ماذا سمع فقط سمعته يحدث الجالسة في السيارة بابتسامة صفراء:

تقدري تطلعي انتِ، وبالنسبة للمشوار أنا هجيبها وجاي. 


_ عيسى متشخصنش الأم..... 

قاطعها ضاربا على سيارتها وهو يقول:

روحي. 


كان حاضرا بالسيارة، وحث "ملك" على الركوب وهو يلوح لوالدتها غامزا بضحك... فسألت "ملك":

في ايه يا " عيسى" ؟ 


رد وهو يركب على مقعده جوارها: 

في اننا لازم نروح علشان اعرف اللي بيحصل. 


أدار سيارته قبل قدوم "هادية" وقد قال بنبرة عالية:

ساعه وهرجعها. 


لم تعلم إلى أين، هو هكذا مربك دائما، من يصدق أن هذا لقائها الأول به بعد اعترافه لها... ومن يصدق أن سيارته لم تتوقف إلا أمام منزل عمها. 


لم يعطها نصائح كما يفعل دائما، أرادها أن تعتمد على نفسها هذه المرة، فقط قال:

احنا داخلين علشان لو اتقال كلمة واحدة غلط ومحصلتش تردي... أنا مش هرد عنك، محدش ماسك عليكِ حاجة، ومحدش هيرد غيرك. 


شعرت بأنها لا تفهم شيء ولكنها هزت رأسها، دخلت وكفها بكفه، ما إن سمحت لهم الخادمة بالدخول حتى دارت بعينيها وهي ترى وجوه منهم من تراه للمره الأولى... أما هو فيعرفهم جميعا... بيريهان جوارها والدها من ناحية يجلس بشموخ، والناحية الاخرى تجلس "ندى"... والدة " شاكر" و"علا" المجاورة لها. 


_ ده الحبايب كلهم هنا بقى. 

أطلق "عيسى" تعليقه الساخر ضاحكا... ولمح "ندى" التي لا تحيد بعينيها عنهما، دارت ما نتج عن ضرب زوجها بأدوات التجميل حتى تستطيع حضور هذه الجلسة، حتى تستطيع رؤيته... لم يهتم بها بل نظر إلى ابنة عمها الجالسة جوارها قائلا:

اهي ملك يا بيريهان... اللي كنتي جايه تاخديها على عماها علشان تجيبيها هنا... كنتِ عايزاها ليه بقى؟ 


بررت فعلتها بقولها:

صدقني يا عيسى القعدة دي مهمة جدا، جايز انت كمان تعرف الحقيقة فيها مش احنا بس. 


ضحك من قلبه حقا، وهو يعلق:

يا خسارة، ده أنا طول عمري يقول عليكِ غلبانة، يوم ما تقعي هتقعي مع العالم دول؟ 


أشار على "كوثر" و ابنتها فنطقت "كوثر" بتصنع البراءة:

الله يسامحك يا بن الناس. 


حدث "ملك" ضاحكا:

الحقي...هي تابت امتى؟ 


الجميع في حالة توتر عداه، همس لملك بما لم يسمعه سواهما:

متخافيش أنا جنبك، ولما نطلع من هنا هخرجك خروجة حلوه.


ضحكت وهي تطالعه ولم تذهب ضحكتها إلا حين أتى من الخارج وسمعت صوته يقول:

يعلم ربنا ما كنت هقبل عمري اقعد القعدة دي إلا علشانك يا "بيريهان".


وقف أمام " ملك" و "عيسى"، طالعهما وكأنه يحفظ ملامحهما، شد " عيسى" على كف "ملك"... و " شاكر" يكمل:

أصل ناكر الجميل لا تعاتبه ولا تلومه، واللي يصدقه زيه بالظبط... مش كده يا "ملك"؟ 


لا تحمل له إلا نظرات البغض، تحمس الجميع لهذا الحوار الناري... انتظروا ردها وتبادل الاتهامات ولكنها فاجأت الجميع وهي تبصق على وجهه. 


ضحك " عيسى" وهو يقول بنبرة منخفضة وصلت لها:

حبيبة قلب بابا. 

في حين ردت هي بقوة، تحارب وبشدة لقتل خوفها، حتى يخرج صوتها ثابتا هكذا وهي تقول دون خشية:

كده يا ناكر الجميل. 


نظرات "شاكر" القاتلة تحيط بكلاهما وجميع العيون عليهم، خاصة بعد النيران التي اشتعلت في عين "شاكر"... لتصبح الأجواء كملحمة..خصومها جبابرة..

بل إنها بالفعل ملحمة ولكنها نارية. 

الفصل الثامن والستون من هنا


 

تعليقات



×