رواية وريث آل نصران الجزء الثاني الفصل السادس والستون 66 بقلم فاطمه عبد المنعم
الفصل السادس والستون (اعتذر أخي ولكن أحببتها)
رواية_وريث_آل_نصران
مساء الفل، الفصل ده كان المفروض ينزل بدري الصبح، وبعد كتابة ومجهود فيه امبارح فجأة اتمسح، ومعرفش قدرت اعيد كتابة الممسوح فيه تاني ازاي لأني فعلا كنت حزينة جدا عليه، ولسه مخلصة كتابه دلوقتي حالا فيه ... اتمنى يعجبكم على قد التعب اللي راح فيه ♥
بسم الله الرحمن الرحيم
أعرف عيون هى الجمال والحسن
وأعرف عيون تاخد القلوب بالحضن
وعيون مخيفة و قاسية و عيون كتير
وبحس فيهم كلهم بالحزن!
(صلاح چاهين)
نتائج حماقاتك تتحملها وحدك، هذا ما أدركته "حورية" وهي تحاول للمرة التي سأمت من معرفة رقمها الاتصال بفريدة... جلست على الأريكة وألقت الهاتف بغضب على الطاولة أمامها مرددة بضيق:
ما تردي بقى ده أنتِ مستفزة.
أغمضت عينيها وقد شردت بعقلها فيما حدث، شردت في كيف تم سلبه منها مجددا، حيث يتكرر في أذنها الآن صوت الدقات المتتالية على بابها، استغربت وهرعت تخفي الصغير في غرفتها، ثم ذهبت لتفتح فوجدته "عيسى" مما جعلها تنطق بانزعاج:
هو احنا مش هنخلص مش الشغلانة دي بقى؟... أنت مش لسه ماشي أنت واخواتك الاتنين وقولتلك ابقوا خدوه بالمحكمة.
اتسعت ضحكة "عيسى" ودلف دون استئذان، ثم جلس على الأريكة وهو يقول بأريحية:
تصدقي عندك حق، احنا فعلا مش أمناء عليه، الواد ضاع وهو معانا ومعاكِ الدليل والمحكمة هتحكملك.
ضحكته هذه، والثقة الزائدة في الحديث أربكتها وجعلتها تعلق على قوله بارتباك:
امال جاي ليه بقى؟
احتدت نظراته واختفت ضحكته كليا وهو يواجهها وقد جلست على المقعد المقابل على الأريكة:
جاي اسألك تفتكري القاضي هيقول ايه عليكِ لما يعرف انك بعتي واحد ياخد الواد بصنعة لطافة ويسيبه في أي حته، وبعديها بعتي صاحبك واتفقتي معاه على المسلسل الهابط اللي عملتوه، وإنه يا حرام لقى الولد في الشارع وشبه عليه، وقام مصوره وباعتلك صورته.
تركت مقعدها وهي تصيح بغضب:
بقولك ايه أنا مش فايقة للهبل بتاعك وبتاع أخوك ده، لو عندك دليل ابقى اثبت وخده بيه.
_ لا ما هو احنا مش هنوصل لحوار اثبت ده، أنتِ هتدخلي تجيبي يزيد ونخلص الليلة دي كلها.
قال هذا بهدوء وتابع بابتسامة:
وقبل ما تقوليلي مش هنا، تحبي أقولك هو هنا من الساعة كام؟... ولا أقولك إن صاحبك اللي اتفقتي معاه باعك وقال كل حاجه.... قال إنه ميعرفش حاجه وإنك انتِ اللي قولتيله يروح المكان ده ويعمل نفسه مصدوم إنه لقى الواد
وإنه راح المكان اللي لقى فيه يزيد باتفاق ما بينكم، وكل اللي حصل ده كان مترتبله اصلا.
ضحك وهو يضيف:
أصل أنا فهمته إنك بيعتيه وقولتي لأبو يزيد إنه هو اللي خطفه، وطلب فيه فلوس كمان، وصدق علطول... مبتعرفيش تنقي أصحابك خالص... موثقش فيكِ بجنيه وجاب اللي في عبه كله.
صرخت باعتراض، وإنكار لأن يكون كل مخططها ذهب هباءا:
آه يا حقير، يا كداب أنت وهو، طبعا اشتريته، أكيد دافعله علشان يقول و
أوقف حديثها بقوله الغاضب والذي جعلها تتراجع:
بقولك ايه، لف ودوران مش عايز...لو عايزة تمشيها رسمي خليلك الواد، ونقوم محامي بقى وبالمره يجبلنا المكالمات اللي بينك وبين صاحبك، واللي لازم يكون فيهم مكالمة ولا حاجه وأنتوا بتتفقوا على اللي هيحصل.
ظنت أن الحرص كان رفيقا لها هي وشريكتها في فعلتهما ولكنها اكتشفت أن لم يكن يعرف طريقهما أبدا.
زاد "عيسى" من ضغطه عليها بقوله:
لو عايزه تخرجي تبصي بصه تتأكدي، هتلاقي صاحبك برا في العربية مع حسن، وعلى فكرة أنا هاخده واطلع على القسم علشان يقول اللي عنده هناك.
_ قسم لا
قالتها مسرعة بتوتر وهي تكمل باستسلام:
أنا هديك "يزيد"... هو في الأوضة دي ادخل خده وامشي وبلاش شوشرة.
قالت جملتها الأخيرة بتوسل، لتسمع بعدها صوته وهو يأمرها:
افتحي تليفونك.
فتحته بالإجبار تحت نظراته المحذرة، فأخذه منها ومسح كل شيء يخص الصغير، كل ما التقطه صديقها له في لحظات بكائه في الطريق...وهو يعلق:
ولو فكرتِ تلعبي تاني، ابقي اشربي بقى من اللي هيحصل.
مدت يدها لتأخذ الهاتف ولكنه دخل إلى سجل مكالمتها، ورفع حاجبيه بدهشة ناطقا بضحك:
هي مش دي "فريدة" طليقة طاهر؟
رفع أمام عينيها الصورة التي كُتِب رقمها أسفلها، فجذبت الهاتف منه ولكنه صارحها بتهديداته:
لا ما هو أنا عارف إن حوار شهد ده ملعوب، الحق يتقال كنت شاكك مش متأكد، ولآخر لحظة مبرأك وبقول أصل ايه مصلحتها من إن طاهر وشهد يقعوا في بعض، أكيد ليها علاقة بشهد لحد ما حسن قالي محدش هيبقى ليه مصلحة من وقوعهم في بعض قد "فريدة"... وتليفونك كشفك اهو وطلع حسن عنده حق...قوليلي بقى ايه اللي بينك وبينها؟
لم ترد، أبت الإجابة ولكنه أجبرها عليها حين صاح بغضب:
انطقي.
لم تجد مفر فصرحت بما لديها:
هي كانت بتساعدني "يزيد" يبقى معايا، وقصاده اتعرفت على شهد علشان اساعدها ترجع لطاهر....علشان لما اخد يزيد اقول لطاهر انه مش هيقدر يراعيه، حتى اللي رايح يتجوزها مش عايزة ابنه وبتطلب مني يفضل معايا.
يشعر بأن هناك حلقة ناقصة، بأنها لعبة في يد "فريدة" وأن الحلقة الناقصة هذه لن يجدها إلا عند "فريدة" ولكنه تيقن الآن َمن براءة "شهد"، أما ما حدث تفصيليا سيظهر بلا شك.
فاقت من شرودها بعينين دامعتين وهي تتذكر هيئته وهو يخرج بالصغير النائم بين ذراعيه مزهوا بنفسه، بعد أن ظنت أنه صار لها للأبد.
***********************************************
مقابلة كهذه مفاجأة بالنسبة له وخاصة هنا في محل والدة زوجته، ولكن ما خفف حدة هذه المفاجأة هو ما فعلته "ملك"، الضربة التي تلقاها "باسم" منها أثلجت صدره، توجه ناحية السخان الكهربائي وملأه بالماء ليصنع الشاي لنفسه وهو يسأل "باسم":
جاي ليه؟
الإجابة أتت ولم تكن على علاقة بسؤاله بل كانت تعليق على ما فعلته "ملك" :
مكانتش كده، صحيح كانت عينها بتبين انها هتدافع بس مكانتش بتعرف تدافع... كنت واخدها بسكويته عملت فيها ايه؟
فى ثوان كان يقف أمامه وقد أشعل باسم غضبه وظهر هذا جليا على تقاسيمه التي قست وهو يحذره:
كلمة كمان عنها، مش هبقى مسئول عن أي حاجه تحصل... حذرتك مره يوم البار وقولتلك دي لا وساعتها مكانتش بقت مراتي لسه، ودلوقتي بقولهالك تاني وهي على ذمتي... متلعبش معايا في المحظور...
غمز له متابعا:
علشان مكدركش.
عاد إلى الطاولة الصغيرة ووضع الكوب عليها ليصب الشاي ليسمع في اللحظة ذاتها صوت "باسم" يقول:
تكدرني؟... لا هو الصراحة أنا اللي جاي لحد هنا أكدرك وأقولك إن الشريك الأجنبي اللي أنا جيبته مصر علشان يدخل معايا ويوردلي قطع الغيار، وأنت لفيت من ورايا وروحتله وافتكرت إن بشغل التلات ورقات ده هتخليه يشتغل معاك أنت، فرقعك وهيمضي معايا العقود كمان أسبوعين.
فكرة الشركة هذه كانت من البداية خاصة بعيسى، ولكن "باسم" كان الأسرع في الحصول على شريك يمول معه ولم يختر إلا "صاوي" زوج عمته المتوفية، ثم أتى بالشريك الأجنبي والمهتم بالمجال كثيرا.
انتظر "باسم" من عيسى رد يدل على ضيقه وعلى الرغم من ضيق عيسى بعد ما سمعه، فهو بالفعل منذ أيام يحاول التواصل مع الضيف الأجنبي ولكن لا يجد رد، على الرغم من كل شيء نطق بضحكة غير آبه بشيء أثناء قيامه بوضع الملعقة داخل الشاي:
في ستين داهية أنت وهو.
رفع باسم حاجبيه متصنعا الدهشة فأكمل "عيسى" :
مع إن فكرة الشركة دي بتاعتي، وشغل التلات ورقات ده أنت اللي عملته لما جيت وقولت عايز أبقى شريك معاك... بس مش مهم، أصلها أقدام يا باسم، يبقى متوفرلك كل حاجه وأنت قدمك نحس واللي بتعمله مينجحش... اعتقد أنت من النوع ده.
احتدت "نظرات" باسم وهو يطالعه بغضب لم يهتم له وذهب إلى مقعد يجلس عليه وهو يسأله:
مجبتش سيرة يعني قبل كده، أن صاوي يبقى جوز المرحومة عمتك.. حتى قسمت طول معرفتي بيها مجابتش سيرة عنك... هما متبريين منك ولا ايه؟
_قسمت اللي عجزتها، وخلتها بتكمل حياتها على كرسي؟
هذا الحديث يعلم مصدره جيدا، الحديث الذي يجعله يثور هذا يعلم قائله جيدا لذا هتف بثقة في صحة ما يقوله:
الكلام ده مش كلامك ده كلام صاوي، أنا متأكد مليون في المية انك مكنتش تعرف حاجه عن حوار قسمت ده، وبما إنه كلام صاوي وفجأة بقيت تصل الرحم وهو بقى الحنين اللي هيشاركك ويمولك... فاحذر يكون ليك يد في اللي حصل لملك من فترة.
قصد حادثة اختطافها، ولكن "باسم" لا يعلم عن الحادثة شيء، استغرب الحديث وسأل:
حصلها ايه؟
أنهى عيسى الحوار بكلمات مختصرة ولكنها تؤدي دورها جيدا:
أنا قولت اللي عندي وخلاص.
وتابع مشيرا على سخان المياه:
لو عايز تشرب شاي اعمل، عايز تمشي خفيف يبقى أحسن.
بدا على وجه باسم وكأنه اكتشف شيء ما للتو وبالفعل انتبه عيسى وهو يسمعه يقول:
تصدق أنا لسه واخد بالي حالا من حاجه، من ساعة ما بشير قالي انكم عرفتوا بشراكتي مع صاوي وأنا عمال أفكر ودماغي تودي وتجيب عرفتوا منين... في ورقة من ورقي اللي رزان سرقته كان عقد بيني وبينه،
لقد اكتشف الأمر فك غموضه وأكمل بشراسة:
يعني انتوا اللي خليتوا رزان غفلتني وسرقت الورق ولحد دلوقتي معرفلهاش طريق.
لم يرد "عيسى" الدخول في أي شيء جديد الآن لذا نطق باعتراض:
باسم بقولك ايه... وجع الدماغ ده أنا مش فاضيله، أنت مش خلاص هتمضي مع الراجل وهتعمل الشركة، فكك بقى من جو المحقق كونان ده، علشان مبيأكلش عيش.
_ قولها اني هجبها.
قالها بتحدي، جعل "عيسى" يمط شفتيه بسأم مرددا:
حاضر هبقي أقولها.
أضاف باسم تحدي آخر:
في سباق قريب، وأنا حطيت اسمك واسم صاحبك... موحشكش ولا ايه؟
_سايبك تاكل عيش
قالها عيسى ضاحكا فاعترض "باسم" بقوله:
لا متقلقش تعالى أنت بس ونبقى نشوف مين اللي هيتسقفله فينا، ومين اللي هيتقاله معلش.
ترك "عيسى" مقعده، تركه ووقف أمام "باسم"... دفعه خارج المحل ثم خرج خلفه وأغلق البوابة بالمفتاح وهتف بكلمة واحدة لم يزد عليها:
روح.
بالفعل بدأ في المغادرة ولكنه استدار منبها:
هستناك.
**************************************************
تدندن كلمات إحدى الأغاني الشهيرة وهي تصعد إلى غرفتها، لقد تحسن مزاج "ندى" كثيرا في غياب زوجها، حيث غادر المنزل منذ يومين، منذ أن مارس أفعاله الجنونية على مائدة الإفطار أمام الجميع تأثرا بما تضعه له من حبوب.
كانت ستذهب إلى غرفة ابنة عمها أولا، ولكن قررت أن تذهب لغرفتها لعلها تنال قسط من الراحة في هذا الصباح الباكر، فتحت الباب فوجدته أمامها، فزعها وجوده وهي تقول بضيق:
مش تقول انك جيت، بدل ما تخضني كده.
كانت تعابيره جامدة، لا تستطيع تبين شيء منها، شعرت أن هناك خطب ما فسألت:
هو في مشكلة في الشغل ولا ايه؟....تحب اقولهم تحت يحضرولك حاجه؟
ترك مقعده وتوجه ناحيتها، لم تفهم سبب قربه إلا حين جذب خصلاتها بعنف، فشعرت أنه تم اقتلاعها وهو يقول:
يحضرولي قهوة من اللي بتخليني بيها أراجوز قدام قرايبك يا بنت ال ***
صرخت بخوف وهي تحاول جاهدة تحرير نفسها وإبعاده عنها، فدفعها لتسقط على الأريكة وكمم فمها بيده محذرا:
إياك أسمع صوتك ده، صوتك لو سمعته مش هخلي فيكِ حتة سليمة.
شعرت بالبرودة الشديدة تهاجم جسدها، لم يقدر أحد أبدا على إهانتها إلا هو، اكتسبت بعض من القوة وهي تنطق بتحدي بعد أن أزال كفه:
خايف من صوتي علشان أبويا واعمامي اللي تحت... ايوه بحطلك حبوب في القهوة وبكرهك يا جابر... خليك راجل وطلقني... اللي يعيش واحده معاه بالغصب علشان ماسك عليها ذلة ديون أبوها ميبقاش راجل يا جابر.
صفعها فشعرت بالدماء تسري جوار شفتيها، اعتصرت عينيها تبكي بعنف وهي تسمع نعته لها بأبشع الألفاظ ولكنها تابعت وقد امتزج حديثها بالنحيب:
هجيب الفلوس حتى لو من تحت الأرض علشان اطلق منك، علشان انا مبطيقش أبص في وشك، أنا بقرف منك يا جابر...
ألقت قنبلتها الأخيرة بلا أي تردد:
فاكر لما ضربتني قبل كده وروحت المستشفى، أنا فعلا كنت هسقط بس ابنك مسقطش من ضربك ليا يا جابر، أنا اللي سقطته علشان ما اجيبش عيل منك، من واحد همجي وحيوان زيك.
ألقاها على الأرضية وأخذ يركلها في معدتها، يفرغ بها طاقة غضبه، ولم يكفه هذا بل مال عليها ليلقي على مسامعها كلماته:
العيشة اللي مش عجباكي دي هتفضلي فيها لحد ما يبقى أبوكِ يسد اللي عليه، بس هتفضلي فيها خدامة... أنا هتجوز...
طالعته بغير تصديق على الرغم من ألمها إثر ما تلقته من ضربات ولكنه تابع غير آبه بها:
هجبلك ضرة يا بنت البشوات.
★***★***★***★***★***★***★***★
حل السكون على منزل "نصران"، فلم يذق أحد للنوم طعم منذ ليلة أمس، استرخى " نصران" على الأريكة في غرفة مكتبه فغلبه النوم، وحين عاد "عيسى" لم يرد إزعاجه فصعد إلى غرفة خالته ليطمئن عليها ولكن وجد "طاهر" في الداخل، ظن أنها مريضة فهرول ناحيتها مردفا بقلق:
ميرڤت أنتِ كويسه؟
طمأنته بقولها المصاحب لبسمتها:
متقلقش يا حبيبي أنا بخير ، طاهر بس كان جاي يسأل عليك.
استدار ينظر له فأخذه "طاهر" خارج الغرفة مستأذنا "ميرڤت" حتى لا يزعجها.... ما إن خرجا حتى وجه "طاهر" سؤاله:
أنت جبت "يزيد" ازاي؟
_ جبته أنا و أخوك علشان فكرنا مش حمير زيك.
خرج صوت "طاهر" المنفعل واخترق أذن "عيسى":
أنا مش ناقصك... جبت الواد منها ازاي، حسن قالي إن أنت اللي جبته.
هز رأسه موافقا وهو يقول:
اه فعلا أنا اللي جبته، قالتلي انهم غفلوك واتفقت هي وفريدة... فريدة تسهلها إن الواد يبقى معاها، و حورية توقعك في شهد.... شهد مكدبتش في كلمة من اللي قالتهالك ولا تعرف أصلا إن حورية تبقى خالة ابنك.... لو عايز أصل الحكاية روح لطليقتك الناقص كله عندها، ولو زعلتك كلمة حمار فمتزعلش بس أنت فعلا حمار ومبتفهمش.
لم ينتظر رده بل دخل غرفة خالته وصفع الباب خلفه وتركه واقفا مكانه يحاول إدراك كل ما قيل له.
ما إن دخل غرفة خالته حتى استفسرت:
عيسى هو في حاجه؟
_ متشغليش بالك
قالها بابتسامة وتوجه ليتمدد جوارها، فمسحت على خصلاته بحنان وهي تقول:
طب أنت كويس يا حبيبي؟
هز رأسه نافيا وهو يخبرها بصدق:
أنا تعبان أوي، دخلت دوامة مش بتاعتي،
وكنت مفكر إني جامد وعمري ما هدخلها.
ابتسمت وقد وصلت إلى السبب:
حبيتها صح؟
رفع عينيه لها ولم يرد فشجعته:
قول علشان تعرف تعدي.
صرح بما في داخله حقا:
أنا اتعلقت يا " ميرڤت"، وأنا مبحبش أتعلق...حاسس إني بخون "فريد"، " فريد" اللي اتاخد غدر لمجرد إنها حلمه... أنا خدت عهد على نفسي اني هصون الأمانة، مبنكرش اني اتجوزتها علشان اضغط بيها على "شاكر"... مبنكرش اني عملت ده علشان حاجات كتير مصلحتي فيها أكبر من مصلحتها بس أنا فجأة لقتني بتعلق.
_ بتتعلق ازاي؟
سألته خالته ليسرد لها المزيد بمشاعر صادقة ظهرت في عينيه قبل أن ينطق بها قائلا:
متعودتش إن حد يفضل مختارني لآخر لحظة، حتى اللي بحبهم ببقى عارف إنهم في لحظة ممكن بسبب ما يخذلوني.
ظهر الحزن في عينيها حين تذكرت " كارم"، بالتأكيد يقصد تفضيلها له دائما ولكنه أكمل ليجعلها تنتبه له:
"ملك" لقتها فجأة بتختارني في كل المرات اللي كان عندها أسباب قوية تخذلني علشانها، لما ببص في عينها بشوف نظرة مختلفة بشوف الحاجه اللي بسببها فريد حبها.... بشوف بنت بتتكسف وتخاف وبالرغم من كده هي أقوى واحده في الدنيا... تلخيصا لده كله أنا لقتها بتقدم حاجات أنا مطلبتهاش بس في نفس الوقت كنت محتاجها... حاجات خلتني اتعلقت وخايف ابعدها ارجع للغربة تاني.
طالعت "ميرڤت" عينيه وهي تسأله:
كل ده ومش عارف بتحبها ولا لا؟
_ كل اللي أنا عارفه إني تعبان، ومحتاج افصل من كل حاجه.
أخذت تمسح على خصلاته، وسكن هو تماما بين يديها، سكن ولم يكن يعلم ما ينتظره بعد استيقاظه.
★***★***★***★***★***★***★***★
هويته الوحيدة يعلمها الآن، بعدما نعمت عيناه برؤية صغيره، لا يستطيع منع نفسه من فعلها، وقف جوار منزلها، فقط ينظر له وكأنها ستطل الآن، تردد كثيرا وبالفعل قرر الرحيل والذهاب إلى "فريدة"، ولكن صدمته حين وجدها تخرج من مدخل المنزل وبيدها كيس القمامة، مباشرة احتضن عينيها بنظرات آسفة، صدمة وجوده هنا كانت كبيرة عليها ولكنها تجاهلته واتجهت لتضع الأكياس حيث يجمعها عمال النظافة، اعترض طريقها يقول:
شهد ممكن نتكلم؟
_ مفيش كلام بيني وبينك.
قالتها وهي تتجه إلى فعل ما نزلت من أجله وتابعت وهي تلقيها:
احنا اتكلمنا امبارح، واللي فيها اتعرف خلاص...بس في حاجه كنت عايزاك تاخدها علشان نسيت ابعتها مع "حسن".
وقفت أمامه ثم صفعته صفعة قوية، وأمام نظراته المصدومة أخبرته:
كده أنا برضو ليا حق.
تركته مكانه وتحركت إلى المنزل ولم تترك أي فرصة لرده عليها، لم تتركها وهي تصفع الباب بكل ما امتلكت من قوة.
★***★***★***★***★***★***★
نام ولم يستيقظ إلا عشاءا، رغم كل المحاولات...علم من الخادمة أن والده ينتظره في منزل السيدة
" سهام"، فتأفف منزعجا وقرر الاستعداد والذهاب إلى هذا اللقاء.
هناك لقاءات لا تكون مثل أي لقاء أبدا، لقاءات لا ننساها، ولكن لما لا ننساها، ربما لأننا نعلم فيها حقائق مرة، حقائق تجعلنا نشتعل غضبا... لقاءات تخبرنا أن ما عرفناه عن الماضي ما هو إلا نقطة في بحر كبير.
كان لقاءه واحد تلك اللقاءات، لقاء نتج عنه أنه يقف الآن أمام أرض زراعية تابعة لمنصور.... يراها وهي تشتعل أمامه، ثم يغادر.... يغادر والحريق خلفه ولكن الحريق في عينيه لا يساوي أي حريق....يسير والنيران تشتعل من خلفه، حتى وصل إلى دراجته البخارية ركبها وكانت سرعته مجنونة، وكأنه دخل سباق مع البرق...سرعة لا تمكن أحد من التعرف على السائق أبدا... وصل أمام محل "هادية"، أوقف الدراجة حيث شعر بالاسترخاء وقد بدأت حالة اضطرابه في الزوال... ولكن النيران داخله لا تزول أبدا، يحتاجها ولكن لا، كان سيغادر ولم يتوقف إلا حين سمع صوتها تناديه، ذهبت " ملك" إليه وتركت الدكان، لمحت عينيه اللامعتين وكأنها أبت أن تسمح للدموع بالنزول فسألته بقلق:
عيسى مالك؟
بقى فقط ينظر لها فاحتضنت كفه تحثه بقولها:
تعالى طيب ارتاح شوية.
سار معها كالمغيب، دخل المحل فلم يجد به أحد، فأطلق لدموعه العنان، ظهر الحزن على وجهها وهي ترى انهياره هذا فسألته وقد بان في نبرتها التأثر:
مالك يا "عيسى"؟
توسلت عيناها قبل قولها:
طب ممكن تقعد ترتاح طيب، ومش عايزة اعرف.
_ مالي دي متتقالش في جملة يا " ملك" .
انتبهت له، وهي ترى عينيه والألم لا يرحمها، وهو يتابع:
أنا لو كنت بعرف اقول مالي مره واحده بس بصراحه، كنت عرفت أنا مالي.
مسحت على وجهه برفق وهي تطلب منه بعينين دامعتين:
اهدى، أنا جنبك ومش همشي، لو عايز تقول أي حاجه قولها.
احتضنته وكأنها تثبت له أنها هنا، جواره دائما وأبدا... لم يستطع منع نفسه، حين أبعدها ونظر إليها وهو يقول:
وكأني حاسس إني بقولها للمره الأولى في حياتي،
ومع إني عارف إنها مش من حقي أنا وأنها كانت حلمكم انتوا الاتنين... ورغم كل أنانيتي اللي طول الوقت بسمع عنها من اللي حواليا، أنا مش قادر أقولها... زادت حمرة عينيه وهو يتحدث بألم:
مش قادر اقوله أنا أسف يا "فريد"
سقط قلبها أرضا، شعرت بالخدر يتملك منها وهي تطالعه بذهول خائفة من جملته القادمة... فسألت بارتباك:
تقوله أنت أسف ليه؟
التقط كفها ووضعه على قلبه مكملا وكل منهما يحتضن الآخر بعينيه:
علشان ده دق ليكِ، وأنتِ السبب.
نزلت عيناها إلى موضع يدها على فؤاده وهي تستمع إلى البقية:
علشان أنا اللي شكلي حبيتك مش أنتِ زي ما قولتيلي على الجسر.
طالعته بدموع وهو يقول بصراحة اعتادتها منه:
لا مش شكلي...
احتضنها وهو يتذكر جملته لرزان حين سألته، يتكرر في أذنه صوته وهو يقول:
مليش في حوار الحب ده، ولو حصل هحطها في محمية طبيعية.
انتهى شروده، وتشبث بها أكثر ليخبرها أنه لا مجال للفرار، لا مجال لهربها وهو يصارحها للمرة الأولى:
أنا بحبك يا "ملك".
وقول آخر يُضاف إلى قائمة الأقوال التي لا تُنسى...
إلى القائمة المحفورة داخلنا، التي لا ننساها أبدا.