رواية وريث آل نصران الجزء الثاني الفصل الخامس والستون 65 بقلم فاطمه عبد المنعم
الفصل الخامس والستون (أب داعم)
رواية_وريث_آل_نصران
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد قلتها سابقا...إن الوقوع في الحب فخ
ولكنه فخ لو وُضِع أمام من عانى دائما مثلي، لاختار الوقوع فيه دائما بإرادته .... لاختار أن يكون أسيرا لمن قدمت له كل شيء ولم تطلب أي شيء.
إنها لحظة صعبة حين تدخل نفس المكان الذي كنت تدخله في المرات السابقة بكل حماس، ولكنك هذه المرة تدخله خائف.
جلس "حسن" في المنزل لدى "هادية"، قدمت له الشاي وهي تستفسر منه:
هو مش طاهر تحت؟
هز رأسه نافيا فانكمش حاحبيها وهي تقول:
غريبة، شهد قالتلي انه تحت وهي نزلتله... امال هما فين؟
جحظت عيناه حين سمع قولها، لقد أرسله " عيسى" إلى هنا خصيصا حتى يمنع "شهد" من لقاء "طاهر" ولكن من الواضح أن كل شيء قد حدث قبل مجيئه.
تناولت "هادية" هاتفها لتقوم بالاتصال بابنتها وهي تقول لحسن:
لو جاي علشان "رفيدة" يا "حسن" فهي نامت، سيبها بقى هنا النهارده.
لم تكد تنهي جملتها حتى فتحت "شهد" الباب ودخلت، ما إن طالعها "حسن" حتى علم أن ما حدث بينهما كارثة بالتأكيد... الحمرة التي غزت عينيها، وتقاسيمها لتدل على بكاء شديد، الخيبة التي تطل من عينيها ممزوجة بالقهر فيراها كل من لمحها.
أصاب الفزع والدتها من هيئتها وهرولت نحوها تهتف بقلق:
مالك يا "شهد" في ايه؟
لم تكن "شهد" معها بل حلت الشراسة بها وهي تطالع "حسن" ثم قالت:
كويس انك هنا.
وكأن جنون أصابها بعد هذه الجملة، هرولت إلى غرفتها، فوجدت "ملك" و "مريم" و"رفيدة" يتبادلن الأحاديث التي صمتن عنها تماما وهن يشاهدنها تفتح خزانتها بانهيار تخرج منها أربطة الشعر الكثيرة التي احتفظت بها، الغلاف الذي حوى الزهور التي قدمها لها، صندوق جففت به الزهور التي قدمها لها يوم أن أتى ليتقدم للزواج بها، كل هذه الأشياء جعلت "ملك" تسأل بقلق:
في ايه يا شهد؟
_ بتلمي الحاجات دي ليه؟
سألتها "مريم" فصاحت بانهيار:
محدش ليه دعوه بيا.
خرجت بهم ووقف "حسن" وهو يرى الأشياء التي تحملها في يدها، اتجهت بهم وفتحت باب المنزل وبدأت في إلقائهم في الخارج بكل عنف، أربطة الشعر أولا، ثم الأغلفة ثانيا، تلقي بكل جنون مما جعل والدتها تحاول منعها مستفسرة بذعر عن سبب حالتها هذه فصرخت:
سيبيني يا ماما.
فتحت الصندوق الصغير ونظرت للورود المجففة داخله، لم تستطع أن تلقيها كما فعلت بهم، لم يطع فؤادها هذا أبدا، فوضعت الصندوق بين يدي "حسن" وهي تهتف بضياع بان في انهيارها:
ادي دول لأخوك الواطي، وابقى عرفه اني رميت أي حاجه تخصه، علشان الأشكال اللي زيه متستاهلش غير ان كل اللي من ريحتها يترمي.
حاول "حسن" تهدئتها وهو يضع الصندوق على الطاولة قائلا:
شهد أرجوكي اهدي، أنا معرفش أنتِ وطاهر قولتوا ايه، لكن اعذريه ومتاخديش على أي كلمه قالها... يزيد اتخطف، وطول اليوم بندور عليه لحد ما اكتشفنا انه مع "حورية"، خالته من زمان عايزه تاخده ومكانتش عارفه علشان هي متجوزة وكده الحضانة تكون لينا احنا... بس دلوقتي عملت اللي في دماغها ومعاها اللي يثبت ان طاهر مش أمين على ابنه وتقدر تاخده...
" طاهر" متدمر يا "شهد" ده راح البيت عندها وقعد ينده على ابنه زي المجنون راحت بكل بجاحه قايلاله ابقى خده بالمحكمة واتصدمنا كلنا لما طاهر شد تليفونها علشان يشوف عليه الفيديو اللي بتقول إنه صاحبها اللي لقى يزيد في الشارع صورهوله وهو عمال يعيط، فلقينا صورك معاها... أنتِ فعلا تعرفيها يا "شهد"؟
أثر بها نقطة واحدة، أن الصغير لم يعد هنا لكن كرامتها ثائرة فصاحت في الواقف أمامها:
علشان أعرفها، ابقى أنا اللي سهلتلها إنها تاخده مش كده؟
_ أنا مقولتش كده يا " شهد" أرجوكي تقدري الموقف.
وكأنها لم تستمع له، ولم تستطع والدتها التحكم بها وهي تجذب الصندوق من على الطاولة وتضعه بين كفي "حسن" من جديد ناطقة وقد تسابقت دموعها:
أنا مش عايزه أسمع حاجه، مش عايزه أقدر أي حاجه... ادي ده لأخوك، لمله كل حاجته واديهاله... وعرفه إنه مكانش يستاهل إني أثق فيه لحظة واحده بس، صرخت ووالدتها تحاول تهدئتها:
عرفه إن هو اللي وحش أوي مش أنا.
هرولت من أمامهم ولحقت بها "هادية" تحثها على الانتظار بتوسل:
استني يا "شهد" علشان خاطري، استني قوليلي في ايه.
دلفت إلى المرحاض وأغلقت الباب خلفها بقوة، دخلت في نوبة بكاء عميقة، صمت أذنيها عن نداء والدتها المتكرر من الخارج، وذهبت بذهنها فقط إلى كلماتها له حين قالت:
أنا حبيت "طاهر" اللي حسيت معاه بمشاعر اتاخدت مني بالغصب زمان، حبيت الراجل اللي بيحب ابنه ومستعد يهد الدنيا كلها علشانه، واللي عمل علشاني كده برضو، اوعى يا "طاهر" في يوم تخليني اندم، اوعى تضيع النظرة الحلوه اللي بشوفها في عينك لما تبصلي.
ضحكت بسخرية على كلماتها، ضحكت وهي توبخ نفسها من بين دموعها:
هتفضلي هبله يا "شهد"، هتفضلي كده لحد امتى.
تذكرت ابتسامته المطمأنة بل الخادعة، تكرر في أذنها رده عليها حين هتف:
مش هقدر أفرط فيكِ يا "شهد"، يمكن مشوفتيش مني غير الحلو بس، ومقابلتيش عيوبي، بس حتى لو شوفتيها واعترضتي هتفضلي معايا بالعافية.
جلست على الأرضية ووضعت كفيها على أذنيها تمنع وصول أي صوت من الخارج لها وهي تردد بانهيار:
كداب... كداب
كررتها مره ثانية بنبرة أعلى بقهر شديد، ثم تركت نفسها للبكاء وهي تغطي وجهها بيديها وتتمنى لو تتبخر من هذا العالم، تتبخر وتنسى كل ما قاله... تتمنى لو لم يقل ما قاله أبدا.
لم تخرج " ملك" أو "مريم" أو "رفيدة" من الغرفة حيث أنه عند قدوم "حسن" أخبرته "هادية" أن الجميع نائم، ولكن بعد ما حدث لم يستطعن فخرجن ثلاثتهن، وفي نفس اللحظة خرجت "شهد" التي لم ترد على أي أحد فقط دخلت غرفتها وأغلقتها بعنف.... وقف "حسن" متحيرا لا يعلم ماذا يفعل ولم يقدر على شيء سوى أن يجذب شقيقته ليرحل بها وهو يطلب من "ملك" و"مريم" برجاء أن يحاولوا تهدئة شقيقتهم، حمل الصندوق بحزن، وتناول الأشياء الواقعة على الأرضية أمام بابهم وغادر المنزل وقد فشل ببراعة فيما أتى من أجله، لقد التقا الاثنان، التقا ونتيجة اللقاء شاهدها بعينه الآن.
★***★***★***★***★***★***★
علم بكل شيء، الاخفاء أكثر من ذلك لم يكن في صالح أي أحد منهم، خصوصا أمام ثورة والدهم العارمة، الذي ما إن دخلوا إلى المنزل حتى طلب سبب واضح لإختفائهم اليوم بأكمله، سبب بدون كذب ومبررات واهية، فانفجر "طاهر" يقول كل ما لديه، خطف ابنه، وجوده مع "حورية"، ونهاية ظنونه في " شهد" وقد ختم حديثه بقوله:
أنا سيبتها خلاص.
هنا تيقن "عيسى" أن "طاهر" التقى بها، كرر "نصران" خلف ابنه الذي يقف أمامه بجوار "عيسى" كتلاميذ تنتظر العقاب:
سيبتها خلاص!
استدار "نصران" بعينيه إلى "عيسى" يسأله بنبرة ذات مغزى:
وأنت عندك حاجه تقولها؟... ما انا بقيت زي الأطرش في الزفة، ومصايبكوا وخبايكوا كلها معرفش عنها حاجه.
أدرك "عيسى" أن هذه الكلمات هي نتيجة متوقعة للقاء والده بسعد وقبل أن يرد، دخل "حسن" من البوابة وجواره شقيقته فصاح "نصران" مهللا:
يا أهلا يا أهلا.
نظر الاثنان لبعضهما ووجه "نصران" حديثه لحسن أولا:
عارف العيب مش على اللي خد الواد، العيب على اللي كان معاه.
ثم توجه إلى ابنته:
إذا كان اللي بقول عليهم رجالة كل واحد فيهم ماشي بدماغه ونسيوا إن ليهم كبير يرجعوله، هستنى منك أنتِ إنك تيجي تحكيلي اللي حصلك.
شعرت بالخزي من موقفها، تقدمت هي وحسن ليقفا جوار "عيسى" و "طاهر" فسريعا ما انتقلت عين "طاهر" إلى ما بيد "حسن"... أشياء يعرفها جيدا عدا هذا للصندوق الصغير، لم يستطع منع نفسه من سؤال:
ايه اللي في ايدك ده؟
طالع والده بريبة قبل أن يجاوب قائلا:
شهد قالتلي اديهوملك.
_ مقالتش حاجه تانية؟
هكذا سأل "نصران" فتنقلت نظرات حسن بين والده وطاهر الذي هتف بغضب:
اخلص وقول اللي قالته كله.
هتف بضجر وقد سأم من ضغطهم المتواصل عليه:
قالتلي ادي دول لأخوك ال...
بتر عبارته حين همس "عيسى" له:
لو شتمته متقولش، علشان ما تتروقش.
شتته الجميع ولكن حسم الأمر وقال:
هي قالتلي اديلك دول، وإنك متستاهلش إنها تحتفظ بحاجه من ريحتك، وبتقولك إن مفيش حد وحش غيرك.
ابتسم "نصران" باستهزاء وهو يوجه سؤاله لطاهر:
إلا قولي صحيح لو طلع اللي في دماغك ده أوهام، وفاهم غلط هتعمل ايه ساعتها؟
_ أنا مش عايز حاجه دلوقتي غير ابني، أي حد تاني مش مهم وخصوصا لو كان مساهم حتى ولو بجزء صغير في إنه يروح مني.
صاح فيهم جميعا بغضب:
أتفو على دي تربية.
تابع يعد لهم أفعالهم مذكرا:
الاتنين الكبار اختهم كانت هتروح مننا، ويعملوا فيها رجالة ويروحوا بجيبوها ومحدش منهم يكلف خاطره يقولي
لم يعلم حسن شيء عن هذا فنظر إلى شقيقته مستفسرا ولكن قطع ذلك متابعة والده:
الأستاذ التاني، مصايبه في كل حته، وكل شوية عاكك حاجه وأنا اللي بشيل.
أشار على ابنته الثالثة مكملا:
وأنتِ بسبب غبائك خليتي حتة عيل يلعب بيكِ الكوره.
في وسط كل هذا يبحث "عيسى" عنها بعينيه ولكنها غير متواجدة في الأجواء، يرغب في معرفة ما حدث الآن بشدة بين والده وزوجته.
_ أنا مش عايز أشوف وش حد فيكم.
كانت هذه جملة "نصران" الأخيرة حيث قالها قبل أن يدخل غرفة مكتبه، ليتركهم جميعا في الخارج.... خرجت "تيسير" من المطبخ فسألتها "رفيدة":
ماما فين ؟
جاوبت وقد بدا على وجهها الحزن:
الست في البيت التاني.
لم يستطع " عيسى" منع ابتسامة صغيرة ظهرت على وجهه ولكنها اختفت في اللحظة التي قال فيها "طاهر":
خدي يا " تيسير" الحاجات دي ارميها.
واجه "عيسى" الواقف جواره بنبرة تحذيرية:
أنا مش هلومك انك شكيت اول ما شوفت الصور، عادي انك تشك، لكن أنت بنيت حكمك على اللي دماغك رتبته... اوعى دماغك تسوحك يا "طاهر" علشان هترجع تزعل اوي.
_ مبقتش فارقة خلاص.
قالها بحزن ظهر جليا على وجهه فتدخلت "رفيدة" التي طلبت من "تيسير":
طلعيهم أوضة " طاهر" يا "تيسير".
لم يعترض على ما قالت، توجه بخطوات ثقيلة إلى غرفته وتبع ذلك قول " حسن":
عيسى أنا مش هنام إلا لما أجيب الواد من الزفتة دي، أبوك وأخوك عندهم حق أنا اللي غلطان، ومش هقعد إلا لما أرجعه زي ما أخدته.
_ هي "حورية" خدت يزيد ازاي؟
سألت "رفيدة" فحثها "عيسى" بقوله:
اطلعي يا "رفيدة" ارتاحي دلوقتي اليوم كان طويل، والصبح نبقى نتكلم.
هزت رأسها موافقة ولكنها توجهت أولا ناحية غرفة المكتب الخاصة بوالدها، لم يسمح لها بالدخول فدخلت دون السماح... واقتربت منه تنظر للأسفل بحزن:
بابا أنا أسفة.
طالعها بعتاب، فلمع الاستعطاف في عينيها وهي تقول:
أنا مش خايفة منك علشان عارفه إنك بتحبني أكتر حد في الدنيا، بس أنا خايفة من زعلك، أنا و "عيسى" و "طاهر" لما قررنا إننا منتكلمش كان علشان متحسش إني مستحقش ثقتك... هما عاتبوني وخدوا جنب وزعلوا وأنا اتعلمت الدرس...
اقتربت منه أكثر وتناولت كفه تنطق برجاء:
ممكن تعتبرها غلطة ومش هتتكرر...
نزلت دموعها وهي تصارحه:
أنا فعلا غبية يا بابا زي ما أنت قولت.
وقف وترك مقعده، طوال عمرها مدللته، لا يقبل عليها أي شيء، احتضنها وربت على خصلاتها محذرا:
أنا بس اللي أقولها، لكن أنتِ متقوليش ولا حد يقول غيري.
_ لو فضلت زعلان مني هقولها كتير.
هتفت من وسط نحيبها فابتسم على شقاوتها الدائمة وقال:
لا أنا زعلان منك، بس مش هشد عليكِ علشان عرفت منك إن أخواتك شدوا، وهعتبرها غلطة وعدت وهشيل الزعل و اسامحك عليها، بس توعديني أي حاجه مهما كانت تيجي تحكيهالي.
أسرعت تقول بابتسامة واسعة:
والله يا بابا أي حاجه مهما كانت هاجي احكيهالك جري بعد كده.... كسا الحزن وجهها مره ثانية وهي تسأله بخوف:
هو "يزيد" هيفضل مع "حورية" علطول؟
هتف "نصران" بحزم وقد قست تقاسيمه وهو يتذكر ما حدث:
هيرجع، حتى لو اضطريت اني ارجعه بنفس الطريقة اللي خدته بيها... قوليلي صحيح هو يوم اللي حصل "عيسى" بس اللي قابل الواد الزفت ده؟
هزت رأسها وهي تخبره:
ايوه طاهر خدني وروح.
لا يعلم أحد أن "سعد" ابن شقيق "سهام" سوى ابنه و "سهام" وهو، حتى "طاهر" لم يخبره "عيسى" ويجب أن يعرف من ابنه سبب اخفاء شيء كهذا ولكن حين خرج ليحضره إلى المكتب لم يجده!
★***★***★***★***★***★***★
سيارة "حسن" في الأمام تتبعها سيارة "عيسى" من الخلف، توقف "عيسى" بسيارته أمام منزل "هادية" وأشار لشقيقه بعينيه أن يكمل وهل يتذكر اتفاقهما قبل دقائق:
اطلع أنت على بيت "حورية"، اقف بالعربية بعيد، تراقب الدنيا، الواد دلوقتي مش عندها، يعني يا هتروح تجيبه، يا حد هيجيبهولها... وأنا هعمل حاجه واجي وراك.
ينفذ الآن " حسن" ما قاله "عيسى" أكمل بسيارته نحو منزل "حورية" ونزل "عيسى" من سيارته متجها إلى الأعلى، حين دق الباب فتحت له "مريم" فاعتذر:
أنا عارف إنه مينفعش أجي في وقت متأخر زي ده، بس مضطر.
_ أنت بتقول ايه يا "عيسى"، اتفضل طبعا.
أدخلته " مريم" إلىحجرة الجلوس الصغيرة وأغلقت الباب ثم ذهبت لتنادي والدتها.... في نفس التوقيت كانت "ملك" جوار شقيقتها التي استقرت داخل أحضانها تبكي بصمت، لم تقص عليهم أي شيء، فقط قالت:
محدش يجيبلي سيرته.
لم يضغط عليها أحد بسبب انهيارها، مسحت "ملك" على خصلاتها وهي تبثها كلمات داعمة:
متزعليش، مع إني عارفة إنك هتزعلي، بس أنا مش هضغط عليكِ جايز لما تقدري تحكي نقسم الزعل سوا.
كانت والدتها تحضر لها مسكننا للصداع ولكنها غفت، علمت "ملك" ذلك حين شعرت باستكانتها فأراحت رأسها على الفراش، وفردت ساقيها... ثم اتجهت إلى الخارج تبحث عن والدتها، رأت الضوء في حجرة الجلوس ففتحتها لترى هل والدتها بالداخل، وحين وقعت عينها على "عيسى" شهقت بصدمة وأغلقت الباب مره ثانية.... أتت "هادية" مع "مريم" على هيئتها هذه فسألتها والدتها:
في ايه أنتِ كمان؟
_ أنا بحسبك أنتِ اللي في الأوضة، لقيت "عيسى" قدامي اتخضيت.
أنهت كلماتها وابتعدت وهي ترى والدتها تفتح الباب وتدخل له سائلة قبل أي شيء:
طاهر قال لشهد ايه يا عيسى عمل فيها كده؟... قالها انزلي قابليني نزلت وطلعت وحالها مبدول، أخوك ملبس خطف ابنه فيها مش كده؟
قبل أن يطلب منها الهدوء تابعت مدافعة بشراسة:
قوله مش بنتي يا "عيسى"، وفكره كويس إن لولا
" شهد" دي أنا مكنتش وافقت على الجوازة دي... أنا عمري ما اعتبرت "يزيد" ابنه بس، اعتبرته ابني ده كان بيقعد معايا هنا أكتر ما بيقعد معاه، وهو بعينه شاف معاملة شهد ليه، اخرة ده كله يتهمها يا "عيسى"؟
وقف " عيسى" واقترب منها طالبا:
أنا من الصبح بتعامل مع ناس كلها منفعلة، من فضلك تهدي، وأنا لو "شهد" ليها حق هجيبهولها لحد عندها... سؤال واحد بس "شهد" علاقتها ايه بحورية؟
بدأت "هادية" في سرد ما قصته عليها ابنتها مسبقا:
الست اللي اسمها "حورية" دي كلمتها من فترة، قبل ما أخوك يجي يتقدملها، قالتلها إنها تبع شركة سياحة وإنهم عاملين زي منحة كده بياخدوا واحد من كل كلية وكل واحد من اللي خدوه بيقدم مشروع يوريهم ازاي يقدر يقدم أماكن سياحية بطريقة كويسه، واللي الشركة بتختاره بيتدرب معاهم ولو كويس بيكمل معاهم.
في نفس اللحظة، كان "طاهر" داخل غرفته، يجلس فقط وعيناه على ما أعادته له، وقلبه مشغول بالاثنين، بابنه وبها، فتح هاتفه ليجد رسالة تخبره أن عميدة كليتها حاولت الاتصال به كثيرا، لم يكن هناك إشارة فلم تصله مكالماتها ولكن وصلته رسالة منها على تطبيق (Whattsap ) كتبت فيها:
مساء الخير يا كابتن، أنا كلمت ناس تاني أتأكد من موضوع المسابقة ده، وطلع الكلام ده اتقال فعلا في الكلية، بتوع الاتحاد قالوا إن حد تبع اتحاد كلية تانية قالهم عن المسابقة وإن في طالب هيترشح من عندنا، لكن مجاليش أي أخبار إنهم بالفعل اختاروا طالب... لكن المسابقة نفسها موجودة وبتوع الاتحاد عندهم علم بيها.
ظل يطالع الرسالة يحاول فهم أي شيء ولكن عقله توقف عن فهم كل شيء.
كان "عيسى" يستمع لبقية حديث "هادية" باهتمام حيث أكملت:
راحت "شهد" قابلت الست دي وقالتلها التفاصيل وعنوان الشركة، وسألت في كليتها وناس زمايلها قالولها المسابقة موجودة بس لسه مرشحوش حد... فعرفت ساعتها إن هي اللي اترشحت بسبب مكالمة الست ليها.... وكانت بتروح تصور أماكن هنا في اسكندرية، علشان تاخد الصور وتشتغل عليها وتدخلها في اللي بتعمله... ولا نعرف إن الست دي خالة يزيد ولا أي حاجه.
_ مكلمتهاش على واتساب قبل كده؟
أخذت تتذكر لترد على سؤاله ثم جاوبت:
اه افتكر مره، شهد ورتني لما كلمتها اول مره و بعتتلها التفاصيل بتاعة المسابقة.
فتحت "هادية" الباب لتحضر هاتف ابنتها ولكن وجدت "ملك" وشقيقتها في وجهها فلم يستطع "عيسى" منع ضحكته ونظر للأرضية وهو يسمع "هادية" تقول:
اتنططوا كمان... وجهت حديثها لمريم بعد ذلك:
اجري هاتي تليفون "شهد".
استأذن " عيسى" حيث يجب عليه الانصراف الآن:
لا أنا لازم امشي، ملك تاخد الشات اسكرين وتبعتهولي من تليفون "شهد".
هزت " هادية" رأسها موافقة، وتحركت معه نحو الخارج، أشارت "هادية" لابنتها حتى ترافقه إلى أسفل، وما إن وصل إلى سيارته حتى قال:
خلاص يا "ملك" اطلعي أنتِ، وابعتي اللي قولتلك عليه.
بدا الإرهاق جليا على وجهه فسألته:
هو أنت تعبان؟... أنتوا كلكم اللي زعلان واللي تعبان.
قالت جملتها الأخيرة بحزن على حالهم جميعا فجاوبها بما جعلها تصمت تماما:
لا مش تعبان، بس أنتِ وحشتيني أوي.
غزو الارتباك هذا يجعلها تفعل أي شيء فأردفت وكان واضحا ارتباكها:
ماما بتنده.
تحركت مسرعة إلى الأعلى، وابتسم هو ثم ركب سيارته وقادها إلى وجهته المنشودة.
★***★***★***★***★***★***★***★
وصل إلى منزل "حورية"، ترك سيارته في منطقة بعيدة نسبيا عن منزلها، وتوجه إلى سيارة شقيقه الواقفة، دخل " عيسى" إليها وهو يسأله:
مفيش حد جه؟
هز "حسن" رأسه نافيا ولكن أخبره بالجديد لديه:
هي كانت واقفه في الشباك من شويه بتكلم حد، لكن مفيش حد جه.
بقا معا داخل السيارة حتى حدث ما انتظراه، أحدهم أتى، أوقف سيارته أمام منزل "حورية" ونزل وهو يحمل الطفل حيث كان نائما بين يديه.
تفحصه "عيسى" جيدا ووصل إلى النقطة نفسها التي وصل لها شقيقه حيث قال:
عيسى، الراجل ده أكيد هو صاحبها اللي قالت إنه لقى "يزيد".
لم يدم بقاء الرجل لدى صاحبة المنزل كثيرا، حيث خرج بسرعه فلحق به " عيسى" ... ظل خلفه حتى وصلوا أمام منزله وما إن نزل من سيارته حتى نزل "حسن" و أخوه من السيارة، تقدم "عيسى" ليصبح جوار الرجل وهو يقول:
بقولك ايه ... متعرفش طريق أقرب قسم من هنا فين؟
طالعهما بشك ثم دلهما على مكانه، وأتى ليرحل ولكن أحكم "عيسى" يده على ذراعه وهو يقول ضاحكا:
لا على فين، ما أنا بسأل على أقرب قسم علشان أخدك عليه.
حاول التملص منه بعنف وهو يصرخ في كليهما:
أنتوا عايزين ايه ؟
برر "عيسى" بمكر:
أصل احنا ابننا اتخطف، واللي لاقيته خالته، روحنا علشان ناخد الواد منها مرضيتش، قولنالها طب لقيتيه فين... يهديكي يرضيكي من هنا هنا قالتلنا دي صورة اللي خطفه، وده رقمه اتصل ساومني... ولسه مكلمانا حالا قايلالنا انك لسه خارج من عندها بعد ما قبضتك ورجعتلها الواد.
ابتسم "حسن" وهو يثبته مع شقيقه وسمعا الاثنان اعتراض المحتجز:
دي كدابة والله العظيم... أنا مخطفتش الواد، هي قالتلي اروح مكان هلاقي الواد فيه، واعمل نفسي اني لاقيته واتصل بيها اقولها، وهو كان شافني مره قبل كده فعرفني، لكن أنا مخطفتهوش والله، حتى فضل معايا ولسه مروحهولها البيت دلوقتي، الفلوس اللي اديتهالي كان علشان اني ساعدتها... هي قالتلي انكم مبتخلوهاش تشوفه، وانها مش هتعرف تاخده منكم غير بالطريقة دي.
بطلت حجتها الآن وكان نتيجة ذلك أن بعد ساعات لا يعلم أحد ما حدث فيهم سواهما عادا إلى المنزل ولكن بصحبة الصغير، لم يكن في استقبالهم سوى والدهم، حيث وضع "عيسى" الطفل النائم بين يديه قائلا بعتاب:
الواد اهو، علشان متتفش على تربيتك تاني يا حاج.
قبل أن يسأل "نصران" عما حدث، نطق "عيسى ":
من حقنا نرتاح شويه بقى، ياريت لو سمحت يا بابا تأجل أي كلام لبكرا... المهم دلوقتي انه رجع.
الآن فقط يستطيع " حسن" النوم، أخذ الصغير من والده هاتفا بغيظ:
الواد ده أنا شقيت عليه النهارده أوي، فسيبوهولي بقى علشان أنا هتاجر بيه بعد اللي عملتوه فيا.
أخذ نصران الصغير منه وشملهما بنفس نظراته المنزعجة، وصعد إلى الأعلى فنصح "عيسى" شقيقه:
اطلع نام اطلع.
قالها وتوجه إلى الحديقة الخارجية، أراح ظهره على المقعد الخشبي في الخارج، وفتح أخيرا هاتفه مكالمات كثيرة فاتته اليوم من صديقه ومن "باسم" أيضا فرفع حاجبه باستغراب.... فتح التطبيق الذي أرسلت عليه "ملك" الصورة التي طلبها، أرسلتها له من هاتف "شهد" كما طلب، رد عليها حين وجد أنها متصلة:
شكرا يا "ملك".
_ العفو... أنت روحت؟
لم يتوقع الرد بهذه السرعة، وبعد سؤالها تيقن أنها هي وليست إحدى شقيقاتها فكتب لها:
اه أنا في البيت... أنتِ عايزه حاجه؟
أتاه ردها بعد دقيقة حيث أرسلت:
لا مش عايزه، بس بطمن... أنا مش عارفه أنام، زعلانة أوي على " شهد" ، هو قالها ايه يا "عيسى"؟
_ معرفش قالها ايه، بس الأكيد إنه قال حاجه وصلتها لكده، لما يصحى الصبح بقى.
بعد كلماته هذه كتبت له بحرج:
خلاص أنا هسيبك تنام بقى... تصبح على خير.
لم تتوقع رده، ولكنه بالفعل جعلها تبتسم حين رأت رسالته:
لو مش هتنامي... خليكِ أنا مش هنام دلوقتي، أنا كده كده رايح القاهره الصبح، تيجي معايا؟
_ بلاش، كل مره بنروح هناك بنرجع بمصيبة وكفايه أوي اللي عندنا في البيت.
ضحك على جملتها ثم قال:
مصيبة واحده بس؟
ابتسمت وهي ترد بالسبب الحقيقي:
شهد لازم أكون جنبها، مش هينفع أسيبها الصبح وامشي حتى لو هنرجع بالليل.
قدر سببها وأخبرها:
خلاص مش مهم، هروح لوحدي وحتى على الأقل أرجع من غير مصايب.
_ طيب ارتاح شويه بقى، وخلي بالك من نفسك... لما ترجع ابقى طمني.
لم يستطع منع نفسه من قولها:
ملك هو أنا ممكن أشوفك دلوقتي؟
انكمش حاجبيها باستغراب وهي ترسل له:
دلوقتي ايه... احنا الساعه سته الصبح.
_ مش الفجر يعني، متبقيش أوڤر... انزلي عايز أشوفك .
طالعت رسالته بغير تصديق واعترضت قائلة:
لا مش هينفع، ماما نايمة ومش هقلقها واصحيها علشان أقولها إني هنزل.
كتب لها ما جعل ضحكتها تتسع:
لو منزلتيش هاجي أنا واخبط وأقلقكوا.
تبع ذلك برسالته الاخرى:
تلات دقايق انزلي، هقولك حاجه بس واطلعي تاني.
لم يعطها فرصة للتفكير بل تبع ذلك برسالة حاسمة:
أنا جاي.
فعلها وبالفعل بعد دقائق وصل إلى المحل، وجدها تجلس في داخل المحل الخاص بهم وهي تقول بغيظ:
يعني ينفع كده؟
دخل إلى الدكان، و هو يقول:
اه نفع عادي أهو.
لمحت كيس بلاستيكي بيده، وأعطاه لها مكملا:
امسكي ده.
طالعت الكيس باستغراب ثم سريعا ما عرفت ما بداخله فأردفت:
ايه ده؟
_بدل اللي ضاع.
هاتف اخر بدل القديم، نظرت للإسم المدون على علبة الهاتف ثم أعادته إلى يده قائلة باعتراض:
عيسى لا أنا مش هقدر اخده، وبعدين ده مش زي اللي كان معايا.
هو بالفعل أفضل مما كان معها بكثير، ولا تستسيغ أن تقبل منه شيء كهذا، تابعت بلطف:
أنا ماما هتجبلي واحد تاني، بس مش هاخد ده.
_ هو ايه الكلام ده!... وايه ماما هتجبلي دي معلش، طب ما انا جبت اهو.
قال هذا بانزعاج جعلها تقول:
أنا متعودتش اخد حاجه زي دي من حد.
كرر خلفها باستنكار:
حد!... أنا عايز أعرف حاجه، هو ليه أنتِ وماما ساعات بحسكوا مسقطين حوار إن احنا متجوزين ده؟
أكمل بضجر:
اعتبري بتاعك ضاع بسببي وده بداله.
وضعه بين يديها من جديد مضيفا:
اعتبريني أمك أقولك ايه تاني؟
لم تستطع منع ضحكاتها، أخرجت العلبة من الكيس وطالعتها من جديد وهي تقول بحرج:
أنا مش عارفه أقولك ايه والله... شكرا يا "عيسى".
فتح ذراعيه على مصرعيهما قائلا بضحكة واسعة:
لا مش شكرا.... حضن كبير بقى.
أبعدته وهي تدفعه نحو الخارج ناطقة بغيظ:
روح يلا على بيتكوا.
_ أخرتها كده يعني؟
قالها ضاحكا وهو يخرج هاتفه ليرد على صديقه الذي لم يكف عن الاتصال أجاب معتذرا:
معلش يا " بشير" أنا معرفتش أرد امبارح، هرتاح شويه وابقى احكيلك.... قولي في ايه؟
جاوب صديقه وقد ظهر في نبرته أثر ضيقه:
بيريهان هتتجوز يا عيسى.
رد عليه قائلا:
ما انا قولتلك كلمها كتير قبل كده.
_ هتتجوز "شاكر".
جملة صديقه ألجمته وجعلته يردد خلفه بصدمة:
شاكر مين؟
اسمه بالنسبة لها يُخضر كل ما هو مقيت إلى عقلها، قبضت على كف " عيسى" وشعر هو بالرعشة التي أصابت كامل جسدها، تحولت نظراتها إلى اخرى رافضة لوجود اسمه امتزجت بدموعها فحاوطها "عيسى" بذراعه وهو يستمع من صديقه عن هذه الزيجة ولم يكتمل استماعه حيث وجدا الاثنان "باسم" أمامهما يقول:
أنا قولت طالما مش هتنزل... اجيلك أنا.
ابتسم خاتما:
صباح الخير على الحلوين.
_ اطلعي فوق يا "ملك".
هزت رأسها وأعطته المفتاح طالبة بنبرة منخفضة:
قبل ما تمشي ابقى اقفل وحط المفتاح في المدخل.
عكر صفوه بقوله:
ليس بس تطلع فوق، ما تسيبها.... مكنتش كده خالص يا " عيسى" ولا اتعلمت تدي أوامر وسيبت الديموقراطية.
ما إن مرت "ملك" من جوار باسم حتى قال:
بلاش تاخدي أوامر،
ولا تبقي تابع زي دلوقتي كده.
ثنت ذراعها وهي تطالعه بحدة، ثم سريعا ما ضربته بكوعها في فكه مباغتة.... وهي تحذره:
أنا مش تابع لحد... واتعلم تتكلم كويس.
يطالعها "عيسى" بفخر، فخر أب يرى تقدم ابنته أمام عينيه، غمز لها ضاحكا، و ابتسمت هي أثناء خروجها لتصعد للأعلى، وما إن خرجت حتى اقترب "عيسى" من الواقف يمسح على فكه متأوها ورد التحية التي لم يردها:
صباحك زي وشك بالظبط.
وكل منهما يطالع الاخر بنظرات معادية، نظرات لا تمثل سوى إنذار للحريق.