رواية وريث آل نصران الجزء الثاني الفصل الرابع والستون 64 بقلم فاطمه عبد المنعم
الليل صعب، مذاقه حرمان..
والقلب أدمته ليال طوال..
أتظنني أغفر له مهما أتى وتوال؟..
كيف يكون غفراننا لمن رمى بسهام؟
لا لست قاسية وربي... إنها الآلام...
فالليل أفقدني عزيزا، وتحطمت آمال
لأردد في حسرة للصبح والأنوار:
آه حرام هجركم... يسلب الأمان.
فعل "حسن" ما بوسعه ليجد الصغير، هرع إلى المحل الذي دخله قبل اختفاء الطفل، لم يبخل أي شخص بالمساعدة، تم تفريغ الكاميرات وتيقنوا من عدم دخول الصغير للمحل مطلقا، وحين طلب نفس الشيء مع آلة المراقبة المتواجدة أمام المحل هتف الرجل بخيبة:
والله يا أستاذ عطلانة، بتوع الصيانة جايين النهارده... أنا عملت اللي اقدر عليه، والطريق هنا مش كله كاميرات، اللي عنده حاجه خايف عليها هو اللي بيحط بس، الناس على قدهم.
بهت وجه "حسن" وضرب على رأسه بانفعال، وما هي إلا ثوان حتى سمع صوت "طاهر" من الخارج ينادي عليه بنبرة ظهر فيها كل غضبه:
يا حسن.
خرج له، يتقبل منه أي شيء في هذه اللحظة، هو يستحق كل ما سيحدث، ما إن وقعت عين "طاهر" عليه حتى سأله:
يزيد فين؟
طالعه يحاول التوضيح مجددا، وإضفاء الهدوء على الأوضاع للبحث عن حل، نطق أخيرا بعد تردد:
والله يا "طاهر" اللي حصل هو اللي قولتهول....
قاطع جملته بدفعة عنيفة مما أدى إلى اصطدام ظهره بالسيارة وهو يسمع صراخ "طاهر":
أنت مش راجل ياض... العيل اللي أنت ضيعته ده أرجل منك.
كور " حسن" قبضته محاولا بكل جهده الثبات وهو يكرر طلبه:
اهدى يا "طاهر" لو سمحت علشان نعرف نتصرف.
_ هو أنت عقلك فوت منك خلاص؟... اللي ضاع منك ده ابني مش فردة شراب... لما أنت نازل من الزفت العربية مبتقفلش الباب ليه؟
برر "حسن" سريعا تصرفه ردا على تساؤل أخيه:
يا "طاهر" أنا كنت بجيب حاجه من هنا أقسم بالله، وقولتله يستناني، أنا مغيبتش عنه غير كام دقيقة.
وضع "طاهر" كفه على جبهته يحاول التفكير في كل ما يحدث، ولكن لا شيء يساعده على هذا، لا شيء يساعده وخاصة وهو يسمع صوت هاتفه... أخرج الهاتف سريعا من جيبه ليجد اسم خالة طفله في خانة المتصل، أجاب مسرعا بلهفة... لهفة أعطته أمل أنه بمجرد فتح المكالمة ستخبره "حورية" بأن "يزيد" معها وينتهي كل شيء... قال أولا بنبرة حاول أن يسكن انفعاله فيها:
ألو
أجابت عليه:
ألو يا "طاهر" ازيك، بقولك ايه أنا وصلت اسكندرية من شويه ينفع اعدي اخد الولد يقعد معايا يومين؟،
و أرجوك بلاش تقول لا زي كل مره.
أغلق الهاتف، لم يستطع فعل أي شيء سوى إغلاقه ثم نظر لأخيه وقد تحطمت أماله وصارت سراب:
خالته متصلة بيا تقولي انها عايزه تاخده عندها يومين... اقولها ايه؟، معلش أنا ضيعته ؟
هو محق مهما فعل، كذلك حدث "حسن" نفسه وفي داخله أمنية واحده ألا وهي بعض التعقل يحل على أخيه الآن حتى يستطيعا البحث عن حل.
★***★***★***★***★***★***★
وقفت "هادية" في مطبخ منزلها، التقطت منشفة صغيرة تخرج بها الكيك الذي صنعته، وضعته ليفقد جزء من سخونته العالية، ثم ذهبت لصب الشاي وهي تسأل "ملك" التي دخلت المطبخ للتو:
هو في ايه يا " ملك" فهميني؟
هتفت "ملك" بما لديها، وقد أصابها كل ما حدث بالتشتت:
معرفش يا ماما حقيقي معرفش، زي ما أنتِ شوفتي كده بعد ما وديت "مريم" الامتحان ورجعت لقيت "رفيدة" في الطريق ماشيه مع الاسطى "عز" وكانت خايفة، وطلبت مني امشي معاها لحد البيت فقومت معاها و سيبت المحل ولما روحت معاها، لقيت واحد جه ورانا وبيقول كلام غريب واتخانق مع عيسى، أنا مفهمتش حاجه.... هو بس اللي حصل إن "عيسى" قال لعز يروحنا على هنا، فمش عارفه في إيه، وهي مش راضية تحكي.
كانت هادية تستمع باهتمام لما تقوله ابنتها، التي ما إن انتهت حتى ناولتها والدتها الحامل المعدني به الشاي وطبق حوى قطع من الكيك وهي تحثها قائلة:
طب روحيلها اجري، علشان مفيش حد هنا غيرك بدل ما تقول سايبني لوحدي.
وافقت والدتها وأخذت منها الحامل متوجهة به إلى غرفتها التي استضافت بها "رفيدة"، دخلت بعد أن دقت الباب ثم قالت بحماس:
ماما عارفه إنك بتحبي الشاي، بس مفيش فطير زي المره اللي فاتت، المره دي في كيكة.
صدمت "ملك" الدموع في عيون "رفيدة"، ودت لو صرحت أنها تخشى أن يقول "سعد" كل شيء لوالدها فتسقط من نظره... اقتربت "ملك" منها تربت على كتفها فاحتضنتها "رفيدة" وأطلقت لدموعها العنان.
فى نفس التوقيت
لم يهتم "عيسى" بأي شيء مما يحدث في الأسفل، هرول إلى غرفته يخلع ملابسه البيتية ويسحب سروال من الجينز ارتداه على عجلة وكذلك القميص الذي أخذ يغلق أزراره وهو ينزل الدرج وما إن وصل أمام مكتب والده حتى ناده:
تعالى يا" عيسى".
طالع "عيسى" سعد الجالس على أحد المقاعد أمام مكتب والده، وبحث بعينيه عن "سهام" في الغرفة فلم يجدها، سمع والده يحثه بحديثه:
اقعد علشان نشوف الأستاذ عايز ايه.
طلب من والده وهو ينظر في هاتفه يتصل بطاهر للمرة العاشرة:
بابا معلش شوفه أنت، في حوار عند "طاهر" ولازم أبقى معاه.
ثم تابع بسخرية لاذعة ونظراته تحيط بسعد:
وعموما متحترمهوش أوي كده وتقول عليه أستاذ ليتغر، هو ولا أستاذ ولا حاجه ده ابن...
قبل أن يسبه أوقفه والده بإشارة من يده ونظرات تحذيرية وهو يسأله باستنكار:
طول ما انا معرفش في ايه يبقى متطاولش عليه.
احترم رغبة والده وقرر عدم الاسترسال ناهيا النقاش في الأمر بقوله:
طب يا بابا اعرف منه في ايه بقى، وساعتها أنت اللي تقول كلمتك... لكن دلوقتي لازم أروح لطاهر.
_ في ايه ماله "طاهر"؟
سأله نصران فتردد "عيسى" هل يجاوب أم لا، خشى أن تكون إحدى أفعال "حسن" السخيفة فلن يفعل قوله شيء سوى إدخال الذعر على قلوبهم، لكن "طاهر" و "حسن" لا يجيب منهم أحد على الهاتف، هذا ما يؤكد له أن هناك شيء ما.
حسم موقفه فقرر عدم اخبار والده في الوقت الحالي وبرر رغبته في الذهاب بقوله:
مفيش، بس هو اتصل بيا وقالي اروحله... هو خرج من شويه فأكيد حصل حاجه علشان عايزني، بس هو مقالش في ايه.
أصاب القلق قلب" نصران" فسمح لابنه بالذهاب وأسرع ينبهه:
اتصل بيا يا "عيسى" وابقى طمني في ايه.
هز "عيسى" رأسه موافقا وقبل رحيله مال على "سعد" محذرا:
لو جاي تحكي، احكي كل حاجه زي ما حصلت متجودش علشان تطلع نفسك الملاك، علشان أنا هرجع وهحكي وكلمتي هتبقى قصاد كلمتك، وعايزك تعرف أن أي كلمة بتتحط قصادي بيبقى مصيرها ده.
أنهى جملته وهو يشير على سلة المهملات الصغيرة في الغرفة، ثم غادر وترك المجال لوالده، وما إن خرج حتى لحقت "سهام" به لتفهم أي شيء ولكنه لم يرد عليها، كررت النداء وهي تلاحقه في خطواته لتعلم هوية من في الداخل ولكن ركب سيارته وقادها مسرعا متجاهلا كل شيء منها.
★***★***★***★***★***★***★
طلب مقابلتها كثيرا، دائما ما تعتذر بأنها في الاسكندرية ولكن لسبب ما قررت العودة للقاهرة، إلحاحه أثار فضولها فعليا... جلست "بيريهان" في مقهى شبابي بالعاصمة وقد وصلت قبل قليل، جلست تنتظر "بشير"، ولم يطل انتظارها حيث رأته يدخل من البوابة وكما تعودته دائما حسن الطلة، يهتم بنفسه كثيرا كصاحبه فيبدو جذاب لأي واحدة، حتى هي كان لها كذلك في يوم من الأيام.
أبدى اعتذار لطيف رافق ابتسامته الواسعة:
أنا أسف يا " بيري" لو اتأخرت عليكِ.
كان الإجهاد واضحا على ملامحها وكذلك في ابتسامتها الصغيرة وهي تخبره:
لا أبدا، أنت واصل في الميعاد بالظبط.
أتى النادل فطلب "بشير" دون الرجوع إليها:
اتنين مانجا لو سمحت.
ضحكت وهي تسأله بغير تصديق:
معقول لسه فاكر؟
_ أنا مبنساش، مخي دفتر زي ما بيقولوا.
قال هذه الكلمات لترد هي عليها بقولها:
طيب أنا نازلة القاهره النهارده مخصوص علشانك، ولازم أرجع اسكندرية تاني النهارده علشان بابا واعمامي بنقضي كام يوم عند "ندى" ومش هينفع اسيبهم... بس أنا حسيتها قلة ذوق أوي علشان أنت بقالك فترة بتكلمني نتقابل
تابعت باعتذار:
وأنا أسفه يا "بشير"، بس فعلا كنت محتاسة في مية حاجه.
لم يبد انزعاجه أبدا مما قالته، بل التمس لها العذر بصدر رحب ثم بدأ موضوعه مباشرة:
من غير لف ولا دوران يا " بيريهان"، بصراحة في الفترة اللي "عيسى" و"ندى" كانوا مرتبطين فيها أنا كنت معجب بيكِ
شعرت بالخجل ونظرت له بغير تصديق فأكمل دون توقف:
وأنا كمان كنت بحسك معجبة بيا، كنت حاسس ده يمكن شبه متأكد كمان إن كان في بيننا مشاعر متبادلة، هل احساسي ده كان صح؟
مسحت على وجنتها وهي تحاول أن تجاوب بدبلوماسية وظهر ذلك حين تحدثت:
هو فعلا كان صح يا "بشير"، بس ده كان في وقتها.
طرح سؤال هام جدا بالنسبة له:
طب ليه كل حاجه اتبخرت بمجرد ما " عيسى" و"ندى" فركشوا؟... ليه مكالماتي مبقتيش تردي عليها؟، وفجأة بعدتي وخدتي جنب... أنا محبتش أضغط عليكِ وقتها بس أنا فعلا يهمني أسمع إجابة.
يهمه بالفعل وخصوصا في هذا التوقيت، حيث أن صديقتها التي تبلغه بكل ما يريد عنها من أجل مساعدته، أخبرته أنها على وشك الدخول في علاقة جديدة، يبدو هذا واضحا عليها لذلك حسم أمره وقرر هذه المواجهة.
أتى النادل بالمشروبات، وضعها على الطاولة وانصرف، وبقى "بشير" منصتا في انتظار جواب الجالسة أمامه والتي هتفت أخيرا مبررة:
علشان يا "بشير" ندى دي أختي مش بنت عمي بس.
_ هو أنا يعني اللي "عيسى" يبقى ابن ضرة أمي، ما هو أخويا مش صاحبي.
قوله جعلها تتفوه بما ترددت في الإفصاح عنه:
لا الحكاية مش كده، الحكاية إن "ندى" بتحب "عيسى" يا "بشير" حتى بعد ما سابها فضلت تحبه، جوازها من "جابر" كان علشان تبينله إنها بتدوس عليه لكن هي الحقيقة كانت بتدوس على نفسها من غير ما تحس... فعلاقتي بيك كانت هتبقى مؤذية بالنسبالها، إني أكمل معاك وقتها كان معناها إن لازم أقطع مع "ندى" لأن زي ما أنت قولت "عيسى" أخوك يعني "عيسى" هيبقى متواجد دايما في حياتنا وأنا كذلك بالنسبة لندى فكنت هبقى بعرضها لضغط نفسي بشع وهي مجبرة تشوف "عيسى" دايما قدامها، يإما كنت اعمل كده يإما كنت أتخلى عنها أو أنت تتخلى عن "عيسى" ومحدش فينا احنا الاتنين كان هيقدر يعمل كده، وبسبب ده بعدت.
كان كل حرف مبررا قويا بالنسبة لها في اختيار البعد أما هو فحاول إيجاد حل يرضي جميع الأطراف فقال:
طب دلوقتي الأوضاع هديت شويه بين الاتنين، كل واحد فيهم كون حياة، واعتقد إنه بقى في أمل إن يكون لينا فرصة مع بعض.
هزت رأسها توافق على النصف الأول من حديثه وتصحح له النصف الثاني مردفة:
صحيح كل واحد فيهم كون حياة، و جايز زي ما بتقول إن الدنيا هديت مع إني مش مع ده، لكن برضو هيفضل مفيش أمل للأسف في فرصة لينا.
كسا الحزن تقاسيمه وهو يطالع عينيها سائلا:
في حد تاني في حياتك؟
هذه الخيبة في نبرته جعلتها تشعر بالحزن الشديد، أعادت خصلاتها للخلف وهي تهرب بنظراتها منه ثم لم تجد أفضل من الصراحة:
اه... في حد في حياتي.
لم ترد أبدا أن يسألها من هو، سؤال كهذا سيشعل النار بعد ما عرفته من "شاكر" عن خلافاته التي وصلت إلى الدماء مع "عيسى" ولكن مخاوفها تحققت وهي تحاول الهرب قائلة:
عن إذنك لازم امشي.
_ ممكن أعرف مين هو؟
ثبتت مكانها، هل تقول أم لا، في النهاية سيعرف الجميع عن هذه العلاقة وطالما اختارتها يجب أن تدافع عنها للنهاية؛ لذلك تغلبت على مخاوفها مصرحة بعلاقتها دون خوف:
"شاكر" يا "بشير".
بدا على وجه " بشير" الاستغراب فأكملت هي بثقة في اختيارها:
"شاكر" ابن عم "ملك"
وهنا فقط تحول التعبير على وجهه إلى أخر... إلى عدم تصديق امتزج بإنكار ما تقوله وأنها بالتأكيد لا تفعل شيء سوى أنها تمزح.
★***★***★***★***★***★***★***★
حل الليل ولا شيء جديد، سوى أن بحثهم متواصل بدون توقف، وصل "عيسى" لهم واشترك معهم في ذلك، لم يتركوا شيء إلا وفعلوه .... تواصل "طاهر" مع صديق له يعمل في أحد أقسام الشرطة والذي أخبره أنه سيبذل قصارى جهده للعثور على الطفل.
أشياء متواصلة والنتيجة أن ابنه ليس معه، كان "عيسى" يقود سيارته حين سمع صوت هاتف "طاهر"... نظر " طاهر" لشاشة الهاتف ليجدها من جديد خالة ابنه فهتف بانزعاج:
أنا فاضيلك أنتِ كمان يا ست "حورية".
اقترح "حسن" عليه:
طب رد يا "طاهر" يمكن عرفت حاجه.
استدار له "طاهر" يطالعه بغضب تبعه قوله:
أنا الحاجه الوحيدة اللي عايزها دلوقتي اني مسمعش صوتك، علشان لو الواد مرجعش النهارده أنا....
قاطعه "عيسى" بحدة:
خلاص يا "طاهر"، كده لا هنحل ولا نربط حاجه... اهدى ورد على خالة الواد... حسن عنده حق.
قبل أن يرد وجد رسالة منها تقول فيها:
دلوقتي بس عرفت أنت قفلت في وشي ليه لما قولتلك اني جاية أشوف " يزيد".
ما إن قرأ الرسالة حتى هرع يتصل بها، لم ترد عليه مرتين ولكن في المرة الثالثة ردت شغل مكبر الصوت وهو ينطق بلهفة:
الواد معاكي؟
_ اللي أنت ضيعته؟... لا مش معايا دور عليه بقى يا أمين ياللي مصلحته مش هتبقى مع حد غيرك.
سمع ثلاثتهم كلماتها التي أغلقت بعدها الهاتف ، دمر اختفاء ابنه تفكيره ولكن "حسن" أعاده بقوله:
"حورية" بتتكلم ببرود، أنا متأكد إن "يزيد" معاها... هي لو عرفت انه مخطوف فعلا ومتعرفش عنه حاجه مكانتش طريقتها هتبقى كده.
أيد "عيسى" قوله وسأل "طاهر":
هي ساكنه فين؟
_ هي قالتلي إنها في اسكندرية، لو هي هنا بتبقى قاعدة في شقة بتأجرها لما تنزل، هي مش بعيد... أنا عارف طريقها وديت " يزيد" هناك ليها مره.
بدأ "طاهر" في شرح كيف سيسلك عيسى الطريق إليها، وقد ملأ الحماس قلوبهم بأن يجدوا "يزيد" معها.
أوقف "عيسى" سيارته، فنزل "طاهر" منها أولا وهرول ناحية المنزل، دق بعنف على الباب ففتحت له ويدها على خصرها تسأله:
عايز ايه يا "طاهر".
_ عايز ابني يا " حورية".
أجابت على قوله الذي ظهر فيه غضبه واضحا بجملة أشعلت غضبه أكثر:
ملكش حاجه هنا.
دفعها من أمامه ودخل للمنزل وسط محاولاتها التي فشلت في منعه، وارتفع صوته وهو ينادي على ابنه ولكن لا من اجابة.... لحق به "عيسى" و "حسن" فصاحت:
ده انتوا جايين تعملوا عصابة عليا بقى، والله العظيم لو ما خدتهم ومشيت دلوقتي لهطلبلك البوليس.
علت نبرته لتغطي على كل ما تقوله بجملته:
ابني فين؟
رفعت حاجبيها متصنعة الدهشة وهي تقول له:
هو مش كان معاك؟... أنا اللي المفروض اسأل السؤال ده.
حاول التنفس بصورة طبيعية، إضفاء بعض الهدوء لعل الضجة الحادثة بداخله تسكن وهو يحذرها:
اللي أنتِ بتعمليه ده غلط يا "حورية"، هاتي الواد..
" يزيد" عايز يعيش مع أبوه مش معاكِ.
ضحكت ساخرة وهي تردد كلمته خلفه:
أبوه؟... أبوه اللي ضيعه، أنت شغلك رقم واحد في حياتك ومحدش في البيت عندك مهتم بالولد والدليل اهو ضاع منكم، ولولا إن حد من معارفي وشافه معايا قبل كده، اتعرف عليه في الطريق مكنش رجع.
هنا تحدث "عيسى" بدلا عن "طاهر":
يعني الواد معاكِ بتلفي وتدوري ليه بقى؟
تحدثت متصنعة البراءة:
مين قال اني بلف وادور، بعد ما اتصلت بالأستاذ أطلب منه اخد الولد شويه وقفل في وشي... حد من اصحابي كلمني وبعتلي صورة الولد وهو يا حبيبي قاعد في نص طريق رئيسي بيعيط وقالي مش ده الولد اللي شوفته معاكِ قبل كده؟
قولتله اه هاته، ويزيد طلع لسه فاكر الراجل وطلب منه يوديه عند خالتو، مقالش بابا.... طالعت " طاهر" وهي تلقي بسمومها على أذنيه:
روح بقى يا حبيبي راجع نفسك كده وشوف العيل ده أنت غفلت عنه ازاي، أما عني فأنا معايا دلوقتي الإثبات إنك مهمل ومفيش حد من عندك يرعى الواد.
تركها تتحدث وذهب ناحية إحدى الغرف يفتحها مناديا من جديد على ابنه فحذرته:
كده أنت بتضعف موقفك على فكره.
سألها "حسن" بغضب:
و اخرة العك ده ايه يعني؟... هاتي "يزيد" يا حورية وبلاش جنان.
_ ابقوا خدوه بالمحكمة.
قالتها بابتسامة صفراء فهمس "عيسى" لها بنبرة لا يسمعها إلا سواهما:
طب اوعي يكون شيطانك سايقك، وقالك تعملي الفيلم ده كله، علشان تاخدي الواد... تبعتي واحد يخطفه، وبعدين يسيبه، وبعدين يا حرام صاحبك اللي شافه معاكي مره لاقاه، وتطالبي بالحضانة وتقولي إن أنتِ أكتر حد أمين عليه.
رمقته بغل وقد حملت عيناها غير التصديق بين طياتها فتابع بابتسامة:
كيد الستات ده أنا عارفه كويس، وطاهر كمان عارفه كويس بس هو مش فايق دلوقتي وبيفكر في ابنه بس، فطالما مش هترجعي الواد وعايزة تمشيها أقسام ومحاكم حرصي مني بقى، علشان أنا لما ادخلك قسم، هبقى داخل أشمت فيكِ.
_ برا.
قالتها بنبرة عالية لثلاثتهم فقد أشعلتها كلمات "عيسى"، وفتحت هاتفها وهي تتابع مهددة:
أنا هطلب البوليس حالا، وهقول إنكم جايين تتهجموا عليا.
ما إن فتحت الهاتف حتى جذبه " طاهر" منها بعنف:
وريني بقى كده الصورة اللي بتقولي اتبعتتلك.
حاولت جذب الهاتف منه بصراخ ولكن اعترض طريقها "حسن" وما إن فتح "طاهر" المعرض على هاتفها حتى تجمدت عيناه على صور بعينها، فتحها بغير تصديق ليجد صورتين لها مع "شهد".... صور توحي بصداقة مقربة بينهما، صورة منهما في نفس المكان الذي طلبت منه شهد مسبقا الخروج فيه برفقته هو وابنه.... شهد تقف جوار إحدى الأشجار وضحكتها متسعة وجوارها حورية التي التقطت لهما الصورة بكاميرا هاتفها الأمامية.
رفع الهاتف أمام عينيها يسألها بصدمة:
أنتِ تعرفي " شهد" منين؟
صرخت وقد ثارت ثورتها:
ملكش دعوة، وهات التليفون ده.
لم يهتم بباقي الصور، فقط اهتم بصورة صغيره التي تثبت صدق حديثها، يبكي في أحد الطرق.
انتشلت الهاتف منه بصعوبة، ولم يعد قادر على الوقوف، وكأن كل شيء يدمر جزء منه فنصحه "عيسى" بنبرة منخفضة:
أكيد في حاجه غلط، احنا اتطمنا إنه "يزيد" بخير دلوقتي، وكده كده هو مش هنا شكلها سايباه مع حد ، تعالى نمشي يا "طاهر"، وابنك هيرجع.
لم يعد يسمع أي شيء خرج بخيبة أمل شديدة متجها إلى السيارة، وما إن ابتعد عنهم حتى نزلت دموع أبت النزول كثيرا ولكنها في النهاية خضعت، مذاق القهر كالعلقم، هرول " عيسى" خلفه، ولم يبق سوى "حسن" الذي طالع "حورية" بنظرات مشمئزة فطردته:
مستني ايه أنت كمان؟... يلا يا حبيبي حصل أخواتك.
بصق عليها، لم تتوقعها منه أبدا، ولم تتوقع قوله وهو يخرج من منزلها:
جتك القرف فيكِ وفي اللي سماكي كده أصلا.
رفعت صوتها وهي تهدده قبل أن تغلق الباب خلفه:
ماشي يا "حسن" والله لأربيك.
_ غوري.
كذلك رد عليها غير آبه بتهديدها بينما هي في اللحظة ذاتها هاتفت "فريدة" _زوجة "طاهر" السابقة_
وما إن ردت حتى أسرعت تقول بارتباك:
فريدة اسمعيني، طاهر جالي البيت، أنا عارفه إني مكنش ينفع أجيب سيرة "شهد" خالص، والجزء بتاعها في لعبتنا أنتِ هتتصرفي فيه، لكن هو شد التليفون مني وانا بهددهم اني هكلم البوليس، وشاف صور ليا كنت متصوراها أنا والزفتة دي لما قابلتها الأسبوع اللي فات.
_ أنتِ غبية يا "حورية" غبية.
هكذا ردت "فريدة" فهتفت "حورية" بانزعاج:
وأنا كنت هعمل ايه يعني أنتِ كمان.
أغلقت "فريدة" في وجهها، أغلقت وهي تفكر بنسبة كم في المائة سيفسد جزء صغير مما خططت له.
★***★***★***★***★***★***★***★
لم تترك منزل "هادية" حتى الآن، تخشى العودة قبل أن يطلب منها أحد، تخشى النظر في عين والدها، قل خوفها مع اندماجها معهم وخاصة بحلول الليل هكذا فقد أحضرت لها "هادية" المعجنات التي تفضلها قائلة:
أنا عملتهالك مخصوص.
ابتسمت وهي تشكرها ممتنة لما صنعت من أجلها:
بجد شكرا يا طنط.
ضحكت "هادية" برضا، وجلست على مقعدها، تقلب بين قنوات التلفاز، في حين جلست رفيدة في منتصف "ملك" و"مريم" على الأريكة وقد احتوت ثلاثتهن حتى أصبحن وكأنهن جزءا منها، وجلست "شهد" على المقعد الوثير المجاور لهم، وقد أراحت رأسها عليه وهي تقول بأمل:
كده فاضلك امتحان واحد بس يا مريم، وترجعي تشتغلي معايا في شغلانة الخدامة الفليبينية تاني... علشان اليومين دول في عجز في الخدمة.
ضحكن على قولها وخاصة "مريم" التي قالت:
ده بعينك ارجع اعمل حاجه تاني.
هنا تحدثت "ملك" بغيظ:
بقولك ايه انا سكتالك من زمان أوي، يعني ايه مش هترجعي امال هنشتغل عندك ولا ايه؟
استغاثت "مريم" بالجالسة في المنتصف تسألها:
عاجبك كده؟
ضحكت "رفيدة" وهو تحتضنها هاتفة:
لا طبعا مش عاجبني يا روحي... أنا هاخدك تقعدي معايا.
تذكرت شهد شيء ما فصاحت لينتبه الجميع لها:
جبت بقى النهارده حتة فستان.
بدا الحماس في عيونهن عدا "هادية" التي كررت بضجر:
الرحمة... عارفاها يا "شهد" الرحمة؟
_ والله من مصروفي.
هكذا بررت فضحكت "هادية" على ابنتها وهرولت "شهد" نحو الداخل تقول:
استنوا هوريهلكوا.
أرتدته مسرعة كان فستان أبيض تميز بتموجات رأسية وتوسط خصره حزام رفيع ذهبي... كذلك أتت هي باكسسوار على شكل ورقة شجر باللون الذهبي ووضعته على جانب خصلاتها وخرجت لهم تسأل:
قمر صح؟
أطلقت "ملك" صفيرا متناغما، وأكدت والدتها أنه بالفعل مميز ولكن لأن من ترتديه هي ابنتها، وهنا قالت "مريم":
أنتِ مره وأنا مره.
قالتها " شهد" هذه المرة وهي ترفع كتفها بغنج:
بعينك.
أخبرتها "رفيدة" التي بقت شاردة في الثوب لثواني:
عارفة يا "شهد" عامل شبه الحاجات اليونانية، هما عندهم فساتين شبه دي، حتى الاكسسوار اللي في شعرك مخليه يوحي بكده أكتر كمان.
انحنت وكأنها تشكر الجميع بضحكة واسعة، ثم اتجهت ناحية هاتفها الذي علا صوته، فوجدته "طاهر"، لم يتصل بل أرسل رسالة لم يقل فيها سوى:
انزلي يا " شهد" عايزك.
ظنت أن الأمر بخصوص "رفيدة" لذلك لم تقل شيء فيكفي حالتها منذ الصباح، مالت على والدتها تهمس لها:
بقولك ايه أنا نازلة، طاهر باعتلي، شكل في حاجه بخصوص "رفيدة"... هي شكلها أصلا عاكة حاجه علشان عماله تعيط.
_ طب بقولك ايه لو طلع جاي ياخدها، قوليله دي نامت وماما بتقولك سيبها هنا النهارده.
هزت " شهد" رأسها موافقة على حديث والدتها ونزلت إلى أسفل ولكنها لم تجده، فاتصلت به ورد عليها ثم قالت:
أنت فين يا بني، أنا تحت اهو.
_ تعاليلي يا "شهد" عند المكان اللي بتقعدي فيه.
قال لها هذا فشعرت بقلبها يخفق بعنف، هناك شيء يحدث، هي على يقين أن هناك شيء، يريدها في المكان الذي تذهب إليه للانقطاع عن الجميع، المكان نفسه الذي شاركها الجلسة فيه مرة، وصارحها بحبه للمرة الأولى فيه.... لم يكن بعيدا لذلك لم يستغرق الأمر الكثير حتى وصلت وهي تقول له بضحكة واسعة:
لا فك التكشيرة يا كابتن، أنا مكلماك الصبح وقولتلي الواد هيرجع من تمرين السباحة، ونخرج... وعديت إن احنا مخرجناش، لكن ضارب البوز ده ليه؟
لم يتخل عن التعبير القاسي والذي تراه في وجهه للمرة الأولى مما جعل قلقها يزداد وهي تسأله:
في ايه يا "طاهر"؟... مالك؟
_ شهد أنتِ تعرفي " حورية"؟
كان هذا سؤاله فانكمش حاجبيها باستغراب وهي تسأله:
حورية مين؟... أنت قصدك "حورية" بتا.....
صحح لها بحدة ونظرات ثاقبة:
قصدي خالة "يزيد"، أخت مراتي الأولى الله يرحمها.
أخرج هاتفه وقد فتحه على صورة لحورية من حسابها الخاص ووضعها أمام " شهد" مكررا:
تعرفيها؟
المأزق يحيط بها، وكأن الظلمة عمت الآن، بررت مسرعة بصدق:
اه اعرفها، بس أول مرة أعرف منك إنها خالة "يزيد".
_ أنتِ بتكدبي.
رفعت حاجبيها بغير تصديق لما يقول وأسرعت ترد التهمة عنها:
أنتِ بتقولي أنا كده؟... لا أنا مش كدابة يا " طاهر" أنا فعلا أعرفها علشان هي بتشتغل في شركة السياحة اللي صاحبها عامل المبادرة اللي أنا مشتركة فيها، وهما اختاروني من الكلية بتاعتي واللي اتواصلت معايا هي، وانا قايلالك على الكلام ده واني بنزل اصور في أماكن سياحية علشان project بعمله وعايزة أقدمه.
هو رأسه موافقا وهو يقول لها:
تمام.
لم تدر ماذا يفعل، هل يقوم بالاتصال بأحدهم، ثوان وسمعته يهتف باسم عميدة كليتها التي ردت عليه فتبع هو ردها بسؤاله:
أسف جدا لو بزعج حضرتك، بس كنت عايز أعرف هو في مبادرة شركة سياحية عاملاها وشباب من الكلية مشتركين؟.
جاوبته بصدق لما لديها من معلومات:
هو كان في ندوة فعلا من فترة وكنا مستضيفين صاحب شركة سياحية، بس لا مقالش عندنا حاجه في الكلية عن الكلام ده... جايز عامل فعلا بس اللي مشترك شباب من كليات آثار تانية.
أنهى المكالمة وهو يقول للواقفة أمامه بابتسامة غير مصدقة لما يحدث:
مش بقولك أنتِ كدابة... هو أنا مصدوم ليه أصلا؟
رفع حاجبه متابعا إهانة الواقفة أمامه في حالة من الذهول:
هو الكدب وخفي الحقيقة جديد عليكِ؟
يذكرها حين أخفت حقيقة "شاكر" لفترة، دفعته بكفيها في صدره ناطقة بشراسة:
أنا ممكن أقبل منك أي حاجه إلا إنك تهيني أو تيجي على كرامتي.
صاح بعنف جعلها تتراجع:
وما افتكرتيش اني ههينك وأنتِ بتسهلي الطريق لحورية علشان تاخد الواد مني؟.... متصورة معاها في نفس المكان اللي طلبتي مني نروحه قبل كده... أنتِ كنتي عايزانا نروح بقى علشان ت