رواية وريث آل نصران الجزء الثاني الفصل الستون 60 بقلم فاطمه عبد المنعم

 



 رواية وريث آل نصران الجزء الثاني الفصل الستون 60 بقلم فاطمه عبد المنعم


لقد حدث ووقعت في الفخ...لقد كنت كاذب حين قلت أنه لم يحدث، حين أنكرت أسر عينيك لي...لقد حدث ووقعت في حبك. 


أصعب ما يمكن أن يمر الإنسان به هو الشعور بالتخبط، ذلك التخبط الذي يهاجم أنفاسك ويههدك بسلبها، الشعور الذي يتطلب إجابة ولكنها غير موجودة، أو ربما هي هنا وأنت غافل عنها. 


لا يعلم كيف وصل إلى المنزل، عقله مازال متوقفا عند هذا المشهد حين وقفت "ملك" متحيرة بينه وبين والدتها ودموعها في سباق، يكفي عنده أنها خرجت له ضاربة بحديث والدتها عرض الحائط، لم يرد الضغط عليها أكثر فحثها على الصعود مع والدتها.... ورحل. 

والآن هو في غرفة خالته، التي مازالت مستيقظة حتى هذا الوقت المتأخر تتابع التلفاز، فما إن دخل اعتدلت له على الفور تقول بابتسامة:

حبيبي اخيرا جيت، مشوفتكش من وقت الغدا. 


أدركت على الفور من عينيه أن ليس على ما يرام أبدا، فجذبت جهاز التحكم وكتمت صوت التلفاز، واستدارت للجالس جوارها على الفراش تسأله باهتمام:

مالك يا حبيبي في ايه؟ 


_ كنت عند "ملك" و اتعصبت على والدتها والدنيا اتعكت. 

زفر بتعب بعد أن قال هذا، فأدركت أنها ربما إحدى نوبات غضبه مما دفعها للسؤال بتوجس:

اتعصبت عادي، زي ما بنتخانق كلنا كده مع بعض، 

ولا اتعصبت من العصبية بتاعتك. 


حدجها بنظرة وضحت لها أنه لم يكن في حالته الطبيعية حين افتعل مع والدة زوجته الشجار ولكنه هرب بقوله الغاضب:

وهما الناس ليهم عصبية بتاعتهم وأنا ليا عصبية لوحدي؟ 


أدارت وجهه لها وهي تصارحه دون تردد:

"عيسى" كده مش هينفع. 


سأل طالبا توضيح لقولها:

ايه اللي مش هينفع بالظبط؟ 


خشيتها عليه دفعتها لتكرار هذا، هذا الذي ظلت لسنوات تكرره:

أنت لازم تروح لدكتور. 

أخر مره قالت له هذا حين كان في بداية شبابه قرر الابتعاد وترك المنزل بأكمله، ليستقر وحيدا بعيدا عنها بعد أن كان لا يغادرها أبدا... مجرد قول هذا جعله يختار العيش بمفرده. 


رفع كفه مانعا أي استرسال منها في الحديث وقد انفعل بعد قولها هذا وظهر في رده:

أنا مش عيان علشان أروح لدكاترة، ولو كان على الدكتور اللي روحتيله زمان وقالك الكلام اللي في دماغك ده فأنا بقى مبياكلش معايا الكلام ده. 


لمحات من فترة المراهقة، لمحات تُحفظ عن ظهر قلب لديه ولديها، أول مره تظهر أعراض عدوانه أمامها حين تشاجر مع "كارم" ثم عاد ليستذكر دروسه ولكنها لاحظت أنه ليس على ما يرام، يضع يده على صدره وكأن شيء ما يطبق على أنفاسه وكأنه يشعر بالغثيان... تجاهلت النظر له و "كارم" يسألها:

هو في غدا يا "ميرڤت" النهارده ولا أخرج أكل برا؟ 


كانت ستجاوب على سؤاله ولكنها تجمدت حين سمعت ابن شقيقتها يهتف بغضب:

هو انت مش هتخرس بقى،

وتتكتم ومتسمعناش حسك ده. 


هو اعتاد منه على الدفاع لكنه لم يعتد منه على مبادرة الهجوم ابدا مما جعله يسأله متوعدا:

أنت بتكلم مين كده ؟ 


ظن أنه سيتراجع ولكن الإجابة أتت بتبجح أكثر وهو يقول له:

في مين واقف قدامي غيرك، ولا اتعميت كمان ومش شايف اني ببصلك... ده ايه القرف ده. 


رأت "ميرڤت" في "كارم" الشر وهو يقترب منه فهرولت ناحيته للفصل بينهما وحاولت جذب "عيسى" معها إلى الغرفة، لكنه أبعدها عنه ولم يستجب لخالته كما تعود دائما بل صاح:

سيبيني، أنا مش هخاف من اللي أنتِ متجوزاه ده، تعالى وريني هتعمل ايه. 


قالها بتحدي ثم بدأ في الدمار، في تكسير كل شيء يقابله وهو يصرخ مكررا:

لو تقدر تعمل حاجه تعالى وريني واعملها. 

كانت حركاته انفعالية، عدوانية بصورة كبيرة جعلت "ميرڤت" تبكي وهي لا تستطيع السيطرة عليه، طالت يده الكوب الزجاجي فقذفه قاصدا زوج خالته ولكنه تفاداه بصعوبة، تفادى الكوب مصدوما، مدهوشا، ولأول مره يرى "عيسى" في عين زوج خالته نظرات الخوف منه، بدلا من نظرات استنكاره لدفاعه عن نفسه أمامه، لأول مره يشعر أنه ينفث عن غضبه بصورة أرضته كثيرا.... حين أتاه الاسترخاء تبعه شعور أنه لم يكن هو في اللحظات السابقة، فلقد افتعل شجار، شعر بشيء يدفعه لذلك، وكأنه بركان وقد حان وقته ولكنه على الرغم من ذلك كان راضيا جدا عن النتيجة راضيا حتى مع إدراكه أن ما حدث لم يكن طبيعي أبدا. 


فاق من شروده على صوتها تتابع بنبرة بها الكثير من التريث وهي تربت على كتفه بهدوء:

"عيسى" الدكتور فاهم شغله، يا عم أنا معاك أنت مفيش حاجه خالص... بس كلنا بيجي علينا وقت ونحس إننا مضغوطين أوي وده بيخلينا نبقى منفعلين طول الوقت و بيأثر على علاقتنا باللي حوالينا، فبنحتاج نروح لدكتور علشان نتخلص من الضغط ده، روح واعتبر انك بتتخلص من الضغط والأعباء اللي عليك من بعد وفاة "فريد" الله يرحمه. 


الاضطراب الذي تحكي عنه هذا هو ينكر وجوده، وحتى لو أنه معترف به فهو أول انتصاراته، هذه الأفعال الخارجة عن إرادته جعلته يرى في عين "كارم" الخوف منه، ولن يقبل أن يقال أنه أصبح مريض نفسي بسبب "كارم" أو بسبب أي أحد... يراه شرف هم أحقر من أن ينالوه. 

حاول الهدوء حتى لا يحدث خالته بطريقة غير لائقة وهو يعلم حالتها الصحية، وأتى بها إلى هنا خصيصا حتى تتحسن، يدرك أنها تخاف عليه وتريده أفضل وهذا سبب حديثها؛ فدفعه هذا إلى تقبيل رأسها فظنت أنه وافق على حديثها ولكنه قال بابتسامة هادئة قبل أن يغادر الغرفة:

ارتاحي انتِ أنا كنت جاي اطمن عليكِ، 

بالنسبة للدكتور بقى فمتقلقيش عليا، أنا يومين وهسافر أي مكان أغير جو وأخف من الضغوط اللي عليا شوية. 


تصريح غير مباشر بأنه لن يذهب لأطباء، تبعه إغلاقه للباب، بقت تطالع أثره بحزن شديد وهي تفكر في حل... شيء تستطيع فعله والأهم أن تكون نتيجته ذات قيمة، نتيجة تصلح معه. 


★***★***★***★***★***★***★***★


لم تذق النوم وكيف تعرف له طعم، وقد تمردت ابنتها أمس بعد ما حدث، تركتها وصعدت إلى أعلى ودخلت غرفتها مع شقيقتها وأغلقت الباب بالمفتاح، دقت "هادية" الباب عدة مرات ولكنها لم تجد إجابة، بل سمعت نحيبها العالي، فتحدثت برجاء:

طب افتحي يا "ملك" علشان خاطري. 


زاد البكاء لدرجة خطيرة جعلت "شهد" تستيقظ بصدمة وتهرول ناحيتها سائلة:

في ايه يا "ملك" ؟ 


لم تجد إجابة فقط انهيار، وحين أتت لتفتح الباب زاد الانهيار فطمأنت والدتها بقولها:

خلاص ياماما... روحي بس هاتيلها كوباية مايه وأنا هشوف مالها. 


احتضنتها "شهد"، وقد داهمها الحزن أيضا لرؤية شقيقتها هكذا ولكنها لم تستطع التعبير عن ذلك فقط استطاعت قول:

طيب متعيطيش طيب علشان خاطري.... حصل ايه لكل ده؟ 


دقت والدتها الباب من جديد فتركت " شهد" شقيقتها وفتحت لها، اقتربت "هادية" بالماء من ابنتها ناطقة بعتاب:

كده يا "ملك"؟ 


طالعتها هي الآخرى بعينين امتزجت الدموع فيهم بعتابها لها على الضغط النفسي الذي وضعتها فيه في الأسفل فطلبت " هادية" من "شهد":

روحي يا " شهد" اعمليلها كوباية ليمون، وسيبيني معاها شوية. 


لم ترد الخروج، تريد معرفة ما حدث تفصيليا، وما أوصل شقيقتها لهذه الحالة فرفضت مبررة:

لا... ما هو أصل الليمون خلص. 


حدجتها والدتها بنظرة نارية جعلتها تسأل ببراءة مصطنعة:

ايه ده هو مخلصش؟ 


_ امشي على المطبخ، الليمون في التلاجة اعملي لاختك كوباية. 

قالتها "هادية" بشدة جعلت "شهد" على وشك التأفف بانزعاج وهي تهتف بتذمر:

حاضر... هعصر على نفسي ليمونة، 

وأروح أعمل الليمون حاضر. 


انصرفت من الغرفة واطمأنت "هادية" لهذا فبدأت في الحديث بلين مع ابنتها:

أنتِ بتعيطي ليه دلوقتي يا "ملك"؟... كان يرضيكي اللي عمله ده؟، أنا أمك يا حبيبتي 

تابعت بحديث نبع من فؤادها قبل فمها:

أمك اللي محدش هيخاف عليكِ قدي... اللي أنا شوفته منه تحت ده يخليني اخاف عليكِ، ده طاح في الكل ولا همه حاجه. 


أسرعت تقول لوالدتها بكلمات متقطعة من إثر النحيب المستمر:

يا ماما، "عيسى" مش كده.... " عيسى" في العادي انسان كويس. 


كلمات مبهمة تجعل الحيرة تعلو على وجه "هادية" من جديد وهي تقول بحيرة:

لا حول ولا قوة إلا بالله... يا بنتي الانسان الكويس ده كان هيكسر المحل تحت على دماغي، وبجح فيا ولا احترم حتى فرق السن... عصبيته دي الحمد لله اني شوفتها دلوقتي 


أضافت "هادية" متذكرة ما حدث بينها وبينه:

يا ريتني حتى غلطت فيه، ولا زعقت معاه لكل ده...

 ده انا بكلمه بالراحه وبقوله يا بني مش أولى تقولي على حكاية الجواز دي قبل ما تاخد القرار منك لنفسك كده.... ظهر الضيق جليا على وجهها وهي تتابع:

قل أدبه، وغلط، وهو أنتِ شايفاني مجنون، والكلام اللي قعد يقوله وانتِ بنفسك نزلتي وسمعتيه... ده واحد أنا استأمنه على بنتي ؟ 


صمتت عن هذا الحديث، وطلبت من ابنتها الكف عن البكاء بقولها:

ماهو طول ما بتعيطي مش هنعرف نتفاهم، 

اسكتي ونتكلم. 


بدأت "ملك" في مسح دموعها، وهي تحاول منع نفسها من الاسترسال في البكاء الذي جعل صدرها يعلو ويهبط فحتى الحديث صار صعبا عليها، انتظرت دقيقتين تستمد بعض الهدوء ثم قالت وهي تنظر للأرضية بألم:

يا ماما "عيسى" تعبان، اللي حصل ده مش "عيسى"... أنا هسألك سؤال احنا نعرفه بقالنا كتير عمره اتصرف بالطريقة دي؟... اه عارفة انه ممكن يكون عنده جراءة شويه في ردوده في العادي بتاعه... لكن تصرفات زي اللي شوفتيها تحت دي قابلتك قبل كده من " عيسى" من ساعة ما عرفناه؟ 


لم يعجبها التبرير له، لم يعجبها الحديث بأكمله ودفعها هذا لسؤال تريد له إجابة واضحة لا إبهام فيها:

أنتِ عايزه ايه يا "ملك"؟ 


_ ردي على سؤالي الأول، لو سمحتي يا ماما. 

قالت هذا برجاء جعل والدتها تقول: 

لا. 

قالت " هادية" هذا وهي تذهب ناحية الباب لتغلقه بالمفتاح قبل انتهاء "شهد" مما تصنعه، حتى تستطيع ابنتها قول كل ما تريد قوله دون إخفاء أي شيء. 


عادت "ملك" للتوضيح من جديد بعد أن جلست والدتها جوارها، فأردفت تحاول أن تجعلها تدرك جزء صغير من موضوع اضطرابه ولكن بخداعها حيث لا يمكنها قول شيء قصه اضطرابه الانفجاري دون إذن صاحبها. 

_ ماما "عيسى" بعد اللي حصله هنا، لما لقيناه واقع قدام المحل وروحنا بيه المستشفى وكان متبهدل ومتكهرب، ومن ساعتها وهو بقى بيجي عليه ساعات وبينفعل ويبقى عدواني من غير سبب، وكأنه مش هو يا ماما... هو نفسه مش بيبقى قادر يسيطر على نفسه ولا الكلام اللي بيقوله، بتبقى زي نوبة ولما بتروح بيعرف انه غلط ومكانش ينفع اللي عمله....خالته بس اللي تعرف الموضوع ده مفيش حد غيرها، قالتلي إن هي سألت دكتور وقالها إنه شويه وهيكون كويس الموضوع ده هياخد شوية وقت بس. 


سألت "هادية" سؤال تعجيزي، سؤال جعل ابنتها لا تعرف بماذا تجيب حيث قالت:

مش دريان بنفسه لدرجة انه يتطاول ويكسر، وممكن يمد ايده كمان صح؟... ما هو اللي شوفته تحت ميقولش غير كده. 


من جديد تبرر له:

بس ده خارج عن ارادته علشان هو عيان. 


هتفت "هادية" باعتراض على ما تتفوه به ابنتها:

عيان يروح يتعالج يا "ملك"، العيان عيا زي ده نروح نعالجه مش نتجوزه، ويا عالم في مره من المرات اللي هيتعصب فيها هيعمل فينا ايه. 

أكملت توضح لابنتها الصورة كامله:

أنتِ بتقولي كده علشان أنتِ لسه على البر يا " ملك" ، لو الكلام اللي بتقوليه ده فرضا صح واتجوزتيه، واتعصب زي ما عمل تحت كده ومبقاش دريان بنفسه ومسكك ضربك... هترضيها على نفسك؟.... ويا عالم هتقومي من الضرب ده سليمة ولا لا. 


هي بالفعل فكرت في كل هذا، إن اضطرابه الانفجاري يزداد كلما أهمله ورفض علاجه، النوبات تجعله يتصرف بعدوانية شديدة، لقد قرأت أنه يمكنه إيذاء أي أحد، وقد يتخطى الأمر التطاول بالحديث ويصل إلى التشابك بالأيدي، لذا يجب تجنب المريض في لحظات انفجاره حتى لا يصيب من معه أي أذى، ويجب أن يذهب لمتخصص نفسي للعلاج حتى يسيطر على ما لديه كي لا يتسبب في كوارث.... هي تعلم كل هذا... ولكنها دافعت عنه من جديد، بصدق نبع من قلبها حقا ولكنه امتزج بخوف أيضا من أن يفعل هذا:

لا يا ماما "عيسى" ميعملهاش، مش هيمد ايده عليا ولا أنا أسمح بده، أنتِ مش فاهماه يا ماما... صدقيني "عيسى" عايزني جنبه، والله يا ماما "عيسى" كويس مش وحش 

بدأت تعد في مميزاته وقد علت دقات قلبها وهي تردف:

"عيسى" بيقف معايا دايما، هو لو انسان وحش أو عايز يستقوى عليا كان حب الانهيار اللي سببهولي "شاكر" لكن "عيسى" طول الوقت بيقولي أنتِ قوية يا "ملك"، متخليش أي حاجه مهما كانت تخوفك... 

نزلت دموعها رغم عنها وهي تضيف بتأثر حقيقي:

دايما بيطمني، أصغر الحاجات اللي تخصني بيهتم بيها... عارفة لما كنا في بيت خالته وقولتلك اني هنبات هناك عندها... بالليل جالي كابوس من اللي بيجولي كل يوم وقومت اصرخ وقعدت ادور عليكِ، علشان أنا ببقى محتاجاكي جنبي، كنت خايفة أوي 


تستمع " هادية" إليها بإنصات شديد وهي تكمل:

ساعتها هو أول واحد دخلي، وطمني، حضني علشان كان فاكر كلام أنتِ قولتيهوله عن الكوابيس اللي بتجيلي، وقالي والدتك قالتلي... اقرب حاجه لما كان عمو نصران عازمني على الغدا من كام يوم، كان عنده ضيوف قعدوا يتغدوا معانا، وحد منهم سألني بدرس ايه ولما قولت اني هكمل دراسات اتريق وقالي محدش بيكمل ساعتها "عيسى" أول واحد رد وقال لا "ملك" هتكمل ولو مش عايزة تكمل هتشتغل معايا... "عيسى" بيرجعلي ثقة شاكر خدها مني، والله العظيم هو ما وحش أبدا. 


_ أنا عمري سمحت لشاكر يقربلك؟ 

سألت "هادية" ابنتها ولم تعلم "ملك" المغزى من السؤال ولكنها هزت رأسها نافية، فوالدتها دائما كانت حصنها المنيع، و الدرع القوي الذي يحميها من "شاكر".


سألتها مجددا:

لما كان بيغلط ويتعدى حدوده معاكِ كنت بعمل ايه؟ 


جاوبت لما كان يحدث:

مكنتيش بتسكتيله، وكنتِ بتاخدي حقي. 


تحدثت " هادية" تذكر ابنتها:

ولما جه طلب يتجوزك، أي واحده غيري كانت هتفرح... هدي بنتي لشاكر اللي هياخد كل حاجه من بعد أبوه، لا وكمان بيقول إنه عايزها وموافق على كل طلباتها، ومع ذلك رفضت، علشان انتِ مش عايزه، وعلشان أنا عارفة إن "شاكر" مؤذي افتكر انه خلاص ملكك زي ما أمه فهمته إنه مالك لكل حاجه ومينفعش يتقاله لا، والمره دي برضو يا "ملك" أنا خايفه عليكي وبتطلب منك علشان خوفي عليكِ تسمعي الكلام. 


طالعت والدتها بحزن وهي تتابع:

طول ما هو ممكن يحصله كده تاني أنا مش هأمنه عليكِ... لما يبقى يخف يبقى يجي ويعتذر ونتكلم، وأنتِ قولتي بنفسك الدكتور قال لخالته ان الموضوع مش هيستمر... لكن غير كده 


هوى الفؤاد أرضا وهو يسمع الكلمات التي نوت صاحبتها أن لا رجوع فيها:

غير كده كلامي اللي قولته هو اللي هيتنفذ... "عيسى" ملهوش حاجه هنا. 


قالت هذا وتركت ابنتها واتجهت إلى الخارج، ما إن فتحت الباب حتى وجدت "شهد" ملتصقة به تحاول سماع أي شيء.... تراجعت "شهد" للخلف تلقائيا وهي تبحث عن مبرر حتى وجدته فقالت مسرعة:

انا عملت الليمون. 


لم تعلق "هادية" فليست في حالة تسمح لها بالتعليق الآن فجذبت "شهد" الكوب وهرولت نحو الداخل، على أمل أن تقص لها شقيقتها أي شيء مما حدث في غيابها. 


★***★***★***★***★***★***★***★


يوم جديد آخر ولكن كل شيء لم يكن على ما يرام أبدا... علم "طاهر" من "عيسى" قبل قدومه إلى المحل بهذا الشجار الذي دار بينه وبين السيدة "هادية" أدى إلى إصرارها على إبعاده عن ابنتها.... حاول حل هذه المشكلة حين استأذن "هادية" التي تجلس أمامه في دكانها:

طب يا ست "هادية" احكيلي اللي حصل بالظبط.


كان ردها حاسما وهي تقول له:

أبقى خليه يحكيلكم هو... وكلامي في الموضوع ده يا "طاهر" معاه هو، قولتهاله وخلصنا.


طلب منها برفق:

مينفعش ننهي كل حاجه علشان خناقة حصلت ما بينكم... أرجوكي فكري في الموضوع تاني وبلاش قرارات في وقت حضرتك منفعلة فيه. 


لا تستطيع مقابلة لينه ووده واحترامه إلا بالخضوع حتى ولو لحظيا أمامه، فهو يبدو أنه لا يعرف شيء عما حدث، يظن أنه شجار عادي، لذا هزت رأسها تقول منهية الموضوع:

حاضر يا "طاهر" . 


نادى على ابنه الذي انشغل بمتابعة التلفاز الصغير الموضوع في إحدى زوايا الدكان، وتأهب للمغادرة وهو يقول:

أنا همشي أنا بقى قبل ما "شهد" تشوفني. 


_ متأخرهاش يا "طاهر".

نبهت عليه بذلك، على الرغم من أن الليل لم يحل بعد ولكنه وافق على طلبها و استأذن مغادرا. 


بعد نصف ساعة 

كانت " ملك" تسير جوار شقيقتها بصمت وقد خدعتها بأنها تريد شراء بعض الأشياء ووافقت "شهد" على مضض، وظهر تذمرها وهي تهتف:

بقولك ايه انا قعدت جنبك تلات ساعات امبارح علشان اعرف مالك ولا في ايه وفضلتي تنقطيني بالكلام وفي الاخر عامله كل ده علشان اتخانقتوا مع "عيسى"؟... ما عادي يا ستي خلاص بكرا تتصالحوا. 


ابتسمت " ملك" بسخرية جعلت "شهد" تتحدث بتوسل:

افردي وشك بقى يا "ملك" مش كفاية مصحياني ومنزلاني معاكِ قهرا علشان تشتري حاجات... حاجات ايه دي اللي هتش.... 

صرخة صدرت منها جعلت "ملك" تنتفض وهي تسأل بصدمة:

في ايه. 


لاحظت "ملك" السبب الذي صرخت شقيقتها من أجله، سيارة "طاهر" التي تقف على مدخل القرية وهو يشير لها فكررت "شهد" بسعادة:

الحقي ده "طاهر" هنا. 


ضحكت على تصرفات شقيقتها ثم قالت:

تقومي تصوتي كده. 


أشارت "شهد" عليه هاتفة بتغزل:

بصي القمر... هو في كده؟ 


_ شهد على فكره عيب كده، وأنا هقول لماما... وهي كانت صح لما مكانتش راضية لما كلمها تخرجي معاه وأنا اللي اقنعتها وطلعت غلطانة.

طالعت "شهد" شقيقتها بغيظ ثم هتفت بضحكة واسعة بغير تصديق:

يعني هو كلم ماما اننا نخرج، يعني رجع وعاملي مفاجأة... هروح معاه دلوقتي صح؟ 


قبل أن تجيب "ملك" اقترب "طاهر" بالسيارة وحثها على الركوب هاتفا بامتنان:

شكرا يا "ملك" تتردلك إن شاء الله، لو عايزه تعملي أي حاجه في "عيسى" قوليلي ومش هتأخر. 


بعد ما حدث مجرد ذكر اسمه، وتذكرها الصراع بينه وبين والدتها يصيبها بالحزن، ولكنها ابتسمت على دعابة "طاهر" وأعطت ليزيد الذي أرسل لها قبلة ابتسامة أيضا ثم لوحت لشقيقتها التي قالت لها كي تضحك:

هجبلك ايس كريم وأنا راجعه. 


ضحكت ثم شاهدت السيارة وهي تغادر، وعدلت من حزام فستانها... الفستان الأسود الذي انتثرت عليه زهور عباد الشمس فأعطته بريق وكأن الرداء يتنفس، تحركت لتعود إلى المنزل مرة ثانية بعد أن أتمت مهمتها... ولكنها استوقفتها رساله على هاتفها، رقم "بشير" هو معها منذ سجله لها "عيسى" وأخبرها أنه إذا احتاجته أثناء سفره للقاهرة ولم يجب يمكنها الاتصال على "بشير" وسيصل إليه فورا... طالعت الهاتف لتقرأ محتواى الرسالة بفضول والذي كان:

مساء الخير يا "ملك"... أنا " بشير" صاحب "عيسى"، أنا كنت عايزك في حاجه مهمه جدا بخصوص عيسى لو ينفع، أرجوكي " عيسى" ميعرفش أي حاجه عن المقابلة دي، لو موافقة اخرجي من القرية هتلاقيني مستنيكي بعد المدخل بحاجه بسيطة. 


انكمش حاجبيها باستغراب، لماذا لم يهاتفها، لما اختار المراسلة؟ .... حاولت هي مهاتفة الرقم فوجدته مغلق فرجحت أنه ربما فصل الهاتف. 

فكرت قليلا ثم حسمت قرارها بالذهاب، ستعرف ما سيقوله ويخص "عيسى" وتعود مسرعة، سارت حتى وصلت إلى مدخل القرية... ألقت السلام على الواقفين عند المدخل ليخبرا رب عملهم بأي غريب يأتي إلى هنا، ردا السلام وخرجت هي أمام عينيهما بمفردها، أصبحت الآن خارج حدود بلدة "نصران"، هي في المنطقة بين القرية التي تعيش بها الآن، والقرية التي عاشت فيها سنين في منزل عمها. 


بقى على الطريق الرئيسي الذي اخبرها انه سينتظرها عنده هذه الممر فقط، رجحت أن تنتظر حتى يمر أحد وتسير معه لأنها تبغض السير بمفردها، ولكنها حاربت خشيتها وقبل دخولها لهذا الطريق كان أحدهم من الخلف يكمم فمها، حاولت الصراخ وانتفضت بكل قوتها، ولكن أنفها وصل لها شيء ما، شيء فعل مهمته بنجاح وجعلها تفقد وعيها، وتم سحبها إلى إحدى السيارات بنجاح شديد.... سيارة دون أرقام تقبع الآن داخلها فاقدة للوعي. 


★***★***★***★***★***★***★***★


في أحد المقاهي الشبابية التي تميزت بأنها وسط طبيعة خضراء، وديكورات عدة لمن يرغب في التصوير، كان المكان جميل حقا في يوم مشمس شديد الحرارة كهذا، كذلك كانت المثلجات أنسب شيء حيث جلست " شهد" تأكل المثلجات وجوارها الصغير وقد اختار نكهة مماثلة لها وجوارهم "طاهر" الذي هتف بتذمر:

يا بنتي هو انتِ هتفضلي مفترية كده علطول؟... بقولك متغدتش في البيت رغم ان دي من الجرايم البشعة عند الحاج نصران، وقولت عادي هتصرف المهم نتغدى سوا، تقومي مكدراني أنا والواد وبتأكلينا أيس كريم، ما كنا كلناه بعد ما اتغدينا. 


اعترضت على رفضه بقولها:

على فكره طعمه حلو، وبعدين ساقع كده يطري على قلبك، وقلبي اللي طار من الفرحة أول ما شافك. 

قالت جملتها الأخيرة غامزة فضحك محركا رأسه بغير تصديق وهو يسألها:

طب لما أنتِ تقوليلي كده أنا المفروض أقولك ايه؟


_ قولها إنها جميلة أوي النهارده يا بابا زي ما بتقول لتيتا. 

هتف "يزيد" بهذا فانكمش حاجبي "شهد" وهي تكرر خلفه باستنكار: 










تيتا!... عايز أبوك يعاملني على إني والدته ياض. 


ضحك "طاهر" على جملتها وهو يقول:

طب تعالي شوفي الوالدة دي بتتعامل ازاي في البيت... حد يقدر يكسر كلمه لسهام هانم...ده الحاج "نصران" يكسر رقبة اللي يعملها. 


حبه لوالدته شديد، يظهر في كلماته... حب جعل "شهد" لا سبب لا تعلمه تخشى المستقبل معها ولكنها نفضت مخاوفها بعيدا مسرعة، وجذبت الصغير ناحية إحدى زوايا المكان المناسبة لالتقاط صورة وطلبت منه بضحكة واسعة: 

طب صورنا يلا.... 

وحذرته متابعة: 

وطلع شكلي حلو. 


_ ودي أنا هعمل فيها ايه، ما هي خلقتك. 

رمقته بغضب جعله يقول هو هذه المره مبتسما بهيام:

أحلى خلقة في الدنيا. 


ضحكت ثم طالعت الصغير الذي حملته فضحك هو الاخر ضحكة واسعة، والتقط "طاهر" الصوره لهما ليقطع اندماجهما صوت يقول: 

"شهد".


استدارت هي و " طاهر" ينظرا للمتحدث فلم تكن سوى "ميار"، زميلتها في الدراسة، الفتاة التي لم تدبر لها سوى المصائب...وضعت لها المخدر مره في حفل راقص وجعلتها تفقد تعقلها، وحاولت تشويه سمعتها مره ثانية في الجامعة لولا " طاهر" الذي حل لها الأمر.... رسمت "شهد" ابتسامة صفراء وهي تقول: 

ميار. 

تابعت بتهكم:

ايه الصدفة اللي زي الزفت دي. 


طالع "طاهر" "شهد" بعتاب وحاول إصلاح الأمر بقوله:

أهلا يا أنسه "ميار".


_ هو أنتِ مش كنتِ عاملة فيها حبيبة قلب مامي اللي بتخاف على زعلها ومبتصاحبش؟... ايه غيرتي رأيك ولا ايه؟ 

هتفت " ميار" بكلماتها السامة فنظرت "شهد" للواقف جوارها تريه أنها تستحق ما قالته فأتاح لها أن ترد عليها وهو يقول:

لا ردي عليها، أنا مش هعاتبك تاني. 


أعطت "شهد" الصغير لطاهر ثم استدارت لها تقول بابتسامة واسعة:

وهو طالما بنحب بعض هنخليها صحوبية بس ليه؟... إلا لو هو عايز يخلع وساعتها ميبقاش راجل، أو أنا اللي مش عايزه وساعتها بقى ابقى حاجه مقدرش اقولها 

قصدت علاقات الواقفة أمامها المتعددة في الجامعة فرمقتها "ميار" بغضب و "شهد" تتابع بتشفي ملوحة بخاتمها:

طالما بنحب بعض نخليها رسمي علطول. 


_ في ايه يا "ميار"؟ 

قالتها " ندى" التي أتت مع زوجها إلى المقهى هنا وقامت باصطحاب ابنة عمها التي هي في ضيافتهم في منزل "منصور" وقد أخذتها معها لأنها تريد مرافق فالخروج مع "جابر" بالنسبة لها أمر لا يطاق، و"بيريهان" في حالة نفسية سيئة ولا تحادث أحد، معتزلة الجميع ولا تستطيع "ندى" معرفة ما بها. 


انكمش حاجبي "طاهر" باستغراب فعرفت "ندى" عنها:

ازيك يا "طاهر"... أنت تعرف " ميار "؟ ... دي بنت عمي. 


عرفتها " شهد" على الفور إنها الفتاة التي تسببت في بكاء شقيقتها بتعليقها الساخر على فستانها فهمست "شهد":

ده الحربايات كلهم طلعوا من عيله واحده بقى. 


كذلك عرفتها " ندى" إنها تلك التي أتت وأخذت زوجة "عيسى" للرحيل معها يوم تواجدهم في منزل "نصران"... رد " طاهر" بهدوء:

مكنتش اعرف انها بنت عمك يا ندى... عموما احنا منعرفش بعض غير من سوء تفاهم حصل مش اكتر. 


كان "يزيد" يتابع ما يحدث بعيون فضولية حتى لا حظ شيء ما فطلب من والده أن ينحني وما إن انحنى حتى همس الصغير له:

هو عمو ده ليه متنح كده؟ 


سريعا ما عرف "طاهر" من يقصد ابنه إنه "جابر" الجالس في الطاولة المقابلة ولكن عيناه لا تتابع أي شيء سوى "شهد"، صرف " جابر" نظراته عنها حين لاحظ أن "طاهر" انتبه وترك مقعده متحركا ليشاركهم في وقفتهم سائلا زوجته:

في حاجه يا ندى؟ 


لم يمر إلا يوم على ما حدث من "منصور" من تعدي واضح و"نصران" وابنيه في منزله، كان "طاهر" في حالة ضيق شديدة من الكائن الواقف أمامه وما زاد غيظه هو قوله:

قبل أي حاجه بس أنا أسف... نسيت أسلم ازيك يا أستاذ "طاهر"

طالع "شهد" وهنا استطاع أن يتأملها عن قرب وهو يسأل متصنعا جهله:

أنسه "شهد" مش كده؟ 


قبل أن ترد رد "طاهر" بدلا عنها بقوله الذي ظهر فيه ضيقه ج 

             الفصل الواحد والستون من هنا 

تعليقات



×