رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الستون60 بقلم سهام صادق


 

رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الستون بقلم سهام صادق



اِتسعت حدقتيّ "زينب" ثم أخذت تُرفرف بــ أهدابها لتستوعب ما قاله لها ومع إقتراب خُطواته منها بدأ الذهول يتلاشى عن ملامحها وتنتبه على نظرته الثاقبة نحو الحقيبة التي تضع بها أغراضها. 

_ مالك مصدومة من طلبي.

ثم أردف بعدما إلتقتت عيناه ما هو مُرصِّع به قماش الثوب من لمعان. 

_ توترك مخليني أشك فـ موضوع الفستان، فلو شوفته حالا هنقطع الشك. 

كاد أن يَمُد يده ويلتقط الحقيبة المفتوح جزء منها لتسبقه في إلتقاطها. 

_ لأ.. 

رفضها الصريح جعله يقطب حاجبيه ويُصدق حدسه القوي، بأن الثوب ربما يكون مثل أثواب فتيات الليل بالملاهي الليلية. 

_ لأ إيه يا "زينب" ، ما أنا بعد لأ دي بدأت استنتج شكله.. إستحالة تخرجي من غير ما أعرف أنتِ مجهزة إيه عشان تلبسيه النهاردة.

_ لأ برضو.. 

هتفت بها وهي تحتضن الحقيبة وتلتف بجسدها حتى تبتعد عن نظراته. 

_ هو مفيش على لسانك غير لأ. 

ثم انفجر صائحًا وقد فقد هذه المرة قدرته على التعقل. 

_ مش هتخرجي يا "زينب" غير بعد ما اشوف إيه اللي أنتِ حطاه في الشنطة. 

_ لأ مش هتشوف حاجه، دي حاجتي الخاصة. 

اندفع صوبها حتى يلتقط منها الحقيبة التي تشبثت بها بضراوة. 

_ ابعد ايدك عن شنطتي. 

حاصرها بذراعيه ليستطيع إلتقاط الحقيبة منها. 

_ شوفي كل اللي أنتِ بتعملي ده بيثبت ليا اللي في دماغي. 

دفعته عنها ثم أسرعت بالتحرك نحو الجهة الأخرى من الفراش. 

_ هو إيه اللي في دماغك، ابعد ايدك واطلع من أوضتي. 

وأردفت بصوت متهدج وهي تُحاول التخلص من مُحاصرته. 

_ شوفت بدأت تخون بنود العقد، وهتدفع... 

قاطعها "صالح" وهو يقترب منها غير عابئ بصراخها عليه. 

_ مش مهم عندي هدفع كام، المهم دلوقتي اشوف إيه اللي بيلمع في الشنطة. 

توقفت عن التحرك بصدمة ثم أسرعت بخفض عينيها نحو الحقيبة لتتسع حدقتيها عندما انتبهت على طرف الثوب الذي ظهر. اِستدارت بجسدها حتى تتمكن من غلق الحقيبة وسُرعان ما كانت تخرج شهقة قوية من شفتيها بعدما إلتقط الحقيبة منها. 

لم تعد تلك الحرب القائمة على تلك الحقيبة على أرض المعركة بل أصبح الفراش مكان تعاركهم وقد سقطت الحقيبة أرضًا. 

تعالت وتيرة أنفاسها وهي ترى الوضع الذي انتهى بهم، فحدقت به بأعين جاحظة دون قدرة على دفعه من عليها. 

بصعوبة حركت رأسها  في نصف استدارة لتقع عينيها على ذراعيها الممددين للوراء وقد قبض بكف يده على كفوف يديها. 

تقاربهم بهذا الوضع الحميمي سلب أنفاسهم وضاعت هي لوهلة بقلب أنثى تمنت أن تُبصر هذه المشاعر. 

أغلقت جفنيها بقوة حتى تُقاوم صراع أقوى منها. 

_ شوفتي أخر اللعب إيه. 

قالها "صالح" وهو لا يستطيع إزاحه عيناه عنها وازدرد لُعابه لتفتح عيناها وفي ضعف خرج صوتها وبدأت ساقيها تتحرك لتقاوم ضعفها. 

اِرتجف جسدها وكأن صعقة كهربائية خفيفة لمسته عندما دفن وجهه في عنقها. 

_ ابعد عني، أنت بتخون العهد. 

بدأت تتحرك بكامل جسدها أسفله؛ فازدادت قبضة يده على كفوف يديها. 

_ مش قادر يا "زينب" ، مش قادر بجد أبعد. 

حاولت مرارًا دفعه لكنه كان غارق في لذة قربها، يهمس لها بلوع. 

_ قوليلي عايزانى أعمل إيه عشان تسامحيني وأنا أعمله.

تحركت شفتيه ببطء على سائر وجهها وأخذ يقتطف من عذوبتها ومهما قاومت واِرتفع صوتها حتى يتركها إلا أنه كان غارق في سكرة الحُب. 

_ أنا آسف، صدقيني أنا ندمان إني وجعتك وضيعتك مني. 

أرخت جسدها بإستسلام أدهشه ليبتعد عنها وفي داخله تولد الأمل أن تكون قد سامحته. 

_ "زينب". 

هتف اسمها بهمس خافت وتوهجت عيناه بنظرة تحمل اللهفة لتتجمد ملامح وجهه فجأة عندما وجدها تبكي. 

_ هو ده مقابل العربية الجديدة. 

صعقه حديثها؛ فانتفض مبتعدًا عنها يُردد بذهول. 

_ مقابل!! قربي منك عشان اخد مقابل اللي بعمله معقول أنا حقير كده يا "زينب". 

إعتدلت في رقدتها ثم ابتلعت ريقها وهي تنظر إليه. 

حدقها بنظرة طويله ثم أخذ يهز رأسه وهو لا يُصدق أنها تراه بتلك الحقارة. 

غادر الغرفة أمام نظراتها لتخفض رأسها ثم زفرت أنفاسها الهادرة. 
... 

اِرتسمت الدهشة على ملامح "عزيز" وهو يرى العم "سعيد" يدخل عليه الغرفة بالمبخرة ويهتف بسعادة. 

_ بسم الله ما شاء الله، بسم الله ما شاء الله... قرب مني خلينا ارقيك من العين. 

_ أنت بتعمل إيه يا عم "سعيد". 

توقف العم "سعيد" عن ترديد آيات من القرآن. 

_ يا بني العين حق و أنت ما شاء الله عليك زينة الرجال.

ابتسم "عزيز"؛ فَـ أخذ العم "سعيد" يدور حوله وهو يتمتم بصوت خفيض تارةً وتارةً أخرى بصوت مرتفع. 

_ كفاية يا راجل يا طيب أنا كده هتخنق. 

دلفت "نيرة" الغرفة وهي تضع يدها على أنفها وتتساءَل. 

_ إيه ده يا عم "سعيد". 

زَمّ العم "سعيد" شفتيه بضجر. 

_ ببخره من العين، تعالي جنبه ابخرك أنتِ كمان. 

ضمها "عزيز" إلى حضنه؛ فوضعت رأسها على صدره تهتف بفرحة. 

_ النهاردة أسعد يوم في حياتي، أنا فرحانه بجد أوي.

ترقرقت الدموع بعينيها ومثلها كان العم "سعيد" ، فشدد "عزيز" من ضمها لحضنه. 

_ لأ مش عايز اشوف دموع حد فيكم. 

_ أنا مش مصدق إن ربنا طول في عمري وشوفتك عريس، ياريت "ليلى" كانت جات لينا من زمان. 

خرج صوت العم "سعيد" متحشرجًا وهو يرفع طرف كُمُّ عبائته ليُجفف دموعه. 

_ شوفتي اهو خلتيه يعيط وكده عياط وكرشة نفس. 

بصوت مداعب قالها "عزيز"؛ فَـ أسرعت "نيرة" بمسح دموعها. 

_ ماذا يحدث هنا؟ 

هتف بها "نيهان" فور دخوله الغرفة، فَـ أشار "عزيز" نحوه بوجه حانق بسبب تأخره. 

_ ارقيني منه يا عم "سعيد"، أنا بقيت خايف على نفسي من عينه.

تراجع "نيهان" إلى الوراء عندما وجد العم "سعيد" يلتف جِهته. 

_ عن ماذا احسدك يا رَجُل.. 

وقبل أن يواصل "نيهان" كلامه، جحظت عيناه بذهول وهو يسمع العم "سعيد" يُردد.

_ من عين "نيهان" ابن "توركان".
... 

تهاوت "زينب" بجسدها على الفراش بعدما استمعت إلى صوته وهو يخبرها أنه سيُغادر ولن ينسى أمر دعوة حضور الحفل الذي دعاه إليه "عزيز الزهار". 

زفرت أنفاسها بضيق ثم أطرقت رأسها نحو كفيها المضمومين ببعضهما وقد فقدت حماسها. 

_"زوزو"،أنتِ فين.. ؟ أنا خلصت لبسي كله ولبست الكوتشي لوحدي وربط الرباط كمان. 

صوت الصغير جعلها تأخذ نفسًا عميقًا ثم زفرته لتبتسم وهي تتحرك نحو باب الغرفة وتفتحه. 

عيناها تحركت علي مظهره في سعادة ثم اِتجهت بأنظارها نحو حذائه. 

_ شاطر يا حبيبي.
 
إلتمعت عينين الصغير واندفع إليها مُحاوطًا خصرها بذراعيه. 

داعبت شفتيّ "زينب" ابتسامة واسعة ثم رفعت يدها تُمررها على خُصلات شعره بحنان. 

_ مستعد يا بطل؟
 
ابتعد عنها "يزيد" ليومئ لها برأسه متمتمًا قبل أن يعود لإحتضانها مجددًا. 

_ أنا بحبك أوي يا "زوزو" 
... 

توقف "عزيز" مكانه عندما إلتقطت أذنيه -وهو يغادر غرفة مكتبه- ما هتفت به "نيرة" وهي تهبط درجات الدرج بعُجالة. 

_ كله تمام، أنا عايزاكي تشرفيني النهاردة يا مدام "ألفت".. وعلى فكرة النهاردة ما شاء الله عددنا كبير مش العروسة بس هي اللي هيتّرسم ليها الحنة، لا متقلقيش فضينا أكبر اوضة مخصوص ليكي وللبنات اللي معاكي، تمام هبعتلك دلوقتي العنوان متتأخريش. 

ابتسم "نيهان" بخبث عند استمع هو الأخر حديث "نيرة" التي انتبهت أخيرًا على نظراتهم إليها. 

_ فيه حاجة يا عمو؟ 

توتر "عزيز"؛ فهو يرغب بإستجواب ابنة شقيقه لكنه شعر بالحرج لتتجهم ملامحه عندما وجد "نيهان" يتخطاه. 

_ "نيرو" اخبري "نارڤين" أن تنفذ ما اخبرتها به، فأنا أيضًا عريس. 

ثم اِستدار بجسده و أخذ يُحرك حاجبيه بعبث. 

_ أم تظن أنك وحدك عريس يا رَجُل.
 
اِمتقعت ملامح "عزيز" ورمقه بنظرة واجمة ثم أشاح عيناه عنه؛ فهو الآن في وضع لا يسمح للمزاح بعدما بدأت التساؤلات تتلاعب في رأسه.
 
_ اذهبي "نيرو" ولا تنسي ما اخبرتك به. 

نظرت إليه "نيرة" وهي تتمالك نفسها حتى لا تضحك. 

_ متقلقش هوصل الرسالة وبزيادة كمان. 

اتسعت ابتسامة "نيهان" ثم وضع يده على قلبه بإمتنان. 

_ أحبك يا فتاة.
 
لم تستطيع "نيرة" الصمود أكثر وانفلتت ضحكة خافته منها. 

_ محتاج مني حاجه قبل ما أمشي يا عمو؟ 

تساءَلت بها وقبل أن يُجيبها "عزيز" اقتربت منهم السيدة "سلوان" حماتها. 

_ جهزتي يا حبيبتي، خلينا نلحق اليوم من أوله. 

استعجب "عزيز" من لهفتهم في المغادرة لتضيق حدقتاه بعبوس ثم تمتم بصوت خافت وكأنه يُحادث نفسه. 

_ هما هيعملوا إيه من اول اليوم!! 

_ هل تُحادث نفسك يا رَجُل؟ 

قالها "نيهان" وهو يدور حوله، فزفر "عزيز" أنفاسه حانقًا. 

_ اهدء يا رَجُل، اعلم أنك متوتر.
 
كاد أن يتحدث "عزيز"، فَــ أسرع "نيهان" قائلًا بنبرة لعوبة. 

_ أتريد ان تعلم ما سيفعلوه من بداية اليوم. 

إلتمعت عينين "عزيز" بفضول أخفاه سريعًا لكن عينين  "نيهان" إلتقطته.

_ هل تريد أن تعلم أم... 

قاطعه "عزيز" بنفاذ صبر. 

_ لو عندك نية تقول، فقول يا "نيهان" ولا اقولك أنا هعرف بطريقتي. 

ملامح "نيهان" التي اتضح عليها العبث، أثارت حفيظة "عزيز" وقد تحرك عائدًا نحو غرفة مكتبه. 

_ انتظر يا رَجُل سأخبرك بخطتهم اليوم بأكملها. 
... 

نظرت "زينب" بدهشة نحو هاتفها عندما أخرجته من حقيبتها وقد وصلت للتو أمام بناية جدها. 

_ صباح الخير يا طنط "حورية". 

جلست "حورية" على المقعد بالحديقة وردت على تحيتها وبعد حديث صار روتينيًا بينهم عن أحوالهم وأمورهم قالت بعد أن رتبت كلامها. 

_ هبعتلك السواق ياخد "يزيد" يا حبيبتي عشان تعرفي تحضري مناسبة صديقتك من غير تقييد. 

ابتسم "يزيد" وهو ينظر نحو "زينب" منتظرًا أن يأخذ منها الهاتف ويُحادث جدته. 

_ أنتِ سمعاني يا "زينب".
 
هتفت بها "حورية" بقلق؛ فزفرت "زينب" أنفاسها ببطء ثم تساءَلت. 

_ هو "صالح" طلب منك كده. 

اِرتبكت "حورية" وأطلقت تنهيدة عالية. 

_ يا حبيبتي عشان متتقيديش بــ "يزيد" وتاخدي راحتك، ده من حقك.
 
_ متقلقيش يا طنط على "يزيد". 

عندما استشعرت "حورية" ضيقها، ردت قائلة:

_ "زوزو" يا حبيبتي انا عارفه كويس بل ومتأكدة من حبك لــ "يزيد" لكن... 

قاطعتها "زينب" وهي تتأسف بالبداية بآدب. 

_ سامحيني على مقاطعتك يا طنط وصدقيني أنا لو كنت شايفه إني محتاجه لمساعدتك النهاردة كنت طلبت منك بنفسي زي ما بعمل في الأيام العادية لكن النهاردة يوم جميل وهنتبسط فيه سوا. 

أطرقت "حورية" رأسها بحرح؛ فأردفت "زينب" متسائلة:

_ ولا أنتِ يا طنط قلقانه وخايفة عليه معايا. 

أسرعت "حورية" بالرد بعدما رفعت رأسها. 

_ أوعي تقولي كده يا "زوزو"، عمومًا يا حبيبتي يومكم سعيد إن شاء الله وبلغي سلامي لــ سيادة اللوا. 

كادت أن تنهي المكالمة لكن نظرت "يزيد" لها جعلتها تهتف سريعًا.

_ طنط "حورية". 

أعادت "حورية" الهاتف لموضعه قرب أذنها لتواصل "زينب" كلامها وهي تنظر نحو "يزيد" الذي برقت عيناه بلهفة.

_ "يزيد" عايز يصبح عليكي ويقولك وحشتيني. 

خفق قلب "حورية" بقوة وقالت بلهفة مماثلة.

_ إزاي نسيت إني أصبح على حبيب قلبي. 

اِبتسمت "زينب" وقبل أن تعطي الهاتف إلى "يزيد" الذي مدَّ يده لها..

 _طنط لو عندك وقت بــ الليل تقدري تيجي تحضري حنة "ليلى"، هتفرح أوي بوجودك. 
... 

أخذ "عزيز" يتحرك بالغرفة بدون صبر وكلما انقطع الرنين أعاد الإتصال بها. 

_ لقد أتى الحلاق "عزيز" ، سأصعد به لأعلى لا تتأخر. 

رمقه "عزيز" بنظرة غاضبه، فَـ أسرع "نيهان" بغلق الباب وهو يضحك. 

_ ستفقد عقلك قريبًا. 

تنهد "عزيز" بقوة وهو يبعد الهاتف عن أذنه وبضيق رفع كف يده يُحركه على وجهه. 

_ نفسي افهم مهمة التليفون إيه في حياتها، ما دام أغلب الوقت مش بتمسكه. 

استمر بزفر أنفاسه لتتسع حدقتيه فجأة وهو يُمرر إصبعه على شاشة هاتفه. 

_ مفيش غير "شهد"

شعرت "ليلى" بالقلق عندما أتت عليها "شهد" وهي تَمُد لها يدها بالهاتف قائلة:

_ أبيه "عزيز" عايز يكلمك. 

نظرت لها زوجة عمها، فابتلعت "ليلى" سريعًا لقمة الطعام التي تمضغها وإلتقطت منها الهاتف وفور أن وضعته قُرب أذنها هتف "عزيز" وهو يضغط على شفتيه بقوة. 

_  خدي التليفون وابعدي يا "ليلى". 

نظرة الموجدين المحدقة بها جعلت توترها واضحًا على ملامح وجهها، فانسحبت من أمامهم. 

_ بقيتي لوحدك. 

تساءَل بها "عزيز" بعدما سمع صوت غلق الباب. 

_ هو فيه حاجة، أنت قلقتني. 

دون أن يُفكر لمرتين في طرح سؤاله هتف وهو يخلل أصابعه في خُصلات شعره. 

_ رسم الحنة بيترسم على كامل الجسم ولا في مناطق معينه. 

اِتسعت عينيّ "ليلى" بذهول ثم أخذت ترمش بأهدابها عدة مرات. 

_ بتسأل ليه؟ 

_ "ليلى" ممكن تردي. 

بخجل ردت وهي تخفض رأسها. 

_ معرفش يا "عزيز" بتترسم فين. 

ألجمه ردها وقد خرج صوته في أمر.
 
_ مش عايزك ترسمي حنة خالص مفهوم. 

أصابتها الصدمة وبحيره تمتمت. 

_ ليه يا "عزيز" ما كل عروسة بترسم حنة وبيعملوا حاجات تانيه كتير. 

لن يتحمل "عزيز" تخيل أن تتعرى بجسدها أمام أحد حتى لو كانت من أمامها امرأة. 

_ لو الموضوع فيه تعري يا "ليلى" مش هقبل بكده، أنتِ دلوقتي مراتي والقرار قراري.
 
صوته الغاضب أرجف جسدها فدمعت عيناها واستطرد بتساؤل آخر جعله سيكاد أن يُجن ولا يعلم لما تغافل عن هذا الأمر. 

_ هو أنتِ في باقية الحاجات الخاصة بيكي كنتي... 

لفظ عبارته الأخيرة صريحة، فشعرت بعدم قدرتها على التنفس من شدة خجلها. 

_ أنا إزاي مكنتش واخد بالي من كل ده، "ليلى" ردي عليا. 

_ "عزيز" ما أنا عروسه زي باقي البنات و"نيره" هي اللي حجزت كل حاجه وقالتلي كل ده ييتعمل عادي.
 
خرج صوتها متعلثمًا مهزوزًا، فصراخه جعلها تَظُن أنها أجرمت وفي لحظة كانت تخرج صوت شهقاتها عالية. 

فزعه صوت بكائها، فتساءَل بندم بعدما زفر أنفاسه بقوة. 

_ بتعيطي ليه دلوقتي.
 
وهي معه صارت كالكتاب المفتوح، تُخبره بما يطرء على عقلها. 

_ هو أنا ليه مينفعش أعمل زي باقي البنات يا "عزيز" 

بجنون صارحها. 

_ بغير عليكي يا "ليلى"، كلام "شهد" وهى بتوصف جسمك مش راضي يطلع من راسي. 

ثم أردف وهو يدور حول نفسه. 

_ مش متخيل إن ممكن حد تاني يوصفك كده حتى لو كانت ست.
 
ابتلعت ريقها وأخفضت رأسها وبرجاء خرج صوتها. 

_ "عزيز" خليني أكون زي باقي البنات واعمل زيهم، وأنا صدقني مش بعمل حاجه غير زي ما "نيرة" قالت إنها عملتها لما كانت عروسه. 

وهل يستطيع الجدال معها، توسلها إليه ووضع ابنة شقيقه بالوسط؛ فلم يعد لديه الآن قرار إلا الرضوخ وترك غيرته اليوم جانبًا. 

زفرة طويله خرجت من شفتيه، جعلتها تتمتم بصوت خرج خافتًا. 

_ "عزيز"

تنهد بصوت عالي؛ فداعبت شفتيها ابتسامة واسعه عندما أتاها رده. 

_ ما دام كل اللي بتعمليه بيفرحك يا "ليلى" اعملي لكن... 

توقف عن الكلام عندما هتفت بسعادة. 

_ أنا لازم اقفل يا "عزيز"، مع بالسلامة يا حبيبي. 

أنهت المكالمة لتتسع حدقتيه في ذهول. 

_ دي قفلت قبل ما تسمع باقي كلامي، ماشي يا "ليلى"...
....
 
اِنسحبت "زينب" من جِوار جدها واتجهت نحو المطبخ وبصوت خافت تساءَلت بعدما أصابها الشك في أمر أذنيها. 

_ أنتِ بتقوليلي إيه يا "سما"، عايزانى اتصل بدكتور "مازن" اقوله ياريت تسمح لــ "عُدي" يكون معانا النهاردة و يحتفل بـ حنة جارتي، أنتِ مستوعبة طلبك. 

_ كده يا "زوزو" مش هتساعدي بنت عمك حبيبتك. 

زفرت "زينب" أنفاسها بحنق من تهور ابنة عمها. 

_ "سما" اللي أنتِ بتعملي ده تهور وهيخليه ينتبه على تصرفاتك. 

بابتسامة واسعة هتفت "سما" وهي تتلاعب بخُصلات شعرها. 

_ ما أنا عايزاه ينتبه يا "زوزو"
 
هَـزت "زينب" رافضة جنون ابنة عمها ثم أسدلت أهدابها. 

_ أنتِ مجنونه يا "سما"، ما هو بسبب تهورك ده دايمًا بتفشلي في علاقاتك. 

_ "زينب" بجد أنا عايزه أقرب من دكتور "مازن" ومعنديش غير "عُدي" وأنتِ الوحيدة اللي هتقدرى تساعديني. 

تنهدت "زينب" ثم إلتقطت كوب الماء لترتشف منه وأغلقت جفنيها وهي تستمع إلى رجائها. 

_ تفتكري طنط "يسرا" هتقبل براجل مطلق وعنده طفل يا "سما". 

قالتها "زينب" لأنها تعلم طِباع زوجة عمها لتزفر "سما" أنفاسها بيأس. 

_ خلاص يا "زينب"، اعتبري إني مطلبتش منك حاجة وانسى الموضوع خالص. 

_ حاضر يا "سما". 

تمتمت بها "زينب" دون اقتناع لطريقة ابنة عمها في لفت أنظار شخص كـ "مازن". 

تهللت أسارير "سما" وصاحت وهي داخل سيارتها، مما جعل "زينب" تُحرك رأسها بقلة حيلة. 

_ حبيبتي يا "زوزو"، يلا روحي كلمي د. "مازن" وقوليله بصوتك الجميل إن "يزيد" طلب وجود "عُدي" معاه.. 

وبنبرة صوت خرجت كالهمس أردفت. 

_ وقوليله إن "سما" بنت عمي هتعدي تاخده، ركزي يا "زوزو". 
... 

جو من البهجة كان يسود أرجاء الشقة التي أصبح صوت الغناء والزغاريد يعلو داخلها. 

"شهد" مع صديقتها "لميس" التي أتت منذ الصباح لا يكفو عن الرقص وشاركتهم في رقصهم "كارولين" التي اندمجت بسهولة معهن. 

"زينب" و "نيرة" وقفوا قُرب غرفة "ليلى" ومن وقت لأخر يخبرون "ليلى" من وراء الباب ألا تخجل وسيأتي دورهم بالتأكيد مثلها. 

_ هتدخلي أنتِ الأول يا "زينب" ترسمي الحنة ولا أنا. 

اِبتسمت لها "زينب"؛ فهي لا نية لها في رسم الحناء لكنها تتظاهر بالموافقة. 

_ لأ ادخلي أنتِ الأول. 

اومأت لها "نيرة" برأسها ليقطبوا حاحبيهم معًا عندما ارتفع رنين جرس الباب ثم دلوف "نارڤين" وصياحها بلكنتها المبجهة بمزج اللغة التركية والانجليزية والعربية في جملة واحدة. 

_ أين أنتم يا فتيات؟ 

ثم هتفت وهي ترقص قُرب "شهد". 

_ كيف تفعلين تلك الحركة "شهد"، انتظري سأفعلها مثلك. 

كتمت ڪُلاً من "زينب" و"نيرة" صوت ضحكاتهن وهن يقتربن من مكان وقوف "نارڤين" التي أخذت تهز خصرها مثل "شهد" و"لميس".

وفي لحظة كانت تنقلب الردهة الواسعة التي أفروغها من الأثاث لساحة رقص وخرجت "عايدة" و السيدة "سلوان" -والدة "معتز"- من المطبخ ليشاركوا الفتيات الرقص. 
... 

اِبتسم الجد "نائل" عندما رأى "زينب" أمامه تَمُد له يدها بالحناء التي رسمتها وفعل مثلها الصغير "يزيد" الذي وضعت له داخل كفوف يديه الصغيرين الحناء. 

_ ونسيتوا جدو ولا هو مالهوش نفس يتحن زيكم. 

بذهول تساءَلت "زينب". 

_ أنت عايز تحن كفوف ايدك يا جدو. 

تعالت ضحكات "نائل" ومد كف يده يُداعب به خد الصغير. 

_ معملتهاش وأنا شباب هعملها دلوقتي، قولولي بقى هتتغدوا معايا ولا أكلتوا هناك وبعتوني. 

باغتته "زينب" بقبلة قوية وضعتها على خده ثم ابتعدت عنه قائلة:

_ طنط "عايدة" وصتني إننا مناكلش لأنها هتبعت الاكل مع "شهد". 

ابتسم "نائل" وهو يُحرك رأسه. 

_  العيلة دي عملت للعمارة جو حلو وهزعل اول لما يرجعوا لحياتهم ويقفلوا الشقة من تاني. 

ردت "زينب" وهي تتحرك نحو غرفتها القديمة في شقة جدها. 

_ متقلقش يا سي جدو إحنا خلاص بقينا عيلة واحدة و "ليلى" مفيش على لسانها حاليًا غير جدو "نائل". 

اتسعت ابتسامة "نائل" وابتهجت ملامحه. 

_ أنا كمان حبيتها جداً واعتبرتها واحدة من أحفادي. 
... 

وحده الغضب ما كان يسيطر على "سمية" اليوم ليدخل "هارون" عليها غرفة مكتبها وتقع عيناه على أحد الموظفين وهو يلتقط بعض الأوراق الملقاه أرضًا. اِنتظر "هارون" مغادرته ثم اقترب منها مُتسائلًا بحيرة. 

_  صوتك ليه عالي كده يا "سمية"، ده إحنا حتى كسبنا الصفقة الأخيرة المفروض نحتفل بكده بس الولاد يوصلوا بالسلامة إن شاء الله من رحلتهم. 

نهضت "سمية" من مقعدها بعدما تمالكت تلك المشاعر التي تقتحمها ثم زفرت أنفاسها. 

_ بحس ساعات إني بتعامل مع أغبيا يا "هارون". 

ثم استطردت وهي تهندم له رابطة عنقه. 

_ أنا كنت سيباك الصبح تعبان وقولتلك ارتاح في البيت.
 
ابتعد عنها "هارون" وتحرك نحو الأريكة الموجوده بالغرفة ليجلس عليها. 

_ قاعدة البيت بتتعبني اكتر يا "سمية"، قوليلي طيارة "بيسان" و"سيف" هتوصل امتى. 

اقتربت منه "سمية" وهي تُرتب خُصلات شعرها. 

_ قدامهم اربع ساعات على ميعاد وصولهم. 

هَـز "هارون" رأسه بتفهم؛ فجلست "سمية" جواره. 

_ بكره مدعوين على زفاف "عزيز الزهار". 

قالها "هارون"، فعاد التجهم يحتل ملامحها وقبضت على كفوف يديها بقوة... فقد تأجج الغضب الذي لم يُخمد هذه الأيام مجددًا. 

_ هو فيه مشاكل بين "سيف" و عمه يا "سميه". 

اتجه "هارون" بعينيه نحوه بعدما تساءَل، فهو يشعر بتوتر الأجواء بينهم... حتى قبول "سيف" للعمل معهم حيره بالبداية. 

_ ليه بتسأل السؤال ده يا "هارون"؟ 

تمتمت بها "سمية" وهي تنهض من جِواره وابتعدت عنه حتى تستطيع إخفاء ملامح وجهها التي تغيرت عند ذكره لـزفاف "عزيز". 

_ مجرد سؤال يا "سمية"، عمومًا "عزيز الزهار" عم مينفعش حد يخسره.
 
اِحتقنت ملامح "سمية"، فهي اليوم لا تتحمل أي نقاش. 

_ هو شغل ابني معايا هيخسره "عزيز" بيه اللي يوم ما فكر يتجوز اتجوز واحدة طماعه حاطه عينيها هي وعيلتها على فلوس ولادي. 

اِرتسمت الصدمة على ملامح "هارون" من ردها ، فاندافع "سمية" بالكلام وغضبها يصيبه بالدهشة.

_ "سمية" أنا حقيقي مستغرب من رفضك الغريب لجواز "عزيز". 

توترت "سمية" وأشاحت عيناها عنه حتى لا يرى غيرتها؛ فَــ أردف "هارون" وهو يقطب جبينه. 

_ "عزيز" مش كبير عشان يحرم نفسه من الجواز يا "سمية".
تلاقت عيناها بـ عينين "هارون" وسُرعان ما كانت تبتسم ثم اِتجهت نحو طاولة مكتبها لتلتقط حقيبتها قائلة بغنج.

_ حبيبي إيه رأيك نخرج نتغدا بره النهاردة، بقالنا كتير متغديناش في مطعمنا المفضل. 

واِقتربت منه ومَدّت يدها له لينظر إليها "هارون" ثم تنهد وابتسم ونهض معها.
...

وكزت "شهد" ذراع "لميس" ثم سحبتها بعيدًا وخرج صوتها حانقًا.

_ أنتِ غبية يا "لميس"، كان ممكن "نيرة" تسمعك. 

بوجه ممتقع تمتمت "لميس".

_ مالك يا "شهد" خايفه كده ليه، اهو خوفك وجُبنك دول مش هيوصلوكي لـ "سيف". 

أسرعت "شهد" بوضع يدها على شفتيها.

_ "لميس" وطي صوتك. 

نفضت "لميس" يدها عنها وارتفع صوت ضحكاتها عاليًا.

_ يا جبانه، خليكي كده زي الأطفال. 

أطرقت "شهد" رأسها، فهذه العبارة دائمًا تنعتها بها "لميس". 

_ وعلى فكرة أنا عرفت النهاردة شخصية "سيف" بعد ما شوفت مراته، نصيحة مني يا "شوشو" بلاش تفكري فيه. 

رفعت "شهد" رأسها ونظرت إليها وقد أصابها كلام "لميس" بالإحباط. 

_ اه أنتِ خلاص هتدخلي كلية الطب بس لسا طفله يا "شهد" و واحد زي "سيف" أكيد محتاج بنت مكتملة الأنوثة عشان تلفت نظره.
 
وبهمس خافت أردفت "لميس" وهي تقف ورائها. 

_ بصي لمراته كويس وهتعرفي ولا أقولك خليكي طفلة كده رغم إن الفرصة جاتلك على طبق من دهب وبنت عمك بقت منهم خلاص. 
... 

وقفت" زينب" أمام المرآة بعدما ارتدت ذلك الثوب الذي أهدته لها "نارڤين" واكتشفت اليوم أنها أهدته لها لأنها أحبتها مثلما أحبت "ليلى" من أول لقاء جمعهن. 

لم تنتبه "زينب" على دلوف "يزيد" وأخذت تُحرك خُصلات شعرها الطويل وقد أعجبها مظهرها مع ظهور رسومات الحناء على عنقها وكاحلها... فَــ بعدما كانت تعترض رضخت لإلحاح الفتيات وفعلت مثلهن. 

تنهدت بأنفاس ثقيلة عندما تذكرت ما نقشته من أحرف اسمه للمرة الثانية على كتفها وليتها استطاعت رفض تلك الفكرة لكنها كانت مُرغمة؛ فهي أمامهن زوجة لم يمر إلا أشهر قليلة على زواجها. 

تحرك "يزيد" نحوها وهو يحمل هاتفه ويوجهه نحوها مبتسمًا. 

اِنتبهت "زينب" على وجوده أخيرًا، فَــ ابتسمت ليُبعد الصغير الهاتف عن عينيه قائلًا:

_ أنتِ جميلة أوي يا "زوزو"

ابتسمت له "زينب" ثم اِجتذبت العباءة المفتوحة حتى ترتديها عليها.

_ تعالا يلا عشان تلبس هدومك أنت كمان. 

أسرع نحوها "يزيد"، فرفعته على الفراش وواصلت كلامها وهي تُداعب خُصلات شعره. 

_ هو أنا قولتلك إن "ياسين" و "ريتال" جايين و كمان طنط "چيلان" فاكرها؟ 

هَـز الصغير رأسه، فأخذت تفك أزرار قميصه ليُخبرها وهو يرفع يديه الصغيرتين ويمررهم على خديها. 

_ أنتِ طالعه حلوة أوي يا "زوزو". 

دلفت "سما" -في هذه اللحظة- الغرفة وهتفت بهم. 

_ أنا جيت، أكيد مش حاسين بـ بهجة من غيري.
 
زمت "زينب" شفتيها بعبوس ونظرت إلى "يزيد". 

_ قولها يا "زيدو" إننا مبسوطين عادي من غيرها. 

ردد الصغير وراء "زينب". 

_ مبسوطين عادي من غيرك يا طنط "سما"

اِتسعت حدقتيّ "سما" ثم وضعت يدها على قلبها بدراما. 

_ خونتني معاها يا "يزيد"، لعلمكم بقى دي خيانه غير مشروعه. 

واقتربت منهم لتلتقط ذراع "زينب" بعدما أصابها الفضول لترى ما أسفل العباءة. 

_ إيه الجمال ده يا "زوزو"، لأ ده الكابتن لما تروحيله النهاردة هيتبهر... اتوقع هتكون ليلة النهاردة ولا في...
 
أسرعت "زينب" بوضع يدها على شفتيها حتى تُخرسها من مواصلة كلامها أمام "يزيد". 

_ خلاص مش هتكلم تاني، قربي بس كده ولفي خليني اتفرج. 

ضحكت "زينب" على أفعال ابنة عمها ورفع الصغير هاتفه مجددًا ليواصل تسجيل الفيديو الذي لم يغلقه منذ دلوفه الغرفة... 

تعليقات



×