رواية لم تكن خطيئتي الفصل الخامس بقلم سهام صادق
وقفت تتأمل كل ركن من أركان شقتها التي دخلتها لأول مره عروساً بفستانها الأبيض مُحملة بين ذراعي زوجها والسعاده تملئ فؤادها... أحلامها كانت دوماً بسيطه كل ما كانت تتمناه ان تعيش حياه هادئه وزوج يُبحها وتنجب اطفالا تعتني بهم..
دموعها لم تكد تتوقف الا وعادت تنساب من جديد فوق وجنتيها... القهر والآلم كانوا يملئوا ثنايا روحها وهي تتذكر صوت حماتها تُخبرها عن هوية الضيفه التي رأتها من قبل
- قدر انا مش عايز اطلقك... شمس هتفضل في شقتها وانتي ف شقتك
صوته كان يُعذبها.. اغمضت عيناها تتذكر تأخيره وبياته بالخارج متعللاً بأمر عمله او صديقه رائف وهي التي تجلس تحت أقدام والدته تخدمها دون كلل تتحمل إهانتها وتقلب مزاجها حتى تدخلها في ابسط الاشياء بحياتها مُعلله لنفسها انها ام
- حياتنا انتهت خلاص ياكريم انت دورت على سعادتك واه لقيتها...وانا معدش ليا لازمه خلاص
هتفت عبارتها الاخيره بآلم ينهش روحها تلتف نحوه بعدما مسحت دموعها بقوه واهيه
- لا ياقدر حياتنا مع بعض منتهتش... احنا نقدر نكمل سوا... وهيبقى عندنا ولد وانتي كمان هتكوني امه
" امه" كلمه لم تزدها الا آلماً.. لم تشعر بأقتراب كريم منها ولا بذراعيه وهو يطوقها اليه بتملك
- عمر وسافر وطنط الله يرحمها وخالك كل شهر بيكون متجوز واحده... قوليلي هتعيشي ازاي لوحدك
واردف وهو يضم وجهها بين قبضتيه ينظر إلى عينيها الشارده
- عذابنا وزن امي انتهى خلاص...
وبقوه استمدتها من كلماته التي كان يغرزها بقلبها دون رحمه دفعته عنها والآلم يُمزق روحها
- طلقني ياكريم... قولتلك حياتنا مع بعض انتهت..
- مش هطلقك ياقدر... مش هطلقك سامعه... وهتعيشي معايا برضاكي او غصب عنك
صاح بعلو صوته مما جعل والدته تصعد لأعلى تنصدم بمظهر كريم
- أنتي السبب... انتي السبب شوفتي زنك وصلنا لايه... اه دلوقتي انا مش فرحان ان هيبقى عندي عيل
**************************************************
القت هاتفها بغضب وهي تراه يتجاهل رنينها... دارت حول نفسها كالمجنونه تزفر أنفاسها حانقه.. لتتبدل ملامح وجهها وترتسم فوق شفتيها ابتسامه واسعه تُذكر حالها انها الان هي الفائزه وقد انتصرت على زوجته وحصلت على مرادها
*************************************************
جلست بجانب خالها في السياره المحمله ب اثاثها تنظر إلى من كان زوجها بدموع صامته ليُدير خالها رأسها نحوه يضمها اليه متحسراً على حال ابنه شقيقته
وقف كريم يُتابعها بعينيه يضغط فوق شفتيه بقوه متماسكاً بصلابه واهيه
اقترب منه رائف يربت فوق كتفيه
- عين العقل اللي عملته ياصاحبي..
- كان عندك حق يارائف طول عمري مبعرفش اقدر النعمه غير بعد ضايعها
وابتسم ساخرا وهو يلتف نحو والدته التي تقف على أعتاب المنزل تبكي حسرة على اثاث ولدها في عتمة الليل
- كلها شهور وهبقي اب مش هو ده اللي كانت عايزه
وكانت هي تلك الجمله التي أصبح يُرددها كما كانت تُرددها والدته كل يوم فوق رأسه الي ان اصبح لا يرى الا ان زوجته امرأه ناقصه لا تعطيه السعاده كامله
**************************************************
وضع منير أمامها المال بعدما تم بيع أثاث زيجتها بأكمله
- اخدوا عرسان جداد على قد حلهم... وديه الفلوس
نظرت لخالها ودموعها عالقة بأهدابها تأبى السقوط.. فيقترب منها منير يضمها بين ذراعيه
- مدام متعلقه بالعفش اوي كده ياقدر بعتيه ليه يابنتي
- قلبي وجعني اوي ياخالي... حاسه بنار جوايا... هو انا استحق اللي حصل ده
بكت بمراره وآلم لم يفارقها منذ طلاقها
- لا ياحبيبت خالك انتي ست البنات... هو اللي واطي ميستهلكيش.. بكره ربنا يعوضك بواحد ابن ناس انتي لسا صغيره يابت
أبتعدت عنه تُلملم شتات نفسها تنظر اليه بحسرة
- مافيش واحد هيرضي يتجوز واحده مبتخلفش
- مين قال انك مبتخلفيش
ضحكت بمراره وهي تتذكر حديث حماتها فلو كان ابنها به عيبً ماكانت زوجته حملت بتلك السرعه
- كريم كلها كام شهر ويبقى اب ياخالي..
صمت منير واطرق رأسه حزناً عليها لا يعرف بما يُجيبها
- بقولك ايه انا عامل صنيه بطاطس بالفراخ تستاهل بؤك... اقفلي الشقه وتعالى يلا ناكل سوا
لم يترك لها منير فرصه تعترض ليسحبها خلفها نحو شقته بالأسفل
وهكذا كان "منير" رجل صاحب مزاج عالي محب للنساء والسلطنه الكل ينظر اليه انه بلا نفع ولكنه يحمل داخل قلبه حناناً كبيراً
*************************************************
مسح حبات العرق عن جبينه بعدما أنهى رياضته المفضله ..فأبتسم أدهم وهو يضرب كفه بمضرب التنس
- مبتقبلش الهزيمه ابدا ياكبير
دفعه شهاب برفق فوق كتفه مبتسماً
- شهاب العزيزي مبيسبش حقه
ضحك أدهم مما جعل قلب شهاب يرتاح وهو يرى ابن شقيقه قد عاد لمزاحه وحياته القديمه
- يبقى التحدي المره الجايه
اكملوا سيرهم بضحكاتهم التي جذبت أعين الكثير...لتتجمد ملامح شهاب وهو يرى القادمه نحوه... لم يُغيرها الزمن بل ظلت جميله وانيقه تخطف الانظار حولها ولكن تلك الهاله لم تكن الا إطار يحوي لوحة فارغه
تعلقت أعين أدهم بنظرات شهاب...فلم تكن القادمه الا " شيرين " زوجة عمه السابقه
تعلقت نظرت شيرين نحو أدهم الذي رمقها ببغض وهو يُغادر لتطرق عيناها حزناً.. فعائلة العزيزي لا تراها الا صفحة سوداء بحياتهم
- شهاب
خرج اسمه من شفتيها بتوتر وهي تري نظراته الجامده نحوها
- رجعتي ليه ياشيرين
- مش هفضل طول عمري بعيده ياشهاب
وتعلقت عيناها به بشوق
- طول السنين اللي فاتت كنت بتابع كل حاجه عنك... شهاب انا لسا بحبك
- بتحبيني ؟
استنكر عبارتها يرمقها بكرهه وذكريات الماضي تمر امام عينيه
- وانا منستش انك السبب في موت ابني
فتسقط دموعها تقبض فوق ذراعيه
- قولتلك ماليش ذنب..ماليش ذنب صدقتي
- ذنبك انك كنتي ام مهمله
دفعها عنه بعدما وجد أعين البعض تُحدق بهم بفضول
- اتمنى مشوفكيش تاني ياشيرين
أصابة كلماته قلبها فأطبقت جفنيها علي دمعة تنحدر من بينهما تتحسر علي ما اضاعته .
*****************************************
طالعها خالها وهو يدلف من الباب الشقه يحمل بعض أكياس الطعام
- وادي ياستي الخضار والفاكهه... خالك اه ليه نفع مش زي ما انتوا فاكرين
تأملته بحب فلن ولم تنظر اليه يوماً بتلك النظره التي وسمه بها الكثير حتى أصبح لا يهتم بشئ الا راحته
- ربنا يخليك ليا ياخالي
والتقطت منه الأكياس تضعها فوق الطاوله الصغيره التي كانت يوماً تضم أفراد العائله بدفئ
- خالي انا محكتش ل عمر عن طلاقي... وانت كمان متحكيش ليه
- ليه يا قدر.. المفروض نعرفه يابنتي... انا هكلمه واحكيله
اقتربت منه تمسك يديه راجيه
- عمر عنده لسا مشاكل هناك... انت عارف لو عرف هيرجع وانا مش عايزه اشيله همي.. ارجوك ياخالي خلينا منقولهوش لفتره بس لحد ما أموره تستقر
اصرت بشده ولم يجد منير الا ان يوافقها....
وضعت وجبة طعام الإفطار فوق الطاوله أمام منير الذي شرع في تناول الطعام بنهم يتلذذ من مذاق الفلافل والباذنجان المخلل.. أنهى طعامه ببطن منتفخ يربت فوق معدته
- الحمدلله
انتبه اخيراً علي ملامحها الشارده تُمضغ طعامها بمراره
************************************************
جلست شارده بعدما تصفحت الجريده التي أمامها وقد يأست من إيجاد وظيفه طرقات خالها المرحه فوق باب شقتها جعلتها تبتسم رغما عنها
- افتحي ياقدر... جبتلك شغل خلاص
التقط أنفاسه وهو يُطالعها كيف وقفت تنظر اليه بأبتسامه واسعه يدب فيها الأمل
- بجد ياخالي
- طب دخليني الأول اخد نفسي واقولك...
واردف وهو يزيحها من أمامه
- اعمليلي كوبايه عصير ليمون من ايديكي الحلوين قبل ما اقولك
- شوف البت سرحت تاني... فين الليمون
اتسعت ابتسامتها بعدما نفضت تعاستها تنطلق نحو المطبخ هاتفه بحماس
- احلى كوبايه عصير ليمون ليك ياسيدي
أمتلئ قلبه سعادة وهو يري ابتسامتها تُشرق وجهها من جديد
جلس فوق المقعد الخشبي متنهداً ينتظر كأس العصير الذي يعشقه من يديها
***********************************
رفعت عيناها نحو اسم اللافته الموضوعه كوجهة لمكتب الإستشارات الهندسية الذي ستعمل به موظفة استقبال تستقبل العملاء... تجربه كانت جديده عليها مما جعلها تشعر برهبة الفشل... تقدمت نحو البناية تزفر أنفاسها تدعو داخلها ان يوفقها الله في حياتها الجديده
******************************************
شهران مضوا على لقائها به.. اندمجت فيهم علي حياه سيدات الأعمال والمرأة العامله... من ندوة لأخرى ومن اجتماع لآخر هكذا أرادت ان تبدء حياتها الجديده التي كانت مؤهله لها فيما مضى ولكنها لم تكن ترى الا حياه اللهو والعبث
بدأت تتغير من أجله... لم تشعر بحبها له إلا عندما فقدته وانتهت رحلت حياتهم
وقفت امام مرآتها تعدل من هندام ملابسها العمليه تنظر بتعمق لملامحها
- هتغير عشانك ياشهاب... هكون شيرين جديده
***********************************
اندفع صائحاً لا يرى أمامه فمنذ ان علم خبر زواج شقيقته الذي تم منذ ثلاثه أشهر وهو كالمغفل في أعين الجميع لا يُصدق انهم خدعوه هكذا واستغلوا سفرته
- انا تعملوا معايا كده ياشهاب... تستغفلوني
تعلقت نظرات الجالسين في غرفة الاجتماعات التي يترأسها شهاب ويجلس على يمينه أدهم... اشاره من شهاب جعلت الجميع يجمع أوراقه وينصرف
- اقعد زي الرجاله نتكلم
صاح به شهاب بعدما نفذ صبره من صياحه ودفعاته لكل ماهو أمامه
- انا تطلعوني عيل... وانت يابيه ازاي تسمح بكده.. مش ديه برضوه خطيبتك ولا عيشتك في أمريكا نستك النخوه والرجوله
لم يشعر أدهم بنفسه الا وهو يمسك تلابيب قميصه
- النخوه والرجولة ديه اتعلمهم انت مش انا
- بس كفايه اخرسوا انتوا الاتنين... اظاهر ان اخواتي معرفوش يربوكم
- عرفت منين ان لبنى اتجوزت
التوت شفتي عاصم ساخرا وهو يتذكر كيف تلقى الخبر
- من السواق بتاعك ... شوف الزمن اعرف ان اختي اتجوزت من واحد شغال عندنا
- لبنى اتجوزت الإنسان اللي بيحبها
هتف بها أدهم يرمق عاصم بنظرات ساخطه.. فتعلقت عيني عاصم به شزراً
- مش قولت قعدتك ف امريكا علمتك قله الرجوله
- عاصم... الكلام معايا انا
احتدت ملامح عاصم وهو يشعر بأستصغارهم له ولم يدرك معنى حديثه الا عندما وقع على رؤسهم
- ايه ياشهاب بيه ولا قولك ياعمي ياكبير العيله يلي الكل بيشهد بعقلك..هنعيد تاني تجربتك.. ما انت اتحديت الكل واتجوزت بنت الوزير وايه اللي حصل بعد كده
الصمت كبل افواههم.. فأرتسم الآلم فوق ملامح شهاب
صرخ به ادهم يدفعه بقوة نحو الجدار
- تصدق انك وقح وعايز تتربى
انتبه عاصم لفداحه ما نطق يقبض فوق كفوفه
- أدهم خلاص... مش هنقعد نجرح في بعض
واقترب من عاصم الذي لم تخمد ثورته رغم صمته
- اختك اتجوزت خلاص.. جوازها بقى امر واقع
تلاقت نظرات عاصم بنظرات شهاب الجامده وكأنه يُنهي حديثهم.. تحرك مندفعاً لخارج الغرفه يتوعد لذلك الطبيب
*****************************************
مسحت دموعها بعدما شعرت بأستصغار مديرها لامكانيتها في التعامل مع الحاسوب بعد أن طلب منها تقريراً عن العملاء وطباعته... لم يكن هذا مجال تخصصها حتى عقلها تشعر وكأنه لم يعد يستعب شيئاً..اقتربت منها هناء زميلتها بالعمل
- متزعليش ياقدر...استاذ فهمي عايز كل واحد فينا يبقي اتنين في واحد ويشتغل اي حاجه
- انا عارفه اني مش مؤهله ياهناء... بس والله بتعلم بسرعه
- طب تعالي اوريكي تعملي ايه ونخلص التقرير سوا
انتهت هناء من كتابة بيانات العملاء وطباعه التقرير تهتف بحماس
- كده خلصنا... عشان نسكت بوز الأخص اللي جوه
********************************************
زمجر بوحشيه وهو يدفع ما أمامه
- انا مشغل بهايم... ازاي متعرفوش سافر فين
اطرق رجله رأسه يستمع لتوبيخه
- عملتها ياشهاب .. انا عارف محدش هيعمل كده غيرك
- هو الدكتور ده مالهوش اهل
رفع الرجل رأسه متمتماً بخوف
- ليه اخت كانت متجوزه وأطلقت من جوزها ودلوقتي عايشه لوحدها وخاله راجل بتاع مزاج...
تجمدت نظرات عاصم وابتسامه شر شقت ملامحه.. اشاره واحده منه جعلت رجله يفهم ان وجوده انتهى
زفر أنفاسه وهو يشعل سيجارته
- اختك قصاد اختي يادكتور