رواية فى رحالها قلبي الفصل الخامس5 بقلم اية العربي


 رواية فى رحالها قلبي الفصل الخامس بقلم اية العربى

إما أن تقبل بالمُر أو تتعامل مع الأشد مرًا


بعد خمسة أيام  


انغمست فيهم سارة مع أفكارها خاصة بعدما طرحت الأمر على والدتها وأخبرتها بخوفها تجاه القبول وحيرتها تجاه الرفض بعدما كانت سعيدة بخطوبة علي فهو شاب راشد عاقل واعٍ وثري ولكن مسألة تعافيه من الإدمان هذه جعلتها تتراجع وتحتار في أمرها  ،  أترفضه وتظلمه أم تقبل به وتظلم ابنتها  ؟ 


وهي أيضًا كذلك  ،  خاصةً أنه رآها بالإضافة إلى شهادة الجميع بشهامته وأخلاقه وبالطبع حديثه عن سيف لم يغب عنها وهي تتساءل  لمَ بالفعل لم يرتح سيف له  ؟  ، ولم يدخل نفسه في حياتها  ؟ . 


ما عرفته عنه أمرًا صعبًا للغاية ولكن هل ستظلمه إن رفضت  ؟ 


هل عليها أن تعطيه فرصةً  ؟  . 


منذ أيام وهو يحاول جاهدًا أن يثبت لها بالأوراق والتقارير أنه لا يعاني من أي أعراضٍ يمكنها أن تؤثر على حياتهما  . 


يسعى جاهدًا كي يثبت لها كم هو يحبها وتعلق قلبه بها  فماذا تفعل  ؟ 


ظلت في تلك الحيرة طوال الثلاثة أيام لتستخير ربها ثم تقرر في اليوم الرابع إعطائه فرصة ومد الخطبة لعامٍ بدل من ستة أشهر كما قرروا مسبقًا  . 


أبلغته موافقتها وكم أسعده هذا الخبر بل جعله يشبه الطائر الحر في سماء السعادة ليبدءا في التحضير للخطبة  . 


ما إن علمت فريدة بهذا الخبر حتى شعرت بالسعادة والراحة  . 


كانت تجلس على مقعدها الخاص في غرفتها تنتظر خروجه بعد أن أغلقت مع سارة  . 


خرج سيف من الحمام يرتدي مئزره فابتسمت له من خلال مرآة الزينة وهي تضع مرطبها على ذراعيها فبادلها بابتسامة هادئة ثم اتجه يتمدد على الفراش ويتمسك بهاتفه متصفحًا إياه  . 


أما هي فتنهدت تتحدث بترقب وهي تطالعه  : 


- سيف  ،  خطبة سارة ستتم في موعدها  . 


توقف عن تصفح الهاتف ثم طالعها قاطبًا جبينه بصدمة وتساءل مستفهمًا  : 


- هل وافقت عليه  ؟  


أومأت له ونهضت تتجه إليه حتى تمددت بجواره وتحدثت وهي تطالعه بحب  : 


- نعم  ،  منحته فرصة  ،  على ما يبدو أن سارة أحبته وأرى أنه يستحق  . 


حدق بها لثوانٍ ثم أومأ بملامح متجهمة وعاد يتصفح هاتفه لتتابع متسائلة  : 


- هل سنذهب للخطبة سويًا  ؟ 


- لا  ،  أنا لدي سفرًا مهمًا غدًا  ،  وربمَا أغيب لفترة  . 


نطقها وهو يكمل تصفحه لتذهل وتتحدث باندفاع  : 


- ماذا  ؟   ،  أي سفر هذا  ؟  ،  سيف هل تمزح أنا بحاجتك  لمَا لم تخبرني  ؟ 


ترك الهاتف والتفت لها يطالعها بتعجب قائلًا  : 


- ما بكِ فريدة  ؟  ،  هل هذا الأمر جديد عليكِ  ،  تعلمين أنني أسافر دومًا لعقد صفقات خاصة بعملي  ؟  ،  ما الجديد في الأمر  ؟ 


اندفعت تلوح بيدها وتشير نحو رحمها  : 


- الجديد أنني حاملٌ ومتعبة وأريدك بجانبي وبالطبع لا أستطيع السفر معك  . 


نظر لها بتعمن ثم نزل بنظره لحملها وعاد يحدق بها وتحدث بنظراتٍ ثاقبة ونبرة ذات معنى   : 


- اسمعي فريدة  ،  لا تقيديني بهذا الحمل الآن وأنتِ تعلمين جيدًا الأسباب  ،  ولا تناقشيني في مسألة خاصة بعملي بعد ذلك  ،  ولا تنسي اتفاقنا منذ البداية  ،  حسنًا  ؟ 


نظرت له نظرة حزينة متألمة  ،  لم يحبها  ،  ولن يحبها كما هي تحبه الآن  ،  كل ما يفعله معها هو معاملة روتينية فقط  . 


تحسست رحمها ثم تمعنت فيه وأردفت بنبرة منكسرة  : 


- حسنًا يا سيف  ،  لن أنسى اطمئن  . 


ترجلت بعدها تتجه نحو الحمام وجلس يتابع أثرها بشرود وغموض غلف أفكاره لذا عليه أن يبتعد  . 


❈-❈-❈


مرت الأشهر سريعًا  . 


وها هي فريدة أصبحت في شهرها السادس ولكنها أصبحت في حالة تعبٍ مستمر  . 


لم تكن تعلم أنها ستتألم هكذا  ،  لقد ظنت أن الحمل متعب ولكن ليس بهذا القدر حيث تشعر أن قلبها سيتوقف وأنفاسها تكاد تكون معدومة  . 


حياتها باتت مملة خاصة وأن سيف في الآونة الأخيرة أصبح يسافر كثيرًا ويغيب لفتراتٍ طويلة  . 


لا تعلم لمَ بات يتعمد تجاهل عائلتها في أي مناسبة  . 


فمثلًا حينما أخبرته بحفلة ذكرى ميلاد سارة التي جهزها لها علي في أحد الأماكن وطلبت منه الحضور رفض بشكلٍ لا يقبل النقاش وأرسلها مع السائق لتحضر وتعود  . 


أحيانًا يطلب منها أن تذهب للمكوث في بيت سعاد لحين عودته من السفر ولكنها تأبى  ،  ترفض أن تكون عبئًا على أحدهم خاصة بحالتها الواهنة تلك لذا فهي تجلس في فيلتها وحولها العاملات تلبين لها سائر طلباتها  . 


أما سارة فقد اعتادت على علي  ،  تعترف أنه فعل الكثير من أجلها ويومًا بعد يومٍ يثبت لها صدق حبه  . 


ربمَا هناك بعض الأفعال التي تشعرها بالضيق منه ولكن يمكنها تمريرها كمثل غيرته عليها من التعليقات وردود أفعال متابعيها  . 


ولكن ما أحزنها بحق أنه لا يحب الشوكولاتة كما كانت تتمنى وتخطط لتطهو لشريك حياتها أشهى الأطعمة منها  . 


كانت فريدة تجلس في غرفتها تشعر بوخزةٍ تستقر في صدرها  . 


وخزة عنيفة لا تعلم سببها  حين رن هاتفها فتناولته تجيب وهي تملس على صدرها  : 


- كيف حالك يا سارة  . 


تحدثت سارة بحب  : 


- بخير يا فريدة  ،  أنتِ كيف حالك اليوم  ؟ 


حاولت سحب أنفاسها بصعوبة وشعرت بثقل يجتاحها وكأن أنفاسها ستتوقف لذا قالت بوهن  : 


- سارة أشعر أنني أختنق  ،  هل يمكن أن تأتي  ،  صدري يضيق وحالتي بائسة حقًا  . 


نهضت سارة من جلستها تردف بقلق وهي تنتشل ملابسها  : 


- حسنًا يا فريدة لا تقلقي إن شاء الله خيرًا  ،  هيا تمددي الآن ولا تبذلي مجهودًا وأنا سآتي في الحال  . 


❈-❈-❈


بعد وقتٍ 

وبعد تصميمٍ من سارة حيث اصطحبت فريدة إلى دكتورة قلبٍ تتابعها على مواقع التواصل وقد تعرفت عليها مسبقًا  . 


لم تحتمل سارة ما رأته حيث كانت فريدة شبه فاقدة للوعي وتعاني من تصلب شديد في قدمها وذراعها الأيسر وصدرها  . 


ظنت أن شكواها من الحمل لذا اتخذتها ذريعة كي ترفض عدم الذهاب للأطباء الذين لا تحبهم أبدًا  . 


ولكن بسبب وهن حالتها وتصميم شقيقتها ها قد توقفت سارة أمام عيادة الطبيبة بعدما أبلغتها بحالة فريدة ونصحتها أن تأتي في الحال  . 


دلفتا وصعدتا حيث الطابق المنشود ثم دلفتا العيادة واستقبلتهما العاملة بابتسامة هادئة  حينما أخبرتها سارة بموعدها أسرعت نحو الطبيبة تخبرها حيث لا تحتمل حالة فريدة الانتظار  . 


دلفتا للطبيبة على الفور لتسرع سارة وتساعد فريدة في التمدد على سرير الكشف لتبدأ الطبيبة في فحصها وسألتها عدة أسئلة وفريدة تجيب بذعرٍ زاد من ألمها حينما وجدت الأمر مبالغ به  . 


أسرعت الطبيبة تفحص قلبها بأشعة فوق الصوتية حينما شعرت بأمرٍ ما ليتبين لها أنها بالفعل تعاني من مرضٍ في القلب وهو انسداد الشريان الأوورطي  . 


بعد حوالي نصف ساعة من الفحص الذي طال 


زفرت الطبيبة بملامح هادئة بعد أن انتهت ونهضت تتجه نحو مكتبها بينما ساعدت سارة شقيقتها في النهوض وتحركتا نحو مكتب الطبيبة تجلسان لتتساءل سارة بتوترٍ وملامح مذعورة بعدما رأت حالة الطبيبة  : 


- طمئنينا أيتها الطبيبة  ،  أختي بخير أليس كذلك  ؟ 


كانت تتمنى أن تجيبها بنعم  ،  بل تترجاها بنظراتها ولكن خاب أملها حينما زفرت الطبيبة تقول بأسف  : 


- ستكون بخير إن شاء الله ،  هناك مشكلة صغيرة في القلب وهي انسداد الصمام الأوورطي وسنعمل على حلها  . 


استمعت فريدة لها بصدمة جردتها من الألم والتهمها الخوف الذي جعلها تشحب كالأموات لذا ابتسمت لها الطبيبة وتحدثت بنبرة مطمئنة  : 


- لا داعٍ للقلق أبدًا  ،  جميع أمراض القلب الآن أصبحت مثل دور الانفلوانزا ولكن أخبريني هل لديكِ أحد من عائلتكِ يعاني من مرضٍ في القلب  . 


تعمقت في عين الطبيبة بضياعٍ وتشتتٍ وتحدثت بتيه وهي ترى أمامها مستقبلًا أسودًا  ،  لا لا ترى أمامها أي مستقبل  : 


- نعم أمي  ،  أمي ماتت بسبب مرضٍ في القلب  . 


أسرعت سارة تتمسك بكفيها وتطالعها بعيون ثاقبة وتردف بنبرة موبخة رافضة تمامًا ما تسمعه  : 


- فريدة هل تسمعين جيدًا  ،  تخبركِ الطبيبة أن مرض القلب أصبح علاجه سهلًا  ،  هل تفهمين  ،  ما حدث هذا حدث منذ سنواتٍ عدة حينها كان الطب لم يتقدم بعد  ،  أما الآن فالوضع أصبح مختلفًا  . 


التفتت بعدها سارة تنظر إلى الطبيبة وتحدثت بنبرة قوية ومتألمة في آنٍ واحد  : 


- أخبريني أيتها الطبيبة ما يجب علينا فعله  ،  هل تحتاج إلى جراحة  ؟  ،  هل تحتاج إلى سفرٍ  ،  أخبريني أرجوكِ وكل ما تحتاجه سنفعله  . 


تحدثت الطبيبة بعملية وابتسامة بالرغم من لمعة الحزن في عينيها والتي لم تخفَ على سارة  : 


- اهدئي يا آنسة سارة كل ما سنفعله الآن هو وضعها تحت المراقبة إلى أن تلد ثم سنحدد لها الجراحة وليست بحاجة للسفر فيوجد هنا أفضل المستشفيات المتخصصة لحالتها  ،  ولكن أخبريني يا فريدة أين زوجكِ  ؟ 


التفتت فريدة تطالعها بيأسٍ تجلى في نبرتها وهي تقول  : 


- إنه خارج البلاد في مؤتمر عمل  . 


أومأت لها متفهمة ثم ابتسمت وتابعت بنبرة تحمل مرحًا كي تهون عليها  : 


- حسنًا أراكِ على الفور تتجهمين  ،  لا داعي لذلك أبدًا هناك فقط مشكلة صغيرة وسيتم حلها فور ولادتكِ ولكن لدي سؤالًا  . 


ترقب سارة وفريدة فتابعت الطبيبة ببعض التعجب  : 


- ةأولم تشعري أبدًا بأعراضٍ طوال الخمس عشرة عامٍ الأخيرة  ؟  . 


هزت فريدة رأسها بحزنٍ وتحدثت موضحة بنبرة منكسرة  : 


- لا  ،  لم أشعر بشيء  ،  ربما القليل من الوخزات في صدري والتي كنت أتجاهلها لأنني أخشى الأدوية والأطباء من صغري لذا فلم أكن أشتكي من شيء ولكن مؤخرًا زادت الأعراض وظننتها من الحمل  ،  لم أكن أتوقع أنني سأرث من والدتي مرضها  . 


تهاوى قلب سارة من نبرة شقيقتها وعادت تردف بنبرة موبخة ترفض بها ما يتردد داخل عقلها  : 


- كفي عن التحدث بهذه النبرة يا فريدة  ،  أنتِ ستكونين بخير  . 


التفتت بعدها إلى الطبيبة وتساءلت بشيءٍ من القسوة الناتجة من سوء أفكارها  : 


- حسنًا يمكننا إجهاض الطفل إن كان ذلك مفيدًا لها  ؟ 


طالعتها الطبيبة بذهول تحاول ألا تغضب ولكنها قالت بنبرة حادة  : 


- أي إجهاض  ؟  ،  شقيقتك في أواخر الشهر السادس هذا يسمى قتلًا  . 


أطرقت رأسها خجلًا ولكن بكت ،  بكت حينما شعرت أن حياة أختها مهددة لذا أسرعت تجفف دموعها كي لا تراها فريدة وتحدثت بتشتت   : 


- أنا لا أعلم بماذا أتفوه  ، حسنًا ما رأيكِ أن ندخلها مشفى متخصصة تمكث فيها إلى أن تلد  ،  هل سيكون هذا أفضل لها  ؟ 


أومأت الطبيبة مؤيدة لهذا القرار قائلة  : 


- هذا سيفيدها كثيرًا  ،  ولكن ستكون التكلفة عالية  . 


- لا بأس  . 


نطقتها سارة بثقة وهي حتى وإن لم يتحمل سيف تكلفة مرض زوجته لتتحمل هي  ،  ستبيع سيارتها وكل مدخراتها الذهبية وكل ما تملكه وستنفقه على شقيقتها يكفيها أن تحيا  . 


أما فريدة فكانت في ملكوتٍ آخر تمامًا  ،  هجم عليها اليأس والاستسلام  ،  تشعر أن هذه أولى خطوات النهاية  . 


هل كان عليها أن تطيعه وألا تحمل  ؟  ،  هل حملها هذا سيكون سببًا في موتها  ؟  


هل ورثت أيضًا المرض من والدتها كما ورثت الحظ السيء في الحب  . 


كانت تسعى لحياةٍ أفضل وأكثر سلطة ونفوذًا وثراءً ولكن كل هذا هل عاد عليها بالمنفعة ؟ 


هل سيفيدها وستنجو  ؟ 


انتبهت على نداء سارة المتكرر وهي تحثها على النهوض لتغادرا فنهضت معها بصعوبة حيث شعرت أن أعصابها تخلت عنها  . 


تمسكت بها سارة وتحركتا للخارج تغادران وما إن وصلتا للصالة حتى أجلستها على مقعدٍ قريب مردفة بتخبطٍ ودموعٍ تخفيها  : 


- فريدة نسيت هاتفي في الداخل انتظريني هنا لأحضره  . 


تركتها وأسرعت تتحرك عائدة إلى الطبيبة وهنا سمحت لدموعها أن تفيض ووقفت أمام الطبيبة تتساءل بترجٍ  : 


- أخبريني أيتها الطبيبة  ،  قولي لي أن شقيقتي ستكون بخير أرجوكِ  . 


تنهدت الطبيبة تنظر لسارة بحزن ثم ابتسمت بتكلف قائلة  : 


- إن شاء الله ستكون بخير ولكن من الأفضل نقلها إلى المشفى خوفًا من تعرضها لأي وعكة نسبةً لكونها حامل  ،  ويجب أن يعلم زوجها  . 


أومأت سارة ثم تساءلت بتشتت وقهرٍ يقبض على قلبها  : 


- حسنًا أخبريني كم نسبة نجاتها  ؟ 


أطرقت الطبيبة بأسف ثم عادت إليها تقول بصدقٍ  : 


- ضئيلة  ،  الصمام مسدودٌ بشكلٍ كبير ولا أعلم كيف تحملت كل تلك الآلام بمفردها ولكن يبدو أن شقيقتكِ تخاف  ،  كل ما عليكِ فعله هو بث الأمل فيها  ،  حالتها النفسية هي عاملٌ رئيسي في الشفاء  . 


تحركت سارة تغادر بصدمة  ، تتحرك فقط ولكن عقلها توقف عن التفكير وكل ما هجم عليه هو فكرة موت شقيقتها وتلك الفكرة جعلتها على حافة الجنون مستنكرة حدوث ذلك  . 


ما إن خرجت حتى سلطت فريدة أنظارها عليها تطالعها بترقب لتجدها باكية ولولا النقاب لكانت رأت شحوب ملامحها ولكن تكفي عيناكِ يا أختي   ،  تكفي نظرتكِ لتؤكد لي أنني  ...  سأموت  . 


اتجهت إليها سارة تبتسم من أسفل نقابها وقالت وهي تساعدها على النهوض  : 


- هيا يا جميلة الجميلات يا صاحبة أجمل قلب  . 


ابتسمت فريدة بألمٍ  بقهرٍ بيأسٍ وتحدثت وهي تخطو مع شقيقتها نحو الخارج بخطوات ضائعة مبعثرة  : 


- أي جمال سارة  ،  قلبي مريض متهالك فكيف له أن يكون جميلًا  . 


نزلتا للأسفل وساعدتها سارة في ركوب السيارة والتفتت تستقل مكانها وتقود لتتساءل فريدة وهي تطالعها بثقبٍ  : 


- أخبريني سارة ماذا قالت لكِ الطبيبة  ؟  ،  هل أخبرتكِ أنني سأموت  . 


التفتت لها سارة تطالعها بحدة ثم أسرعت تخفي عينيها عنها وتردف بتأكيد وصوتٍ عالٍ لتكتم صوت أفكارهما  : 


- ستكونين بخير يا فريدة  ،  لن يحدث لكِ مكروهًا  ،  ستلدين ثم ستخضعين إلى جراحة صغيرة ومن بعدها ستكونين بأفضل حال،  وتوقفي عن هذه التراهات ألا تلاحظين أنكِ جبانة؟  ،  هناك أطفال لم تتجاوز أعمارهم العام ويخضعون لجراحة قلبٍ  ،  كفي عن الأفكار السوداوية يا مملة  . 


ابتلعت فريدة لعابها وبكت  ،  بكت تضع كفوفها على وجهها فلم تعد قادرة على التحمل  ،  لتتوقف سارة جانبها وتسرع في سحبها إليها وتعانقها بقوة وتملس على رأسها قائلة بحزنٍ تجاهد لتلجمه  : 


- فريدة أرجوكِ  ،  حسنًا ربما هذه الطبيبة مخطئة  ، سنذهب إلى غيرها وغيرها وغيرها وحتى لو كانت صائبة ستكونين بخير  . 


هزت رأسها تردف بيأسٍ صريح  : 


- لا يا سارة  ،  لن أكون بخير  ،  ليتني استمعت إلى كلام سيف ولم أحمل  ،  سأشتاق إليه يا سارة  ،  أنا أحبه كثيرًا  . 


بكت معها وشددت من عناقها وتخلت الأحرف عنها فلم تجد كلماتٍ تواسيها بها بل ظلتا هكذا إلى أن ابتعدت فريدة تجفف دموعها وتردف بتحشرج  : 


- هاتفي سيف يا سارة  ،  أخبريه أن يأتي  . 


❈-❈-❈


مساءًا 


يهرول إلى الفيلا بعدما جاء على متن أول طائرة عائدة للبلاد بعدما سردت له سارة ما حدث  . 


ها هي أسوء كوابيسه تتجسد أمامه لذا لم يحتمل ما سمعه وأتى  . 


اقتحم الغرفة ليجدها ممددة على السرير وحولها سارة وسعاد تجلس باكية بينما الأولى توبخهما على ما تفعلانه  . 


نظر لهما بتعجب تحول إلى حدة فوقفت سارة تردف بتوترٍ  : 


- هيا يا أمي لنخرج  . 


أومأت سعاد ونهضت تتحرك ثم وقفت أمامه قائلة وهي تربت على كتفه  : 


- حمدالله على سلامتك يا بني  ،  تحدث مع فريدة  . 


لم يجبها بل فقط يحدق بفريدة التي تستند وتطالعه بعجزٍ كأنها تخبره أنها ستشتاق له ولكن القدر مُصِر على الفراق  . 


غادرتا سعاد وسارة فتحرك صوبها بخطواتٍ بطيئة حتى وصل إليها وانحنى يقبل رأسها ويجلس أمامها على طرف الفراش يتعمق في ملامحها وعقله يدور في دائرة مفرغة يردد  ( إنها اللعنة بدأت تتحقق  ) 


لم تجد بدًا من عناقه حيث ألقت بنفسها بين ذراعيه فاحتواها يشدد عليها فباتت تبكي بنحيب وتردف من بين شهقاتها  : 


- أنت كنت محقًا يا سيف  ،  سأموت وأتركك  . 


عاجز عن الكلام فقط يحاول أن يهدئها لثوانٍ ثم ابتعد يطالعها ويزيح خصلاتها للخلف متسائلًا باستفسار  : 


- كيف حدث ذلك  ،  ومتى  ،  أنتِ لم تكوني تعانين من شيء  ،  كيف ظهر فجأةً هكذا  ؟ 


هزت رأسها بغير علم ثم بدأت تخبره بما قالته الطبيبة ليردف بصرامة  : 


- حسنًا ربما هي مخطئة  ،  سنذهب لغيرها اطمئني  . 


كور وجهها يردد بتأكيد  : 


- ستكونين بخير  . 


هل تصدقه أم تصدق حدسها لتقرر تصديقه هو لذا ابتسمت له قائلة  : 


- صدقًا  ؟ 


- نعم  . 


نطقها بتصميم لينزل بنظره إلى رحمها يطالعه للحظات ثم تجهمت ملامحه فجأة ليعود ويتحدث كأنه يشتكي إلى نفسه  : 


- لم أكن أريده  ،  لم أكن أريد حملًا يا فريدة  ،، أخبرتكِ أنني لا أريد أن أكون أب  . 


عادت الغيوم تتكون في مقلتيها وهي تومئ له ندمًا على عدم سماعها لكلماته ولكن الآوان قد فات والآن في داخلها طفلًا صغيرًا ينمو وتشعر به وعليها أن تتقبله  ،  عليها أن تحبه مهما كانت الظروف  . 


❈-❈-❈


بعد أسبوعين 


وبعد التأكد من حالة فريدة تم حجزها في مشفى خاص دفع سيف كل تكاليفه  . 


لم تتركها سارة لحظة بل رافقتها وبرغم اعتراض المشفى على ذلك إلا أن نقود سيف كان لها رأي آخر  . 


بقاؤها مع شقيقتها أثار حنق علي ولكن كان عليه تقبل الوضع إلى أن تلد  . 


أبلغها سيف بضرورة سفره إلى الخارج والعودة سريعًا لإبرام صفقةٍ ما وبرغم عدم تقبلها لذلك إلا أنها لم ترفض وسافر سيف وجلست هي تفكر طوال الليل وتتطلع على سارة التي تنام بالقرب منها  . 


في الصباح نادتها للتحدث إليها فاتجهت سارة تطالعها بابتسامة هادئة وقالت بحنان مازحة  : 


- ماذا تريدين يا روح قلب أختك   ،  أخبريني وسأفعله حتى لو طلبتي أن أرقص لكِ  . 


ابتسمت لها فريدة بوهن وشحوب ثم تنهدت بقوة وبدأت تخبرها بوصيتها قائلة وهي تتمسك بكفيها  : 


- اسمعيني سارة  ،  أريد منكِ وعدًا ولا تقاطعيني أرجوكِ  . 


انسحبت الدماء من وجه سارة واستشفت حديثًا مؤلمًا بينما تابعت فريدة بهدوء واستسلام  : 


- إذا لم أنجُ ونجا صغيري اعتني به جيدًا  ، كوني له أمًا  ،  ولا تتركيه لسيف يا سارة فهو لم يكن يريده  ،  خذيه لكِ ولكن أخبريه عني وأخبريه أنني كنت أتمنى رؤيته  ،  لا تتركيه أبدًا يا سارة  . 


أصبح وجهها باردًا وجميع أطرافها وهي تطالع شقيقتها بصدمة ألجمتها لتتابع فريدة قبل أن تستيقظ سارة من صدمتها  : 


- سأخبر سيف أن يتركه لكِ ولكنه لن يراعيه  ،  سيهمله وسيتركه هو لا يريده  ،  أرجوكِ سارة عديني ألا تتركيه أبدًا  . 


لم تجد ما تنطق به فقط تطالعها بصمتٍ كأنها فقدت معالم الحياة لتردد فريدة بقلبٍ متهالك حزين  : 


- عديني سارة  . 


- أعدكِ  .

الفصل السادس من هنا

تعليقات



×