رواية وريث آل نصران الجزء الثاني الفصل التاسع والخمسون 59 بقلم فاطمه عبد المنعم
صباح الخير قبل بداية الفصل كنت حابه أنوه عن حاجه أنا من بداية ما كتبت روايات وأنا بنشر الكتروني وكله عارف ان الالكتروني بيكون متاح للجميع وأنا بفضله جدا، لكن ميرضيش ربنا ألاقي تعبي وروايتي بتتسرق وبتتباع على موقع اونلاين بالفصل، الفصل الواحد تمنه 4 دولار! ، لا وكتر خيرهم عاملين عليها خصم.
كمان بتتشحن معنى كده اصلا انها بتطبع بالفصل للناس اللي هتتشحنلهم... أنا زعلانة حقيقي على تعبي ومجهودي وعلى إن في ناس مستحله ده على نفسها، ياريت لو حد يعرف يقولي اتصرف ازاي مع الموقع ده لأنهم مبيردوش وياريت تبقوا عارفين ان أي حاجه من النوع ده مش هتكون تبعي وشكرا ليكم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
هل وقعت في فخك؟
وقعت لدرجة أن سلبك مني، يجعل الحياة تتوقف؟
لا لم يحدث...ولكن..لا كما قلت سابقا لم يحدث ولكني حقا لا أستطيع قول لن يحدث.
معه في السيارة، من جديد في السيارة بعد أن صرحت بكل مخاوفها، صرحت بأنها تخشى حبه ولم يفعل هو شيء سوى احتضانها.... تجلس في السيارة وقد استندت رأسها على زجاجها تبكي بصمت، وهو ينظر أمامه وداخله متخبط داخله يخشى كل شيء، ليس شيء واحد مثلها.
_ انزلي.
لم يقل إلا هذه الكلمة، حين توقف بسيارته أمام منزلها، نزلت بهدوء لم يستطع إخفاء الإعصار في عينيها، عواصف الحزن التي لم تتركها وشأنها... تحركت إلى مدخل المنزل بخطوات ثقيلة ولكنها لاحظت أن سيارته لم تتحرك... بقت في المدخل تراقبه من بعيد، ولكنه أبى المغادرة، أخرج ورقة جرائد قديمة من الموضوعة في سيارته والتقط القلم من جوار الأوراق ثم دون عليها بخط كبير واضح اقتباس من قول يحبه ل "عمر بن الخطاب " _رضي الله عنه_ وهو:
ولكنها القلوب إذا صفت رأت.
انتهى ونزل من السيارة متجها ناحية الحائط... نفس الحائط الذي علقت عليه من قبل ورقة من جريدة قديمة، وورقة اخرى تحمل عبارة عن الطمأنينة، هذه المره يفعلها هو ربما تفهم رسالته.
تقف في المدخل كقط متربص، ينتظر اللحظة المناسبة للخروج ولكن الظل كشفها، كشفها وهي تميل للخارج بحذر تحاول معرفة ماذا يفعل، فلتت ضحكة منه حين لمحها، لم يكن وصفه خطأ أبدا قالها منذ اللحظة الأولى ... قطة رقيقة تجبرك على الرفق في التعامل معها ولكنها في ثانية تتحول إلى اخرى شرسة تهاجمك حين تشعر بالخطر.
ركب سيارته وغادر المكان كليا، لتخرج هي مهرولة ترى ماذا كان يفعل جوار حائط دكانهم.... ورقة جديدة تمت إضافتها، ورقة من جريدة دُوِن عليها بقلم أسود:
ولكنها القلوب إذا صفت رأت.
انكمش حاجبيها باستغراب، تحاول تفسير سبب هذا، لماذا كتب هذه الجملة خصيصا وتركها، ولكنها نفضت ذلك عن تفكيرها وركزت في نقطة واحده ألا وهي أن خطه غاية في الجمال، لم تركز إلا في أنه خطه رائع جدا.
★***★***★***★***★***★***★***★
صباح يوم جديد، استيقظت "شهد" بعد نداء والدتها المتكرر لتناول وجبة الإفطار قبل أن تذهب "مريم" لأداء الامتحان.... ذهبت لغسل وجهها ثم دخلت المطبخ وهتفت بكسل:
ما تفطروا أنتوا وتسيبوا الواحد يعرف ينام.
ابتسامة صفراء صدرت عن والدتها التي قالت:
خرجي الأطباق "شهد".
ناولتها الطبق فأخذته "شهد" متحدثة بغيظ:
كمان أطباق؟
_ ولو ممشيتيش دلوقتي هتصبي الشاي.
فرت سريعا بالأطباق وما إن لمحت شقيقتها التي استيقظت للتو حتى هتفت مسرعه:
ادخلي ماما كانت بتسأل عنك تصبي الشاي.
ابتسمت "ملك" بسخرية وقد كشفت ألاعيب شقيقتها:
بتسأل عني أنا برضو؟
قالت "ملك" هذا، ثم سمعت صوت هاتفها واستغربت حقا حين رأت أنه "عيسى"...لم يتحدثا منذ هذه الليلة واليوم يهاتفها؟
بينما في نفس التوقيت وتحديدا في غرفة "طاهر" كان "عيسى" غافيا جوار "يزيد" الذي يرفض النوم بمفرده ولكن الصغير اليوم استيقظ مبكرا، استيقظ حين شعر بأحدهم في الغرفة وتيقن من أنه والده، أسرع ناحيته يحتضنه صائحا:
بابا.
مال "طاهر" يحتضنه بحب هاتفا:
وحشتني يا جدع والله.
حمله يقبله على وجنتيه وسط سعادة الصغير الكبيرة والذي أشار على عمه قائلا:
"عيسى" جه نام معايا النهارده، علشان هو بيخاف ينام لوحده.
طالعه والده ضاحكا بسخرية وهو يسأل:
بقى كده؟
قبل أن يجب هتف "طاهر" بحماس:
بقولك ايه انزل يلا اغسل وشك، وافطر كده علشان هخرجك النهارده.
هرول الصغير ناحية الخارج يهلل بمرح، واقترب "طاهر" من الفراش ينبه "عيسى" بنداء ألح فيه:
عيسى... يا عيسى.
تحدث "عيسى" بكسل وهو مازال على نومه:
بقولك ايه انا ابنك كل دماغي ومعرفتش انام... اخرج واطفي النور.
جذبه "طاهر" من ملابسه مرددا بضجر:
ايه يلا الندالة دي َمفيش حمدا لله على السلامة.
أبعد "عيسى" كفه وتثاؤب ثم نطق:
الحمد لله على السلامة... سيبني أنام بقى في نهاركم ده.
عاد للنوم من جديد وقبل أن يجذبه "طاهر" مجددا، خلع "عيسى" سترته القطنية وألقاها لينام عاريا الصدر وهو يردف بنعاس:
ادي التيشيرت اللي مضايقك اهو خده.
_أنا عايز رقم "ملك".
أربع كلمات قالها "طاهر" جعلت "عيسى" يهب معتدلا في الجلوس على الفراش، فرفع "طاهر" حاجبيه ناطقا بسخرية:
الله الله الله، يعني بقالي ساعه بتحايل عليك تقوم، وأول ما قولت "ملك" قومت اتعدلت علطول.
_ لما يبقى اسمك "ملك" هبقى اتعدلك يا أخويا.
توقع "طاهر" رد متبجح كهذا منه، فهتف "طاهر" ضاحكا وهو يتحدث باستهزاء:
تحب اروح اغيره في البطاقة دلوقتي؟
ضحك "عيسى" قبل أن يقول بغيظ:
طب اخلص عايز الرقم ليه؟
صرح بما لديه بنبرة صادقة وقد لمع الحزن في عينيه:
أنا كنت ضارب خناقة مع" شهد" قبل ما امشي... وكمان كنت واعدها هي ويزيد قبلها اني هخرجهم، هي متعرفش اني رجعت عايز ابعت لملك وتستأذنلي والدتها انها تخرج معايا.... وبعدها ملك تخليها تلبس على أساس ينزلوا سوا فتلاقيني أنا... عايز افاجئها.
تحدث "عيسى" متصنعا التأثر:
قشعرت... لا حقيقي قشعرت، طب ما أنت بتحس أهو،
حلوف معايا أنا ليه؟
تبع "عيسى" كلماته بالضحك فضربه "طاهر" في صدره مكررا:
هات رقم "ملك"... علشان أنا هزعلك دلوقتي.
لمح "طاهر" الهاتف فانتشله، مما جعل "عيسى" يهتف باعتراض مسرعا:
مش هتعرف تفتحه، فرجعه أحسن وخلينا حبايب.
بالفعل لم يفتح الهاتف مع "طاهر" بسبب كلمة السر، فأعطاه له بغيظ مردفا:
خد هات الرقم.
فتح الهاتف ليرسل الرقم له، فرأى ما خشى أن يقع تحت يد طاهر وهو ينتشل هاتفه، فلقد فقد تعقله ونسى أن هاتفه مغلق بكلمة سر، ولكنه سريعا ما استرده.... أول ما ظهر حين فتح الهاتف هو آخر ما تطلع إليه قبل نومه... صورتها وهي غافية، صورة التقطها خلسة ولم يعلم أحد عنها شئ سواه... ذلك اليوم حين قفزت في المياه وأنقذها من الغرق وذهب بها إلى منزل "سهام"، حين مشط خصلاتها المبتلة وصنع لها جديلة حاولت فعلها أثناء تمشيط خصلاتها وفشلت.
بعدها دخلت للغرفة وخلدت للنوم، يتذكر جيدا حين هتف باسمها فلم تجب، ففتح الباب ودخل الغرفة بحرص ليجدها غافية، متدثرة جيدا بسبب برودة الأجواء في ذلك التوقيت.... تنام وقد استندت بجانب وجهها على منتصف الفراش وقبضت على الجديلة بكفها وكأنها ستفر منها... فابتسم وفتح هاتفه، التقط صورة لهيئتها هذه، كان المتصدر فيها نصف وجهها الظاهر وكأن تقاسيمها تجبره على حفظها... فاق من شروده على الصورة تطلع إليها بعد أن أرسل الرقم لطاهر فقام مسرعا يرسل لها من أجل خطته... أما هو بقى مكانه بقى يتأمل ملامح لا يستطيع أن يغفل عنها أبدا خاصة بعد تصريحها الأخير.
★***★***★***★***★***★***★
انتهت والدتها من وضع كل شيء بالحقيبة الخاصة بها، دعت لها بالتوفيق، ثم دخلت الغرفة لتحسها على الذهاب للامتحان ولكنها تفاجأت من أن ابنتها تبكي بعنف... بلا توقف، هرولت ناحيتها تسأل بقلق:
مالك يا " مريم" في ايه؟
مسحت دموعها سريعا هاتفة بتبرير:
مفيش حاجه يا ماما، أنا بس خايفه من الامتحان شويه.
كاذبة وعلمت والدتها من أول كلماتها فردعتها عن الكذب بقولها:
في ايه يا "مريم"، امتحان ايه اللي خايفة منه، أنتِ مبتعيطيش من امتحانات.
زاد نزول دموعها وهي تتذكر الرسائل التي أرسلتها لها إحداهن، رسائل تحذرها فيها من محادثة " حسن" مره اخرى، ليست هذه المره الأولى ولكن هذه المره الأصعب حيث شعرت بالإهانة وهي تقرأ:
زي ما بيلف عليكِ دلوقتي، وشاغلاه اليومين دول، هيلف على غيرك بكرا، حسن أصله بيبدلهم زي شراباته بالظبط، فابعدي عنه احسنلك... واسمعي دول كده.
محادثات صوتية لن يستطيع إنكارها هذه المره بينه وبين إحداهن قيل لها في المحادثة أنها كانت صديقة له في الجامعة، ليست مروة وحدها بل يوجد غيرها كثيرات، هذا ما قيل لها و هذا ما تدعمه هذه المحادثات الصوتية.
الخداع له مرارة لا تُوصف وخاصة إن كان منه بعد أن دق قلبها له.... حملت حقيبتها وهي تدرك جيدا أن مستوى الإجابة في امتحان اليوم لن يعجبها أبدا فإن أعصابها التالفة هذه لن تساعدها على الحل بصورة سليمة، كادت تتخطى والدتها ولكنها أوقفتها ناطقة بحزم هذه المره:
في ايه اتكلمي.
احتضنت والدتها تتابع ببكاء أشد:
أنتِ صح... أنا أسفه في كل المرات اللي مسمعتش فيها كلامك...
انتظرت والدتها بقية الحديث فحدثت المفاجأة حين سمعتها تقول:
مدرس الفرنساوي ده كان زفت.
_ انتِ بتعيطي علشان مدرس الفرنساوي؟
هتفت "هادية" باستنكار وهي تتطالعها بشك، بل يقين ان هناك شيء ما ولكنها مسحت دموعها طالبة:
طب خلاص متعيطيش، روحي الامتحان دلوقتي واهدي وسمي الله كده وإن شاء الله خير.
هزت رأسها بابتسامة ...بكلمات أمها اللطيفة هذه يقل أثر الحزن في روحها، قبلتها "هادية" وطلبت من "ملك" أن ترافقها حتى مدرستها، ولم تستطع ملك منع نفسها أثناء السير معها من سؤالها:
هو حصل حاجه يا "مريم"؟... احكيلي أنا طيب.
و عدتها وهي تتشبث بذراعها:
هحكيلك لما ارجع.
حاولت " مريم" نفض الحزن وهي تقول بعتاب:
مع إن المفروض انتِ أول واحده تحكي، بقالك يومين مش مظبوطه.
_ خلاص بالليل على البلكونة وكل اللي عندها كلمه تقولها.
ضحكت "مريم" على قولها، ثم قبلتها مودعة حين وصلت إلى المدرسة، ووقفت "ملك" تطالعها وهي تعلم أن هناك شيء ما تخفيه.
★***★***★***★***★***★***★***★
توقيت الغذاء كان هو الأنسب لإظهار كم افتقدت "ابنها" وقفت "سهام" مع "تيسير" ترص الأطباق على المائدة وتشرف على كل شيء، الأصناف التي يحبها ابنها متواجدة جميعها على الطاولة، جلس الجميع حول الطاولة فتحدث "نصران" بافتقاد حقيقي لابنته:
والله القعدة دي ناقصها "رفيدة".
مازحه " حسن" بقوله:
اشمعنا بقى، وأنا لما بنزل الكلية مبوحشكش في وجبة الفطار؟
كرر "نصران" خلفه باستنكار:
كلية؟... ودي تعرف عنها حاجه دي؟
تابع بحزم:
أنا عند كلمتي يا حسن لو سقطت تاني خلاص مفيش علام تاني... ايه هتتخرج منها على الستين!
_ يا عم ربنا يدينا طولة العمر وهتخرج على الاربعين إن شاء الله.
ضحك الجميع على قوله، وخاصة "ميرڤت" التي تشاركهم للمرة الأولى، فالأيام السابقة كانت جليسة غرفتها بسبب المرض ولكنها اليوم تحسنت ولو قليلا، وضعت "سهام" الطعام أمامها هاتفة برفق:
أنا خليت "تيسير" عملت أكلك كله مسلوق علشان الأكل التقيل ده ميتعبكيش زيادة .
ابتسمت "ميرڤت" بامتنان، و"عيسى" يطالع زوجة والده التي تحاول بكل الطرق كسب رضا والده وإظهار اللطف... تناول ملعقة ثم وضعها في طبق الحساء يغترف منه، وقدمها لخالته مقربا إياها من فمها... فحاولت منعه بقولها:
حبيبي انا كويسه والله... هقدر اكل متخافش.
رفع حاجبه الأيسر كإشارة تحذيرية فضحكت وهي تتناولها منه... و"طاهر" يقول:
لا ده انتِ استغلي الحنية دي كلها، أحسن هو بيجي عليه أيام بتبقى شاحه من عنده.
_ بابا يعني ايه شاحه؟
مال "طاهر" على ابنه يجذب خصلاته ناطقا بغيظ:
القط... أنا عايزك طول ما أنت قاعد تلقط، تقوم من هنا تبقى مكون معجم جديد.
وضع "حسن" قطعة من الدجاج المقرمش في فم الصغير هاتفا:
ما تسيبه براحته يا عم...يزيد ده ابوك مديه كل الصلاحيات في البيت.
نظر "نصران" في ساعته فلم يجد وقت أنسب من هذا لذا حثهم بقوله:
"عيسى" هات "طاهر" وتعالى، هنروح مشوار كده ولما نرجع نبقى نكمل أكل.
تشبث "حسن" برداء والده ناطقا بتوسل:
اجي معاك يا حاج؟
_ يا بني هو أنت حد مسلطك عليا؟
همس له "حسن" متصنعا أن الموضوع سري للغاية:
اه بصراحة كده امي مكلفاني اراقبك، 300 جنيه وأنا هختفي من الأجواء وهقولها مشوفتهوش.
يعلم أنه يمزح لذا ضحك وسأله بجدية:
عايز فلوس؟.
نطق برجاء حقيقي:
مش عايز فلوس، بس عايز ألوان وحاجات للمرسم، محتاج اظبط فيه حاجات كتير وهيتكلف.
وعده "نصران" مستخدما اللين هذه المره:
خلاص شوف هيحتاج ايه وانا هعملك اللي أنت عايزه، بس اعقل بقى يا "حسن" وركز في مستقبلك علشان خاطر نفسك يا بني قبل خاطري وخاطر امك... انا بتكلم بالحسنى اهو.
غمز له مصارحا بضحك:
أجدع واحد يتكلم بيها والله.
ابتسم "نصران" على كلماته، وبالفعل استجاب "طاهر" و"عيسى" له ونبه "يزيد" جده بقوله:
جدو متأخرش بابا علشان هو هيخرجني النهارده.
_ تيجي تخرج معايا أنا وتسيبك من بابا؟
ابتسمت "سهام" على سؤال "نصران" وخاصة حين هتف الصغير بحماس:
بجد يا جدو؟
حدث "نصران" زوجته و"ميرڤت" قائلا بضحك:
باع أبوه في ثانية.
عاد له مجددا يقول برفق:
خليك النهارده مع بابا علشان منزعلهوش، وانا وانت يبقى لينا يوم مخصوص.
سعد "يزيد" بذلك كثيرا وترك "نصران" مقعده هاتفا بامتنان:
تسلم ايدك يا "سهام"، وتسلم ايد " تيسير" .
نبهته "سهام" بانزعاج:
أنت مأكلتش حاجه وهما كمان مأكلوش وقومتهم.
_ بما نرجع بقى... هو هيطير.
قالها وذهب ناحية المرحاض فهتفت بنبرة عالية:
اوعى تنسى العلاج يا "نصران".
اقترب " حسن" من "ميرڤت" يقول لها:
ميغركيش جوز العصافير دول... عارفة لما بيقلبوا عليا هما الاتنين، شوفتي مسلسل ريا وسكينة؟
هزت "ميرڤت" رأسها ضاحكه فأكمل:
أمي و أبويا بقى بيبقى عندهم طاقة شر أكتر من بتاعة ريا وسكينة.
قهقهت "ميرڤت" عاليا فاقترح "حسن" على الصغير قائلا:
أنت بقالك كتير مجتش معايا المرسم، ما تيجي ندخل دلوقتي وناخد "ميرڤت" نرسمها.
تحمس "يزيد" للفكرة كثيرا، أما عن "حسن" فقام يستعد لهذا، فلقد طلب منه "عيسى" أن يجعل الأجواء أكثر لطفا بالنسبة لها حتى لا تشعر بالغربة، وحتى تتحسن حالتها النفسية في الأيام التي ستقضيها هنا وبالفعل هو ينفذ هذا لأن حالتها حين شاهدها في منزلها لم تسره أبدا... فيحاول بذل قصارى جهده لتكون أفضل.
★***★***★***★***★***★***★
لم يعلم أي واحد منهم إلى أين، حتى وصلا مع والدهم ليجدا أنفسهم أمام منزل "منصور".... طالع " طاهر" ... "عيسى" باستغراب أما "نصران" فترك السيارة وحثهما بقوله:
انزلوا.
دقائق وأصبحا في ساحة الاستقبال التابعة لمنزل "منصور" ويستقبلهم "منصور" وابنه "جابر" وقد تم الترحيب بمودة زائفة، تبعها "منصور" بقوله:
هتتغدوا معانا بقى.
رد "طاهر" بالرفض بدلا عن "نصران" و "عيسى":
لسه قايمين من على الغدا يا حاج... تسلم.
أتت الخادمة بأكواب الشاي الساخنة وقد وضعتها على الطاولة ورحلت فبادر " جابر" بالسؤال:
فكرت يا حاج "نصران" في اللي اتكلمنا فيه.
_ طبعا ده أنا جاي النهارده مخصوص علشانه.
إجابته هذه جعلت "جابر" يتحمس وهو يسأله بلهفة:
طب وايه ردك؟... أصل أنا يا حاج "منصور" عند عرضت على الحاج "نصران" إنه يشاركنا بربع المحصول علشان نعرف نكمل الطلبيات اللي هنسلمها بعد ما المحصول عندنا باظ.
خطة ملتوية، أي شراكه مهما كانت صغيرة ستجعل له قدم ثابتة عند "نصران"، ستبيح له كل ما يساعده على الإطاحة به ولكن " نصران" قتل الأمل بتصنع الحزن:
كان نفسي اوافق يا "جابر"، و خصوصا إن زي
ما قولتلي الطلبيات الخضار والفاكهة رايحين لناس عالية وهتقدر الحاجه النضيفة وهتدفع الضعف.
كرر " جابر" باستنكار:
كان نفسك!.... طب وانت هترفض ليه يا حاج.
_ المحصول باظ.
خرجت الكلمات من فم "عيسى" قوية حاسمة لا تحتاج لتكرار.
وأكمل "نصران" بقلة حيلة:
وأنا ميرضينيش أودي حاجه تلات ارباعها بايظ على انها منتج فرز أول
ثم تابع متصنعا الذهول:
معرفش ايه اللي جرى السنة دي، اكيد في حاجه غلط في ال....
قاطع حديثه وقوف "منصور" الذي هتف وهو يتقدم منه:
لسه بتلعب، لا وبتعرف تلعب حلو أوي يا "نصران".
قبل أن يتقدم خطوة اخرى هبا " عيسى" و"طاهر" ليقفا أمام "نصران" الجالس بأريحية كحائط بشري في وجه "منصور" و "طاهر" يهتف بحده:
لزومه ايه الكلام ده؟
_ لزومه إن أبوك رافض الشراكه بس بيجبها بالملاوعة، عايز نكمل في الكره اللي اهالينا بدأوه من زمان... رغم اني مديت ايدي بالسلام وهنسى حق اهلي كلهم.
رد قوي قاله "عيسى" بتحذير:
حاسب على كلامك بدل ما يشيلك الغلط.... أنا أبويا ما بيلاوعش، الملاوعه دي لو كان ادى ابنك كلمه ورجع فيها... اداك كلمه؟
وجه "عيسى" سؤاله إلى "جابر" الذي لم يرد إفساد الخطة بالكامل حتى لو فشلت الخطوة الأولى فهتف يخمد من ثورة والده:
مينفعش كده يا ابويا... انا مصدق الحاج نصران الأرض كلها حالتها ميسرش.
أخبرهم "طاهر" هذه المره:
وحتى لو حالها يسر، وهو مش عايز... هو حر في ملكه يا حاج "منصور".
طالع " منصور" ... "عيسى" يسأله:
معندكش كلمه تقولها أنت كمان؟
ابتسم "عيسى" قبل أن يقول وهو يربت على صدره:
عيب عندي طبعا... أنا اللي يحترم أبويا أشيله فوق راسي، واللي يفكر بس يقل من احترامه وهو بيتعامل مع ابويا بياخد مني على دماغه.... اسمع، عايز تصدق الكلام اللي اتقال صدقه، مش عايز اعتبر اننا بنطفشك وبنقولك مش عايزين شغل معاك، بس هو أبويا راجل ذوق وحب يجيبها بيه، لكن لو الكلمة ليا كنت عاملت كل واحد باللي يستحقه يا حاج "منصور"، ومش هقولك يا " منصور" زي ما انت شيلت الألقاب وقولت لأبويا علشان أنا بحترم وجود أبويا ومبحبش أقلل من احترام حد قدامه.
تحدث "جابر" إلى "نصران" معاتبا:
متزعلش يا حاج، أنا أبويا بس متضايق علشان اللي حصل للأرض، لكن كلام عيسى ده مينفعش.
قالها وطالعه بمقت وهو يتابع:
وأنا كفيل أرد عليه، بس مش هرد احتراما ليك ولأبويا.
_ قلود أوي.
همس بها "طاهر" لعيسى الواقف جواره، فضحكا معا ضحكات خفية قطعها "نصران" الذي ترك مقعده وقام فأفسح له الاثنان الطريق ليصبح مواجه لمنصور:
أسفك مقبول يا "جابر"، ومترحب بيك في أي وقت... لكن كلام "عيسى" و"طاهر" رد على كلام غلط اتقال من ابوك، وأنا اترفعت عن الرد عنه.
أكمل" نصران" متصنعا أنه يتذكر شيء ما:
كنت بتقول سامحت في حقك وحق أهلك باين يا منصور... معلش بس أصل أنا الكلام المايل محبهوش، وخصوصا لو بينبش في القديم.
نطق بحسم قاصدا كل كلمة يقولها:
أنتوا ملكوش حق، كان ليكم كام قيراط زمان من حتة الأرض الشرك اللي بين جدي وجدك، ولما أهل البلد رفضوا وجودكم وخرجتوا من البلد....جدي بعت على بيتكم حق الأرض مع انكم كنتوا مطلعين قد حقها كتير من شقا الناس الغلابة.... بلاش نبش في الماضي علشان محدش فينا يزعل من التاني.
ابتسم مضيفا:
وبالنسبة للسلام ما احنا في سلام اهو... ده احنا في نعمه عن زمان، كفايه بس اننا رجعنا ندخل بيوت بعض.... ولا ايه؟
لم يرد "منصور" بل كانت نظراته قاسية فهم "نصران" بالمغادرة هاتفا:
بالسلامة يا "منصور"، وألف شكر على الواجب اللي مخدناهوش.
نظرة الشماتة جلية في عيون أبناء "نصران" وقد رافقا والدهما في المغادرة فصاح "منصور" بهياج:
أنا مش عايزه يبيع حاجه من المحصول بتاعه.... عايزه يفضل جنبه، كلم كل التجار... أنا هعرفه بوظان المحصول بيبقى شكله ايه.
هذه العاصفة قابلها تأني من "جابر"... الذي تعلم الدرس جيدا وأدرك أن الخطوة الأولى لإنهاء "نصران" هي كسب ثقته والتي بالتأكيد لن تتم بيسر.
*************************************
مر وقت، ساعات تغيرل شيء، بل دقائق حتى الثواني تستطيع التغيير... هو الآن بمحل السيدة "هاديه" في ليلة صيفية حارة كهذه، استدعته فلم يتأخر كثيرا، ولكنه ندم... ندم حين شعر بالخفقان، وبرعشة في كفه حاول السيطرة عليها جاهدا وهو يسمع "هادية" تقول:
"ملك" قالتلي كلام كده أنت قولتوا ليها يا عيسى عن الجواز،
هو مش المفروض الكلام ده الكبار اللي يتكلموا فيه الأول
قصدت والده وتحفزه منع أي ردود متعقله خاصة وهو يقول بانفعال:
وهو انا بريالة ولا ايه؟
انكمش حاجبيها استغرابا من انفعاله الغير المبرر خاصة وأنها تتحدث بهدوء، وتابعت:
دي الأصول يا "عي...
_قصدك بقى إني مبفهمش في الأصول.
قالها بشراسة وهو يضرب على الطاولة داخل المحل بكامل غضبه.
فحركت" هادية" رأسها نافية ما يحدث وهي تسأله بغير تصديق:
لولا إني عارفاك، كنت قولت إنك شارب بلا من اللي بيتشرب، ماهو حالتك دي مش طبيعية.
ضحك عاليا وحرك رأسه متصنعا الموافقة وهو يتحدث بغضب شديد:
آه كملت... هتطلعيني مجنون كمان، وتروحي لحد الحاج نصران وتشتكيله من ابنه اللي مترباش، واللي َمش هيعرف يحافظ على بنتك... اللي هي اصلا مراتي وانتِ اللي عايشة في الوهم.
نزلت "ملك" كعادتها للجلوس مع والدتها في المحل قليلا في أمسيات الصيف هذه ولكنها تجمدت مكانها وهي تشاهد ما يحدث.... فهرولت نحو الداخل ولكن "عيسى" احتجزها متابعا بتحدي:
اهي... كويس انها جت، ما تقولي يا حبيبتي لماما احنا وضعنا الحالي بالنسبة للقانون ايه أحسن هي عقلها مسوحها خالص.
شهقت "هادية" بغير تصديق، وحاولت "ملك" جذب ذراعها منه هامسة بصدمه:
أنت بتقول ايه...
تابعت برجاء نبع من عينيها قبل فمها:
عيسى أنت بتبوظ الدنيا.
لا يدري ما يقوله أبدا، هو حقا كذلك الآن لذا هتف بتبجح:
خليها تبوظ على دماغك ودماغها.
ضربت "ملك" على ساقها فهو هذه المره أمام والدتها، آخر شخص سيصمت عما يفعل، وبالفعل سمعتها تهتف وقد تخلت عن أي هدوء:
لا ده أنت قليل الأدب ومش متربي فعلا...
ركل الموضوع على الأرضية بعنف جعل "ملك" تمسك كفه مسرعة محاولة إخمادها:
عيسى... بس، أسمع نفسك، مينفعش اللي بتعمله... طالعها فأكدت عليه مسرعة:
مينفعش.
أبعدتها والدتها عنه وهي تتابع بغلظة:
وبنتي أنا مش هآمن عليها مع واحد زيك، يتعصب فيقوم يموتها... أنا لا هتكلم مع كبيرك ولا غيره... هي
قاطعتها "ملك" صارخة بتعب:
يا ماما بس اسكتي يا ماما، كلامك ده هيزوده.
استدارت مسرعة لها تهتف بإصرار محايلة قبل أن يفعل أي شيء:
عيسى متردش... متردش عليها علشان خاطري، متعملش حاجه.
بدون أي حديث، هو يشعر الآن بالاسترخاء.... بوادر انتهاء النوبة وسيدرك الآن بشاعة ما فعل....التقطت "ملك" كفه تبثه الهدوء فجذبتها والدتها متابعة بغضب:
هو إيه اللي ميعملش حاجه هو أنا هخاف منه.
حاولت "ملك" الذهاب له مجددا، وهي ترى الاستغاثة في عينيه الصافيتين ولكن والدتها كانت حاجز وخاصة وهي تدفعه نحو الخارج ولقد كان مستسلم للغاية، فحالة الاسترخاء تجعله يشعر وكأنه كائن رخو... لم يقدر إلا على قول يا "ملك"، وقبل أن تتوجه له أغلقت والدتها الباب في وجهه هاتفة من الداخل:
ملك دي مش هتطول ضفرها، تروح لواحد يعرف يحافظ عليها، لكن بالعمايل اللي انا شوفتها دي ده انت تقصف عمرها.
سكاكين تمزق به وهي تهتف ببكاء:
يا ماما اسكتي بالله عليكي، افتحيله الباب بس يرتاح شويه.
صاحت في ابنتها بغضب:
هو انتوا هتجننوني... يرتاح من ايه؟...
نادته "ملك" من الداخل بدموع:
عيسى لو أنت لسه برا، ادخل اقعد في المدخل، لو مش معاك العربية اقعد في المدخل متمشيش كده.
_ هو أنتِ كرامتك فين؟.. ده أنتِ مبتقبليش الهوا على نفسك، ايه القرف اللي بتعمليه ده؟
صاحت "هادية" بغير تصديق، ودق هو الباب من الخارج دقه بكل ما لديه من قوة، يريد قربها الآن ولكن قول والدتها كان حاسم:
ملكش حاجه هنا... بنتي تطلقها بدل ما يبقالي معاك صرفة تانية
هزت "ملك" رأسها رافضة فتابعت والدتها بحزم:
وده اخر كلام عندي.
هل يخسر الآن؟... لا هو لا يخسر كذلك صرح لنفسه ولكن مع إصرار والدتها أدرك أنه بالفعل على وشك الخسارة... خسارة من همس باسمها مجددا ثم رفع صوته متحديا والدتها:
يا ملك اخرجي.
نطقت "هادية" بثبات:
لو خرجتي من هنا مش هيحصلك كويس.
هى تعلم ما به لذلك لم تستطع ففتحت الباب، وجدته يجلس على الأرضية رأسه بين كفيه كعادته، رفع رأسه مسرعا ما إن سمع الباب ومد يده لها ولكن والدتها صرخت:
خطوة كمان يا ملك وهتمشي معاه، وولا أنتِ بنتي ولا اعرفك.
بكت أكثر وهي تنظر إلى كليهما، ولكن كعادته كانت إجابته غير متوقعة حيث حثها:
ادخلي يا "ملك" معاها.
قالها وعيونهم لا تتفارق، هو يعتذر عن كل شيء وهي تريد ترك أي شيء وتذهب له ولكن والدتها من اليوم أصبحت حاجز منيع.