رواية وريث آل نصران الجزء الثاني الفصل الثامن والخمسون 58 بقلم فاطمه عبد المنعم
وكأن القلب يعرف مالكه أكثر من نفسه ...يعرفه لدرجة تصل إلى أن يسلم مفتاح دخوله إلى الشخص الوحيد الذي يرى فيه الأمان مع أن صاحبه مازال ينكر ذلك... ينكر ويشعر بالأمان ليثبت أن لا أحد يعرفك أكثر من قلبك.
هو في النهاية هنا، كما اعتادت دائما.... وصل إلى منزل "ميرڤت" منهكا حيث الطريق من الاسكندرية حتى القاهرة بالإضافة إلى التلف الذي أصاب كل إنش به بعد ما سمعه من "بشير" عن حالتها.
كان "حسن" يجلس على الأريكة أمام غرفتها وما إن دخل "عيسى" بعد فتح "بشير" البوابة له، هب واقفا، ثم سمع سؤال شقيقه الذي بدا قلقه جليا للجميع:
ايه اللي حصل؟
تحدث "حسن" أولا يخبره بتعب بعد ليلة لم يذق النوم بها:
أنا كنت هرجع النهاردة اسكندرية علشان زهقت، قولت هاجي اسلم عليها ولو أنت مجتش على اخر النهار هرجع لوحدي، جيت لقيت الجيران بيقولوا انها متخانقه مع جوزها وتعبانه اوي.
أكمل "بشير" يطمأن صاحبه:
أنا حسن اتصل بيا، وكلمتلها الدكتور بتاعها، جه شافها وقالي إن اللغبطة دي بسبب انها مش منتظمة في الأدوية بتاعتها، ولا بتتابع معاه زي ما المفروض يحصل.
سمع منهما ما أراد وتحرك بهدوء ناحية غرفتها، فنبهه "حسن":
هي نايمة يا....
قبل أن يتابع حثه " بشير" على الصمت قائلا:
سيبه يا "حسن".
تركه بالفعل وعاد للأريكة وقد تمدد عليها بتعب، وفعل مثله " بشير" على الأريكة المقابلة، بينما في نفس التوقيت دخل "عيسى" إلى غرفتها اتجه مسرعا إلى فراشها وجلس جوارها ليرى الشحوب الذي أصاب وجهها، مسح على رأسها بحزن شديد وهو يتأمل تقاسيمها، مهما فعلت يحبها، لم يشعر بألمه أحد بنفس القدر الذي شعرت هي به.
تسللت رائحته إلى أنفها، ففتحت عينيها وما إن وقعت على وجهه حتى ابتسمت بضعف قائلة:
وحشتني يا واد.
مال على رأسها مقبلا، وهو يقول بمزاح محاولا التخفيف عنها:
كده تقلقيني عليكِ، وتجيبيني في أنصاص الليالي... ثم تابع مغيرا صوته:
وأنا الحاج محرج عليا قايلي لو خرجتي بعد 12 هطلقك.
تضحك من قلبها على الرغم من أنه أوشك على الإنهاك تماما، ابتسم لضحكتها وهو يطالعها بحنان جعلها تقول بنبرة منخفضة:
بطل تبصلي كده بعينيك الحلوه دول، أحسن أحسدهم.
تضع الدواء في أحد الأدراج المحاورة للفراش دائما، هو يعلم ذلك، مما جعله أثناء حديثها يفتح الدرج ليجده خالي من كل شيء فاستدار يسألها معاتبا:
فين الدوا بتاعك؟
_ خلص.
قالتها بوهن شديد جعله يسأل طالبا الصدق:
أنتِ اشترتيه الشهر ده ؟
لم تستطع الكذب فهزت رأسها نافية وتابع هو بغير تصديق:
بياخد منك حق الدوا، هو بيدفع حاجه من جيب أهله علشان يستخسره فيكِ؟
تحدثت برجاء شديد:
"عيسى" علشان خاطري بلاش الكلام ده،
هو احنا كان علينا التزامات كتير الشهر ده فمقدرتش اجيبه.
تذكرت حين أرسل لها "عيسى" المال للمرة الثانيه في نفس الشهر، وأتى لها زوجها يرجوها بتوسل:
"ميرڤت" أنتِ عارفه أنا بحبك قد ايه، بس أنا مضغوط والله، متزعليش على اللي معاملتي الكام يوم اللي فاتوا، أنا استلفت من حد من فترة ومش قادر اسدد والراجل عمال يجري ورايا وبحاول اجمعله فلوس بأي طريقة.
فاقت من شرودها على الحقيقة وهي أنها من يوم أن أعطته المال الذي أُرسِل لها لم يعد للمنزل
انتبهت على سؤال "عيسى" المستنكر:
والدكتور اللي مبقتيش تتابعي معاه... ده برضو يا "ميرڤت" عندك التزامات ومش قادرة تروحيله.
قبل أن تقول أي شيء، أوقفها برفق مكملا:
قبل ما تقولي أي حاجه، قبل ما تقوليلي أنت فاهم "كارم" غلط و أنتِ عارفه إني فاهمه صح... عايزك تعدي كده كل المرات اللي تعبتي فيهم "كارم" كان كام مره منهم موجود
لم تجب، أجابت الدموع بدلا عنها وهي تسمع بقية الحديث:
ولا مره يا "ميرڤت"، " كارم" بيجبلك التعب لكن تعالي شوفيه كده دلوقتي... اتبخر.
تناولت كفه برجاء تطلب منه التوقف:
حبيبي خلاص علشان خاطري، والله ما قادره يا "عيسى" لأي حاجه.
كف عن الحديث بانزعاج حاول عدم إظهاره بسبب حالتها المرضيه ثم هتف بهدوء:
براحتك يا "ميرڤت" اعملي اللي يريحك... أنا هسيبك ترتاحي.
لم تتركه يغادر بل تشبثت بكفه وهي تطلب منه:
لا خليك هنا.
بقى في مكانه، يطالعها بألم شديد، ألم امتزج بحزنه على حالها، وعلى ما تصل إليه مع من يمقته.... تحدثت وهي تنظر له بعد أن عدل من وضعية الوسادة أسفل رأسها:
واضحك بقى علشان التكشيرة دي تمرضني أكتر.
استطاع بصعوبة وضع إنزعاجه جانبا، و الابتسام وهو ينظر إليها فبدأت في الدندنة بكلمات اعتادت أن تدندنها معه منذ صغره:
مش نظرة وابتسامة، مش كلمه والسلامة... دي حاجات كتير ياما، لو ناوي تحبني.
اتسعت ابتسامته، وبدأ في المسح برفق على رأسها وهي تتابع:
ايه يعني قلبك حنين؟
أشارت على عينيه متابعة:
ايه يعني رمشك يجنن؟
ضحك بحب وأكملت هي الأغنية:
لو حلو أنا برضو حلوه.
تابع هو هذه المره بدلا عنها:
وتجيني وأقول يحنن... لا هخاف ولا انحني.
ضحكا معا بعد انتهائهما من الغناء،
ومسحت هي على وجهه بحب ناطقة:
ربنا يباركلي فيك، وتفضل جنبي علطول.
قبل كفها وهو يخبرها بما سيحدث في الأيام الآتية:
هقولك حاجه وعلشان خاطري متعترضيش، تعالي معايا كام يوم.... اقعدي هناك غيري جو وهرجعك تاني، بس علشان ابقى متطمن عليكِ.
وافقت على طلبه ولكنها ذكرت شرطها مسرعه:
كام يوم بس وهترجعني، مش أكتر من كده.
هز رأسه موافقا على طلبها، ثم تحدث بلطف:
ارتاحي ونامي دلوقتي والصبح هنمشي.
ابتسمت برضا، واغمضت عينيها باطمئنان وقد عرفت للراحة طريق الآن فقط بجواره،
لم يترك الغرفة إلا بعد أن تأكد من أنها غفت، خرج ليجد صديقه وشقيقه قد انتصر عليهما النوم، فمال يهز "حسن" منبها حتى رد بقلق:
في حاجه؟
_قوم تعالالي.
قالها بهدوء، فقام "حسن" وذهب معه ناحية الغرفة الداخلية، انتظر ما سيقوله حتى نطق:
أنا هديك عنوان مكان، وخد العربية بتاعتي روح بيها...هتروح تشوف "كارم" جوز "ميرڨت" هناك ولا لا، ولو لاقيته مترجعش من غيره.
انكمش وجه "حسن" وهو يسأل باستغراب:
طب ما تتصل بيه تقوله يجي.
هو لا يحبه مطلقا منذ أن كان صغيرا وكان يأتي أحيانا برفقة والده لزيارة "عيسى" وتدعوهم "ميرڨت"... لقد كان دائما فظا، قاسيا، متصنعا.
تحدث" عيسى" بانزعاج:
حسن اعمل اللي بقولك عليه
_ يا عم وافرض لاقيته ومرضيش يجي معايا؟
أتى الحل سريعا لذهن "عيسى" فقال :
قوله ان انا باعتك بفلوس لميرڨت وإنك دورت عليها في البيت ملقتهاش، وحد من الجيران قالك انه بيقعد في البار ده.
رفع حسن حاجبيه وقد اتسعت عيناه وهو يكرر خلف شقيقه:
بار؟.... قول والله كده اني هروح اجيبه من بار، وكمان هتديني عربيتك...ده انا رايح دلوقتي حالا.
حذره "عيسى" حين رأى حماسه الكبير هذا:
أنا بقولك تروح تجيبه، مش تروح تقعد هناك... ده لو لاقيته، ولو ملقتهوش وسرحت هناك، أنا اللي هاجي اجيبك، وهتزعل.
أبدى "حسن" اعتراضه بضجر:
خلاص ياعم مكانتش كلمه.
أخرج هاتفه وتابع حديثه بقوله:
ابعتلي ال location وأنا هروح.
هز رأسه موافقا ثم اتجه إلى صديقه في الخارج وبعد أن أيقظه، قام بإخباره أنه ذاهب وسيعود بعد نصف ساعة، وتابع منبها:
أنا نص ساعه وراجع، خلي بالك يا "بشير" حسن نازل هو كمان...قوم خليك صاحي علشان لو "ميرڨت" احتاجت حاجه تجبهالها وخلي الباب ده مفتوح، لو لمحت "حسن" و"كارم" جم قبلي، اوعى تسيبه لحد ما ارجعلك.
وافقه صديقه على هذا وانطلق هو في طريقه إلى من طلب منها َاللقاء، لم يستغرق الأمر الكثير من الوقت حتى وصل أمام سكن شقيقته الجامعي، ووجدها تنزل له مسرعه من الأعلى، وقد تحدثت بخوف:
في حاجه يا "عيسى" أنا قلقت انك لسه في القاهره ومرجعتش بعد ما وصلتني الكليه...
_ أنا لسه جاي من شويه.
هتفت باستغراب:
جاي قبل الفجر ليه، طب كنت استنيت الصبح.
تحدث مطمئنا شقيقته بكلماته:
مش مهم أي حاجه دلوقتي، المهم أنتِ كويسه؟
هزت رأسها بتأكيد وابتسامة واسعه، فأكمل أسئلته:
قابلتي حد منهم؟
قصد "چيهان" صديقتها و"سعد"، من خططا لها سابقا، ومن يصيبها الضيق عند ذكر اسميهما فأشارت له بالنفي قائلة:
لا َمشوفتش حد منهم... كمان "چيهان" مدخلتش اول امتحان ولا جت السكن.
مسح على خصلاتها وهو يردف برفق:
أنا جتلك النهارده علشان "حسن" هيرجع معايا اسكندريه الصبح... أنا كنت متطمن وأنا سايبه في القاهره علشان لو احتاجتي حاجه لكن لازم يرجع علشان امتحاناته هو كمان.
ابتسمت ثم ربتت على كتفه تطمأنه:
متخافش عليا أنا هكون كويسه، وبعدين اللي عندها أخوات قمر كده متخافش أبدا.
قالت جملتها بمزاح فضحك وهو يفرك عنقه بإرهاق ثم قال:
لا أنا عارف إني سايب راجل.
ضحكت على جملته وهي تصحح له:
هو مش راجل أوي يعني بس يمشي حاله.
أخرج حفنة من المال من جيبه ووضعها في كفها قائلا:
خلي دول زياده على اللي معاكي علشان لو احتاجتي حاجه.
مالت تقبل وجنته هاتفة بحب:
لا ده انت تجيب بوسة بقى، علشان أنت أخ جدع.
ضحكا معا، ثم ودعها بعد أن تأكد من كونها بخير، وستعود بعد انتهاء امتحاناتها، اتجه إلى طريقه للعودة إلى منزل خالته ولإتمام ما خطط له.
في نفس التوقيت
كانت "قسمت" تجلس في غرفتها أمام الحاسوب، لم يقطع خلوتها إلا دخول والدها الذي هتف بحنان:
بتعملي ايه يا حبيبتي؟
_ هعمل ايه يعني، هو أنا بعمل ايه غير اني قاعدة؟
في حديثها تلميح صريح لعجزها جعله يجلس أمامها يطالعها باشفاق وهو يقول:
ليه كده يا "كيمي"... فين حماسك وشغفك، تعالي اشتغلي معايا، اشغلي وقتك بأي حاجه يا حبيبتي بدل ما أنتِ دافنه نفسك كده، قوليلي أي مشروع نفسك فيه وأنا ادفعلك من جنيه لحد....
أوقفت حديثه بإشارة من يدها قائلة بهدوء:
كفايه يا بابا، أنا مش عايزه أعمل أي حاجه... أنا كده مبسوطه اوي.
تحدث بحزن حقيقي منفعلا:
أنتِ كده بتقهريني يا " قسمت" .... ما هو ميبقاش الانسان اللي كان السبب في انك تمشي في السكه دي عايش حياته، ومكمل وبيكبر كل يوم عن الأول وأنا بنتي ماتت من يوم اللي حصل وبقت عايشه من غير روح.
_ أرجوك يا بابا، متفتحش معايا أي كلام عن "عيسى"، وياريت تشيله من دماغك خالص.
نظر لها والدها بانزعاج فأكملت هي:
أنا بفكر اروح دهب يومين اغير جو، ولما ارجع هكون فكرت وقررت أنا عايزه اشتغل ولا كده أحسن.
هز رأسه موافقا، فابتسمت وهي تربت على كف والدها بحنان، وترك هو لها الغرفة وغادر إلى مكتبه، جلس على مقعده يتذكر ما حدث صباحا حين قدم له أحد العاملين عنده بملف قائلا:
ده اللي حضرتك طلبته.
تناول الملف وفتحه فوجد به كل ما يحتاج معرفته عن تلك العائلة، عائلة " نصران" ، جمع له الموظف كل شيء عن العائلة التي كان جده على عداء قديم بها، جده الذي طُرِد من قرية "نصران" هو و جد "منصور" أيضا، لم يكن الأمر مهم بالنسبة لشخص كصاوي كثيرا، ولكن بعد ما حدث لابنته أصبح مهم جدا.... اقترب العامل منه أثناء شروده وجذب صورة ما قائلا:
وده اللي حضرتك طلبت مني اركزلك عليه
فتح هاتفه متابعا:
اللي عرفته ان في تلات ستات في حياته.
أظهر الصورة الأولى على الهاتف قائلا:
دي خالته.
_ غيرها.
قالها "صاوي" بتركيز، وعيناه لا تبتعد عن الهاتف، فتابع الواقف أمامه وهو يمرر لتظهر صوره اخرى:
ودي اخته.
هنا لمعت عين رب عمله، وهو يدقق التركيز في الصورة، فتاة شابة في نفس عمر ابنته تقريبا حين أصابها ذلك المرض، تتعلق بعنق شقيقها الأكبر وجوارهما شقيقهما الأصغر.
أشار "صاوي" للرجل أن يكمل فظهرت الصورة الأخيرة وهو يقول:
ودي مراته، اللي عرفته ان مكتوب كتابهم بس لسه مبقتش في بيت "نصران" رسمي.
الصورة التي جمعت "عيسى" بها حين ذهب "طاهر" ليطلب الزواج من "شهد".... ابتسم " صاوي" باستهزاء وهو يقول:
حلوين أوى يا حبايبي.
ارتفع صاوي يطالع الواقف أمامه بعد أن جذب الهاتف منه ومرر أمامه صورة "عيسى" مع شقيقته مره، وصورته مع "ملك" مره سائلا:
قولي يا "عادل" لو دي اختك ودي مراتك مين فيهم هتوجعك اكتر؟
نطق الموظف بحيرة:
مش عارف والله يا باشا، بس لو اتنين زي اللي في الصور دول فالاتنين يوجعوا الصراحه.
ضحك "صاوي" على جملته الأخيرة فتابع "عادل":
بس عارف يا باشا، الراجل لو عشق ست يتوجع عليها اوي، فلو بيحب مراته هيتوجع عليها اكتر.... العشق بيوقع اجدعها راجل... بس برضو هتبص من الناحية التانية مراته هيعرف يتجوز غيرها لكن اخته متتعوضش.
ابتسم " صاوي" بشر وهو يقول:
يبقى يتعمله اختبار بسيط، نشوف بيحب مراته ولا لا.... وبعدها ابقى احدد واختار هوجعه على مين فيهم.
نطق بكلماته وقد حملت عيناه الشر وهو يرى صوره معهما، ورغبة شديدة في أن يذوق غريمه من كأس مر يشربه قهرا منذ سنين... ولم ينته بعد.
★***★***★***★****★***★***★
من يراه أثناء الذهاب حين كان يقود بأعلى سرعه يمتلكها، ولا يوجد لديه أي ذرة تعقل، لا يراه الآن وهو يعود مطمئنا، وجواره خالته وفي الخلف شقيقه وقد غلبه النوم.... توقف بسب الإشارة وحينها شرد ذهنه فيما حدث حين أرسل "حسن" ليأتي بزوج خالته.... كان ينتظر في أحد الزوايا جوار مسكن خالته، استطاع رؤية شقيقه حين أتى مصطحبا زوج خالته، ظهر "عيسى" أمامهما فتجمد "كارم" مكانه واستدار يطالع المجاور له فهتف "حسن" ضاحكا:
أصله قال يديك الفلوس بنفسه.
_ اطلع يا "حسن" عند "ميرڤت".
وافق شقيقه وأخبره بأنه إذا احتاجه فليقوم بالنداء فقط وسيأتي، ما إن رحل " حسن" من أمامهما حتى هرول "كارم" بعيد عن "عيسى"، هرول حتى وصل إلى ذلك الطريق الضيق المجاور لمنزله، ظن أنه سيستطيع الفرار ولكنه لم يفلت منه إذ لحق " عيسى" به، ودفعه ليسقط على الأرضية بعنف فصاح "كارم" بغضب:
عايز مني ايه يا "عيسى"؟
ابتسم " عيسى" قبل أن يجيب:
تفتكر هعوز من واحد زيك ايه؟.... قولي كده أنت يتعاز منك ايه، لما تبقى راجل ابقى اعوز منك.... لكن الراجل اللي يستقوى على ست ناقص تديه عينيها وياخد فلوسها ويسيبها مرميه بتموت ولا يسأل فيها ده ميبقاش راجل... اعتدل "كارم" وأبعده بكفه ناطقا:
ملكش دعوه أنت اخرج من.... آه
تأوه عالي صدر منه حين قبض "عيسى" على ذراعه بغتة وثناها خلف ظهره هاتفا بغلظة:
ملكش دعوه دي تروح تقولها لامك مش ليا، ولو كنت بتنسى لا افتكر ان كل مليم بتصرفه بيبقى من جيبي، ده أنا لو مربي جاموسة وبصرف عليها اللي بصرفه عليك كانت نفعتني اكتر.
لم يتحدث فكل ما يقوله صحيح، ليس هناك أي خطأ، ترك "عيسى" ذراعه وهتف باشمئزاز:
أي فلوس ابعتها لخالتي لو عرفت ان ايدك اتمدت عليها هقطعهالك، أكلك وشربك وبتطفح وتشرب لكن كيفك ده أنا مليش دعوه بيه ابقى روح اشتغل وهات فلوس تتكيف بيها.
طالعه "كارم" بغل وهو ينطق:
مين كان يصدق... العيل الصغير اللي ربيته في بيتي زمان، هيكبر وأول ايد هيعضها هي ايدي.
ضحكة ساخرة عاليه صدرت من "عيسى" وهو يكرر خلفه:
تربية!.... تربية ايه يا أبو تربية أنا لو هحاسبك على اللي شوفته منك وأنا في بيتك هدفنك هنا.
_ ياه ده أنا معلم عليك أوي.
جملة صغيرة ولكنها كانت كفيلة لإثارة استفزازه فهجم عليه يصوب له لكمة في وجهه بشراسه هاتفا:
لا انت كنت *** بس معايا، واهو الماضى عدى وراح... وبقيت ولا الكلاب دلوقتي، بص كده انا عملت فيك ايه؟.... خليتك بقيت ولا تسوى، وده مش أذى مني لا أنت لو كنت بتشتغل بضمير مكنتش هعرف اعمل حاجه بس علشان أنت واطي ومرتشي، ومضيع اللي معاك على الشرب، والقمار وفيك كل العبر أنا عرفت اخليك كده ولا شغله ولا مشغله... بتستنى المصروف أول كل شهر مني ولو مبعتش يبقى ناقص تبوس الايدين والرجلين.
أشار "عيسى" بكفه ناطقا بحزم:
ناهيتها خالتي هتقعد عندي شويه، أقسم بالله لو رجعت وعرفت انها العلاج ولا مشوار الدكتور اتأخروا يوم...ولا عرفت ان فلوسها في جيبك ... هتبقى جبت اخرك معايا.
ضرب على رأسه بسبابته متابعا:
وخليك فاكر كده إن خالتي هي الوحيده اللي حايشاني عن اني مكملش عليك، واليوم اللي هتقولي فيه انها خلاص قرفت منك وانا عارف انه هيجي قريب...ساعتها هتتمنى ان ربنا يرحمك وياخدك من اللي هتشوفه مني.
كانت نظرات الحقد والغضب تكسو عيون "كارم"، فدفعه " عيسى" وتخطاه ليرحل هاتفا:
غور شوف كنت في أنهي داهية وارجعلها... وابقى دور بقى على حد يصرف عليك الشويه اللي هتقعدهم معايا.
ثم بصق باشمئزاز، وتركه ورحل ليعود إلى منزل خالته من جديد، فاق من شروده مسرعا على صوت أحد أبواق السيارات، فقادها راحلا بعد توقف طال بسبب شروده.
★***★***★***★***★***★***★
يوم جديد، ولكنه مميز جدا لدى "شاكر"، فلقد نفذت والدته رغبته، وهاتفت " بيريهان" تدعوها إلى تناول الغذاء في منزلهم، اعتذرت ولكن مع إلحاح "كوثر" الشديد لم تستطع الرفض، والآن هي على الطاولة معهم وقد جلست "علا" جوارها من ناحية و"كوثر" من الناحية الاخرى وترأس "شاكر" المائدة.
هتفت "كوثر" بترحيب شديد:
أنتِ منورانا النهارده يا حبيبتي... يا زين ما اختارت يا "شاكر".
شعرت " بيريهان" بالحرج، وطالع هو والدته بنظرات محذرة فخففت "علا" من حدة الأجواء بسؤالها:
أنتِ أول مره تنزلي البلد هنا؟
أجابت "بيريهان" برقة:
لا أنا بنت عمي متجوزه هنا... وباجي اقعد معاها كتير.
وضعت "كوثر" الطبق بالدجاج أمامها وهي تربت على ظهرها هاتفة:
سيبك من الكلام مع البت "علا"...كلي ودوقي عمايلي الأول وبعد كده نتكلم لما نشبع.
ابتسمت بلطف على قولها، فاستوقفتها " علا" هاتفه باستغراب:
ايه ده ثواني هو أنتِ اسمك ايه بالكامل.
_ "بيريهان ثروت خليل الأسيوطي".
هتفت "بيريهان" باستغراب فأسرعت "علا" تقول:
أنتِ تقربي لميار.... "ميار سليمان خليل الأسيوطي "
ضحكت "بيريهان" وهي تخبرها:
أيوه "ميار" بنت عمي.... عمي سليمان كمان عايش هنا في اسكندرية مش في القاهرة زي بابا وعمي خليل.
هزت "علا" رأسها تقول:
أيوه فعلا، ماهي "ميار" معايا في كلية آثار .
"ميار" تلك التي تمقت "شهد" ابنة عمها بشده، لا تنسى أبدا يوم أن اعتذرت لشهد قبل بداية إحدى المحاضرات بحضور الجميع، وبدا الاعتذار إجباريا في وجود عميدة الكلية.
_ نسيبنا بقى من كل ده وتسيبيها تاكل؟
قالها "شاكر" لشقيقته فاعتذرت ضاحكة:
أنا أسفه أنا فعلا برغي كتير.
هزت "بيريهان" رأسها نافية وهي تخبرها:
لا متقوليش كده، أنتِ لطيفة ومبسوطه إني بتكلم معاكي.
انتهت "بيريهان" من تناول الطعام ونطقت بامتنان:
حقيقي شكرا يا طنط... الأكل حلو أوي.
هتفت "كوثر" باعتراض:
أنتِ كده كلتي بقى؟... هزعل منك اهو.
هتفت بصدق:
بجد هو ده أكلي... وتسلم ايدك فعلا أنا بقالي كتير مكلتش أكل حلو كده.
ضحكت "كوثر" ثم أخذت "علا" الضيفة حتى تقوم بغسل يديها فاستغلت "كوثر" الفرصة لتقول للجالس أمامها:
شايف البنات، حسب ونسب وتقول للقمر قوم وأنا اقعد مكانك... مش البومه بنت "هادية" اللي لف....
_ اسكتي.
قالها "شاكر" بغضب وهو يرى "بيريهان" تعود من جديد بضحكة مشرقة فاستأذنها "شاكر" بقوله:
"بيريهان" ممكن نقعد مع بعض شويه في المكتب... عايزك في حاجه.
وافقت ولم تعترض، فانتهى من طعامه سريعا وغسل يديه ثم ذهب خلفها إلى غرفة المكتب وسألها:
تشربي ايه الأول؟
هتفت ضاحكه:
هو مفيش حاجه تتشرب بعد أكل مامتك غير الشاي.
ضحك على قولها ثم هز رأسه موافقا وهو يقول:
خلاص نجيب شاي.
بعد أن طلبه لهما بدأ في حديثه بما صدمها:
أنا كلمت والدك عن موضوعنا.
شهقت بصدمه وهي تسأله:
بجد الكلام ده... كلمته امتى اصلا بابا لسه واصل اسكندرية امبارح.
وضح لها الأمر بقوله:
شوفته على مدخل البلد، وطلبت منه نتكلم و اتكلمنا.
هتفت بحماس شديد:
طب قولي بسرعه قولتوا ايه.
أوقفها طالبا برفق:
قبل ما اقولك قولنا ايه يا "بيري"... أنا لازم احكيلك على حاجه ولازم تسمعيني للآخر وبعدها تقرري.
أنصتت له باهتمام وقد انتبهت لتعابيره الجادة فبدأ الحديث حين قال بتأثر:
أنا أبويا الله يرحمه كان ليه أخ... عمي " حسن" ،
عمي ده الله يرحمه اتوفى صغير وساب تلات بنات صغيرين وأمهم ومكانش سايب ليهم أي حاجه تأمنهم.
بدا الحزن جليا على وجهها فتابع هو:
ودول طبعا لحمنا، فكان لازم احنا اللي نربيهم ونعيشهم مع أمهم معززين مكرمين... وفعلا والدي من يوم الوفاة وهو فهمنا كلنا في البيت اننا اخوات مش ولاد عم، وإن مصلحة بنات عمي الله يرحمه قبل مصلحتنا نفسها.... عندك مثلا أختي "علا" دي في بنت من بنات عمي من نفس سنها اسمها "شهد" ومعاها في الكلية كمان.... أبويا الله يرحمه كان بيفضل "شهد" دي على "علا" في كل حاجه، طلباتها كلها أوامر لدرجة إن "علا" بقت تغير منها.
نطقت معلقة على أفعال والده:
حقيقي والدك كان شخص كويس اوي.
ابتسم وهو يطلب منها:
استني اسمعي الباقي، التلات بنات كبروا في بيتنا "ملك" و "شهد" و"مريم" بس للأسف كبروا واتربوا على ايد أم طماعه علمتهم الجشع، وعلمتهم انهم يكرهونا دايما، وأننا واكلين حقهم.
ظهر على وجهها علامات الاشمئزاز وهي تقول باستنكار:
ليه كل ده؟
_ علشان كانت عايزه تاخد حق مش بتاعها، جوزها مات مديون و أبويا الله يرحمه سد دينه وصان الأمانة بس هي لا بتشبع ولا بتحمد ومع ذلك فضل أبويا كويس معاهم، مصالحهم كلها أنا اللي كنت بقضيها، كانوا عايشين في البيت ده برنسيسات واسألي أي حد من اللي شغالين هنا.
ظهر التأثر جليا على وجهها وهو يضيف:
لحد ما في يوم جت مرات عمي قالت إن أنا بتعرض لبنتها الكبيرة "ملك"... طبعا معروف الكلام ده وراه ايه، هي تقول كده فأبويا يروح قايلها خلاص أنا هخلي " شاكر" يتجوزها.
_ واتجوزتها؟
سألت بغير تصديق فهز رأسه نافيا وهو يقول:
أمي مسكتتش، ولحد هنا واتكلمت، وأنا مكنتش قادر أشوفها غير اختي.... أنتِ متخيلة إن أبويا علشان يراضيها كتبلها ربع أملاكه في حياته ووعدها إنه هيجوزني ليها.
هتفت باعتراض:
والدك غلطان طبعا يا "شاكر" انه يعمل كده.
_ أهو اللي حصل بقى... بعدها سكتوا خالص عن موضوع الجواز قولت يبقوا نسيوا، لحد ما في ليلة اتصلت بيا "شهد" قالتلي الحق "ملك".
تحدث وقد لمعت عينيه بالدموع:
جريت علشان الحقها وأنا مش عارف في ايه ولا ايه بيحصل، كنا قرب الفجر، لقتها عند الأراضي هي واختها و" فريد" ... "فريد نصران" كان بيحاول ياخدها بالغصب وهي رافضة وعايزاه يتقدم الاول.
كررت خلفه بدهشة:
"فريد نصران"... سألت مسرعه بصدمة شديدة وقد بدأت تربط الخيوط ببعضها:
هو أنت "ملك" مرات "عيسى نصران" تبقى بنت عمك؟
رأت الألم في عينيه لم تدرك أبدا لمجرد ثانية أنه مجرد تمثيل، سمعته وهو يتابع:
هي "ملك"... في الليلة دي روحت علشان أجبها منه، كان باين إنه شارب ومش في وعيه...قولتله عيب مينفعش كده يا بن الناس وأنت في بلدنا... ضربني وقالي امشي ملكش دعوه بيها أنا وهي بنحب بعض، شدينا مع بعض جامد و اتخانقنا، وقولتله لو عايزها هات أبوك وتعالى اطلبها، بس هو طبعا كان شايف نفسه أكبر من إنه يجي لحد أبويا، بسبب مشاكل قديمة بين العيلتين متصفتش حتى بشغلهم مع بعض.
_ وبعدين ايه حصل؟
سألت باهتمام فأجاب " شاكر" وقد انسابت دموعه:
حاول يقتلني، كان بيخنقني وخلاص هيموتني بس بعدوه عني فخدها وكان خلاص ماشي بالغصب وهي مش عايزه تمشي معاه، وأنا خوفت يعمل فيها حاجه، خرجت مسدسي اهدده بيه قام زقني دماغي اتفتحت، واختها شهد عماله تصوت وتقولي الحقها منه، راح مطلع مسدسه وكان خلاص هيضرب عليا فروحت مطلع بتاعي وضارب عليه طلقة.
هزت رأسها نافية بصدمة أن يحدث كل هذا، شعرت بكامل جسدها يرتعد وهي تسأل:
ده هزار صح، ده أكيد مش بجد.
هتف ساخرا بتصنع المرارة:
اللي حصل بعد كده هو اللي هتتصدمي منه فعلا، أنا واحد ضحيت بحياتي و مستقبلي علشان أحميها... "فريد" وقع مات... خدتها هي واختها ورجعنا ومبقتش عارف اتصرف ازاي قولت انا خلاص هسلم نفسي وهما يحكوا كل حاجه... أنا كنت بدافع عنها وعن نفسي
أيدت ما يقول مسرعة:
أيوه صح أنت كنت بتدافع عنها وعن نفسك.
هز رأسه نافيا وهو يتابع:
بس مش ده اللي قالوه، من اول ما رجلنا خطت البيت هنا، ولقتها بتقول كلام غريب... أنت قتلت حبيبي، أنت دمرت حياتنا، حاولت ابين صدقي بمكالمة اختها ليا لقتها استغلت اللي حصل واني مش قادر اتلم على أعصابي، ومسحت المكالمة من عندي وعندها وكسرت خطها كمان، خدت منها التليفون ادور على اي حاجه سواء عندي او عندها ملقتش.... وبقيت متهم بقتله لا والكبيرة كمان ان اختها قالت اني انا كنت هعتدي عليها وهو اللي جه يحميها مني.
_ هما ازاي كده؟
نطقت بقرف حقيقي، جعله يتابع بدموع أكثر:
أبويا بقى ناقص يبوس رجليهم علشان يسكتوا... لأنهم لو اتكلموا أنا هضيع... بس الحقد والغل ملاهم وامهم كب