رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الثامن و الخمسون58 بقلم سهام صادق


 

رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الثامن و الخمسون بقلم سهام صادق



إبتسامة عابثة داعبت شفتيّ "عزيز" عندما رأى رسالتها له ولولا وقوف العم "سعيد" أمامه لڪان انفجر ضاحكًا، فهل تَظُن أنها بعدما تخبره أن "عايدة" و عمها وأيضًا "شهد" لن يكونوا بالشقة معها سيلغي قرار قدومه إليها. 

زفرة طويلة أطلقها أمام نظرات العم "سعيد" المصوبة عليه ثم ترك هاتفه جانبًا بعد أن بعث لها برسالة مختصره توحي إليها أنه سيؤجل مجيئة للغد. 

_ خير يا "عزيز" بيه، شكل في حاجه جاتلك على التليفون ريحتك.

تنهد "عزيز بقوة ثم نهض من مكان جلوسه وابتسم. 

_ هو أنا يا راجل يا طيب مش دايمًا اقولك بلاش
"عزيز" بيه. 

_ المقامات محفوظة يا بني. 

لقد نطق الكلمة التي يُحبه أن ينطق بها. 

_ اثبت على كده لأني بحب أسمع كلمة ابني دي منك ولا أنت يا راجل يا عجوز مش عايز تشوف نفسك كبير لما تقولي يا بني.

بصوت جهوري تحدث العم "سعيد". 

_ يا خبر هو أنا أطول يا "عزيز" بيه.

حرك "عزيز" رأسه بيأس ثم زفر أنفاسه. 

_ برضو رجعنا لــ "عزيز" بيه. 

اِنْفَرجت أسارير وجه العم "سعيد" بإبتسامة واسعة. 

_ سيبني اقول اللي أنا عايزه.

لم يجد "عزيز" شئ يقوله إلا أن يبتسم ويحرك له رأسه بأن يفعل ما يُريد..؛فهو أكثر الناس معرفة بطباعه.

_ شوفت خلتني انسى أنا كنت جاي أقولك إيه ، "مسعد" الحارس قالي على واحدة بنت حلال جات النهاردة وعرفت منها إنها أرملة و أول مره تشتغل في البيوت بس الحوجه. 

بلُطف سأله "عزيز": 

_ لو أنت شايفها تنفع، خلاص تبدأ شغلها من بكره.. بس طبعاً خد منها البطاقة عشان نسأل عنها ونتأكد. 

أماء العم "سعيد" برأسه. 

_ ودي تفوت عليا برضو، هروح المطبخ اكلمها وبعدين احضر العشا أنا و "ضحى" عشان تاخد بعضها وتروح. 

غادر العم "سعيد" غرفة المكتب واتبعه "عزيز" وهو ينظر إلى الوقت في ساعة يده. 

توقفت "نيرة" مكانها فور دخولها المنزل بصحبة زوجها وقد غادرت تلك الابتسامة التي كانت تحتل شفتيها عندما وجدت عمها ينظر إليهم بنظرة سريعة ثم تحرك. 

إلتمعت الدموع بعينين "نيرة" ليُشير إليها "معتز" بأن تتحرك ورائه. 

ارتجف قلب "عزيز" وهو يسمع نبرة صوتها المختنقة، فاستدار وقد رأى ما توقعه؛ أنها تبكي. أسرع "عزيز" إليها يضمها إلى حضنه. 

_ أنتِ بتعيطي ليه دلوقتي؟ 

كالأطفال تمتمت بصوت متقطع مهزوز. 

_ لأنك زعلان مني يا عمو، والله ما كانت أعرف نية ماما إنها تبوظ الدنيا ومصدقتش إن "ليلى" ممكن تعمل كده معاها من غير سبب قوي.

وبنبرة صوت متحشرجة واصلت "نيرة" كلامها. 

_ أنا عارفه إن السبب اكبر من موضوع جوازكم زمان. 

شدد "عزيز" من ضمها إليه أمام نظرات "معتز" وقد أصابه الضيق لرؤيتها تبكي هكذا وتمنى أن ينتهي العُرس بسلام حتى يرحل بها ويعودوا إلى دفئ منزلهم الصغير. 

_ خلاص يا حبيبتي كفايه عياط، أنا مش زعلان منك بس حواليا ضغط كبير أوي الأيام دي.

_ أنـا... 

كادت أن تتأسف منه بعدما اِبتعدت عن حضنه لكن "عزيز" قاطعها وهو يضع إصبعه على شفتيها. 

_ خلاص يا حبيبتي أنسي اللي حصل.

مسح "عزيز" لها دموعها؛ فَـ ابتسمت وابتسم "معتز" أيضًا واقترب منهم.

_ أنا و "معتز" روحنا لــ "ليلى" بعد ما استقبلنا عمو "كارم" وطنط "سلوان" في المطار. 

اندهش "عزيز" من خبر وصولهم ونظر نحو "معتز".

_ معقول يا "معتز" متبلغنيش بوصول أهلك.

ارتبك "معتز" وشعر بالحرج؛ فاستطرد "عزيز" بعتاب وهو ينظر هذه المرة نحو "نيرة". 

_ ينفع كده. 

نظرت "نيره" نحو زوجها حتى يتولى مهمه الرد لأنه هو من رفض أن تخبره، فتنهد "معتز" قائلًا: 

_ مرضيناش نشغلك بحاجة إحنا نقدر نقوم بيها وكمان اهلي راحوا على البلد يقعدوا يومين ويشوفوا القرايب وهيجوا إن شاء الله قبل الفرح بيومين.

بتعب زفر "عزيز" أنفاسه. 

_ حمدلله على سلامتهم يا "معتز" بس أنا برضو زعلان منك لأن ده واجب علينا نستقبلهم الأول عندنا.

_ شوفت قولتلك عمو هيزعل. 

قالتها "نيرة" بلوم، فتحدث "معتز" حتى يوضح حسن نيته. 

_ أنا مقدر الضغط اللي حضرتك فيه عشان كده قولت إن الموضوع مش مستاهل اشغلك بيه وانا عارف إن اهلي هيروحوا على البلد الأول.

رمقه "عزيز" ثم تحرك نحو غرفة المعيشة. 

_ بكره الصبح إن شاء الله هكلمهم واعتذر منهم على سوء التصرف بتاعكم.

حدقه "معتز" بنظرة ممتنة ثم نظر نحو زوجته التي أسرعت وراء عمها وتعلقت بذراعه كالطفلة. 
... 

تتغير إهتماماتنا ونظرتنا بالحياة عندما يطرق الحب الباب، حقيقة يقرها هذه الليلة كما أقرها بالليالي الأخيرة الماضية. 

أطرق "صالح" رأسه في خزي صَار دائمًا يحتل نظراته كلما أبصرها تضحك وتمرح كالأطفال لكن عندما تتلاقى عيناهم تختفي ابتسامتها وينطفئ وهج عينيها. 

_ "صالح" ،أنت يا بني روحت فين.

هتف بها "ماهر" بصياح ثم وكز "صالح" في ذراعه حتى ينتبه عليه؛ فالموسيقى بالمكان صاخبة.

بنظرة ضيقة طالعه "صالح" لتتحول نظرة عيناه للتجهم عندما وجد ذلك المدعو "إيهاب" يُشير إليهم. 

_ شكله بينادي علينا عشان نقرب منه. 

قالها "ماهر" وهو ينظر إليه، فازدادت نظرة "صالح" قتامة ثم أشاح عيناه عنه.

_ يا بني ده طلع صديق الطفوله وجار قديم لمراتك.

ازدرد "ماهر" لُعابه عقب كلمته ثم تراجع خُطوة إلى الوراء متمتمًا وهو ينظر إلى قبضة يد "صالح" المتكورة ثم حوله. 

_ لأ أنا ليا هيبتي ومقامي، فـ ايدك لو اتمدت عليا هروح اعترف لـ "زينب" إنك أجبرتني اجي معاك هنا عشان تستفرد بيها. 

إلتوت شفتيّ "صالح" بإستنكار واشتعلت نظراته غضبًا؛فَـ أردف "ماهر" وهو يعقد حاجبيه. 

_ ألحق "إيهاب" لمح مراتك ورايح ناحيتها. 

استدار "صالح" على الفور بنظرات مشتعله ثم عضَّ على نواجذه عندما استمع إلى ضَحكات "ماهر". 

_ عيشت وشوفتك وأنت فاقد مهارة ضبط النفس يا ابن "الزيني". 

فامتقعت ملامح "صالح" ودفع زجاجة الماء التي يحملها عليه. 

_ امشي من قدامي يا "ماهر" بدل ما اخلي الناس كلها تتفرج علينا دلوقتي. 

ابتسم "ماهر" بمتعه ثم فتح زجاجة الماء حتى يرتشف منها.

_ تصدق كنت عطشان.

كبت "صالح" غيظه منه ثم أشاح عيناه عنه؛ فضحك "ماهر" بقوة. 

_ عارف من غير ما تقول، بقيت سخيف بس اعمل إيه الفرصه معاك مش بتيجي غير مره واحده. 

رمقه "صالح" بنظرة مستنكرة وسُرعان ما إلتمعت عيناه بمكر عندما رأي إحداهن تُطالعه بهيام. 

تحرك "صالح" من جِواره واتجه نحو مكان وقوف تلك التي صَار يحبس أنفاسه في حضورها ويترك إلى عينيه حرية النظر إليها. 

ابتسامة عريضة ارتسمت على شفتيه كلما تحرك خُطوه تُقربه منها ويراها تمرح مع الصغيرة "ريتال" وتُراقصها على أصوات  الموسيقى الصاخبة ومثلها فعلت "شروق" مع كل من "ياسين" و "يزيد" ؛ فمن حُسن حظهم اليوم.. أن المنتجع يقيم حفل غناء لأحد المطربين. عيناه إلتمعت ببهجة مع كل إلتفافه منها وابتسامة تتزين بها شفتيها. 

ابتسمت "شروق" عندما رأت "صالح" أمامها ثم تساءَلت وهي تنظر نحو مكان وقوف "ماهر".

_ هو "ماهر" ليه واقف هناك لوحده. 

إلتف "صالح" بجسده ثم عاد ينظر إليها بحاجبين معقودين. 

_  أنا شايف إنك تروحي عنده وتشوفي بنفسك. 

ضاقت حدقتي "شروق" ونظرت إليه وهتفت بصوت اجتذب "زينب" المنشغله باللهو مع الصغار. 

_ النظرة دي بتقول إن صاحبك بيخوني، ما البيه واقف وعلى وشه ابتسامة من الودن للودن. 

أسرعت "شروق" بالتحرك نحو "ماهر" لتنظر "زينب" نحوها بقلق ثم حدقت بوجه عابس نحو "صالح". 

_ أنت ليه لفت نظرها لحاجة زي كده، اهو هتعمل مشكله ما بينهم. 

رمقها "صالح" بإبتسامة متسلية. 

_ يستاهل وهي أصلاً غبيه عشان مش واثقة في جوزها.

بصدمة تساءَلت "زينب". 

_ أنت عامل في صاحبك مقلب. 

كادت أن تتحرك من أمامه حتى تلحق "شروق" التي بدأت شجارها مع "ماهر" لكنه باغتها بإلتقاط ذراعها قائلًا: 

_ رايحة فين؟

سحبت "زينب" ذراعها من قبضته تتمتم بحنق. 

_ رايحة افهم "شروق" إن ده مقلب.

حدقها "صالح" بنظرة مستاءة. 

_ من غير ما تروحي ليهم، أحب اطمنك إن دقيقه واحده وهتلاقي "شروق" هانم واقفه بتضحك... 

مررت عيناها عليه بنظرة سريعة وعقدت ساعديها أمامها تنظر إليه بإستَنْفَار. لم تمر سوى دقيقة كما أخبرها ووجدتهم يضحكون و"شروق" تضرب صدر "ماهر" بخفة ثم إلتقط هو يدها وأشاروا إليهم بأنهم سيبتعدون قليلًا. 

المقت اِرتسم على ملامح "صالح" بعدما غمز له "ماهر" بطرف عينه. 

_ خلي ضميرك بقى يرتاح. 

ثم أردف بحنق. 

_ أنا صاحبي ومراته عارفهم كويس وبعد الرحلة دي هقطع علاقتي بيهم. 

ذلك الشعور الذي سيطر عليه جعله لا ينتبه على تلك النظرة التي رمقتهم بها "زينب" وقد غادر المرح ملامحها وعادت إليها الحسرة والتساؤل، لماذا لم تعيش هذه المشاعر التي تراها أمام عينيها كلما وقعت عيناها على حياة الأزواج حولها. 

_ "زينب"،" زينب". 

صاح بها ڪلًا من "إيهاب" و"چيلان" وهم يتحركون نحوهم ليغلق "صالح" جفنيه بقوة ويعتصر قبضتيه بغضب.

ابتلعت "زينب" غصتها واستدارت إليهم. 

بنبرة صوت عالية تساءَلت "چيلان". 

_ إيه يا بنتي مالك واقفه في آخر الحفله كده، ده الحفله قدام جميله اوي.

ثم أردفت "چيلان" وهي تغمز لها وتتأبط ذراع "إيهاب". 

_ هو الكابتن من النوع اللي بيقول على كل حاجه لأ. 

زفرة طويلة حانقة خرجت من بين شفتيّ "صالح" ثم إلتف جهتهم واِجتذب "زينب" إلى جِواره واحتضن خصرها بتملك. 

_ ده مش غيور بس، ده متملك كمان.

قالتها "چيلان" وهي تنظر نحو وجه "إيهاب" الذي هَـز رأسه بآسف وقال. 

_ بقى أنتِ يا "زوزو" تقعي في النموذج ده. 

_ نموذج!! وكمان "زوزو". 

صدح صوت "صالح" عاليًا ورفع يده، ليتراجع "إيهاب" خُطوة إلى الوراء. 

_ هو الكابتن واخد وضع الهجوم دايمًا يا "زوزو" قصدي يا "زينب" 

تمتم بها "إيهاب" بخوف، فَــ وجهه لن يحتمل لكمة أخرى. 

_ مدام "زينب" يا محترم.

نظرة إعجاب إلتمعت في عينين "چيلان"، فهتفت "زينب" بدفاع. 

_ "إيهاب" ميقصدش حاجة وهو ده طبعه.

_ إيه ده بجد لسا فاكره طبعي يا "زوزو". 

عندما رأى نظرة الشر في عينين "صالح" أردف سريعًا. 

_ قصدي يا "زينب".

تجهمت ملامح "صالح" وزفر أنفاسه بحنق لتقهقه "چيلان" بقوة. 

_ جوزك بيغير أوي يا "زوزو"، لأ إحنا لازم نوضح له صورة صداقتنا القديمة.

بدأت أصوات الموسيقى ترتفع بقوة وصدحت صوت غنوة تعشقها "چيلان". 

_ أنا شايفه ده مش وقت كلام. 

اجتذبت "چيلان" يد "زينب" حتى تتجه معها إلى الأمام. 

_ الحفلة قدام فظيعه.

_ "چيلان" استني، الولاد معايا مينفعش أسيبهم. 

_ خليهم مع الكابتن. 

قالها "إيهاب" وهو ينظر نحو "صالح" بسخرية لكنه على الفور ابتعد قبل أن يتلقى لكمة آخرى من يده.

شهقت "زينب" بقوه بعدما إلتقط "صالح" يدها وجذبها إليه. 

_ معلش يا مدام بحب مراتي تكون جنبي وهنبقى نشوف الحفلة الفظيعة سوا
حدقته "چيلان" وهي ترفع حاجبيها ثم ابتعدت عنهم قائلة:

_ هرجعلك تاني يا "زوزو". 

دفعت "زينب" ذراعه الذي أحاط به خصرها. 

_ أنت احرجتها ومراتي إيه اللي كل شويه تقولها. 

حرك "صالح" يده على خده متسائلًا: 

_ أومال أنتِ إيه يا "زينب".
 
احتقنت ملامحها؛ فابتسم والتقط يدها ثم سحبها ورائه هاتفًا بالصغار المندمجين بالقفز مثل من حولهم. 

_ يلا يا ولاد خلونا نشوف الحفلة الفظيعة من أول صف عشان "زوزو" متزعلش. 
....

رفع "عزيز" عيناه عن طبق الطعام ثم نظر إلى أولاد شقيقه بنظرة ثاقبة. 

"نيرة" تتناول عشائها بسعادة جوار زوجها لكن "سيف" يُقلب في طبق طعامه بضجر وكأنه مجبر على الجلوس معهم.

كانت عينين "كارولين" من وقت إلى آخر تترصد ردود فعل "عزيز" وقد لفت نظرها تلك النظرة التي جعلتها تتوجَّس مما هو قادم.

تقدم العم "سعيد" منهم متسائلًا: 

_ اجيب الحلو يا "عزيز" بيه. 

إلتمعت عينين "نيره" بسعادة واستدارت برأسها إلى الخلف. 

_ كمان فيه حلو النهاردة، لا ده إحنا مدلعين أوي منك.
 
ابتهجت ملامح العم "سعيد" وقال بسعادة:

_ أنتِ مش قولتيلي امبارح نفسك تاكلي رز بلبن من ايد "عايدة" وانا مقدرش معملش ليكي اللي أنتِ عايزاه ولا الرز بلبن بتاع "عايدة" احسن من بتاعي.
 
ابتسم "عزيز" وانفرج ثغر "سيف" أخيرًا عم ابتسامة خفيفة، لترد "نيرة" عليه بشقاوة. 

_ هو في زي عمايل أيدك يا عم "سعيد". 

_ أه يا بكاشة. 

قالها العم "سعيد"؛ فضحكوا على قوله جميعهم. 

وضع "عزيز" كلتا يديه على طاولة الطعام ثم تنهد بإرتياح بعدما كسر العم "سعيد" صمتهم بطيبة حديثه. 

_ هروح اجيب أطباق الرز بلبن. 

كاد أن يتحرك العم "سعيد" من أمامهم لكن صوت "عزيز" أوقفه. 

_ استنى يا راجل يا طيب. 

تعلقت نظراتهم به ليطرق "عزيز" بأصابعه على الطاولة. 

_ الكلام اللي هقوله النهاردة عايزكم تسمعوه كويس.
 
الوُجُوم احتل وجوههم، فصوب "عزيز" عيناه نحو "سيف" خاصةً. 

_ عم "سعيد" خدمته لينا إكرام منه وحب لأنه فرد من عيلتنا ده مش من دلوقتي ده من زمان أوي. 

هزت "نيرة" رأسها بتفهم، فالعم "سعيد" بالنسبه لهم ليس خادم لديهم إنما جزء من عائلتهم الصغيرة.
 
لم تتغير ملامح "سيف" وانتظر أن يسمع بقية حديث عمه وقد فهم من نظرته أنه يوجه هذا الكلام له. 

_ حتى "عايدة" و "عزيز" وجودهم معانا وخدمتهم لينا بتعبره جميل منهم، كان ممكن من زمان يمشوا ويسيبوا الڤيلا ويدوروا على مستقبل ليهم لكنهم فضّلوا يكونوا معانا وعمري ما انسى تربيتهم ليكم.. الناس دي مهما عملت عمري ما اقدر أوفي حقهم عليا وعليكم. 

دمعت عينين "نيرة" تأثرًا أما "سيف" تراجع بظهره وانتظر أن يسمع الباقي من الحديث. 

_ إحنا عارفين ده كويس يا عمو، إحنا عيلة واحده. 

تنهد "عزيز" ثم أومأ برأسه وقال بصوت جاد. 

_ "عايدة" انتهى شغلها إنها تخدمنا لأن جيه الوقت اللي ترتاح فيه، و "عزيز" من حقه كمان يرتاح. 

نظرت "نيرة" إلى عمها بعدم فهم لينظر "سيف" نحو كوب الماء الذي أمامه ويُحرك يده عليه. 

_ "عزيز" من هنا ورايح شغله هيكون معايا في المصنع الجديد. 

ابتسامة ساخره اِحتلت شفتيّ "سيف" وقد أخفاها سريعًا لينهض "عزيز" من مكانه يقول بحسم. 

_ عمري ما حرمتكم من وجود أمكم في حياتكم لكن من النهاردة مش عايز اشوفها بعد كده في بيتي. 

غادر "عزيز" غرفة الطعام بعدما ألقى بأخر شئ حسم قراره لتنظر "نيرة" بذهول نحو زوجها الذي هَـز رأسه إليها بأن تصمت وتتقبل قراره.

 أجفلهم صياح "سيف" بعدما ضرب الطاوله بقوة بكلتا يديه. 

_ اكيد ده قرار العروسة، ما الهانم خلاص سيطرت على كل حاجه. 

تراجع العم "سعيد" إلى الوراء بصدمة وهو ينظر نحو "سيف" وقد ألجمه ما يراه. 

_ ولسا هنشوف كتير بعد كده، ما دي البدايه. 

غادر "عزيز" الڤيلا بملامح جامد ليستقل سيارته ثم استرخى بمقعده زافرًا أنفاسه ببطء. 
... 

جلست "ليلى" أمام التلفاز وفي يدها طبق الفاكهة، بدأ المسلسل الدرامي الذي تتابعه تُعرض حلقته..

 فَـ إلتقطت جهاز التحكم  ورفعت من صوت التلفاز. إلتمع الحماس في عينيها وهي ترى بداية المشهد الذي انتهى بحلقة أمس لكن إندماجها انقطع مع رنين جرس الباب. 

قطبت جبينها بحيره وهي تضع الطبق أمامها ثم أخفضت قليلًا من صوت التلفاز. 

_ مين اللي هيجي دلوقتي، لا لا أكيد مش "عزيز" وعمي معاه مفتاح يعني مش هيرنوا الجرس ولا لحقوا أصلاً يخلصوا مشوارهم. 

قالت حديثها وهي تتحرك نحو الباب ثم توقفت مكانها وهي تنظر إلى هيئتها. كادت أن تُسرع إلى الغرفة وتلتقط أول شئ ترتديه على منامتها ويسترها لكن رنين هاتفها جعلها تُدرك هوية الضيف. 

فتحت الباب ببطئ وهي تتوارى ورائه وتهتف بذهول. 

_ "عـزيـز". 

تعلقت عينين "عزيز" بها بغضب عندما انتبه على ما ترتديه ثم دلف سريعًا وأغلق الباب ورائه.  

_ إزاي تفتحي الباب بالمنظر ده. 

_ لأني متأكدة إنك أنت. 

قالتها وهي تستعجب غضبه؛ فهي بسهوله تستطيع التأكد من هوية الواقف بالخارج. 

_ برضو متفتحيش كده. 

أخفضت "ليلى" رأسها بحرج لينظر إليها "عزيز" بنظرة فاحصة ثم تنهد بقوة وتحرك من أمامها وهو يحمل تلك العُلبة. 

أتبعته "ليلى" بتوتر وهي تلوم نفسها داخلها؛ فهي بالفعل أخطأت حينما فتحت الباب بشعرها وبتلك المنامة الملتصقة على جسدها. 

وضع العُلبة الكبيرة على طاولة الطعام وقال بنبرة خشنة. 

_ أنا كلمت "عزيز" قبل ما اجي يعني عارف بوجودي معاكي هنا.
 
اِندهشت من إخباره لها بأمر لم تكن ستسأل عنه، فحدقها بنظرة فاتره جعلتها تتساءَل. 

_ "عزيز" هو فيه حاجه مزعلاك؟ 

أغمض عينيه ثم زفر أنفاسه بثقل وتمتم. 

_ حاسس إن في جبل على كتافي وتعبان. 

انتفض قلبها فزعًا وهي ترى الحزن واضح في عينيه. 

_ "عزيز" هو في حاجه وحشه حصلت.
 
نظر إليها ثم تحرك نحو الأريكة وجلس عليها. 

_ تعالي اقعدي جنبي. 

اقتربت منه بقلق وجلست جواره وقد ازدادت حيرتها. 

_ طيب هو أنت لسا زعلان مني عشان فتحت باب الشقة وأنا كده.
 
فوضى من المشاعر داخله ورغم غضبه من فعلتها إلا أن كلامها جعله يبتسم ويحرر خُصلات شعرها من رباطها. 

_ لأ أنا عارف يا حبيبتي إنك بتحتاجي بس مني إني ألفت نظرك للأمور. 

كلامه اللين جعلها تندفع إلى حضنه وقد أدهشته فعلتها. 

_ "عزيز" أنا بحبك أوي. 

تنهيدة قوية خرجت من شفتيه، فَــ لأول مره تختار "ليلى" الوقت الصحيح في إظهار حُبها له. 

_ وأنا مش بحبك بس يا "ليلى" أنا عديت مرحلة الحب.
 
اِبتعد عنها ثم اِزدرد لُعابه راغبًا في سؤالها، هل ستستغل هذا الحُب يومًا. 

إلتمعت عيناها بحُب وسُرعان ما ڪان قلبه يخفق بقوه بعدما لثمت خده بقُبلة. 

ضاع الصراع الذي بدأ يدوي بأعماقه وضاع صراخ ابن شقيقه من رأسه ولا شئ كان يراه أمامه الآن إلا هي. 

استسلمت له وتركته يحبها بالطريقة التي صارت تفهمها معه إلى أن ابتعد عنها ووضع جبينه على جبينها...

 أغلقت عينيها وأخذت تزفر أنفاسها الهادرة ببطء، وبدء صدره يعلو ويهبط من تهدَّج أنفاسه. 

_ كل حاجه بعيشها معاكِ مش بكتفي منها، تفتكري لحد امتى هفضل عطشان.
 
بنظرة بريئة حدقته ثم رفرفت بأهدابها، فهي تعجز عن وصف مشاعرها له. 

_ هو أنا أمتى هعرف أقول كلام حلو زيك يا "عزيز". 

ابتسم، فهو يكفيه منها جرعة الحُب التي تمنحها له كلما أتاها هاربًا من كل شئ حوله. 
... 

أنهت" بيسان" مكالمتها مع إحدى صديقاتها عند دلوف "سمية" غرفتها. 

_ إيه يا "بيسان" اختفيتي ليه بعد العشا. 

إعتدلت "بيسان" في جلوسها على فراشها. 

_ أبدًا يا طنط، اصلي مرهقة شوية وقولت اطلع ارتاح في اوضتي. 

اقتربت منها "سمية" وجلست جِوارها. 

_ إيه رأيك تاخدي أجازة وتسافري كام يوم تريحي فيهم نفسك وتفصلي عن ضغط الشغل. 

_ "سيف" محتاجني جنبه في الشغل لأنه لسا جديد في شغلنا وانا وهو شغالين على صفقة سوا. 

اِبتسمت "سمية"؛ فهذا هو الرد الذي أرادت أن تسمعه منها. 

_ تتأجل كل حاجه يا حبيبتي، اقولك على إقتراح حلو إيه رأيك صفقة دبي تسافروا ليها أنتوا الاتنين سوا. 

وأردفت" سميه" وهي تلتقط خُصله من شعر "بيسان" تلفها على إصبعها برفق. 

_ حاولي تقنعي "سيف" إن وجودكم سوا في الصفقة دي ضروري. 
... 

وضع "عزيز" رأسه على ظهر الأريكه وأغلق عينيه لتنظر إليه "ليلى" بتردد وقد ظَنّت أنه غفىٰ. 

_ "عزيز" أنا عملت القهوة، هو أنت نمت؟ 

تساءَلت بصوت خافت ليفتح عينيه ثم ضاقت حدقتاه عندما وجدها اِرتدت عباءة على ما كانت ترتديه ووضعت حجابها على رأسها. 

_ إيه اللي لبسك كده؟
 
وضعت القهوة على المنضدة الصغيرة التي أمامه ثم نظرت إليه بحرج. 

_ يعني عشان عمو لو جيه هيكون عيب لو لاقاني قاعده قصادك كده. 

أجفلها صوته الذي خرج بإستنكار. 

_ نعم يا حبيبتي، قولي تاني كده عشان مسمعتش.
 
تراجعت خُطوة إلى الوراء وأشارت نحو القهوة وبصوت مهزوز هتفت. 

_ القهوه هتبرد. 

رمقها "عزيز" بنظرة ضيقة ثم زوىٰ ما بين عينيه. 

_ اقل من دقيقة ألاقيكي رجعتي زي ما كنتي إلا اروح اجيب العلبه اللي فيها القمصان وافتحها ونتفرج بقى وتكون كل حاجه ملموسه وعلى الطبيعة. 

فور أن ألقى بتهديده اِختفت من أمامه وهتفت بصوت صارخ. 

_ لأ لأ هرجع زي ما كنت خلاص. 
....
في صباح اليوم التالي.... 

اِرتفعت أصوات الزغاريد بالبناية بأكملها، فترك "نائل" الجريدة وهتف مناديًا على "منصور" المرافق له بالفترة الصباحية. 

_ "منصور"، يا "منصور". 

اِتجه "منصور" إليه متسائلًا بقلق. 

_ محتاج حاجة مني يا سيادة اللوا. 

مجرد ثواني معدودة توقفت فيها الزغاريد ثم عادت تصدح عاليًا. 

_ إيه الزغاريط اللي على الصبح دي. 

بحيره رد "منصور" وهو يمسح يديه بالمنشفة الصغيرة التي يحملها.

_ مش عارف يا سيادة اللوا، اديني خمس دقايق اعرفلك جايه من أي شقة و ليه. 
....
 
دمعت عينين ڪُلًا من "عايدة" و "عزيز" وهما يتلقفونها بين أحضانهم غير مصدقين أن صغيرتهم حققت حُلمهم وستلتحق بــ كلية الطب التي حلموا بها.
 
_ رفعتي راسي يا "شهد"، رفعتي راس ابوكي ومبقتش خلاص "عزيز" السواق. 

وأردف "عزيز" وهو يسمح دموعه. 

_ هبقى دلوقتي "عزيز" أبو الدكتورة "شهد"

اِنسابت دموع "ليلى" وهي تنظر إليهم وقد عادت لها ذكرى ليوم كهذا، ورغم مجموعها الذي لم تفرح به إلا أنها ذاقت نفس شعور الفرحه.

اِحتضن "عزيز" ڪُلًا من ابنته وزوجته وقد بكت "شهد" في حضن والدها وهي تخبره أنه أفضل أب بالنسبة لها.

أطرقت "ليلى" رأسها وانهمرت دموعها على خديها وتردد صوت والدتها.

 «أنا فخورة بيكِ يا "ليلى"، أنتِ أحسن بنت، امتى هيجي اليوم اللي هشوفك فيه عروسه» 

_ "لـيـلـى"

هتف بها عمها وهو يفتح لها ذراعيه، لترفع عيناها نحوه ثم اندفعت إليه وارتمت في حضنه ليتعانقوا جميعهم بسعادة.
....

وقفت "زينب" في منتصف الشقة تنظر حولها ثم اقتربت من ذلك الجزء الذي تم فتحه على الشقة الأخرى.

رمقها "صالح" دون أن يتحدث ثم تحرك بصغيره الغافي على ذراعه واتجه نحو غرفته. 

استمرت "زينب" بالتحرك نحو الجزء الأخر الذي يُشبه تصميم شقتهم ليتساءَل "صالح". 

_ لسا متفرشتش، قولت لما نرجع نختار العفش سوا ولو عايزه نغير الديكورات بتاعتها كلها معنديش مشكله. 

_ أنت قولت إني هعيش في شقه لوحدي. 

حدقها "صالح" بنظره طويله ثم مرر يده على عنقه. 

_ ما إحنا هنعيش في شقتين منفصلتين يا "زينب"، بس ده بينا لكن قدام الناس احنا عملنا كده لأننا عايزين يكون عندنا مساحه واسعه. 
 
رمقته بنظرة ثاقبة ثم زمت شفتيها بعبوس، فهي ليست بالغبية حتى لا تفهم نواياه. 

_ طيب هتنام فين لحد ما نغير الديكورات ونفرشها. 

ابتسم "صالح" ابتسامة واسعة لتظهر أسنانه المصفوفة.

_ هنام في اوضتي عادي لحد ما نخلص تظبيط الجزء دا. 

كادت أن تتحدث إلا أنه قاطعها. 

_ إحنا جايين من السفر تعبانين إيه رأيك ندخل نرتاح وبكره نتكلم.
 
تثاءَب "صالح" وتحرك من أمامها هاربًا وقال بصوت ناعس.

_ تصبحي على خير يا "زوزو".
 
ظلت "زينب" واقفة في مكانها ثم تأففت بحنق. 

دخلت "زينب" غرفتها ثم ارتمت على فراشها ولم تكن تَظُن أنها ستغفو بملابسها. 
... 
في الساعة العاشرة مساءً..... 

كان "عزير" يقف في صالة المطار وينتظر ظهور "نيهان". 

رفع "نيهان" ذراعه عاليًا حتى ينتبه عليه ليبتسم "عزيز" ثم تحرك نحوه.

اِحتضنه "نيهان" رابتًا على ظهره. 

_ اشتقت إليك يا رَجُل. 

قالها "نيهان" ثم عاد لــ إحتضانه وأردف وهو لا يُصدق حتى الآن أن زيارته هذه المرة من أجل حضور زفاف "عزيز". 

_ أخيرًا ستفعلها، أنا حتى اليوم لا أصدق..

وبمزاح واصل كلامه هامسًا. 

_ هل احرزت أهداف، أم أنك تنتظر الشوط المنتظر؟ 

وبقوة قهقه "نيهان" عندما دفعه "عزيز" من أمامه وقال وهو يوجه كلامه إلى "نارڤين" المبتسمة.

_ مش عارف مستحملاه إزاي! 
... 

فتح "صالح" عينيه بصعوبة ثم رفع رأسه من على الوسادة و إلتقط هاتفه حتى يرىٰ الوقت الذي لم يتجاوز العاشرة والنصف.

اِستمرت "زينب" بطرق باب الغرفة وندائه، فأخذ ينفض رأسه حتى يفيق وهو يتحرك نحو الباب. 

_ مالك يا "زينب" في إيه، هو حصل حاجه لجدك. 

أسرعت بالرد وهي تتحاشىٰ النظر إليه، فهو يقف أمامها عاري الصدر. 

_ بعد الشر عنه، جدو الحمدلله بخير. 

زفر "صالح" أنفاسه بإرتياح وتمتم قبل أن تلتقط عيناه ما تمسكه بيدها. 

_ الحمدلله، طمنتيني..

وسُرعان ما كان يُغادر النُعاس عينيه وهو يُحدق بتلك الورقة. 

_ بس إيه الورقة دي؟ 

تعليقات



×